انتقل إلى المحتوى

بكينا النضار الحر والحسب العدا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

بكَيْنا النُّضارَ الْحُرّ والحسَبَ العِدَّا

​بكَيْنا النُّضارَ الْحُرّ والحسَبَ العِدَّا​ المؤلف علي الجارم


بكَيْنا النُّضارَ الْحُرّ والحسَبَ العِدَّا
بكَيْنا فما أغنَى البكاءُ ولا أجدَى
بكيْنَا لعلَّ الدمعَ يُطفىءُ حُرْقةً
من الشوقِ فازدادت بِتَذْرافِه وقْدا
حُشاشةُ نفسٍ صُوِّرتْ في مدامعٍ
وجَذْوةُ نارٍ في الْحَشا سُمِّيتْ وجدا
ولوعةُ مكلوم الفؤادِ وسادُه
يحنُّ له قُرباً فيوُسِعُه صدّا
يُقلِّبُ طَرْفاً في الظلامِ من الأسى
ويُرسلُ في الآفاق أنفاسَه صهْدا
بكَيْنا وما تبكى الرجالُ وإنما
يعودُ الفتى للطبعِ إن لم يجد بُدّا
هو القَدَرُ الماضي إذا انساب سهمُه
فلن يستطيعَ العالَمون له ردّا
هو الدهرُ ما بضَّتْ بخيرٍ يمينُه
يُجمِّعنا سهواً وينثُرنا عمدا
يُجرِّدُ سيفاً في الظلامِ من الردَى
يخِبطُ لا يُبقي مليكاً ولا عبدا
مصابٌ أصاب الهاشميةَ سهمُه
وهدَّ من العلياء أركانَها هدَّا
وغال شبابَ المُلكِ في عُنْفُوانِه
وأطفأ نُور الشمسِ واخترم المجدا
وطار بأحلامٍ وفرَّق أنفساً
شَعاعاً تَرى نُورَ السبِيل وما تُهْدَى
حُشُودٌ على الآلامِ والحزن تلتقي
يقاسمُ حَشْدٌ في رَزيئتهِ حشدا
ففي كلِّ قلبٍ مأتَمٌ ومَناحةٌ
وفي كلِّ دارٍ أنَّةٌ تصدَعُ الصلْدا
وفي كلِّ أرض للعرُوبةِ صيحةٌ
إذا ردَّدتها أبكتِ التركَ والهندا
فقدناه ريَّانَ الشبابِ تضوَّعت
شمائلُه مِسكاً وآثارُه نَدّا
فقدناه والأحْداثُ تَغْشَى غُيُومُها
وتنتظمُ الآفاق عابسةً رُبْدا
فقدناه والآمالُ توميِ بإصْبَعٍ
إليه وتمتدُّ العُيونُ له مَدّا
فقدناه أزهَى مانكونُ بمثله
وأعلَى به كعباً وأقَوى به زَنْدا
فقدناه سيفا هاشميا إذا سطت
سيوف الليالي كان أرهفها حدّا
حُسامٌ بكفِّ اللهِ كان صِيالُه
فأصبحتِ الأرضُ الطهورُ له غِمدا
ورُوحٌ سَرَى السارون في نورِ هَدْيه
فلم يُخْطِئوا للمجدِ نَهْجاً ولا قصدا
أطلَّ عليهم من بعيدٍ فشمَّروا
إلى قِمَّةِ الدنيا غَطارِفةً جُردا
إذا بعُدت آمالُهم فتردَّدوا
دعاهم إلى الإقدامِ فاستقربوا البعدا
يقودُهمُ الغازي إلى خير غايةٍ
فأكْرِمْ به مَلكاً وأكْرِمْ بهم جُندا
نسورٌ إذا طاروا ليومِ كريهةٍ
وإن بطشوا يوم الوغى بطشوا أُسْدا
سَلِ السيفَ عنهم كيف صال بِكفِّهم
شُيوخاً لهم قلبُ الجلامِيد أو مُرْدا
كأَنَّ غبارَ النصر في لَهَواتِهم
سُلافٌ من الفِرْدوسِ مازجتِ الشّهدا
أولئك أبناءُ الفُتوح التي زها
بها الدين واجتاح الممالكَ وامتدّا
لهم في سِجلِّ المجد أوَّلُ صفحةٍ
كفاتحةِ القرآنِ قد مُلِئت حمدا
ومَن كتب النصرَ المبينَ بسيفِه
على جَبْهةِ الدنيا فقد كتب الْخُلْدا
حمامةَ وادي الرافدْينِ ترفَّقي
بعثتِ الجوىَ ماكان منه وماجَدّا
حنانَكِ إنّ الصبرَ من زينةِ الفتى
إذا غاص في ظلمائِه الأمرُ واشتدّا
طرحنا رداءَ اليأسِ عنَّا بَوَاسلاً
وإنْ هزّنا يومُ العِراقِ وَإِنْ أدّا
حمامةَ وادي الرافدينِ ابعثي الهَوى
حنيناً فما أحلى الحنينَ وَما أشْدَى
ففي النيل أرواحٌ ترِفُّ خوافقٌ
تفاسمُكِ التاريخَ والدينَ والوُدّا
ظِماءٌ إلى ماءٍ بدِجْلةَ سَلْسَلٍ
تودُّ بنور العين لو رأتِ الوِردا
إذا مسّتِ البأْساءُ أذْيالَ دِجلةٍ
قرأتَ الأسَى في صفحةِ النيل وَالكَمْدا
وإن طُرِفتْ عينٌ ببغدادَ من قذىً
رأيتَ بمصرٍ أعيناً مُلئِتْ سُهدا
إخاءٌ على الفصحَى توثَّق عَقْدُه
وشُدَّت على الإيمانِ أطرافُه شدّا
لنا في صميمِ المجد خيرُ أبوّةٍ
زُهينا بها أصلاً وتاهت بنا وُلْدَا
مضَى الهاشميُّ السَمْحُ زَيْنُ شبابهِ
وأعرقُهم خالاً وَأكرمُهم جدَّا
أطلّت شُموسُ الدينِ من حُجُراتِهم
على الكون لا وهْداً تركن وَلا نجدا
خططنا له لحداً فضاق بنفسهِ
وَإِنّ له في كل جانحةٍ لحدا
فتى تنبُتُ الآمالُ من غيثِ كفِّه
فلله ما أوْلَى وَللّه ما أسْدَى
أتينا إلى بغدادَ والقلبُ واجفٌ
يهُزُّ جَناحاً لا يقَرُّ ولا يَهْدَا
تُطوِّحنا الصحراءُ ليس بعيدُها
بدانٍ وَلم نعرِف لآخرِها حدّا
كأنّ الرمالَ الْجاثماتِ بأرضِها
جِمالٌ أناختْ لاتُساقُ ولا تُحدَى
عددنا بها الساعاتِ حتى تركننا
وقد سئِمتْ منها أصابعُنا عَدّا
أتينا نؤَدِّي للعرُوبةِ حقَّها
يسابقُ وَفْدٌ في تلهُّفِه وَفدا
يُحمِّلنا النيلُ الوفيُّ تحيةً
وَيُهدي من الآمالِ أكرمَ مايُهدى
عزاءً مضى الغازي كريماً لربِّه
فما أعظمَ الْجُلَّى وَما أفدحَ الفقدا
عزاءً ففينا فيصلٌ شِبْلُ فيصلٍ
نرَى في ثنايا وَجهِه الأسدَ الورْدا
له في اسمه أوفَى اتصالٍ بجدِّه
فيا حسنَه فأْلاً ويا صدقَه وعدا
بدا نجمُه في الشرقِ يُمناً ورحمةً
وأشرق في الأيامِ طالعُه سعدا
عهِدتم إلى عبد الإله وإنه
لأكرمُ من يرعَى القرابةَ والعهدا
إذا رنتِ الآمالُ كان ثِمالَها
وإنْ حارتِ الآراءُ كان لها رُشْدا
سلامٌ على الغازي سلامٌ على الندى
إذا مابكَى من بعدهِ التِّرْبَ والندَّا