انتقل إلى المحتوى

بقاء الخلائق رهن الفناء

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

بقاء الخلائق رهن الفناء

​بقاء الخلائق رهن الفناء​ المؤلف ابن دارج القسطلي


بقاء الخلائق رهن الفناء
وقصر التداني وشيك التنائي
لقد حل من يومه لاقتراب
وقد حام من عمره لانتهاء
هل الملك يملك ريب المنون
أم العز يصرف صرف القضاء
هو الموت يصدع شمل الجميع
ويكسو الربوع ثياب العفاء
يبز الحياة ببطش شديد
ويلقى النفوس بداء عباء
ألم تر كيف استباحت يداه
كريم الملوك وعلق السناء
أووافى بسيدة السيدات
مأوى البلى ومناخ الفناء
هو الرزء ألوى بعزم القلوب
مصابا وأودى بحسن العزاء
فما في العويل له من كفيء
ولا في الدموع له من شفاء
فهيهات فيه غناء الزفير
وهيهات منه انتصار البكاء
وأنى يدافع سقم بسقم
وكيف يعالج داء بداء
فتلك مآقي جفون رواء
مفجرة من قلوب ظماء
فلا صدر إلا حريق بنار
ولا جفن إلا غريق بماء
فقد كاد يصدع صم السلام
ويضرم نار الأسى في الهواء
وجيب القلوب وشق الجيوب
وشجو النحيب ولهف النداء
فمن مقلة شرقت بالدموع
ومن وجنة شرقت بالدماء
وسافرة من قناع الحياة
ونابذة صبرها بالعراء
وبيض صبغن بلون الحداد
حمر البنود وبيض الملاء
نواشج في سابغات المسوح
وضافي الشعور بلبس سواء
أنجما هوى في سماء المعالي
لتبك عليك نجوم السماء
فحاشى لرزئك أن يقتضيه
عويل الرجال ولدم النساء
لبيض أياديك في الصالحات
تمسك وجه الضحى بالضياء
وقل لفقدك أن يحتبي
عليه الصباح بثوب المساء
فيا أسف الملك من ذات عز
تعوض منها بعز العزاء
وروح القبور لمجد مقيم
وترح القصور لربع خلاء
ولو قبل الموت منها الفداء
لضاق الأنام لها عن فداء
لئن حجبت تحت ردم اللحود
ومن قبل في شرفات العلاء
فتلك مآثرها في التقى
وبذل اللهى ما لها من خفاء
جزاك بأعمالك الزاكيات
خير المجازين خير الجزاء
ولقيت في ضنك ذاك الضريح
نسيم النعيم وطيب النواء
فيا رب زلفى لدى المشرقين
أبضعت فابتمتها بالعلاء
بوعاري الجناحين نبئت عنه
فأمسى وقد رشته بالعطاء
ودعوة عان بأقصى الدروب
سمعت لوجه سميع الدعاء
وذي حبوة بفناء المقام
سنحت له بسجال الحباء
فلله من طارق لليالي
رماك بيوم كيوم البراء
فودعت فيه إمام الهدى
وداع نوى مالها من لقاء
نجيبك والمصطفى للخلافة
من سلفي خاتم الأنبياء
وما رد عنك سهام الحمام
بحرز الجناب وعز الفناء
ودهر مطيع وسور منيع
وقصر رفيع مشيد البناء
وزأر الأسود وخفق البنود
وجمع الحشود بملء الفضاء
بكل كمي جريء الجنان
وكل أمير منيف اللواء
ووال رعى الله ما قد رعاه
فابلاه في الصنع خير البلاء
تبلج عنه سنا يعرب
تبلج قرن الضحى عن ذكاء
وهزت مضاربه عن حسام
وفرت نواجذه عن ذكاء
فتى قارض الله عن نفس حر
براها لتخليد حر الثناء
وأقحمها مخطرات الحروب
وأحبسها في سبيل السواء
وجاهد في الله حق الجهاد
وأغنى عن الملك حق الغناء
وسيف إذا لألأته الحروب
طار العداة به كالهباء
وألبسه النصر ثوب الجلال
وتوجه الصبر تاج البهاء
فلو أفصح الدهر عما يكن
لناداه يا صفوة الأولياء
هوالماك العامري المسمى
يداه كفيلي حياة الرجاء
عزاء إمام الهدى فالنفوس
ما إن سواك لها من عزاء
وعوضت منها جزيل الثواب
ومد لك الله طول البقاء