انتقل إلى المحتوى

بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الأول (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية)/الفصل الخامس: كوتاهية وهنكار إسكلەسى

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


الفصل الخامس
كوتاهية وهنكار إسكلەسى
١٨٣٣

١ - السلطان يطلب المعونة: وخشي السلطان سوء العاقبة بعد قونية لا بل ارتعدت فرائصه، فعرض على الحكومة البريطانية عقد تحالف ثم أرسل سفيره في فيينة إلى لندن يفاوض في إرسال مدد بحري يقوم هو بنفقاته1. وبات ينتظر الجواب. وأراد العزيز أن يستغل نصره في قونية فكتب إلى ناظر الطوبخانة خليـل رفعت باشا يدعوه إليه للبحث في الصلح وتضميد الجروح2. ثم ورد جواب الحكومة البريطانية على اقتراح السلطان بالرفض نظراً لانشغال قواتها في مياه هولندة والبرتغال3. فلم يبقَ لدى السلطان عندئذ سوى الموافقة على اقتراح العزيز لما في ذلك من كسب للوقت. فأوفد خليل رفعت باشا ناظر الطوبخانة ومستشار السلطان الخاص ومصطفى رشيد بك آمدي الديوان الهمايوني وسلّحهما بفرمان سلطاني يتضمن العفو عما مضى وإلحاق إيالة صيدا وتوابعها بحكومة العزيز4. ولدى وصولها إلى الإسكندرية في الحادي والعشرين من كانون الثاني سنة ١٨٣٣ واطلاع العزيز على مضمون الفرمان السلطاني هب العزيز يدعو بحفظ الذات الشاهانية ويؤكد وجوب التوقف عن الزحف بعد قونية5. ثم أخذ يداعب الوفد ويفاوضه للوصول إلى حل يرضي الطرفين، وما أن علم ابنه إبراهيم بقيام هذا الوفد المفاوض من الآستانة ووصوله إلى مصر حتى كتب إلى والده يوجب المطالبة بالاستقلال التام وبضم بر الشام وأدنة وقبرص والعراق إلى مصر مؤكداً له بإمكانه أن يملي هذه المطالب إملاء وأن يجابه الدول بالأمر الواقع قبل أن يتسنى لها التدخل الفعلي. ورأى أيضاً أن المصلحة تقضي بخلع السلطان وبإجلاس ولي العهد مكانه صوناً للحقوق المكتسبة6.

٢ - التدخل الروسي: وكان القيصر الروسي نيقولاوس الأول (۱۸۲٥-۱۸٥٥) منذ نهاية الحرب الروسية التركية وتوقيع معاهدة أدرنة قد طلب إلى سبعة من أكبر أخصائه أن يدرسوا القضية التركية مجدداً ويتقدموا باقتراحات تنير سبيله وتمكنه من اتخاذ خطة رشيدة في معالجة هذه القضية. فرأى داشكوف أحد كبار هؤلاء أن طرد الأتراك من أوروبة قد يؤدي إلى إنفصال كبير في نفوسهم فيزيدهم نشاطاً وقوة ويزدادون إزعاجاً في منطقة القوقاس. ثم أضاف أن اقتسام الأراضي التركية في أوروبة يجر النفوذ النمساوي إلى البوسنة والجبل الأسود وألبانية ويجذب البريطانيين إلى جزر إيجة والفرنساويين إلى مصر فيستبدل جاراً ضعيفاً بجيران أقوياء. وقال زميله نسلرود أيهما أنفع لنا زوال الحكومة العثمانية أم بقاؤها؟ لا مراء في أن إعادة العبادة الأرثوذكسية الحسنة إلى الكنائس التي أصبحت جوامع في الآستانة تزيد في شرفنا وتخلد ذكرنا في التاريخ ولكنها تؤدي في الوقت نفسه إلى عراك مع دول أوروبة العظمى. فقر قرار اللجنة على استبقاء الدولة العثمانية والمحافظة عليها حرة طلقة خالية من أي نفوذ أجنبي7.

وهكذا فإننا نرى القيصر في السنة ١٨٣٢ يهتم اهتماماً فائقاً لنداء الحكومة العثمانية ورجائها بأن تحافظ الدول على الحياد في حربها مع والي مصر وأن تمتنع عن إرسال المؤن والعتاد له نقول نرى القيصر يهتم لهذا النداء فيأمر بالعمل بموجبه ثم يقفل قنصليته بالإسكندرية ويحيل أعمالها إلى قنصل توسكانة8 ويوفد بعد انهزام الجيش الثاني في حمص وبيلان مندوباً خاصاً إلى الآستانة الجنرال مورافيف ليعرض على الباب العالي معونة فعلية توقف إبراهيم باشا وتفرض على العزيز طاعة سيده فرضاً.

وصل الجنرال مورافيف إلى الآستانة في الثاني والعشرين من كانون الأول. وفي الثالث والعشرين منه قابل وزير الخارجية (ريس أفندي) وعرض باسم القيصر معونة برية وبحرية. ثم أعلمه أنه في طريقه إلى الإسكندرية ينقل إلى واليها رغبة سيده في وقف القتال. وبعد أن أوفد الكولونيل دي هامل إلى إبراهيم باشا لإعلامه بذلك قام هو إلى الإسكندرية في الرابع كانون الثاني سنة ١٨٣٣ فوصلها في العشرين منه وقابل العزيز في اليوم التالي فأبلغه أمنية القيصر ورغبته في الوصول إلى سلم أكيد وقال إن جلالته يعتمد في ذلك على نبل العزيز وأنه يأمل أن يعمل العزيز ما في وسعه للوصول إلى هذه الغاية. وكان العزيز قد توقع بناء على معلومات سابقة لهجةً عسكريةً قوية فتأثر من لطف الجنرال الروسي وتأدبه وقبل طلب القيصر وأمر بالكتابة إلى ابنه فوراً بحضور المندوب نفسه بأن يقف عند قونية9.

وكان العزيز يخشى نفوذ الدول ويتهيب تدخلها فتابع اتصالاته بالوفد التركي وأفهم خليل رفعت باشا بأنه لن يرضى بإيالة صيدا وحدهـا وطلب إلحاق إیالات بر الشام جميعها بحكمه ومعها «محصلية» أدنة لوفرة أخشابها وشدة احتياجه لهذه الأخشاب. وقام مصطفى رشيد بك إلى الآستانة يسعى لهذه الغاية10. وسرت إشاعة في الدوائر المقربة أن خليل رفعت باشا نجح في تقريب وجهتي النظر وفي إنشاء تفاهم شخصي بين العزيز وبين خصمه محمد خسرو باشا في أن يقتسما النفوذ في الدولة كل في منطقته فيسعيان معاً لسعادة الكل11. ورأى العزيز ألا يطيعه ابنه في التوقف عن الزحف إلى أن ينال ما طلب12. فتقدم إبراهيم بجيشه إلى كوتاهية وهدد بالزحف على بروسة مما اضطر أحمد فوزي باشا مشير الخاصة أن يكتب إليه بأن يمتنع عن الزحف على بروسة وألا يقترب من الآستانة حقناً لدماء المسلمين13. وطفح الكأس ورجحت كفة الموالين لروسية بين رجال البطانة وطلب السلطان المعونة المعروضة فرست في العشرين من شهر شباط السنة نفسها أمام ثرابية حيث دار السفارة البريطانية قوة بحرية روسية صغيرة ونزل إلى البر الآسيوي المقابل خمسة عشر ألف جندي روسي14.

۳ - موقف الدول: وكانت الدول لا تزال ترقب الأحوال عن بعد. ولكن لما كسب العزيز الواقعة واشتد هرع السلطان بدأت هذه الدول تتسلل حتى إذا ما ظهرت روسية في الميدان بمفردهـا أوجست الدول خيفة وبدأ ساستها يتكلمون. ووافق ظهور الأسطول الروسي في مياه البوسفور وصول سفير فرنسا الجديد الأميرال روسان. وكان هذا مستقل الرأي صريحاً معجباً بنفسه قليل الخبرة في السياسة. فثار ثائره لظهور هذا الأسطول وتسرع في عمله فبدأ بإن تعهد لدى الحكومة العثمانية بأن يقبل محمد علي شروط الصلح التي نقلها إليه خليل رفعت باشا وفي مقابل هذا يتعهد الباب العالي برفض المساعدات الأجنبية15. واتبع هذا بشرع آخر ذلك أنه كتب إلى العزيز كتاباً جافاً قال فيه: «إن إصرارك وادعاءاتك ستجر على رأسك عواقب وخيمة أرجو أن يردعك الخوف عنها. وإن فرنسة ستتمسك بالتعهدات التي أبرمتها وإن لها القوة وأنا ضمين صدق أرادتها. وإني أرجو ألا تضطرنا لاستعمال القوة ضد مملكة نحن من مشيديها. فقام قنصل فرنسة في الإسكندرية المسير ميمو والبارون ده بو الكونت يخففان من وطأة هذا ثم كتب العزيز يرفض رفضاً جميلاً: «اسمح لي يا سيدي أن اسألك بأي حق تطلب مني تضحية نفسي. إن الشعب معي. وما علي إلا أن أرفع إصبعي فأثير الثورات في الرومللي والأناضول. وما دام الشعب معي ففي مقدوري أن أعمل كل شيء. وإن دعوتك لي بأن اتخلى عن الأقاليم التي أحتلها هي بمثابة حكم بالإعدام غير إني واثق أن فرنسة وإنكلترة لا تبخلان بالإنصاف»16. فعاد الأميرال إلى رشده بطلب المستطاع الذي يمكن تحقيقه فبدأ ينصح إلى الباب العالي بإجابة طلب العزيز.

وكان الكونت بالمرستون كما أشرنا سابقاً قد تردد في أعماق نفسه فيما إذا كان قيام دولة فتية في مصر والشام أقرب لمصالح بريطانية من الاستبقاء على الدولة العثمانية بكاملها أم لا فالتزم حياداً كان أقرب لمصالح العزيز منه لمصلحة السلطان، ولكن انهيار الدفاع العثماني وتقدم العزيز إلى كوتاهية وتدخل روسية ذاك التدخل الفعلي نزع عن قضية العزيز صبغتها المحلية وجعل منها قضية دولية لا بد من معالجتها كي لا يتفاقم شرهـا. وهكذا فإننا نرى الوزير البريطاني يعين في كانون الثاني من السنة ١٨٣٣ الكولونيل كامبل قنصلاً عاماً ومعتمداً سياسياً لدى حكومة العزيز ويطلب إليه أن يؤكد للعزيز أن حكومة جلالته البريطانية لا ترضى من تجزئة الدولة العثمانية. ولكن المستر كامبل لم يصل إلى مصر قبل السادس والعشرين من آذار17. وفي السابع من آذار كتب الوزير البريطاني يعتذر عن تقديم المعونة لحكومة الآستانة ولكنه وعد بالإسعاف السياسي فتعاون مع الحكومة الفرنسية تعاوناً جدياً وأرسل في نيسان ينذر العزيز بحصار بحري. ثم رأى أن الضرورة تقضي باللجوء إلى القوة فأمر السر تشارلس هوثام أن يقوم بوحدات بحرية إلى الدردنيل ففعل في شهر أيار فجاء عمله متأخراً18.

ولم يكن للبرنس مترنيخ سوى سياسة واحدة في الشرق وفي الغرب معاً وهي سياسة المحافظة على التقاليد الموروثة وإخماد الحركات القومية واحترام الحقوق الشرعية. ولذا فأننا نراه ينتدب الكولونيل بروکش فون أوستن لتمثيل حكومته في مصر. وكان هذا قد جاب مصر طولاً وعرضاً في السنة ١٨٢٦ فأعجب بعقلية العزيز وتفوقه على أقرانه. ونشر مذكرات من وادي النيل في مجلدات ثلاثة. ووصل مصر في أوائل نيسان ونقل إلى سيدها موقف حكومته من المشكلة القائمة بين السلطان وبين العزيز فبين للعزيز حراجة الموقف الدولي ورجاه أن ينهي المشكلة في أقرب وقت ممكن19.

٤ - اتفاق كوتاهية: وأدى التهديد بالزحف على الآستانة وخطر نشوب ثورة في الأناضول وانقطاع قسم وافر من القوت عن الآستانة من جراء وقوع الأناضول في يد العزيز وامتعاض الرأي العام الإسلامي من التعاون مع روسية عدوة الدولة القديمة وضغط الدول الغربية على كل من السلطان والعزيز نقول أدى هذا كله إلى قيام مصطفى رشيد بك آمدي الديوان الهايوني في الثلاثين من آذار إلى المعسكر المصري حاملاً خطاً شريفاً بتوجيه جميع الإيالات الشامية إلى عهدة العزيز. ورافق الآمدي في هذه الرحلة القائم بأعمال السفارة الإفرنسية البارون دي فارين. وكان القائد المصري قد أصدر أوامره للزحف على الآستانة فأوقف قواته وبات ينتظر تعليمات جديدة من والده ولكنه لم يتردد في المطالبة بأدنة وملحقاتها فوافق الآمدي على ذلك وشرع إبراهيم يستعد للتراجع عن بروسة. ولكن ادعاء الباب العالي بأن المفاوض التركي تخطى حدود صلاحياته وصدور التوجيهات الجديدة خالية من أية إشارة إلى إلحاق أدنة بالحكم المصري أعادا التأزم إلى حاله الأول. فقام ممثلو الدول الغربية يعيدون الكرة في الضغط على السلطان، ووافق هذا كله وصول السفير البريطاني الجديد اللورد بونسوني إلى الآستانة الذي تبنى موقف زملائه. وهب العزيز في الوقت نفسه يخاطب الآستانة بشدة قائلاً «سبحان الله كلما ازددت رغبة في تقديم الخدمات للدولة اعترضتني شوائب عدم الأمان وهكذا فإنهم يعملون على إخراجي من دائرة الأدب»20. فوافق السلطان على إلحاق أدنة بحكم العزيز وكتب أحمد فوزي باشا إلى إبراهيم باشا يفيده أن حكومة أدنة أسندت إلى عهدته وأن أمين أفندي ناظر المهات الحربية أوفد خصيصاً إليه لينقل مضمون بعض الإرادات الشاهانية شفاهاً21. وبعد ذلك بخمسة أيام أي في الحادي عشر من أيار سنة ١٨٣٣ ورد إلى إبراهيم في كوتاهية فرمان سلطاني بتعينه «محصلاً» على أدنة وكتابات من الصدر الأعظم رؤوف باشا ومن السرعسكر محمد خسرو باشا بانتهاء المشكلة22 وبوجوب بدء الجلاء. والجدير الذكر بهذه المناسبة أن ما يسميه المؤرخون اتفاق کوتاهيـة يختلف عن سائر الاتفاقات من نوعه فهو شفهي ينقصه نص معين وتوقيع طرفين متعاقدين. وجل ما هنالك من الوثائق الخطية هو فرمان سلطاني بتعيين محمد علي باشا والياً على مصر وتوابعها وإيالات بر الشام وجزيرة كريد وفرمان آخر بتعيين إبراهيم باشا محصلاً على أدنة وكتابان من الصدر الأعظم ومن السر عسكر يشعران بانتهاء المشكلة.

٥ - هنكار إسكلەسى: وما كاد الصلح يتم بين السلطان وبين العزيز حتى وصل إلى الآستانة سفير روسي فوق العادة هو الكونت أليكسيس أورلوف صديق القيصر الخاص وأخلص المخلصين له. وكان ذا هيبة ووقار لطيفاً أديباً أنيقاً ماهراً في فن الإقناع قريباً من القلب يجمع في شخصه جميع مؤهلات النجاح في التمثيـل الدولي. وكان السلطان لا يزال ممتعضاً من بريطانية وأبنائها لقلة اكتراثهم به وامتناعهم عن إسداء المعونة له وفي الوقت نفسه كان يعتبر فرنسة والإفرنسيين أصدقاء أصفياء لخصمه وجالب مذلته فبالغ في العطف على ممثل القيصر وخرج عن التقاليد في استقباله فخطي خطوتين إلى الأمام لمصافحته وسمح له بالجلوس في حضرته وقدّم له ولديه وشيَّعه حتى باب الردهة لدى خروجه. وأعطى السفير بسخاء في أثناء وجوده بالآستانة فقدم الهدايا الثمينة لرجال البطانة ووزع الأوسمة العديدة على رجال الجيش ويقال أن عددها بلغ أربعة وعشرين ألفاً ونوه بالتآخي القلبي بين جنود القيصر وبحارته وبين عساكر السلطان وأعلن أن مهمته تنحصر في الإشراف على جلاء المصريين وفي الجنود الروس حالما يقطع المصريون في جبال طوروس.

وكان السلطان قد طلب إلى أخيه القيصر عقد تحالف دفاعي يكون في صالح الطرفين فلبى القيصر الطلب وأوعز إلى أليكسيس أن ينجز هذا العمل. وبعد مفاوضات طويلة تم هذا التحالف في بيت محمد خسرو باشا ووقعه في هنگار إسكلەسى في الثامن من تموز أليكسيس أورلوف وبوتانييف عن الجانب الروسي ومحمد خسرو باشا وأحمد فوزي باشا والريس أفندي عن الجانب العثماني. وقضت شروط هذه المعاهدة بسلم وتحالف دائمين بين روسية وتركية وبدفاع مشترك عن حدود البلدين ضد أي هجوم من الخارج واحترام ما يتعلق باليونان من معاهدة أدرنة وباستعداد روسية تأييد استقلال تركية وإسداء المعونة البرية والبحرية لها إذا طلبت ذلك مرة ثانية وبدوام هذه المعاهدة ثمان سنوات. وأهم ما جاء فيها شرط سري قضى بإقفال «الدردنيل» في وجه جميع السفن الحربية الأجنبية وعدم السماح لها بالدخول مهما كان عذرها وذلك في مقابل تنازل روسية عن المعونة الحربية المتوجبة على تركية، وليست هنالك أية إشارة إلى إقفال البوسفور، وبعد توقيع هذه المعاهدة بيومين بدأت القوات الروسية تنسحب من العاصمة التركية.

ورأى الريس أفندي (وزير الخارجية) أن يعلم السفارة البريطانية بمحتويات المعاهدة بصورة غير رسمية. فثار ثائر بالمرستون واتصل بزميله الإفرنسي فاحتجا على هذه المعاهدة في بطرسبرج والآستانة وذكرا في احتجاجها إلى الكونت نسلرود كبير وزراء روسية أن المعاهدة غيرت في علاقات روسية بتركية فصبغتها «بصبغة جديدة» لا يسع بريطانية وفرنسة أزاءها إلا أن تضربا صفحاً عنها وتعملا كما لو كانت هذه المعاهدة غير موجودة. فأجابها نسلرود بأن المعاهدة دفاعية محضة وأنه لا يقصد منها إلا الدفاع عن كيان الدولة العثمانية. ثم تناول تبدل العلاقات بين الطرفين المتعاقدين فقال إن المعاهدة استبدلت علاقات مبنية على العـداء والريبة بغيرها ملؤها الإخلاص والمودة وأضاف بأن القيصر مستمسك بتعهداته الجديدة وسيعمل بموجبها کما لو لم تعلن الحكومتان تصريحاتهما الأخيرة.

وأباح نيقولاوس الأول بما في قلبه إلى البرنس مترنيخ فوافقه على اتجاهه الجديد في سياسته نحو تركية ولكنه رأى أن ظاهر المعاهدة فاق نفعها الحقيقي وبات ينتظر فرصة تمكنه من نسخ هذه المعاهدة بغيرها فتم له ذلك عند اجتماعه بالقيصر في مونشنغراتر حيث عقد الإثنان اتفاقاً سرياً لحفظ كيان الدولة العثمانية وتعهدا بمنع العزيز من مذ نفوذه إلى الولايات الأوروبية وأنه إذا حصل انقلاب في نظام الحكم في الآستانة فالدولتان المتعاقدتان تتفقان على كل ظاهرة من ظواهر النظام الجديد. وظل القيصر مستمسكاً بهذا الاتفاق حتى انثلم الاتفاق الودي بين بريطانية وفرنسة سنة ١٨٤٠ فانضم نيقولاوس إلى جانب بالمرستون23.


  1. بريطانية والقرم للدكتور هارولد تمبرلي ص ٦٣
  2. أحمد خلوصي باشا إلى محمد رشيد باشا ۱۰ شعبان سنة ١٢٤٨ (٩ كانون الثاني سنة ١٨٣٣): المحفوظات الملكية المصرية ج ۲ ص ۲۲۰
  3. المحفوظات البريطانية – الخارجية – ۲۸ ج ۲۲۱ تاریخ ٨ كانون الثاني ١٨٣٣
  4. البارون فارني إلى وزير الخارجية: الحرب الشامية لجورج دوان ج ٢ ص ٤-٥
  5. محمد علي باشا إلى الصدر الأعظم وإلى السرعسكر في الآستانة ١٣ رمضان سنة ١٢٤٨ (۳ شباط ۱۸۳۲): المحفوظات الملكية المصرية ج ٢ ص ٢٤٤
  6. راجع كتابنا أسباب الحملة المصرية ص ٥٣-٦٣
  7. بريطانية والقرم للدكتور مارولد تمبرلي ص ٥۷ و٦۹
  8. بونانيف إلى لافيزون ٣٠ تموز سنة ١٨٣٢: المحفوظات الروسية في مصر لرينه قطاوي بك ج ۱ ص ٥۲٥
  9. ميمو إلى وزير الخارجية ٢٦ كانون الثاني ١٨٣٣: الحرب الشامية الأولى لجورج دوان ج ۲ ص ۳۷ اطلب كذلك المحفوظات الملكية المصرية ج ۲ ص ۲۳۱
  10. ميمو إلى وزير الخارجية، شباط ۱۸۳۳: المؤلف نفسه ج ۲ ص ۷۰ راجع أيضاً بلاغ سامي بك إلى الديوان الخديوي: تقويم النيل لأمين سامي باشا ج ۲ ص ٤١١
  11. رسالة ميمو نفسها المشار اليها آنفاً.
  12. محمد علي باشا إلى ابراهيم باشا ٩ رمضان ١٢٤٨: المحفوظات المصرية ج ٢ ص ٢٤٥
  13. ۱۳ رمضان ۱۲٤۸ (۹ شباط ۱۸۳٣): المحفوظات المصرية ج ٢ ص ٢٤٥
  14. روسان إلى وزير الخارجية ٢٦ شباط ۱۸۳۳: دوان المؤلف نفسه ج ۲ ص ۹۹-۱۰۰
  15. تاريخ مصر السياسي لمحمد رفعت بك ص ۱۹۲
  16. المرجع نفسه ص ۱۹۲-١٩٤
  17. عن المحفوظات البريطانية - وزارة الخارجية – ۷۸ سجل ٢٢٦ نقلاً عن الإمبراطورية المصرية للدكتور محمد صبري ص ۲۲۹
  18. اطلب كتاب الدكتور هارولد تمبرلي المشار إليه آنفاً من ٦٣-٦٦
  19. ميمو إلى وزير الخارجية ٦ نيسان سنة ١٨٣٣: الحرب الشامية الأولى لجورج دوان ج ١ ص ۲۲۹-۳۳۳
  20. محمد علي باشا إلى خليل رفعت باشا ٢ ذي الحجة ۱٢٤٨ (۲۸ نیسان ۱۸۳٢): المحفوظات الملكية المصرية ج ۲ ص ۳۰۸
  21. ۱۰ ذي الحجة ١٣٦٨ (٦ أيار ۱۸٣۳): المحفوظات نفسها ج ۲ ص ۳۱۳
  22. إبراهيم باشا إلى محمد علي باشا ٢٠ ذي الحجة ١٢٤٨: المحفوظات نفسها ج ۲ ص ۳۱۲
  23. ليس أفضل في هذا كله من كتاب الدكتور هارولد تمبرلي المشار إليه آنفاً فليراجع في صفحاته ٩٦-٧٤ فهو أكمل وأحدث وأدق من سواه. وقد اقتبسنا كلام صديقنا محمد رفعت بك في بعض الأحيان كما ورد في كتابه تاريخ مصر السياسي ولا سيما ص ۱۹۸-۱۹۹