انتقل إلى المحتوى

النبوات/6

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


وقد روي عنه انه قال لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري وقد ثبت عن علي رضي الله عنه بالاحاديث الثابتة بل المتواترة أنه قتل الغالية كالذين يعتقدون إلهيته بعد أن استتابهم ثلاثا كسائر المرتدين وأنه كان يبالغ في عقوبة من يسب أبا بكر وعمر وأنه كان يقول انهما خير هذه الامة بعد نبيها وهذا مبسوط في مواضع والمقصود هنا أن هاتين البدعتين حدثتا في ذلك الوقت ثم في آخر عصر الصحابة حدثت القدرية وتكلم فيهم من بقي من الصحابة كابن عمر وابن عباس ووائلة بن الاسقع وغيرهم وحدثت أيضا بدعة المرجئة في الايمان والآثار عن الصحابة ثابتة بمخالفتهم وأنهم قالوا الايمان يزيد وينقص كما ثبت ذلك عن الصحابة كما هو مذكور في موضعه وأما الجهمية نفاة الاسماء والصفات فإنما حدثوا في أواخر الدولة الاموية وكثير من السلف لم يدخلهم في الثنتين والسبعين فرقة منهم يوسف ابن أسباط وعبد الله بن المبارك قالوا أصول البدع أربعة الخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة فقيل لهم الجهمية فقالوا ليس هؤلاء من أمة محمد ولهذا تنازع من بعدهم من أصحاب أحمد وغيرهم هل هم من الثنتين والسبعين على قولين ذكرهما عن أصحاب أحمد أبو عبد الله بن حامد في كتابه في الاصول والتحقيق أن التجهم المحض وهو نفي الاسماء والصفات كما يحكي عن جهم والغالية من الملاحدة ونحوهم من نفي اسماء الله الحسنى كفر بين مخالف لما علم بالاضطرار من دين الرسول وأما نفي الصفات مع اثبات الاسماء كقول المعتزلة فهو دون هذا لكنه عظيم أيضا وأما من أثبت الصفات المعلومات بالعقل والسمع وإنما نازع في قيام الامور الاختيارية به كابن كلاب ومن اتبعه فهؤلاء ليسوا جهمية بل وافقوا جهما في بعض قوله وإن كانوا خالفوه في بعضه وهؤلاء من اقرب الطوائف الى السلف وأهل السنة والحديث وكذلك السالمية والكرامية ونحو هؤلاء يوافقون في جملة أقوالهم المشهورة فيثبتون الاسماء والصفات والقضاء والقدر في الجملة ليسوا من الجهمية والمعتزلة النفاة للصفات وهم أيضا يخالفون الخوارج والشيعة فيقولون باثبات خلافة الاربعة وتقديم أبي بكر وعمر ولا يقولون بخلود أحد من أهل القبلة في النار لكن الكرامية والكلابية وأكثر الاشعرية مرجئة وأقربهم الكلابية يقولون الايمان هو التصديق بالقلب والقول باللسان والاعمال ليست منه كما يحكى هذا عن كثير من فقهاء الكوفة مثل أبي حنيفة وأصحابه وأما الاشعري فالمعروف عنه وعن أصحابه أنهم يوافقون جهما في قوله في الايمان وأنه مجرد تصديق القلب أو معرفة القلب لكن قد يظهرون مع ذلك قول أهل الحديث ويتأولونه ويقولون بالاستثناء على الموافاة فليسوا موافقين لجهم من كل وجه وإن كانوا أقرب الطوائف اليه في الايمان وفي القدر أيضا فانه رأس الجبرية يقول ليس للعبد فعل البتة والاشعري يوافقه على أن العبد ليس بفاعل ولا له قدرة مؤثرة في الفعل ولكن يقول هو كاسب وجهم لا يثبت له شيئا لكن هذا الكسب يقول أكثر الناس انه لا يعقل فرق بين الفعل الذي نفاه والكسب الذي أثبته وقالوا عجائب الكلام ثلاثة طفرة النظام وأحوال أبي هاشم وكسب الاشعري وأنشدوا

مما يقال ولا حقيقة عنده ... معقوله تدنو الى الافهام

الكسب عند الاشعري والحا ... ل عند البهشمي وطفرة النظام

وأما الكرامية فلهم في الايمان قول ما سبقهم اليه أحد قالوا هو الاقرار باللسان وإن لم يعتقد بقلبه وقالوا المنافق هو مؤمن ولكنه مخلد في النار وبعض الناس يحكي عنهم أن المنافق في الجنة وهذا غلط عليهم بل هم يجعلونه مؤمنا مع كونه مخلدا في النار فينازعون في الاسم لا في الحكم وقد بسط القول على منشأ الغلط حيث ظنوا أن الايمان لا يكون الا شيئا متماثلا عند جميع الناس اذا ذهب بعضه ذهب سائره ثم قالت الخوارج والمعتزلة وهو أداء الواجبات واجتناب المحرمات فاسم المؤمن مثل اسم البر والتقى وهو المستحق للثواب فاذا ترك بعض ذلك زال عنه اسم الايمان والاسلام ثم قالت الخوارج ومن لم يستحق هذا ولا هذا فهو كافر وقالت المعتزلة بل ينزل منزلة بين المنزلتين فنسميه فاسقا لا مسلما ولا كافرا ونقول انه مخلد في النار وهذا هو الذي امتازت به المعتزلة والا فسائر بدعهم قد قالها غيرهم فهم وافقوا الخوارج في حكمه ونازعوهم ونازعوا غيرهم في الاسم وقالت الجهمية والمرجئة بل الأعمال ليست من الايمان لكنه شيئان أو ثلاثة يتفق فيها جميع الناس التصديق بالقلب والقول باللسان أو المحبة والخضوع مع ذلك وقالت الجهمية والاشعرية والكرامية بل ليس إلا شيئا واحدا يتماثل فيه الناس وهؤلاء الطوائف أصل غلطهم ظنهم أن الايمان يتماثل فيه الناس وأنه اذا ذهب بعضه ذهب كله وكلا الامرين غلط فان الناس لا يتماثلون لا فيما وجب منه ولا فيما يقع منهم بل الايمان الذي وجب على بعض الناس قد لا يكون مثل الذي يجب على غيره كما كان الايمان بمكة لم يكن الواجب منه كالواجب بالمدينة ولا كان في آخر الامر كما كان في أوله ولا يجب على أهل الضعف والعجز من الايمان ما يجب على أهل القوة والقدرة في العقول والأبدان بل أهل العلم بالقرآن والسنة ومعاني ذلك يجب عليهم من تفصيل الايمان مالا يجب على من لم يعرف ما عرفوا وأهل الجهاد يجب عليهم من الايمان في تفصيل الجهاد مالا يجب على غيرهم وكذلك ولاة الامر واهل الاموال يجب على كل من معرفة ما أمر الله به ونهى عنه وأخبر به مالا يجب على غيره والاقرار بذلك من الايمان ومعلوم أنه وان كان الناس كلهم يشتركون في الاقرار بالخالق وتصديق الرسول جملة فالتفصيل لا يحصل بالجملة ومن عرف ذلك مفصلا لم يكن ما أمر به ووجب عليه مثل من لم يعرف ذلك وايضا فليس الناس متماثلين في فعل ما أمروا به من اليقين والمعرفة والتوحيد وحب الله وخشية الله والتوكل على الله والصبر لحكم الله وغير ذلك مما هو من ايمان القلوب ولا في لوازم ذلك التي تظهر على الابدان واذا قدر أن بعض ذلك زال لم يزل سائره بل يزيد الايمان تارة وينقص تارة كما ثبت ذلك عن أصحاب رسول الله مثل عمر بن حبيب الخطمي وغيره انهم قالوا الايمان يزيد وينقص كما قد بسط في غير هذا الموضع إذ المقصود هنا أن طوائف أهل البدع من أهل الكلام وغيرهم ليس فيهم من يوافق الرسول في أصول دينه لا فيما اشتركوا فيه ولا فيما انفرد به بعضهم فانهم وان اشتركوا في مقالات فليس إجماعهم حجة ولا هم معصومون من الاجتماع على خطأ وقد زعم طائفة ان إجماع المتكلمين في المسائل الكلامية كاجماع الفقهاء وهذا غلط بل السلف قد استفاض عنهم ذم المتكلمين وذم أهل الكلام مطلقا ونفس ما اشتركوا فيه من إثبات الصانع بطريقة الاعراض وأنها لازمة للجسم أو متعاقبة عليه فلا يخلو منها وما لم يخل من الحوادث فهو حادث لامتناع حوادث لا أول لها وأن الله يمتنع أن يقال أنه لم يزل متكلما بمشيئته وقدرته او يمتنع أن يقال أنه لم يزل فعالا وأنه صار فاعلا أو فاعلا ومتكلما بمشيئته مبتدع في الاسلام أول ما عرف أنه قاله الجهم بن صفوان مقدم الجهمية وأبو الهذيل العلاف مقدم المعتزلة ولهذا طرداه فقالا بامتناع الحوادث في المستقبل وقال الجهم بفناء الجنة والنار وقال أبو الهذيل بانقطاع حركاتهما كما قد بسط فروع هذا الاصل الذي اشتركوا فيه ثم افترقوا بعد ذلك في فروعه فائمتهم كانوا يقولون كلام الله القرآن وغيره مخلوق وكذلك سائر ما يوصف به الرب ليس له صفة قامت به لأن ذلك عرض عندهم لا يقوم الا بجسم والجسم حادث فقالوا القرآن وغيره من كلام الله مخلوق وكذلك سائر ما يوصف به الرب فجاء بعدهم مثل ابن كلاب وابن كرام والاشعري وغيرهم من شاركهم في أصل قولهم لكن قالوا بثبوت الصفات لله وأنها قديمة لكن منهم من قال لا تسمى أعراضا لان العرض لا يبقى زمانين وصفات الرب باقية كما يقوله الاشعري وغيره ومنهم من قال تسمى أعراضا وهي قديمة وليس كل عرض حادثا كابن كرام وغيره ثم افترقوا في القرآن وغيره من كلام الله فقال ابن كلاب ومن اتبعه هو صفة من الصفات قديمة كسائر الصفات ثم قال ولا يجوز أن يكون صوتا لانه لا يبقى ولا معاني متعددة فإنها ان كان لها عدد مقدر فليس قدر بأولى من قدر وإن كانت غير متناهية لزم ثبوت معان في آن واحد لا نهاية لها وهذا ممتنع فقال انه معنى واحد وهو معنى آية الكرسي وآية الدين والتوراة والانجيل وقال جمهور العقلاء إن تصور هذا القول تصورا تاما يوجب العلم بفساده وقال طائفة بل كلامه قديم العين وهو حروف أو حروف وأصوات قديمة أزلية مع أنها مترتبة في نفسها وأن تلك الحروف والاصوات باقية أزلا وأبدا وجمهور العقلاء يقولون ان فساد هذا معلوم بالضرورة وهاتان الطائفتان تقولان انه لا يتكلم بمشيئته وقدرته وقال آخرون كالهشامية والكرامية بل هو متكلم بمشيئته وقدرته وكلامه قائم بذاته ولا يمتنع قيام الحوادث لكن يمتنع أن يكون لم يزل متكلما فإن ذلك يستلزم وجود حوادث لا أول لها وهو ممتنع فهذه الأربعة في القرآن وكلام الله هي أقوال المشركين في امتناع دوام كون الرب فعالا بمشيئته أو متكلما بمشيئته

وأما أئمة السنة والحديث كعبد الله بن المبارك واحمد بن حنبل وغيرهما فقالوا لم يزل الرب متكلما اذا شاء وكيف شاء فذكروا أنه يتكلم بمشيئته وقدرته وأنه لم يزل كذلك وهذا يناقض الاصل الذي اشترك فيه المتكلمون من الجهمية والمعتزلة ومن تلقى عنهم فلا هم موافقون للكتاب والسنة وكلام السلف لا فيما اتفقوا عليه ولا فيما تنازعوا فيه ولهذا يوجد في عامة أصول الدين لكل منهم قول وليس في أقوالهم ما يوافق الكتاب والسنة كأقوالهم في كلام الله واقوالهم في ارادته ومشيئته وفي علمه وفي قدرته وفي غير ذلك من صفاته وإن كان بعضهم اقرب الى السنة والسلف من بعض ولكن قد شاع ذلك بين أهل العلم والدين منهم فكثير من أهل العلم والدين المنتسبين الى السنة والجماعة من قد يوافقهم على بعض أقوالهم في مسألة القرآن أو غيرهما اذ كان لا يعرف الا ذلك القول أو ما هو أبعد عن السنة منه اذ كانوا في كتبهم لا يحكون غير ذلك اذ كانوا لا يعرفون السنة واقوال الصحابة وما دل عليه الكتاب والسنة لا يعرفون الا قولهم وقول من يخالفهم من أهل الكلام ويظنون أنه ليس للامة الا هذان القولان أو الثلاثة وهم يعتمدون في السمعيات على ما يظنونه من الاجماع وليس لهم معرفة بالكتاب والسنة بل يعتمدون على القياس العقلي الذي هو أصل كلامهم وعلى الاجماع واصل كلامهم العقلي باطل والاجماع الذين يظنونه انما هو اجماعهم واجماع نظرائهم من أهل الكلام ليس هو إجماع أمة محمد ولا علمائها والله تعالى إنما جعل العصمة للمؤمنين من أمة محمد فهم الذين لا يجتمعون على ضلالة ولا خطأ كما ذكر على ذلك الدلائل الكثيرة وكل ما اجتمعوا عليه فهو مأثور عن الرسول فإن الرسول بين الدين كله وهم معصومون أن يخطئوا كلهم ويضلوا عما جاء به محمد بل هم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فلا يبقى معروف الا أمروا به ولا منكر الا نهوا عنه وهم أمة وسط عدل خيار شهداء الله في الارض فلا يشهدون الا بحق فإجماعهم هو على علم موروث عن الرسول جاء من عند الله وذلك لا يكون الا حقا وأما من كان إجماعهم على ما ابتدعه رأس من رءوسهم فيجوز أن يكون إجماعهم خطأ اذ ليسوا هم المؤمنين ولا أمة محمد وانما هم فرقة منهم واذا قيل المعتبر من أمة محمد بعلمائها قيل اذا اتفقت علماؤها على شيء فالباقون يسلمون لهم ما اتفقوا عليه لا ينازعونهم فيه فصار هذا اجماعا من المؤمنين ومن نازعهم بعلم فهذا لا يثبت الاجماع دونه كائنا من كان وأما من ليس من أهل العلم فيما تكلموا فيه فذاك وجوده كعدمه وقول من قال الاعتبار بالمجتهدين دون غيرهم وأنه لا يعتبر بخلاف أهل الحديث أو أهل الاصول ونحوهم كلام لا حقيقة له فإن المجتهدين ان أريد بهم من له قدرة على معرفة جميع الأحكام بأدلتها فليس في الأمة من هو كذلك بل أفضل الأمة كان يتعلم ممن هو دونه شيئا من السنة ليس عنده وإن عني به من يقدر على معرفة الاستدلال على الاحكام في الجملة فهذا موجود في كثير من أهل الحديث والاصول والكلام وإن كان بعض الفقهاء أمهر منهم بكثير من الفروع أو بأدلتها الخاصة أو بنقل الاقوال فيها فقد يكون أمهر منه في معرفة اعيان الادلة كالأحاديث

والفرق بين صحيحها وضعيفها ودلالات الالفاظ عليها والتمييز بين ما هو دليل شرعي وما ليس بدليل وبالجملة العصمة إنما هي للمؤمنين لامة محمد لا لبعضهم لكن اذا اتفق علماؤهم على شيء فسائرهم موافقون للعلماء واذا تنازعوا ولو كان المنازع واحدا وجب رد ما تنازعوا فيه الى الله والرسول وما أحد شذ بقول فاسد عن الجمهور الا وفي الكتاب والسنة ما يبين فساد قوله وإن كان القائل كثيرا كقول سعيد في أن المطلقة ثلاثا تباح بالعقد فحديث عائشة في الصحيحين يدل على خلافه مع دلالة القرآن أيضا وكذلك غيره وأما القول الذي يدل عليه الكتاب والسنة فلا يكون شاذا وأن القائل به أقل من القائل بذاك القول فلا عبرة بكثرة القائل باتفاق الناس ولهذا كان السلف من الصحابة والتابعين لهم باحسان يردون على من أخطأ بالكتاب والسنة لا يحتجون بالإجماع الا علامة وقد يبعث معه نشابه أو سيفه أو شيئا من السلاح المختص به أو يركبه دابته المختصة به ونحو ذلك مما يعلم الناس أنه قصد به تخصيصه وإن كانت تلك الافعال تفعل مع أمثاله وقد تفعل لغير الرسول ممن يقصد اكرامه وتشريفه لكن هي خارقة لعادته بمعنى أنه لم يعتد أن يفعل ذلك مع عموم الناس ولا يفعله الا مع من ميزه بولاية أو رسالة أو وكالة والولاية والوكالة تتضمن الرسالة فكل من هؤلاء هو في معنى رسوله الى من ولاه أني قد وليته والى من أرسله بأني أرسلته فهذه عادة معروفة في العلامات والدلائل التي يبين بها المرسل أن هذا رسولي وجنس خرق العادة لا يستلزم الاكرام بل تخرق عادته بالاهانة تارة وبالاكرام أخرى فقد يخرج ويركب في وقت لم تجر عادته به بل لعقوبة قوم وآيات الرب تعالى قد تكون تخويفا لعبادة كما قال وما نرسل بالآيات الا تخويفا وقد يهلك بها كما أهلك أمما مكذبين واذا قص قصصهم قال ان في ذلك لآيات وكان إهلاكهم خرقا للعادة دل بها على أنه عاقبهم بذنوبهم وتكذيبهم للرسل وأن ما فعلوه من الذنوب مما ينهى عنه ويعاقب فاعله بمثل تلك العقوبة فهذه خرق عادات لاهانة قوم وعقوبتهم لما فعلوه من الذنوب تجري مجرى قوله عاقبتهم لأنهم كذبوا رسولي وعصوه ولهذا يقول سبحانه كلما قص قصة من كذب رسله وعقوبته إياهم يقول فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر كما يقول في موضع آخر إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين وإن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الاليم واذا كانت تلك العلامات مما جرت عادته انه يفعلها مع من أرسله ويهلك بها من كذب رسله كانت أبلغ في الدلالة وكانت معتادة في هذا النوع وهؤلاء تكلموا بلفظ لم يحققوا معناه وهو لفظة خرق العادة وقالوا العادات تنقسم الى عامة وخاصة فمنها ما يشترك فيه جميع الناس في جميع الأعصار كالاكل والشرب واتقاء الحر والبرد والخاص منها ما يكون كعادة للملائكة فقط أو للجن فقط أو للانس دون غيرهم قالوا ولهذا صح أن يكون لكل قبيل منهم ضرب من التحدي وخرق لما هو عادة لهم دون غيرهم وحجة عليهم دون ما سواهم ومنها ما يكون عادة لبعض البشر نحو اعتياد بعضهم صناعة أو تجارة أو رياضة في ركوب الخيل والعمل بالسلاح لكن هذه كلها مقدورات للبشر قالوا وآية الرسل لا تكون مقدورة لمخلوق بل لا تكون الا مما ينفرد الله بالقدرة عليه فاذا قالوا هذا ظن الظان أنهم اشترطوا أمرا عظيما ولم يشترطوا شيئا فإنهم قالوا في جنس الأفعال التي لا تقدر الناس الا على اليسير منها كحمل الجبال ونقلها أن المعجزة هنا إقدارهم على الفعل لا نفس الفعل ورجحوا هذا على قول من يقول نفس الفعل آية لأن جنس الفعل مقدور وليس هذا بفرق طائل فإنه لا فرق بين تخصيصهم بالفعل أو بالقدرة عليه فاذا كان إقدارهم على الكثير الذي لم تجر به العادة معجزة كان نفس الكثير الذي لم تجر به العادة معجزة وهؤلاء عندهم أن قدرة العباد لا تؤثر في وجود شيء ولا يكون مقدورها الا في محلها فهم في الحقيقة لم يثبتوا قدرة فكل ما في الوجود هو مقدور لله عندهم ولهذا عدل ابو المعالي ومن اتبعه كالرازي عن هذا الفرق فلم يشترطوا أن يكون مما ينفرد الرب بالقدرة عليه وإذ كانت جميع الحوادث عندهم كذلك وقالوا ان ما يحصل على يد الساحر والكاهن وعامل الطلسمات وعند الطبيعة الغريبة هو مما ينفرد الرب بالقدرة عليه ويكون آية للنبي وهذا معتاد لغير الانبياء فلم يبق لقولهم خرق للعادة معنى معقول بل قالوا واللفظ للقاضي أبي بكر الواجب على هذا الاصل أن يكون خرق العادة الذي يفعله الله مما يخرق عادة جميع القبيل الذين تحداهم الرسول بمثله ويحتج به على نبوته فإن أرسل ملكا الى الملائكة أظهر على يده ما هو خرق لعادتهم وإن أرسل بشرا أرسله بما يخرق عادة البشر وان أرسل جنيا أظهر على يديه ما هو خارق لعادة الجن فيقال السحر والكهانة معتاد للبشر وأنتم تقولون يجوز أن يكون ما يأتي به الساحر والكاهن آية بشرط أن لا يمكن معارضته فلم يبق لكونه خارقا للعادة معنى يعقل عندكم ولهذا قال محققوهم انه لا يشترط في الآيات أن تكون خارقة للعادة كما قد حكينا لفظهم في غير هذا الموضع كما تقدم وانما الشرط أنها لا تعارض وأن تقترن بدعوى النبوة هذان الشرطان هما المعتبران وقد بينا في غير موضع أن كلا من الشرطين باطل والاول يقتضي أن يكون المدلول عليه جزءا من الدليل

وآيات النبوة أنواع متعددة منها ما يكون قبل وجوده ومنها ما يكون بعد موته ومنها ما يكون في غيبته والمقصود هنا كان هو الكلام على المثال الذي ذكروه وأن ما ضرب من الامثلة على الوجه الصحيح فانه ولله الحمد يدل على صدق الرسول وعلى فساد أصولهم ولكن هم ضربوا مثالا اذا اعتبر على الوجه الصحيح كان حجة ولله الحمد على صدق النبي وعلى فساد ما ذكروه في المعجزات حيث قالوا هي الفعل الخارق للعادة المقترن بدعوى النبوة والاستدلال به وتحدي النبي من دعاهم أن يأتوا بمثله وشرط بعضهم أن يكون مما ينفرد الرب بالقدرة عليه وهذه الاربعة هي التي شرط القاضي أبو بكر ومن سلك مسلكه كابن اللبان وابن شاذان والقاضي أبي يعلى وغيرهم أن يكون مما ينفرد الرب بالقدرة عليه على أحد القولين أو منه ومن الجنس الآخر اذا وقع على وجه يخرق العادة وطريق متعذر على غيرهم مثله على القول الآخر قالوا وهذا لفظ القاضي أبي بكر والثاني أن يكون ذلك الشيء الذي يظهر على أيديهم مما يخرق العادة وينقضها ومتى لم يكن كذلك لم يكن معجزا والثالث أن يكون غير النبي ممنوعا من إظهار ذلك على يده على الوجه الذي ظهر عليه ودعا الى معارضته مع كونه خارقا للعادة والرابع أن يكون واقعا مفعولا عند تحدي الرسول بمثله وادعائه آية لنبوته وتقريعه بالعجز عنه من خالفه وكذبه.

قالوا فهذه هي الشرائط والأوصاف التي تختص بها المعجزات

فيقال لهم الشرط الاول قد عرف أنه لا حقيقة له ولهذا أعرض عنه أكثرهم والثاني أيضا لا حقيقة له فإنهم لم يميزوا ما يخرق العادة مما لا يخرقها ولهذا ذهب من ذهب من محققيهم الى الغاء هذا الشرط فهم لا يعتبرون خرق عادة جميع البشر بل ما اعتاده السحرة والكهان وأهل الطلاسم عندهم يجوز أن يكون آية إذا لم يعارض وما اعتاده أهل صناعة أو علم أو شجاعة ليس هو عندهم آية وإن لم يعارض فالامور العجيبة التي خص الله بالأقدار عليها بعض الناس لم يجعلوها خرق عادة والامور المحرمة أو هي كفر كالسحر والكهانة والطلمسات جعلوها خرق عادة وجعلوها آية بشرط أن لا يعارض وهو الشرط الثالث وهو في الحقيقة خاصة المعجزة عندهم لكن كون غير الرسول ممنوعا منه أن اعتبروا أنه ممنوع مطلقا فهذا لا يعلم وإن اعتبروا انه ممنوع من المرسل اليهم فهذا لا يكفي بل يمكن كل ساحر وكاهن أن يدعي النبوة ويقول أنني كذا قالوا لو فعل هذا لكان الله يمنعه فعل ذلك أو يقيض له من يعارضه قلنا من أين لكم ذلك ومن أين يعلم الناس ذلك ويعلمون ان كل كاذب فلا بد أن يمنع من فعل الامر الذي اعتاده هو وغيره قبل ذلك أو أن يعارض والواقع خلاف ذلك فما أكثر من ادعى النبوة أو الاستغناء عن الانبياء وأن طريقه فوق طريق الانبياء وأن الرب يخاطبه بلا رسالة وأتى بخوارق من جنس ما تأتي السحرة والكهان ولم يكن فيمن دعاه من يعارضه

وأما الرابع وهو أن يكون عند تحدي الرسول فبه يحترزون عن الكرامات وهو شرط باطل بل آيات الانبياء آيات وإن لم ينطقوا بالتحدي بالمثل وهي دلائل على النبوة وصدق المخبر بها والدليل مغاير للمدلول عليه ليس المدلول عليه جزءا من الدليل لكن اذا قالوا الدليل هو دعاء الرسول لزمه أن يريهم آية وخلق تلك الآية عقب سؤاله وإن كان ذلك قد يخلقه بغير سؤاله لحكمة أخرى فهذا متوجه فالدليل هو مجموع طلب العلامة مع فعل ما جعله علامة كما ان العباد اذا دعوا الله فأجابهم كان ما فعله إجابة لدعائهم ودليلا على أن الله سمع دعاءهم وأجابهم كما أنهم اذا استسقوه فسقاهم واستنصروه فنصرهم وإن كان قد يفعل ذلك بلا دعاء فلا يكون هناك دليل على إجابة دعاء فهو دليل على إجابة الدعاء اذا وقع عقب الدعاء ولا يكون دليلا اذا وقع على غير هذا الوجه وكذلك الرسول اذا قال لمرسله أعطني علامة فأعطاه ما شرفه به كان دليلا على رسالته وإن كان قد يفعل ذلك لحكمة أخرى لكن فعل ذلك عقب سؤاله آية لنبوته هو الذي يختص به وكذلك اذا علم أنه فعله اكراما له مع دعواه النبوة علم أنه قد أكرمه بما يكرم به الصادقين عليه فعلم أنه صادق لأن ما فعله به مختص بالصادقين الابرار دون الكاذبين عليه الفجار وعلى هذا فكرامات الاولياء هي من آيات الانبياء فإنها مختصة بمن شهد لهم بالرسالة وكل ما استلزم صدق الشهادة بنبوتهم فهو دليل على صدق هذه الشهادة سواء كان الشاهد بنبوتهم المخبر بها هم أو غيرهم بل غيرهم إذا أخبر بنبوتهم وأظهر الله على يديه ما يدل على صدق هذا الخبر كان هذا أبلغ في الدلالة على صدقهم من أن يظهر على أيديهم فقد تبين أنه ليس من شرط دلائل النبوة لاقترانه بدعوى النبوة ولا الاحتجاج به ولا التحدي بالمثل ولا تقريع من يخالفه بل كل هذه الامور قد تقع في بعض الآيات لكن لا يجب أن ما لا يقع معه لا يكون آية بل هذا إبطال لاكثر آيات الانبياء لخلوها عن هذا الشرط ثم هو شرط بلا حجة فان الدليل على المدلول عليه هو ما استلزم وجوده وهذا لا يكون الا عند عدم المعارض المساوي او الراجح وما كان كذلك فهو دليل سواء قال المستدل به ائتوا بمثله وانتم لا تقدرون على الاتيان بمثله وقرعهم وعجزهم أو لم يقل ذلك فهو اذا كان في نفسه مما لا يقدرون على الاتيان بمثله سواء ذكر المستدل هذا أو لم يذكره لا بذكره يصير دليلا ولا بعدم ذكره تنتفي دلالته وهؤلاء قالوا لا يكون دليلا الا اذا ذكره المستدل وهذا باطل وكذلك الدليل هو دليل سواء استدل به مستدل أو لم يستدل وهؤلاء قالو لا يكون دليل النبوة دليلا الا اذا استدل به النبي حين ادعى النبوة فجعل نفس دعواه واستدلاله والمطالبة بالمعارضة وتقريعهم بالعجز عنها كلها جزءا من الدليل وهذا غلط عظيم بل السكوت عن هذه الامور أبلع في الدلالة والنطق بها لا يقوي الدليل والله تعالى لم يقل فليأتوا بحديث مثله الا حين قالوا افتراه لم يجعل هذا القول شرطا في الدليل بل نفس عجزهم عن المعارضة هو من تمام الدليل وهم أنما شرطوا ذلك لأن كرامات الأولياء عندهم متى اقترن بها دعوى النبوة كانت آية للنبوة وجنس السحر والكهانة متى اقترن به دعوى النبوة كان دليلا على النبوة عندهم لكن قالوا الساحر والكاهن لو ادعى النبوة لكان يمتنع من ذلك أو يعارض بمثله وأما الصالح فلا يدعي فكان أصلهم أن ما يأتي به النبي والساحر والكاهن والولي من جنس واحد لا يتميز بعضه عن بعض بوصف لكن خاصة النبي اقتران الدعوى والاستدلال والتحدي بالمثل بما يأتي به فلم يجعلوا لآيات الانبياء خاصة تتميز بها عن السحر والكهانة وعما يكون لآحاد المؤمنين ولم يجعلوا للنبي مزية على عموم المؤمنين ولا على السحرة والكهان من جهة الآيات التي يدل الله بها العباد على صدقه وهذا افتراء عظيم على الانبياء وعلى آياتهم وتسوية بين أفضل الخلق وشرار الخلق بل تسوية بين ما يدل على النبوة وما يدل على نقيضها فإن ما يأتي به السحرة والكهان لا يكون الا لكذاب فاجر عدو لله فهو مناقض للنبوة فلم يفرقوا بين ما يدل على النبوة وعلى نقيضها وبين مالا يدل عليها ولا على نقيضها فإن آيات الانبياء تدل على النبوة وعجائب السحرة والكهان تدل على نقيض النبوة وأن صاحبها ليس ببر ولا عدل ولا ولي لله فضلا عن أن يكون نبيا بل يمتنع أن يكون الساحر والكاهن نبيا بل هو من أعداء الله والانبياء أفضل خلق الله وايمان المؤمنين وصلاحهم لا يناقض النبوة ولا يستلزمها فهؤلاء سووا بين الاجناس الثلاثة فكانوا بمنزلة من سوى بين عبادة الرحمن وعبادة الشيطان والاوثان فإن الكهان والسحرة يأمرون بالشرك وعبادة الاوثان وما فيه طاعة للشيطان والانبياء لا يأمرون الا بعبادة الله وحده وينهون عن عبادة ما سوى الله وطاعة الشياطين فسوى هؤلاء بين هذا وهذا ولم يبق الفرق الا مجرد تلفظ المدعي بأني نبي فإن تلفظ به كان نبيا وإن لم يتلفظ به لم يكن نبيا فالكذاب المتنبي اذا أتى بما يأتي الساحر والكاهن وقال أنا نبي كان نبيا وقولهم إنه اذا فعل ذلك منع منه وعورض دعوى مجردة فهي لا تقبل لو لم يعلم بطلانها فكيف وقد علم بطلانها وإن كثيرا ادعوا ذلك ولم يعارضهم ممن ادعوه أحد ولا منعوا من ذلك فلزم على قول هؤلاء التسوية بين النبي الصادق والمتنبي الكاذب وقد قال تعالى فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق اذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ولم يفرق هؤلاء بين هؤلاء وهؤلاء ولا بين آيات هؤلاء وآيات هؤلاء وقال تعالى وما قدروا الله حق قدره اذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم مالم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح اليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون فنسأل الله العظيم أن يهدينا الى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين عبدوه وحده لا شريك له وآمنوا بما أرسل به رسله وبما جاءوا به من الآيات وفرق بين الحق والباطل والهدى والضلال والغي والرشاد وطريق أولياء الله المتقين وأعداء الله الضالين والمغضوب عليهم فكان ممن صدق الرسل فيما اخبروا به وأطاعهم فيما أمروا به ولا حول ولا قوة إلا بالله

وهؤلاء يجوزون أن يامر الله بكل شيء وأن ينهى عن كل شيء فلا يبقى عندهم فرق بين النبي الصادق والمتنبي الكاذب لا من جهة نفسه فإنهم لا يشترطون فيه الا مجرد كونه في الباطن مقرا بالصانع وهذا موجود في عامة الخلق ولا من جهة آياته ولا من جهة ما يأمر به والفلاسفة من هذا الوجه أجود قولا في الانبياء فإنهم يشترطون في النبي اختصاصه بالعلم من غير تعلم وبالقدرة على التأثير الغريب والتخييل ويفرقون بين الساحر والنبي بأن النبي يقصد العدل ويأمر به بخلاف الساحر ولهذا عدل الغزالي في النبوة عن طريق أولئك المتكلمين الى طريق الفلاسفة فاستدل بما يفعله النبي ويأمر به على نبوته وهي طريق صحيحة لكن انما أثبت بها نبوة مثل نبوة الفلاسفة وأولئك خير من الفلاسفة من جهة أنهم لما أقروا بنبوة محمد صدقوه فيما أخبر به من أمور الانبياء وغيرهم وكان عندهم معصوما من الكذب فيما يبلغه عن الله فانتفعوا بالشرع والسمعيات وبها صار فيهم من الاسلام ما تميزوا به على أولئك فإن أولئك لا ينتفعون بأخبار الانبياء اذ كانوا عندهم يخاطبون الجمهور بالتخييل فهم يكذبون عندهم للمصلحة ولكن آخرون سلكوا مسلك التأويل وقالوا انهم لا يكذبون ولكن أسرفوا فيه ففي الجملة ظهور الفلاسفة والملاحدة والباطنية على هؤلاء تارة ومقاومتهم لهم تارة لا بد له من أسباب في حكمة الرب وعدله ومن أعظم اسبابه تفريط أولئك وجهلهم بما جاء به الانبياء فالنبوة التي ينتسبون الى نصرها لم يعرفوها ولم يعرفوا دليلها ولا قدروها قدرها وهذا يظهر من جهات متعددة ولا حول ولا قوة إلا بالله

فصل

[عدل]

قد ذكرنا في غير موضع أن أصول الدين الذي بعث الله به رسوله محمدا قد بينها الله في القرآن أحسن بيان وبين دلائل الربوبية والوحدانية ودلائل أسماء الرب وصفاته وبين دلائل نبوة أنبيائه وبين المعاد بين إمكانه وقدرته عليه في غير موضع وبين وقوعة بالادلة السمعية والعقلية فكان في بيان الله أصول الدين الحق وهو دين الله وهي أصول ثابتة صحيحة معلومة فتضمن بيان العلم النافع والعمل الصالح الهدى ودين الحق وأهل البدع الذين ابتدعوا أصول دين يخالف ذلك ليس فيما ابتدعوه لا هدى ولا دين حق فابتدعوا ما زعموا أنه أدلة وبراهين على إثبات الصانع وصدق الرسول وإمكان المعاد أو وقوعه وفيما ابتدعوه ما خالفوا به الشرع وكل ما خالفوه من الشرع فقد خالفوا فيه العقل أيضا فإن الذي بعث الله به محمدا وغيره من الانبياء هو حق وصدق وتدل عليه الادلة العقلية فهو ثابت بالسمع والعقل والذين خالفوا الرسل ليس معهم لا سمع ولا عقل كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء ان أنتم إلا في ضلال كبير وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لاصحاب السعير وقال تعالى لمكذبي الرسل أفلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ذكر ذلك بعد قوله وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم ابراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة وهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد ثم قال أفلم يسيروا في الارض الآية ثم قال وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير فذكر إهلاك من أهلك وأملاءه لمن أملى لئلا يغتر المغتر فيقول نحن لم يهلكنا وقد بسط هذا في غير هذا الموضع

والمقصود هنا أن ما جاء به الرسول يدل عليه السمع والعقل وهو حق في نفسه كالحكم الذي يحكم به فإنه يحكم بالعدل وهو الشرع فالعدل هو الشرع والشرع هو العدل ولهذا يأمر نبيه أن يحكم بالقسط وأن يحكم بما أنزل الله والذي أنزل الله هو القسط والقسط هو الذي أنزل الله وكذلك الحق والصدق هو ما أخبرت به الرسل وما أخبرت به فهو الحق والصدق والسلف والأئمة ذموا أهل الكلام المبتدعين الذين خالفوا الكتاب والسنة ومن خالف الكتاب والسنة لم يكن كلامه الا باطلا فالكلام الذي ذمه السلف يذم لانه باطل ولأنه يخالف الشرع ولكن لفظ الكلام لما كان مجملا لم يعرف كثير من الناس الفرق بين الكلام الذي ذموه وغيره فمن الناس من يظن أنهم إنما أنكروا كلام القدرية فقط كما ذكره البيهقي وابن عساكر في تفسير كلام الشافعي ونحوه ليخرجوا أصحابهم عن الذم وليس كذلك بل الشافعي أنكر كلام الجهمية كلام حفص الفرد وأمثاله وهؤلاء كانت منازعتهم في الصفات والقرآن والرؤية لا في القدر وكذلك أحمد بن حنبل خصومه من أهل الكلام هم الجهمية الذين ناظروه في القرآن مثل أبي عيسى محمد بن عيسى برغوث صاحب حسين النجار وأمثاله ولم يكونوا قدرية ولا كان النزاع في مسائل القدر ولهذا يصرح أحمد وأمثاله من السلف بذم الجهمية بل يكفرونهم أعظم من سائر الطوائف وقال عبد الله بن المبارك ويوسف بن أسباط وغيرهما أصول أهل الاهواء أربع الشيعة والخوارج والمرجئة والقدرية فقيل لهم الجهمية فقالوا الجهمية ليسوا من أمة محمد ولهذا ذكر أبو عبد الله بن حامد عن اصحاب أحمد في الجهمية هل هم من الثنتين والسبعين فرقة وجهين أحدهما أنهم ليسوا منهم لخروجهم عن الاسلام وطائفة تظن أن الكلام الذي ذمه السلف هو مطلق النظر والاحتجاج والمناظرة ويزعم من يزعم من هؤلاء أن قوله ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن منسوخ بآية السيف وهؤلاء أيضا غالطون فان الله تعالى قد أخبر عن قوم نوح وابراهيم بمجادلتهم للكفار حتى قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا وقال عن قوم ابراهيم وحاجه قومه الى قوله وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه وذكر محاجة ابراهيم للكافر والقرآن فيه من مناظرة الكفار والاحتجاج عليهم ما فيه شفاء وكفاية وقوله تعالى ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن الا الذين ظلموا منهم وقوله وجادلهم بالتي هي أحسن ليس في القرآن ما ينسخهما ولكن بعض الناس يظن أن من المجادلة ترك الجهاد بالسيف وكل ما كان متضمنا لترك الجهاد المأمور به فهو منسوخ بآيات السيف والجهاد والمجادلة قد تكون مع أهل الذمة والهدنة والأمان ومن لا يجوز قتاله بالسيف وقد تكون في ابتداء الدعوة كما كان النبي يجاهد الكفار بالقرآن وقد تكون لبيان الحق وشفاء القلوب من الشبه مع من يطلب الاستهداء والبيان وبسط هذا له موضع آخر والمقصود هنا أن المبتدعين الذين ابتدعوا كلاما وأصولا تخالف الكتاب وهي أيضا مخالفة للميزان وهو العدل فهي مخالفة للسمع والعقل كما ابتدعوا في اثبات الصانع إثباته بحدوث الاجسام وأثبتوا حدوث الاجسام بأنها مستلزمة للاعراض لا تنفك عنها قالوا وما لايخلوا عن الحوادث فهو حادث لامتناع لا أول لها فهؤلاء إذا حقق عليهم ما قالوه لم يوجدوا قد أثبتوا العلم بالصانع ولا أثبتوا النبوة ولا أثبتوا المعاد وهذه هي أصول الدين والايمان بل كلامهم في الخلق والبعث المبدأ والمعاد وفي اثبات الصانع ليس فيه تحقيق العلم لا عقلا ولا نقلا وهم معترفون بذلك كما قال الرازي لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن أقرأ في النفي ليس كمثله شيء ولا يحيطون به علما وأقرأ في الاثبات الرحمن على العرش استوى اليه يصعد الكلم الطيب أأمنتم من في السماء ثم قال ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي وكذلك الغزالي وابن عقيل وغيرهما يقولون ما يشبه هذا وهو كما قالوا فان الرازي قد جمع ما جمعه من طرق المتكلمين والفلاسفة ومع هذا فليس في كتبه اثبات الصانع كما قد بسط هذا في غير هذا الموضع وبين جميع ما ذكره في اثبات الصانع وأنه ليس فيه ذلك وليس فيه أيضا اثبات النبوة فان النبوة مبناها على أن الله قادر وأنه يحدث الآيات لتصدق بها الرسل وليس في كتبه اثبات ان الله قادر ولا مريد بل كلامه فيه تقرير حجج من نفي قدرته وارادته دون الجانب الآخر كما قد بينا ذلك في الكلام على ما ذكره في مسألة القدرة والارادة مع أنه ولله الحمد الادلة الدالة على اثبات الصانع واثبات قدرته ومشيئته تفوق الاحصاء لكن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور

وسبب ذلك إعراضهم عن الفطرة العقلية والشرعة النبوية بما ابتدعه المبتدعون مما أفسدوا به الفطرة والشرعة فصاروا يسفسطون في العقليات ويقرمطون في السمعيات كما قد بين هذا في مواضع وأيضا فإذا عرف أن الله قادر كما قد عرفه غيره فليس عنده في النبوة الا طريق أصحابه الأشعرية الذين سلكوا مسلك الجهمية في أفعال الله تعالى أو طريق الفلاسفة ولهذا يقول من يقول من علماء الزيدية وهم يميلون الى الاعتزال مع تشيع الزيدية يقولون نحن لا نتكلم في الشافعي فإنه إمام لكن هؤلاء صاروا جهمية يعني القدر فلاسفة والشافعي لم يكن جهميا ولا فيلسوفا وهؤلاء لم يعرفوا آيات الانبياء والفرق بينها وبين غيرها لكن ادعوا ان ما يأتي به الكهان والسحرة وغيرهم قد يكون من آيات الانبياء لكن بشرط أن لا يقدر أحد من المرسل اليهم على معارضته وهذه خاصة المعجز عندهم وهذا فاسد من وجوه كثيرة كما قد بسط في غير هذا الموضع وأما كلامه في المعاد فأبعد من هذا وهذا كما قد بين ايضا وكذلك كلام من تقدمه من الجهمية وأتباعهم من الأشعرية وغيرهم ومن المعتزلة فإنك لا تجد في كلامهم الذي ابتدعوه لا إثبات الربوبية ولا النبوة ولا المعاد والأشعري نفسه وأتباعه ليس في كتبهم إثبات الربوبية ولا المعاد وكذلك من سلك سبيلهم في أدلتهم من أتباع الفقهاء كالقاضي أبي يعلى وابن عقيل وابن الزاغوني وغيرهم والمعتزلة كذلك أيضا وكذلك الكرامية وقد تأملت كلام أئمة هؤلاء الطوائف كأبي الحسين البصري ونحوه من المعتزلة وكابن الهيضم من الكرامية وكأبي الحسن نفسه والقاضي أبي بكر وأبي المعالي الجويني وأبي اسحاق الأسفراييني وأبي بكر بن فورك وأبي القاسم القشيري وأبي الحسن التميمي والقاضي أبي يعلى وابن عقيل وابن الزاغوني غفر الله لهم ورحمهم أجمعين وتأملت ما وجدته في الصفات من المقالات مثل كتاب الملل والنحل للشهرستاني وكتاب مقالات الاسلاميين للأشعري وهو أجمع كتاب رأيته في هذا الفن وقد ذكر فيه ما ذكر أنه مقالة أهل السنة والحديث وأنه يختارها وهي أقرب ما ذكره من المقالات الى السنة والحديث لكن فيه أمور لم يقلها أحد من أهل السنة والحديث ونفس مقالة أهل السنة والحديث لم يكن يعرفها ولا هو خبير بها فالكتب المصنفة في مقالات الطوائف التي صنفها هؤلاء ليس فيها ما جاء به الرسول وما دل عليه القرآن لافي المقالات المجردة ولا في المقالات التي يذكر فيها الأدلة فإن جميع هؤلاء دخلوا في الكلام المذموم الذي عابه السلف وذموه ولكن بعضهم أقرب الى السنة من بعض وقد يكون هذا أقرب في بعض وهذا أقرب في مواضع وهذا لكون أصل اعتمادهم لم يكن على القرآن والحديث بخلاف الفقهاء فإنهم في كثير مما يقولونه إنما يعتمدون على القرآن والحديث فلهذا كانوا أكثر متابعة لكن ما تكلم فيه أولئك أجل ولهذا يعظمون من وجه ويذمون من وجه فإن لهم حسنات وفضائل وسعيا مشكورا وخطأهم بعد الاجتهاد مغفور والأشعري أعلم بمقالات المختلفين من الشهرستاني ولهذا ذكر عشر طوائف وذكر مقالات لم يذكرها الشهرستاني وهو أعلم بمقالات أهل السنة وأقرب اليهم وأوسع علما من الشهرستاني والشهرستاني أعلم باختلاف المختلفين ومقالاتهم من الغزالي ولهذا ذكر لهم في القرآن أربع مقالات وعدد طوائف من أهل القبلة والغزالي حصر أهل العلم الآلهي في أربعة اصناف في الفلاسفة والباطنية والمتكلمين والصوفية فلم يعرف مقالات أهل الحديث والسنة ولا مقالات الفقهاء ولا مقالات أئمة الصوفية ولكن ذكر عنهم العمل وذكر عن بعضهم اعتقادا يخالفهم فيه أئمتهم وأبو طالب أعلم منهما بأقوال الصوفية ومع هذا فلم يعرف مقالة الأكابر كالفضيل بن عياض ونحوه وأبو الوليد بن رشد الحفيد حصر أهل العلم الآلهي في ثلاثة في الحشوية والباطنية والأشعرية والباطنية عنده يدخل فيهم باطنية الصوفية وباطنية الفلاسفة ومن هنا دخل ابن سبعين وابن عربي فأخذوا مذاهب الفلاسفة وادخلوها في التصوف وأبو حامد يدخل في بعض هذا فإن ابن سينا تكلم في مقالات العارفين بتصوف فاسد ثم ان هؤلاء مع هذا لما لم يجدوا الصحابة والتابعين تكلموا بمثل كلامهم بل ولا نقل ذلك عن النبي صار منهم من يقول كانوا مشغولين بالجهاد عن هذا الباب وأنهم هم حققوا ما لم يحققه الصحابة ويقولون أيضا ان الرسول لم يعلمهم هذا لئلا يشتغلوا به عن الجهاد فانه كان محتاجا اليهم في الجهاد وهكذا يقول من يقول من مبتدعة أهل الزهد والتصوف إذا دخلوا في عبادات منهي عنها ومذمومة في الشرع قالوا كان الصحابة مشغولين عنها بالجهاد وكان النبي يخاف أن يشتغلوا بها عن الجهاد واهل السيف قد يظن من يظن منهم أن لهم من الجهاد وقتال الاعداء مالم يكن مثله للصحابة وأن الصحابة كانوا مشغولين بالعلم والعبادة عن مثل جهادهم ومن أهل الكلام من يقول بل الصحابة كانوا على عقائدهم وأصولهم لكن لم يتكلموا بذلك لعدم حاجتهم اليه فهؤلاء جمعوا بين أمرين بين أن ابتدعوا أقوالا باطلة ظنوا أنها هي أصول الدين لا يكون علاما بالدين الا من وافقهم عليها وأنهم علموا وبينوا من الحق مالم يبينه الرسول والصحابة وإذا تدبر الخبير حقيقة ما هم عليه تبين له أنه ليس عند القوم فيما ابتدعوه لا علم ولا دين لا شرع ولا عقل وآخرون لما رأوا ابتداع هؤلاء وأن الصحابة والتابعين لم يكونوا يقولون مثل قولهم ظنوا أنهم كانوا كالعامة الذين لا يعرفون الأدلة والحجج وأنهم كانوا لا يفهمون ما في القرآن مما تشابه على من تشابه عليه وهموتو أنه اذا كان الوقف على قوله وما يعلم تأويله إلا الله كان المراد أنه لا يفهم معناه الا الله لا الرسول ولا الصحابة فصاروا ينسبون الصحابة بل والرسول الى عدم العلم بالسمع والعقل وجعلوهم مثل أنفسهم لا يسمعون ولا يعقلون وظنوا أن هذه طريقة السلف وهي الجهل البسيط التي لا يعقل صاحبها ولا يسمع وهذا وصف أهل النار لا وصف افضل الخلق بعد الانبياء قال ابن مسعود رضي الله عنه من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فان الحي لا يؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد أبر هذه الامة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لصحبة نبيه واقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم فانهم كانوا على الهدى المستقيم وقال أيضا ان الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد بعد قلبه فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح وقد ثبت في الصحيحين من غير وجه عن النبي انه قال خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وقد قال تعالى والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان فرضي عن السابقين مطلقا ورضي عمن اتبعهم باحسان وذلك متناول لكل من اتبعهم الى يوم القيامة كما ذكر ذلك أهل العلم قال ابن أبي حاتم قرئ على يونس بن عبد الاعلى أخبرنا ابن وهب حدثني عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم في قوله والذين اتبعوهم باحسان قال من بقي من أهل الاسلام إلى أن تقوم الساعة وبسط هذا له موضع آخر

والمقصود هنا أن الهدى البيان والأدلة والبراهين في القرآن فإن الله تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق وأرسله بالآيات البينات وهي الأدلة البينة الدالة على الحق وكذلك سائر الرسل ومن الممتنع أن يرسل الله رسولا يأمر الناس بتصديقه ولا يكون هناك ما يعرفون به صدقه وكذلك من قال إني رسول الله فمن الممتنع أن يجعل مجرد الخبر المحتمل للصدق والكذب دليلا له وحجة على الناس هذا لا يظن بأجهل الخلق فكيف بأفضل الناس وفي الصحيحين عن النبي أنه قال ما من نبي من الانبياء الا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة قال تعالى ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون فالبينات جمع بينة وهي الادلة والبراهين التي هي بينة في نفسها وبها يتبين غيرها يقال بين الامر أي تبين في نفسه ويقال بين غيره فالبين اسم لما ظهر في نفسه ولما أظهر غيره وكذلك المبين كقوله فاحشة مبينة أي متبينة فهذا شأن الادلة فان مقدماتها تكون معلومة بنفسها كالمقدمات الحسية والبديهية وبها يتبين غيرها فيستدل على الخفي بالجلي والهدى مصدر هداه هدى والهدى هو بيان ما ينتفع به الناس ويحتاجون اليه وهو ضد الضلالة فالضال يضل عن مقصوده وطريق مقصوده وهو سبحانه بين في كتبه ما يهدي الناس فعرفهم ما يقصدون وما يسلكون من الطرق عرفهم أن الله هو المقصود المعبود وحده وأنه لا يجوز عبادة غيره وعرفهم الطريق وهو ما يعبدونه به ففي الهدى بيان المعبود وما يعبد به والبينات فيها بيان الأدلة والبراهين على ذلك فليس ما يخبر به ويأمر به من الهدى قولا مجردا عن دليله ليؤخذ تقليدا واتباعا للظن بل هو مبين بالآيات البينات وهي الأدلة اليقينية والبراهين القطعية وكان عند أهل الكتاب من البينات الدالة على نبوة محمد وصحة ما جاء به أمور متعددة كبشارات كتبهم وغير ذلك فكانوا يكتمونه قال تعالى ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله فإنه كان عندهم شهادة من الله تشهد بما جاء به محمد وبمثله فكتموها وقال تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فانزله هاديا للناس وبينات من الهدى والفرقان فهو يهدي الناس إلى صراط مستقيم يهديهم الى صراط العزيز الحميد الذي له ما في السماوات وما في الارض بما فيه من الخبر والأمر وهو بينات دلالات وبراهين من الهدى من الأدلة الهادية المبينة للحق ومن الفرقان المفرق بين الحق والباطل والخير والشر والصدق والكذب والمأمور والمحظور والحلال والحرام

وذلك أن الدليل لا يتم الا بالجواب عن المعارض فالادلة تشتبه كثيرا بما يعارضها فلا بد من الفرق بين الدليل الدال على الحق وبين ما عارضه ليتبين ان الذي عارضه باطل فالدليل يحصل به الهدى وبيان الحق لكن لا بد مع ذلك من الفرقان وهو الفرق بين ذلك الدليل وبين ما عارضه والفرق بين خبر الرب والخبر الذي يخالفه فالفرقان يحصل به التمييز بين المشتبهات ومن لم يحصل له الفرقان كان في اشتباه وحيرة والهدى التام لا يكون الا مع الفرقان فلهذا قال أو لا هدى للناس ثم قال وبينات من الهدى والفرقان فالبينات الأدلة على ما تقدم من الهدى وهي بينات من الهدى الذي هو دليل على أن الأول هدى ومن الفرقان الذي يفرق بين البينات والشبهات والحجج الصحيحة والفاسدة فالهدى مثل أن يؤمر بسلوك الطريق إلى الله كما يؤمر قاصد الحج بسلوك طريق مكة مع دليل يوصله والبينات ما يدل ويبين أن ذلك هو الطريق وأن سالكه سالك للطريق لا ضال والفرقان أن يفرق بين ذاك الطريق وغيره وبين الدليل الذي يسلكه ويدل الناس عليه وبين غيرهم ممن يدعي الدلالة وهو جاهل مضل وهذا وامثاله مما يبين أن في القرآن الادلة الدالة للناس على تحقيق ما فيه من الأخبار والاوامر كثير وقد بسط هذا في غير هذا الموضع والمقصود هنا الكلام على النبوة فإن المتكلمين المبتدعين تكلموا في النبوات بكلام كثير لبسوا فيه الحق بالباطل كما فعلوا مثل ذلك في غير النبوات كالإلهيات وكالمعاد وعند التحقيق لم يعرفوا النبوة ولم يثبتوا ما يدل عليها فليس عندهم لا هدى ولا بينات والله سبحانه أنزل في كتبه البينات والهدى فمن تصور الشيء على وجهه فقد اهتدى اليه ومن عرف دليل ثبوته فقد عرف البينات فالتصور الصحيح اهتداء والدليل الذي يبين التصديق بذلك التصور بينات والله أنزل الكتاب هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان والقرآن اثبت الصفات على وجه التفصيل ونفي عنها التمثيل وهي طريقة الرسل جاءوا باثبات مفصل ونفي مجمل وأعداؤهم جاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل فلو لم يكن الحق فيما بينه الرسول للناس وأظهر لهم بل كان الحق في نقيضه للزم أن يكون عدم الرسول خيرا من وجوده إذ كان وجوده لم يفدهم عند هؤلاء علما ولا هدى بل ذكر أقوالا تدل على الباطل وطلب منهم أن يتعلموا الهدى بعقولهم ونظرهم ثم ينظروا فيما جاء به فأما أن يتأولوه ويحرفوا الكلم عن مواضعه وإما أن يعوضوه فذكرنا هذا ونحوه مما يبين أن الهدى مأخوذ عن الرسول وأنه قد بين للامة ما يجب اعتقاده من أصول الدين في الصفات وغيرها فكان الجواب خطابا مع من يقر بنبوته ويشهد له بأنه رسول الله فلم يذكر فيه دلائل النبوة وذكر أن الشبهات العقلية التي تعارض خبر الرسول باطلة وذكر في ذلك ما هو موجود في هذا الجواب ثم بعد ذلك حدثت أمور أوجبت أن يبسط الكلام في هذا الباب ويتكلم على حجج النفاة ويبين بطلانها ويتكلم على ما أثبتوه من أنه يجب تقديم ما يزعمون أنه معقول على ما علم بخبر الرسول وبسط في ذلك من الكلام والقواعد ما ليس هذا موضعه وتكلم مع الفلاسفة والملاحدة الذين يقولون ان الرسل خاطبوا خطابا قصدوا به التخييل الى العامة ما ينفعهم لا أنهم قصدوا الاخبار بالحقائق وهؤلاء لم يكن وقت الجواب قصد مخاطبتهم اذ كان هؤلاء في الحقيقة مكذبين المرسل يقولون أنهم كذبوا لما رأوه مصلحة بل كان الخطاب مع من يقر بأن الرسول لا يقول الا الحق باطنا وظاهرا ثم بعد هذا طلب الكلام على تقرير أصول الدين بأدلتها العقلية وان كانت مستفادة من تعليم الرسول وذكر فيها ما ذكر من دلائل النبوة في مصنف يتضمن شرح عقيدة صنفها شيخ المنظار بمصر شمس الدين الاصبهاني فطلب مني شرحها فشرحتها وذكرت فيها من الدلائل العقلية ما يعلم به أصول الدين وبعدها جاء كتاب من النصارى يتضمن الاحتجاج لدينهم بالعقل والسمع واحتجوا بما ذكروه من القرآن فأوجب ذلك أن يرد عليهم ويبين فساد ما احتجوا به من الأدلة السمعية من القرآن ومن كلام الانبياء المتقدمين وما احتجوا به من العقل وأنهم مخالفون للأنبياء وللعقل خالفوا المسيح ومن قبله وحرفوا كلامهم كما خالفوا العقل وبين ما يحتجون به من نصوص الانبياء وانها هي وغيرها من نصوص الانبياء التي عندهم حجة عليهم لا لهم وبين الجواب الصحيح لمن حرف دين المسيح وهم لم يطالبوا ببيان دلائل نبوة نبينا لكن اقتضت المصلحة أن يذكر من هذا ما يناسبه ويبسط الكلام في ذلك بسطا أكثر من غيره وقلوب كثير من الناس يجول فيها أمر النبوات وما جاءت به الرسل وهم وإن أظهروا تصديقهم والشهادة لهم ففي قلوبهم مرض ونفاق اذ كان ما جعلوه أصولا لدينهم معارض لما جاءت به الانبياء وهم لم يتعلموا ما جاءت به الانبياء ولم يأخذوا عنهم الدلائل والاصول والبينات والبراهين وإذا وجب أن يؤخذ عن الانبياء ما أخبروا به من أصول الدين ومن تصديق خبرهم مع وجود ما يعارضه فلأن يؤخذ عنهم ما بينوا به تلك العقائد من الآيات والبراهين أولى وأحرى فإنه بهذا يتبين ذاك وإلا فتصديق الخبر متوقف على دليل صحته أو على صدق المخبر به وتصديقه بدون أن يعلم أنه في نفسه حق أو أن المخبر به صادق قول بلا علم والرسول صلوات الله عليه وسلامه قد أرسل بالبينات والهدى بين الأحكام الخبرية والطلبية وأدلتها الدالة عليها بين المسائل والوسائل بين الدين ما يقال وما يعمل وبين اصوله التي بها يعلم أنه دين حق وهذا المعنى قد ذكره الله تعالى في غير موضع وبين أنه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ذكر هذا في سورة التوبة والفتح والصف والهدى هو هدى الخلق الى الحق وتعريفهم ذلك وإرشادهم اليه وهذا لا يكون الا بذكر الادلة والآيات الدالة على أن هذا هدى والا فمجرد خبر لم يعلم أنه حق ولم يقم دليل على أنه حق ليس بهدي وهو سبحانه اذا ذكر الانبياء نبينا وغيره ذكر انه أرسلهم بالآيات البينات وهي الادلة والبراهين البينة المعلومة علما يقينيا اذ كان كل دليل لا بد أن ينتهي الى مقدمات بينة بنفسها قد تسمى بديهيات وقد تسمى ضروريات وقد تسمى أوليات وقد يقال هي معلومة بأنفسها فالرسل صلوات الله عليهم بعثوا بالآيات البينات وفي الصحيحين عنه أنه قال ما من نبي من الانبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله الي فأرجو أن أكون اكثرهم تابعا يوم القيامة وهو سبحانه اذا خاطب جنس الانس ذكر جنس الانبياء وأثبت جنس ما جاءوا به واذا خاطب أهل الكتاب المقرين بنبوة موسى خاطبهم باثبات نبي بعده كما قال في سورة البقرة في خطابه لبني اسرائيل لما ذكر ما ذكره من أحوالهم مع موسى وذكرهم بإنعامه عليهم وبما فعلوه من السيئات ومغفرته لها قال تعالى ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى انفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ثم ذكر محمدا فقال ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين فذكر سبحانه أنه أرسل المسيح اليهم بالبينات بعد ما أرسل قبله الرسل وأنهم تارة يكذبون الرسل وتارة يقتلونهم وذكر أنه أرسل عيسى بالبينات لأنه جاء بنسخ بعض شرع التوراة بخلاف من قبله ولهذا لم يذكر ذلك عنهم وقال في موسى إنه أتاه الكتاب لأنهم كانوا مقرين بنبوته ولكن حرفوا كتابه في المعنى باتفاق الناس وحرفوا اللفظ أحيانا وفي بعض المواضع وهو تعالى قد ذكر في غير موضع أنه أرسل موسى بالآيات البينات فقال لما ناجاه وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون الا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فاني غفور رحيم وادخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات الى فرعون وقومه انهم كانوا فاسقين وقال في سورة القصص يا موسى أقبل ولا تخف انك من الآمنين اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم اليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك الى فرعون وملئه انهم كانوا قوما فاسقين وقال تعالى فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين وقد قال تعالى لما قص قصص الرسل نوح وهود وصالح وشعيب ونصره لهم وإهلاك أعدائهم ثم ذكر الانبياء عموما فقال وما أرسلنا في قرية من نبي الا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون الى قوله أو لم يهد للذين يرثون الارض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون تلك القرى نقص عليك ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين وما وجدنا لاكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين فقد أخبر أن أهل القرى كلهم الذين أهلكهم جاءتهم رسلهم بالبينات ولكن شابه متأخروهم متقدميهم فما كان هؤلاء ليؤمنوا بما كذب به أشباههم كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين وهذا كقوله تعالى كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر أو مجنون قال تعالى ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا الى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين فبين سبحانه أنه بعث موسى بآياته وقال في أثناء القصة إني رسول من رب العالمين حقيق على أن لا أقول على الله الا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فارسل معي بني اسرائيل فأخبر أنه جاء ببينة من الله أي بآية بينة من الله بدليل من الله وبرهان فهي آية منه وعلامة منه على صدقي واني رسول منه فإن قوله من ربكم متعلق بالرسول وبالآية يقال فلان قد جاء بعلامة من فلان فالعلامة منه والرسول منه والآية منه كما قال فذانك برهانان من ربك فدل على أن كل واحد من الرسول ومن آيات الرسول هو من الله تعالى قال له فرعون ان كنت جئت بآية فأت بها ان كنت من الصادقين وذكر القصة ومعارضة السحرة له الى أن قال فأوحينا الى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال فرعون آمنتم به قبل إن آذن لكم أن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين قالوا انا الى ربنا منقلبون وما تنقم منا الا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسليمن فذكر السحرة أنهم آمنوا بآيات ربهم لما جاءتهم وهم من أعلم الناس بالسحر لما علموا أن هذه الآيات آيات من الله كما قال موسى قد جئتكم ببينة من ربكم الى قوله فارسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين الى قوله فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين وليس المراد بالآيات هنا كتابا منزلا فان موسى لما ذهب الى فرعون لم تكن التوراة قد نزلت وإنما أنزلت التوراة بعد أن غرق فرعون وخلص ببني اسرائيل فاحتاجوا الى شريعة يعملون بها قال تعالى ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الآولى بصائر للناس وهدى ولكن تكذيبهم بآياته إنكارهم أن تكون آية من الله وقولهم إنها سحر كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين وكانوا عنها غافلين لم يذكروها ويتأملوا ما دلت عليه من صدق موسى وانه مرسل من الله فالتكذيب ضد التصديق والغفلة عنها ضد النظر فيها ولهذا قيل النظر تجريد العقل عن الغفلات وقيل هو تحديق العقل نحو المرئي والأول هو النظر الطلبي وهو طلب ما يدله على الحق والثاني هو النظر الاستدلالي وهو النظر في الدليل الذي يوصله الى الحق وهذا الثاني هو الذي يوجب العلم فذمهم على الغفلة عن آياته يتضمن النوعين النظر فيها والتأمل لها والتذكر لها ضد الغفلة عنها وهي آيات معينة فإذا جرد العقل عن الغفلة عنها وصدقه للنظر فيها حصل له العلم بها وقد يحصل العلم بها ولكن يمتنع عن اتباعها لهواه كما قال الله عن قوم فرعون وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فإن الحق إذا ظهر صار معلوما بالضرورة والآيات والدلائل الظاهرة تدل على لوازمها بالضرورة لكن اتباع الهوى يصد عن التصديق بها واتباع ما أوجبه العلم بها وهذه حال عامة المكذبين مثل مكذبي محمد وموسى وغيرهما فإنهم علموا صدقهما علما يقينيا لما ظهر من آيات الصدق ودلائله الكثيرة لكن اتباع الهوى صد قال تعالى فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون وقال تعالى عن قوم فرعون وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا وقال موسى لفرعون لقد علمت ما أنزل هؤلاء الا رب السماوات والأرض بصائر ولهذا قال وكانوا عنها غافلين فعلموا أنها حق وغفلوا عنها كما يغفل الانسان عما يعلمه ومنه الغفلة عن ذكر الله تعالى قال تعالى ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا وقال تعالى واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين وقال تعالى ان الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياته غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكذبون فذكر الذين هم عن آياته غافلون هنا كما ذكرهم هناك وهناك وصفهم بالتكذيب بها مع الغفلة عنها وضد الغفلة التذكر والتذكر لآياته سبحانه يوجب العلم بها وحضورها في القلب وهو موجب لاتباعها الا أن يمنعه هوى قال تعالى ان شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون فهو سبحانه لو علم فيهم خيرا وهو قصد الحق لأفهمهم لكنهم لا خير فيهم فلو أفهمهم لتولوا وهم معرضون

وقال تعالى ولقد أرسلنا موسى بآياتنا الى فرعون وملئه فقال اني رسول رب العالمين فلما جاءهم بآياتنا اذا هم منها يضحكون وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون وقد ذكر الآيات التي هي دلائل النبوة منه في غير موضع غير ما تقدم كقوله تعالى فائتياه فقولا انا رسولا ربك فارسل معنا بني اسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى انا قد أوحي الينا أن العذاب على من كذب وتولى قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى قال فما بال القرون الاولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى الذي جعل لكم الارض مهادا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم ان في ذلك لآيات لأولى النهى منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله الى قوله عن السحرة لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات وقال تعالى ورسولا الى بني إسرائيل اني قد جئتكم بآية من ربكم وقال تعالى وقالوا لو لا يأتينا بآية من ربه أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الاولى