انتقل إلى المحتوى

المقتضب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​المقتضب​ المؤلف المبرد


Wikipedia logo اقرأ عن المقتضب في ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

هَذَا تَفْسِير وُجُوه الْعَرَبيَّة وإعراب الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال

فَالْكَلَام كلّه اسْم وفِعل وحرف جاءَ لِمَعْنى لَا يَخْلُو الْكَلَام عربيّا كَانَ أَو أَعجميّا من هَذِه الثَّلَاثَة والمُعْرَب الِاسْم المتمكن وَالْفِعْل الْمُضَارع وسنأْتي على تَفْسِير ذَلِك كلِّه إِن شَاءَ الله أما الْأَسْمَاء فَمَا كَانَ وَاقعا على معنى نَحْو رجل وَفرس وَزيد وَعَمْرو وَمَا أشبه ذَلِك وتعْتَبِرُ الأسماءَ بِوَاحِدَة كلُّ مَا دخل عَلَيْهِ حرف من حُرُوف الجرِّ فَهُوَ اسْم وَإِن امْتنع من ذَلِك فَلَيْسَ باسم وإعراب الْأَسْمَاء على ثَلَاثَة أضْرب على الرّفْع وَالنّصب والجرِّ فأمّا رفع الْوَاحِد المعرب غير المعتلّ فالضَّمُّ نَحْو قَوْلك زيدٌ وعبدُ الّله وعمرٌ وونصبه بِالْفَتْح نَحْو قَوْلك زيدا وعمراً وعبدَ اللهِ وجرّه بالكسرة نَحْو قَوْلك زيدٍ وعمرٍ ووعبدِ الله فَهَذِهِ الحركاتُ تسمّى بهذِه الأسماءِ إِذا كَانَ الشيءُ مُعْرَبا فَإِن كَانَ مبنيّا لَا يَزُول من حَرَكَة إِلَى أُخْرَى نَحْو حيثُ وقبْلُ وبعْدُ قيل لَهُ مضموم وَلم يُقَل مَرْفُوع لأنّه لَا يَزُول عَن الضمِّ و " أيْنَ " و " كيفَ " يُقَال لَهُ مَفْتُوح وَلَا يُقَال لَهُ مَنْصُوب لأنَّه لَا يَزُول عَن الْفَتْح وَنَحْو هؤلاءِ وحذَارِ وأمسِ مكسور وَلَا يُقَال لَهُ مجرور لِأَنَّهُ لَا يَزُول عَن الْكسر وَكَذَلِكَ مِنْ وهلْ وبلْ يُقَال لَهُ مَوْقُوف وَلَا يُقَال لَهُ مجزوم لِأَنَّهُ لَا يَزُول عَن الْوَقْف وَإِذا ثَنَّيْت الْوَاحِد ألحقْتَه الْفَا ونونا فِي الرّفْع أمّا الْألف فإنَّها عَلامَة الرّفْع وأَمّا النُّون فَإِنَّهَا بدَل من الْحَرَكَة والتنوين اللَّذين كَانَا فِي الْوَاحِد فَإِن كَانَ الِاسْم مجروراً أَو مَنْصُوبًا فعلامته ياءٌ مَكَان الأَلف وَذَلِكَ قَوْلك جاءَني الرّجلَانِ وَرَأَيْت الرجليْن ومررت بالرجلَين يَسْتَوِي النصب والجرّ فِي ذَلِك وتُكْسَر النُّون من الِاثْنَيْنِ لعلَّة سنذكرها مَعَ ذكر اسْتِوَاء الجرّ وَالنّصب فِي موضعهَا إِن شاءَ الله فَإِن جمعت الِاسْم على حدّ التَّثْنِيَة أَلحقته فِي الرّفْع واوا ونونا أمّا الْوَاو فعلامة الرّفْع وأمّا النُّون فَبدلٌ من الْحَرَكَة والتنوين اللَّذين كَانَا فِي الْوَاحِد وَيكون فِيهِ فِي الجرّ وَالنّصب ياءٌ مَكَان الْوَاو وَيَسْتَوِي الجرّ وَالنّصب فِي هَذَا الْجمع كَمَا اسْتَويَا فِي التَّثْنِيَة لأَنَّ هَذَا الْجمع على حد التَّثْنِيَة وَهُوَ الْجمع الصَّحِيح وإِنما كَانَ كَذَلِك لأَنَّك إِذَا ذكَرت الْوَاحِد نَحْو قَوْلك مُسْلم ثُمّ ثَنَّيْتَهُ أَدَّيْتَ بناءَه كَمَا كَانَ ثُمّ زِدْت عَلَيْهِ ألفا ونونا أَو يَاء ونونا فَإِذا جمعته على هَذَا الحدّ أدّيت بناءَه أَيْضا ثُمّ زِدْت عَلَيْهِ واوا ونونا أَو يَاء ونونا وَلم تغيّر بناءَ الْوَاحِد عمّا كَانَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَكَذَا سَائِر الْجمع لأَنَّك تكْسِر الْوَاحِد عَن بنائِهِ نَحْو / قَوْلك دِرْهَم ثُمّ تَقول دَرَاهِم تفتح الدَّال وَكَانَت مَكْسُورَة وتكسر الهاءَ وَكَانَت مَفْتُوحَة وتفصل بَين الراءِ والهاءِ بأَلف تُدْخلها وَكَذَلِكَ أَكْلُب وأَفْلُس وغِلْمان فَلذَلِك قيل لكلّ جمع بِغَيْر الْوَاو وَالنُّون جمع تكسير وَيكون إِعرابه كإعراب الْوَاحِد لأَنَّه لم يأْتِ على حدِّ التَّثْنِيَة وَنون الْجمع الَّذِي على حدّ التَّثْنِيَة أَبدا مَفْتُوحَة وإِنما حرّكت نون الْجمع وَنون الْإِثْنَيْنِ لالتقاءِ الساكنين فحرّكت نون الْجمع بِالْفَتْح لأَن الْكسر والضمّ لَا يصلحان فِيهَا وَذَلِكَ أَنَّها تقع بعد وَاو مضموم مَا قبلهَا أَو يَاء مكسور مَا قبلهَا وَلَا يَسْتَقِيم توالي الكسَرات الضَّمَّات مَعَ الياءِ وَالْوَاو ففتحت وَكسرت نون الِاثْنَيْنِ لالتقاء الساكنين على أَصْل مَا يجب فيهمَا إِذا التقيا وَلم تكن فيهمَا مثل هَذِه العلَّة فتمتنع وإِذا جمعت المؤنَّث على حدّ التَّثْنِيَة فإِنَّ نَظِير قَوْلك مُسلمُونَ فِي جمع مُسلم أَن تَقول فِي مسلمة مسلمات فَاعْلَم وَإِنَّمَا حذفت التاءُ من مسلمة لأَنَّها علَم التأْنيث والأَلف والتاءُ فِي مسلمات علَم التأْنيث ومحال أَن يدْخل تأْنيث على تأْنيث فإِذا أَردت رَفعه قلت مسلماتٌ فَاعْلَم ونصبه وجرّه مسلماتٍ يَسْتَوِي الْجَرّ وَالنّصب كَمَا اسْتَويَا فِي مسلمِينَ لأَن هَذَا فِي المؤنّث نَظِير ذَلِك فِي المذكِّرَّ وإِنَّما اسْتَوَى الجرّ وَالنّصب فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع لاستوائما فِي الْكِنَايَة تَقول مَرَرْت بك ورأَيتك واستواؤهما أَنَّهما مفعولان لأَنَّ معنى قَوْلك مَرَرْت بزيد أَي فعلت هَذَا بِهِ فعلى هَذَا تجْرِي التَّثْنِيَة وَالْجمع فِي المذكّر والمؤنَّث من الأسماءِ فأَمَّا الأَفعال فإِنَّا أَخَّرنا ذكرهَا حتّى نَضَعها فِي موَاضعهَا بِجَمِيعِ تَفْسِيرهَا إِن شاءَ الله

هَذَا بَاب الْفَاعِل

وَهُوَ رَفْع وَذَلِكَ قَوْلك قَامَ عبدُ الله وَجلسَ زيدٌ وإنَّما كَانَ الْفَاعِل رفعا لأَنَّه هُوَ وَالْفِعْل جملةٌ يحسن عَلَيْهَا السُّكُوت / وَتجب بهَا الفائدةُ للمخاطب فالفاعل وَالْفِعْل بِمَنْزِلَة الِابْتِدَاء وَالْخَبَر إِذا قلت قَامَ زيد فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك الْقَائِم زيدُ وَالْمَفْعُول بِهِ نصب إِذا ذكرت مَن فعَل بِهِ وَذَلِكَ لأَنَّه تعدّى إِلَيْهِ فعل الْفَاعِل وإنَّما كَانَ الْفَاعِل رفعا وَالْمَفْعُول بِهِ نصبا ليُعْرَف الْفَاعِل من الْمَفْعُول بِهِ مَعَ العلَّة الَّتِي ذكرت لَك فَإِن قَالَ قَائِل أَنت إِذا قلت قَامَ زيد فَلَيْسَ هَهُنَا مفعول يجب أَن تفصل بَينه وَبَين هَذَا الْفَاعِل فإِن الْجَواب فِي ذَلِك أَن يُقَال لَهُ لمّا وَجب أَن يكون الْفَاعِل رفعا فِي الْموضع الَّذِي لَا لَبْسَ فِيهِ للعلَّة الَّتِي ذكرنَا وَلما سَنذكرُهُ من العِلَل فِي موَاضعهَا فرأَيته مَعَ غَيره علمت أَنَّ الْمَرْفُوع هُوَ ذَلِك الْفَاعِل الَّذِي عهدته مَرْفُوعا وَحْدَه وأَنَّ الْمَفْعُول الَّذِي لم تعهده مَرْفُوعا وَكَذَلِكَ إِذا قلت لم يقم زيد وَلم ينطبق عبد الله وسيقوم أَخوك فإِن قَالَ قَائِل إِنما رفعت زيدا أَوّلا لأَنَّه فاعِل فإِذا قلت لم يقم فقد نفيت عَنهُ الفِعْل فَكيف رفعته قيل لَهُ إِن النَّفْي إِنَّما يكون على جِهَة مَا كَانَ مُوجبا فإِنَّما أَعلمت السَّامع من الَّذِي نفيت عَنهُ أَن يكون فَاعِلا فَكَذَلِك إِذا قلت لم يضْرب عبدُ الله زيدا عُلم بِهَذَا اللَّفْظ مَنْ ذكرنَا أَنَّه لَيْسَ بفاعل وَمن ذكرنَا أَنَّه لَيْسَ بمفعول أَلا ترى أَن الْقَائِل إِذا قَالَ زيد فِي الدَّار فأَردت أَن تنفى مَا قَالَ أَنَّك تَقول مَا زيد فِي الدَّار فَترد كَلَامه ثمّ تنفيه وَمَعَ هَذَا فإنَّ قَوْلك يضْرب زيد يضْرب هِيَ الرافعة فإِذا قلت لم يضْرب زيدٌ (فَيضْرب) الَّتِي كَانَت رَافِعَة لزيد قد ردَدْتها قبله و (لمْ) إِنَّما عملت فِي (يضْرب) وَلم تعْمل فِي زيد وإِنَّما وَجب الْعَمَل بِالْفِعْلِ فَهَذَا كَقَوْلِك سيضرب زيد إِذا أَخبرت وكاستفهامك إِذا قلت أَضرب زيد إِنَّما استفهمت فَجئْت بالآلة الَّتِي من شأْنها أَن ترفع زيدا وَإِن لم يكن وَقع مِنْهُ فِعْل ولكنَّك إِنَّما سأَلت عَنهُ هَل يكون فَاعِلا وأَخبرت أَنَّه سَيكون فَاعِلا فللفاعل / فِي كلِّ هَذَا لفظ وَاحِد يُعْرَف بِهِ حَيْثُ وَقع وَكَذَلِكَ الْمَفْعُول وَالْمَجْرُور وَجَمِيع الْكَلَام فِي حَال إِيجَابه ونفيه وسنضع من الْحجَج المستقصاة فِي موَاضعهَا أَكثر من هَذَا لأَنَّ هَذَا مَوضِع اخْتِصَار وتَوْطِئة لما بعده إِن شاءَ الله

هَذَا بَاب حُرُوف الْعَطف بمعانيها

فَمِنْهَا (الْوَاو) وَمَعْنَاهَا إشراك الثانى فِيمَا دخل فِيهِ الأول وَلَيْسَ فِيهَا دَلِيل على أَيهمَا كَانَ أَولا نَحْو قَوْلك جاءنى زيد وَعَمْرو ومررت بِالْكُوفَةِ والبصره فجائزأن تكون ألبصرة أَولا كَمَا قَالَ ألله عز وَجل {واسجدي واركعي مَعَ الراكعين} وَالسُّجُود بعد الرُّكُوع وَمِنْهَا (الفاءُ) وهى توجب أَنَّ الثانى بعد الأَوّل وأَنّ الأّمر بَينهمَا قريب نَحْو قَوْلك رَأَيْت زيدا فعمرا وَدخلت مكَّة فالمدينة و (ثُمّ) مثل الفاءِ إلأ أَنَّهَا / أَشَّد تراخيا تَقول ضربت زيدا / ثمّ عمرا وأَتيت الْبَيْت ثُمَّ الْمَسْجِد وَمِنْهَا (أَو) وَهِي لأَحد الأَمرين عِنْد شكِّ المتكلِّم أَو قَصْده أَحدَهما وَذَلِكَ قَوْلك أَتيت زيدا أَو عمرا وجاءَني رجل أَو امرأَةٌ هَذَا إِذا شكَّ فأَمَّا إِذا قصد فَقَوله كل السّمك أَو اشرب اللبنَ أَي لَا تجمع بَينهمَا وَلَكِن اختر أَيَّهما شِئْت وَكَذَلِكَ أَعطني دِينَارا أَو اكسني ثوبا وَقد يكون لَهَا مَوضِع آخر مَعْنَاهُ الْإِبَاحَة وَذَلِكَ قَوْلك جَالس الْحسن أَو ابنَ سِيرِين وائت الْمَسْجِد أَو السُّوق أَي قد أَذِنت لَك فِي مجالسة هَذَا الضَّرْب من النَّاس وَفِي إتْيَان هَذَا الضَّرْب من الْمَوَاضِع فإِن نهيت عَن هَذَا قلت لَا تُجالس زيدا أَو عمرا أَي لَا تجالسْ هَذَا الضَّرْب من النَّاس وعَلى هَذَا قَول الله عزَّ وجلَّ {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفورا} و (إِمّا) فِي الْخَبَر بِمَنْزِلَة (أَو) وَبَينهمَا فَصْل وَذَلِكَ أَنَّك إِذا / قلت جاءَني زيد أَو عَمْرو وَقع الْخَبَر فِي زيد يَقِينا حتّى ذكَرت أَوْ فَصَارَ فِيهِ وَفِي عَمْرو شكّ وإِمّا تبتدئ بهَا شاكّاً وَذَلِكَ قَوْلك جاءَني إِمّا زيدٌ وإِمّا عَمْرو أَي أَحدهمَا وَكَذَلِكَ وُقُوعهَا للتَّخْيِير تَقول اضْرِب إمّا عبدَ الله وإِمّا خَالِدا فالآمر لم يَشُكَّ ولكنَّه خيّر المأْمور كَمَا كَانَ ذَلِك فِي (أَوْ) وَنَظِيره قَول الله عزَّ وجلَّ {إِنَّا هديناه السَّبِيل إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا} وَكَقَوْلِه {فإمَّا منا بعد وَإِمَّا فدَاء} وَمِنْهَا لَا وَهِي تقع لإِخْرَاج الثَّانِي ممّا دخل فِيهِ الأَوَل وَذَلِكَ قَوْلك ضربت زيدا لَا عمرا ومررت بِرَجُل لَا امرأَةٍ وَمِنْهَا بَلْ وَمَعْنَاهَا الإضراب عَن الأَوَّل وَالْإِثْبَات للثَّانِي نَحْو قَوْلك ضربت زيدا بل عمرا وجاءَني عبد الله بل أَخوه وَمَا جاءَني رجل بل امرأَة وَمِنْهَا (لكنْ) وَهِي للاستدراك بعد النَّفْي وَلَا يجوز أَن تدخل بعد وَاجِب إلاّ لترك قصّة إِلَى قصّة تامّة نَحْو قَوْلك جاءَني زيد لَكِن عبدُ الله لم يأْت / وَمَا جاءَني زيد لكنْ عَمْرو وَمَا مَرَرْت بأَخيك [لَكِن عدوَّك وَلَو قلت مَرَرْت بأَخيك] لَكِن عَمْرو لم يجز وَمِنْهَا (حتَّى) وَلها بَاب على حِياله وَمِنْهَا أَمْ وَهِي فِي الِاسْتِفْهَام نظيرة (أوْ) فِي الْخَبَر ونذكره فِي بَاب الِاسْتِفْهَام إِن شاءَ الله فَهَذِهِ الْحُرُوف - حُرُوف الْعَطف - تُدْخِل الثَّانِي من الْإِعْرَاب فِيمَا دخل فَمَا فِيهِ الأَوّل

هَذَا بَاب من مسَائِل الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ

/ وَتقول أَعجبني ضربُ الضاربِ زيدا عبدَ الله رفعت الضَّرْب لأَنَّه فَاعل بالإِعجاب وأَضفته إِلى الضَّارِب ونصبت زيدا لأَنّه مفعول فِي صلَة الضَّارِب ونصبت عبد الله بِالضَّرْبِ الأَوّل وفاعله الضَّارِب الْمَجْرُور وَتَقْدِيره أَعجبني أَن ضربَ الضاربُ زيدا عبدَ الله فَهَكَذَا تَقْدِير الْمصدر وَتقول سرّني قيام أَخيك فقد أَضفت الْقيام إِلى الأَخ وَهُوَ فَاعل وَتَقْدِيره سرَّني أَن قَامَ أَخوك وَتقول أَعجبني ضَرْبُ زيدٍ عمرا وإِن شِئْت قلت ضربُ زيد عَمْرو إِذا كَانَ عَمْرو ضرب زيدا تضيف الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول كَمَا أَضفته إِلى الْفَاعِل وَإِن نوّنت أَو أَدخلت فِيهِ أَلفا ولاما جرى مَا بعده على أَصله فَقلت أَعجبني ضربٌ زيدٌ عمرا وإِن شِئْت نصبت (زيد) وَرفعت عمرا أَيُّهما كَانَ فَاعِلا رفعته تقدَّم أَو تأَخَّر وَتقول أَعجبني الضَرْبُ زيدٌ عمرا فممّا جاءَ فِي الْقُرْآن منوّنا قَوْله {أَو إطْعَام فِي يَوْم ذِي مسغبة يَتِيما ذَا مقربة} وَقَالَ الشَّاعِر فِيمَا كَانَ بِالْألف وَاللَّام

(لقد علمت أُوْلَى المُغِيرةِ أَنَّني ... لحِقتُ فَلم أَنكُلْ عَن الضَّرب مِسْمَعا) أَرَادَ عَن ضرْب مِسْمَع فلمّا أَدخل الأَلف وَاللَّام امْتنعت الإِضافة فَعمل عمَلَ الْفِعْل وَمثله قَوْله

(وهُنَّ وُقوفٌ ينتظرْن قَضاءَه ... بضاحى عَذاة أَمْرَهُ وهْو ضامِرُ)

أَي ينتظرن أَن يقْضِي أَمره فأَضاف القضاءَ إِلَى ضَمِيره وَمثل ذَلِك عجبت من ضرْبِ الناسِ زيدا إِذا كَانَ مَفْعُولا وترفعه إِذا كَانَ فَاعِلا على مَا وصفت لَك وتصيّر النَّاس فِي مَوضِع نصب لأَنَّهم مفعولون وتَقُول أَعجبني دَقُّالثوب القصّارُ وأَكلُ الخبزِ زيدٌ ومعاقبة اللصّ الأَميرُ فَهَذَا لَا يصلح إِلاَّ أَن يكون الأَخير هُوَ الْفَاعِل وَتقول مَا أَعجب شَيْئا إِعجابَ زيد ركوبُ الفرسِ عَمْرو فَنصبت (إِعجابا) بِالْمَصْدَرِ وأَضفته إِلى زيد فالتقدير مَا أَعجب شيءٌ شَيْئا كَمَا أَعجب زيدا أَنْ ركب الفرَسَ عَمْرو لأَنَّك أَضفت الرّكُوب إِلى الْفرس و (الْفرس) مفعول لأَنَّ عمرا رَكبه و (زيد) الْمَفْعُول لأَنَّ الرّكُوب أَعجبه وَتقول سرَّني والمُشْبِعَه طعامُك شَتْمُ غلامِك زيدا بِالنّصب وَالرَّفْع فِي زيد على مَا تقدّره من أَن يكون فَاعِلا / أَو مَفْعُولا وَتقول أَعجب إِعطاءُ الدَّرَاهِم أَخاك غلامُكَ (إِيّاك) نصبت (إِياك) بأَعجب وَجعلت (غلامُك) هُوَ الَّذِي أَعطى الدَّرَاهِم أَخاك وَتقول ضَرْبَ الضَّارِب عمرا والمكرمَ زيدا أَحبَّ أَخواك نصبت الضَّرْب الأَوّلُّ بأَحبّ وجررت (الضَّارِب) بالإِضافة وعدّيته إِلى عَمْرو ونصبت (المكرم) بِالضَّرْبِ الأَوّل وَالضَّرْب الأَوّل مُتعدِّ فإِن أَردت أَلاَّ تعّديه قلت ضَرْبَ الضَّارِب المكرمِ زيدا أَحبَّ أَخواك وَهَذَا كلُّه فِي صلَة الضَّرْب لأَنَّك أَضفته إِلى الضَّارِب وَسَائِر الْكَلَام إِلى قَوْلك (أَحبّ) متَّصل بِهِ وَتقول سرَّ الشاربُ المطعُمه طعامَك شَرابَك زيدا ف (الشَّرَاب) ينْتَصب ب (الشَّارِب) و (الْمطعم) يرْتَفع بِالْفِعْلِ الَّذِي فِي (الشَّارِب) ونصبت (الطَّعَام) بِالْفِعْلِ الَّذِي فِي (الْمطعم) وكلُّه اسْم وَاحِد وَتقول ظَنَنْت الَّذِي الضاربُ أَخاه زيدٌ عمرا فَالَّذِي فِي / مَوضِع نصب بظننت وعمرا مفعول ثَان وَقَوله الضَّارِب أَخاه زيد الضَّارِب مبتدأٌ وَزيد خَبره وهما جَمِيعًا فِي صلَة الَّذِي وإِنما اتَّصلا بِالَّذِي للهاء الَّتِي فِي قَوْلك أَخاه لأَنَّها ترجع الى الَّذِي وَلَو قلت قَامَ الَّذِي ضربت هندٌ أَباها لم يجز لأَنَّ " الَّذِي " لَا يكون اسْما إِلاَّ بصلَة وَلَا تكون صلته إِلاَّ كلَاما مستغنيا نَحْو الِابْتِدَاء وَالْخَبَر وَالْفِعْل وَالْفَاعِل والظرف مَعَ مَا فِيهِ نَحْو فِي الدَّار زيد وَلَا تكون هَذِه الْجمل صلَة لَهُ إِلاَّ وفيهَا مَا يرجع إِليه من ذكره فَلَو قلت ضَرَبَنِي الَّذِي أَكرمت هِنْد أَباها عِنْده أَو فِي دَاره لصلح لمّا رددت إِليه من ذكره وَنَظِير الَّذِي مَا وَمن وأَي وأَل الَّتِي فِي معنى الَّذين وكلّ مَوْصُول ممّا لم نذكرهُ فَهَذَا مجْرَاه وَلَو قلت ضرب مَن أَبوك منطلق زيدا لم يجز فإِن جعلت مكانَ الْكَاف هَاء وَقلت أَبوه صحّت المسأَلة بالراجع من ذكره وَكَذَلِكَ بَلغنِي مَا صنعت لأَنَّ هَهُنَا هَاء محذوفة وَالْمعْنَى مَا صَنعته وَكَذَلِكَ رأَيت مَنْ ضربتَ وأَكرمتُ مَنْ أَهنتَ فِي كل هَذَا قد حذفت هَاء وإِنَّما حذفتها لأَنَّ أَربعة أَشياءَ صَارَت اسْما وَاحِدًا وَهِي الَّذِي وَالْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ فخفَّفت مِنْهَا وإِن شِئْت جِئْت بهَا وإِنَّما كَانَت الهاءُ أَولى بالحذف لأَنَّ الَّذِي هُوَ الْمَوْصُول الَّذِي يَقع عَلَيْهِ الْمَعْنى وَالْفِعْل هُوَ الَّذِي يوضِّحه وَلم يجز حذف الْفَاعِل لأَنَّ الْفِعْل لَا يكون إِلاَّ بفاعل فحذفت الْمَفْعُول من اللَّفْظ لأَنَّ الْفِعْل قد يَقع وَلَا مفعول فِيهِ نَحْو قَامَ زيد وتكلَّم عبد الله وَجلسَ خَالِد وإِنَّما فعلت هَذَا بالمفعول فِي الصِّلَة لأَنَّه كَانَ متَّصلا بِمَا قبله فحذفته مِنْهُ كَمَا تحذف التَّنْوِين من قَوْله

(وَلَا ذاكِرَ اللَّه إِلاَّ قَلِيلا) وَمَا أَشبهه وَلَو كَانَ مُنْفَصِلا لم يجز حذفه لأَنَّ الضَّمِير قد خرج من الْفِعْل وَصَارَ فِي حيِّز الباءِ وَكَذَلِكَ الَّذِي ضربت أَخاه زيد لَا يجوز حذف {الهاءِ من} الأَخ كَمَا حذفت الْهَاء من الأَوّل لما ذكرت لَك وَتقول سَرَّ دَفْعُك إِلى المعطِي زيدا دِينَارا درهما القائمَ فِي دَاره عَمْرو نصبت الْقَائِم بسرّ وَرفعت عمرا بقيامه وَلَو قلت سرّ دفْعُك إِلى زيد درهما ضربَك عمرا كَانَ محالا لأَنَّ الضَّرْب لَيْسَ ممّا يُسّرُّ وَكَذَلِكَ لَو قلت أَعجب قيامُك قعودَك كَانَ خطأ وَلَو قلت وَافق قيامُك قعودَ زيد لصلُح وَمَعْنَاهُ أَنَّهما قد اتفقَا فِي وَقت وَاحِد فَلَو أَردت معنى الْمُوَافقَة الَّتِي هِيَ اِعجاب لم يصلح إِلاَّ فِي الآدميّين وَتقول اشْتهى زيد شَتْما عمرا خَالِدا كأَنَّك قلت أَن يشْتم عمرا خَالِدا وَكَذَلِكَ الْألف وَاللَّام فإِن لم تنوّن وَلم تدخل أَلفا ولاماً أَضفت الْمصدر إِلى الِاسْم الَّذِي بعده فَاعِلا كَانَ أَو مَفْعُولا وَجرى الَّذِي بعده على الأَصل وَقد فسرنا هَذَا فِيمَا مضى من ذكرنَا هَذَا الْكتاب وَتقول أَعجبك ضربُ زيد عمرا إِذا كَانَ زيد فَاعِلا وضَرْب زيدٍ عَمْرو إِذا كَانَ زيد مَفْعُولا وَنَحْوه وَقَالَ الشَّاعِر

(أَفْنى تِلادي وَمَا جمّعتُ من نَشَبٍ ... قرعُ القواقيزِ أَفْواهُ الأَباريقِ)

التَّقْدِير أَن قرعت القواقيزَ أَفواهُ الأَباريق وتنصب الأَفواه إِن جعلت القواقيز فَاعِلا

هَذَا بَاب وَتقول فِي مسَائِل طوال يمْتَحن بهَا المتعلمون

الضاربَ الشاتمَ المكرِمَ المعطِيَه درهما القائمُ فِي دَاره أَخوك سَوْطًا أَكْرَمَ الآكِلُ طعامَه غلامُه زيدٌ عمرا خالدٍ بكرا عبدَ الله أَخوك نصبت الضَّارِب بأَكرم وَجعلت مَا بعد الضَّارِب فِي صلته إِلى قَوْلك أَكرم فَصَارَ اسْما وَاحِدًا وَالْفَاعِل هُوَ الْآكِل وَمَا بعده صلَة لَهُ إِلى ذكرك الأَسماء المفردة وَهَذِه الأَسماءُ المنصوبة بدل من الضَّارِب والشاتم والمكرم وخالدٍ الْمَجْرُور بدل من الْهَاء فِي غُلَامه وَالْمَرْفُوع بدل من أَحد هَؤُلَاءِ الفاعلين الَّذين ذكرتهم وتقديرها كأَنَّك قلت أَكرم الْآكِل طعامَه غلامُه الرجل الَّذِي ضرب سَوْطًا رجلا شتم رجلا أَكرم رجلا أَعطاه درهما رجلٌ قَامَ فِي دَاره أَخوك وَلَو قلت أَعجب ضَرْبُ زيدٍ غلامَه خَالِدا عمرا بكرٍ لم يجز لِقَوْلِك بكر وَحْدَه والمسأَلة إِذا حذفته مِنْهَا صَحِيحَة وَذَلِكَ لأَنَّك إِذا قلت أَعجب ضرْبُ زيدٍ غلامَه خَالِدا عمرا نصبت عمرا بأَعجب ونصبت خَالِدا فَجَعَلته بَدَلا من الْغُلَام فإِن جِئْت ببكر فجررته فإِنما تَجْعَلهُ بَدَلا من الْهَاء فِي غُلَامه والهاءُ هِيَ زيد فقد أَحلت حِين جعلت زيدا بكرا وفصلت بَين الصِّلَة والموصول وَلَو قلت ظَنَنْت بناءَ الدارِ الساكنِهاالمُعْجِبُه القائمُ عِنْده الذَّاهِب إِليه أَخواه مُعْجِبا بكرا كَانَ جيّدا إِذا جعلت معجبا بكرا هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي فِي ظَنَنْت وَلم تذكر الْبَانِي فإِن ذكرت الْبَانِي جعلته اسْما قبل الْمَفْعُول الثَّانِي فَرَفَعته لأَنَّ قَوْلك الساكنها صفة للدَّار وَمَا بعده دَاخل فِي صلته والصلة والموصول اسْم وَاحِد أَلا ترى أَنَّك تَقول جاءَني عبد الله ورأَيت زيدا فإِنما تذكر بعد جاءَني ورأَيت اسْما وَاحِدًا فَاعِلا أَو مَفْعُولا وَتقول جاءَني القائمُ إِليه الشاربُ ماءَه الساكنُ دارَه الضاربُ أَخاه زيدٌ فالقائم إِليه اسْم وَاحِد وَهَذَا كلُّه فِي صلته وَكَذَلِكَ لَو قلت جاءَني الَّذِي اللَّذَان ضرباه القائمان إِليك كَانَ الَّذِي جاءَك وَاحِدًا وَهَذَا الْكَلَام من صلته بِمَنْزِلَة قَوْلك جاءَ الَّذِي أَبوه منطلق وجاءَني الَّذِي أَبوه غلامُه زيدٌ إِذا كَانَ الْغُلَام للأَب فإِنما الصالة موضَّحة عَن الْمَوْصُول وَفِي هَذِه الْمسَائِل مَا يدلُّك على جَمِيع مَا يرد عَلَيْك فِي هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله وَتقول ضربت زيدا أَخا عَمْرو فإِن شِئْت جعلت أَخا عَمْرو صفة وإِن شِئْت جعلته بَدَلا وَتقول ضربت أَخاكَ زيدا فَلَا يكون زيد إِلاَّ بَدَلا لأَنه اسْم علَم وإِنما الصِّفَات تحْلِية الشَّيْء نَحْو الظريف والطويل وَمَا أَشبه ذَلِك ممّا أُخِذ من الفِعْل أَو نُسب نَحْو الفلانيّ والتميميّ والبكريّ وَمَا اعتوره شيءمن هذَيْن المعنَييْن وَالْبدل يجوز فِي كلّ اسْم معرفَة كَانَ أَو نكرَة مظْهرا كَانَ أَو مضمرا إِذا كَانَ الأَوّل فِي الْمَعْنى أَو كَانَ بعضه فأَما بدل الْمعرفَة من الْمعرفَة فكقولك مَرَرْت بأَخيكَ عبدِ الله وَنَظِير بدل الْمعرفَة من الْمعرفَة نَحْو قَول الله عزَّ وجلَّ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الذِّبن أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وَبدل الْمعرفَة من النكرَة كَقَوْلِك مَرَرْت بِرَجُل زيد كأَنَّك نَحّيت الرجل وَوضعت زيدا مَكَانَهُ فكَأَنَّك قلت مَرَرْت بزيد لأَنَّ ذَلِك الرجل هُوَ زيد فِي الْمَعْنى وَنَظِير هَذَا قَول الله {وَإنَّك لتهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم صِرَاط الله} وَبدل النكرَة من الْمعرفَة كَقَوْلِك مَرَرْت بزيد رجلٍ صَالح وضعت الرجل فِي مَوضِع زيد لأَنَّه هُوَ فِي الْمَعْنى وَنَظِير هَذَا قَول الله عزَّ وجلّ {لنسفعا بالناصية نَاصِيَة كَاذِبَة} واَمَّا بدل بعض الشيءِ مِنْهُ للتبيين فنحو قَوْلك ضربت زيدا رأْسَه وجاءَني قَوْمك بعضُهم أَراد أَن يبيّن الْموضع الَّذِي وَقع الضَّرْب بِهِ مِنْهُ وأَن يُعْلمك أَنَّ بعض الْقَوْم جاءَ لَا كلَّهم وَمن ذَلِك قَول الله عزَّ وجلَّ {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} لأَن فرض الْحَج إِنَّما وَقع مِنْهُم على المستطيع وَقد يجوز أَن يُبدل الشيءُ من الشيءِ إِذا اشْتَمَل عَلَيْهِ مَعْنَاهُ لأَنَّه يقْصد قصْد الثَّانِي نَحْو قَوْلك سُلِب زيدٌ ثوبُه لأَنَّ معنى سلب أَخذ ثَوْبه فأَبدل مِنْهُ لدُخُوله فِي الْمَعْنى وَلَو نصبت الثَّوْب كَانَ أَجود إِذا لم ترد الْبَدَل وَمثل ذَلِك قَول الله عزَّ وجلَّ {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} لأَنَّ المسأَلة وَقعت عَن الْقِتَال وَمثل ذَلِك قَول الأَعشى يُنشد كَمَا أَصف لَك

(لقد كَانَ فِي حَوْلٍ ثَوَاءٍ ثَوَيْته ... تَقَضَّي لُباناتٍ ويَسْأَمَ سائِمُ) أَراد لقد كَانَ فِي ثواءِ حول فأَوقع الْفِعْل على الحَول وَجعل ثواءٍ بَدَلا مِنْهُ كَمَا أَنَّه إِذا قَالَ ضربت زيدا رأْسَه إِنما أَراد ضربت رأْس زيد فأَوقع الْفِعْل وَجعله بَدَلا ويُروى تُقَضَّى لُباناتٌ ويَسْأَمُ وللبدل مَوضِع آخر وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ بدل الْغَلَط وَذَلِكَ قَوْلك مَرَرْت بِرَجُل حمارٍ أَراد أَن يَقُول مَرَرْت بِحِمَار فإِمَّا أَن يكون غلِط فِي قَوْله مَرَرْت بِرَجُل فتدارك فَوضع الَّذِي جاءَ بِهِ وَهُوَ يُريدهُ فِي مَوْضِعه أَو يكون كأَنَّه نسِي فَذكر فَهَذَا الْبَدَل لَا يكون مثلُه فِي قُرْآن وَلَا شعر وَلَكِن إِذا وَقع مثلُه فِي الْكَلَام غَلطا أَو نِسْيانا فَهَكَذَا إِعرابه

هَذَا بَاب مَا كَانَ لَفظه مقلوبا فحقَّ ذَلِك أَن يكون لَفظه جَارِيا على مَا قُلِبَ إِليه

فَمن ذَلِك قِسِيّ وإِنَّما وَزنهَا فُعُول وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يكون قُوُوس لأَنّ الْوَاحِد قَوْس وأَدنى الْعدَد فِيهِ أَقْواس وَالْكثير قِياس كَمَا تَقول ثوب وأَثواب وَثيَاب وسوط وأَسواط وسياط وَكَذَلِكَ جَمِيع هَذَا الْبَاب الَّذِي مَوضِع الْعين مِنْهُ وَاو فأَمَّا قُوُوس فجارٍ على غير مَا تجْرِي عَلَيْهِ ذَوَات الْوَاو نَحْو كَعْب وكعوب وصقر وصقور فكرهوا واوين بَينهمَا ضمّة فقلبوا وَكَانَ حقَّ فَعْل من غير المعتلّ أَن يكون أَدنى الْعدَد فِيهِ أَفْعُل كَقَوْلِك كَعْب وأَكْعُب وكلْب وأَكلُب وصقْر وأَصقُر فلهذه العلَّة قلب إِلى أَفْعَال فَقيل أَبْيات وأَثْواب إِذ كَانَ ذَلِك قد يكون فِي غير المعتلّ من فَرْخ وأَفْراخ وزَنْد وأَزناد وجَدّ وأَجداد فإِن احْتَاجَ إِلَيْهِ شَاعِر ردّه إِلَى الأَصل كَمَا قَالَ

(لكلِّ دَهْرٍ قد لبِستُ أَثْوُبا)

فَهَذَا نَظِير فُعُول فِي الْوَاو وَمن المقلوب قَوْلهم أَيْنُق فِي جمع نَاقَة وَكَانَ أَصل هَذِه أَنْوُق والعلَّة فِيهِ كالعلُّة فِيمَا وَصفنَا فَلَو سميت بأَيْنُق رجلا لم تصرفه إِلاّ فِي نكرَة لأَنَّه أَفْعُل على مِثَال أَقْتُل وَمن ذَلِك أَشْيَاءُ فِي قَول الْخَلِيل إِنَّما هِيَ عِنْده فَعْلاءُ وَكَانَ أَصلها شَيْئاءَ يَا فَتى فكرهوا همزتين بَينهمَا أَلف فقلبوا لنَحْو مَا ذكرت لَك من خَطَايَا كراهةَ أَلفين بَينهمَا همزَة بل كَانَ هَذَا أَبْعَد فقلبوا فَصَارَت اللَّام الَّتِي هِيَ همزَة فِي أَوّله فَصَارَ تَقْدِيره من الْفِعْل لَفْعَاءَ وَلذَلِك لم ينْصَرف قَالَ الله عزَّ وجلَّ {لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تُبْدَلَكُمُ تَسُؤكُم} وَلَو كَانَ أَفْعالا لانصرف كَمَا ينْصَرف أَحْياءٌ وَمَا أَشبهه وَكَانَ الأَخفش يَقُول أَشْياءُ أَفْعِلاءُ يَا فَتى جُمع عَلَيْهَا فَعْل كَمَا جُمِع سَمْح على سُمَحاءَ وَكِلَاهُمَا جمع لفعِيل كَمَا تَقول فِي نصيب أَنْصباءُ وَفِي صديق أَصْدِقاءُ وَفِي كريم كُرَماءُ وَفِي جليس جُلَساء فسَمْح وشَيْءٌ على مِثَال فَعْل فَخرج إِلى مِثَال فَعيل وَقَالَ الْمَازِني فَقلت لَهُ كَيفَ تُصَغِّرهُنَّ فَقَالَ أَُشيَّاءُ فسأَلته لمَ لمْ تردّه إِلَى الْوَاحِد إِنَّه أَفْعِلاءُ فقد وَجب عَلَيْهِ فَلم يأْتِ بمُقْنِع وَهَذَا ترك قَوْله لأَنَّه إِذا زعم أَنَّه أَفْعِلاءُ فقد وجَبَ عَلَيْهِ أَن يصغِّر الْوَاحِد ثمّ يجمعه فَيَقُول فِي تَصْغِير أَشْياءَ على مذْهبه شُيَيْئات فَاعْلَم تَقْدِير فُعَيْلات وَلَا يجب هَذَا على الْخَلِيل لأَنَّه إِذا زعم أَنَّه فَعْلاءُ فقد زعم أَنَّه اسْم وَاحِد فِي معنى الْجمع بِمَنْزِلَة قَوْم ونفَر فَهَذَا إِنَّما يجب عَلَيْهِ تصغيره فِي نَفسه فقد ثَبت قَول الْخَلِيل بحجّة لَازِمَة وممّا يؤكِّد ذَلِك السماعُ قَول الأَصمعيّ فِيمَا حدّث بِهِ عُلَمَاؤُنَا إِنَّ أَعرابيّا سمع كَلَام خلَف الأَحمر فَقَالَ يَا أَحمرُ إِنَّ عنْدك لأَشاوَى فَقلب الياءَ واوا وأَخرجه مُخْرَج صحراءَ وصحارَى فكلُّ مقلوب فَلهُ لَفظه

هَذَا بَاب اللَّفْظ بالحروف

قَالَ سِيبَوَيْهٍ خرج الْخَلِيل يَوْمًا على أَصحابه فَقَالَ كَيفَ تلفِظون بالباءِ من اضربْ وَالدَّال من قدْ وَمَا أَشبه ذَلِك من السواكن فَقَالُوا با دَال فَقَالَ إِنَّما سمّيتم باسم الْحَرْف وَلم تلفِظوا بِهِ فَرَجَعُوا فِي ذَلِك إِليه فَقَالَ أَرى إِذا أَردت اللَّفْظ بِهِ أَن أَزيد أَلف الْوَصْل فأَقول اِبْ اِد / لأَن الْعَرَب إِذا أَرادت الِابْتِدَاء بساكن زَادَت أَلف الْوَصْل فَقَالَت اِضرب اُقتل إِذا لم يكن سَبِيل إِلى أَن تبتدي بساكن وَقَالَ كَيفَ تلفِظون بالباءِ من ضَربَ وَالضَّاد من ضُحىً فأَجابوه كنحو جوابهم فِي الأَول فَقَالَ أَرى إِذا لُفِظ بالمتحرّك أَن تزاد هاءٌ لبَيَان الْحَرَكَة كَمَا قَالُوا ارمه {وَمَا أَدْرَاكَ مَاهِيَه} فأَقول بَهْ ضُهْ وَكَذَلِكَ كلُّ متحرّك وَهَذَا مَا لَا يجوز فِي الْقيَاس غيرُه فإِن سميَّت بِحرف من كلمة فإِنَّ فِي ذَلِك اخْتِلَافا فإِن سميَّت بالباءِ من ضرَبَ فإِنَّ بعض النحويّين كَانَ يزِيد أَلف الْوَصْل فَيَقُول هَذَا اِبٌ فَاعْلَم وَهَذَا خطأٌ فَاحش وَذَلِكَ أَنَّ أَلف الْوَصْل لَا يدْخل على شيءٍ متحرّك وَلَا نصيب لَهَا فِي الْكَلَام إِنَّما تدخل ليوصل بهَا إِلى السَّاكِن الَّذِي بعْدهَا لأَنَّك لَا تقدر أَن تبتدئْ بساكن فإِن كَانَ قبلهَا كَلَام سَقَطت وَقَالَ غَيره أَرى أَن أَقول رَبٌ فَاعْلَم فأَردّ مَوضِع الْعين من ضربَ فَقيل لَهُ أَرأَيت مَا تثبت عينه ولامه وفاؤُه محذوفة من غير المصادر الَّتِي فاؤها وَاو نَحْو عِدة وزِنة فاعتل بِمَا قد وُجد من غَيرهَا وَذَلِكَ قَوْلهم نَاس الْمَحْذُوف مَوضِع الفاءِ وَلَا نعلم غَيره ويدلُّك على ذَلِك الإِتمام إِذا قلت أُناس فإِنما هُوَ فُعال على وزن غراب وإِنه مشتقُّ من أَنِس وإِنسان فِعْلان وَهَذَا وَاضح جدّا قَالَ أَبو الْحسن ضَبٌ كَمَا ترى فيحذف مَوضِع الْعين كَمَا فعل فِي مذْ لأَنَّ الْمَحْذُوف فِي مُنْذُ مَوضِع الْعين وَكَذَلِكَ سَهٌ إِنَّما الْمَحْذُوف التاءُ من اَستاه قَالَ الشَّاعِر

(أُدْعْ أُحَيْحاً باسمه لَا تَنْسَهْ ... إِنَّ أُحَيْحاً هِيَ صِئْبَانُ السَّهْ) وَقَالَ أَمير الْمُؤمنِينَ عليّ بن أَبي طَالب كرّم الله وَجهه العَيْنُ وِكاءُ السَّه وَالْقَوْل الأَوّل لأَبي عُثْمَان المازنيّ ثمّ راَى بعدُ إِذاسُمّي بالباءِ من ضربَ أَن يردّ الْكَلَام كلَّه فَيَقُول ضَرَبٌ كَمَا ترى وَلَا يحذف لأَنَّه إِذا آثر أَن يردّ رَدّ على غير علَّة وَلَو سمَّيت رجلا ذُو لَقلت هَذَا ذَوا فَاعْلَم لأَنَّ أَصله كَانَ فَعَلا يدلُّك على ذَلِك ذواتا وقولك هما ذواَ مَال

هَذَا بَاب مَا يُسمَّى بِهِ من الأَفعالِ المحذوفةِ والموقوفةِ

إِذا سمَّيت رجلا (لِتَقُمْ) أَو (لم تَقمْ) أَو (إِنْ تقمْ أَقمْ) فالحكاية لأَنَّه عَامل ومعمول فِيهِ إِذا جِئْت بالعامل مَعَه وإِن سمَّيته (أَقِمْ) أَوْ (تَقُمْ) وَلَيْسَ مَعَهُمَا لمْ أَعربت فَقلت هَذَا أَقومُ فَاعْلَم وَهَذَا تقومُ فَاعْلَم ورأَيت تقومَ فَاعْلَم لأَنَّه لَيْسَ فِيهِ فَاعل ورددت الْوَاو لأَنَّها حذفت فِي الْفِعْل لالتقاءِ الساكنين فلمّا تحرّكت الْمِيم رجعت وإِن سمّيته (قُمْ) أَو (بعْ) قلت هَذَا قُومٌ على وزن فُعْل وَهَذَا بِيعٌ على وزن دِيْك يَا فَتى لأَنَّ الأَسماءَ لَا تنجزم وإِذا تحركت أَواخرها ردّ مَا حذف لالتقاء الساكنين وإِن سميته أَقِيمْ قلت هَذَا أَقيمُ قد جاءَ لَا تصرفه للزِّيَادَة الَّتِي فِي أَوّله وإِن سمَّيته (رَزديدا) حكَيْته فإِن حذفت زيدا وسمَّيته بالفِعْل وحدَه قلت هَذَا رأَى مثل قفاً وعَصا تردّ الْهمزَة وَهِي عين الْفِعْل وتردّ الأَلف لأَنَّ الأَسماءَ لَا تنجزم وَهَذِه جُمَل تدلُّ على أَبوابها إِن شاءَ الله

وَهَذِه حُدُود التصريف وَمَعْرِفَة أَقسامه

وَمَا يَقع فِيهِ من الْبَدَل والزوائد والحذف وَلَا بدّ / من أَن يُصدَّر بِذكر شيءٍ من الأَبنية لتعرف الأَوزان وليعلم مَا يبْنى من الْكَلَام وَمَا يمْتَنع من ذَلِك

هَذَا بَاب مَا يكون عَلَيْهِ الكَلِمُ بمعانيه

فأَقلّ مَا تكون عَلَيْهِ الْكَلِمَة حرف وَاحِد وَلَا يجوز لحرف أَن ينْفَصل بِنَفسِهِ لأَنَّه مُسْتَحِيل وَذَلِكَ أَنَّه لَا يمكنك أَن تبتدئ إِلاّ بمتحرك وَلَا تقف إِلاَّ على سَاكن فَلَو قَالَ لَك قَائِل الفِظ بِحرف لقد كَانَ سأَلك أَن تُحيل لأَنَّك إِذا ابتدأْت بِهِ ابتدأت متحرّكا وإِذا وقفت عَلَيْهِ وقفت سَاكِنا فقد قَالَ لَك اجْعَل الْحَرْف سَاكِنا متحرّكا فِي حَال وَلَكِن سنذكر اللَّفْظ بالحروف ساكِنها ومتحرّكها فِي مَوْضِعه ليوصل إِلى التَّكَلُّم بِهِ إِن شاءَ الله فَمَا كَانَ على حرف فَلَا سَبِيل إِلى التكلُّم بِهِ وحدَه فممّا جاءَ على حرف ممّا هُوَ اسْم التاءُ فِي قمْت إِذا عَنى المتكلِّم نَفسه أَو غَيره من ذكر أَو أُنثى إِلاَّ أَنَّها تقع لَهُ مضمومةٌ ذكرا كَانَ اَوْ انثى وَلغيره اذا كَانَ ذكرا مَفْتُوحَة وإِن كَانَت أُنثى مَكْسُورَة وَالْكَاف من نَحْو ضربتك ومررت بك تنفتح للمذكَّر وتنكسر للمؤنَّث والهاءُ فِي ضَربته ومررت بِهِ وَلها أَحكام نبيّنها إِن شاءَ الله وَذَلِكَ أَنَّ أَصْل هَذِه الهاءِ أَن تلحقها وَاو زَائِدَة لأَنَّ الهاءَ خُفْيَة فتُوصِل بهَا الْوَاو إِذا وصلت فإِن وقفت لم تُلحق الْوَاو لئلاّ يكون الزَّائِد كالأَصليّ وَذَلِكَ قَوْلك رأَيتُهو يَا فَتى ورأَيتُهو يَا فَتى فتلحق بعد المضموم والمفتوح فإِن كَانَت قبلهَا كسرة جَازَ أَن تُتبعها واوا أَو يَاء أَيّهما شِئْت أَمَّا الْوَاو فعلى الأَصل الَّذِي ذكرت لَك وأَمّا الياءُ فلقرب الْجوَار لأَنَّ الضمّة مستثقلة بعد الكسرة وَالنَّاس عامّة للكسرة والياءُ بعْدهَا أَكثر اسْتِعْمَالا فأَمّا أَهل الْحجاز خاصّة فعلى الأَمر الأَوّل فِيهَا يقرءُون {فَخَسَفْنَا بِهُو وَبدَارِهُو الأَرْضَ} لزموا الأَصل وهما فِي الْقيَاس على مَا وصفت لَك فإِن كَانَت هَذِه الهاءُ بعد / وَاو أَو ياءٍ ساكنتين أَو أَلف فَالَّذِي يُختار حذف حرف اللين بعْدهَا تَقول عليهِ مَال يَا فَتى بِكَسْر الْهَاء من أجل الياءِ الَّتِي قبلهَا كَمَا فعلت ذَلِك للكسرة وَمن لزم اللُّغَة الحجازيّة قَالَ عليهُ مالٌ وَتقول هَذَا أَبوه فَاعْلَم {فَألْقى مُوسَى عَصَاهُ} وإِنَّما حذفت الياءُ وَالْوَاو لأَنَّ الهاءَ خفيّة والحرف الَّذِي يلْحقهَا سَاكن وَقبلهَا حرف لين سَاكن فكره الْجمع بَين حرفي لين ساكنين لَا يفصلهما إِلاّ حرف خفيّ وإِن شِئْت أَلحقت الياءَ وَالْوَاو على الأَصل لأَنَّ الهاءَ حرف متحرّك فِي الْحَقِيقَة وَذَلِكَ قَوْلك على قَول العامّة عليهى مَال وعَلى قَول أَهل الْحجاز عليهو مَال {فَأَلْقَى عَصَاهُو فَإِذَا هِيَ} وَهَذَا أَبوهو فَاعْلَم فإِن كَانَ قبل الهاءِ حرف سَاكن من غير حُرُوف المدّ واللين فأَنت مخيّر إِن شِئْت أَثبتَّ وإِن شِئْت حذفت أَمّا الإِثبات فعلى مَا وصفت لَك وأَمَّا الْحَذف فلأَنَّ الَّذِي قبل الهاءِ سَاكن وَبعدهَا سَاكن وَهِي خفيّة فكرهوا أَن يجمعوا بَينهمَا كَمَا كَرهُوا الْجمع بَين الساكنين وَذَلِكَ قَوْلك {مِنْهُ آيَات محكمات} وإِن شِئْت قلت {مِنْهُو آياتٌ} وعنهو أَخذت فَهَذَا جملَة هَذَا وَاعْلَم أَنَّ الشَّاعِر إِذا احْتَاجَ إِلى الْوَزْن وَقبل الهاءِ حرف متحرك حذف الياءَ وَالْوَاو اللَّتَيْنِ بعد الهاءِ إِذا لم يَكُونَا من أَصل الْكَلِمَة فَمن ذَلِك قَوْله

(فإِنْ يكُ غَثّاً أَو سَمينا فَإِنَّني ... سَأَجْعَلُ عَيْنَيْهِى لِنَفْسِهِ مَقْنَعَا)

وَقَالَ آخر

(أَوْ مُعْبَرُ الظَّهْرِ يُنْبِي عَن وَلِيَّتِه ... مَا حَجّ ربُّهُ فِي الدُّنْيَا وَلَا اعْتَمَرا)

وَقَالَ آخر

(وَمَا لهُ منْ مَجْدٍ تَليدٍ وَمَا لَهو ... من الرّيح فَضْلٌ لَا الجَنُوبُ وَلَا الصَّبَا) وأَشدّ من هَذَا فِي الضَّرُورَة أَن يحذف الْحَرَكَة كَمَا قَالَ

(فَظِلتُ لدَى البيتِ العَتِيقِ أُرِيغُهُ ... ومِطْوايَ مُشْتاقان لَهُ أَرقانِ)

فأَمّا مَا كَانَ من هَذِه الْحُرُوف الَّتِي جَاءَت لمعان فَهِيَ مُنْفَصِلَة بأَنفسها ممّا بعْدهَا وَقبلهَا إِلاّ أَنَّ الْكَلَام بهَا مُنْفَرِدَة محَال كَمَا وصفت لَك فإِنَّ مِنْهَا كَاف التَّشْبِيه الَّتِي فِي قَوْلك أَنت كزيد وَمَعْنَاهُ مثل زيد و (اللَّام) الَّتِي تسمى لَام المِلْك نَحْو هَذَا لِعبد اللَّه ولَك تكون مَكْسُورَة مَعَ الظَّاهِر ومفتوحة مَعَ الْمُضمر لعلَّة قد ذكرت فِي موضعهَا وَهِي الَّتِي فِي قَوْلك جِئْت لأُكرمَك لأَنَّ الْفِعْل انتصب بإِضمار أَنْ وأَنْ وَالْفِعْل مصدر فقد صَار الْمَعْنى جِئْت لإِكرامك وَمِنْهَا (الباءُ) الَّتِي تكون للإِلصاق والإستعانة فأَمّا الإِلصاق فقولك مَرَرْت بزيد وأَلممت بك وأَمّا الإستعانة فقولك كتبت بالقلم وَعمل النجّار بالقَدوم وَمِنْهَا (وَاو) الْقسم الَّتِي تكون بَدَلا من الباءِ لأَنَّك إِذا قلت بِاللَّه لأَفعلَّن فَمَعْنَاه أَحلف بِاللَّه فإِذا قلت وَالله لأَفعلّن فَذَلِك مَعْنَاهُ لأَنَّ مخرج الباءِ وَالْوَاو من الشّفة وَمن ذَلِك الْكَاف الَّتِي تلْحق آخر الْكَلَام لَا مَوضِع لَهَا نَحْو كَاف ذَاك وروُيدك و {أَرَأَيْنَكَ هَذّا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيّ} وَقَوْلهمْ أَبْصِرْكَ زيدا وَهَذِه الْحُرُوف كَثِيرَة إِلاَّ أَنَّا نذْكر مِنْهَا شَيْئا يدلّ على سائرها

هَذَا بَاب مَا جَاءَ من الْكَلم على حرفين

فَمن ذَلِك مَنْ وَهِي لمن يعقل تكون فِي الْخَبَر والاسنفهام والمجازاة وَتَكون فِي الْخَبَر معرفَة ونكرةً فإِذا كَانَت معرفَة لزمتها الصِّلَة كَمَا تلْزم الَّذِي وإِذا كَانَت نكرَة لَزِمَهَا النَّعْت لإبهامها فأَمّا كَونهَا فِي الإِستفهام فكقولك مَنْ ضربك ومنْ أَخوك وأَمَّا المجازاة فقولك مَنْ يأْتني آته وأَمَّا الْخَبَر فرأَيت مَنْ عنْدك وأَمَّا كَونهَا نكرَة فقولك مَرَرْت بمَنْ صالحٍ كَمَا قَالَ

(يَا رُبَّ مَنْ يُبْغِضُ أَذْوَادَنا ... رُحْنَ على بَغْضائهِ واغْتَدَيْنْ)

أَلا ترى أَنَّها فِي جَمِيع هَذَا وَاقعَة على الآذمييّن وَمِنْهَا مَا وَهِي سُؤال عَن ذَات غير الآدمييّن وَعَن صِفَات الآدمييّن وَتَقَع فِي جَمِيع مَوَاضِع مَنْ وإِن كَانَ مَعْنَاهَا مَا وصفت لَك وَذَلِكَ قَوْلك فِي الِاسْتِفْهَام مَا عنْدك فَلَيْسَ جَوَاب هَذَا أَن تَقول زيد أَو عَمْرو وإِنَّما جَوَابه أَن تُخْبر بِمَا شِئْت مِنْ / غير الآدمييّن إِلاّ أَن تَقول رجل فتخرجه إِلى بَاب الأَجناس وَيكون سؤالا عَن جنس الآدمييّن إِذا دخل فِي الأَجناس أَو تجْعَل الصّفة فِي مَوضِع الْمَوْصُوف كَمَا تَقول مَرَرْت بعاقل ومررت بحليم فإِنَّ مَا على هَذِه الشريطة تقع على الآدمييّن لإِبهامِها قَالَ الله عزَّ وجلّ {إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم} ف (مَا) هَهُنَا للآدمييّن وَكَذَلِكَ تَقول رأَيت مَا عنْدك فِي معنى الَّذِي وَتقول مَا تصنعْ أَصْنعْ على المجازاة وَقد قيل فِي قَوْله عزَّ وجلّ مَعْنَاهُ أَو مِلْك أَيمانهم وَكَذَا قيل فِي قَوْله عزَّ وجلَّ {وَالسَّمَاء وَمَا بناها} أَي وبنائها وَقَالُوا وَالَّذِي بناها وأَمَّا وُقُوعهَا نكرةٌ فَقَوله

(رُبَّ مَا تكره النفوسُ من الأَمْر لَهُ فَرْجَةٌ كَحَلِّ العِقَالِ)

وَاعْلَم أَنَّه لَا يكون اسْم على حرفين إِلاَّ وَقد سقط مِنْهُ حرف ثَالِث يُبَيّن لَك ذَاك التصغير وَالْجمع فالأَسماءُ على أُصول ثَلَاثَة بِغَيْر زِيَادَة على ثَلَاثَة وأَربعة وَخَمْسَة والأَفعال على أَصلين 7 على ثَلَاثَة وأَربعة وَنَذْكُر هَذَا فِي مَوْضِعه / وممّا جاءَ على حرفين من الْحُرُوف الَّتِي جاءَت لِمَعْنى والأَسماءِ الدَّاخِلَة على هَذِه الْحُرُوف قَوْلهم قَدْ وَهِي تكون اسْما إِذا كَانَت فِي مَوضِع حَسْب نَحْو قَوْلك كأَنْ قَدْ وَنَحْو قَوْلك قَدْكَ من هَذَا أَي حسبُك وَتَكون حرفا جاءَ لِمَعْنى فإِذا كَانَت كَذَلِك فلهَا موضعان من الْكَلَام أَحدهما أَن تكون لقوم يتوقَّعون الْخَبَر نَحْو قَوْلك هَل جاءَ زيد فَيَقُول لَك قد جاءَ وَتقول لمّا يأَتِ فَيَقُول لَك قد أَتى وَتَكون فِي مَوضِع ربمَّا كَقَوْلِه

(قَدْ أَتْرُكُ القِرْنَ مُصْفَرَّا أَنَامِلُه ... كأَنَّ أَثْوَابَهُ مُجَّتْ بِفِرْصَادِ)

وَقَوله

(وقدْ أَقُودُ أَمَامَ الخيلِ سَلْهَبَةً ... يَهدِي لَهَا نَسَبٌ فِي الحَيّ مَعلومُ)

وَمِنْهَا هَلْ وَهِي للاستفهام نَحْو قَوْلك هَل جاءَ زيد وَتَكون بِمَنْزِلَة قد فِي قَوْله عزَّ وجلَّ {هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر} لأَنَّها تخرج تخرج عَن حدّ الِاسْتِفْهَام تدخل عَلَيْهَا حُرُوف الِاسْتِفْهَام نَحْو قَوْلك أَمْ هَل فعلت وإِن احْتَاجَ الشَّاعِر إِلى أَن يُلْزمها الأَلف فعَلَ كَمَا قَالَ

(سائِلْ فَوَارِسَ يَرْبُوعٍ بِشدَّتِنا ... أَهلْ رأَوْنا بِسَفْح القُفِّ ذِي الأَكّمِ)

وَمِنْهَا مِنْ وأَصلها ابتداءُ الْغَايَة نَحْو سرت من مكّة إِلى الْمَدِينَة وَفِي الْكتاب من فلَان إِلى فلَان فَمَعْنَاه أَنَّ ابتداءَه من فلَان ومحلَّه فلَان وكونهُا فِي التَّبْعِيض راجعٌ إِلى هَذَا وَذَاكَ أَنَّك تَقول أَخذت مَال زيد فإِذا أَردت الْبَعْض قلت أَخذت من مَاله فإِنَّما رجعت بهَا إِلى ابْتِدَاء الْغَايَة وقولك زيد أَفضل من عَمْرو إِنَّما جعلت غَايَة تفضيله عمرا فإِذا عرفت فضل عَمْرو علمت أَنَّه فَوْقه وأَمَّا قَوْلهم إِنَّها تكون زَائِدَة فلست أَرى هَذَا كَمَا قَالُوا وَذَاكَ أَنَّ كلّ كلمة إِذا وَقعت وَقع مَعهَا معنى فإِنما حدثت لذَلِك الْمَعْنى وَلَيْسَت بزائدة فَذَلِك قَوْلهم مَا جَاءَنِي من أَحد وَمَا رأَيت من رجل فَذكرُوا أَنَّها زَائِدَة وأَنَّ الْمَعْنى مَا رأَيت رجلا وَمَا جاءَني أَحد وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا / وَذَلِكَ لأَنَّها إِذا لم تدخل جَازَ أَن يَقع النَّفْي بِوَاحِد دون سَائِر جنسه تَقول مَا جاءَني رجل وَمَا جاءَني عبد الله إِنَّما نفيت مَجِيء وَاحِد وإِذا قلت مَا جاءَني من رجل فقد نفيت الْجِنْس كلَّه أَلا ترى أَنَّك لَو قلت مَا جاءَني مِنْ عبد الله لم يجز لأَنَّ عبد الله معرفَة فإِنَّما مَوْضِعه مَوضِع وَاحِد وَمِنْهَا (قَطْ) وَمَعْنَاهَا حَسْب وَهِي اسْم وقولك قطْك فِي معنى قَوْلك حَسْبُك وَمن هَذِه الْحُرُوف (فِي) وَمَعْنَاهَا مَا استوعاه الوِعاءُ نَحْو قَوْلك النَّاس فِي مَكَان كَذَا وَفُلَان فِي الدَّار فأَمَّا قَوْلهم فِيهِ عَيْبَان فمشتقّ من ذَا لأَنَّه جعله كالوعاء للعيبَيْن وَالْكَلَام يكون لَهُ أَصل ثُمّ يتسَّع فِيهِ فِيمَا شاكل أَصله فَمن ذَلِك قَوْلهم زيد على الْجَبَل وَتقول عَلَيْهِ دَين فإِنَّما أَرادوا أَنَّ الدَّيْن قد ركِبه وَقد قهره وَقد يكون اللَّفْظ وَاحِدًا ويدلّ على اسْم وفِعْل نَحْو قَوْلك زيد على الجبلِ يَا فَتى وَزيد / علا الجبلَ فَيكون (علا) فِعْلاَ وَيكون حرفا خَافِضًا وَالْمعْنَى قريب وَمن كَلَامهم اخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ لاخْتِلَاف الْمَعْنيين وَاخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ وَالْمعْنَى وَاحِد واتِّفاق اللَّفْظَيْنِ وَاخْتِلَاف الْمَعْنيين فأَمَّا اخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ لاخْتِلَاف الْمَعْنيين فَهُوَ الْبَاب نَحْو قَوْلك قَامَ وَجلسَ وَذهب وجاءَ وجمل وجبل وأَما اخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ وَالْمعْنَى وَاحِد فنحو جلس وَقعد وقولك بُرَّ وحنطة وذراع وساعد وأَمَّا اتِّفَاق اللَّفْظَيْنِ وَاخْتِلَاف الْمَعْنيين فقولك ضربت مثلا وَضربت زيدا وَضربت فِي الأَرْض إِذا أَبعدت وَكَذَلِكَ وجدت تكون من وِجْدان الضالَّة وَتَكون فِي معنى علمت كَقَوْلِك وجدت زيدا كَرِيمًا وَفِي معنى الموجِدة نَحْو وجَدت على زيد فَهَذَا عَارض فِي الْكتاب ثُمّ نعود إِلَى الْبَاب وَمِنْهَا لَمْ وَهِي نفي للْفِعْل الْمَاضِي ووقوعها على الْمُسْتَقْبل من أَجل أَنَّها عاملة وعملها الْجَزْم وَلَا جزم إِلاَّ لمُعرَب وَذَلِكَ قَوْلك قد فعل فَتَقول مكذِّبا لم يفعلْ فإِنَّما نفيت أَن يكون فَعَل / فِيمَا مضى والحروف تدخل على الأَفعال فتنقلها نَحْو قَوْلك ذهب وَمضى فتخبر عمّا سلف فإِن اتَّصلت هَذِه الْأَفْعَال بحروف الْجَزَاء نقلتها إِلى مَا لم يَقع نَحْو إِن جئتني أَكرمتك وإِن أَكرمتني أَعطيتك فإِنَّما مَعْنَاهُ إِن تكرمني أُعطك وَمن هَذِه الْحُرُوف (لَنْ) وإِنَّما تقع على الأَفعال نَافِيَة لِقَوْلِك سيفعل لأَنَّك إِذا قلت هُوَ يفعل جَازَ أَن تخبر بِهِ عَن فِعْل فِي الْحَال وعمّا لم يَقع نَحْو هُوَ يصلِّي أَي هُوَ فِي حَال صَلَاة وَهُوَ يصلِّي غَدا فإِذا قلت سيفعل أَو سَوف يفعل فقد أَخلصت الْفِعْل لما لم يَقع فإِذا قلت لن يفعل فَهُوَ نفي لقَوْله سيفعل كَمَا أَنَّ قَوْلك مَا يفعل نفي لقَوْله هُوَ يفعل وَمِنْهَا (لَا) وموضعها من الْكَلَام النَّفْي فإِذا وَقعت على فِعْل نفتْه مُسْتَقْبلا وَذَلِكَ قَوْلك لَا يقوم زيد وحقُّ نَفيهَا لما وَقع مُوجبا بالقسم كَقَوْلِك ليقومَنَّ زيد فَتَقول لَا يقوم يَا فَتى كأَنَّك قلت وَالله ليقومنّ فَقَالَ الْمُجيب وَالله لَا يقوم / وإِذا وَقعت على اسْم نفته من مَوْضِعه كَقَوْلِك لَا رجل فِي الدارَ وَلَا زيدٌ فِي الدَّار وَلَا عمروٌ ويفرد لهَذَا بَاب يستقصى فِيهِ إِن شاءَ الله ولوقوعها زَائِدَة فِي مثل قَوْله {لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَابِ أَنْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ} أَي ليعلم كَمَا قَالَ الراجز

(وَمَا أَلومُ البِيضَ أَلاَّ تَسْخَرَا ... لَمّا رَأَيْنَ الشَمَطَ القَفَنْدرَا)

وَمن الْحُرُوف مَا يُستجمع فِيهِ مَعانٍ فَمن ذَلِك (مَنْ) لَهَا أَربعة مَوَاضِع كَمَا ذكرت لَك وَمن ذَلِك (مَا) لَهَا خَمْسَة مَوَاضِع تكون جَزَاء فِي قَوْلك مَا تصنعْ أَصنعْ وَتَكون استفهاما فِي قَوْلك مَا صنعت وَتَكون بِمَنْزِلَة الَّذِي فِي قَوْلك أَرأَيت مَا عنْدك إِلاَّ أَنَّها فِي هَذِه الْمَوَاضِع اسْم ووقوعها على ذَات غير الآدميّين نَحْو قَوْلك إِذا قَالَ مَا عنْدك فرس أَو حمَار أَو مَال أَو بُرّ وَلَيْسَ جَوَاب قَوْله مَا عنْدك زيد وَلَا عَمْرو وَقد خبّرتك بعمومها فِي قَوْله {إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم} وأَمَّا وُقُوعهَا لصفات الآدميّين فكقولهم / مَا زيد فَيَقُول شرِيف أَو وضيع وَلها موضعان تقع فيهمَا وَلَيْسَت باسم إِنَّما هِيَ فيهمَا حرف فأَحدهما النَّفْي نَحْو قَوْلك مَا زيد فِي الدَّار وَمَا يقوم زيد والموضع الآخر هِيَ فِيهِ زَائِدَة مؤكِّدة لَا يخلّ طرحها بِالْمَعْنَى كَقَوْل الله عزَّ وجلَّ {فَبِمَارَحْمَةٍ} وَكَذَلِكَ {فبمَا نقضهم ميثاقهم} وَمن الْحُرُوف الَّتِي يستجمع لَهَا مَعانِ أَنْ الْخَفِيفَة لَهَا أَربعة مَوَاضِع فَمن ذَلِك الْموضع الَّذِي تنصب فِيهِ الْفِعْل فمعناها أَنَّها وَالْفِعْل فِي معنى الْمصدر وَذَلِكَ قَوْلك يسرّني أَنْ تقوم يَا فَتى مَعْنَاهُ يسرّني قيامك وأُريد أَن تذْهب يَا فَتى إِنَّما هُوَ أُريد ذهابَك وَلَا يَقع فِي الْحَال إِنَّما يَقع مَعَ الْفِعْل المسْتقبل لما بعْدُ نَحْو يسرّني أَن تذْهب غَدا وَمَعَ الْفِعْل الْمَاضِي لما قد فرط نَحْو يسرّني أَن ذهبت وأَن كلّمت زيدا لأَنَّ مَعْنَاهُ مَا مضى وَتَكون مخفَّفة من الثَّقِيلَة نَحْو قَوْلك / علمت أَنْ زيدٌ خيرٌ من عَمْرو وَمَعْنَاهُ علمت أَنَّ زيدا خيرٌ من عَمْرو والفصل بَين (أَنْ) خَفِيفَة وَبَين (أَنْ) المخفَّفة من الثَّقِيلَة أَنّ الْخَفِيفَة لَا تقع ثَابِتَة إِنَّما تقع مَطْلُوبَة أَو متوقَّعة نَحْو أَرجو أَنْ تذهبَ وأَخاف أَنْ تقومَ فإِذا وَقعت مخفَّفة من الثَّقِيلَة وَقعت ثَابِتَة على معنى الثَّقِيلَة نَحْو أَعلم أَنْ ستقومُ على معنى قَوْلك أَنَّك ستقوم وَلَا يصلح أَرجو أَنَّك ستقوم لأَنَّه لم يسْتَقرّ عِنْده لأَنَّ الثَّقِيلَة إِنَّما تدخل على ابتداءِ مستقرّ فأَمَّا (ظَنَنْت) فإِنَّ الثَّقِيلَة والخفيفة يجوزان بعْدهَا تَقول ظَنَنْت أَنَّك منطلق تخبر أَنَّ هَذَا قد استقرّ فِي ظنِّك كَمَا اسْتَقر الأَول فِي عِلْمك وَيجوز للتشكُّك أَن تقع على الْخَفِيفَة لأَنَّها ترجع إِلى معنى أَرجو وأَخاف وَمن ذَلِك قَول الله عزَّ وجلَّ {تظن أَن يفعل بهَا فاقرة} وَتَقَع (أَنْ) فِي / مَوضِع (أَيْ) الْخَفِيفَة للعِبارة وَالتَّفْسِير كَقَوْلِه عزَّ وجلَّ {وَانْطَلق الْمَلأ مِنْهُم أَن امشوا واصبروا على آلِهَتكُم} مَعْنَاهُ أَي امشوا وَلَا تقع إِلاَّ بعد كَلَام تَامّ لأَنَّه إِنَّما يفسّر بعد تَمَامه وَتَقَع زَائِدَة توكيدا كَقَوْلِك لمّا أَنْ جاءَ ذهبت وَوَاللَّه أَنْ لَو فعلت لفَعَلت فإِن حُذِفتْ لم تُخلِلْ بِالْمَعْنَى فَهَذِهِ أَربعة أَوجه وَكَذَلِكَ الْمَكْسُورَة تقع على أَربعة أَوجه فمنهنَّ الجزاءُ نَحْو إِنْ تأْتني آتِك ومنهنّ أَن تكون فِي معنى مَا نَحْو إِنْ زيد فِي الدَّار أَي مَا زيد فِي الدَّار وَقَالَ الله عزَّ وجلَّ {إِن الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غرور} وَقَالَ {إِن يَقُولُونَ إِلَّا كذبا} وَتَكون مخفَّفة من الثَّقِيلَة فإِذا كَانَت كَذَلِك لزِمتها اللَّام فِي خَبَرهَا لئلاّ تلتبسَ بالنافية وَذَلِكَ قَوْلك إِنْ زيدٌ لمُنْطلقٌ وَقَالَ الله عزَّ وجلَّ {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} / فإِن نصبتَ بهَا لم تَحْتَج إِلى اللَّام نَحْو أَنْ زيدا منطلق لأَنَّ النصب قد أَبان وَجَاز النصب بهَا إِذا كَانَت مخفَّفة من الثَّقِيلَة وَكَانَت الثَّقِيلَة إِنَّما نصبتْ لشبهها بِالْفِعْلِ فلمَّا حُذف مِنْهَا صَار كفِعْل مَحْذُوف فعَمَلُ الْفِعْل واحدٌ وإِن حُذِف مِنْهُ كَقَوْلِك لم يَكُ زيد مُنْطَلقًا وكقولك عِ كلَاما وأَمّا الَّذين رفعوا بهَا فَقَالُوا إِنّما أَشبهت الفِعْل فِي اللَّفْظ لَا فِي الْمَعْنى فلمّا نقصت عَن ذَاك اللَّفْظ الَّذِي بِهِ أَشبهت الْفِعْل رَجَعَ الْكَلَام إِلى أَصله لأَنَّ مَوضِع إِنَّ الابتداءُ أَلا ترى أَنَّ قَوْلك إِنَّ زيدا لمنطلق إِنَّما هُوَ زيد منطلق فِي الْمَعْنى ولمّا بَطل عَملهَا عَاد الْكَلَام إِلى الِابْتِدَاء فبالابتداء رفعته لَا بإِنَّ وَمَا بعده خَبره وَهَذَا القَوْل الثَّانِي هُوَ الْمُخْتَار وَلَيْسَ كَذَا كأَنَّ إِذا خفّفت لأَنَّك إِذا قلت كأَنَّ تشبّه فإِذا خفَّفُّت فَذَلِك الْمَعْنى تُرِيدُ وقولك (لكنَّ) بِمَنْزِلَة إِنَّ فِي تخفيفها وتثقيلها فِي النصب وَالرَّفْع وَمَا يخْتَار فيهمَا لأَنَّها على الِابْتِدَاء دَاخِلَة / وَتَكون (إِنْ) زَائِدَة فِي قَوْلك مَا إِنْ زيد منطلق فَيمْتَنع (مَا) بهَا من النصب الَّذِي كَانَ فِي قَوْلك مَا زيد مُنْطَلقًا كَمَا يمْتَنع (إِنَّ) الثَّقِيلَة بهَا من النصب فِي قَوْلك إِنَّما زيد أَخوك فَمن ذَلِك قَوْله

(فَمَا إِنْ طِبُّنَا جُبْنٌ ولكنْ ... مَنايانا ودَوْلةُ آخِرينا)

فقد ذكرنَا من الْحُرُوف والأسماء الَّتِي تقع على حرفين مَا فِيهِ دَلِيل على تَأْوِيل مَا كَانَ مثله ممّا لم نذكرهُ إِن شاءَ الله وَنَذْكُر من الْآلَات الَّتِي على ثَلَاثَة أَحرف مَا يدلّ على مَا بعده من ذَلِك عِنْد وَمَعْنَاهَا الحضرة نَحْو قَوْلك زيد عنْدك فإِن قلت عِنْد فلَان عِلْم أَو عِنْده مَال أَي لَهُ مَال وإِن لم يكن بِحَضْرَتِهِ فإِنّما أَصْله هَذَا وإِن اتَّسع كَمَا تَقول على زيد ثوبٌ فَهَذَا صَحِيح فإِن قلت عَلَيْهِ مالٌ فتمثيل لأَنَّه قد رَكبه وَمن هَذِه الْحُرُوف لَدُنْ وَهِي اسْم فمعناها عِنْد يدلُّك على أَنَّه اسْم دُخُول الْآلَات كَقَوْلِك مِنْ لَدُنْك كَمَا تَقول من عنْدك وَمِنْهَا أَيَّان وأَصله الثَّلَاثَة وإِن / زَادَت حُرُوفه وَمَعْنَاهُ مَتى كَقَوْلِه عزَّ وجلَّ {يسْأَل أَيَّانَ يَوْم الْقِيَامَة} فَهَذِهِ الْحُرُوف تفتح لَك مَا كَانَ من هَذِه الْآلَات

هَذَا بَاب الْأَبْنِيَة وَمَعْرِفَة حُرُوف الزَّوَائِد

اعْلَم أَنَّ الأَسماءَ الَّتِي لَا زِيَادَة فِيهَا تكون على ثَلَاثَة أَجناس تكون على ثَلَاثَة أحرف وعَلى أَربعة وعَلى خَمْسَة لَا زِيَادَة فِي شيءٍ من ذَلِك وَنحن مفسّروه بأَقسامه وأَوزانه وذاكرون مَا يلْحقهُ من الزَّوَائِد بعد الْفَرَاغ من الأُصول وَكم مبلغ عدده من الزَّوَائِد فأَمَّا الأَفعال فَتكون على ضَرْبَيْنِ تكون على ثَلَاثَة أَحرف وعَلى أَربعة أَحرف بِلَا زَوَائِد ثمّ تلحقها الزَّوَائِد وسنخبر عَن ذَلِك وَعَن امتناعها أَن تكون خَمْسَة كَمَا كَانَت الأَسماءُ ونخبر عمّا وَقع من الأَسماءِ والأَفعال على حرفين مَا الذَّاهِب مِنْهُ وَلم ذهب إِن شاءَ الله فأَوّل الأَبنية مَا كَانَ / من الأَسماءِ على ثَلَاثَة أَحرف والحرف الأَوسط مِنْهُ سَاكن لَا يكون اسْم غيرُ مَحْذُوف على أَقلَّ من ذَلِك وَذَلِكَ أَنَّه لَا بدّ لَك من تَحْرِيك الأَوّل لأَنَّك لَا تبتدئ بساكن ويتحرك الآخر لأَنَّه حرف الإِعراب فأَوَّل ذَلِك مَا كَانَ على فَعْلٍ وَهُوَ يكون اسْما ونعتا فالاسم نَحْو بكْر وكَعْب والنعت قَوْلك ضخْم وجزْل وَيكون على (فِعْل) فيهمَا فالاسم جِذْع وعِجْل والنعت نِقْض ونِضْو وَيكون على فُعْل فِيمَا فالاسم خُرْج وقْفُل والنعت مُرّ وحُلْو وَيكون على فَعَلٍ فيهمَا فالاسم جَمَل وجَبَل والنعت بطَل وحَسَن وَيكون على فَعِل فيهمَا فالاسم فَخِذ وكتِف والنعت فرِح وحذِر وَيكون على فَعُل فيهمَا فالاسم رجُل وعضُد والنعت حذُر وندُس وَيكون على فُعُل فيهمَا فالاسم نَحْو طُنُب وعُنُق والنعت جُنُب وشُلُل / وَيكون على فِعَل فيهمَا فالاسم ضِلَع وعِنَب والنعت عِدَّى وقِيَم وَيكون على فِعِلٍ فِي الِاسْم وَلم ياْت ثَبَتا إِلاّ فِي حرفين وهما إِبِل وإِطِل وَيكون على فُعَل اسْما ونعتا فالاسم صُرَد ونُغَر والنعت حُطَم ولُبَد وكُتَع وخُضع قَالَ

(قدْ لَفَّها الليلُ بسَوَّاقٍ حُطَمْ)

وَقَالَ الله عزَّ وجلَّ {أهلكت مَالا لبدا} وَلَا يكون فِي الْكَلَام فِعُل فِي اسْم وَلَا (فِعْل) وَلَا يكون فِي الأسماءِ شيءٌ على (فُعِل) فَهَذَا جَمِيع بناءات الثَّلَاثَة بِغَيْر زَوَائِد وَنَذْكُر الزَّوَائِد وَالْبدل ثمّ نرْجِع إِلى بناءَات الأَربعة إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب معرفَة الزَّوَائِد ومواضعها

وَهِي عشرَة أَحرف الأَلف والياءُ وَالْوَاو والهمزة والتاءُ وَالنُّون وَالسِّين والهاءُ وَاللَّام وَالْمِيم فأَمَّا الأَلف فإِنَّها لَا تكون أَصلا فِي اسْم وَلَا فِعْل إِنَّما تكون زَائِدَة أَو بَدَلا وَلَا تكون أَبدا إِلاَّ سَاكِنة وَلَا يكون مَا قبلهَا أَبدا إِلاَّ مِنْهَا / أَي إِلاَّ مَفْتُوحًا لأَنَّ الفتحة من الأَلف والضمّة من الْوَاو والكسرة من الياءِ والأَلف لَا تُزاد أَوّلا لأَنَّها لَا تكون إِلاَّ سَاكِنة وَلَا يُبتدأُ بساكن وَلَكِن تزاد ثَانِيَة فَمَا فَوق ذَلِك فأَمَّا زيادتها ثانيةٌ فقولك ضارِب وذاهب لأَنَّهما من ضرب وَذهب وتزاد ثَالِثَة فِي قَوْلك ذهَاب وجمال ورابعة فِي قَوْلك حُبْلى للتأْنيث والإِلحاق وَغير ذَلِك فِي مثل عطشان وسكران فَهَذَا مَوضِع جُمَل فإِنَّما نذْكر مَا يدّل على الْموضع ثمّ نرْجِع نستقصي فِي بَابه إِن شاءَ الله وتزاد خَامِسَة فِي مثل حَبَنْطًى وزَعْفران وسادسة فِي قَبَعْثَرًى فأَمَّا الياءُ فتزاد أَوّلا فَيكون الْحَرْف على يفْعَل نَحْو يَرْمَع ويَعْملة وَفِي مثل قَوْلك يرْبُوع ويَعْسُوب وتزاد ثَانِيَة فِي قَوْلك جَيْدَر وبَيْطَر وثالثة فِي مثل سَعِيد وعِثْيَر ورابعة فِي مثل قنديل ودِهْليز وَمَا بعد ذَلِك الأَلف وتزاد للنسب مضعفةً نَحْو قَوْلك تميميّ وقيسيّ وتزاد للإِضافة إِلى نَفسك نَحْو غلامِي وصاحبِي / وَتَقَع فِي النصب نَحْو ضَرَبَنِي والضاربي وَتَقَع دَلِيلا على النصب والخفض فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع نَحْو مسلمَيْن ومسلمِين وأَمَّا الْوَاو فَلَا تزاد أَوّلا كَرَاهَة أَن تقع طرفا فيلزمها الْبَدَل وَلَكِن تزاد ثَانِيَة فِي مثل حَوْقل وكَوْثر وثالثة فِي مثل ضَروب وعجوز ورابعة فِي مثل تَرْقُوَة وخامسة فِي مثل قَلَنْسُوة كالأَلف والياءِ وتزاد دَلِيلا على رفع الْجمع فِي مثل قَوْلك مُسلمُونَ وَلها مَوَاضِع نذكرها فِي بَاب الْبَدَل إِن شاءَ الله وأَمَّا الْهمزَة فموضع زيادتها أَن تقع أَوَّلا نَحْو أَحمر وأَحمد وإِصْلِيت وإِسْكاف وَكَذَلِكَ فِي جمع التكسير نَحْو أَفْعُل كأَكْلُب وأَفْلُس وأَفعال كأَعْدال وأَجْمال وَفِي الْفِعْل فِي قَوْلك أَفعلت نَحْو أَكرمت وأَحسنت وَفِي مصدره فِي وقلك إِكراما وإِحسانا فَهَذَا موضعهَا وَقد تقع فِي غير هَذَا الْموضع فَلَا تجْعَل زَائِدَة إِلاَ بثبت نَحْو قَوْلك شَمْأَل وشَأْمل يدلَّك على زيادتها قَوْلك شمَلتَ الرّيح فَهِيَ تشْمُل شُمولا وَالْمِيم بِمَنْزِلَة الْهمزَة إِلاَّ أَنَّها من زَوَائِد الأَسماءِ وَلَيْسَت من زَوَائِد الأَفعال / وَلَكِن موضعهَا كَمَا ذكرت لَك أَوّلا فَمن ذَلِك مَفْعول نَحْو مضْروب ومَقْتول وإِذا جَاوز الْفِعْل ثَلَاثَة أَحرف لحِقت اسْم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول نَحْو مُكرم ومُكرَم ومنطلق ومنطلَق بِهِ ومستخرج ومستخرَج مِنْهُ وتلحق فِي أَوائل المصادر والمواضع كَقَوْلِك أَدخلته مُدْخَلا وَهَذَا مُدْخَلنا وَكَذَلِكَ مَغْزىً ومَلْهىً فَهَذَا مَوضِع زيادتها فإِن وَقعت غيرَ أَوّل لم تُزَدْ إِلاَّ بثَبَت نَحْو قَوْلهم زُرْقُم وفُسْحُم إِنَّما هُوَ من الأَزرق وفُسْحُم مَنْسُوب إِلى انفساح الصَّدْر وَكَذَلِكَ دُلامِص الْمِيم زَائِدَة لأَنَّهم يَقُولُونَ دَليص ودِلاص فتقديرها فُعامِل وأَمَّا النُّون فتلحق فِي أَوائل الأَفعال إِذا خبّر المتكلِّم عَنهُ وَعَن غَيره كَقَوْلِك نَحن نَذْهَب أَو تلْحق ثَانِيَة مثل مَنْجَنِيق وجُنْدُب وتلحق ثَالِثَة فِي حَنَبْطى ودَلَنْطىً ورابعة فِي رَعْشَنٍ وضَيْفَنٍ لأَنَّ رَعْشَن من الارتعاش / وضَيْفَن إِنَّما هُوَ الجائي مَعَ الضيْف وتزاد مَعَ الأَلف فِي غَضْبَان وسكران وَمَعَ الياءَات وَالْوَاو والأَلف فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع فِي رجلَيْن ومسلِمين ومسلمون وَكَذَلِكَ الأَلف فِي رجلَانِ وتزاد عَلامَة للصرف فِي قَوْلك هَذَا زيدٌ ورأَيت زيدا وَفِي الْفِعْل مفردةٌ ومضاعفةٌ فِي قَوْلك اضربَنْ زيدا أَو اضربَنَّ عمرا فَفِي هَذَا دَلِيل وأَمّا التاءُ فتزاد عَلامَة للتأْنيث فِي قَائِمَة وَقَاعِدَة وَهَذِه التَّاء تبدل مِنْهَا الهاءُ فِي الْوَقْف وتزاد مَعَ الأَلف فِي جمع الْمُؤَنَّث فِي مسلمات وذاهبات وتزاد وَحدهَا فِي افتعل ومفتعل نَحْو اقتدر وافتقر وَمَعَ السِّين فِي مستفعل نَحْو مستضرب ومستخرج وتزاد مَعَ الْوَاو فِي مَلَكُوت وعَنْكَبُوت وَمَعَ الياءِ فِي عِفْرِيت وتزاد فِي أَوائل الأَفعال يُعنى بهَا الْمُخَاطب مذكَّرا كَانَ أَو مؤنَّثا والأُنثى الغائبة فأَمَّا الْمُخَاطب / فنحو أَنت تقوم وَتذهب وأَنتِ تقومين وتذهبين والأُنثى الغائبة نَحْو جاريتك تقوم وَتذهب وَتَقَع زَائِدَة فِي تفعّل وتفاعل فأَمَّا تفعَّل فنحو تشجَّع وتقرّأَ وأَمَّا تفَاعل فنحو تغافَلَ وتعاقل وأَمّا السِّين فَلَا تلْحق زَائِدَة إِلاَّ فِي مَوضِع وَاحِد وَهُوَ استفعل وَمَا تصرّف مِنْهُ والهاءُ تزاد لبَيَان الْحَرَكَة ولخفاءِ الأَلف فأَما بَيَان الْحَرَكَة فنحو قَوْلك ارمه {وَمَا أَدْرَاك مَا هيه} و {فَبِهُدَهُمْ اقْتَدِه} ْ وأَمّا بعد الأَلف فقولك يَا صَاحِبَاه وَيَا حسرتاه فأَمّا اللَّام فتزاد فِي ذَلِك وأُولئك وَفِي عَبْدَل تُرِيدُ العَبْد

هَذَا بَاب حُرُوف الْبَدَل

وَهِي أَحدَ عشر حرفا مِنْهَا ثَمَانِيَة من حُرُوف الزَّوَائِد / الَّتِي ذَكرنَاهَا وَثَلَاثَة من غَيرهَا وَهَذَا الْبَدَل لَيْسَ بِبَدَل الإِدغام الَّذِي تقلب فِيهِ الحروفُ مَا بعْدهَا فَمن حُرُوف الْبَدَل حُرُوف المدّ واللين المُصَوِّتة وَهِي الأَلف وَالْوَاو والياءُ فالأَلف تكون بَدَلا من كلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا كَمَا وصفت لَك وَتَكون بَدَلا من التَّنْوِين المفتوح مَا قبله فِي الْوَقْف نَحْو رأَيت زيدا وَمن النُّون الْخَفِيفَة لأَنَّها كالتنوين إِذا انْفَتح مَا قبلهَا تَقول اضرَبَنْ زيدا فإِذا وقفت قلت اضربا وَفِي قَوْله {لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ} وَالْوَقْف (لنسفعا) وَالْوَاو تكون بَدَلا من الأَلف الزَّائِدَة فِي فاعِل وفاعِلة فِي التصغير وَالْجمع كَقَوْلِك ضُوَيرب وضَوارب وَمن الْهمزَة إِذا انضمَّ مَا قبلهَا وَكَانَت سَاكِنة نَحْو جُؤْنة ولُؤْم وَمن الْهمزَة المبدلة لالتقاء الهمزتين فِي التصغير وَالْجمع وَذَلِكَ قَوْلك فِي آدم أُوَيْدِم وأَوادِم وَتَكون بَدَلا من الْيَاء / إِذا انضمَّ مَا قبلهَا وَكَانَت سَاكِنة نَحْو قَوْلك مُوقِن ومُوسِر لأَنَّها من أَيقنت وأَيسرت فإِن تحرّكت أَو زَالَت الضمَّة رجعت إِلى أَصلها تَقول مَيَاقِن ومَياسِر وَلها فى بَاب فَتْوى وطُوبَى مَا نذكرهُ فِي مَوْضِعه إِن شاءَ الله والياءُ تكون بَدَلا من الْوَاو إِذا انْكَسَرَ مَا قبلهَا وَهِي سَاكِنة وَذَلِكَ قَوْلك ميزَان وميعاد وميقات لأَنَّه من وزنت ووعدت وَمن الْوَقْت فإِن زَالَت الكسرة أَو تحرّكت رجعت إِلى أَصلها وَذَلِكَ قَوْلك مَوَازِين ومَوَاعيد ومواقيت وتُبدَل من الْوَاو إِذا كَانَت رَابِعَة فَصَاعِدا نَحْو أَغزيت واستغزيت وغازيت وتُبدَل مَكَان أَحد الحرفين إِذا ضوعفا فِي مثل قَوْلك دِينَار وقيراط فإِنَّما الأَصل تثقيل النُّون وَالرَّاء أَلا ترى أَنَّهما إِذا افْتَرقَا ظهرا تَقول دَنَانِير وقراريط وَكَذَلِكَ تَقول أَمللت وأَمليت وتقضَّيت من القِضَّة وتَسَرَّيْت والأَصل / تسررّت وتقضَّضت وأَمَّا الْهمزَة فإِنَّها تبدل مَكَان كلِّ ياءٍ أَو وَاو تقع طرفا بعد أَلف زَائِدَة وَذَلِكَ قَوْلك سَقَّاءٌ وغزّاءٌ وتبدل مَكَان إِحدى الواوين إِذا التقيا فِي أَوّل كلمة وَذَلِكَ قَوْلك فِي تَصْغِير واصِل أُوَيْصِل وَكَذَلِكَ تَصْغِير واعِد أُوَيْعِد فإِن انضمّت الْوَاو كنت فِي بدلهَا وترْكِه مخيّرا وَذَلِكَ قَوْلك فِي وُجوه أُجُوه وإِن شِئْت وُجُوه وَكَذَلِكَ وُرْقه وأُرْقة وَمن ذَلِك قَول الله عزَّ وجلَّ {وَإِذا الرُّسُل أقتت} إِنَّما هُوَ فُعِّلت من الْوَقْت والتاءُ تُبدَل من الْوَاو وَالْيَاء فِي مُفْتعل وَمَا تصرف مِنْهُ نَحْو متعدّ ومتَّزن ومتَّبس من اليبس فَهَذَا موضعهَا فِيهَا وتُبدل من الْوَاو خاصَّة فِي قَوْلك تُراث إِنما هُوَ من ورِثت وتُجاه فُعال من الْوَجْه وَكَذَلِكَ تُخَمة وتُكأَة فُعَلة وتَيْقُوَر فَيْعُول من الْوَقار فَهَذَا مَوضِع جُمَل وتوطئة لما بعده وأَمَّا الهاءُ فتُبدَل من التاءِ الدَّاخِلَة للتأْنيث نَحْو نَخْلَة وَتَمْرَة إِنما الأَصل التاءُ والهاءُ بدل مِنْهَا فِي الْوَقْف وَالْمِيم تبدل من النُّون إِذا سكنت وَكَانَت بعْدهَا الباءُ نَحْو قَوْلك عَنْبَر ومِنْبَر وشَنْباءُ فَاعْلَم وَالنُّون تكون بَدَلا من أَلف التأْنيث فِي قَوْلك غَضْبان وعطشان إِنَّما النُّون والأَلف فِي مَوضِع أَلفي حمراءَ يَا فَتى وَلذَلِك لم تقل غضبانة وَلَا سكرانة لأَنَّ حرف تأْنيث لَا يدْخل على حرف تأْنيث فَكَذَلِك لَا تدخل على مَا تكون بَدَلا مِنْهُ ولهذه الْعلَّة قيل فِي النّسَب إِلى صنعاءَ وبَهْراءَ صَنْعانيّ وبَهْرانيّ ونشرح هَذَا فِي بَاب مَا ينْصَرف وَمَا لَا ينْصَرف إِن شاءَ الله فَهَذِهِ ثَمَانِيَة أَحرف من حُرُوف الزَّوَائِد فأَمَّا الثَّلَاثَة الَّتِي تبدل وَلَيْسَت من حُرُوف الزَّوَائِد فأَحدها (الطاءُ) وَهِي تبدل مَكَان التاءِ فِي مُفْتعل وَمَا تصرّف مِنْهُ إِذا كَانَ قبلهَا حرف من حُرُوف الإِطباق وحروف الإِطباق الصَّاد وَالضَّاد والطاءُ والظاء وَذَلِكَ قَوْلك مُصْطبر ومضطَّهد ومظَّلِم وَهُوَ مفتعِل من الظُّلم وأَمَّا مَا تصرّف مِنْهُنَّ / للإدغام فَفِي بَابه نذْكر ومنهنّ الدَّال وَهِي تبدل مَكَان التاءِ فِي مُفتعِل وَمَا تصرّف مِنْهُ إِذا كَانَ قبلهَا حرف مجهور من مخرجها وممّا يدانيها من الْمخْرج نَحْو الذَّال وَالزَّاي وَذَلِكَ قَوْلك فِي مُفْتعِل من الزّين مزدان وَمن الذِكْر مُدَّكر والحرف الثَّالِث الْجِيم وَهِي تبدل إِن شِئْت مَكَان الياءِ المشدّدة فِي الْوَقْف للْبَيَان لأَنَّ الياءَ خفيّة وَذَلِكَ قَوْلك تَميمِجّ فِي تميميّ وعَلِجّ أَي عليّ

هَذَا بَاب معرفَة بَنَات الاربعة الَّتِي لَا زِيَادَة فِيهَا

فَمِنْهَا مَا يكون على فَعْلَل فَيكون اسْما وصِفة فالاسم نَحْو جَعْفَر ونهْشل والنعت مثل سَلْجَم وسلْهَب وَيكون على فُعْلُل فيهمَا فالاسم نَحْو البُرْثن والتُّرْنُم وَالصّفة نَحْو قَوْلك رجل قُلْقُل وناقة كُحْكُح وَيكون على فِعْلِل فيهمَا فالاسم الزِبْرِج الخِمْخِم والنعت الِّطْلِط وَهُوَ قَلِيل وَيكون على (فِعْلَل) فيهمَا فالاسم دِرْهَم وَالصّفة هِجْرَع وَيكون على (فِعَلٍّ) غيرَ مضاعفٍ فِي النَّعْت خاصّة وَذَلِكَ قَوْلهم سِبَطْر وقِمْطر وَاعْلَم أَنَّه لَا يكون اسْم على أَربعة أَحرف كلُّها متحركة إِلاَّ وأَصله فِي الْكَلَام غير ذَلِك فيحذف وَذَلِكَ قَوْلهم (عُلَبِط) وَنَحْوه وإِنَّما أَصله عُلابِط وَكَذَلِكَ (هُدَبِد) إِنَّما أَصله هُدابِد وَكَذَلِكَ جَمِيع بَابه

هَذَا بَاب معرفَة بَنَات الْخَمْسَة من غير زِيَادَة

وَهِي على أَربعة أَمثلة مِنْهَا فَعَلَّل وَهُوَ يكون اسْما ونعتا فالاسم نَحْو السَّفَرْجَل وَالصّفة نَحْو شَمَرْدَل وَيكون على فُعَلَّل فيهمَا فالاسم نَحْو الخُزعْبِلة وَالصّفة نَحْو الخُبَعْثِن والقُذَعْمِلة وَيكون على فِعْلَلٍّ غير مضاعف فَيكون اسْما ونعتا فالاسم قِرْطَعْب والنعت جِرْدَحْل وحِنْزَقْر / وَيكون على فَعْلَلِل نعتا وَذَلِكَ قَوْلهم عَجُوز جَحْمَرِش وكلب نَخْوَرِش

هَذَا بَاب معرفَة الابنية وتقطيعها بالافاعيل وَكَيف تعْتَبر بهَا فِي أَصْلهَا وزوائدها

ونبدأُ بالأَسماءِ الصَّحِيحَة فإِذا قيل لَك ابْنِ مِنْ ضرب مثلَ جَعْفَر فقد قَالَ لَك زد على هَذِه الْحُرُوف الثَّلَاثَة حرفا فحقُّ هَذَا أَن تكرّر اللَّام فَتَقول ضَرْبَبٌ فَاعْلَم فَيكون على وزن جَعْفَر وَتَكون قد وضعت الفاءَ وَالْعين فِي موضعهما وكرّرت اللَّام حتّى لحِق بِوَزْن فَعْلَل أَلا ترى أَنَّك تَقول إِذا قيل لَك ابْن مِنْ ضرب مثل قَطَّع ضَرَّبَ فَاعْلَم لأَنَّه إِنَّما قَالَ لَك كرّر الْعين فإِنَّما زِدْت على الْعين عينا مثلهَا وَلَو قَالَ لَك ابْن لي من ضرب مثل صَمَحْمَح لَقلت ضَرَبْرَب لأَنَّه إِنَّما قَالَ لَك كرّر الْعين / وَاللَّام فأَجَبْته على شَرْطه وَلَو قَالَ لَك ابْن لي من ضرب مثل جَدْول لَقلت ضَرْوَبٌ فَاعْلَم لأَنَّه لم يقل لَك أَلحقه بِجَعْفَر إِنَّما اشْترط عَلَيْك أَن تلْحقهُ بِمَا فِيهِ وَاو زَائِدَة فزدت لَهُ واوا بحِذاءِ الراءِ وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لَك ابنِ لي من ضرب مثل كوثر لَقلت ضَوْرَبٌ فَاعْلَم فاحتذيت على الْمِثَال الْمَطْلُوب مِنْك وَلَو قَالَ ابنِ لي من ضرب مثل جَيْدَر لَقلت ضَيْرَبٌ فَاعْلَم وَلَو قَالَ ابنِ لي من ضرب مثل سَلْقَى لَقلت ضَرْبَى وَقلت لنَفسك ضَرْبَيْتُ مثل قَوْلك سَلْقَيْتُ فَهَذَا يجْرِي فِي الزَّوَائِد والأُصول على مَا وصفت لَك وإِنَّما ذكرنَا هَذَا الْبَاب توطِئَةً لما بعده نفسير يُقَال سلقه إِذا أَلقاه على قَفاهُ وإِذا أَلقاه على وَجهه قيل بطحه وإِذا أَلقاه على أَحد جَنْبَيْه قيل قتَّره وقطَّره وإِذا أَلقاه على رأْسه قيل نَكَتَه

هَذَا بَاب معرفَة الافعال اصولها وزوائدها

فالفعل فِي الثَّلَاثَة يَقع على ثَلَاثَة أَبنية إِذا كَانَ مَاضِيا يكون على فَعَلَ فيشترك فِيهِ المتعدّى وغيرُ المتعدّى وَذَلِكَ نَحْو ضَرَب وقَتَل فَهَذَا مُتَعَّد وَجلسَ وَقعد لما لَا يتعدّى وَيكون على فَعِلَ فيهمَا فَمَا يتعدّى فنحو شرِب ولقِم وأَمَّا مَا لَا يتعدّى فنحو بطِر وخرِق وَالْفِعْل الثَّالِث لما لَا يتعدّى خاصّةً إِنَّما هُوَ للْحَال الَّتِي ينْتَقل إِليها الْفَاعِل وَذَلِكَ مَا كَانَ على فَعُلَ نَحْو كرُم وظرُف وشرُف فأَمَّا مَا كَانَ على فَعِلَ فاللازم فِي مستقبله يَفْعَل تَقول شرِب يشْرَب وعلِم يعْلَم وَمَا كَانَ على فَعُل فاللاوم يَفْعُلُ نَحْو كرُم يكرُم وظرُف يظرُف وأَمَّا مَا كَانَ على فَعَلَ فإِنَّه يَجِيء على يَفْعِل ويَفْعُل نَحْو يضرِب ويقتُل وإِن عرض فِيهِ حرف من حُرُوف الْحلق جَازَ أَن يَقع على / فعَلَ يَفْعَل وَذَاكَ إِذا كَانَ الْحَرْف من حُرُوف الْحلق عينا أَو لاما فأَمّا الْعين فنحو ذهب يذهب وطحنَ يطحَن وأَمّا مَوضِع اللَّام فصنَع يصنَع وقرأَ يقرَأُ وَهَذِه الأَفعال الَّتِي على ثَلَاثَة أَحرف تخْتَلف مصادرها لاختلافها فِي أَنْفُسها لأَنَّ الْمصدر إِنَّما يجْرِي على فِعْله فإِذا خرجت الأَفعال من الثَّلَاثَة لم يكن كلُّ فِعْل مِنْهَا إِلاَّ على طَريقَة وَاحِدَة وَلم تخْتَلف مصادرها وَذَاكَ أَنَّ الْفِعْل إِذا خرج من الثَّلَاثَة إِنّما يخرج لزائد يلْحقهُ إِلاَّ أَن يكون من بَنَات الأَربعة فَيكون فِي الأَربعة أَصلا كَمَا كَانَت بَنَات الثَّلَاثَة فأَمَّا بَنَات الثَّلَاثَة فإِنَّ الْهمزَة تلحقها أَوّلا فَيكون الْفِعْل على أَفْعَل نَحْو أَخرج وأَكرم وَيكون الْمُسْتَقْبل نَحْو يُخْرِج ويُكْرِمُ وَكَانَ الأَصل أَن يكون وَزنه يُؤَفْعِل فحذفت الْهمزَة لأَنَّه كَانَ يلْزمه إِذا أَخبر عَن نَفسه أَن يجمع بَين همزتين وَذَلِكَ مُمْتَنع فلمّا كَانَت زَائِدَة / وَكَانَت تُلْزِم مَا لايقع فِي الْكَلَام مثلُه حذفت وأُتْبِعت حُرُوف الْمُضَارع الْهمزَة كَمَا جرَيْن فِي بَاب وعد مَجْرى الياءِ وَيكون الْمصدر على إِفْعَال وَذَلِكَ قَوْلك أَكرم يُكْرِم إِكراما وأَحسن يُحْسِن إِحسانا وَيكون على فاعَلْت فَيكون مستقبله على وزن مُسْتَقْبل أَفْعَلت قبل أَن يحذف وَذَلِكَ قَوْلك قَاتل يُقاتِل وضارب يُضارِب وَمعنى فاعَل إِذا كَانَ دَاخِلا على فعَلَ أَنَّ الْفِعْل من اثْنَيْنِ أَو أَكثر وَذَلِكَ لأَنَّك تَقول ضربت ثمّ تَقول ضارَبت فتخبر أَنَّه قد كَانَ إِليك مثلُ مَا كَانَ مِنْك وَكَذَلِكَ شاتمت فإِن لم يكن فِيهِ فعَلَ فَهُوَ فِعْل من وَاحِد نَحْو عَاقَبت اللص وطارقت نعلى والمصدر يكون على مفاعَلة نَحْو قَاتَلت مُقاتلة وشاتمت مُشاتمة وَيَقَع اسْم الْفِعْل على فِعال نَحْو القِتال والضراب وَاعْلَم أَنَّ الْفِعْلَيْنِ إِذا اتَّفقا فِي الْمَعْنى جَازَ أَن يحمل مصدر أَحدهما على الآخر لأَنَّ الْفِعْل الَّذِي ظهر فِي معنى فعله الَّذِي ينصبه / وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك أَنا أَدَعُك ترْكاً شَدِيدا وَقد تطوَّيت انطواءً لأَنَّ تطوّيت فِي معنى انطويت قَالَ الله عزَّ وجلَّ {وتبتل إِلَيْهِ تبتيلا} لأَنَّ تبتَّل وبتَّل بِمَعْنى وَاحِد وَقَالَ {وَالله أنبتكم من الأَرْض نباتا} وَلَو كَانَ على أَنبتكم لَكَانَ إِنباتا قَالَ امْرُؤ الْقَيْس

(وَرُضْتُ فذلَّتْ صَعْبَةً أَيَّ إِذْلاَلِ)

وَلَو كَانَ على ذلَّت لَكَانَ أَيّ ذُلٍّ لَكِن رُضْتُ فِي معنى أَذللت وَيكون الْفِعْل على (فعَّل) فَيكون مستقبله على (يُفَعِّل) لأَنَّه فِي وزن فاعَل وأَفْعَل فَلذَلِك وَجب أَن يكون مستقبله {كمستقبَلهما} والمصدر على التفْعِيل نَحْو قطَّعت تقطيعا وكسّرت تكسيرا وَهَذِه الأَفعال الْفَصْل بَين فاعلها ومفعولها كسرةٌ تلْحق الْفَاعِل قبل آخر حُرُوفه وفتحةُ ذَلِك الْحَرْف من / الْمَفْعُول نَحْو قَوْلك مُكرِم ومُكرَم ومُقاتِلٌ ومُقاتَلٌ ومُقطِّع ومُقطَّع وَمَا كَانَ من المصادر الَّتِي فِي أَوائلها الْمِيم أَو أَسماء الْمَوَاضِع الَّتِي على ذَلِك الحدّ أَو الأَزمنةِ فعلى وزن الْمَفْعُول لأَنَّها مفعولات فالمصدر مفعول أَحدثه الْفَاعِل وَالزَّمَان وَالْمَكَان مفعول فيهمَا وَذَلِكَ قَوْلك أَنزلته مُنْزلا قَالَ الله عزَّ وجلَّ {ليدخلنهم مدخلًا يرضونه} و {بِاسْم اللهِ مَجْريها وَمُرْسَاهَا} وَتقول هَذَا مقاتَلنا أَي مَوضِع قتالنا كَمَا قَالَ

(أُقاتِلُ حتّى لَا أَرَى لي مُقاتَلا ... وأَنجو إِذا غُمَّ الجَبانُ من الكرْبِ)

وَتقول سرّحته مُسرّحا أَي تسريحا قَالَ

(أَلمْ تَعْلمْ مُسَرَّحِيَ القوافِي ... فلاعِياً بهنّ وَلَا اجتلابا)

وَيكون الْفِعْل على (افْتعَلَ) فَيكون مستقبله على (يَفْتعِلُ) والمصدر الافْتِعال وَيكون الْفَاعِل مُفْتعِلا على مَا وصفت وَيكون على (انْففعَلَ) وَهُوَ فِي وزن (افْتعَل) وَيكون الْمُسْتَقْبل (يَنْفَعِل) / على وزن (يفْتعِل) وَهُوَ بناءٌ لَا يتَعَدَّى الْفَاعِل إِلى الْمَفْعُول ومصدره (الانْفِعال) على وزن (الافْتِعال) وفاعله (مُنْفعِل) وَلَا يَقع فِيهِ (مفعول) إِلاّ الظرفان الزَّمَان وَالْمَكَان تَقول هَذَا يَوْم مُنْطَلق فِيهِ و (يَنْفعِل) يكون على ضَرْبَيْنِ فأَحدهما أَن يكون لما طاوع الْفَاعِل وَهُوَ أَن يرومه الْفَاعِل فيبلغَ مِنْهُ حاجَته وَذَلِكَ قَوْلك كسَرته فانكسر وقطعته فَانْقَطع وَيكون للْفَاعِل بالزوائد فِعْلا على الْحَقِيقَة نَحْو قَوْلك انْطلق عبد الله وَلَيْسَ على فعَلْته وَفِي هَذَا الْوَزْن إِلاَّ أَنَّ الإِدغام يُدْرِكهُ لأَنَّك تزيد على اللَّام مِثْلَها وَذَلِكَ قَوْلك احمرَّ واخضرَّ وأَصله احْمَرر يتَبَيَّن ذَلِك لَك إِذا جعلت الْفِعْل لنَفسك وَقلت احمرَرْت لأَنَّ التَّضْعِيف يظْهر إِذا سكن آخِره فَيصير احمررت على وزن انفعلت وافتعلت وَالْفَاعِل / مِنْهُ مُحْمَرّ وأَصله محُمَرِر وَهُوَ فِعْل لَا يتعدّى الْفَاعِل لأَنَّ أَصل هَذَا الْفِعْل إِنَّما هُوَ لما يحدث فِي الْفَاعِل نَحْو احمرَّ واعوَرَّ فإِن وَقع ذَلِك للمكان أَو الزَّمَان قلت مَكَان مُحْمَرّ فِيهِ ومُعْورّ فِيهِ وَيكون الْمصدر على مِثَال (افْعِلال) نَحْو الاحمرار والاصفرار فَذَلِك على وزن الافْتِعَال والانْفِعَال وَيكون الْفِعْل على مِثَال (اسْتفْعَلْت) نَحْو استخرجت واستكثرت وَيكون مستقبله على (يَسْتفْعِل) نَحْو يَسْتَخْرِج ويَسْتكْثِر وَيكون الْمصدر (اسْتِفْعَالا) نَحْو استخراجا واستكثارا وَالْفَاعِل مُسْتخْرِج وَالْمَفْعُول مُسْتخْرَج وَيكون على مِثَال (افْعَنْللْت) و (افْعَوْعَلْت) إِلاَّ أَنَّ (افْعَنْللْت) فنحتاج أَن نعيد ذكرهَا فِي بَاب الْأَرْبَعَة وَذَلِكَ قَوْلك: اقعنسس، وَفِي افعوعل: اغدودن والمصدر كمصدر (استفعلت) تَقول من (افعنللت) : (افْعِنْلالا) وَمن (افْعَوْعَلْت) (افْعِيعَالا) تقلب الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا وسكونها وَيكون على افْعَوَّلْت نَحْو اعْلوَّطْت تَقول اعْلوَّط الرجل إِذا ركب دابّته فضّم بيدَيْهِ على عُنُقهَا إِذا خَافَ السُّقُوط والمصدر (اعْلِوَّاطا) تصحّ الْوَاو لأَنَّها مشدّدة وكلَّما صحّت الْوَاو فِي الْفِعْل صحّت فِي الْمصدر وَيكون على (افْعَاللْت) فَيكون على هَذَا الْوَزْن إِلاّ أَنَّ الإِدغام يُدْرِكهُ والأَصل أَن يكون على وزن استخرجت وَمَا ذكرنَا بعْدهَا وَذَلِكَ قَوْلك احمارَرْت واشهابَبْت واحمارّ الدابّة واشهابّ والمصدر (افْعِيلال) على وزن اسْتِخْرَاج وَذَلِكَ قَوْلك احمارٌ احميرارا وَهَذَا الْوَزْن أَكثر مَا يكون عَلَيْهِ الِاسْم حروفا وَلَا يُوجد اسْم على سَبْعَة أَحرف إِلاّ فِي مصدر الثَّلَاثَة والأَربعة المزيدة وَيكون الفِعْل على (تَفعَّلَ) فَيكون على ضَرْبَيْنِ على المطاوعة من (فعّل) فَلَا يتَعَدَّى نَحْو قَوْلك قطَّعته فتقطَّع وكسّرته فتكسّر فَهَذَا للمطاوعة وَيكون على الزِّيَادَة / فِي فِعْل الْفَاعِل نَحْو تقحّمت عَلَيْهِ وتقدّمت عَلَيْهِ والأَصل إِنَّما هُوَ من قحّمته فتقحّم وقدّمته فتقدّم والمصدر التَفَعُّل نَحْو التقَدُّم والتقَحُّم فإِذا كَانَ على زِيَادَة غير (فَعَّلَ) كَانَ مثل تكلَّم وَمثل مَا يَقُول النحويّون إِنّه يخرج من هَيْئَة إِلَى هَيْئَة نَحْو نشجّع وتجمّل وتصنّع وَيكون على (تَفَاعَل) كَمَا كَانَ (تَفَعَّل) لأَنَّ هَذِه التاءَ إِنَّما لحقت فعَّل وفاعَل فِي الأَصل فَيكون على ضَرْبَيْنِ أَحدهما المطاوعة وَذَلِكَ نَحْو ناولته فَتَنَاول وَلَيْسَ كَقَوْلِك كسَرْتُه فانكسر لأَنَّك لم تخبر فِي قَوْلك انْكَسَرَ بِفعل مِنْهُ على الْحَقِيقَة وأَنت إِذا قلت قدّمته فَتقدم وناولته فَتَنَاول تخبر أَنَّه قد فَعَل على الْحَقِيقَة مَا أَردت مِنْهُ فإِنَّما هَذَا كَقَوْلِك أَدخلته فَدخل وَيكون على ضرب آخر وَهُوَ أَن يظْهر لَك من نَفسه مَا لَيْسَ عِنْده وَذَلِكَ نَحْو تعاقل وتغابَى وتغافل كَمَا قَالَ (إِذَا تَخَازَرْتُ وَمَا بِي مِنْ خَزَرْ)

والمصدر (التَّفَاعُل) على وزن / التفعُّل فَفِي مَا ذكرنَا دَلِيل على كلِّ مَا يرد عَلَيْك من هَذِه الأَفعال إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب معرفَة أَلفات الْقطع وأَلفات الْوَصْل وهنّ همزات فِي أَوائل الأَسماءِ والأَفعال والحروف

فَمَا كَانَ من ذَلِك أَصليّا فهمزته مَقْطُوعَة لأَنَّها بِمَنْزِلَة سَائِر الْحُرُوف وَكَذَا إِذا أُلحقت بِغَيْر مَا استثنيته لَك وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك فِي الْهمزَة الأَصليّة أَب وأَخ والزائدة أَحْمَر وأَصْفَر تَقول رأَيت أَباك وأَخاك وأَحمر وأَصفر وَفِي الأَفعال الْهمزَة الأَصليّة نَحْو همزَة أَكل وأَخَذَ والزائدة همزَة أَعْطى وأَكرم تَقول يَا زيد أَحْسِنْ وأَكْرِمْ فأَمَّا الْهمزَة الَّتِي تسمّى أَلف الْوَصْل فموضعها الفِعْل وتلحق من الأَسماء أَسماء بِعَينهَا مختلَّة والمصادر الَّتِي أَفعالُها فِيهَا أَلفُ / الْوَصْل وإِنَّما دخلت هَذِه الأَلف لسكون مَا بعْدهَا لأَنَّك لَا تقدر على أَن تبتدئ بساكن فإِذا وصلت إِلى التكلُّم بِمَا بعْدهَا سَقَطت وإِنَّما تصل إِلى ذَلِك بحركة تُلقى عَلَيْهِ أَو يكون قبل الأَلف كَلَام فيتصَّل بِهِ مَا بعْدهَا وَتسقط الأَلف لأَنَّها لَا أَصل لَهَا وإِنَّما دخلت توصّلا إِلى مَا بعْدهَا فإِذا وصل إِليه فَلَا معنى لَهَا فآية دُخُولهَا فِي الفِعْل أَن تَجِد الياءَ فِي يَفْعَل مَفْتُوحَة فَمَا كَانَ كَذَلِك فلحقته الأَلف فَهِيَ أَلف الْوَصْل وَذَلِكَ قَوْلك يَضرب ويَذهب ويَنطلق ويَستخرج وَذَلِكَ قَوْلك يَا زيد اضربْ وَيَا زيد انطلقْ وَيَا زيد استخرجْ فإِن انضمّت الياءُ فِي (يَفْعل) لم تكن الأَلف إِلاّ قطعا وَذَلِكَ نَحْو أَحسن وأَكرم وأَعطى لأَنَّك تَقول يُكَرِم ويُحْسِن ويُعْطِي تكون الأَلف ثَابِتَة كَمَا تكون دَال دحْرج لأَنَّ حُرُوف المضارعة تنضم فِيهَا كَمَا تنضم مَعَ الأُصول فِي مثل قَوْلك / يُدَحرج ويُرامي فكلّ مَا كَانَ من الفِعْل أَلفُه مَقْطُوعَة فَكَذَلِك الأَلف فِي مصدره تَقول يَا زيد أَكْرِمْ إِكراما وأَحْسِنْ إِحسانا وإِذا كَانَت فِي الْفِعْل مَوْصُولَة فَكَذَلِك تكون فِي مصدره تَقول يَا زيد استخرج استخراجا واِنطلق اِنطلاقا وَهَذِه الأَلف الموصولة أَصلها أَن تبتدئ مَكْسُورَة تَقول اِعلم اِنطلق فإِن كَانَ الثَّالِث من (يَفْعل) مضموما ابتُدئت مَضْمُومَة وَذَلِكَ لكرهيتهم الضمَّ بعد الْكسر حتىَّ أَنَّه لَا يُوجد فِي الْكَلَام إِلا أَن يَلْحَق الضمُّ إِعرابا نَحْو قَوْلك فخِذٌ كَمَا ترى فكرهوا أَن يلتقي حرف مكسور وحرفٌ مضموم لَا حاجزَ بَينهمَا إِلاَّ حرفٌ سَاكن وَذَلِكَ قَوْلك فِي ركض يرْكضُ وَعدا يَعْدُو وَقتل يقتل إِذا استأْنفت اركُضْ برجلك اُعْدُ يَا فَتى اُقْتُلْ وَكَذَلِكَ / للمرأَة تَقول اُقْتُلي لأَنَّ العلَّة وَاحِدَة تَقول لَهَا اُغْزِي أُعْدِي لأَنَّ الأَصل كَانَ أَن تثبت الْوَاو قبل الياءِ ولكنَّ الْوَاو كَانَت فِي يَعْدُو سَاكِنة والياءُ الَّتِي لحقت للتأْنيث سَاكِنة فَذَهَبت الْوَاو لالتقاء الساكنين والأَصل أَن تكون ثَابِتَة فاستؤنفت أَلف الْوَصْل مَضْمُومَة على أَصل الْحَرْف لأَنَّ يعْدو بِمَنْزِلَة يقتل وَكَذَلِكَ تَقول اُسْتُضعِف زيد اُنْطُلِقَ بِهِ اُقْتُدِرَ عَلَيْهِ وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وأَمَّا وُقُوع أَلفات الْوَصْل للاسماءِ فقولك ابْن وَاسم وامرؤ كَمَا ترى فأَمَّا ابْن فإِنَّه حرف مَنْقُوص مُسكَّن الأَوَّل فَدخلت لسكونه وإِنَّما حدث فِيهِ هَذَا السّكُون لِخُرُوجِهِ عَن أَصله وَمَوْضِع تَفْسِيره فِيمَا نذكرهُ من بَنَات الحرفين وَكَذَلِكَ اسْم فإِن صغَّرتهما أَو غَيرهمَا ممّا فِيهِ أَلف الْوَصْل من الأَسماءِ سَقَطت الأَلف لأَنَّه يَتَحَرَّك مَا بعْدهَا فَيمكن الابتداءُ بِهِ وَذَلِكَ قَوْلك بُنيّ وسُمَيّ تسْقط الأَلف وتردّ مَا ذهب مِنْهُمَا / وأَمَّا امْرُؤ فَاعْلَم فإِنَّ الْمِيم مَتى حركّت سَقَطت الأَلف تَقول هَذَا مَرْءٌ فَاعْلَم وكما قَالَ تَعَالَى {يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه} وَهَذَا مُرَيْىٌ فَاعْلَم وَمن قَالَ امْرُؤ قَالَ فِي مؤنثَّه امرأَة وَمن قَالَ مَرْءٌ قَالَ فِي مؤنَّثه مَرْأَة وَاعْلَم أَنَّك إِذا قلت امْرُؤ فَاعْلَم ابتدأَت الأَلف مَكْسُورَة وإِن كَانَ الثَّالِث مضموما وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة اُرْكُضْ لأَنَّ الضمّة فِي اُركُضْ لَازِمَة وَلَيْسَت فِي قَوْلك اُمرؤ لَازِمَة لأَنَّك تَقول فِي النصب رأَيت امْرأ {وَفِي الجرّ} مَرَرْت بامرِئ فَلَيْسَتْ بلازمة وأَمّا قَوْلنَا إِذا تحرّك الْحَرْف السَّاكِن فبتحويل الْحَرَكَة عَلَيْهِ سَقَطت أَلف الْوَصْل فَمن ذَلِك أَن تَقول اِسأَلْ فإِن خفَّفت الْهمزَة فإِنّ حكمهَا إِذا كَانَ قبلهَا حرف سَاكن أَن تحذف فَتلقى على السَّاكِن حركتها فَيصير بحركتها متحرِّكا وَهَذَا نأْتي على تَفْسِيره فِي بَاب الْهمزَة إِن شاءَ الله وَذَلِكَ قَوْلك سَلْ لأَنَّك لمّا قلت اسأَلْ حذفت الْهمزَة فَصَارَت اِسَلْ / فَسَقَطت أَلف الْوَصْل لتحرّك السِّين قَالَ الله عزَّ وجلَّ {سل بني إِسْرَائِيل} وَمن ذَلِك مَا كَانَت الياءُ وَالْوَاو فِيهِ عينا نَحْو قَالَ وَبَاعَ لأَنَّك تَقول يقُول ويبيِع فتحوّل حَرَكَة الْعين على الفاءِ فإِذا أَمرت قلت قُلْ وبعْ لأَنَّهما متحرّكان وَلَو كَانَتَا على الأَصل لَقلت قَوَلَ وبَيَعَ على مِثَال قتلَ وضَربَ يَقْوُل ويَبْيع على مِثَال يقتل وَيضْرب ولقلت أُقْوُلْ كَمَا تَقول اُقْتُلْ وَقلت اِبْيعْ كَمَا تَقول اِضْربْ لسكون الْحَرْف وَمن ذَلِك مَا كَانَت فاؤه واوا وَوَقع مضارعه على يَفْعِل لأَنَّك تحذف الْوَاو الَّتِي هِيَ فاءٌ فتستأْنف الْعين متحركة فَتَقول عِدْ وزِنْ لأَنَّهما من وعَد وَوزن يَعِدُ ويزَنُ ففاؤهما وَاو تذْهب فِي يَفْعِل وإِنَّما الأَمر من الْفِعْل الْمُسْتَقْبل لأَنَّك إِنَّما تأْمره بِمَا لم يَقع وكلّ مَا جاءَك من ذَا فعلى هَذَا فَقِسْ إِن شاءَ الله وَمن أَلفات الْوَصْل الأَلف الَّتِي تلْحق مَعَ اللَّام للتعريف / وَزعم الْخَلِيل أَنَّها كلمة بِمَنْزِلَة قَدْ تنفصل بِنَفسِهَا وأَنَّها فِي الأَسماءِ بِمَنْزِلَة سَوف فِي الأَفعال لأَنَّك إِذا قلت جاءَني رجل فقد ذكرت منكورا فإِذا أَدخلت الأَلف وَاللَّام صَار معرفَة معهودا وإِذا قلت زيد يأْكل فأَنت مُبْهم على السَّامع لَا يدْرِي أَهو فِي حَال أَكْلِ أَم يُوقع ذَلِك فِيمَا يسْتَقْبل فإِذا قلت سيأْكل أَو سَوف يأْكل فقد أَبنت أَنَّه لما يسْتَقْبل وَلَو احْتَاجَ شَاعِر إِلى فصل الأَلف وَاللَّام لاستقام ذَلِك وَكَانَ جَائِزا للضَّرُورَة كَمَا يجوز مثله فِي سَوف وقلَّما وقَدْ نَحْوهَا من الْحُرُوف الَّتِي تكون أَصلا للأَفعال كَمَا قَالَ حَيْثُ اضْطر الشَّاعِر

(صددتِ فأَطْوَلتِ الصدودَ وقَلَّمَا ... وصالٌ على طُولِ الصُّدودِ يَدومُ)

وإِنَّما قلَّما للْفِعْل وعَلى هَذَا قَالَ الشَّاعِر حَيْثُ اضطرّ

(دَعْ ذَا وعجّلْ ذَا وأَلْحِقْنا بِذَلْ ... بِالشَّحْم إِنَّا قد ملِلْناه بَجَلْ)

ففصل / الأَلف وَاللَّام على أَنَّه قد ردّهما فِي الْبَيْت الثَّانِي وَقد شرحت لَك أَنَّ هَذِه الأَلف إِذا اتَّصلت بِالِاسْمِ الَّذِي فِيهِ كَلَام قبله سَقَطت إِذْ كَانَت زَائِدَة لسكون مَا بعْدهَا تَقول أَستخرجت من زيد مَالا إِذا إِذا كنت مستفهما لأَنَّ أَلف الِاسْتِفْهَام لمّا دخلت سَقَطت أَلف الْوَصْل فَمن ثَمّ ظَهرت أَلف اسْتِفْهَام مَفْتُوحَة قَالَ الله عزَّ وجلَّ {سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم} فَذَهَبت أَلف الْوَصْل فإِن لحقت أَلفُ الِاسْتِفْهَام أَلفِ الْوَصْل الَّتِي مَعَ اللَّام لم تحذف لأَنَّها مَفْتُوحَة فَلَو حذفت لم يكن بَين الِاسْتِفْهَام وَالْخَبَر فَصْل ولكنَّها تجْعَل مدّة فَتَقول آلرجل قَالَ ذَاك آلغلام ضربك وَكَذَا حكم كلّ أَلف وصل تقع مفتوحةٌ وَلَا نعرفها مَفْتُوحَة إِلاَّ الَّتِي مَعَ اللَّام وأَلف آيم الَّتِي تقع فِي الْقسم فإِنَّك إِذا استفهمت عَنْهَا قلت آيْمُ الله لقد كَانَ ذَاك والعلَّةُ الفرقُ بَين الْخَبَر والاستخبار

هَذَا بَاب تَفْسِير بَنَات الْأَرْبَعَة من الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال بِمَا يلْحقهَا من الزَّوَائِد

فالاسم من بَنَات الاربعة يكون على مِثَال (فُعْلُول) وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك عُصْفُور وزُنْبُور فالواو وحدَها زَائِدَة وَيكون على مِثَال (فِعْلِيل) نَحْو دِهْليز وقنديل وَيكون على مِثَال (فِعْلال) نَحْو سِرداح وحِمْلاق وَيكون على مِثَال (فُعالِل) نَحْو عُذافِر وعُلابِط وتلحق الافعال الزَّوَائِد فَيكون على مِثَال تَفَعْلَلَ وَذَلِكَ نَحْو تدحرج وتَسَرْهَف وَهَذَا مِثَال لَا يتعدّى لأَنَّه فِي معنى الانفعال وَذَلِكَ قَوْلك دحرجته فتدحرج وسرهفته فتَسَرْهَف وَيكون بالزوائد على مِثَال (افْعَنْلَل) وَذَلِكَ نَحْو احْرَنْجَم واخْرَنْطَم وأَلف هَذَا مَوْصُولَة لأَنَّك إِذا قلت يَحْرَنْجِم فتحت الياءَ وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَفِيمَا كُتِب لَك دَلِيل على الْمعرفَة بِموضع الزَّوَائِد

هَذَا بَاب مَا كَانَ فاؤه واواً من الثَّلَاثَة

اعْلَم أَنَّ هَذِه الْوَاو إِذا كَانَ الْفِعْل على (يَفْعِل) سَقَطت فِي الْمُضَارع وَذَلِكَ قَوْلك وعَد يَعِد ووجَد يَجِد ووسَم يَسِم وسقوطها لأَنَّها وَقعت موقعا تمْتَنع فِيهِ الواوات وَذَلِكَ أَنَّها بَين ياءٍ وكسرة وجُعِلت حُرُوف الْمُضَارع الأُخَر توابعَ للياءِ لئلاَّ يخْتَلف الْبَاب ولأَنَّه يلْزم الْحُرُوف مَا لزم حرفا مِنْهَا إِذْ كَانَ مجازُها وَاحِدًا وَقد بينّت لَك أَنَّه إِذا اعتلّ الفِعْل اعتلّ الْمصدر إِذا كَانَ فِيهِ مِثْلُ مَا يكون فِي الْفِعْل فإِن كَانَ الْمصدر من هَذَا الْفِعْل على مِثَال فَعْلٍ ثبتَتْ واوه لأَنَّه لَا علَّة فِيهَا وَذَلِكَ قَوْلك وعدته وَعْدا ووصلته وَصْلا وإِن بنيت الْمصدر على فِعْلَة لزمَه حذف الْوَاو وَكَانَ ذَلِك للكسرة فِي الْوَاو وأنَّه مصدر فِعْل معتلّ مَحْذُوف وَذَلِكَ قَوْلك وعدته عِدَةً ووزنته زِنَةً وَكَانَ الأَصل وِعْدَة ووِزْنَة / ولكنَّك أَلقيت حَرَكَة الْوَاو على الْعين لأَنَّ الْعين كَانَت سَاكِنة وَلَا يُبتدأُ بِحرف سَاكن والهاءُ لَازِمَة لهَذَا الْمصدر لأَنَّها عِوَض ممّا حذف أَلا ترى أَنَّك تَقول أَكرمته إِكراما وأَحسنت إِحسانا فإِن اعتلَّ الْمصدر لحقته الهاءُ عِوَضا لما ذهب مِنْهُ وَذَلِكَ قَوْلك أَردت إِرادةً وأَقمت إِقامةً وَلَو صحّ لَقلت فِيهِ أَقْوَمْن إِقْوَاما وَلم تحتج إِلى الهاءِ وَكَذَلِكَ عِدة وزِنة وَلَو بنيت اسْما على (فِعْلَة) غيرَ مصدر لم تحذف مِنْهُ شَيْئا نَحْو قَوْلك وِجْهة لأَنَّه لَا يَقع فِيهِ فعَل يَفْعل وإِن كَانَ فِي معنى المصادر وإِنَّما اعتلّ الْمصدر للكسرة واعتلال فِعْله فإِن انْفَرد بِهِ أَحدهما لم يَعْتَلِل أَلا ترى أَنَّك تَقول وعدته وَعْدا وَمثل ذَلِك خِوان لم تنْقَلب واوه يَاء لأَنَّه لَيْسَ بمصدر وَكَذَلِكَ الجِوار لَا يعتلّ أَنَّه مصدر جَاوَرت فيصحّ كَمَا صحّ فِعْله وَتقول قُمْت قيَاما فيعتلّ الْمصدر لاعتلال فعله والكسرة / الَّتِي فِيهِ وَلَو قلت قلت قَوْلا لصحّ الْمصدر لأَنَّه لَا علَّةَ فِيهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَة (وَعْدا) من وعدت فإِن كَانَ الْفِعْل على (فَعِلَ) كَانَ مضارعه صَحِيحا إِذا كَانَ على (يَفْعَل) وَذَلِكَ قَوْلك وجِل يَوْجَل ووحِل يَوْحَل ووَجِعَ الرجل يَوْجَع لأَنَّ الْوَاو لم تقع بَين ياءٍ وكسرة وثباتُ الْوَاو بعد الياءِ إِذا لم تكن كسرة غيرُ مُنْكَر كَقَوْلِك يَوْم وَمَا أَشبهه وَقد استنكر ذَلِك بَعضهم وَله وَجه من الْقيَاس فَقَالُوا يَيْجَل وَيَيْحَل وَلَيْسَ ذَلِك بجيّد لأَنَّ الْقلب إِنَّما يجب إِذا سكن أَوَّل الحرفين نَحْو سيّد وميّت وأَصلهما سَيْوِد ومَيْوِت أَنَّه من سَاد يسود وَمَات يَمُوت وَكَذَلِكَ لَيَّة إِنَّما هِيَ لَوْية لأَنَّها من لويت وَقَالَ قوم نكسر أَوائل المضارعة لتنقلب الْوَاو يَاء أَنَّ الْوَاو الساكنة إِذا انْكَسَرَ مَا قبلهَا انقلبت يَاء كَمَا ذكرت لَك فِي ميزَان وميعاد فَقَالُوا نقُول يِيْجَل ويِيْحَل وَلَو كسروا الأَحْرُف الثَّلَاثَة الْهمزَة والتاءَ النُّون لَكَانَ قِيَاسا على قَوْلك بِالْكَسْرِ فِي بَاب فَعِل كلِه إِذا / قلت أَنا إِعْلَمُ وأَنت تِعْلَمُ وَلَكِن لمّا كسروا الياءَ فِي يِيجل علمنَا أَنَّ ذَلِك لتنقلب الْوَاو وَلَوْلَا ذَلِك لم يكسروا الياءَ وَهَذَا قَبِيح لإدخالهم الْكسر فِي الياءِ وَقَالَ قوم وهم أَهل الْحجاز نبدُلها على مَا قبلهَا فَنَقُول يَا جَل وَيَا حَل وهم الَّذين يَقُولُونَ مُوتَعِد ومُوتَزِن وَيَا تَعِد وَيَا تَزِن وَهَذَا قَبِيح لأَنَّ الياءَ وَالْوَاو إِنَّما تبدلان إِذا انْفَتح مَا قبلهمَا وكلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا فِي مَوضِع حَرَكَة نَحْو قَالَ وَبَاعَ وغزا وَرمى فأَما إِذا سكنا وقبلَ كلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا فتحةٌ فإِنَّهما غير مُغيَّرتين نَحْو قَوْلك قَوْل وبَيْع وَكَذَا إِذا سكن مَا قبلهمَا لم تغيرا كَقَوْلِك رَمْى وغَزْو وإِنَّما الْقيَاس وَالْقَوْل الْمُخْتَار يَوْجَل ويَوْحَل وَهَذِه الأَقاويل الثَّلَاثَة جَائِزَة على بُعْد

هَذَا بَاب مَا لحقته الزَّوَائِد من هَذَا الْبَاب

اعْلَم أَنَّك إِذا قلت افْتَعَل ومُفْتَعل وَمَا تصرّف مِنْهُ فإِن / الْوَاو من هَذَا الْبَاب تقلب فِيهِ تَاء وَذَلِكَ الِاخْتِيَار والقولُ الصَّحِيح وإِنَّما فعلوا ذَلِك لأَنَّ التاءَ من حُرُوف الزَّوَائِد وَالْبدل وَهِي أَقرب الزَّوَائِد من الْفَم إِلى حُرُوف الشّفة فإِن قلت إِنَّ السِّين من حُرُوف الْبَدَل فسنبين أَنَّ السِّين لَيست من حُرُوف الْبَدَل وإِنَّما تلْزم استفعل وَمَا تصرّف مِنْهُ وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَقد كَانَت التاءُ تبدل من الْوَاو فِي غير هَذَا الْبَاب فِي قَوْلك أَتْلَجَ وإِنَّما هُوَ من ولج وَكَذَلِكَ فلَان تُجاه فلَان وَهُوَ فُعال من الْوَجْه والتراثُ من ورِثت والتُخَمة من الوخامة وَهَذَا أَكثر من أَن يُحْصى فلمّا صرت إِلى افتعل من الْوَاو كَرهُوا ترك الْوَاو على لَفظهَا لما يلْزمهَا من الانقلاب بالحركات قبلهَا وَكَانَت بعْدهَا تاءٌ لَازِمَة فقلبوها تَاء وأَدغموها فِي التاءِ الَّتِي بعْدهَا وَذَلِكَ قَوْلك اتَّعد واتَّزن ومُتَّعِد ومُتَّزِن ومُتَّجِل من وجِلت وَكَانَت الياءُ من قِبَل الزَّوَائِد مخالفةٌ للواو فِيمَا فاؤه واوٌ وَذَلِكَ قَوْلك يَبِس ويَئِس وإِذا قلت يَيْبِس ويَيْئِس وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فعَلَ مِنْهُ مَفْتُوحًا نَحْو يعَرَ الجَدْي يَيْعِر وينَع يينِع لم تحذف الياءَ / لوقوعها بَين الياءِ والكسرة لأَنَّه لَيْسَ فيهمَا مَا فِي الْوَاو فَلذَلِك ثبتتْ كَمَا ثبتَتْ ضاد يضْرب وَعين يَفْعَل فَمن قَالَ فِي يبِس ويئِس ييبس ويَيْأَس فَهُوَ على قِيَاس من قَالَ يَوْجَل وَبَعض من يَقُول يَا جَل يَقُول ياءَس ويابَس وَهَذَا رَدِيء جدّا فإِذا صرت إِلى بَاب يَفْتَعِل ومُفْتَعِل صَارَت الياءُ فِي الْبَدَل كالواو تَقول مُتَّيِس ومُتَّئِس وإِنَّما صَارَت كَذلك لأَنَّ الياءَ إِذا انْضَمَّ مَا قبلهَا صَارَت واوا لسكونها فالتبست بِالْوَاو ولأَنَّ الْوَاو إِذا انْكَسَرَ مَا قبلهَا صَارَت يَاء أَلا ترى أَنَّك تَقول مُوْسِر ومُوْقِن فتقلب الياءَ واوا كَمَا فعلت ذَلِك بِالْوَاو فِي ميزَان فقد خرجنَا فِي مفْتَعل إِلى بَاب وَاحِد فأَمّا من يَقُول يَا جلّ فإِنه يَقُول ياتئِس وياتزِن وموتئِس وموتزن فإِذا أَراد افتعل قَالَ ايْتَزَنَ الرجل وَيَقُول ايْتَبَس إِذا أَرادوا افتعل من اليبس ويقيس هَذَا أَجْمعَ على مَا وصفت لَك وَهُوَ قَول أَهل الْحجاز والأَصل وَالْقِيَاس مَا بدأْنا بِهِ والضَّمّة مستثقلة فِي / الْوَاو لأَنَّها من مخرجها وهما جَمِيعًا من أَقلّ المخارج حروفا ونبيّن هَذَا فِي بَابه إِن شاءَ الله فَمَتَى انضمّت الْوَاو من غير علَّة فهمزها جَائِز وَذَلِكَ قَوْلك فِي وُجوه أُجوه وَفِي وُعِدَ أُعِدَ وَمن ذَلِك قَوْله {وَإِذا الرُّسُل أقتت} إِتَّما هِيَ فُعِّلت من الْوَقْت وَكَانَ أَصلها وُقِّتت وأَمَّا قَوْلنَا إِذا انضمت لغير علَّة فإِن العلَّة أَن يحدث فِيهَا حَادث إِعراب وَذَلِكَ قَوْلك هَذَا غَزْوٌ وَعَدْو وَيكون لالتقاء الساكنين كَقَوْلِك اخْشَوُا الرجل {لترون الْجَحِيم} {وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم} وإِنَّما وَجب فِي الأَوّل مَا لم يجب فِي هَذَا لأَنَّ الضمة هُنَاكَ لَازِمَة تَقول وُعِدَ فَلَا تزايلها الضمة مَا كَانَت لما لم يُسَّم فاعلُه وَفِي قَوْلك وُجوه لَا يكون على غير هَذِه البِنْية وَكَذَلِكَ كلّ مَا كَانَت ضمّته على هَذِه البِنْية فأَمَّا من ضمَّ للإِعراب فإِنَّ ضمّته / لِعَلَّة مَتى زَالَت تِلْكَ العلَّة زَالَت الضمة تَقول هَذَا غَزْوٌ ورأَيت غَزْواً ومررت بغزْوٍ فالضمة مُفَارقَة وَكَذَلِكَ مَا ضُمَّ لالتقاء الساكنين إِنَّما ضمّته إِذا وَقع إِلى جَانب الْوَاو سَاكن نَحْو اخشَوْا الرجل فإِن وَقع بعْدهَا متحرّك زَالَت الضمّة نَحْو قَوْلك اخشوْا زيدا واخشَوْا عبد الله فإِن انْكَسَرت الْوَاو أَوّلا فهمزها جَائِز وَلَا تهمزها مَكْسُورَة غيرَ أَوّل لعلَّةٍ نذكرها إِن شاءَ الله وَذَلِكَ فِي قَوْلك وِسادة إِسادة وَفِي وِشاح إِشاح وإِن الْتَقت فِي أَوَّل الْكَلِمَة واوان لَيست إِحداهما للمدّ لم يكن بُدٌّ من همز الأُولى إِذ كنت مخيّرا فِي همز الْوَاو إِذا انضمَّت وَذَلِكَ قَوْلك فِي تَصْغِير واصِل أُوَيْصَل وَكَانَ أَصلها وُوَيْصِل لأَنَّ فِي وَاصل واوا وأَلف فاعِل تبدل فِي التصغير واوا تَقول فِي ضَارب ضُويرب وَجمع التكسير بِمَنْزِلَة التصغير وَذَلِكَ قَوْلك فِي جمع ضاربة ضوارب فتقلب الأَلف واوا فاجتمعت فِي وَاصل واوان إِذا صغَّرته أَو جمعت واصلة تَقول فِي جمعهَا أَواصِل وَكَذَلِكَ تَصْغِير وَاقِد وَلَو قيل لَك ابْنِ مِنْ وعد مثل فَوْعَل لَقلت أَوْعَد وَكَانَ أَصلها وَوْعَد لأَنَّ واوا من الأَصل وَبعدهَا وَاو فَوْعَل فهمزت الأُولى على مَا وصفت لَك وأَمَّا قَوْلنَا إِلاَّ أَن تكون الثَّانِيَة مدّة فَإِن المدّة الأَلف والياءُ المكسور مَا قبلهَا وَالْوَاو المضموم مَا قبلهَا فإِذا الْتَقت وَاو فِي أَوّل الْكَلَام إِلى جَانبهَا وَاو والأُولى مَضْمُومَة فإِن شِئْت همزت الأُولى لضمّها وَلَا يكون ذَلِك لَازِما لأَنَّ الْوَاو الَّتِي هِيَ مدّة لَيست بلازمة وَذَلِكَ إِذا أَردت مثل قُووِل زيد وَهُوَ فُوعِلَ من قاولت وَمن وعدت تَقول وُوعِدَ زيد وإِن شِئْت همزت الْوَاو لضمّها وَلَيْسَ من أَجْل اجْتِمَاع / الواوين لَو كَانَ لذَلِك لم يجز إِلاَّ الْهَمْز ولكنّ المدّة بدل من أَلف واعَدَ وَلَيْسَت بلازمة إِنَّما انقلبت واوا لمّا أَردت بناءَ مَا لم يسمّ فَاعله وَمثل ذَلِك قَول الله عزَّ وجلَّ {مَا ووري عَنْهُمَا من سوآتهما} وَلَو كَانَ فِي غير الْقُرْآن لَكَانَ همز الْوَاحِد جَائِزا وأَمَّا الياءُ فَلَا يلْحقهَا من الْهَمْز مَا يلْحق الْوَاو لخروجها من العلَّة وصحتّها فِيمَا تعتلّ فِيهِ الْوَاو من بَاب وعدت

هَذَا بَاب مَا كَانَت الْوَاو أَو الْيَاء مِنْهُ فِي مَوضِع الْعين من الْفِعْل

فإِذا كَانَت وَاحِدَة مِنْهُمَا عينا وَهِي ثَانِيَة فَحكمهَا أَن تنْقَلب أَلفا فِي قَوْلك فَعَلَ وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك قَالَ وَبَاعَ وإِنَّما انقلبت لأَنَّها فِي مَوضِع حَرَكَة وَقد انْفَتح مَا قبلهَا وَقد تقدّم قَوْلنَا فِي هَذَا فإِذا قلت يَفْعل فَمَا كَانَ / من بَنَات الْوَاو فإِنَّ يفعل مِنْهُ يكون على يَفْعُل كَمَا كَانَ قتل يقتل وَلَا يَقع على خلاف ذَلِك لتظهر الْوَاو وَذَلِكَ قَوْلك قَالَ يَقُول وجال يجول وعاق يعوق وَكَانَ الأَصل يَعْوُق ويَجْوُل مثل يقتل وَلَكِن لمّا سكنت الْعين فِي (فَعَلَ) سكَّنت فِي (يفْعُل) لِئَلَّا يخْتَلف الفِعْلان أَلا ترى أَنَّك تَقول دُعِيَ فتقلب الْوَاو يَاء لكسرة مَا قبلهَا فإِذا قلت يُدْعَى كَانَت أَلفها منقلبة من ياءٍ ويدلُّك على ذَلِك قَوْلك هما يُدْعَيان فإِنَّما انقلبت فِي يُدْعَيان إتباعا لدعى فَكَذَلِك مَا ذكرت لَك ونبيّن هَذَا فِي مَوْضِعه بِغَيْر مَا ذكرنَا من الْحجَج إِن شاءَ الله وإِذا قلت يَفْعل فِي فَعَلَ من الياءِ كَانَ على يَفْعِل كَمَا كَانَ ضرب يضْرب وَلم يُبْنَ على غير ذَلِك لتسلم الياءُ وَذَلِكَ قَوْلك بَاعَ يَبِيع وكال يَكِيل فأَسكنت الياءَ من الأَصل من قَوْلك يَبْيع ويَكْيِل فإِذا قلت فَعَلْت من الْوَاو لزمك أَن تلقى حَرَكَة الْعين على الفاءِ كَمَا فعلت ذَلِك فِي / يَفْعَل وَتسقط حَرَكَة الفاءِ إِلاَّ أَنَّك تفعل ذَلِك بعد أَن تنقلها من فَعَلْت إِلى فَعُلْت لتدلّ الضمة على الْوَاو لأَنَّك لَو أَقررتها على حَالهَا لاستوت ذَوَات الْوَاو وَذَوَات الياءِ وَذَلِكَ قَوْلك قُلْتُ وجُلْتُ فإِن قَالَ قَائِل إِنَّما قُلْتُ فَعُلْت فِي الأَصل وَلَيْسَت منقلبة قيل لَهُ الدَّلِيل على أَنَّها فَعَلت قَوْلك الحقُّ قُلْته وَلَو كَانَت فِي الأَصل فَعُلْت لم يتعدّ إِلى مفعول لأَنَّ فَعُلت إِنَّما هُوَ فعل الْفَاعِل فِي نَفسه أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول كرُمته وَلَا شَرُفته وَلَا فِي شيءٍ من هَذَا الْبَاب بالتعدّي وإِذا قلت فَعَلْت من الياءِ نقلتها إِلى فَعِلْت لتدلّ الكسرة على الياءِ كَمَا دلَّت الضمّة على الْوَاو وَذَلِكَ قَوْلك بِعْت وكِلْت فإِن قَالَ قَائِل مَا تنكر من أَن تكون فَعِلت فِي الأَصل قيل لأَنَّ مضارعها يَفْعِل تَقول بَاعَ يَبِيع وكال يَكِيل وَلَو كَانَت فَعِلَ لَكَانَ مضارعها يَفْعَل نَحْو شرب يشرب وَعلم يعلم / وَقد تدخل فَعِلَ على ذَوَات الياءِ وَالْوَاو وهما عينان كَمَا دخلت عَلَيْهِمَا وهما لامان فِي قَوْلك لِقي وشِقي وغبي وَذَلِكَ قَوْلك خِفْت وهبْت إِنَّما هما فَعِلت فِي الأَصل يدلُّك على ذَلِك يخَاف ويهاب فإِن قَالَ قَائِل فَلم لَا نَقَلْتَ خِفْت إِلى (فَعُلْت) لأَنَّها من الْوَاو فتنقلها من (فَعِل) إِلى (فَعُل) قيل إِنَّما جَازَ فِي (فَعَل) التَّحْوِيل لاخْتِلَاف مضارعه لأَنَّ مَا كَانَ على (فَعَل) وَقع مضارعه على (يَفْعِل) و (يَفْعُل) و (يَفْعَل) إِن كَانَ فِيهِ حرف من حُرُوف الْحلق نَحْو صنع يصنع وَذهب يذهب وَمَا كَانَ من فَعِل فيَفْعَل لَازم لَهُ وَقد ذكرت لَك لُزُوم الفِعْلِ بعضه بَعْضًا فِي اعتلاله وصحّته أَعني الْمُضَارع والماضي

هَذَا بَاب اسْم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول من هَذَا الْفِعْل

فإِن بنيت فاعِلا من قلت وبعت لزمك أَن تهمز مَوضِع الْعين لأَنَّك تبنيه من فِعْل معتلٍّ فاعتلّ اسْم الْفَاعِل / لاعتلال فِعْله وَلزِمَ أَن تكون علَّته قلبَ كلِّ وَاحِد من الحرفين همزَة وَذَلِكَ قَوْلك قَائِل وبائع وَذَاكَ أَنَّه كَانَ قَالَ وَبَاعَ فأَدخلت أَلف فاعِل قبل هَذِه المنقلبة فلمّا الْتَقت أَلفان والأَلفان لَا تَكُونَانِ إِلاَّ ساكنتين لزمك الْحَذف لالتقاء الساكنين أَو التحريك فَلَو حذفت لالتبس الْكَلَام وَذهب البناءُ وَصَارَ الِاسْم على لفظ الْفِعْل تَقول فيهمَا قالٌ فحرّكت الْعين لأَنَّ أَصلها الْحَرَكَة والأَلف إِذا حُرِّكت صَارَت همزَة وَذَلِكَ قَوْلك قَائِل وبائع فإِن قلت فَمَا بالك تَقول هُوَ عاوِر غَدا وجملك صايد غَدا من الصَّيَد قيل صحّ الْفَاعِل لصحّة فِعْله لأَنَّك تَقول عَوِر وصَيِد وحول وصيِد الْبَعِير يصْيَد فَتَقول مَا باله يصحّ وَلَا يكون كقال وَبَاعَ قيل لأَنَّه مَنْقُول ممّا لابدّ أَن يجْرِي على الأَصل لسكون مَا قبله وَمَا بعده وَذَلِكَ قَوْلك اعورّ واحوَلّ فإِنَّما عوِر وحوِل مَنْقُول من هَذَا أَلا ترى / أَنَّك تَقول اخْتَار الرجلُ وابتاع ثمّ تَقول اعتونوا وازدوجوا فيصحّ لأَنَّه مَنْقُول من تعاونوا وتزاوجوا لأَنَّ هَذَا لَا يكون للْوَاحِد فإِن بنيت مَفْعُولا من الياءِ أَو الْوَاو قلت فِي ذَات الْوَاو كَلَام مَقُولٌ وَخَاتم مَصُوغ وَفِي ذَوَات الياءِ ثوب مَبِيع وَطَعَام مَكِيل وَكَانَ الأَصل مكْيُول ومقْوُول وَلَكِن لمّا كَانَت الْعين سَاكِنة كسكونها فِي يقُول ولحقتها وَاو مفعول حذفت إِحدى الواوين لالتقاءِ الساكنين ومَبِيع لحقت الْوَاو يَاء وَهِي سَاكِنة فحذفت إِحداهما لالتقاء الساكنين فأَمَّا سِيبَوَيْهٍ والخليل فإِنَّهما يزعمان أَنَّ الْمَحْذُوف وَاو مَفْعول لأَنَّها زَائِدَة وَالَّتِي قبلهَا أَصليّة فَكَانَت الزِّيَادَة أَولى بالحذف وَالدَّلِيل على هَذَا عِنْدهمَا مَبِيع فَلَو كَانَت الْوَاو ثَابِتَة والياءُ ذَاهِبَة لقالوا مَبُوع / وأَمَّا الأَخفش فَكَانَ يَقُول المحذوفة عني الْفِعْل لأَنَّه إِذا التقى ساكنان حذف الأَوّل أَو حرّك لالتقاء الساكنين فَقيل للأَخفش فإِن كَانَ الأَوّلُ الْمَحْذُوف فَقل فِي مبِيع مَبُوع لأَنَّ الياءَ من مَبِيع ذهبت والباقية وَاو مفعول فَقَالَ قد علمنَا أَنَّ الأَصل كَانَ مَبْيُوع ثمّ طرحنا حَرَكَة الياءِ على الباءِ الَّتِي قبلهَا كَمَا فعلنَا فِي يَبِيع وَكَانَت الياءُ فِي مبْيُوع مَضْمُومَة فانضمّت الباءُ وسكنت الْيَاء فأَبدلنا من الضمّة كسرة لتثبت الياءُ ثمَّ حذفنا لالتقاءِ الساكنين فصادفت الكسرةُ وَاو مفعول فقلبتها كَمَا تقلب الكسرةُ واوَ ميزَان وميعاد وَقَوله أَبدلنا من الضمّة كسرة لتثبت الياءُ إِنَّما يُرِيد كَمَا فُعِل فِي بِيْض لأَنَّ بِيضا أَصله فُعْل لأَنَّ فُعْلا جمع أَفْعَل الَّذِي يكون نعتا كَقَوْلِك أَحْمر وحُمْر وأَصْفَر وصُفْر فَكَذَا الْقيَاس فِي أَبْيض / وَلَكِن أَبدلوا من الضمّة كسرة فَقيل للأَخفش قد تركت قَوْلك لأَنَّه يزْعم أَنَّه يَفْعَل ذَلِك فِي الْجمع وَلَا يَفْعَله فِي الْوَاحِد لعلَّة نذكرها فِي بَاب الْجمع إِن شاءَ الله وَكَانَ يَقُول لَو صغت فُعْلا من الْبيَاض تُرِيدُ بِهِ وَاحِدًا لَقلت بُوْض فأَما سِيبَوَيْهٍ والخليل وَغَيرهمَا من النحويّين البصريّين فَيَقُولُونَ مَعِيشة يجوز أَن تكون مَفْعُلة وَيجوز أَن تكون مَفْعِلة ولكنْ تقلب ضمّتها كسرة حتَّى تصحَّ الياءُ كَمَا قَالُوا فِي بِيْض وَكَذَلِكَ قَوْلهم فِي دِيك وفِيل يجوز أَن يكون فُعْلا وَيجوز ان يكون فعلا لَا يفرقون فِي ذَلِك بَين الْوَاحِد وَالْجمع فإِذا اضطُرّ شَاعِر جَازَ لَهُ أَن يردّ مَبيعا وجميعَ بَابه إِلى الأَصل فَيَقُول مَبْيُوع كَمَا قَالَ علْقمة بن عَبَدة

(حتَّى تَذكَّرَ بَيْضَاتٍ وهَيَّجَهُ ... يومُ الرَّذاذِ عَلَيْهِ الدَّجْنُ مَغْيُومُ)

وأَنشد أَبو عَمْرو بن العلاءِ

(وكأَنَّها تُفَّاحةٌ مَطْيُوبَةٌ)

وَقَالَ آخر (نُبِّئتُ قومَك يزْعمونك سيّدا ... وإِخالُ أَنَّك سيّد مَعْيُونُ)

فأَمَّا الْوَاو فإِن ذَلِك لَا يجوز فِيهَا كراهيَةً للضمّة بَين الواوين وَذَلِكَ أَنَّه كَانَ يلْزمه أَن يَقُول مَقْوُوْل فَلهَذَا لم يجز فِي الْوَاو مَا جَازَ فِي الياءِ هَذَا قَول البصريّين أَجمعين وَلست أَراه مُمْتَنعا عِنْد الضَّرُورَة إِذ كَانَ قد جاءَ فِي الْكَلَام مثله ولكنَّه يعتلّ لاعتلال الفِعْل وَالَّذِي جاءَ فِي الْكَلَام لَيْسَ على فِعْل فإِذا اضْطر الشَّاعِر أَجرى هَذَا على ذَاك فممّا جاءَ قَوْلهم النَوُور وَقَوْلهمْ سرت سُوُورا وَنَحْوه قَالَ أَبو ذُؤَيْب

(وغيَّرَ ماءُ المَرْدِ فاها فلَوْنُه ... كَلَوْنِ النَّؤورِ وَهْيَ أَدْماءُ سَارُها)

وَقَالَ العجّاج

(كأَنَّ عَيْنَيهِ مِن الغُوُورِ)

وَهَذَا أَثقل من مَفْعول من الْوَاو لأَنَّ فِيهِ واوين / وضمَّتَيْن وإِنَّما ثَمَّ واوان بَينهمَا ضمّة

هَذَا بَاب مَا لحقته الزَّوَائِد من هَذِه الأَفعال

اعْلَم أَن أَصل الْفِعْل من الثَّلَاثَة فَعَلَ فَمَتَى لحقته زَائِدَة فإِنَّها تلْحقهُ بعد اعتلاله أَو صحّته فَمَا كَانَ معتلاًّ وَقبل يائه أَو واوه حرف متحرك فقصّتُه قصَّة فَعَلَ فِي الانقلاب وإِن كَانَ قبل كلّ وَاحِد مِنْهُمَا سَاكن طرحتَ حَرَكَة حرف المعتلّ على السَّاكِن الَّذِي قبلهَا لئلاّ يلتقي ساكنان لأَنَّك إِذا سلبت المعتلّ حركته سكن وأَبدلته لأَنَّ الزِّيَادَة إِنَّما لحقته بعد أَن ثَبت فِيهِ حكم الْبَدَل فَمن ذَلِك أَن تلْحقهُ الْهمزَة فِي أَوّله فَتَقول أَقام وأَصاب وأَجاد وَنَحْو ذَلِك والأَصل أَقْوَم وأَجْوَد كَمَا أَنَّ أَصل قَالَ قَوَل وأَصل بَاعَ بَيَع فطرحت حَرَكَة الْوَاو والياءِ على مَوضِع الفاءِ من الْفِعْل وقلبتَ الَّتِي تطرح حركتها إِلى الْحَرْف الَّذِي حركتها مِنْهُ إِن كَانَت مَفْتُوحَة / قلبتها أَلفا وإِن كَانَت مَضْمُومَة قلبتها واواً وإِن كَانَت مَكْسُورَة قلبتها يَاء وَذَلِكَ قَوْلك أَقام للفتحة وَتقول فِي الْمُضَارع يُقِيمُ لأَنَّ أَصله يَقْوِم فَهَذَا مثل يَقُوْل لأَنَّ أَصله يَقْوُل على وزن يقتل والياءُ وَالْوَاو فِي ذَلِك سواءٌ فإِن بنيت مِنْهُ مصدرا قلت إِقامة وإِرادة وإِبانه وَكَانَ الأَصل إِقْوامة وإِبْيَانة ولكنَّك فعلت بِالْمَصْدَرِ مَا فعلت بِالْفِعْلِ فطرحت حَرَكَة الْوَاو أَو الياءِ على مَا قبلهَا فَصَارَت أَلفا لأَنَّها كَانَت مَفْتُوحَة وإِلى جَانبهَا أَلف الإِفعال فحذفت إِحدى الأَلفين لالتقاءِ الساكنين فأَمَّا سِيبَوَيْهٍ والخليل فَيَقُولَانِ المحذوفة الزَّائِدَة وأَمَّا الأَخفش فَيَقُول المحذوفة عين الْفِعْل على قِيَاس مَا قَالَ فِي مَبِيع كلا الْفَرِيقَيْنِ جارٍ على أَصله والهاءُ لَازِمَة لهَذَا الْمصدر عِوَضا من حذف مَا حذف مِنْهُ لأَنَّ الْمصدر على أَفْعلت إِفْعالا نَحْو قَوْلك أَكرمت إِكراما وأَحسنت إِحسانا / فَكَانَ الأَصل أَقْوَمت إِقْوَاماً فلمّا لزمَه الْحَذف دخلت الهاءُ عِوَضا ممّا حذف إذكانت الهاءُ لَا تمْتَنع مِنْهَا المصادر إِذا أَردت المّرة الْوَاحِدَة وَيكون فِيهَا على غير هَذَا الْمَعْنى والعوض كَقَوْلِهِم بِطْريق وبطاريق وزِنْدِيق وزناديق فإِن حذفت الْيَاء دخلت الهاءُ فَقلت بطارقة وزنادقة لأَنَّ الْجمع مؤنَّث فأَدخلت الهاءَ لأَنَّها تدخل فِيمَا هُوَ مَوضِع لَهَا أَلا تراك تَقول صَيْقَل وصياقلة وحِمار وأَحْمِرة وكلّ مَا لزمَه حذفٌ من هَذَا الْبَاب بِغَيْر هَذِه الزَّائِدَة فحالهُ فِي الْعِوَض كَحال مَا لحقته الزِّيَادَة الَّتِي ذَكرنَاهَا وَذَلِكَ قَوْلهم استقام استقامة واستطاع استطاعة لأَنَّه كَانَ فِي الأَصل اسْتَطْوَع اسْتِطْواعا كَمَا تَقول استخرج استخراجا فلمّا حذفت لالتقاء الساكنين عوّضت فأَما قَوْلك انْقَادَ انقيادا وَاخْتَارَ اخْتِيَارا فإِنَّه على تَمَامه لأَنَّ الياءَ المنكسر مَا قبلهَا منفتحة فِي هَذِه المصادر فإِتَّما هِيَ بِمَنْزِلَة الياءِ فِي النصب فِي أَواخر الأَسماءِ والأَفعال إِذا كَانَ مَا قبلهَا مكسورا نَحْو قَوْلك رأَيت قَاضِيا يَا فَتى وَيُرِيد أَن يقضيَ / فَاعْلَم ولكنَّها تنْقَلب فِي الانقياد وَنَحْوه من الْوَاو فَيكون هَذَا اعتِلالَها وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلك قياد من انقياد مثل قيام الَّذِي هُوَ مصدر قُمْت فَانْقَلَبَ على جِهَة وَاحِدَة وَفِي هَذِه الْجُمْلَة مَا يدلّ على مَا يرد عَلَيْك من هَذَا الْبَاب إِن شاءَ الله فإِن بنيت شَيْئا من هَذِه الأَفعال بناءَ مَا لم يُسَّم فاعلُه فإِنَّك تُجريها مُجْرَى الثَّلَاثَة فِي الْقلب وتُسلم صدرها لأَنَّها فِي إِلحاق الزَّوَائِد كَالصَّحِيحِ من الأَفعال وَذَلِكَ قَوْلك فِيمَا كَانَ من أَفْعَل قد أُقِيمَ عبدُ الله فَتلقى حَرَكَة الْوَاو على مَا قبلهَا لأنَّها كَانَت قَبْلُ أُقْوِم عبد الله مثل أُخْرِج فحوّلت الْحَرَكَة على الْقَاف فَانْكَسَرت الْقَاف وسكنت الْوَاو فَانْقَلَبت يَاء لسكونها وكسرة مَا قبلهَا والأَصل فِي هَذَا مَا ذكرت لَك فِي بَاب (أَفعل) فإِن قلت قد اُختِيرَ واُنقِيدَ ضممت أَلف الْوَصْل لأَنَّ حقّ هَذَا الْكَلَام أَن يكون / افتعل وانفعل ولكنَّك طرحت حَرَكَة الْعين على مَا قبلهَا كَمَا فعلت فِي قِيل وبِيعَ لأَنَّ تِير من اختير وقِيد من انقيد بِمَنْزِلَة قِيل وبِيع وَقد مضى القَوْل فِي هَذَا وَكَذَلِكَ اُسْتُفْعِل نَحْو أُسْتُطِيع وَمن كَانَ قَوْله قد بُوعَ وقُولَ فعل هَهُنَا كَمَا فَعَلَ ثَمَّ وَمن رأَى الإِشمام أَشمّ هَهُنَا فالمجرى وَاحِد

هَذَا بَاب الاسماء الْمَأْخُوذَة من الأَفعال

اعْلَم أَنَّ كلَّ اسْم كَانَ على مِثَال الْفِعْل وزيادته لَيست من زَوَائِد الْأَفْعَال فإِنَّه مُنْقَلب حرف اللين كَمَا كَانَ ذَلِك فِي الأَفعال إِذ كَانَ وَزنهَا وَكَانَت زِيَادَته فِي مَوضِع زيادتها والنحويّون البصريّون يرَوْنَ هَذَا جَارِيا فِي كلّ مَا كَانَ على هَذَا الْوَزْن الَّذِي أَصفه لَك وَلست أَراه كَذَلِك إِلاَّ أَن تكون هَذِه الأَسماءُ مصَادر فتجري على أَفْعالها أَو تكون أَسماءً لأَزمنة الْفِعْل أَو لأَمكنته الدالَّة على الفِعْل فأَمَّا مَا صِيغ مِنْهَا / اسْما لغير ذَلِك فَلَيْسَ يلازمه الاعتلال لبعده من الفِعْل وسنأْتي على شرح ذَلِك إِن شاءَ الله تَقول فِي مَفْعَل إِذا أَردت بِهِ مَذْهَب الْفِعْل من القَوْل وَالْبيع وَمَا كَانَ مثل وَاحِد مِنْهُمَا مَقال ومَباع لأَنَّه فِي وزن أَقال وأَباع فالميم فِي أَوّله كالهمزة فِي أَوّلِ الْفِعْل فَلم تخف التباسا لأَنَّ الْمِيم لَا تكون من زَوَائِد الأَفعال فإِن بنيت مِنْهُ شَيْئا على مُفْعَل قلت مُقال ومُراد كَمَا كنت تَقول يُقال ويُراد فإِن صغت اسْما لاتريد بِهِ مَكَانا من الْفِعْل وَلَا زَمَانا للْفِعْل وَلَا مصدرا قلت فِي مَفْعَل من القَوْل هَذَا مَقْوَل وَمن البيع مَبْيَع كَمَا قَالُوا فِي الأَسماءِ مَزْيَد وَقَالُوا إِنَّ الفُكاهة مَقْوَدةٌ إِلى الأَذى وعَلى هَذَا قَالُوا مَرْيَم وَلَو كَانَ مصدرا لَقلت مَراما وَهَذَا مَرامك إِذا أَردت الْموضع الَّذِي تروم فِيهِ وَكَذَلِكَ الزَّمَان وعَلى هَذَا استخرت مُستخارا فِي معنى الاستخارة / وانقدت منقادا فى معنى قَوْلك انقيادا وَاعْلَم أَن الْمصدر وَاسم الْمَكَان وَالزَّمَان بِزِيَادَة الْمِيم فى أَوائلها يكون لَفظهَا لفظ الْمَفْعُول اذا جَاوَزت الثَّلَاثَة من الْفِعْل وذالك لآنها مفعولات وَذَلِكَ نَحْو قَوْله {وَقُلْ رَبِّيْ أَنْزِلْنِيْ مُنْزَلاً مُبَارَكا} و {بِاسْمِ اللهِ مُجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} وَمَا أَشبه ذَلِك فأَمّا الْفَاعِل مِنْهَا فَيجْرِي عِلّة وزن (يُفْعِل) إِلا أَنَّ الْمِيم فِي أَوّل اسْمه مَضْمُومَة ليفصل بَين الِاسْم وَالْفِعْل وَالْمَفْعُول يجْرِي على مِثَال (يُفْعَل) إِلا أَنَّ الْمِيم فِي أَوّله {مَضْمُومَة} لأَنَّه اسْم وَالْمِيم آيَة الأَسماء فِيمَا كَانَ من الأَفعال المزيدة وَذَلِكَ قَوْلك للْفَاعِل مُقِيم ومُرِيد لأَنَّ فعله يُقِيم ويُرِيد وَالْمَفْعُول مُقام ومُراد على مِثَال يُقام ويُراد فإِن كَانَت هَذِه الْمِيم فِي اسْم وَلم يكن بهَا على مِثَال الْفِعْل فالاسم تامّ وَذَلِكَ قَوْلك رجل مِقْوَل ومِخْيَط ومِشْوَار من الشارة والهيئة ومِسْواك فَيتم لأَنَّه إِنَّما اعتلّ الِاسْم لإِجرائه على الْفِعْل فلمّا خرج عَن ذَلِك كَانَ على أُصول الأَسماءِ وَلَو / بنيت مثل جَعْفَر من قلت وبعت لَقلت قَوْلَل وبَيْعَع فإِن قَالَ قَائِل هَذَا ممّا تلْزمهُ العلَّة لأَنَّه على مِثَال دحرج قيل لَهُ يمْتَنع هَذَا من العلَّة لشيئين أَحدهما الإِلحاق بدحرج لأَنَّ الملحق بأَلا صلىِّ يَقع على مِثَاله والعلَّة الأُخرى أَنَّ الياءَ وَالْوَاو لَا تقع وَاحِدَة مِنْهُمَا أَصلا فِي ذَوَات الأَربعة إِلاَّ فِيمَا كَانَ مضاعفا نَحْو الوَحْوَحَة والوَعْوَعَة وَمَا كَانَ مثله فَلهَذَا امتنعنا من العلَّة فِي هَذَا البناءِ ونبيّن هَذَا فِي مَوْضِعه بعد مقدّماته إِن شاءَ الله فإِن كَانَت الياءُ وَالْوَاو بعد حرف متحرّك لم تُلْقَ على مَا قبلهمَا حركةُ وَاحِدَة مِنْهُمَا لأَنَّ قِيَاس المتحرّك الَّذِي قبلهمَا قياسُ قَاف قَالَ وباءِ بَاعَ وَذَلِكَ قَوْلك اخْتَار الرجل وانقاد وأَصلهما اخْتَيَر وانْقَوَد لأَنَّ اخْتَار انفعل من الْخَيْر وانقاد انفعل من القوْد فَصَارَت أَواخرهما كقال وَبَاعَ فَمَا كَانَ يلْزم فِي ذَاك فَهُوَ فِي هَذَا لَازم فَهَذِهِ جملَة كَافِيَة فِيمَا يرد عَلَيْك من بابهما إِن شاءَ الله فإِن كَانَت زَوَائِد الأَسماءِ كزوائد الأَفعال / لم يكن فِي الأَسماءِ إِلاَّ التصحيحُ لئلاَّ يلتبسا وَذَلِكَ أَنَّك لَو بنيت أَفْعَل من القَوْل وَالْبيع اسْما لَقلت أَقْوَلُ وأَبْيَعُ يَا فَتى كَمَا تَقول زيد أَقْوَلُ النَّاس وأَبْيَعُهم لئلاَّ يلتبسا بِمثل أَخاف وأَراد وَمَا أَشبهه وعَلى هَذَا تَقول أَقْوِلة وأَبْيِعة لئلاَّ يلتبس بِقَوْلِك أَبِيع وَمَا أَشبهه وَكَذَلِكَ أَبْيِناءُ لأَنَّ أَلف التأْنيث لَا يُعْتدّ بهَا فَالْكَلَام بِغَيْر الأَلف إِنَّما هُوَ أَفْعَل فَهَذَا ممَّا لَا اخْتِلَاف فِيهِ بَين النحويّين فإِن كَانَت الزَّائِدَة لَا تبلغ بِهِ مثالَ الأَفعال فإِنَّ الِاسْم يعتلّ عِنْد سِيبَوَيْهٍ والخليل وَغَيرهمَا من البصريّين وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ بَينه وَبَين مِثَال الأَفعال فصْل بحركة فَيَقُولُونَ لَو بنينَا مثل (تِفْعِل) من القَوْل لقلنا تِقِيْل وَكَانَ أَصله تِقْوِل ولكنَّا أَلقينا حَرَكَة الْوَاو على مَا قبلهَا فسكنت وَقبلهَا كسرة فَانْقَلَبت يَاء فَلَو قُلْنَاهُ من البيع لقلنا تِبِيع وَكَذَلِكَ لَو بنينَا (تفعل) مِنْهُمَا لقلنا تُقُوْل وتُبُوْعٌ كَمَا يَقُولُونَ فِيمَا لحقته الْمِيم وَلَيْسَ بمشتق من الْفِعْل مصدرا وَلَا مَكَانا وَقَالُوا فُعِل هَذَا لأَنَّ زِيَادَته من زِيَادَة الأَفعال والحركةُ قد رفعت اللّبْس / وَلَا أَراه كَمَا قَالُوا لأَنَّه لَيْسَ مبنيّا على فِعْل فتلحقه علَّته وَلَا هُوَ على مِثَاله

هَذَا بَاب مَا كَانَ على ثَلَاثَة أَحرف مِمَّا عينه وَاو أَو يَاء

فَمَا بنيته من ذَلِك على (فَعَلٍ) وَجب فِي عينه الانقلاب وَذَلِكَ قَوْلك دَار وَبَاب وسَاق وَمَا أَشبهه وإِنَّما انقلبت لأَنَّها متحرّكة وَقبلهَا فَتْحة فَصَارَت فِي الأَسماء بِمَنْزِلَة قَالَ وَبَاعَ فِي الأَفعال فإِن قَالَ قَائِل لمَ لمْ تَجْرِ على أَصلها ليَكُون بَينهَا وَبَين الْفِعْل فرق كَمَا فُعِل ذَلِك فِيمَا لحقته الزَّوَائِد قيل لَهُ الْفَصْل بَينهمَا أَنَّ الأَفعال فِيمَا لحقته الزَّوَائِد تُلقى حركةُ عينهَا على مَا قبله وتسكّن وَهَذِه لم تُلق حَرَكَة عينهَا على غَيره واحتيج إِلى الْفرق مَعَ الزَّوَائِد لأَنَّ مَا لحقته زَائِدَة من الأَسماءِ تبلغ بِهِ زنة الأَفعال لم ينْصَرف فيلتبس بِالْفِعْلِ لأَنَّه لَا يدْخلهُ خفض وَلَا تَنْوِين وَمَا كَانَ على ثَلَاثَة فالتنوين والخفض فصل بَينه وَبَين الْفِعْل فقد أُمن اللّبْس / وأَصل انقلاب الياءِ وَالْوَاو فِي (فَعَل) وَاحِد اسْما كَانَ أَو فِعْلا لأَنَّ القالب لَهما الفَتحةُ قبلهمَا وأَنَّهما فِي مَوضِع حَرَكَة فَهَذَا بِمَنْزِلَة قفاً وغزا والأَفعال فِي (أَفْعَل) وَمَا أَشبهها تقلب وتُلقى الْحَرَكَة على مَا قبلهَا وَلَا يكون ذَلِك فِي الأَسماءِ لأَنَّ (أَفْعل) وَمَا أَشبهه ممّا يسكن فاؤه إِنَّما يبْنى على (فَعَلَ) فيعتلّ بعلَّته والأَسماءُ مصوغة على غير تصرّف فإِنَّما يلْزمهَا صحّة الياءِ وَالْوَاو وإِذا سكن مَا قبلهمَا فإِن كَانَ شَيْء من هَذَا على (فَعْل) صحّت واوه وياؤُه لسكونهما وَقد تقدّم القَوْل فِي هَذَا وَذَلِكَ نَحْو قَوْل وبَيْع وَنَذْكُر سَائِر الأَمثلة الَّتِي على ثَلَاثَة أَحرف إِن شاءَ الله وَكَذَلِكَ مَا بني على مِثَال لَا يكون عَلَيْهِ الْفِعْل نَحْو (فُعَل) فإِنَّك تَقول فِيهَا من القَوْل قُوَل وَمن البيع بُيَع كَمَا قلت صُوَر ونُوَم وَنَحْو ذَلِك وَمَا كَانَ على (فِعَلٍ) نَحْو بِيَع وحِوَل وَكَذَلِكَ لَو بنيت من وَاحِد مِنْهُمَا مثل (إِبِل) لَقلت من القَوْل قِوِل وَلم تقلب لأَنَّها متحرّكة وَمن البيع بِيِع فإِن بنيت مِنْهُمَا مثل (فُعُل) فإِنَّ الياءَ تسلم فِيهِ نَحْو قَوْلك / رجل صَيُود وَقوم صُيُد ودجاجة بَيُوض ودجاج بُيُض وَمن أَسكن فَقَالَ فِي رُسُل رُسْل لمَا نذكرهُ بعد هَذَا الْبَاب قَالَ فِي صُيُد صِيدٌ وَفِي بُيُض بِيضٌ لأَنَّه فُعْل فَيلْزم فِيهِ مَا يلْزم فِي جمع أَبْيض وَمن بناه من الْوَاو فإِنَّه يخْتَار الإِسكان كَمَا قَالَ فِي رُسُل رُسْل وَفِي عَضُد عَضْد كَرَاهَة الضمّة فِي الْوَاو على مَا تقدّم بِهِ قَوْلنَا فَيَقُول فِي فُعُل من القَوْل قُول كَمَا تَقول فِي جمع خِوان خُوْن والأَصل قُوُل وخُوُن فإِن جِئْت بِهِ على الأَصل فأَردت أَن تبدل من الْوَاو همزَة كَانَ ذَلِك جَائِزا لانضمامها وقلَّما يبلغ بِهِ الأَصل وَهُوَ جَائِز ولكنَّه مجتنب لثقله ولأَن الصَّحِيح فِيهِ يجوز فِيهِ إِسكان المضموم والمكسور فِي مثل هَذَا الْبَاب {فممّا جاءَ على الأَصل} قَول العجّاج

(وَفِي الأَكُفِّ اللامعاتِ سُوُر ... ْ)

وَقَالَ الآخر

(أَغَرُّ الثنايا أَحَمُّ اللثاتِ ... تَمْنَحُه سُوُكَ الإِسْحِل)

وأَمّا مَا كَانَ من هَذَا على (فَعِلَ) أَو فعل / فإِنَّه يعتلّ فتنقلب واوه وياؤه أَلفا كَمَا اعتلّ خافٌ وطالٌ لأَنَّ المعتلّين فِي مَوضِع حَرَكَة وَقبل كلِّ وَاحِد مِنْهُمَا فَتْحة فأَمَّا القَوَد والصَيَد والخَوَنَةُ والحَوَكة وَمَا كَانَ نَحْو ذَلِك من بَاب فُعِلٍ نَحْو رجل حَوِل وعَوِر فإِنَّ هَذَا يفسّر فِي بَاب مَا يبلغ بِهِ الأَصل إِن شاءَ الله وأَمَّا العَوَرَ والحَوَلَ والصَّيَد مصدر الأَصْد فإِنَّما صحّت لصحّة أَفعالها ليَكُون بَينهَا وَبَين مَا اعتلَّ فِعْله فصل وكما قُلْنَا إِنَّ هَذِه الأَفعال من عوِر وحوِل إِنَّما هِيَ منقولة من أَعْوَرَّ واحْوَلَّ نقُول إِنَّ مصادرها منقولةٌ من مصادره

هَذَا بَاب مَا اعتلت عينه مِمَّا لامه همزَة

وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك جاءَ يجِيء وساءَ يسوءُ وشاءَ يشاءُ فَمَا كَانَ من هَذَا على فَعِلَ يَفْعَل فَهُوَ بِمَنْزِلَة خَافَ يخَاف وَمَا كَانَ مِنْهُ على فَعَل يَفْعِل فَهُوَ بِمَنْزِلَة / بَاعَ يبِيع وَذَلِكَ لأَنَّ الْهمزَة لَيست من حُرُوف العلَّة فالواو والياءُ قبلهَا بمنزلتهما قبل سَائِر الْحُرُوف ولكنَّا أَفردنا هَذَا الْبَاب لنبيّن مَا يلْحق الْهمزَة من الْقلب فِي فاعِل وَنَحْوه وَمَا يدّعى فِيهِ من التَّقْدِيم والتْخير ونبيّن اخْتِلَاف النحويّن فِي ذَلِك إِن شاءَ الله اعْلَم أَنَّك إِذا بنيت من شيءٍ من هَذِه الأَفعال اسْما على (فاعِل) اعتلّ مَوضِع الْعين مِنْهُ فهمز على مَا وصفت لَك فِي قَائِل وبائع فإِذا همزت الْعين الْتَقت هِيَ واللامُ الَّتِي هِيَ همزةٌ فَلَزِمَ الهمزةَ الَّتِي هِيَ لامٌ القلبُ إِلى الياءِ لكسرة مَا قبلهَا لأَنَّه لَا يلتقي همزتان فِي كلمة إِلاَّ لزم الآخرةَ مِنْهُمَا البدلُ والإِخراج من بَاب الْهَمْز فَتَقول جاءٍ كَمَا ترى وَكَانَ الأَصل جائِيٌ فَقلت لما ذكرت لَك وَكَذَلِكَ شاءٍ وساءٍ فَهَذَا قَول النحويّين أَجمعين إِلاَّ الْخَلِيل بن أَحمد فإِنَّه كَانَ يَقُول قد رأَيتهم يفرون إِلى الْقلب فِيمَا كَانَت فِيهِ همزَة وَاحِدَة استثقالا لَهَا فيقدّمون لَام الْفِعْل ويؤخِّرون الْهمزَة الَّتِي هِيَ عين فِيمَا / لَا يهمز فِيهِ غيرُها ليصير الْعين طرفا فَيكون يَاء وَذَلِكَ قَوْله

(لاثٍ بِهِ الأَشاءُ والعُبْرِى ... ) وَقَالَ

(فَتَعَرَّفوني إِنَّني أَنا ذاكمو ... شاكٍ سلاحي فِي الْحَوَادِث مُعْلِمُ)

يُرِيد شائك أَي ذُو شَوْكَة قَالَ فلمّا الْتَقت همزتان كَانَ الْقلب لَازِما فأَقول جائِيٌ فَاعْلَم وشائِيٌ يَا فَتى فالهمزة الَّتِي تلِي الأَلف إِنَّما هِيَ لَام الْفِعْل الَّتِي لم تزل همزَة والمتأَخِّرةُ إِنَّما هِيَ عين الْفِعْل الَّتِي كَانَت تهمز للاعتلال إِذا كَانَت إِلى جَانب أَلف ويمضي على هَذَا الْقيَاس فِي كلِّ مَا كَانَ مثل هَذَا فِي وَاحِد أَو جمع وكلا الْقَوْلَيْنِ حسن جميل

هَذَا بَاب مَا كَانَ من الْأَسْمَاء الصَّحِيحَة والمعتلة مِثَال فَعِلٍ وفَعُلٍ وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي ثَانِي حُرُوفه كسرة وَمَا كَانَ من الأَفعال كَذَلِك

اعْلَم أَنَّه يجوز إِسكان الحرفين من المضموم والمكسور فِي الْمَوْضِعَيْنِ اللَّذين حدّدتهما استثقالا للكسرة والضمّة وَذَلِكَ / قَوْلك فِي عَضُد عَضْد وَفِي حُمُر وحُمْر وَفِي فخِذ فَخْذ وَالْفِعْل تَقول فِي علِم عَلْمَ وَفِي كرُم كرْمَ وَلَا يجوز فِي مثل ذَهَب أَن تسكَّن وَلَا فِي مثل جَمَلٍ لَا يسكَّن ذَلِك اسْما وَلَا فِعْلا لخفَّة الفتحة وَثقل الكسرة والضمة أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا زيْد ومررت بزيْد وتبدل فِي النصب من التَّنْوِين أَلفا تَقول زيدا لأَنَّ الفتحة لَا علاج فِيهَا وَلذَلِك تَقول هَذَا قاضٍ فَاعْلَم ومررت بقاضٍ يَا فَتى وَلَا تحرّك الياءَ المكسور مَا قبلهَا بضمّة وَلَا كسرة وَتقول رأَيت قَاضِيا وَتَفْسِير هَذَا فِي بَاب مصطفَوْن بِمَا يزِيدهُ إيضاحا

(هَذَا بَاب جمع الاسماء المعتلة عيناتها وَمَا يلْحقهَا ممّا هُوَ صَحِيح إِذا زيدت فِيهِ حُرُوف اللين

وَيجب التصدير فِي هَذَا الْبَاب أَن نبدأَ بِذكر الأَسماءِ الصَّحِيحَة الَّتِي لَا زَوَائِد فِيهَا / وَمَا يلْحقهَا من الزَّوَائِد الَّتِي تسمّى الملحِقة والزوائد غير الملحِقة واجتماع الْجمع والتصغير اعْلَم أَنَّ الأَسماءَ إِذا كَانَت على أَربعة أَحرف أَصليّة أَو فِيهَا حرف مزِيد فإِنَّ جمعهَا على مِثَال تصغيرها فِي الأَصل فإِن خرج من ذَلِك شيءٌ فلِعلَّة مُوجبَة إِذا جمعت اسْما على مِثَال جَعْفَر أَو قِمْطَر أَو جُلْجُل فإِنَّ تصغيره جُعَيْفِر وقُمَيْطِر {وجُلَيْجِل} لأَنَّ الْعدَد أَربعة وتصغير الأَربعة على مِثَال وَاحِد اخْتلفت حركاته أَو اتَّفقت زَائِدا كَانَ أَو أَصليّا فالأَصليّة مَا قدَّمنا والزوائد فِي قَوْلك رَغيف رَغَيِّف وَفِي عَجوز عُجَيِّز وَفِي مثل جَدْول جُدَيّل وإِن شِئْت قلت جُدَيْول لأَنَّها متحرّكة وإِن كَانَت زَائِدَة كَمَا قلت فِي أَسْود أُسَيِّد وأُسَيْوِد وَالْقلب أَجودُ لأَنَّ وَاو جدول مُلْحِقة وللملحِق حكم الأَصليّ أَلا ترى أَنَّك تَقول جَداول كَمَا تَقول أَساوِد وإِنمَّا كَانَت الأَربعة / مستوية فِي التصغير على اخْتِلَاف حركاتها لأَنَّ التصغير مِثَال يخرج إِليه كَمَا أَنَّ الثَّلَاثَة على مِثَال وَاحِد وإِن اخْتلفت حركاتها أَلا ترى أَنَّك تَقول فِي عُمَر عُمَيْر وَكَذَلِكَ عَمْروا وَكَذَلِكَ جَمَل ومِعىً وكلُّ مَا كَانَ من الثَّلَاثَة وإِن كَانَ الِاسْم على خَمْسَة أَحرف أَصليّة أَو فِيهَا زَائِدَة فإِنَّ التصغير على مَا كَانَ فِي الأَربعة تَقول فِي تَصْغِير سَفَرْجَل سُفَيْرِج وتحذف اللَّام الأَخيرة وإِن كَانَت من الأَصل لأَن التصغير تناهى دونهَا وَتقول فِي تَصْغِير قَلَنْسُوة قُلَيْسِية إِن حذفت النُّون وقُلَيْنِسة إِن حذفت الْوَاو لأَنَّ الزيادتين إِذا استوتا كنت فِي حذف إِحداهما بِالْخِيَارِ إَيّما شِئْت فإِن كَانَت إِحداهما للإِلحاق أَو لعلامة أَقررتها وحذفت الأُخرى إِلا أَنَّه يجوز لَك الْعِوَض فِي الْجمع والتصغير من كلّ مَا حذفت وَذَلِكَ أَنَّك إِذا صغَّرت اسْما على خَمْسَة ورابعة أَحد الْحُرُوف الثَّلَاثَة المصوّته (وَهِي الياءُ وَالْوَاو والأَلف) فإِن جمْعه وتصغيره غير مَحْذُوف فيهمَا شيءٌ وَذَلِكَ قَوْلك فِي مثل دِينَار دَنَانِير إِذا جمعت ودُنَينِير إِذا صغَّرت وَفِي قنديل قناديل وقُنَيْدِيل وَفِي سُرحوب سراحيب وسُرَيْحيب وَفِي بِرْذون بَراذين وبُرّيْذِين تُقرّ الياءَ يَاء وتقلب الْوَاو والأَلف إِلى الياءِ لأَنَّ كلَّ وَاحِدَة مِنْهُمَا تقع سَاكِنة بعد كسرة والعِوض أَن تَقول فِي تَصْغِير سفرجل سُفَيْرِيج إِن شِئْت وَفِي الْجمع سفاريج فتجعل هَذِه الياءَ عِوَضا ممّا حذفت ودليلا على أَنَّك حذفت من الِاسْم شَيْئا فَهَذَا غير مُمْتَنع فعلى هَذَا تَقول فِي قلنسوة فِيمَن حذف النُّون قُلَيْسِيَّة وقَلاسِيّ وَمن حذف الْوَاو قَالَ قُلَيْنيِسة وقَلانيس فأمّا قَوْلنَا فِيمَا كَانَ على أَربعة أَحرف إِنَّ تصغيره من بَاب جمعه فإِنَّما تأْويل ذَلِك أَنَّك إِذا جمعت زِدْت حرف اللين ثَالِثا وَكسرت مَا بعده فإِن عوّضت فِي التصغير عوّضت فِي الْجمع وان تركته محذوفا فى أَحدهمَا فَكَذَلِك هُوَ فى الْأُخَر لِأَنَّك إِذا صغرت ألحقت حرف اللين ثَالِثا وَكسرت مَا بعده والفصل بَين التصغير وَالْجمع أَن أول التصغير مضموم وَأول الْجمع مَفْتُوح وحرف لين الْجمع أَلف / وحرف لين التصغير ياءٌ فإِن قلت فَمَا بالك تَقول فِي ضَارب ضُوَيْرب وأَنت لَا تَقول فِي جمعه ضوارب قيل لَهُ الأَصل أَن يُقَال فِي جمعه ضَوارب ولكنَّه اجْتنب للَّبس بَين المذكَّر والمؤَنَّث لأَنَّك تَقول فِي جمع ضاربة ضوارب وَمَا كَانَ من بَاب فاعِلٍ فإِنَّما هُوَ اسْم مبنّي من الْفِعْل أَو على جِهَة النّسَب فأَمَّا مَا كَانَ من الْفِعْل مِنْهُ فَهُوَ الْبَاب نَحْو ضارِب وقاتِل وشاتِم وأَمّا مَا كَانَ على جِهَة النّسَب فنحو فَارس ودارِع ونابِل أَي ذَو فرس وَذُو درع وَذُو نبل وَلَيْسَ فِيهِ (فَعَل) فَهُوَ (فاعِل) وَمَا كَانَ للمرأَة فعلى هَذَا نَحْو ضربت وشتمت وَقتلت فلمّا كَانَ جمع فاعلة فواعل اجتنبوا مثل ذَلِك فِي المذكَّر وَعدلُوا بِهِ عَن هَذَا الْبَاب لِكَثْرَة أَبنية المذكَّر فِي الْجمع وَلَو احْتَاجَ إِليه شَاعِر لردَّه إِلى الأَصل فَجَمعه على فواعِل أَلا تراهم قَالُوا فِي جمع فَارس فوارس إِذ كَانَ / مثل هَذَا مطَّرحا من المؤنّث وَكَذَلِكَ هَالك فِي الهوالك لمّا أَردت الْجِنْس كلَّه قَالَ الفرزدق حَيْثُ احْتَاجَ إِليه

(وإِذا الرجالُ رأَوْا يزيدَ رأَيتهمْ ... خُضُعَ الرِقابِ نَوَاكِسَ الأَبصارِ)

هَذَا بَاب جمع مَا كَانَ على أَرْبَعَة أحرف وثالثه وَاو أَو يَاء أَو ألف

فَمَا كَانَ من ذَلِك أَصلا أَو ملحَقا بالأَصليّ أَو متحرّكا فِي الْوَاحِد فإِنَّه يظْهر فِي الْجمع وَذَلِكَ قَوْلك - فِيمَا كَانَ أَصلا وَكَانَ متحركا فِي الْوَاحِد - أَساود إِذا جمعت أَسْوَدَ وأَصايد إِذا جمعت أَصْيد وَقد جعلت كلّ وَاحِد مِنْهُمَا اسْما وأَمّا مَا كَانَ متحرّكا فِي الْوَاحِد وَهُوَ زَائِد فقولك فِي جَدْول جداول وَفِي قَسْور قساور وَفِي عِثْيَر عثاير وأَما مَا كَانَ أَصلا وَهُوَ سَاكن فِي الْوَاحِد فقولك فِي مَقال مَقاوِل لأَنَّه من القَوْل وَفِي مَباع مبايِع لأَنَّه من البيع وإِن جمعت (يَزِيد) اسْم رجل قلت يزايد قَالَ الفَرَزْدَقُ

(وإِنِّي لقوَّامٌ مَقاوِمَ لم يكن ... جَريرٌ وَلَا مَوْلَى جَرِيرٍ يَقُومُها)

/ فإِن جمعت اسْما على أَربعة وثالثه حرف لين زَائِد سَاكن فإِنَّك تهمز ذَلِك الْحَرْف فِي الْجمع وَذَلِكَ قَوْلك فِي رِسَالَة رسائل وَفِي عَجُوز عَجَائِز وَفِي صحيفَة صَحَائِف وإِنمَّا فعلت ذَلِك لأَنَّ هَذِه الأَحرف لَا أَصل لَهَا فلمّا وَقعت إِلى جَانب أَلف وَلم تكن متحرّكة وَلَا دَخَلتهَا الْحَرَكَة فِي مَوضِع أُبدلتْ لما قبلهَا ثمّ تحرّكت كَمَا تحرّك لالتقاء الساكنين فلزمتها الْهمزَة كَمَا لَزِمت قَضَاء لما سنبيّنه فِي مَوْضِعه إِن شاءَ الله فأَمَّا (معيشة) فَلَا يجوز همز يائها لأَنَّها من الأَصل متحرّكة فإِنَّما تردّ إِلى مَا كَانَ لَهَا كَمَا ذكرت لَك فِي صدر الْبَاب فأَمّا قراءَة من قرأَ (معائِش) فهمز فإِنَّه غَلط وإِنَّما هَذِه القراءَة منسوبة إِلى نَافِع بن أَبي نُعَيْم وَلم يكن لَهُ علم بِالْعَرَبِيَّةِ وَله فِي الْقُرْآن حُرُوف قد وقف عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ قَول من قَالَ فِي جمع مُصِيبَة مصائب إِنَّما هُوَ غلط وإِنَّما الْجمع مصاوب لأَنَّ مُصِيبَة مُفْعِلة فعلى هَذَا يجْرِي وَمَا أَشبهه

هَذَا بَاب مَا كَانَت عينه إِحْدَى هَذِه الأَحرف اللينة ولقيها حرف لين

وَذَلِكَ نَحْو سيّد وميّت وهيّن وليّن لأَنَّ هَذَا البناءَ إِنَّما هُوَ (فَيْعِل) من ياءٍ أواو فأَمَّا ذَوَات الْوَاو مِنْهُ فهيَّن وميِّت وسيِّد لأَنَّه من سَاد يسود وَمَات يَمُوت وأَمَّا ليّن فَمن الياءِ وَالْحكم فيهمَا وَاحِد فِي بنائهما على بَاب (فَيْعِل) لأَنَّهما مشتركان فِي العلَّة فَخَرَجَا إِلى بَاب وَاحِد خلافًا على الصَّحِيح وَذَاكَ أَنَّه لَا يكون فِي الصَّحِيح (فَيْعِل) إِنَّما نَظِير هَذَا البناءِ من الصَّحِيح (فَيْعَل) نَحْو رجل جَيْدَرٍ وَزَيْنَب وخيفق فَهَذَا البناءُ من المعتلّ نَظِيره مَا ذكرت لَك من الصَّحِيح وَقد يكون للمعتلِّ البناءُ الَّذِي لَهُ نَظِير من الصَّحِيح على غير لَفظه وَيكون لَهُ البناءُ لَا يُقَابله فِيهِ الصحيحُ فممّا كَانَ من المعتل على خلاف لَفظه فِي الصَّحِيح سوى مَا ذكرت لَك قَوْلهم فِي فاعِلٍ من الصَّحِيح فَعَلَة نَحْو كَاتب وكتَبَة وحافظ وحفَظَة وعالم وعلَمَة وَنَظِير هَذَا من المعتل (فُعَلَة) / مضموم الأَول وَذَلِكَ قَوْلك فِي قاضٍ قُضاة ورامٍ ورُماة وغازٍ وغُزاة وشارٍ وشُراة وَمَا كَانَ للمعْتل خاصّة دون الصَّحِيح قَوْلهم كَانَ كَيْنُونة وَصَارَ صَيْرورة فأَصل هَذَا إِنما هُوَ (فَيْعَلولة) وَلَا يكون (فَيْعَلُول) إِلاَّ فِي ذَوَات الواووالياءِ فإِن قَالَ قَائِل إِنَّما وَزنه (فَعْلُول) لأَنَّ اللَّفْظ على ذَلِك قيل لَهُ الدَّلِيل على أَنَّه لَيْسَ بفَعْلُول وأَنَّه على مَا ذكرنَا أَنَّه لَيْسَ فِي الْكَلَام فَعْلُولٌ بفنح الفاءِ وأَنَّه لَو كَانَ على مَا وصفتم لَكَانَ اللَّفْظ كَوْنُونَة لأَنَّه من الْوَاو ولكنت تَقول فِي قيدود قَوْدُود بِالْوَاو لأَنَّه من القوْد ولكنَّه لمَّا كَانَ يجوز لَك أَن تَقول فِي ميِّت مَيْت وَفِي هيِّن هَيْن وَكَذَلِكَ جَمِيع بَابه استثقالا للتضعيف فِي حُرُوف العلَّة جعلت الْحَذف فِيمَا كثر عدده غَالِبا فَقلت قيدود وكينونة فحذفته من قيَّددود وكيَّنونة / وَكَانَ الأَصل كَيْونَونة كَمَا أَنَّ أَصل سيِّد سَيْوِد لأَنَّه (فيعِل) من سَاد يسود فَلَزِمَ فِيهِ من الإِدغام وَالْقلب مَا لزم فِي سيّد لأَنَّ صُدُور هَذِه الأَسماء كسيّد وإِن كَانَت مَفْتُوحَة فإِذا جمعت سيّدا أَو ميِّتا أَو مَا كَانَ مثلهمَا فإِنّ النحويّين يرَوْنَ همز المعتلِّ الَّذِي يَقع بعد الأَلف وَذَلِكَ قَوْلك سيائد وميائت فإِن قَالَ قَائِل مَا بالهم همزوا وإِنما هِيَ عين وَقد تقدّم شرطهم فِي بَاب معيشة أَنَّه لَا يُهمز موضعُ الْعين وإِنَّما يهمز مَا كَانَ من هَذَا زَائِدا فإِن قَوْلهم فِي هَذَا إِنَّما هُوَ لالتقاءِ هَذِه الْحُرُوف المعتلَّة وقُرْب آخرهَا من الطّرف ولأَنَّهم جعلُوا هَذَا الأَلف بَين واوين أَو ياءَين أَو ياءٍ وواو فالتقت ثَلَاثَة أَحرف كلُّها ليِّنة فكأَنّها على لَفْظَة وَاحِدَة وَقربت من الطّرف وَهُوَ مَوضِع لَا يثبت فِيهِ وَاو وَلَا ياءٌ بعد أَلف وإِنما تُقلب كلُّ وَاحِدَة مِنْهُمَا همزَة فَفَعَلُوا هَذَا لما قبلهَا ولقربها من الطّرف أَلا ترى / أَنَّ الْوَاحِدَة مِنْهُمَا إِذا كَانَت طرفا أُبدلت وَذَلِكَ قَوْلك غزَاءٌ وسقَّاءٌ وإِنَّما هما من غزوت وسقيت فكانتا يَاء أَو واوا وَكَذَلِكَ جَمِيع هَذَا الْكتاب وَقَالُوا إِن وَقع بَينهَا وَبَين الطّرف حرف صَحِيح لم تهمز وَذَلِكَ قَوْلهم فِي طَاوُوس طواويس وَفِي بيّاع بياييع وَلَا تكون إِلا ذَلِك لبعدهما من الطّرف كَمَا لَا يكون فِي بَاب قَضاءٍ وسقَّاءٍ إِلا الْهَمْز فَهَذَا قَول جَمِيع النحويِّين فِيمَا تبَاعد من الطّرف وأَمَّا مَا ذكرنَا من بَاب جمع سيّد وميّت فإِن أَبا الْحسن الأَخفش كَانَ لَا يهمز من هَذَا الْبَاب إِلاَّ مَا كَانَت الأَلف فِيهِ بَين واوين نَحْو قَوْلك فِي أَوّل - وَزنه أَفعل ففاؤه من لفظ عينه - أَوائل وَكَذَلِكَ يَقُول فِي فَوْعَل من قلت وجلت قَوائل وجَوائِل فَيجْعَل علَّته فِي همز الْوَاو لقربها من الطّرف نظيرا لما ذَكرْنَاهُ / أَنَّه إِذا الْتَقت الواوان أَوَّلا همزت الأُولى مِنْهُمَا فَكَانَ يَجْعَل همز الأُخرى من هَذَا الْبَاب وَاجِبا وإِن كَانَت الأَلف قد حَالَتْ لِاجْتِمَاع الواوين والقرب من الطّرف وَلَا يرى مثل ذَلِك إِذا اجْتمعت ياءَان أَو ياءٌ وواو وَيَقُول لأَنَّه لَو الْتَقت الياءَان أَو الياءُ وَالْوَاو لم يلْزَمنِي همز والنحويُّون أَجمعون غَيره لَا يَخْتَلِفُونَ فِي إِجراءِ الياءِ وَالْوَاو والياءَين مُجْرى الواوين فِي هَذَا الْبَاب كَمَا صدّرنا بِهِ فِي أَوَّل الْبَاب وعلَّتهم فِي ذَلِك مَا وَصفنَا من التقاءِ المتشابهة وَذَلِكَ لأَنَّهم يجيزون فِي النّسَب إِلى راية وَغَايَة ورائيٌّ وغانئي فيهمزون لِاجْتِمَاع الياءَات إِن شاءُوا وَلِهَذَا بَاب نذكرهُ فِيهِ فَلذَلِك ذكرنَا أَحد وجوهه ليُستقصى فِي مَوْضِعه إِن شاءَ الله وإِنَّما أَخَّرنا تَفْسِير هَذَا ليَقَع بَابا على حِياله مُستقصى وَالْقَوْل البيِّن الْوَاضِح قَول النحويِّين لَا قَول أَبي الْحسن الأَخفش أَلا ترى أَنَّه يلزمك من همز الياءِ إِذا وَقعت طرفا مَا يلزمك من همز الْوَاو / إِذا وَقعت طرفا بعد الأَلف وأَنّ الياءَ وَالْوَاو تظهران إِذا وَقع الإِعراب على غَيرهمَا نَحْو سِقاية وشَقاوة وَلَيْسَ هَذَا من بَاب مَا يَقع من همز الْوَاو إِذا لقيها وَاو أَوَّل الْكَلِمَة وَلَا ممّا يُنَاسِبه وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّهما جَمِيعًا إِذا تباعدتا من الطرَف لم يكن همز وَهَذَا يدلُّ {على} أَنَّه من أَجل الأَواخر لَا من أَجل الأَوائل وَلَو بنيت مثل (فَيْعال) من كلت فَقلت كَيَّال لَقلت فِي الْجمع كياييل فَلم تهمز كَمَا تَقول طواويس

هَذَا بَاب مَا كَانَ من الْجمع على وزن فُعَّل وفُعّال مِمَّا اعتلت عينه

اعْلَم أَنَّ مَا كَانَ من هَذَا من ذَوَات الْوَاو فإِنَّ الأَجود فِيهِ أَن تصحّ الْوَاو وَتظهر وَذَلِكَ قَوْلك على قَوْل من قَالَ فِي جمع شَاهد شُهَّد فِي صَائِم صُوّم وَقَائِل قُوّل وَكَذَلِكَ جَمِيع هَذَا الْبَاب وَقد يجوز أَن تقلب الْوَاو يَاء وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ ولكنْ تَشْبِيها بِمَا اعتلَّت لامه وَذَلِكَ أَنَّك تَقول فِي جمع عاتٍ / عُتِيّ لَا يصلح غيرُه إِذا كَانَ جمعا فلمّا كَانَ هَذَا الْبَاب يقرُب من الطرَف جَازَ تشبيهه بِهَذَا الَّذِي هُوَ طَرف فَتَقول فِي صَائِم صُيَّم وَقَائِل قُيَّل وَالْوَجْه مَا ذكرت لَك أَوّلا وإِنَّ هَذَا تَشْبِيه ومجاز فإِن بنيته على (فُعَّال) ظَهرت الْوَاو وَلم يجز إِلا ذَلِك لتباعدها من الطّرف وَذَلِكَ قَوْلك صَائِم وصُوّام وَقَائِل وقُوَّال وَهَذَا كنحو مَا ذكرت لَك فِي الْجمع الَّذِي قبله فِي صحّته إِذا تبَاعد من الطّرف فأَمَّا مَا كَانَ من الياءِ فجارٍ فِي الْبَابَيْنِ جَمِيعًا - فُعَّل وفُعَّال على الأَصل تَقول قوم بُيَّع وبُيَّاع لَا يكون إِلاَّ ذَلِك وَكَذَلِكَ إِن بنيت وَاحِدًا من الْوَاو على (فُعَّل) لم يجز الْقلب لأَنَّ الْوَجْه فِيمَا اعتلت لامه فَكَانَت واوا الثَّبَات فِي الْوَاحِد نَحْو قَوْلك عتا يعتو عُتُوّا قَالَ الله عزَّ وجلَّ {وعتوا عتوا كَبِيرا} فالواحد إِذا كَانَ {الْوَاو فِيهِ عينا} لَازم لموضعه وَذَلِكَ قَوْلك رجل قُوَّل كَمَا تَقول رجَل حُوَّل قُلَّب لَا يكون إِلاَّ ذَلِك

هَذَا بَاب مَا كَانَ من الْجمع على فِعَلَة

وَأعلم أَنَّ كلّ مَا كَانَ من هَذَا الْجمع من بَنَات الياءِ وَالْوَاو اللَّتَيْنِ هما عينان فإِنَّ الياءَ مِنْهُ تجْرِي على أَصلها وَالْوَاو إِن ظَهرت فِي واحده ظَهرت فِي الْجمع فأَمَّا مَا ظَهرت فِيهِ فقولك عَوْد وعِوَدة وثَوْر وثِوَرَة وأَما ماقلبت فِيهِ فِي الْوَاحِد فقولك دِيمة ودِيَم وقامة وقِيَم فأَمّا قَوْلهم ثِيَرَة فَلهُ علَّة أَخَّرناها لنذكرها فِي موضعهَا إِن شاءَ الله

هَذَا بَاب جمع مَا كَانَ على فعل من ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو اللَّتَيْنِ هما عينان

فأَدنى الْعدَد فِيهِ (أَفْعال) إِذ كَانَ يكون ذَلِك فِي غير المعتلّ نَحْو فرخ وأَفراخ وزَنْد وأَزْناد فأَمّا مَا كَانَ من الْوَاو فنحو قَوْلك صَوت وأَصوات وحَوض وأَحواض وثوب وأَثواب وَمَا كَانَ من الياءِ فشَيْخ وأَشياخ وَبَيت وأَبيات وقَيْد وأَقياد فإِذا جَاوَزت الثَّلَاثَة إِلى الْعشْرَة فقد خرجت من أَدنى الْعدَد فَمَا كَانَ من الْوَاو فبابه فِعال / وَذَلِكَ قَوْلك ثوب وَثيَاب وحوض وحياض وسوط وسياط تنْقَلب الْوَاو فِيهِ يَاء لكسرة مَا قبلهَا ولأَنَّها كَانَت فِي الْوَاحِد سَاكِنة فإِن كَانَت فِي الْوَاحِد متحرّكة ظَهرت فِي الْجمع نَحْو قَوْلك طَوِيل وطِوال وَمَا كَانَ مثله أَمّا مَا كَانَ من الياءِ فإِنَّك تَقول فِيهِ إِذا جَاوَزت أَدنى الْعدَد فُعُول لأَنَّ فُعول وفِعال يعتوران (فَعْل) من الصَّحِيح وَذَلِكَ قَوْلك كَعْب وكُعوب وفلس وفلوس ويكونان مَعًا فِي الشيءِ الْوَاحِد نَحْو كِعاب وكعوب وفِراخ وفُروخ فلمَّا استبدّت الْوَاو بفِعال كراهيةَ الضمّتين مَعَ الْوَاو خُصَّت الياءُ بفُعول لئَلاَّ يلتبسا وَذَلِكَ قَوْلك شيخ وشُيوخ وَبَيت وبيوت وقَيْد وقُيود فإِن قَالَ قَائِل فلِم لمْ يُفصل بَينهمَا فِي الْعدَد الأَقلّ فإِن الْجَواب فِي ذَلِك أَنَّهما تظهران فِي (أَفْعَال) فتعلم الْوَاو من الياءِ وَذَلِكَ قَوْلك أَبيات وأَحواض فكلُّ وَاحِد مِنْهُمَا بيّنٌ من صَاحبه كَمَا / كَانَ فِي بَيت وحوض وإِن احْتَاجَ شَاعِر فَجمع ماكان من بَاب (فَعْلٍ) وَنَحْوه على (أَفْعُلٍ) جَازَ ذَلِك لأَنَّ بَاب (فَعْل) كَانَ فِي الصحّة لأَفْعُل نَحْو كَلْب وأَكْلُب وكَعْب وأَكْعُب وَكَذَلِكَ مَا كَانَ نظيرا لهَذَا إِذا اضطرّ إِليه كَمَا قَالَ

(لكلِّ عيْشٍ قد لبِستُ أَثْوُبا)

وَمثل ذَلِك عَيْن وأَعْيُن وأَعْيان جيّد على مَا وصفت لَك قَالَ

(ولكننَّي أَغْدو عليّ مُفاضَةٌ ... دِلاصٌ كأَعْيان الجَرادِ المنظَّمِ)

وَمثل أَعْيُن وأَثوب قَوْله

(أَنعَتُ أَعْيَاراً رَعَيْن الخَنْزَرا ... أَنْعَتُهنّ آيُراً وكَمَرَا)

وَمثل أَعْيان قَوْله

(يَا أَضْبُعاً أَكلْت آيارَ أَحْمِرةً ... فَفِي الْبُطُون وَقد راحت قراقِيرُ)

هَذَا بَاب مَا يَصح من ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو لسكون مَا قبله وَمَا بعده

وَذَلِكَ نَحْو قاوَل وبايَع لأَنَّ قبل الياءِ وَالْوَاو أَلفا فَلَو قلبتها لصرت إِلى علّة بعد علَّة فَلَا يجوز أَن تغيّر حرف اللين بطرْح حركته على ماقبله إِذا كَانَ الَّذِي قبله من حُرُوف اللين وَمن ذَلِك مَا كَانَ على فُعَّل وفُعَّال وفَعّال وأَفْعَال وَذَلِكَ قَوْلك رجل قُوّل وقوْم قُوّال وَرجل قَوَّال وبَيَّاع وَكَذَلِكَ أَقْيَاد وأَحْوال وكلُّ مَا سكن مَا قبله من هَذَا الْمِنْهَاج وَلم نذكرهُ فَهَذَا قِيَاسه وأَمَّا قَوْلهم أَهْوِناءُ وأَبْيناءُ وأَخْونة وأَعْيِنه جمع عِيان وَهِي حَدِيدَة تكون فِي الفَدَان فإِنَّما صُحّحن لأَنَّ أَوّلهن زِيَادَة الفعْل فصُحّحن ليفصل بَين الِاسْم وَالْفِعْل وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَمن هَذَا الْبَاب ساير وتساير الْقَوْم وتقاولوا وتبايعوا كلُّ يجْرِي مَجْرىً وَاحِدًا وكلُّ مَا لم نذكرهُ فَهَذَا مجْرَاه إِذا كَانَ على هَذَا

هَذَا بَاب مَا اعتل مِنْهُ مَوضِع اللَّام

اعْلَم أَنَّ كلَّ مَا كَانَ من هَذَا على (فَعَلَ) فَكَانَ من الْوَاو فإِنْ مجْرى بَابه (يَفْعُل) لَا يجوز إِلاَّ ذَلِك لتسلم الْوَاو كَمَا ذكرت لَك فى بَاب مَا اعتلت عينه وَذَلِكَ قَوْلك غزا يَغْزُو وَعدا يعدو وَلها يلهو فإِن كَانَ من الياءِ كَانَ على (يَفْعِل) لأَنْ تَسْلَم الياءُ كَمَا ذكرت لَك فى بَاب الْعين وَذَلِكَ نَحْو رمى يَرْمِي وَقضى يقْضِي وَمَشى يمشي وتعتلّ اللَّام فتسكن فِي مَوضِع الرّفْع مِنْهُمَا كَمَا تَقول هَذَا قاضٍ فَاعْلَم لأَنَّ الضمّة والكسرة مستثقلتان فِي الْحُرُوف المعتلَّة فأَمّا فِي النصب فتحرّك الياءُ لما قد تقدّمنا بِذكرِهِ فِي الفتحة وَذَلِكَ كَقَوْلِك أُريد أَن ترْميَ يَا فَتى وأَنْ تغزوَ فَاعْلَم كَمَا تَقول رأَيت قَاضِيا وغازيا فإِن لحق شَيْئا من هَذِه الأَفعال الْجَزْم فآية جزمها حذف الْحَرْف السَّاكِن لأَنَّ الْجَزْم حذف فإِذا كَانَ آخر الْفِعْل متحرّكا حذفت الْحَرَكَة وإِذا كَانَ سَاكِنا حذف الْحَرْف السَّاكِن تَقول لم يغزُ وَلم يرْمِ / كَمَا تفعل بالأَلف إِذا قلت لم يخشَ وَاعْلَم أَنَّ (فَعِلَ) يدْخل عَلَيْهِمَا وهما لامان كَمَا دخل عَلَيْهِمَا وهما عينان وَذَلِكَ قَوْلك شقِيَ الرجل وغَبِيَ من الشقوة والغباوة وخشِيَ يَا فَتى من الخشية فإِذا قلت (يَفْعَل) لزمَه يَخْشَى ويَرْضَى فإِن أَردت نَصبه تركته مسكَّنا لِامْتِنَاع الأَلف من الْحَرَكَة كَمَا تَقول رأَيت المثنّى فَلَا يحرّك وإِن أَردت الْجَزْم حذفتها كَمَا وصفت لَك من حكم هَذَا الْفِعْل

هَذَا بَاب مَا لحقته الزَّوَائِد من هَذِه الْأَفْعَال

اعْلَم أَنَّ الزَّوَائِد تلحقها كَمَا تلْحق الصَّحِيح فَتَقول أَعطى الرجل وَمَعْنَاهُ ناول والأَصل عطا يعطو إِذا تنَاول كَمَا تَقول غزا الرجل وأَغزيته وَجرى الْفرس وأَجريته وَيكون على (اسْتَفْعَلَ) و (فاعَلَ) و (افْعَوْعَل) وَجَمِيع أَبنية الفِعْل إِلا أَنَّك إِذا زِدْت فِي الْفِعْل فَصَارَت أَلفه رَابِعَة اسْتَوَى البابان لخُرُوج بَنَات الْوَاو إِلى الياءِ لأَنَّك إِذا قلت (يَفْعل) فِيمَا فِيهِ / الزِّيَادَة من هَذَا الْبَاب انْكَسَرَ مَا قبل الْوَاو فَانْقَلَبت يَاء كَمَا تنْقَلب وَاو ميزَان لسكونها وكسرة مَا قبلهَا وَذَلِكَ قَوْلك يُغْزى ويُعْدِى ويَسْتَغْزي وَنَحْو ذَلِك فعلى هَذَا يجْرِي أَغزيت واستغزيت كَمَا أَنَّك تَقول دُعِيَ وغُزِي فتقلب الْوَاو يَاء وَتقول فِي الْمُضَارع هما يُدْعَيان ويُغْزَيان لأَنَّ الْفِعْل إِذا لزم فِي أَحد وجهيه شيءٌ اتّبعه الآخر لئلاَّ يخْتَلف إِذْ كَانَ كلُّ وَاحِد مِنْهُمَا يُبْنَى على صَاحبه فإِن قَالَ قَائِل مَا بَال تَرَجَّى وتَغَازَى يرجعان إِلى الياءِ وَلَيْسَ وَاحِد مِنْهُمَا يلْحقهُ فِي الْمُضَارع كسرة لأَنَّك تَقول ترجّى يَتَرَجَّى وتَغَازَى يَتَغَازى فَلم قلت تَغَازينا وترجّينا قيل لأَنَّ التاءَ إِنّما زَادَت بعد أَن انقلبت الْوَاو يَاء أَلا ترى أَنَّك تَقول رَجّى يُرَجّى وغَازَى يُغَازِي ثمّ لحقت التاءُ وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّ غازى لَا يكون من وَاحِد ويتغازى على ذَلِك لَا يجوز / أَن تَقول تغازى زيد حتَّى تَقول وَعَمْرو وَمَا أَشبهه

هَذَا بَاب بِنَاء الْأَسْمَاء على هَذِه الْأَفْعَال الْمَزِيد فِيهَا وَغير الْمَزِيد فِيهَا وَذكر مصادرها وأَزمنتها ومواضعها

اعْلَم أَنَّ كلَّ اسْم بنيته من فِعْل من هَذِه الأَفعال الَّتِي هِيَ (فَعَلَ) فبناءُ الِاسْم فاعِل كَمَا يجْرِي فِي غَيرهَا فَتَقول من غزوت وَهَذَا غاز فَاعْلَم وَمن رمَيت هَذَا رامٍ يَا فَتى وَمن خشِيت هَذَا خاشٍ فَاعْلَم واعلاله كاعتلال فِعْله إِذا قلت هُوَ يَغْزُو وَيَرْمِي فأَسكنتهما فِي مَوضِع الرّفْع وَقلت لم يغز وَلم يرمِ فحذفتهما فِي مَوضِع الْجَزْم والعلَّة فِي فَاعِل أَنَّك تسكِّن الياءَ فِي مَوضِع الرّفْع والخفض فَتَقول هَذَا غازٍ ومررت بغازٍ وَكَذَلِكَ حكم كلّ ياءٍ انْكَسَرَ مَا قبلهَا وَهِي مخفَّفة فأَمَّا فِي مَوضِع النصب فَتَقول رأَيت قَاضِيا وغازيا لخفَّة الفتحة كَمَا كنت تَقول فِي الْفِعْل لن يغزوَ وَلنْ يرميَ يَا فَتى فتحرّك أَواخر الأَفعال بِالْفَتْح لما قد تقدّم تَفْسِيره وكلّما زَاد من هَذِه الأَفعال شيءٌ فقياسه قياسُ غَيره من الْفِعْل الصَّحِيح إِلاَّ أَنَّك تسكِّن آخِره فِي الرّفْع والخفض كَمَا كَانَ اعتلال فِعْله وتفتحه فِي النصب على مَا وصفت لَك وَذَلِكَ قَوْلك _ إِذا بنيت من هَذَا الْفِعْل شَيْئا على (أَفْعَل) أَعطى وأَغزى وَهُوَ يُعْطِي ويُغْزى وَلنْ يُعْطِي وَلنْ يُغْزِىَ وَكَذَلِكَ استعطى وَهُوَ يَسْتَعْطِيَ وَلنْ يَسْتَعْطِيَ ورأَيت مستعطيا فعلى هَذَا مجْرى جَمِيع هَذِه الأَفعال

هَذَا بَاب مَا بني من هَذِه الأَفعال اسْما على فَعِيل أَو فَعُول أَو فِعال أَو فَعْلَل وَمَا أَشبه

ذَلِك اعْلَم أَنَّك إِذا قلت من رميت رَمْياً فَاعْلَم على مِثَال جَعْفَر فأَردت جمعه فإِنَّك تَقول رَمَايٍ فَاعْلَم تلتقي فِي آخِره ياءان يُذهب إِحداهما التَّنْوِين لالتقاء الساكنين كَمَا أَنَّك إِذا قلت قاضٍ فَاعْلَم حذفت الياءَ لالتقاءِ / الساكنين لأَنَّ الياءَ سَاكِنة ويلحقها التَّنْوِين وَهُوَ سَاكن فتذهب لالتقاء الساكنين وَتقول بعيرٌ مُعْيٍ وإِبِل مَعايٍ لأَنَّك إِنما جِئْت بعد الأَلف بِحرف أَصليّ فإِذا قلت من هَذَا شَيْئا أَصله الْحَرَكَة لم يلزمك فِي الْجمع همزَة وَقد مضى تَفْسِير هَذَا فِي بَاب الياءِ وَالْوَاو اللَّتَيْنِ هما عينان وأَمَّا قَوْلهم إِبل مَعَايَا فَلَيْسَ هَذَا لَازِما ولكنَّه يجوز ذَلِك فِي كلّ مَا كَانَ آخِره يَاء قبلهَا كسرةٌ أَن تبدلها أَلفا بأَن تفتح مَا قبلهَا وَذَلِكَ قَوْلهم مِدرَى ومدارى وعَذراءُ وعَذَارَى وَكَذَلِكَ كلّ مَا كَانَ مثله والأَصل مدارٍ وعذارٍ ولكنًّه جَازَ ذَلِك {على} مَا وَصفنَا لأَنَّ الفتحة والأَلف أَخفُّ من الكسرة والياءِ وَلم تَخف التباسا لأَنَّه لَا يكون شيءٌ من الْجمع أَصل بنائِهِ فتح مَا قبل آخِره وَلذَلِك لم يجز فِي مثل (رامٍ) فَاعْلَم أَن تحمله على الْفَتْح وتُثبت مَكَان يائه أَلفا لأَنَّه كَانَ يلتبس برامَى وغازَى فَهَذَا جَائِز هُنَاكَ ممتنعٌ فِي كلِّ مَوضِع دخله التباس فإِن بنيته بِنَاء (فَعِيلة) أَو فَعِيل) الَّذِي يكون مؤنَّثا أَو مَا كَانَ جمعه كجمعها لزمك الْهَمْز والتغيير من أَجْل الزِّيَادَة كَمَا ذكرت لَك فِي بَاب صَحَائِف وسفائن وَكَذَلِكَ فِعالة / وفُعالة وفَعُول وكُلّ مؤنَّث على أَربعة أَحرف ثَالِث حُرُوفه حرف لين وَمَا جمعته على جمعه وَذَلِكَ قَوْلك إِذا جمعت مثل رَمِيّة أَو رماية رَمَايا وقضيّة قضايا وَكَانَ الأَصل هَذَا قضائِي فَاعْلَم ورمائِي فَاعْلَم كَقَوْلِك صَحَائِف فكرهوا الْهمزَة والياءَ والكسرة فأَلزموه بَدَل الأَلف وَلم يجز إِلاَّ ذَلِك لأَنَّه قد كَانَ يجوز فِيمَا لَيست فِيهِ هَذِه العلَّة فلمّا لَزِمت العلَّة كَانَ الْبَدَل لَازِما فلمّا أَبدلت وَقعت الْهمزَة بَين أَلفين فأَبدلوا مِنْهَا يَاء لأَنَّ مَخْرَج الْهمزَة يقرب من مَخْرَج الأَلف فَكَانَ كالتقاءِ ثَلَاث أَلفات فَلذَلِك قَالُوا مطايا وركايا وَلَو اضطرّ شَاعِر لردّه إِلى أَصله كردّ جَمِيع الأَشياء إِلى أُصولها للضَّرُورَة وسنبين ذَلِك بعد فراغنا من الْبَاب إِن شاءَ الله وَتقول فِي (فُعْلُول) من رميت وغزوت رُمْيِىّ وغُزْوِىّ وَفِي الْجمع زَمايِيّ وغَزَاوِيّ لَا تهمز فِي التباعد من الطّرف خاصّة / فإِن قلت فَعِيلة ممّا لامه مَهْمُوزَة أَو مَا يلْحقهُ فِي الْجمع مَا يلْحق فَعِيلة نَحْو فُعالة وفِعالة وفَعُولة اعتلّ اعتلالَ مَا وصفت لَك وَذَلِكَ قَوْلك خَطِيئَة فإِن جمعتها قلت خَطَايَا وَكَانَ أَصلها أَن تلتقي همزتان فَتَقول خَطَائِئِ فَاعْلَم فأَبدلت إِحدى الهمزتين يَاء لئلاَّ تلتقي همزتان فلمّا احتمعت همزَة وياءٌ خرجت إِلى بَاب مطيّة وَمَا أَشبهها وَاعْلَم أَنَّ كلَّ مَا ظَهرت الْوَاو فِي واحده فإِنها تظهر فِي جمعه لَيْسَ إِنَّ الَّتِي تظهر فِي الجَمْع تِلْكَ الواوُ ولكنَّك تبدل من همزته واوا لتدلّ على ظُهُور الْوَاو فِي الْوَاحِد إِذ كَانَ قد يجوز أَن تبدل الْهمزَة واوا فِي البابِ الَّذِي قبله وإِن كَانَ الِاخْتِيَار الياءَ وَذَلِكَ قَوْلك فِي إِداوة أَدَاوَى وهِراوة هَرَاوي وَقد قَالَ قوم فِي جمع شهيّة شَهاوَى فَهَذَا عِنْدهم على قِيَاس من قَالَ فِي مطيّة مَطاوَى وَلَيْسَ القَوْل عِنْدِي مَا قَالُوا ولكنَّه جمع شَهْوَى وَهُوَ مَذْهَب أَكثر النحويّين وَكَانَ الْخَلِيل يرى فِي هَذَا الْجمع الَّذِي تلتقي فِيهِ علَّتان / من بَاب مطايا وأَداوَى الَّذِي تَجْتَمِع فِيهِ همزَة وحرف علَّة القلبَ كَمَا كَانَ يرى فِي بَاب جاءٍ ذَلِك لَازِما إِذ كَانَ يكون فِي غَيره اخْتِيَارا وَكَذَلِكَ هَذَا الْبَاب إِذ كنت تَقول فِي شوائع شواعٍ على الْقلب أَن يكون هَذَا لَازِما فِيمَا اجْتمعت فِيهِ ياءٌ وهمزة قَالَ الشَّاعِر

(وكأَنَّ أُولاها كِعابُ مُقامِرٍ ... ضُرِبتْ على شُزُنٍ فهنّ شَوَاعِي) فَكَانَ يَقُول فِي جمع خَطِيئَة خطائِي فَاعْلَم لأَنَّها الْهمزَة الَّتِي كَانَت فِي الْوَاحِدَة وإِذا كَانَت الْهمزَة فِي الْوَاحِد لم يلْزمهَا فِي الْجمع تَغيير لأَنَّ الْجمع لم يجلبها أَلا ترى أَنَّك لَو جمعت جائية لم تقل إِلا جواءٍ فَاعْلَم لأَنَّك إِنَّما رددت الْهمزَة الَّتِي كَانَت فِي الْوَاحِدَة وَكَذَلِكَ لَو بنيت (فَعْلَل) من جاءَ يَا فَتى لَقلت جَيْأَي وتقديرها جيعّى فإِن جمعت قلت جَياءٍ فَاعْلَم لأَنَّ الْهمزَة لم تعرض فِي جمع إِنَّما كَانَت فِي الْوَاحِد كالفاءِ من جَعْفَر فَقلت فِي الْجمع كَمَا قلت / جعافِر فَهَذَا أَصل هَذَا الْبَاب إِنَّ التَّغْيِير إِنَّما يلْزم الْجمع إِذا كَانَ الْهمزَة مجتلَبا فِيهِ وَلم يكن فِي واحده وَكَانَ الْخَلِيل يُجِيز خَطَايَا وَمَا أَشبهه على قَوْلهم فِي مِدْرَى مَدَارَى وَفِي صحراء صَحارَى لَا على الأَصل ولكنَّه يرَاهُ للخفَّة أَكثرأَلاَ ترى أَنَّه إِذا أَثْبَت الْألف أَبدل من الْهمزَة يَاء كَمَا يفعل لئلاَّ تقع همزَة بَين أَلفين لشبه الْهمزَة بالأَلف وَاعْلَم أَنَّ الشَّاعِر إِذا اضطرّ ردّ هَذَا الْبَاب إِلى أَصله وَإِن كَانَ يرى القَوْل الأَوّل لأَنَّه يجوز لَهُ للضَّرُورَة أَن يَقُول ردَد فِي مَوضِع ردّ لاَنَّه الأَصل كَمَا قَالَ (الحمدُ لله العَليِّ الأَجْلَل ... ِ)

وكما قَالَ

(أَنَّي أَجُودُ لأَقْوام وإِن ضَنِنُوا ... )

وَيجوز لَهُ صرف مَا لَا ينْصَرف لأَنَّ الأَصل فِي الأَشياءِ أَن تَنْصَرِف فإِذا اضْطر إِلى الياءِ المكسور مَا قبلهَا أَن يعربها فِي الرّفْع والخفض فعل ذَلِك لأَنَّه الأَصل كَمَا قَالَ ابْن الرُّقَيَّات

(لَا بارَك اللهُ فِي الغوانِي هلْ ... يُصبِحْنَ إِلا لهنّ مطَّلَب) ُ ... / لأَنَّ غواني فواعل فَجعل آخرهَا كاخر ضوارب وَقَالَ الآخر

(قد عجبتْ منِّي ومنْ يُعَيْلِيَا ... لَمّا رأَتْني خَلَقا مُقْلَوْلِيا) لأَنَّه لمّا بلغ بتصغير يَعلى الأَصل صَار عِنْده بِمَنْزِلَة يَعْلَم لَو سمّيت بِهِ رجلا لأَنَّه إِذا تمّ لم ينْصَرف فإِنَّما انْصَرف بَاب جوارٍ فِي الرّفْع والخفض لأَنَّه أَنقص من بَاب ضوارب فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ وَكَذَلِكَ قاضٍ فَاعْلَم لَو سمّيت بِهِ امرأَة لانصرف فِي الرّفْع والخفض لأَنَّ التَّنْوِين يدْخل عوضا ممّا حذف مِنْهُ فأَمّا فِي النصب فَلَا يُجْرَى لأَنَّه يتمّ فَيصير بِمَنْزِلَة غَيره مّما لَا عِلَّةَ فِيهِ فإِن احْتَاجَ الشَّاعِر إِلى مثل جوارٍ فحقُّه إِذا حرّك آخِره فِي الرّفْع والخفض أَلاَّ يُجْرِيَه ولكنَّه يَقُول مَرَرْت بجوارِيَ كَمَا قَالَ الفرزدق

(فَلَو كَانَ عبدُ الله مولى هجَوْته ... وَلَكِن عبدَ الله مولَى مَواليا)

فإِنَّما أَجراه للضَّرُورَة مجْرى مَالا علَّةَ فِيهِ فإِن احْتَاجَ إِلى / صرف مَا لَا ينْصَرف صرفه مَعَ هَذِه الْحَرَكَة فَيصير بِمَنْزِلَة غَيره ممّا لَا علَّةَ فِيهِ كَمَا قَالَ

(فَلْتَأْتِيَنْك قصائدٌ ولْيَرْكَبَنْ ... جيشٌ إِليك قوادِمَ الأَكْوار) ِ ... أَلا ترى أَنَّه فِي قَوْله (مولى مواليا) قد جعله بِمَنْزِلَة الصَّحِيح كَمَا قَالَ جرير (فيوما يُجارِيْن الْهوى غيرَ ماصِيٍ ... وَيَوْما تُرى مِنْهُنَّ غُولٌ تغَوَّل)

وَقَالَ الكُمَيْت

(خَرِيعُ دَوَادِيَ فِي مَلْعَبٍ ... تَأَزَّرُ طورا وتُلقى الإِزارا)

وَيَكْفِيك من هَذَا كلِّه مَا ذكرت لَك من أَنَّ الشَّاعِر إِذا اضطّر ردّ الأَشياءَ إِلى أُصولها فأَمّا قَوْله

(سماءُ الإِلهِ فوقَ سَبْعِ سَمائيا ... )

فإِنَّهَ ردّ هَذَا إِلى الأَصل من ثَلَاثَة أَوجه أَحدهما أَنَّه جمع سَمَاء على فعائل وَالَّذِي يُعْرف من جمعهَا سماوات وَالثَّانِي أَنَّه إِذا جمع سَمَاء على فعائل فحقُّه أَن يَقُول سمايا لأَنَّ الْهَمْز يعرض فِي الْجمع بَدَلا من الأَلف الزَّائِدَة فِي فَعال وَترجع الْوَاو الَّتِي هِيَ همزَة / فِي سماءٍ لأَنَّ سَمَاء إِنَّما هُوَ فَعال من سموت فَتَصِير الْوَاو يَاء لكسرة مَا قبلهَا كَمَا صَارَت وَاو غزوت يَاء فِي غازٍ فتلتقي همزَة وياءٌ فَيلْزم التَّغْيِير كَمَا ذكرت لَك فردّها للضَّرُورَة إِلى سمائيا ثُمّ فتح آخرهَا وَكَانَ حقّ الياءِ المنكسر مَا قبلهَا أَن تسكَّن فإِذا لحقها التَّنْوِين حذفت لالتقاء الساكنين فحرّك آخرهَا بِالْفَتْح كَمَا يفعل بِالصَّحِيحِ الَّذِي لَا ينْصَرف فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَوجه جمعَها على فعائل وتركَها يَاء ومَنعها الصّرْف وأَمَّا مَا كَانَ من هَذَا الْبَاب كأَوّل فِي بَابه فعِلَّته فِي الْهَمْز كعلَّة أَوَّل إِلاَّ أَنَّ الْهَمْز يلْزم ذَوَات الياءِ وَالْوَاو والتغيير تَقول فِي (فَعَّل) من حَيِيت حَيّا وَكَذَلِكَ (فَعْلَل) اللفظان سواءٌ فأَمَّا (فعَّل) فإِنَّك ثقَّلت الْعين - وَهِي ياءٌ - كَمَا ثقَّلت عين قطَّع فانفتح مَا قبل الياءِ الَّتِي هِيَ لَام وَهِي فِي مَوضِع حَرَكَة فَانْقَلَبت أَلفا وَلَا يكون اسْم على مِثَال (فَعَّل) إِلاَّ أَن تصوغه معرفةٌ فتنقله من (فعَّل) فأمّا قَوْلهم (بقَّم) فإِنَّه اسْم أَعجميّ فَلَو سمّيت بِهِ رجلا لم تصرفه / فِي الْمعرفَة لأَنْه وَقع من كَلَام الْعَرَب على مِثَال لَا تكون عَلَيْهِ الأَسماءُ فَلم يكن بأَمثلَ حَالا من عربيّ لَو بنيته على هَذَا الْمِثَال فأَمَّا قَوْلهم (خَضَّم) - للعنبر بن عمرْو بن تَمِيم - فإِنَّما هُوَ فِعْل مَنْقُول وَهُوَ غير منصرف فِي الِاسْم وَهَذَا شيءٌ لَيْسَ من هَذَا الْبَاب وَلَكِن لمّا ذُكِر وَصفنَا حَاله ثمّ نعود من القَوْل إِلَى الْبَاب وأَمّا (فَعْلَلٌ) من حييت فإِنّ الْعين سَاكِنة واللامان متحرّكتان فأُدغمت الْعين فِي اللَّام الأُولى وأُبدلت الثَّانِيَة أَلفا فإِن جمعت (فعْلَل) فتقديرجمعه (فَعَالل) كَمَا قلت فِي قَرْدَد قَرادِد وإِن جمعت (فَعَّل) فتقدير جمعه (فَعاعِل) كَمَا تَقول فِي سُلَّم سلالم وأَيَّهما جمعت يلْزمه الْهَمْز لَيْسَ من أَجل أَنَّ فِيهِ زَائِدا ولكنَّه لالتقاءِ حرفين معتلَّين الأَلف بَينهمَا كَمَا ذكرت لَك فِي أَوائل فَتَقول فيهمَا جَمِيعًا حَيايا وَكَانَ الأَصل حيائي فَلَزِمَ مَا لزم مطيّة فِي قَوْلك مطايا وَكَذَلِكَ لَو قلت فعاعل من جِئْت / لَقلت جَيايا وَكَانَ الأَصل جيائِيُّ فَكنت تبدل الثَّانِيَة يَاء كَمَا فعلت فِي قَوْلك هَذَا جاءٍ فَاعْلَم ثمَّ تذْهب إِلى بَاب مطايا فإِن قلت (فَعالِل) و (فَعاعِل) من شويت ولويت قلت شوايا ولوايا فتُظْهِر الْوَاو لأَنَّ الْعين وَاو كَمَا أَظهرت الياءَ فِي حييت وجيت فإِن قلت (مَفْعَل) من شويت أَو حييت قلت مَشْوًى ومَحْياً فإِن جمعت قلت مَشاوٍ ومَحايٍ فَلم تهمز لأَنَّه لم يعرض مَا يهمز من أَجله وإِنَّما وَقع حرفا العلَّة الأَصليّان بعد الأَلف فإِن بنيت مِنْهُ شَيْئا على (مفاعيل) أَو (فَعاليل) أَو مَا أَشبه ذَلِك لم يصلح الْهَمْز أَيضا وَذَلِكَ قَوْلك مَشاويّ ومَلاوِيّ لبعد حرف العلَّة من الطّرف وَقد تقدّم تَفْسِير هَذَا فِي بَاب طواويس فإِن كَانَ مَكَان الْوَاو ياءٌ فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقاويل تَقول فِي (فعاليل) أَو (مفاعيل) من حييت حياويّ أَبدلت / من الياءِ واوا كَرَاهِيَة اجْتِمَاع الياءَات كَمَا قلت فِي النّسَب إِلى رحى رَحَويّ وَيجوز أَن تبدل من إِحدى الياءَات همزَة فَتَقول حَيائيّ فَاعْلَم وَهُوَ الَّذِي يختاره سِيبَوَيْهٍ وَلَيْسَت الْهمزَة بِمَنْزِلَة مَا كنت تهمز قَبل فيلزمك التَّغْيِير من أَجلها لأَنَّك فِيهِ مخيّر وإِنَّما هِيَ بدل من الياءِ وَهِي بِمَنْزِلَة الياءِ لَو ثبتَتْ وَمن أَجرى الأَشياءَ على أُصولها فَقَالَ فِي النّسَب إِلى رحى رحيىّ وإِلى أُميّة أُمَيِّيّ ترك الياءَ هُنَا على حَالهَا فَقَالَ حَيَاييّ وبهذه الْمنزلَة النّسَب إِلى راية وَآيَة وَمَا كَانَ مثلهمَا يجوز إِقرار الياءِ مَعَ ياءِ النّسَب الثَّقِيلَة فَتَقول رايّي وآييّ وتبدل الْهمزَة إِن شِئْت وَتَقَلُّبهَا واوا وَهِي أَجود الأَقاويل عِنْدِي وسيبويه يخْتَار الْهمزَة فأَمَّا مَا كَانَ من الياءِ مثل شَوَيْت إِذا قلت (فعاعيل) فَلَا يجوز إلاَّ شواويّ فَاعْلَم وَذَاكَ لأَنَّ الْوَاو من أَصل الْكَلِمَة وَقد كَانَ يفرّ إِليها من الياءِ الَّتِي هِيَ أَصل فلمّا كَانَت ثَابِتَة لم يجز أَن يتعدّى إِلى غَيرهَا وَهَذَا الْبَاب يرجع بعد ذِكْرنا شَيْئا من الْهَمْز وأَحكامه وشيئا من التصغير وَالنّسب ممّا يجْرِي وَمَا يمْتَنع من ذَا إِن شاءَ الله

هَذَا بَاب ذَوَات الياءِ الَّتِي عيناتها ولاماتها ياءَات

وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك عَييت بالأَمر وحَيِيت فَمَا كَانَ من هَذَا الْبَاب فإِنَّ مَوضِع الْعين مِنْهُ صَحِيح لأَنَّ اللَّام معتلَّة فَلَا تُجمع على الْحَرْف علَّتان فَيلْزمهُ حذف بعد حذف واعتلال فالعين من هَذَا الْفِعْل يجْرِي مجْرى سَائِر الْحُرُوف تَقول حَيِيت ويَحْيا كَمَا تَقول خَشِيت ويَخْشَى وَكَذَلِكَ إِن كَانَ موضِعَ الْعين وَاو وَمَوْضِع اللَّام ياءٌ فَحكمه حكم مَا تقدّم وَذَلِكَ نَحْو شوَيْت ولوَيْت يَشْوِي ويَلْوِي كَمَا تَقول رمَيت وَيَرْمِي وَلَا تقلب الْوَاو فِي شَوَى أَلفا كَمَا قلبتها فِي قَالَ وَلَكِن يكون شوَيْت بِمَنْزِلَة رميت وحَيِيت بِمَنْزِلَة خشِيت وَتقول هَذَا رجل شاوٍ وَرجل لاوٍ وحايٍ بِغَيْر همزَة لأَنَّ الْعين لَا علَّةَ فِيهَا وَلَا يلْزم الْخَلِيل قلب هَذَا لأَنَّه بِمَنْزِلَة غير المعتلّ وَتقول فِي الْمَفْعُول مَكَان مَحْيِيّ فِيهِ ومَشْوِيّ فِيهِ كَمَا تَقول مرميّ فِيهِ مقضيّ فِيهِ تجريه على هَذَا

هَذَا بَاب مَا كَانَت عينه ولامه واوين

اعْلَم أَنَّه لَيْسَ من كَلَامهم أَن تلتقي واوان إِحداهما طرف من غير علَّة فإِذا الْتَقت عين وَلَام كِلَاهُمَا جَازَ ثباتها إِذا كَانَت الْعين سَاكِنة لأَنَّك ترفع لسَانك عَنْهُمَا رَفْعةً وَاحِدَة للإِدغام وَذَلِكَ قَوْلك قُوّة وحُوّة وصُوّة وبكْنّ قُوّ والجَوّ وَنَحْو ذَلِك فإِن بنيت من شَيْء من هَذَا فِعْلا لم يجز أَن تَبْنيه على (فَعَلَ) فتلتقي فِيهِ واوان لأَنَّك لَو أَردت مثل غزوت أَغزو لَقلت قَوَوت أَقْوُو فَجمعت بَين واوين فِي آخر الْكَلِمَة وَهَذَا مطّرح من الْكَلَام لما يلْزم من الثّقل والاعتلال فإِنَّما يَقع الْفِعْل مِنْهُ على فَعِلتُ لتنقلب الْوَاو الثَّانِيَة يَاء فِي الْمَاضِي وأَلفا فِي الْمُسْتَقْبل وَذَلِكَ قَوْلك قوِيَ يَقْوَى وحِويَ يَحْوى فإِذا قلت كَذَلِك صرّفت الْوَاو الثَّانِيَة المنقلبة يَاء تصريفَ مَا الياءُ من أَصله مَا دمت فِي هَذَا الْموضع فإِن قَالَ قَائِل مَا بَال الواوين لم تثبتا ثَباتَ الياءَين فِي حَيِيت / وَنَحْوه فلأَن الْوَاو مُخَالفَة للياء فِي موَاضعهَا أَلا ترَاهَا تُهمز مَضْمُومَة إِذا الْتَقت الواوان أَوّلا وَلَا يكون ذَلِك فِي الياءِ فإِن أَخرجت الْوَاو الَّتِي تلاقيها وَاو من هَذَا الْمِثَال حتَّى يقعا منفصلتين ثبتتا للحائل بَينهمَا وَذَلِكَ قَوْلك - إِن أَردت مثل احمارّ - احوَاوَى الْفرس واحواوت الشَّاة فترجع الواوان إِلى أُصولهما لأَنَّه لَا مَانع من ذَلِك وإِنَّما نَدُلّ فِي هَذَا الْموضع على الأَصل لأَنَّه مَوضِع جُمَل ونأْتي على تَفْسِيره فِي مَوضِع التَّفْسِير والمسائل إِن شاءَ الله اعْلَم أَنَّه لَا يكون فِعْل وَلَا اسْم مَوضِع فائه وَاو ولامه وَاو لَا يكون فِي الأَفعال مثل وَعَوْت وأَمّا الياءُ فقد جَاءَ مِنْهَا لخفَّتها وَذَلِكَ قَوْلك يَدَيْت إِليه يَداً وَهُوَ مَعَ ذَلِك قَلِيل لأَنَّ بَاب سلَس وقلَق أَقلّ من بَاب ردّ فَلذَلِك كثُر فِي الياءِ مثل حييت وعييت وقلّ فِيمَا وصفت لَك

هَذَا بَاب مَا جَاءَ على أَن فعله على مِثَال حييت وَإِن لم يسْتَعْمل

لأَنَّه لَو كَانَ فِعْلا للزمته عِلَّة بعد علَّة فرُفِض ذَلِك من الْفِعْل لما يعتوره من العلَل وَذَلِكَ نَحْو غَايَة وَرَايَة وثاية فَكَانَ حقَّ هَذَا أَن يعتلّ مِنْهُ مَوضِع اللَّام وتصحّ الْعين كَمَا ذكرت لَك فِي بَاب حيِيت فَيكون (فَعَلة) مِنْهُ على مِثَال حَيَاة ولكنَّه إِنَّما بُنى اسْما فَلم يجر على مِثَال الْفِعْل هَذَا قَول الْخَلِيل وَزعم سِيبَوَيْهٍ عَمْرو بن عُثْمَان أَنَّ غير الْخَلِيل وَلم يُسمّهم كَانَ يَقُول هِيَ فَعْلَة فِي الأَصل وَكَانَ حقَّها أَن تكون أَيّة وَلَكِن لمّا الْتَقت ياءَان قلبوا إِحداهما أَلفا كَرَاهِيَة التَّضْعِيف وَجَاز ذَلِك لأَنَّه اسْم غير جارٍ على فِعْل وَقَول الْخَلِيل أَحبّ إِلينا وممّا رفض مِنْهُ الْفِعْل لما يلْحقهُ من الاعتلال (أَوّل) وَهُوَ (أَفْعَل) يدلُّك على ذَلِك قَوْلهم هُوَ أَوّل مِنْهُ كَقَوْلِك هُوَ أَفضل مِنْهُ وأَفضل النَّاس وأَنَّ مؤنثه الأُولى / كَمَا تَقول الكُبْرى والصُغْرى وكلن كَانَت فاؤه من مَوضِع عينه وَمثل هَذَا لَا يكون فِي الْفِعْل وممّا لَا يكون مِنْهُ فِعْل (يوْم) و (آءَة) لما يلْزم من الاعتلال وَاعْلَم أَنَّ اللَّام إِذا كَانَت من حُرُوف اللين وَالْعين من حُرُوف اللين فإِنَّ الْعين تُصحّح وَلَا تعتلّ وتُعلّ اللَّام فَتكون الْعين بِمَنْزِلَة غير هَذِه الْحُرُوف لئلاَّ تَجْتَمِع على الْحَرْف علَّتان وَقد مضى تَفْسِير هَذَا فِي بَاب حييت وإِنَّما ذَكرنَاهَا هَاهُنَا لمجيءِ هَذِه الأَسماءِ على مَا لَا يكون فعْلا وَلَا اسْما مأْخوذا من فِعْل فَلَو بنيت من حييت (فَعَلَة) أَو من قوِيت لَقلت قَوَاة وحَيَاة كَمَا تَقول من رميت رَماة فَتكون الياءُ {أَو الْوَاو} الَّتِي هِيَ عين بِمَنْزِلَة غير المعتلّ فأَمّا قَوْلهم (شَاءٌ) كَمَا ترى فإِنَّ فِيهِ اخْتِلَافا يَقُول قوم الْهمزَة منقلبة من ياءٍ وأَنَّها كَانَت فِي الأَصل شاي كَمَا ترى فأُعلَّت الْعين وَهِي وَاو من قَوْلهم / شويٌّ وقلبت الياءُ همزَة لأَنَّها طرف وَهِي بعد أَلف فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَة سقَّاءٍ وغَزَّاءٍ فَيُقَال لَهُم هلاَّ إِذا أُعلَّت الْعين صحّحت اللَّام ليَكُون كباب غَايَة وَآيَة أَلا ترى أَنَّهم لمّا أَعلُّوا الْعين صحّحوا اللَّام لئلاَّ تجتمعَ علَّتان فَقَالُوا آي وراي جمع راية قَالَ العجّاج

(وخَطَرتْ أَيدي الكُمَاةِ وخَطَرْ ... رايٌ إِذا أَورده الطعْنُ صَدَرْ)

وَنَظِير ذَلِك قَوْلهم فِي جمع قَائِم قيام وَفِي جمع ثوب ثِياب فلمّا جمعُوا رَوِيّ قَالُوا رِواءٌ فَاعْلَم فأَظهروا الْوَاو الَّتِي هِيَ عين لمّا اعتلت الياءُ وَهِي فِي مَوضِع اللَّام وَلَا اخْتِلَاف فِي أَنَّه لَا يجْتَمع على الْحَرْف علَّتان وَزعم أَهل هَذِه الْمقَالة فِي (شاءٍ) يَا فَتى أَنَّه وَاحِد فِي معنى الْجمع وَلَو كَانَ جمع شَاة وعَلى لَفظهَا لم يكن إِلاَّ شِيَاه لأَنَّ الذَّاهِب من شَاة الهاءُ وَهِي فِي مَوضِع اللَّام يدلَّك على ذَلِك قَوْلهم شُوَيْهة فِي التصغير وَزعم أَنَّ الْهمزَة منقلبة من حرف لين لقَولهم شوِيٌّ فِي الْمَعْنى / الشاءِ وَفَسَاد قَوْلهم مَا شرحت لَك وأَمَّا غير هؤلاءِ فَزعم أَنَّ (شاءُ) جمع شَاة على اللَّفْظ لأَنَّ شَاة كَانَت فِي الأَصل شاهة على قَوْلك شُويهة وَالظَّاهِر هاءُ التأْنيث فكرهوا أَن يكون لفظ الْجمع كَلَفْظِ الْوَاحِد فِي الْوَقْف فأَبدلوا من الهاءِ همزَة فَقَالُوا شَاءَ فَاعْلَم لقرب المخرجين كَمَا قَالُوا أَرَقتُ وهَرقت وإِيَّاك وهِيَّاك وكما قَالُوا ماءٌ فَاعْلَم وإِنما أَصله الهاءُ وتصغيره مُويْه فَاعْلَم وَجمعه أَمواه ومياه وَذهب هؤلاءِ إِلى أَن شوىّ مخفّف الْهمزَة كَمَا تَقول فِي النبيّ والبريّة ويفسّر هَذَا فِي بَاب الْهَمْز مستقصى إِن شاءَ الله وَهَذَا القَوْل الثَّانِي هُوَ الْقيَاس

بَاب الْهَمْز

اعْلَم أَنَّ الْهمزَة حرف يتباعد مَخْرَجه عَن مخارج الْحُرُوف وَلَا يَشْرَكه فِي مخرجه شيءٌ وَلَا يُدانيه إِلاَّ الهاءُ والأَلف وَلَهُمَا علَّتان نشرحهما إِن شاءَ الله أَمَّا الأَلف فقد تقدم / قَوْلنَا فِي أَنَّها لَا تكون أَصلا وأَنَّها لَا تكون إِلاَّ بَدَلا أَو زَائِدَة وإِنَّما هِيَ هواءٌ فِي الْحلق يسمّيها النحويّون الْحَرْف الهاوي والهاءُ خَفيّة تقَارب مَخْرَج الأَلف والهمزة تحتهما جَمِيعًا أَعني الْهمزَة المحقَّقة فلتباعدها من الْحُرُوف وَثقل مخرجها وأَنَّها نبرة فِي الصَّدْر جَازَ فِيهَا التَّخْفِيف وَلم يجز أَن تَجْتَمِع همزتان فِي كلمة سوى مَا نذكرهُ فِي التقاءِ الْعَينَيْنِ اللَّتَيْنِ بِنْية الأُولى مِنْهُمَا السّكُون وَلَا يجوز تحريكها فِي مَوضِع البتّة فإِذا كَانَت الْهمزَة مَفْتُوحَة وَقبلهَا فَتْحة وأَردت تحقيقها قلت قرأَ الرجل وسأَل عبد الله كَذَا حقُّ كلِّ همزَة إِذا لم ترد التَّخْفِيف فإِن أَردت التَّخْفِيف نحوت بهَا نَحْوَ الأَلف لأَنَّها مَفْتُوحَة والفتحة من مَخْرَج الأَلف فَقلت قرا يَا فَتى والمخفَّفة بوزنها مُحقَّقةً إِلاَّ أَنَّك خفَّفت النبرة لأَنَّك نَحَوْت بهَا نَحْوَ الأَلف أَلا ترى أَنَّ قَوْله

(أَان رأَت رجلا أَعْشَى أَضَرَّ بهِ) فِي وَزنهَا لَو حقَّقت / فَقلت أَأَن وتحقيقها إِذا التقتا رَدِيء جدّا ولكنِّي ذكرته لأُمثِّل لَك فإِن كَانَت قبلهَا فتحةٌ وَهِي مَضْمُومَة نَحَوْت بهَا نَحْوَ الْوَاو لأَنَّ الضمّة من الْوَاو فِي محلّ الفتحة من الأَلف وَذَلِكَ قَوْلك لؤم الرجل إِذا حقَّقت فإِذا خفَّفت قلت لوم الرجل الْوَزْن وَاحِد على مَا ذكرت لَك فإِن كَانَت مَكْسُورَة وَمَا قبلهَا مفتوحٌ نحَوْت بهَا نَحْوَ الياءِ وَذَلِكَ يئس الرجل والمخفَّفة - حَيْثُ وَقعت - بوزنها محقَّقةً إِلاَّ أَنَّ النبر بهَا أَقلّ لأَنَّك تزيحها عَن مخرج الْهمزَة المحقَّقة فإِن كَانَت مَضْمُومَة وَقبلهَا فتح أَو كسر فَهِيَ على مَا وَصفنَا يُنْحَى بهَا نَحْوَ الْوَاو وَكَذَلِكَ الْمَكْسُورَة يُنْحَى بهَا نَحْوَ الياءِ معَ كلّ حَرَكَة تقع قبلهَا فأَمَّا الْمَفْتُوحَة فإِنَّه إِن كَانَت قبلهَا كسرة جعلت يَاء خَالِصَة لأَنَّه لَا يجوز أَن يُنحى بهَا نَحْوَ الأَلف وَمَا قبلهَا مكسور أَو مضموم لأَنَّ الأَلف لَا يكون مَا قبلهَا إِلاَّ مَفْتُوحًا وَذَلِكَ قَوْلك فِي جمع مِئْرة من مأَرت بَين الْقَوْم أَي أَرّشت بَينهم مِئَر فإِن خفَّفت الْهمزَة قلت مِيرَ تُخْلِصُها يَاء وَلَا يكون تخفيفها إِلاَّ على مَا وصفت لَك للعلَّة الَّتِي ذكرنَا وإِن كَانَ مَا قبلهَا مضموما وَهِي / مَفْتُوحَة جعلت واوا خَالِصَة والعلَّةُ فِيهَا العِلَّةُ فِي المكسور مَا قبلهَا إِذا انفتحت وَذَلِكَ قَوْلك فِي جمع جُؤْنة جُؤن مَهْمُوز فإِن خفَّفت الْهمزَة أَخلصتها واوا فَقلت جُوَن وَاعْلَم أَنَّ الْهمزَة إِذا كَانَت سَاكِنة فإِنَّها تقلب - إِذا أَردت تخفيفها - على مِقْدَار حَرَكَة مَا قبلهَا وَذَلِكَ قَوْلك فِي رأْس وجُؤْنة وذئب - إِذا أَردت التَّخْفِيف - راس وجُوْنة وذِيْب لأَنَّه لَا يمكنك أَن تنحو بهَا نَحْوَ حُرُوف اللين وأَنت تخرجها من مُخْرَج الْهمزَة إِلاَّ بحركة مِنْهَا فإِذا كَانَت سَاكِنة فإِنَّما تقلبها على مَا قبلهَا فتخلصها يَاء أَو واوا أَو أَلفا وَكَانَ الأَخفش يَقُول إِذا انضمّت الْهمزَة وَقبلهَا كسرة قلبتها يَاء لأَنَّه لَيْسَ فِي الْكَلَام وَاو قبلهَا كسرة فَكَانَ يَقُول فِي يَستهزئون - إِذا خفَّفت الْهمزَة - يَستهزيون وَلَيْسَ على هَذَا القَوْل أَحد من النحويّين وَذَلِكَ لأَنَّهم لم يجعلوها واوا خَالِصَة إِنَّما هِيَ همزَة مخفَّفة فَيَقُولُونَ يستهزيون وَقد تقدم قَوْلنَا فِي هَذَا وأَعلم أَنَّه لَيْسَ من كَلَامهم / أَن تلتقي همزتان فتحقَّقا جَمِيعًا إِذ كَانُوا يحقِّقون الْوَاحِدَة فَهَذَا قَول جَمِيع النحويِّين إِلاَّ عبدَ الله بن أَبي إِسحق الحضرميّ فإِنَّه كَانَ يرى الْجمع بَين الهمزتين وسأَذكر احتجاجه وَمَا يلْزم على قَوْله بعد ذكرنَا قولَ العامَّة النحويّون يرَوْنَ إِذا اجْتمعت همزتان فِي كَلِمَتَيْنِ كلُّ وَاحِدَة مِنْهُمَا فِي كلمة تخفَّف إِحداهما فإِن كَانَتَا فِي كلمة وَاحِدَة أَبدلوا الثَّانِيَة مِنْهُمَا وأَخرجوها من بَاب الْهمزَة أَمَّا مَا كَانَ فِي كلمة فنحو قَوْلهم آدَم جعلُوا الثَّانِيَة أَلفا خَالِصَة للفتحة قبلهَا وَقَالُوا فِي جمعه أَوادِم كَمَا قَالُوا فِي جمع خَالِد خوالد فَلم يرجِعوا بهَا إِلى الْهَمْز وَقَالُوا فِي (فاعِل) من جِئْت وَنَحْوه جاءٍ كَمَا ترى فقلبوا الْهمزَة يَاء لأَنَّها فِي مَوضِع اللَّام من الْفِعْل وموضعُ الْعين تلْزمهُ الْهمزَة لاعتلاله كَمَا قلت فِي فاعِل من يَقُول قَائِل فلمّا الْتَقت الهمزتان فِي كلمة قلبوا الثَّانِيَة مِنْهُمَا على مَا وَصفنَا فإِذا كَانَتَا فِي كَلِمَتَيْنِ فإِنَّ أَبا عَمْرو بن العلاءِ كَانَ تَخْفيف الأُولى مِنْهُمَا وعَلى ذَلِك قرأَ فِي قَوْله / عزَّ وجلَّ {فقد جَاءَ أشراطها} إِلاَّ أَن تبتدأَ بهَا ضَرُورَة كامتناع السَّاكِن وَكَانَ يحقِّق الأُولى إِذا قرأَ {أألد وَأَنا عَجُوز} ويجفِّف الثَّانِيَة وَلَا يلْزمه الْبَدَل لأَنَّ أَلف الِاسْتِفْهَام مُنْفَصِلَة وَكَانَ الْخَلِيل يرى تَخْفيف الثَّانِيَة على كلّ حَال وَيَقُول لأَنَّ الْبَدَل لَا يلْزم إِلاَّ الثانيةَ وَذَلِكَ لأَنَّ الأُولى يُلفظ بهَا وَلَا مَانع لَهَا وَالثَّانيَِة تمْتَنع من التَّحْقِيق من أَجل الأُولى الَّتِي قد ثبتَتْ فِي اللَّفْظ وَقَول الْخَلِيل أَقيس وأَكثر النحويّين عَلَيْهِ فأَمَّا ابْن أَبي إِسحق فَكَانَ يرى أَن يحقِّق فِي الهمزتين كَمَا يرَاهُ فِي الْوَاحِدَة وَيرى تخفيفها على ذَلِك وَيَقُول هما بِمَنْزِلَة غَيرهمَا من الْحُرُوف فأَنا أُجريهما على الأَصل وأُخفِّف - إِن شِئْت - اسْتِخْفَافًا وإِلاَّ فإِنَّ حكمهمَا حكم الدالين وَمَا أَشبههما وَكَانَ يَقُول فِي جمع خَطِيئَة - إِذا جاءَ بِهِ على الأَصل - هَذِه خطائِيءُ ويختار فِي الْجمع التَّخْفِيف وإِن يَقُول خَطَايَا ولكنَّه لَا يرى التَّحْقِيق فَاسِدا وَاعْلَم أَنَّ الْهمزَة المتحرّكة إِذا كَانَ قبلهَا حرف سَاكن فأَردت تخفيفها فإِنَّ ذَلِك يلْزم فِيهِ أَن تحذفها وتلقى حركتها / على السَّاكِن الَّذِي قبلهَا فَيصير السَّاكِن متحرّكا بحركة الْهمزَة وإِنَّما وَجب ذَلِك لأَنَّك إِذا خففت الْهمزَة جَعلتهَا بَيْنَ بَيْنَ قد ضارعت بهَا السَّاكِن وإِن كَانَت متحرّكة وَوجه مضارعتها أَنَّك لَا تبتدئها بَيْنَ بَيْنَ كَمَا لَا تبتدئ سَاكِنا وَذَلِكَ قَوْلك منَ ابوك فتحرّك النُّون وتحذف النُّون ومنِ اخوانك وتقرأَ هَذِه الْآيَة إِذا أَردت التَّخْفِيف {اللهُ الذِّي يُخْرِجُ الحَبَ فِي السَّموَاتِ} وَقَوله {سل بني إِسْرَائِيل} إِنَّما كَانَت اسأَل فلمّا خفَّفت الْهمزَة طرحت حركتها على السِّين وأَسقطتها فتحرّكت السِّين فَسَقَطت أَلف الْوَصْل وَمن قَالَ هَذِه مَرْأَة كَمَا ترى فأَراد التَّخْفِيف قَالَ مَرَة فَهَذَا حكمهَا بعد كلّ حرف من غير حُرُوف اللين فأَمّا إِذا كَانَت بعد أَلف أَو وَاو أَو ياءٍ فإِنْ فِيهَا أَحكاما إِذا كَانَت الياءُ وَالْوَاو مَفْتُوحًا مَا قبلهَا فهما كَسَائِر الْحُرُوف تَقول فِي جَيْأَل جَيَل وَكَذَلِكَ إِن كَانَت وَاحِدَة مِنْهُمَا اسْما أَو دخلت لغير المدّ واللين وَتقول فِي فَوْعَل من سأَلت سَوْأَل / فإِن أَردت التَّخْفِيف سَوَل / كَمَا قلت فِي الياءِ وَكَذَلِكَ مَا كَانَت فِيهِ وَاحِدَة مِنْهُمَا اسْما وإِن كَانَ قبل الْوَاو ضمّة أَو قبل الياءِ كسرة تَقول فِي اتبعُوا أَمره اتبعُوَ مره وَفِي اتبعي أَمره اتبِيَ مره وَفِي اتبعُوا إِبلكم اتبعي بلكم لَا تبالي أَمفتوحة كَانَت الْهمزَة أَم مَضْمُومَة أَم مَكْسُورَة فإِن كَانَت الياءُ قبلهَا كسرة وَهِي سَاكِنة زَائِدَة لم تدخل إِلاَّ لمدّ أَو كَانَت وَاو قبلهَا ضمّة على هَذِه الصّفة لم يجز أَن تطرح عَلَيْهَا حَرَكَة لأَنَّه لَيْسَ ممّا يجوز تحريكه وَذَلِكَ نَحْو خَطِيئَة ومَقْرُوءَة فإِنّ تَخْفيف الْهمزَة أَن تَقلبها كالحرف الَّذِي قبلهَا فَتَقول فِي خَطِيئَة خَطيّة وَفِي مَقْرُوءَة مقروّة وإِنَّما فعلت ذَلِك لأَنَّك لَو أَلقيت حَرَكَة الْهمزَة على هَذِه الياءِ وَهَذِه الْوَاو لحرّكت شَيْئا لَا يجوز أَن يَتَحَرَّك أَبدا لأَنَّها للمدّ فَهُوَ بِمَنْزِلَة الأَلف إِلاَّ أَنَّ الإِدغام فِيهِ جَائِز لأَنَّه ممّا يدغم كَمَا تَقول عدوّ ودِليّ ومغزوّ ومرميّ وأَمّا الأَلف فإِنَّ الإِدغام فِيهَا محَال وَهِي تحْتَمل أَن تكون الْهمزَة بعْدهَا بَيْنَ بَيْنَ كَمَا احتملت السَّاكِن المدغم فِي قَوْلك دابّة / وشابّة لأَنَّ المدّة قد صَارَت خلَفا من الْحَرَكَة فساغ ذَلِك للقائل وَلَوْلَا المدّ لَكَانَ جمع الساكنين مُمْتَنعا فِي اللَّفْظ فَتَقول - إِذا أَردت اتبعا أَمره فخفَّفت - اتبعا امْرَهْ فتجعلها بيْنَ بَيْنَ وَكَذَلِكَ مضى إِبراهيم وجزى أُمّه لأَنَّ الأَلف لَا تكون إِلاَّ سَاكِنة فَلَو طرحت عَلَيْهَا الْحَرَكَة لَخَرَجت من صورتهَا وَصَارَت حرفا آخر وَتقول فِي نبيىء - إِذا خففت الْهمزَة - نبيّ كَمَا ترى هَكَذَا يجْرِي فِيمَا لم تكن حُرُوف ليّنة أَصليّة أَو كالأَصليّة وهم فِي نبيىء على ثَلَاثَة أَضرب أَمّا من خفَّف فَقَالَ نبيّ وَجعلهَا كخطيّة فإِنَّه يَقُول نُبَآءُ فيردّها إِلى أَصلها لأَنَّها قد خرجت عَن فعيل كَمَا قَالَ

(يَا خَاتم النُّبَآءِ إِنَّك مُرْسَلٌ ... بالحقّ كلُّ هُدَى السبيلِ هُداكا)

وَمن قَالَ نبيّ فَجَعلهَا بَدَلا لَازِما كَقَوْلِك عِيد وأَعْياد وكقولك أَحَد فِي وَحَد فَيَقُول أَنبياءُ كَمَا يَقُول تقيّ وأَتقياءُ وشقيّ وأَشقياءُ وغنيّ وأَغنياءُ وَكَذَلِكَ جمع فَعِيل الَّذِي على هَذَا الْوَزْن وَكَذَلِكَ يَقُول / من أَخذه من قَوْلك نبا ينبو أَي مُرْتَفع بِاللَّه فَهَذَا من حُرُوف العلَّة فحقُّه على مَا وصفت لَك وإِن خفَّفت الْهمزَة من قَوْلك هُوَ يَجِيئُك ويَسُوءُك قلت يجِيُك ويسوُك تحرّك الياءَ وَالْوَاو بحركة الْهمزَة لأَنَّهما أَصلان فِي الْحُرُوف فَهَذَا يدلُّك على مَا يرد عَلَيْك من هَذَا الْبَاب وَاعْلَم أَنَّه من أَبي قَول ابْن أَبي إِسحق فِي الْجمع بَين الهمزتين فإِنَّه إِذا أَراد تحقيقهما أَدخل بَينهمَا أَلفا زَائِدَة ليفصل بَينهمَا كالأَلف الدَّاخِلَة بَين نون جمَاعَة النساءِ وَالنُّون الثَّقِيلَة إِذا قلت اضربْنانِّ زيدا فَتَقول {آئذَاكُنَّا تُرَاباً} وَتقول {أَأَنْت قلت للنَّاس} وَمثل ذَلِك قَول ذِي الرّمة

(فياظبيةَ الوَعْساءِ بيْنَ جُلاجِل ... وبيْنَ النَّقا آأَنتِ أَمْ أُمُّ سالِمِ)

وإِنَّما نذْكر هَاهُنَا من الْهمزَة مَا يدْخل فِي التصريف اعْلَم أَنَّ الْهمزَة الَّتِي للاستفهام إِذا دخلت على أَلف وصل سَقَطت أَلف الْوَصْل لأَنَّه لَا أَصلَ لَهَا وإِنَّما أُتي بهَا لسكون مَا بعْدهَا فإِذا كَانَ قبلهَا كَلَام وصل بِهِ إِلى الْحَرْف السَّاكِن سَقَطت الأَلف / وَقد تقدم القَوْل فِي هَذَا إِلاَّ الأَلف الَّتِي مَعَ اللَّام فإِنَّك تبدل مِنْهَا مدّة مَعَ أَلف الِاسْتِفْهَام لأَنَّها مَفْتُوحَة فأَرادوا أَلاَّ يلتبس الِاسْتِفْهَام بالْخبر وَذَلِكَ قَوْلك - إِذا استفهمت - آبْنُ زيد أَنت {آتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيَّا أَم زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَيْصَارُ} وأَلف (آيْم) الَّتِي للقسم و (اَيمُنْ) بِمَنْزِلَة أَلف اللَّام لأَنَّها مَفْتُوحَة وَهِي أَلف وصل فالعلَّة وَاحِدَة وكلّ مَا كَانَ بعد هَذَا فَمَا ذَكرْنَاهُ دالّ عَلَيْهِ فإِذا الْتَقت الهمزتان بِمَا يُوجبه البناءُ نحْوُ بنائك من جئِت مثلَ (فَعْلَل) قلبت الثَّانِيَة أَلفا لانفتاح مَا قبلهَا كَمَا وصفت لَك فِي الهمزتين إِذا التقتا من أَنَّه وَاجِب أَن تقلب الثَّانِيَة مِنْهُمَا إِلى الْحَرْف الَّذِي مِنْهُ الْحَرَكَة وأَنَّهما لَا يَلْتَقِيَانِ فِي كلمة وَاحِدَة فَيُقرّا جَمِيعًا فَتَقول جَيْأَي على وزن جَيْعىً فإِن قَالَ قَائِل فَمَا بالك تجمع / بَين الهمزتين فِي كلمة وَاحِدَة إِذا كَانَتَا عينين فِي مثل فعّل وفَعّال وَذَلِكَ قَوْلك رجل سَئّال وَقد سُئِّل فلَان وَلَا تفعل مثَل ذَلِك فِي مثل جَعْفَر وقمطر فَالْجَوَاب فِي هَذَا قد قدّمنا بعضه ونردّهُ هَاهُنَا ونتمُّه إِنَّما الْتَقت الهمزتان إِذا كَانَتَا عينين فِيمَا وَصفنَا لأَنَّ الْعين إِذا ضوعفت فمحال أَن تكون الثَّانِيَة إِلاَّ على لفظ الأُولى وَبِهَذَا عُلم أَنَّهما عينان وَلَوْلَا ذَلِك لقيل عين وَلَام وَمَعَ هَذَا أَنَّ الْعين الأُولى لَا تكون فِي هَذَا البناءِ إِلاَّ سَاكِنة وإِنَّما ترفع لسَانك عَنْهُمَا رَفْعةً وَاحِدَة للإِدغام فإِن قَالَ فأَنت إِذا قلت قِمَطْر فَاللَّام الأُولى سَاكِنة فهلاَّ وَجب فِيهَا وَفِي الَّتِي بعْدهَا مَا وَجب فِي الْعَينَيْنِ قيل من قِبَل أَنَّ اللَّام لَا تلْزمهُ أَن تكون اللَّام الَّتِي بعْدهَا على لَفظهَا وإِن جَازَ أَن تقع وَلَكِن الْعين هَذَا فِيهَا لَازم أَلا ترى أَنَّ قِمَطْرا مُخْتَلفَة اللامين بِمَنْزِلَة جَعْفَر وَنَحْوه فإِذا قلت من قرأَت مثل (قِمَطْر) قلت (قِرَأْىٌ) فَاعْلَم تصحِّح الياءَ / لأَنَّه لَا تلتقي همزتان فإِن قيل فَلم قلبتها يَاء وَلَيْسَت قبلهَا كسرة فإِنَّما ذَلِك لأَنَّك إِذا قلبتها إِلى حُرُوف اللين كَانَت كَمَا جرى أَصلُه من حُرُوف اللين فالياءُ وَالْوَاو إِذا كَانَت وَاحِدَة مِنْهُمَا رَابِعَة فَصَاعِدا أَصليّةً كَانَت أَو زَائِدَة فإِنَّما هِيَ بِمَنْزِلَة مَا أَصله ياءٌ أَلا ترى أَنَّ أَغْزيت وغازيت على لفظ راميت وأَحييت وَقد تقدّم قَوْلنَا فِي هَذَا ونُعيد مسَائِل الْهَمْز مَعَ غَيرهَا مّما ذكرنَا أُصوله فِي مَوضِع الْمسَائِل والتصريف إِن شاءَ الله وَاعْلَم أَنَّ قوما من النحويّين يرَوْنَ بدل الْهمزَة من غير علَّة جَائِزا فيجيزون قَرَيْت واجْتَرَيْت فِي معنى قَرَأت واجترأْت وَهَذَا القَوْل لَا وجهَ لَهُ عِنْد أَحد ممّن تصحّ مَعْرفَته وَلَا رسم لَهُ عِنْد الْعَرَب ويُجيز هؤلاءِ حذف الْهمزَة لغير علَّة إِلاَّ الاستثقال وَهَذَا القَوْل فِي الْفساد كالقول الَّذِي قبله وهم يَقُولُونَ فِي جمع برِئ الَّذِي هُوَ بُرآءُ على كريم وكرماءَ وبِراءٌ على كريم وكِرام فهؤلاءِ الَّذين وَصفنَا يَقُولُونَ / بُراءٌ فَاعْلَم فيحذفون الْهمزَة من برآءَ وَيَقُولُونَ الْهمزَة حرف مستثقل فنحذفه لأَنَّ فِيمَا أَبقَينا دَلِيلا على مَا أَلقَينا ويشبّهون هَذَا بفاعِل إِذا قلت رجل شاكٌ السلاحَ وَلَيْسَ ذَا من ذَلِك فِي شيءٍ لأَنَّه من قَالَ شاكٌ السلاحَ فإِنَّما أَدخل أَلف فاعِل وَبعدهَا الأَلف الَّتِي فِي الْفِعْل المنقلبة وَهِي عين فتحذف أَلف فاعِل لالتقاءِ الساكنين وَقد قَالَ لَهُم بعض النحويّين كَيفَ تَقولُونَ فِي مضارع قَرَيْت فَقَالُوا أَقْرَا - فقد تركُوا قَوْلهم من حَيْثُ لم يشعروا لأَنَّ من قلب الْهمزَة فأَخلصها يَاء لزمَه أَن يَقُول يَقْرِى كَمَا تَقول رميت أَرمي لأَنَّ فعَل يَفْعَل إِنَّما يكون فِي حُرُوف الْحلق وَلَو جَازَ أَن تقلب الْهمزَة إِلى حرف اللين لغير علَّة لجَاز أَن تقلب الْحُرُوف المتقاربة المخارج فِي غير الإِدغام لأَنَّها تنْقَلب فِي الإِدغام كَمَا تنْقَلب الْهمزَة لعلَّة فإِن فُعِل / هَذَا لغير علَّة فليفعَلْ ذَلِك وَلَكِن إِذا اضطرّ الشَّاعِر جَازَ أَن يقلب الْهمزَة عِنْد الْوَقْف على حَرَكَة مَا قبلهَا فيُخْلِصها على الْحَرْف الَّذِي مِنْهُ حَرَكَة مَا قبلهَا كَمَا يجوز فِي الْهمزَة الساكنة من التَّخْفِيف إِن شِئْت فَمن ذَلِك قَول عبد الرَّحْمَن بن حسّان

(وكنتَ أَذَلَّ منْ وَتِدٍ بِقاعٍ ... يُشَجِّجُ رأْسَهُ بالفِهْر واجي)

إِنَّما هُوَ من وَجَأْت وَقَالَ الفرزدق (راحتْ بمَسْلَمَة البِغَالُ عَشِيّةً ... فارْعَىْ فَزَارةُّ لَا هَناكِ المَرْتعُ)

وَقَالَ حسّان بن ثَابت

(سالتْ هُذَيْلٌ رسولَ اللهِ فَاحِشَة ... ضَلَّتْ هُذَيْلٌ بِمَا قالتْ وَلم تُصِبْ)

فَهَذَا إِنَّما جَازَ للاضطرار كَمَا يجوز صرف مَا لَا ينْصَرف وَحذف مَالا يحذف مثله فِي الْكَلَام وَقد يُقَال فِي معنى سأَلت سِلْت أَسال مثل خِفْت أَخاف وهما يتساولان كَمَا يخْتَلف اللفظان وَالْمعْنَى وَاحِد نَحْو قَوْلك نَهَض ووثب فإِنَّما هَذَا على ذَلِك لَا على الْقلب وَلَو كَانَ / على الْقلب كَانَ فِي غير سأَلت مَوْجُودا كَمَا كَانَ فِيهَا فَهذا حقّ هَذَا

هَذَا بَاب مَا كَانَ على فُعْلَى مَّما مَوضِع الْعين مِنْهُ ياءٌ

أَمّا مَا كَانَ من ذَلِك اسْما فإِنَّ ياءَه تُقلب واوا لضمّة مَا قبلهَا وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك الطُّوبَى والكُوسى أَخرجوه بِالزِّيَادَةِ من بَاب بِيض وَنَحْوه فإِن كَانَت نعتا أَبدلت من الضمّة كسرة لتثبت الْيَاء كَمَا فعلت فِي بِيْض ليفصلوا بَين الِاسْم وَالصّفة وَذَلِكَ قَوْلهم {قسْمَة ضيزى} ومِشْية حِيكَى يُقَال هُوَ يَحِيك فِي مِشْيته إِذا جَاءَ يتبختر وَيُقَال حاك الثوبَ والشِّعرَ يحوكه فإِن قَالَ قَائِل فَمَا أَنكرت أَن يكون هَذَا (فِعْلَى) قيل لَهُ الدَّلِيل على أَنَّه (فُعْلَى) مُغَيَّرَ مَوْضِع الفاءِ أَنَّ (فِعْلَى) لَا تكون نعتا وإِنَّما تكون اسْما نَحْو مِعْزَى ودِفْلَى و (فُعْلَى) يكُون نعتا كَقَوْلِك امرأَة حُبْلَى وَنَحْوه فإِن قَالَ قَائِل من أَين زعمت أَنَّ الطوبَى والكُوسَى اسمان فَمن قِبَل أَنَّ هَذَا البناءَ لَا يَكْمُل نعتا / إِلاَّ بِقَوْلِك من كَذَا تَقول هَذَا أَفْضَل من زيد وَهَذِه أَفضل من زيد فَيكون (أَفْعَل) للمؤنث والمذكَّر والاثنين وَالْجمع على لفظ وَاحِد فإِذا قلت الأَفْضَل والفُضْاَى ثنَّيت وجمعت كَمَا فصلت بَين المؤنَّث والمذكَّر وَلِهَذَا بَاب يفرد مستقصى فِيهِ مسَائِله فَلَمَّا ذكرت لَك جرت مَجْرَى الأَسماءِ فَإِن كَانَ هَذَا الْبَاب من الْوَاو جرى على أَصْله اسْما وَصفَة فأَمّا الِاسْم فنحو قَوْلك والقُولَي والسُودَى تأْنيث قَوْلك هَذَا أَسْوَد مِنْهُ وأَقْول مِنْهُ لأَنَّ هَذَا إِذا ردّ إِلى الأَلف وَاللَّام خرج إِلى بَاب الأَكبر والكُبْرَى وإِن كَانَ نعتا لم يلْزم أَن يكسر مَا قبل واوه إِنَّما لزم الْكسر فِي (فُعْل) ممّا كَانَ من الياءِ أَلا ترى أَنَّك تَقول فِي جمع أَسْوَد سُود خلافًا لأَبْيض وبِيض فَكَذَلِك تسلم الْوَاو من هَذَا اسْما وَصفَة

هَذَا بَاب مَا كَانَ على فعلى وفعْلى من ذَوَات الْوَاو والياءِ اللَّتَيْنِ هما لامان

أَمّا مَا كَانَ على فَعْلَى من ذَوَات الياءِ فإِنَّ ياءَه تُقلب واوا إِذا كَانَ اسْما وتُترك يَاء على هيئتها إِذا كَانَ نعتا فأَمَّا الِاسْم فالفَتْوَى وَالتَّقوى والدَعْوَى وأَمّا النَّعْت فنحو قَوْلك صَدْيا ورَيَّا وطَيا وَلَو كَانَت (رَيّا) اسْما لكَانَتْ رَوَّى وَذَلِكَ لأَنَّك كنت تقلب اللَّام واوا وَالْعين واوا لأَنَّها من روَيت فتلتقي الواوان فَيصير بِمَنْزِلَة قُوَّل وأَمَّا مَا كَانَ من الْوَاو فإِنَّك لَا تغيّره اسْما وَلَا صفة تَقول فِي الِاسْم دَعْوَى وعَدْوَى وَالصّفة مثل شَهْوَى وإِنَّما فعلت ذَلِك لأَنَّ الصّفة تجْرِي هَاهُنَا على أَأَصلها كَمَا جرت الصّفة من الْيَاء على أَصلها وأَمَّا الِاسْم فَلَا تقلب من الْوَاو لأَنَّ هَذَا بَاب قد غلبت الْوَاو على بَابه فإِذا أُصِيبتْ الْوَاو لم تُغَيّر لأَنَّ الياءَ تنْقَلب إِلى الْوَاو وأَما مَا كَانَ من هَذَا الْبَاب على / (فُعْلَى) فإِنَّ واوه تنْقَلب يَاء إِذا كَانَ اسْما كَقَوْلِك الدُّنْيَا والقُصْيا والنعت يجْرِي على أَصله يَاء كَانَ أَو واوا كَمَا وصفت لَك فِيمَا مضى من النعوت وَذَوَات الياءِ لَا تتغيّر هَاهُنَا كَمَا أَنَّ ذَوَات الْوَاو لَا تَتَغَيَّر فِي (فَعْلَى) فَعَلى هَذَا يجْرِي التصريف فِي هَذِه الأَبواب وأَما قَوْلهم القُصْوَى فَهَذَا ممّا نذكرهُ مَعَ قَوْلهم الخوَنة والحَوَكة وَقد علمتْ ذَاك بَناتُ أَلْبُبِهْ وَحَيْوَةَ وضَيْوَن وَغير ذَلِك ممّا يبلغ بِهِ الأَصل إِن شاءَ الله

هَذَا بَاب الْمسَائِل فِي التصريف ممَّا اعتلَّ مِنْهُ مَوضِع الْعين

تَقول إِذا بنيت فُوعِل من سرت سُويرَ فإِن قَالَ قَائِل هلاَّ ادّغمتَ الْوَاو فِي الياءِ كَمَا قلت فِي لَيَّة وأَصلها لَوْية لأَنَّها من لويت يَده ولأَنَّ حكم الْوَاو والياءِ إِذا التقتا والأُولى مِنْهُمَا سَاكِنة أَن تقلب الْوَاو إِلى الياءِ وتدغم إِحداهما فِي الأُخرى فأَمَّا مَا كَانَ من هَذَا ياؤه / بعد واوه فنحو لَوَيْتة وشَوَيْتة لَيّة وشَيّا إِنَّما كَانَا لَوْيَة وشَوْيا لأَنَّ الْعين وَاو وَكَذَلِكَ (مَرْمِيّ) فَاعْلَم إِنَّما هُوَ مَرْمُوْي لأَنَّ اللَّام ياءٌ وَقبلهَا واوُ مَفْعول وأَمَّا مَا كَانَت الياءُ مِنْهُ قبل الْوَاو فنحو سَيّد ومَيّت لأَنَّه فِي الأَصل سَيْوِد ومَيْوت فإِذا قَالَ فلمَ لم يكن فِي (سُويِرَ) مثل هَذَا فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَنَّ وَاو (سُويِرَ) مدّة وَمَا كَانَ من هَذِه الْحُرُوف مدّا فالاِدغام فِيهِ محَال لأَنَّه يخرج من المدّ كَمَا أَنَّ إِدغام الأَلف محَال وَالدَّلِيل على أَن هَذِه الْوَاو مدّة أَنَّها منقلبة من أَلف أَلا ترى أَنّها كَانَت سَايَرَ فلمّا بنيت الْفِعْل بِنَاء مَا لم يسم فَاعله قلت سُويِرَ فالواو غير لَازِمَة وَلَو قلت مثل هَذَا من القَوْل لَقلت (قُووِلَ) فَلم تُدْغَم والعلَّة فِي هَذَا العلَّة فِيمَا قبله لأَنَّها بدل من أَلف قاوَل وَنَذْكُر قلب الْوَاو فِي الإِدغام إِلى الياءِ وإِن كَانَت الياءُ قبلهَا ثمّ نعود إِلى الْمسَائِل إِن شاءَ الله قد قُلْنَا إِذا الْتَقت الياءُ وَالْوَاو وإحداهما / سَاكِنة وَجب الْإِدْغَام وقلبت الْوَاو إِلى الياءِ فَيُقَال فهلاَّ قلبت الياءُ إِلى الْوَاو إِذا كَانَت الْوَاو بعْدهَا كَمَا أَنَّك إِذا التقى حرفان من غير المعتلّ فإِنَّما تُدْغَم الأَوّل فِي الثَّانِي وتقلب الأَوّل إِلى لفظ الثَّانِي نَحْو قَوْلك فِي وَتِد (وَدّ) وَفِي يفتعل من الظُّلم (يَظَّلِم) فتدغم الظاءَ فِي الطاءِ وَكَذَلِكَ (ذهبَ طَلْحَة) تُرِيدُ ذهبتْ طَلْحَة تقلب التاءَ طاءً وَمثل ذَلِك (أَخَتُّ) تُرِيدُ أَخذت فتدغم الذَّال فِي التاءِ و (أَنْفَتُّ) تُرِيدُ أَنْفذت قيل الْجَواب فِي هَذَا أَنَّه إِذا التقى الحرفان وَلم يكون فِي الآخر مِنْهُمَا علَّة مَانِعَة تمنع من إِدغام الأَوّل فِيهِ أُدغم فِيهِ وإِن كَانَ الأَوّل أَشدّ تمكُّنا من الَّذِي بعده وتقاربا تَقَارُبَ مَا يجب إِدغامه لم يصلح إِلاَّ قلب الثَّانِي إِلى الأَول فَمن ذَلِك حُرُوف الصفير وَهِي السِّين وَالصَّاد وَالزَّاي فإِنَّها لَا تُدْغَم فِيمَا جاورها من الطاءِ والتاءِ وَالدَّال ومجاورتهنَّ إِيّاها أَنَّهنَّ من طَرف اللِّسَان وأُصول / الثنايا العُلَى وحروف الصفير من طرف اللِّسَان وأَطرافِ الثنايا ولهنّ انسلال عِنْد التقاءِ الثنايا لما فيهنّ من الصفير وتجاورهنّ الظاءُ والذال والثاءُ من طرف اللِّسَان وأَطراف الثنايا إِلاَّ أَنَّ هَذِه الْحُرُوف يلصق اللِّسَان لَهَا بأَطراف الثنايا وَهِي حُرُوف النَّفْث وإِذا تفقَّدت ذَلِك وجدته وَمعنى النَّفْث النفخ الخفيّ فالصاد وأُختاها لتمكُّنهنّ لَا يدغمن فِي شيءٍ من هؤلاءِ الستَّة وتدغم الستَّة فيهنّ وَنَذْكُر هَذَا فِي مَوْضِعه إِن شاءَ الله فإِذا التقى حرفان أَحدُهما من هَذِه الستَّة وَالْآخر من حُرُوف الصفير فَأَرَدْت الْإِدْغَام أدغمته على لفظ الْحَرْف من حُرُوف الصفير تَقول فِي (مُفْتَعِل) من صبرت - إِذا أَردت الإِدغام - (مصّبر) وَفِي مُسْتَمِع (مُسَّمع) وَفِي مزدان ومزدجر مُزَّان ومُزَّجر فَكَذَلِك الياءُ وَالْوَاو وَيجب إِدغامها على لفظ الياءِ لأَنَّ الياءَ من مَوضِع أَكثر الْحُرُوف وأَمكنها / وَالْوَاو مخرجها من الشّفة وَلَا يَشْرَكُها فِي مخرجها إِلاَّ الباءُ وَالْمِيم فأَمَّا الْمِيم فتخالفها لمخالطتها الخياشيمَ بِمَا فِيهَا من الغُنَّة وَلذَلِك تسمعها كالنون والباءُ لَازِمَة لموضعها مُخَالفَة للواو لأَنَّ الْوَاو تهوِي من الشّفة للفم لما فِيهَا من اللين حَتَّى تتَّصل بأُختيها الأَلف والياءِ ولغلبة الياءِ عَلَيْهَا مَوَاضِع نذكرها فِي بَاب الإِدغام لأَنَّه يوضِّح لَك مَا قُلْنَا مبيّنا وَلَيْسَت الْوَاو كالفاءِ لأَنَّ الفاءَ لَا تخلُص للشفة إِنَّما مخرجها من الشّفة السُّفْلى وأَطراف الثنايا الْعليا فَلذَلِك وَجب مَا وَصفنَا من الإِدغام وَلَا يجب الإِدغام إِذا كَانَت إِحداهما حرف مدّ وَآيَة ذَلِك أَن تكون منقلبة من غَيرهَا كَمَا وصفت لَك فِي وَاو (سُويرَ) لأَنَّها منقلبة من ألف سايرَ وأَمّا وَاو مَغْزُوّ ومَرْمِيّ فَلَيْسَتْ وَاحِدَة مِنْهُمَا منقلبة من شيءٍ إِنَّما هِيَ وَاو (مَفْعُول) غير مُنْفَصِلَة من الْحُرُوف وَلَو كَانَت مُنْفَصِلَة لم تُدْغَم وَقبلهَا ضمّة أَلا ترى أَنَّك تَقول ظلمُوا واقدَا فَلَا تُدْغَم كَمَا لاتدغم إِذا قلت ظلما واقدا وَكَذَلِكَ اُغْزي يَا سرا لايلزمك الإِدغام لكسرة مَا قبل / الياءِ وضمّة مَا قبل الْوَاو وَلَو كَانَت قبل كلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا فَتْحة لم يجز إِلا الْإِدْغَام فِي المِثْلَيْنِ وَلم يمكنك إِلاَّ ذَلِك تَقول رمَوْا واقدا واخْشَىْ يَا سرا فإِن قلت فَمَا بالك فِي اخْشَىْ واقدا ورمَوْا ياسرا لَا تُدْغَم والأَوَّل مِنْهُمَا سَاكن وَقد تقدّم الشَّرْط فِي الْوَاو والياءِ فإِنَّما قُلْنَا فِي المتَّصلين فأَمّا المنفصلان فَلَيْسَ ذَلِك حكمهمَا لأَنَّك فِي المنفصلين - إِذا قاربت الْحُرُوف - مُخَيّر وأَمّا فِي هَذَا الْموضع فَلَا يجوز الإِدغام لأَنَّ الْوَاو عَلامَة الْجمع والياءَ عَلامَة التأْنيث فَلَو أَدغمت وَاحِدَة مِنْهُمَا على خلاف لذهب الْمَعْنى وَهَذَا يحكم لَك فِي بَاب الإِدغام إِن شاءَ الله ورَجع بِنَا القَوْل إِلى مَا يتبع بَاب (سُوير) قد تقدّمنا فِي القَوْل أَنَّ الْوَاو الزَّائِدَة والياءَ إِذا كَانَتَا مدّتين لم تدغما كَمَا أَنَّ الأَلف لم تُدْغَم فإِذا كَانَتَا مدّتين صارتا كالأَلف وإِنَّما اسْتَحَالَ الإِدغام فِي الأَلف لأَنَّها لَو كَانَت إِلى جَانبهَا أَلف لَا يجوز أَن تُدْغَم فِيهَا لأَنَّ الأَلف لَا تكون إِلاَّ سَاكِنة وَلَا يلتقي ساكنان وبَعْدُ فإِن لَفظهَا وَهِي أَصليَّة لَا تكون إِلاَّ مدّا والمدّ / لَا يكون مدغما وَلَو رمت ذَلِك فِي الأَلف لنقلتها عَن لَفظهَا فَتَقول قد قُوْوِل زيد وبُويِع لَا غير ذَلِك وَكَذَلِكَ رُؤيا إِذا خفَّفت الْهمزَة وأَخلصتها واوا لأَنَّ الْهمزَة الساكنة إِذا خفِّفت انقلبت على حَرَكَة مَا قبلهَا وَلم يجز فِي هَذَا القَوْل أَن تدغمها لأَنَّها مدّة ولأَنَّ أَصلها غير الْوَاو فَهِيَ منقلبة كواو سُوْيَر وأَمّا من قَالَ رُيَّا ورُيَّة فعلى غير هَذَا الْمَذْهَب ونذكره فِي بَابه إِن شاءَ الله فَهَذَا حكم الزَّوَائِد وَلَو قلت (افْعَوْعَلَ) من القَوْل لَقلت اْقوَوَّل وَمن البيع ابْيَيَّع وَكَانَ أَصلها ابْيَوْيَع فأَدغمت الْوَاو فِي الياءِ الَّتِي بعْدهَا فإِن بنيت الْفِعْل من هَذَا بِنَاء مَا لم يُسمَّ فَاعله قلت اُبْيُويِع واقْوُووِل وَلَا يجوز الإِدغام لأَنَّ الْوَاو الْوُسْطَى مدّة فأَمَّا عَدُوّ ووَلِيّ فالإِدغام لَازم لأَنَّ الْوَاو والياءَ لم تنقلبا من شيءٍ وَتقول ف مثل (احْمارّ) من الحُوّة احواوت الْفرس / واحْوَاوَى الرجل وإِنَّما أَصل (احمارّ) احمارَرَ فأَدركه الإِدغام وَيظْهر ذَلِك إِذا سكَّنت الراءَ الأَخيرة تَقول احمارَرْت وَلم يحمارِرْ زيد فعلى هَذَا تَقول احْوَاوَيْت واحْوَاوَى زيد فإِذا قلت يَحْوَاوِي لم تُدْغَم لأَنَّ الياءَ سَاكِنة وَالْوَاو متحرّكة وإِنَّما يجب الإِدغام فِي هَذَا إِذا سكن الأَوّل فإِن بنيت الْفِعْل بِنَاء لم يُسمّ فَاعله قلت اُحْوُووِيّ فِي هَذَا الْمَكَان فَلَا تُدْغَم لأَنَّ الْوَاو الْوُسْطَى منقلبة عَن أَلف افعالّ فإِن قلت فَمَا بالك تَقول فِي الْمصدر على مثل احميرار احْوِيّاءٌ وأَصلها احْوِيواءٌ فتدغم هلاَّ تركت الياءَ مدّة فَمن قِبَل أَنَّ الْمصدر اسْم فبناؤه على حَالَة وَاحِدَة وَالْفِعْل لَيْسَ كَذَلِك لتصرّفه فالملحقة فِي هَذَا الْبَاب والزائدة لغير الإِلحاق سواءٌ فِي قَول النحويّين وَكَانَ الْخَلِيل يَقُول لَو بنيت (أَفْعَلْت) من الْيَوْم فِي قَول من قَالَ أَجْوَدْت وأَطْيَبْت لَقلت أَيَّمت وَكَانَ الأَصل أَيْومت وَلَكِن انقلبت الْوَاو للياءِ الَّتِي قبلهَا كَمَا فعلت فِي سيّد فإِن بنيت الْفِعْل بِنَاء لم يُسمّ فَاعله أَو تكلَّمت بمضارعه قلت / فِي قَول الْخَلِيل (أُوِومَ) لأَنَّ الياءَ منقلبة من وَاو فلمّا بناها هَذَا البناءَ جعلهَا مدّة وإِن كَانَت أَصليّة لأَنَّها منقلبة كَمَا انقلبت وَاو سُويِرَ من أَلف سايرَ فقد صَارَت نظيرتها فِي الانقلاب وَتقول فِي مُوئِس فِيمَن خفَّف الْهمزَة مُويس فتجعلها بَيْنَ بَيْنَ وَفِي مِيأَل وَهُوَ مِفْعَل من وَأَلت ميال فَلَا تجعلها كالواو فِي خَطِيئَة إِذا قَالَ خطيّة إِذا خفَّف الْهمزَة والنحويّون أَجمعون على خِلَافه لإِدخاله الأَصول على منهاج الزَّوَائِد فَيَقُولُونَ اُيِّمَ لأَنَّها أَصليّة فالادغام لَازم لَهَا لأَنَّ المدّ لبس بأَصل فِي الأُصول وَيَقُول فِي (مِفْعَل) من وأَلت مِوَل إِذا خفَّفوا الْهَمْز والأَصل مِيْئَل فطرحوا حَرَكَة الْهمزَة على الياءِ فلمّا تحرّكت رجعت إِلى أَصلها لأَنَّها من وَاو وأَلت كَمَا رجعت وَاو ميزَان إِلى أَصلها فِي قَوْلك مَوَازِين وَيَقُول النحويّون فِي مُوئِس إِذا خفَّفوا الْهمزَة مُيِس / لأَنَّهم طرحوا حركتها على الْوَاو فَسَقَطت الْهمزَة وَرجعت الْوَاو إِلى الياءِ لمّا تحرّكت لأَنَّه من يَئست فَهَذَا قَول النحويّون وَهُوَ الصَّوَاب وَالْقِيَاس وَلَو بنيت من القَوْل (فَعَّل) أَو من البيع لَقلت قَوَّل وبَيَّع فإِن بنيته بِنَاء مَا لم يسمّ فَاعله قلت قُوّل وبُيّع لأَنَّها لَيست منقلبة إِنَّما رددت الْعين مثقَّلة كَمَا كَانَت وَتقول فِي (اِفْعَلْ) من أَويت إِذا أَمرت اِيْوِ يَا رجل وللاثنين اِيوِيا وللجمع ايوُوا وللنساءِ ايوِينَ كَمَا تَقول من عوَيْت فالياءُ مبدلة من الْهمزَة وَلَا يلزمك الادغام لأَنَّ الأَلف أَلف وصل فَلَيْسَ الْبَدَل لَازِما للياءِ لأَنَّ أَصلها الْهَمْز ولكنَّك لَو قلت مثل (إِوَزّة) من أَوَيْت لَقلت إِيّاة فَاعْلَم وَكَانَ أَصلها إِئواة فلمّا الْتَقت الهمزتان أَبدلت الثَّانِيَة يَاء لكسرة مَا قبلهَا كَمَا ذكرت لَك فِي جاءٍ وَنَحْوه فَصَارَت يَاء خَالِصَة وَبعدهَا وَاو فقلبتها لَهَا لأَنَّ الياءَ سَاكِنة / وَلم نَجْعَلهَا مدّا لأَنَّه اسْم وَقد تقدّم قَوْلنَا فِي هَذَا فِي بَاب عدوّ ووليّ وَنَحْوه وَلَو قلت من وَأَيت مثل (عُصْفُور) لَقلت وُؤْييّ لأَنَّك إِذا قلت وأَيت فالواو فِي مَوضِع الفاءِ والهمزة فِي مَوضِع الْعين فلمّا قلت (فُعْلول) احتجت إِلى تَكْرِير اللَّام للبناءِ وَالْوَاو الزَّائِدَة تقع بَين اللامين كَمَا تقع فِي مِثَال فُعْلول فَقلت وُؤْيِيّ والأَصل وُؤْئوي فقلبت الْوَاو يَاء للياءِ الَّتِي بعْدهَا وضممت الْوَاو الأُولى لمثال فُعْلول وإِنَّما لزمك الإِدغام لأَنَّه اسْم وَلَوْلَا ذَلِك لكَانَتْ وَاو (فُعْلول) كواو (سُويِرَ) وَلَكِن الأَسماءِ لَا تتصرّف وَقد مضى القَوْل فِي هَذَا أَلا ترى أَنَّ قَوْلك مَرْمِيّ إِنَّما هُوَ مَفْعُول من رميت فَكَانَ حقّه أَن يكون مَرْمُوي فأَدغمت فَكَذَلِك آخر (فُعْلُول) وَلَو قلت مثل (مَفْعُول) من حييت لَقلت هَذَا مَكَان مَحْييٌّ فِيهِ وَكَانَ الأَصل مَحْيُوي وَكَذَلِكَ مَشْوِيّ وَكَانَ / الأَصل مَشْؤوي لأَنَّ الْعين وَاو بعْدهَا واوُ مفعول وَبعد وَاو مفعول الياءُ الَّتِي هِيَ لَام الْفِعْل وَلَو قلت مثل (فَعالِيل) من رميت لَقلت رَمَايِيّ فَاعْلَم لم تغيّر لتباعد الأَلف من الطّرف فأَدغمت الياءَ الزَّائِدَة فِي الياءِ الَّتِي هِيَ لَام فأَمّا مثل طَوِيل وقويم وَمَا أَشبه ذَلِك فَلَا يلزمك الإِدغام لتحرّك الْحَرْف الأَوّل من المعتلَّين ونبيّن هَذَا بأَكثر من هَذَا التَّبْيِين فِي بَاب مسَائِل التصريف إِن شاءَ الله

هَذَا بَاب تصرف الْفِعْل اذا اجْتمعت فِيهِ حُرُوف الْعلَّة

إِذا بنيت الْمَاضِي من حَيِيت فَقلت حَيِيَ يَا فَتى فأَنت فِيهِ مخيّر إِن شِئْت أَدغمت وإِن شِئْت بيّنت تَقول فِي حَيَّ فِي هَذَا الْموضع وَقد حَيِيَ فِيهِ أَمَّا الإِدغام فَيجب للُزُوم الفتحة آخر (فَعَلَ) وأَنَّه قد صَار بالحركة بِمَنْزِلَة غير / المعتلّ نَحْو رَدَّ وكَرَّ وأَمّا ترك الإِدغام فلأَنَّها الياءُ الَّتِي تعتلّ فِي يَحْيَى ويُحْيِي فَلَا تلزمها حَرَكَة أَلا ترى أَنَّك تَقول هُوَ يُحْيِي زيدا وَلم يُحْيِ فتجعل محذوفة كَمَا تحذف الْحَرَكَة وَكَذَلِكَ يَحْيَا وَنَحْوه وَقد فسّرت لَك من اتِّصال الْفِعْل الْمَاضِي بالمضارع وإِجرائه عَلَيْهِ فِي بَاب أَغزيت وَنَحْوه مَا يُغني عَن إِعادته وَمن قَالَ حَيَّ يَا فَتى قَالَ للْجَمِيع حَيُّوا مثل رَدَّ وردُّوا لأَنَّه قد صَار بِمَنْزِلَة الصَّحِيح وَمن قَالَ حَيِيَ فبيّن قَالَ حَيُوا للْجَمَاعَة وَذَلِكَ لأَنَّ الياءَ إِذا انْكَسَرَ مَا قبلهَا لم تدْخلهَا الضمّة كَمَا لاتقول هُوَ يقضِىُ يَا فَتى وَلَا هُوَ قاضِيٌ وَكَانَ أَصلها حَييُوا على وزن علمُوا فسكِّنت وَالْوَاو بعْدهَا سَاكِنة فحذفت لالتقاءِ الساكنين فَمثل الإِدغام قراءَة بعض النَّاس {وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة} وَهُوَ أَكثر وَترك الإِدغام (من حَييَ عَنْ بَيِّنَةٍ) وَقد قرئَ / بهما جَمِيعًا وَكَذَلِكَ قيل فِي الإِدغام

(عَيُّوا بأَمْرِهمو كَمَا ... عَيّت ببَيْضَتها الحَمامهْ)

وَقَالَ فِي ترك الإِدغام

(وكنَّا حسِبناهم فورسَ كَهْمَسٍ ... حَيُوا بعد مَا مَاتُوا من الدَّهْر أَعْصُرا)

فإِذا قلت هُوَ (يَفْعَل) لم يجز الإِدغام البتَّة وَذَلِكَ قَوْلك لن يُعْيِيَ زيد وَلنْ يُحْيِيَ أَحد لأَنَّ الْحَرَكَة لَيست بلازمة وإِنَّما تدخل للنصب وإِنَّما يلْزم الإِدغام بِلُزُوم الْحَرَكَة وَكَذَلِكَ قَول الله عزَّ وجلَّ {أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى} لَا يجوز الإِدغام كَمَا ذكرت لَك فإِذا قلت قد (فُعِلَ) من حَيِيت على قَول من بَيَّنَ قلت قد حُيِيَ فِي هَذَا الْمَكَان وَمن أَدغم قَالَ قد حُيَّ فِي هَذَا الْمَكَان وإِن شاءَ قَالَ قد حِيَّ فأَبدل من الضمّة كسرة للياءِ الَّتِي بعْدهَا وَكَذَلِكَ كلُّ مَا كَانَ من هَذَا اسْما كَانَ أَو فِعْلا تَقول قرْنٌ أَلْوَى وقُرون لُيٌّ وإِن شِئْت قلت لِيٌّ والأَصل الضَّم وإِنَّما دخل الْكسر من أَجل الياءِ لأَنَّ جمع / أَفْعَل (فُعْل) إِذا كَانَ (أَفْعل) نعتا نَحْو أَحمر وحُمْر ولكنّ الْكسر فِي هَذَا أَكثر لخفَّته وَكَذَلِكَ مَا كَانَ على (فُعول) ممّا اعتلَّت لامه تَقول ثُدِيّ وعُصِيّ وإِن شِئْت قلت ثِدِيّ وعِصِيّ وَالْكَسْر أَكثر لما ذكرت لَك والضمّ الأَصل لأَنَّ البناءَ (فُعُول) فأَمَّا الْمَفْتُوحَة فَلَا تبدل كسرة لخفَّة الفتحة نَحْو وَلِيّ وعَدِيّ وَكَذَلِكَ {ليا بألسنتهم} فإِذا ثنيَّت (اُفْعُوْعِلَ) من حَييت لَقلت فِي قَول من لم يدغم قد احْيُويِيَا فِي هَذَا وَفِي قَول من أَدغم اُحْيُويَّا فِيهِ فإِن قلت فَكيف اجْتمعت الْوَاو وَهِي سَاكِنة والياءُ بعْدهَا سَاكِنة للإِدغام فقد تقدم قَوْلنَا فِي أَنَّ حرف المدّ يَقع بعده السَّاكِن المدغم لأَنَّ المدّة عوض من الْحَرَكَة وأَنَّك تعتمد على الحرفين المدغم أَحدُهما فِي الآخر اعتمادةً وَاحِدَة نَحْو قَوْلك دابّة وشابّ وتُمُودّ الثَّوْب وَهَذَا بريدّاود وَنَحْو ذَلِك وَنحن ذاكرو مَا تلتقي لامه وعينه / على لفظ وَاحِد بِجَمِيعِ علله من الصَّحِيح ثمّ نرْجِع إِلى المعتلّ إِن شاءَ الله إِذا قلت (فَعِل) أَو (فعَل) ممّا عينه ولامه سواءٌ فَكَانَ الحرفان متحرِّكين فإِنه يلزمك أَن تسكِّن المتحرّك الأَوّل فتدغمه فِي الَّذِي بعده لأَنَّهما لفظ وَاحِد فَلَا يَقع فِي الْكَلَام التباين وَذَلِكَ قَوْلك رَدَّ وفَرَّ وعَضَّ ورَدُّوا وفَرُّوا فإِن سكن الثَّانِي ظهر التَّضْعِيف وإِنَّما يظْهر لأَنَّ الَّذِي بعده سَاكن فإِن أَسكنته جمعت بَين ساكنين لذَلِك تَقول رَدَدْت وفَرَرْت وَتقول لم يردُدْن وَلم يفْرِرْن لأَنَّ مَا قبل نون جمَاعَة النساءِ لَا يكون إِلاَّ سَاكِنا لما قد تقدّم ذكره وَكَذَلِكَ مَا قبل التاءِ إِذا عني بهَا المتكلِّم نَفسه أَو مخاطبه وَتقول ردَّا لَا غير لأَنَّ الثَّانِيَة تتحرّك فإِذا أَمرت الْوَاحِد فَقلت (افْعَلْ) من هَذَا المضاعفة فأَنت مخيّر إِن شِئْت قلت اردُدْ كَمَا تَقول اُقتل وَتقول اِعْضَضْ كَمَا تَقول اِذهب وَتقول اِفرِزْ كَمَا تَقول اِضربْ وَهَذَا أَجود الأَقاويل / وَقد يجوز أَن تَقول فِرَّ رُدّ عَضَّ فإِذا قلت ذَلِك فإِنَّما طرحت حَرَكَة الْعين على الفاءِ فلمّا تحركت الفاءُ سَقَطت أَلف الْوَصْل وَقد التقى فِي الْوَقْف ساكنان فإِذا وصلت فَكَانَ الْحَرْف من بَاب (يَفْعُل) فأَنت فِي تحريكه مخيّر يجوز فِيهِ الْوُجُوه الثَّلَاثَة تَقول غُضِّ يَا فَتى وغُضُّ وغُضَّ أَمّا الْكسر فعلى أَنَّه أَصل التقاءِ الساكنين وأَمّا الضمّ فللإِتباع وأَمّا الْفَتْح فلأَنَّه أَخفُّ الحركات لأَنَّك إِنَّما تحرّك الآخر لالتقاءِ الساكنين فإِن كَانَ من بَاب مَسَّ جَازَ فِيهِ الْفَتْح من وَجْهَيْن لخفَّته وللإِتباع وَجَاز الْكسر لما ذكرت لَك وإِن كَانَ من بَاب فَرَّ جَازَ فِيهِ الْكسر من وَجْهَيْن للإِتباع ولأَنَّه أَصل التقاءِ الساكنين وَجَاز الْفَتْح لخفَّته وإِنَّما جَازَ فِي هَذَا مَا لم يجز فِيمَا قبله ممّا تحرّك نتع الأَوّل لأَنَّ هَذَا أَصله الحركه وإِنَّما سُكِّن للجزم وَلَيْسَ السّكُون لَازِما لَهُ لأَنَّك لَو ثنَّيته أَو جمعته أَو أَنَّثته للزمته الْحَرَكَة نَحْو رُدَّا ورُدُّوا ورُدِّي وَكَذَلِكَ إِن دخلت فِيهِ النُّون / الْخَفِيفَة أَو الثَّقِيلَة وَمَا كَانَ قبل التاءِ وَالنُّون الَّتِي لجَماعَة المؤَنَّث لم يكن إِلاَّ سَاكِنا لَا تصل إِليه الْحَرَكَة فلمّا كَانَ كَذَلِك كَانَ تحريكه تَحْرِيك اعتلال وَلم يكن كَمَا قد تقدّمنا فِي ذكره فإِن لَقيه سَاكن بعده اختير فِيهِ الْكسر وَلَا أَراه إِذا حرّك للَّذي بعده فِي التَّقْدِير يجوز فِيهِ إِلاَّ الْكسر فإِن قدّر تحريكه للَّذي بعده فِي التَّقْدِير يجوز فِيهِ إِلاَّ الْكسر فإِن قدّر تحريكه لما قبله جَازَت فِيهِ الْوُجُوه كلُّها على مَا تقدّمنا بِذكرِهِ وَذَلِكَ قَوْلك رُدِّ الرجل وغضِّ الطّرف وإِن شِئْت قدّرته لما قبله فَقلت فِي المضموم بالأَوجه الثَّلَاثَة كَمَا كَانَ من قبل أَن يدْخل السَّاكِن الَّذِي بعده وَقلت فِي المفتوح بِالْفَتْح وَالْكَسْر وَكَذَلِكَ المكسور وَهَذَا الْبَيْت ينشد على الأَوجه الثَّلَاثَة لما ذكرنَا وَهُوَ

(فغُضّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ ... فَلَا كَعْباً بلغتَ وَلَا كِلابا)

وَكَذَلِكَ الَّذِي بعده وَهُوَ

(ذُمُّ المنازلَ بعد منزلَة اللِّوَى ... والعيشَ بعد أُولئكَ الأَيامِ) / فعلى مَا ذكرت لَك مجْرى هَذَا الْبَاب وَقد تقدّم قَوْلنَا فِي ذَوَات الياءِ وَالْوَاو المضاعفة ثمّ ذكرنَا ذَا ونعود إِلى استقصاءِ مَا فِيهَا إِن شاءَ الله اعْلَم أَنَّه لَا يَقع فِي الأَفعال مَا تكون عينه يَاء ولامه واوا وَلَكِن تكون عينه واوا ولامه يَاء وَذَلِكَ نَحْو شَوَيْت ولَويت وطويت وَيلْحق بِهِ مَا كَانَت عينه ولامه واوين لأَنَّه يُبنى على فَعِلت فَيصير لامه بِمَنْزِلَة مَا أَصله الياءُ نَحْو حَوِيت وقَوِيت فأَمّا قَوْلهم (حَيَوان) فِي الِاسْم فقد قيل فِيهِ قَولَانِ قَالَ الْخَلِيل الْوَاو منقلبة من ياءٍ لأَنَّه اسْم فخروجه عَن الْفِعْل كخروج آيَة وبابها وَقَالَ غَيره اشتقاق هَذَا من الْوَاو لَو كَانَ فعْلاً ولكنَّه لَا يصلح لما تقدّمنا بِذكرِهِ وَنَظِيره فِي هَذَا الْبَاب على هَذَا القَوْل جَبَيْت الْخراج جِباية وجِباوة وَلَيْسَ من جِباوة فِعْل وَمثل ذَلِك فاظ الميّت فَيْظاً وفَوْظا وَلَيْسَ من فَوْظ فِعْل وَلذَلِك ظهر على الأَصل ليدلّ على أَصله وَقد تقدّم قَوْلنَا فِي أَنَّه لَا تظهر واوان مُجْتَمعين / إِذا كَانَت إِحداهما طرفا وَلَا يَقع فِي الْكَلَام مَا مَوضِع فائه وَاو ولامه وَاو نَحْو وَعَوْت وَنحن ذاكرو مَا يتَّصل بِهِ إِن شاءَ الله إِذا بنيت من الغَزْو (فَعَلَلْت) قلت غَزَوْيت وَلم يجز إِلاَّ ذَلِك لأَنَّها فِي الْمُضَارع يُغزْوِي على مَا ذكرنَا من الْبَاب وَلَو لم يكن ذَلِك لوَجَبَ أَلاَّ تَجْتَمِع واوان أَلا ترى أَنَّهم يذهبون (بفَعَلْت) من الْوَاو إِلى (فِعِلت) فِي نَحْو قَوِيت وحَوِيت لئلاَّ يجْتَمع واوان فإِذا كَانَت إِحداهما غير طرف أَو كَانَ مَا قبلهَا سَاكِنا فَهِيَ ثَابِتَة نَحْو قَوْلك خيل حُوّ وبطن قَوّ وَقد قُلْنَا فِي هَذَا وَلَكِن رددناه لما بعده إِذا بنيت (افْعَوْعَل) من قلت فإِنَّ النحويّين يَقُولُونَ اقْوَوَّلَ فتجتمع ثَلَاث واوات وَلم تكن وَاحِدَة منهنّ طرَفا ينْتَقل عَلَيْهَا الإِعراب إِلاَّ أَبا الْحسن الأَخفش فإِنَّه كَانَ يَقُول فِي هَذَا الْمِثَال (اقْوَيَّلَ) يقلب آخرهنّ يَاء ويدغم فِيهَا الَّتِي قبلهَا وعلَّته فِي ذَلِك اجْتِمَاع الواوات وَيَقُول إِنَّما تجْرِي الأَبنية على الأُصول وَلَيْسَ / فِي الأُصول مَا هُوَ هَكَذَا فإِن قلت (مَفْعُول) من غَزَوْت فَهُوَ {مَغْزُوّ} هَذَا الْمُجْتَمع عَلَيْهِ تصحّ الْوَاو الَّتِي هِيَ حرف الإِعراب لسكون مَا قبلهَا وَقد يجوز مَغْزِيّ وَذَلِكَ لأَنَّك قلبت الطّرف كَمَا فعلت فِي الْجمع وَلَيْسَ بِوَجْه لأَنَّ الَّذِي يقلب إِنَّما يذهب إِلى أَنَّ السَّاكِن الَّذِي قبلهَا غير جَائِز وَلَا تكون الْوَاو فِي الأَسماءِ طرَفا وَمَا قبلهَا متحرّك فَلم يعتدّ بِمَا بَينهمَا أَلا ترى أَنك إِذا جمعت دَلْو قلت أَدْلٍ وإِنَّما هِيَ (أَفْعُل) وَتقول فِي قلنسوة وَالْجمع قَلَنْسٍ وحقُّه قَلَنْسُوٌ ولكنَّك قلبت الْوَاو لمّا كَانَت طرفا وَكَانَ مَا قبلهَا متحرّكا على ذَلِك قَالَ الراجز

(لَا مَهْلَ حتَّى تَلْحَقِي بعَنْسِ ... أَهلِ الرِياطِ البِيْضِ والقَلَنْسِي)

وَقَالَ الآخر

(حتّى تَفُضِّي عَرْقِيَ الدِلِيِّ ... )

جمع عَرْقُوة وَكَانَ حقَّه عَرْقُوٌ فَهَذَا حكم كلّ وَاو طرف إِذا تحرّك مَا قبلهَا فَكَانَ مضموما أَو مكسورا وإِن كَانَ مَفْتُوحًا انقلبت أَلفا كَمَا ذكرت فِي غَزا وَكَذَلِكَ رمَى لأَنَّ حكم الْوَاو فِي هَذَا الْموضع كَحكم الياءِ لَو رخَّمت (كَرَوانا) فِيمَن قَالَ يَا حارُ لَقلت يَا كَرا أَقبل وَكَانَ الأَصل / يَا كَرَوُ لَكِن تحرّك مَا قبلهَا وَهِي فِي مَوضِع حَرَكَة فَانْقَلَبت أَلفا وَلم يكن ذَلِك فِي كروان لأَنَّ الأَلف بعْدهَا فَلَو قلبتها أَلفا لجمعت بَين ساكنين كَمَا كَانَ يلزمك فِي غَزَوَا لَو لم تردّها إِلى الْوَاو فَالَّذِينَ قَالُوا مَغْزيّ إِنَّما شبّهوه بِهَذَا وعَلى ذَلِك قَالُوا أَرض مَسْنِيّة وإِنَّما الْوَجْه مَسْنُوّة فإِن كَانَ هَذَا البناءُ جمعا فالقلب لَا غير تَقول فِي جمع عَاتٍ عُتِيّ وَفِي غاز غُزيّ وإِن كسرت أَوّله على مَا ذكرت لَك قَبْلُ فَقلت غِزِيّ كَمَا تَقول عِصيّ فالكسر أَكثر لخفَّته والأَصل الضَّم لأَنَّه (فُعُول) وَقَوْلِي فِي هَذَا الْجمع أَوجب لأَنَّ بَاب الانقلاب إِنَّما أَصله الْجمع فَلذَلِك أَجرينا سَائِر الْجمع عَلَيْهِ وَقد قُلْنَا فِي صُيّم مَا يَسْتَغْنِي عَن إِعادته وَاعْلَم أَنَّ اللَّام كَانَت يَاء أَو واوا وَقبلهَا أَلف زَائِدَة وَهِي طرف أَنَّها تنْقَلب همزَة للفتحة والأَلف اللَّتَيْنِ قبلهَا / وَذَلِكَ قَوْلك هَذَا سقَّاءٌ يَا فَتى وغَزَّاءٌ فَاعْلَم فإِذا لم يكن مُنْتَهى الْكَلِمَة لم تنْقَلب وَذَلِكَ قَوْلك شقاوة وعَباية فأَمَّا من قَالَ عَظاءَة وعَبَاءَة فإِنما بناه أَوّلا على التَّذْكِير ثمّ أَدخل التأْنيث بعد أَن فرغ من البناءِ فأَنَّثه على تذكيره فعلى هَذَا تَقول صلاءَة وامرأَة سقَّاءَة وحذَّاءَة وَلَو بنيتها على التأْنيث على غير مذكَّر لَقلت سقَّاية وحذَّاوة فَاعْلَم كَمَا تَقول شقاوة وَنِهَايَة وَكَذَلِكَ مَا كَانَت آخِره وَاو وَلَيْسَ بمنتهى الْكَلِمَة نَحْو قَوْلك فِي مثل (فَعُلَة) من غزوت إِن بنيته على التَّذْكِير قلت غَزِية كَمَا كنت تَقول فِي المذكَّر هَذَا غَز فَاعْلَم وإِن بنيته على التأْنيث الَّذِي هُوَ من غير تذكير قلت غَزُوَة كَمَا قلت تَرْقُوة وقَلَنْسُوة لأَنَّ الإِعراب على الهاءِ وَلم يثبت لَهُ مذكَّر يَقع تأْنيثه عَلَيْهِ أَلا ترى أَنَّك لَو سمّيت رجلا (يَغْزُو) لَقلت هَذَا يَغْزٍ كَمَا ترى كَمَا قلت فِي الفِعْل هُوَ يدْلُو دَلْوه وأَنا أَدْلُو لأَنَّ / هَذَا الْمِثَال للفعْل وَتقول فِي جمع دَلْو هَذِه أَدْلٍ فَاعْلَم تقلب الْوَاو {يَاء} لما ذكرت لَك لأَنَّ الأَسماءَ لَا يكون آخر اسْم مِنْهَا واوا متحرّكا مَا قبلهَا وَيَقَع ذَلِك فِي حَشْو الِاسْم فِي مثل عنفوان وأُقْحُوان وَغير ذَلِك حَيْثُ وَقع ثَانِيًا أَو ثَالِثا أَو رَابِعا بعد أَلاَّ يكون طرفا وَلَو قلت (فُعْلُلَة) من رميت على التأْنيث لَقلت رُمْيُوَة تقلب الياءَ واوا لانضمام مَا قبلهَا وَلَو بنيتها على التَّذْكِير لَقلت رُمْييَة لأَنَّها كَانَت تنْقَلب مذكَّرة فأَعللتها على ذَلِك وَقد تقدّم قَوْلنَا فِي أَنَّ الْحَرْف إِذا كَانَ على أَربعة أَحرف وَآخره ياءٌ أَو وَاو اسْتَوَى اللفظان على الياءِ لأَنَّ الْوَاو تنْقَلب رَابِعَة فَصَاعِدا إِلى الياءِ لما ذكرنَا من العلَّة وأَعدنا ذَلِك لقَولهم مِذْرَوان وَفُلَان ينفض مِذْرَوْيه وإِنَّما حقُّ هَذَا الياءُ لأَنَّ الأَلف رَابِعَة ولكنَّه جاءَ بِالْوَاو لأَنَّه لَا يُفْرَد لَهُ وَاحِد فَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا بُنِي على التأَنيث ممّا لَا مذكَّر لَهُ وعَلى هَذَا لم يجز فِي (النِّهَايَة) مَا جَازَ فِي (عَظاية) من قَوْلك عظاءَة لأَنَّك تَقول فِي جَمِيع هَذَا العظاءُ فَهَذَا يُحْكم / لَك مَا يرد عَلَيْك من هَذَا الْبَاب إِن شاءَ الله

أَبواب الْإِدْغَام

هَذَا بَاب مخارج الْحُرُوف

وَقِسْمَة أَعدادها فِي مهموسها ومجهورها وشديدها ورخْوها وَمَا كَانَ مِنْهَا مطبقا وَمَا كَانَ من حُرُوف القلقلة وَمَا كَانَ من حُرُوف المدّ واللين وَغير ذَلِك اعْلَم أَنَّ الْحُرُوف الْعَرَبيَّة خَمْسَة وَثَلَاثُونَ حرفا مِنْهَا ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ لَهَا صوَر والحروف السَّبْعَة جَارِيَة على الأَلْسُن مستدل عَلَيْهَا فِي الخطِّ بالعلامات فأَمّا فِي المشافعة فموجودة فَمِنْهَا للحلْق ثَلَاثَة مخارج فَمن أَقصى الحلْق مخرج الْهمزَة وَهِي أَبعد الْحُرُوف ويليها فِي الْبعد مخرج الهاءِ والأَلف هاوية هُنَاكَ والمخرج الثَّانِي من الْحلق مخرج الحاءِ وَالْعين والمخرج الثَّالِث الَّذِي هُوَ أَدنى حُرُوف الْحلق إِلى الْفَم ممّا يَلِي الْحلق مخرج الخاءِ والغين ثمَّ أَوّل مخارج الْفَم ممّا يَلِي الْحلق مخرج الْقَاف وَيَتْلُو ذَلِك / مخرج الْكَاف وَبعدهَا مخرج الشين ويليها مخرج الْجِيم ويعارضها الضَّاد ومخرجها من الشِدْقَ فبعض النَّاس تجْرِي لَهُ فِي الأَيمن وَبَعْضهمْ تجْرِي لَهُ فِي الأَيسر وَتخرج اللَّام من حُرُوف اللِّسَان مُعَارضا لأُصول الثنايا والرّباعيات وَهُوَ الْحَرْف المنحرف المشارك لأَكثر الْحُرُوف ونفسِّره فِي مَوْضِعه بمعانيه إِن شاءَ الله وأَقرب المخارج مِنْهُ مخرج النُّون المتحركّة وَلذَلِك لَا يدغم فِيهَا غير اللَّام فأَمّا النُّون الساكنة فمخرجها من الخياشيم نَحْو نون منْك وعنْك وَتعْتَبر ذَلِك بأَنّك لَو أَمسكت بأَنفك عِنْد لفظك بهَا لوجدتها مختلَّة فأَمّا النُّون المتحرّكة فأَقرب الْحُرُوف مِنْهَا اللَّام كَمَا أَنّ أَقرب الْحُرُوف من الياءِ الْجِيم فمحلّ اللَّام وَالنُّون والراءِ مُتَقَارب بعضه من بعض وَلَيْسَ فِي التداني كَمَا أَذكر لَك فإِذا ارْتَفَعت عَن مخرج النُّون نَحْو اللَّام فالراءُ بَينهمَا على أَنَّها إِلى النُّون أَقرب وَاللَّام تتَّصل بهَا بالانحراف الَّذِي قبلهَا ثمّ من طرف اللِّسَان وأُصول الثنايا مصعدا إِلَى الحنك مخرج الطاءِ والتاءِ وَالدَّال وَمن طرف اللِّسَان وملتقى حُرُوف الثنايا حُرُوف الصفير وَهِي حُرُوف تنسلّ انسلالا وَهِي السِّين وَالصَّاد وَالزَّاي وَمن طرف اللِّسَان وأَطراف الثنايا الْعليا / مخرج الظاءِ والثاءِ والذال وَمن الشافة السُّفْلى وأَطراف الثنايا الْعليا مخرج الفاءِ وَمن الشّفة مخرج الْوَاو والباءِ وَالْمِيم إِلاَّ أَنّ الْوَاو تهوى فِي الْفَم حتّى تتّصل بمخرج الطاءِ وَالضَّاد وتتفشَّى حتّى تتّصل بمخرج اللَّام فَهَذِهِ الاتّصالات تقرّب بعض الْحُرُوف من بعض وإِن تراخت مخارجها وَالْمِيم ترجع إِلى الخياشيم بِمَا فِيهَا من الغُنَّة فَلذَلِك تسمعها كالنون لأَنَّ النُّون المتحرّكة مشربَة غنَّة والغنَّة من الخياشيم وَالنُّون الْخَفِيفَة خَالِصَة من الخياشيم وإِنَّما سمّيتا باسم وَاحِد لاشتباه الصوتين وإِلاَّ فإِنَّهما ليسَا من مخرج لما ذكرت لَك وَمن الْحُرُوف حُرُوف تجْرِي على النَّفس وَهِي الَّتِي تسمّى الرخْوة وَمِنْهَا حُرُوف تمنع النَّفس وَهِي الَّتِي تسمّى الشَّدِيدَة وَمِنْهَا حُرُوف إِذا ردّدتها فِي اللِّسَان جرى مَعهَا الصَّوْت وَهِي المهموسة وَمِنْهَا حُرُوف إِذا ردّدتها ارتدع الصَّوْت فِيهَا وَهِي المجهورة وَمِنْهَا حُرُوف تسمع فِي الْوَقْف عِنْدهَا نَبْرة بعْدهَا وَهِي حُرُوف القَلْقَلَة وَذَلِكَ لأَنَّها ضُغِطَتْ موَاضعهَا وَمِنْهَا المطبقة والمنفتحة وَنحن ذاكرو جَمِيع ذَلِك بأَوصافه إِن شاءَ الله وأَمَّا الْحُرُوف الستّة الَّتِي كمّلت هَذِه خَمْسَة وَثَلَاثِينَ حرفا بعد ذكرنَا الهمزَة بَيْنَ بَيْنَ فالأَلف الممالة وأَلفُ التفخم والحرفُ الْمُعْتَرض بَين الشين وَالْجِيم والحرف الْمُعْتَرض بَين الزَّاي وَالصَّاد وَالنُّون الْخَفِيفَة فَهِيَ خَمْسَة وَثَلَاثُونَ حرفا ونفسّر هَذِه الَّتِي لَيست لَهَا صور مَعَ استقصائنا القولَ فِي / غَيرهَا إِن شاءَ الله فأَمَّا الْحُرُوف المهموسة فنبدأُ بذكرها وَهِي عشرَة أَحرف الهاءُ والحاءُ والخاءُ وَالْكَاف وَالصَّاد والفاءُ وَالسِّين والشين والتاءُ والثاءُ وَتعلم أَنَّها مهموسة بأَنَّك تردّد الْحَرْف فِي اللِّسَان بِنَفسِهِ أَو بِحرف اللين الَّذِي مَعَه فَلَا يمْنَع النَّفس وَلَو رُمْتَ ذَلِك فِي المجهورة لوجدته مُمْتَنعا فأَمَّا الرخوة فَهِيَ الَّتِي يجْرِي النفَس فِيهَا من غير ترديد والشديدة على خلَافهَا وَذَاكَ أَنَّك إِذا لفظت بهَا لم يتّسع مخرج النَّفس مَعهَا فالرخوة كالسين والشين وَالزَّاي وَالصَّاد وَالضَّاد وكلّ مَا وجدت فِيهِ مَا ذكرت لَك والشديدة نَحْو الْهمزَة وَالْقَاف وَالْكَاف والتاءِ وَنَذْكُر هَذَا فِي مَوْضِعه مستقصى إِن شاءَ الله وَهَذِه الْحُرُوف الَّتِي تعترض بَين الرخوة وَهِي الشَّدِيدَة فِي الأَصل وإِنَّما يجْرِي فِيهَا النفَس لاستعانتها بِصَوْت مَا جاورها من الرخوة كَالْعَيْنِ الَّتِي يَسْتَعِين المتكلِّم عِنْد اللَّفْظَة بهَا بِصَوْت الحاءِ وَالَّتِي يجْرِي فِيهَا الصَّوْت لانحرافها واتّصالها / بِمَا قد تقدّمنا فِي ذكره من الْحُرُوف وكالنون الَّتِي تستعين بِصَوْت الخياشيم لما فِيهَا من الغُنَّة وكحروف المدّ واللين الَّتِي يجْرِي فِيهَا الصَّوْت للينها فَهَذِهِ كلُّها رَسْمها الشدّة فَهَذَا مَا ذكرت لَك من الِاسْتِعَانَة وَمِنْهَا الراءُ وَهِي شَدِيدَة ولكنَّها حرف تَرْجِيع فإِنَّما يجْرِي فِيهَا الصَّوْت لما فِيهَا من التكرير وَاعْلَم أَنَّ من الْحُرُوف حروفا محصورة فِي موَاضعهَا فَتسمع عِنْد الْوَقْف على الْحَرْف مِنْهَا نبرة تتبعه وَهِي حُرُوف القَلْقَلَة وإِذا تفقَّدت ذَلِك وجدته فَمِنْهَا الْقَاف وَالْكَاف إِلاَّ أَنَّها دون الْقَاف لأَنَّ حَصْر الْقَاف أَشدّ وإِنَّما تظهر هَذِه النبرة فِي الْوَقْف فإِن وصلت لم يكن لأَنَّك أَخرجت اللِّسَان عَنْهَا إِلى صَوت آخر فَحلت بَينه وَبَين الِاسْتِقْرَار وَهَذِه المُقَلْقِلَة بَعْضهَا أَشدّ حصرا من بعض كَمَا ذكرت لَك فِي الْقَاف وَالْكَاف وإِنَّما قدّمنا هَذِه المقدّمات فِي مَوَاضِع الأُصول لنجريها فِي مسَائِل الإِدغام على / مَا تقدّم منّا فِيهِ غير رادّين لَهُ ثمَّ نذْكر الإِدغام على وَجهه إِن شاءَ الله

هَذَا بَاب إدغام المثلين

وَنَذْكُر أَوّلا معنى الإِدغام وَمن أَين وَجب اعْلَم أَنَّ الحرفين إِذا كَانَ لَفْظهمَا وَاحِدًا فسكن الأَوَّلُ منْهما فَهُوَ مدغم فِي الثَّانِي وتأْويل قَوْلنَا (مدغم) أَنَّه لَا حَرَكَة تفصل بَينهمَا فإِنَّما تعتمد لَهما بِاللِّسَانِ اعتمادةً وَاحِدَة لأَنَّ الْمخْرج وَاحِد وَلَا فَصْلَ وَذَلِكَ قَوْلك قطَّع وكسَّر وَكَذَلِكَ محمّد ومعبّد وَلم يذهب بَّكر وَلم يقم مَّعك فَهَذَا معنى الإِدغام فإِذا التقى حرفان سواءٌ فِي كلمة وَاحِدَة الثَّانِي مِنْهُمَا متحرك وَلم يكن الْحَرْف ملحِقا وَقد جَاوز الثَّلَاثَة أَو كَانَ مِنْهَا على غير (فَعَل) أَو مَا لَيْسَ على مِثَال من أَمثلة الْفِعْل وَجب الإِدغام متحرّكا / كَانَ الأَوّل أَو سَاكِنا لأَنَّ السَّاكِن على مَا وصفت لَك والمتحرّك إِذا كَانَ الْحَرْف الَّذِي بعده متحرّكا أُسكن ليرْفَع اللِّسَان عَنْهُمَا رَفْعة وَاحِدَة إِذ كَانَ ذَلِك أَخفَّ وَكَانَ غير نَاقص معنى وَلَا ملتبس بِلَفْظ هَذَا مَوضِع جُمَل وَسَنذكر تفصيلها إِن شاءَ الله

هَذَا بَاب إدغام المثلين فِي الْفِعْل وَمَا اشتق مِنْهُ وَمَا يمْتَنع من ذَلِك

اعْلَم أَنَّ الأَلفين لَا يصلح فيهمَا الإِدغام لأَنَّ الأَلف لَا تكون إِلاَّ سَاكِنة وَلَا يلتقي ساكنان وَقد قُلْنَا فِي الأَلف أَوّلا مَا يُغني عَن إِعادته وَكَذَلِكَ الهمزتان لَا يجوز فيهمَا الإِدغام فِي غير بَاب (فَعّل) و (فَعّال) لما ذكرت لَك فإِن التقتا وهما لامان أَو عين وَلَام ممّا لم نَسْتثْنه لم يجز فيهمَا الإِدغام لأَنَّه لَا يجوز أَن يحقَّقا جَمِيعًا فإِذا لم يجز اجْتِمَاعهمَا لأَنَّ الثَّانِيَة فِي قَول الْخَلِيل وَغَيره فِي الْكَلِمَة الأُولى مبدلة والأُولى فِي المنفصلين خاصّةً فِي قَول أَبي عَمْرو مخفَّفة فَلم يلق / الْحَرْف مَا يُشبههُ فَأَما من قَالَ بقول ابْن أبي إِسْحَاق فِي تَحْقِيق الهمزتين فَإِنَّهُ يدغم، لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَة غَيرهَا من الْحُرُوف فأَمَّا مَا يلتقي فِيهِ حرفان الأَوّل مِنْهُمَا سَاكن من غير مَا ذكرنَا فالإِدغام فِيهِ وَاجِب لَا يُقْدَر إِلاَّ على ذَلِك نَحْو قَوْلك قُوّة ورِدّة وقَرّ فَاعْلَم وأَمّا مَا التقتا فِيهِ والأُولى متحرّكة وَالثَّانيَِة كَذَلِك ممّا هُوَ فِعْل فنحو قَوْلك رَدَّ يَا فَتى وفرّ فتقديره (فَعَلَ) وأَصله ردَدَ وفرَرَ ولكنَّك أَدغمت لثقل الحرفين إِذا فصلت بَينهمَا لأَنَّ اللِّسَان يزايل الْحَرْف إِلى مَوضِع الْحَرَكَة ثمّ يعود إِليه وَمثل ذَلِك مسّ وشمَّ وعضَّ وتقديرها (فَعِلَ) يبيّن ذَلِك قَوْلك عَضِضْت وشَمِمْت أَشَم وأَعَضَّ كَمَا تَقول فِي (فَعَلَ) ردَدْت وفَرَرْت أَرُدّ وأَفِرّ وَكَذَلِكَ (فَعُلَ) نَحْو لبّ الرجل من اللبّ وَلم يَأْتِ من فَعُل غَيره لثقل الضمّة مَعَ التَّضْعِيف وَذَلِكَ / قَوْلك لبُبْت لَبابة فأَنت لَبِيب؛ كَمَا قَالُوا: سفه سفاهةً وَهُوَ سَفِيه وَأَكْثَرهم يَقُول: لببت تلب وَأَنت لَبِيب، على وزن مرض يمرض وَهُوَ مَرِيض استثقالا للضمّة كَمَا وصفت لَك فَهَذَا لَا اخْتِلَاف فِيهِ أَنَّه مدغم فإِن كَانَ من هَذَا شيءٌ من الأَسماءِ فَكَانَ على مِثَال الفِعْل فحكمُه حكمُ الفِعْل إِلاَّ مَا استثنيته لَك تَقول فِي (فَعِلٍ) رجل طَبّ وَرجل بَرّ لأَنَّه من بَرِرْت وطبِبْت فإِنَّما تَقْدِيره فرِقت فأَنا فرِق فاعتلال هَذَا كاعتلال قَوْلك هَذَا رجل خافٌ ومالٌ إِذا أَردت فَعِل وَكَذَلِكَ لَو بنيت مِنْهُ شَيْئا على (فَعُل) فأَمّا الَّذِي استثنيته فإِنَّه مَا كَانَ من هَذَا على (فَعَلٍ) فإِنّه صَحِيح وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك جَلَل وشَرَر وضَرَرَ وكلّ مَا كَانَ مثله وإِنَّما صحّحوا هَذِه الأَسماءَ لخفَّة الفتحة لأَنَّها كَانَت تصحّ فِيمَا لَا يصحّ (فَعَلْت) مِنْهُ نَحْو القَوَد والصَيَد والخوَنة والحَوَكة فلمّا كَانَت فِيمَا لَا يكون (فَعَلْت) مِنْهُ إِلاَّ صَحِيحا لزم أَن يصحّح / هَذَا قَول الْخَلِيل وسيبويه وكلّ نحويّ بصريّ علمناه فأَما قَوْلهم فِي الصَّدْر قَصّ وقصَص فَلَيْسَ قَصّ مدغما من قَوْلك قصَص ولكنَّهما لُغَتَانِ تعتوران الِاسْم كثيرا فَيكون على (فَعْل) و (فَعَل) وَذَلِكَ قَوْلهم شعْر وشعَر ونهْر ونهَر وصخْر وصخَر وحدّثني أَبو عُثْمَان المازنيّ عَن الأَصمعيّ قَالَ رأَيت أَعرابيّا بالموضع الَّذِي ذكره زهيرٌ فِي قَوْله

(ثمّ اسْتَمَرُّوا وَقَالُوا إِنَّ مَشْرَبكم ... ماءٌ بشرقيِّ سَلْمَى فَيْدُ أَوْ رَكَك) ُ ... فَقلت أَين رَكَك قَالَ هَذَا رَكّ فَاعْلَم هَذَا بِمَنْزِلَة مَا وَصفنَا فإِن لم يكن شيءٌ من هَذَا على مِثَال الفِعْل من الثَّلَاثَة فالإِظهار لَيْسَ غيرُ وَذَلِكَ قَوْلك فِيمَا كَانَ على مِثَال فُعَل شُرَر ودُرَرَ وقُذَذ كَمَا قلت فِي الْوَاو سُوُر وَمَا كَانَ مِنْهُ على (فِعَلٍ) فَكَذَلِك تَقول قِدَد وشِدَد وسِرَر كَمَا كنت تَقول فِي الثاءِ وَالْوَاو ثِورة وبِيَع وقِيَم وعِودَة وَكَذَلِكَ (فُعُلٌ) تَقول فِيهِ حَضَضٌ وسُرُر كَمَا كنت تَقول صُيُد

وسُوُك الإِسْحِلِ

وَلَو بنيت / مِنْهُ شَيْئا على مِثَال (فِعِل) مثل إِبل لصححته وَكنت تَقول رِدِد فَاعْلَم لأَنَّه إِنَّما يعتلّ من هَذَا مَا كَانَ فِعْلا أَو على مِثَاله هَذِه ذَوَات الثَّلَاثَة فإِن زِدْت على الثَّلَاثَة شَيْئا فَالتقى فِيهِ حرفان على لفظ لَا تُرِيدُ بهما الإِلحاق لم يكن إِلا مدغما اسْما كَانَ أَو فِعْلا وَذَلِكَ قَوْلك فِيمَا كَانَ فعلا إِذا كَانَ على (أَفْعَل) من المضعف أَمَدَّ وأَعَدَّ وأَجَدَّ فِي أَمره وَكَذَلِكَ إِن كَانَ اسْما نَحْو رجل أَلَدَ وَرجل أَغرّ وَهَذَا أَبَرُ من هَذَا وَكَانَ الأَصل " أَبْرَر " فأَسكنت مَوضِع الْعين وأَلقيت حركته على مَا قبله لأَنَّ الَّذِي قبله كَانَ سَاكِنا فلمّا أَسكنته حوّلت حركته لئلاَّ يلتقي ساكنان كَمَا فعلت فِي الْفِعْل المضاعف وَذَوَات الْوَاو والياءِ فِي قَوْلك أَقام وأَراد وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَمَا كَانَ مِنْهُ على (فاعَلَ) فَكَذَلِك نَحْو قَوْلك عَادّ عبد الله زيدا وسارّه ومادّ يَا فَتى أَلا ترى أَنَّك إِذا عنيت بِهِ نَفسك ظهر التَّضْعِيف وَالْوَزْن فَقلت عاددت زيدا وماددته كَمَا كنت تَقول فِيمَا كَانَ على أَفْعَل أَعددت / وأَصممت زيدا وأَجررته رَسَنه فأَما مَا كَانَ من هَذَا على (فَعَّلَ) فإِنَّه لَا تَغْيِير فِيهِ وَذَلِكَ قَوْلك ردَّد عبد الله زيدا وبدّد معيزه وَذَاكَ لأَنَّهم لَو أَلقَوا الْحَرَكَة على مَا قبلهَا لم يخرجهم ذَلِك من إِدغام وَاحِد وتضعيف آخر فلمّا كَانَت العلَّة وَاحِدَة امْتنع تَحْرِيك الْعين الَّتِي لم تقع فِي الْكَلَام قطّ إِلاَّ سَاكِنة وإِن أَردت بناءَ (انْفَعَلَ) أَدغمت وَكَذَلِكَ (افْتَعَلَ) نَحْو قَوْلك انقدّ وارتد وَمَا كَانَ مثلهمَا وكلّ مَا كَانَ من هَذِه الأَفعال فأَسماؤها مدغمة مثلهَا نَحْو قَوْلك منقدّ ومرتدّ وَكَذَلِكَ رادٌّ ومادٌّ ومَوادّ ومَغارّ فإِن قَالَ قَائِل فهلاَّ أَلقَوْا على الأَلف حَرَكَة مَا بعْدهَا إِذا سكَّنوه قيل لأَنَّ الأَلف مدّة فَمَا فِيهَا عِوَض من الْحَرَكَة على مَا تقدّم بِهِ قَوْلنَا من احتمالها وَاحْتِمَال مَا كَانَ مثلَها الساكنَ المدغم لما فِيهَا من المدّة وَفِيمَا بعْدهَا من الِاعْتِمَاد وَلَو أَلْقَيْت عَلَيْهَا حَرَكَة / لزمك أَن تهمز لأَنَّ الأَلف مَتى تحرّكت صَارَت همزَة وَتقول فِيمَا كَانَ من هَذَا على (اسْتفْعَل) اسْتَردّ واستعدّ مستعدّ وَفِيمَا ذكرنَا من هَذِه الأَفعال دَلِيل موضِّح لما لم نذكرهُ وَمَا كَانَ من الأَربعة فَصَاعِدا على غير مِثَال الْفِعْل فمدغم إِلاَّ أَن يكون مُلْحَقاً وَذَلِكَ نَحْو مُدُقّ فأَمَّا مثل (مَعَدّ) فَلَيْسَ بمسكَّن من شيءٍ وإِنَّما هُوَ فَعَلَ فِي الأَصل ويدلّك على أَنَّ الْمِيم أَصل قَوْلهم تمعددوا وَفِي وزن مَعَدّ هَبَيّ وهَيَبَّة والشَرّبَّة وَلَو كَانَ (فَعْلَل) لم يجز فِيهِ الادغام لأَنَّه مُلْحق بِجَعْفَر وَمَا أَشبهه وَلذَلِك لم يدغم قَرْدَد ومَهْددونحوهما فَفَعَلّ من فَعْلل بِمَنْزِلَة جُبُنّ من قُعْدُد إِنَّما جُبُنّ فُعُلّ وَلَو كَانَ فُعْلُلا لم يدغم؛ لِأَنَّهُ مُلْحق بجلجل وَكَذَلِكَ (طمر) إِنَّمَا هُوَ فعل فِي الأَصْل؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَ فعلل لم يدغم؛ نَحْو قَوْلك: رِمْدِد لأَنَّه مُلْحق بِخَمْخَمَ وَكَذَلِكَ الأَفعال مَا كَانَ مِنْهَا مُلْحقًا لم يدغم نَحْو قَوْلك جَلْبَبَ يُجَلْبب لأَنَّه مُلْحق بدحرج وَكَذَلِكَ اقْعَنْسَسَ لأَنَّه مُلْحق / بِقَوْلِك احْرَنْجَمَ فالملحقُ يبلغ بِهِ الَّذِي هُوَ ملحَق بِهِ وَمَا كَانَ على غير ذَلِك فقد أَوضحته لَك فِي الثَّلَاثَة وَمَا فَوْقهَا فِي العدّة

هَذَا بَاب الْإِدْغَام فِي المثلين فِي الِانْفِصَال

اعْلَم أَنَّه إِذا التقى حرفان من كَلِمَتَيْنِ وَقبل الأَوّل مِنْهُمَا حرف متحرّك فإِنَّ الإِدغام وَتَركه جائزان فإِن أَردت الْإِدْغَام أَسكنت الأَوّل وإِنَّما تفعل ذَلِك اسْتِخْفَافًا لترفع لسَانك رَفْعَةً وَاحِدَة كلَّما كثرت الحركات فِي الْكَلِمَتَيْنِ ازْدَادَ الإِدغام حسنا وَذَلِكَ قَوْلك جعلَّك وإِن شِئْت قلت جعل لَك وإِنَّما كَانَ ترك الإِدغام جَائِزا فِي المنفصلين وَلم يجز فِيمَا سواهُمَا ممّا ذكرت لَك لأَنَّ الْكَلِمَة الثَّانِيَة لَا تلْزم الأُولى وإِنَّما وَجب فِي المتَّصلين للُزُوم الحرفين وَكَذَلِكَ تَقول قَدِ مُّحَمّد وقدِم / محمّد و {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبّ الدّيْن} هَذَا على مَا وصفت لَك

هَذَا بَاب الادغام فِي المقاربة وَمَا يجوز مِنْهُ وَمَا يمْتَنع

ونبدأُ بحروف الْحلْق أَمَّا الْهمزَة والأَلف فقد قُلْنَا فيهمَا وأَمّا الهاءُ فتدغم فِي الحاءِ نَحْو قَوْلك اجْبَحَّميدا {تُرِيدُ اجبه حميدا} لأَنَّهما متقاربتان وَلَيْسَ بَينهمَا إِلاَّ أَنَّ الحاءَ من وسط الْحلق والهاءَ من أَوّله وهما مهموستان رِخْوتان وَلَا تُدْغَم الحاءُ فِي الهاءِ لأَنَّ الحاءَ أَقرب إِلى اللِّسَان ولأَنَّ حُرُوف الْحلق لَيست بأَصل للإِدغام لبعدها من مخرج الْحُرُوف وقلَّتها وَلَكِن إِن شِئْت قلبت الهاءَ حاءً إِذا كَانَت بعد الحاءِ وأَدغمت ليَكُون الإِدغام فِيمَا قرب من الْفَم وَذَلِكَ قَوْلك أَصْلِحَّيْثَما تُرِيدُ أَصْلِحْ هَيْثما فأَمّا أَن تدعها من غير أَن تقلبها فَلَا وَكَذَلِكَ الْعين لَا تُدْغَم فِي الهاءِ وَلَا تُدْغَم الهاءُ فِيهَا فأَمّا ترك إِدغامها فِي الهاءِ فلقرب الْعين من الْفَم وأَمّا ترك إِدغام الهاءِ فِيهَا فلمخالفتها إِيّاها فِي الهمْس / والرخاوة وَقد تقدّم قَوْلنَا فِي ذَلِك فإِن قلبت الْعين حاءً لقرب الْعين من الحاءِ جَازَ الإِدغام وَذَلِكَ قَوْلك محُّم تُرِيدُ مَعَهم وَهِي كَثِيرَة فِي كَلَام بني تَمِيم وَكَذَلِكَ الْعين والحاءُ إِذا أَدغمت وَاحِدَة مِنْهُمَا فِي الأُخرى فقلبت {الْعين حاءً} جَازَ تَقول أَصْلِحاً مِرا تُرِيدُ أَصْلِحْ عَامِرًا وَكَذَلِكَ ادْفَحَّا تِما تُرِيدُ ادْفَعْ حاتما أَدغمت الْعين فِي الحاءِ وَهَذَا حسن فأَمّا قلب الْعين إِلى الحاءِ إِذا كَانَت بعْدهَا فَهُوَ جَائِز وَلَيْسَ فِي حسن هَذَا لأَن حقّ الإِدغام أَن يدغم الأَوّل فِي الثَّانِي ويحوّل على لَفظه والمخرج الثَّالِث من الْحلق مخرج الْغَيْن والخاءِ وإِدغام كلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا فِي أُختها جيّد وإِدغام الْعين والحاءِ فيهمَا يجوز فِي قَول بعض النَّاس وَلم يذكر ذَلِك سِيبَوَيْهٍ ولكنَّه مُسْتَقِيم فِي اللُّغَة معروفٌ جَائِز فِي الْقيَاس لأَنَّ الْغَيْن والخاءَ أَدنى حُرُوف الْحلق إِلى الْفَم فإِذا كَانَت الهاءُ تُدْغَم فِي الحاءِ والهاءُ من الْمخْرج الأَوّل / من الْحلق والحاءُ من الثَّانِي وَلَيْسَ حُرُوف الْحلق بأَصل للإِدغام فالمخرج الثَّالِث أَحرى أَن يدغم فِيمَا كَانَ مَعَه فِي الْحلق وَهُوَ متَّصل بحروف الْفَم كَمَا تُدْغَم الباءُ فِي الفاءِ والباءُ من الشّفة مَحْضَة والفاءُ من الشّفة السُّفْلى وأَطراف الثنايا الْعليا تَقول اذْهَفِّي ذَلِك تُرِيدُ اذْهَبْ فِي ذَلِك واضْر فَّرَجا تُرِيدُ اضربْ فَرَجا لقرب الفاءِ من حُرُوف الْفَم فَكَذَلِك تَقول امْدَغَّالِبا تُرِيدُ امدَحْ غَالبا وامدَخَّلَفا تُرِيدُ امدح خلَفا وَكَذَلِكَ الْعين نَحْو اسْمَخَّلَفا تُرِيدُ اسمعْ خَلَفا واسْمَغَّالِبا تُرِيدُ اسْمَعْ غَالباً وسيبويه يأْبى هَذَا لتراخي بَينهمَا وأَنَّ الْغَيْن والخاءَ أَقرب إِلى الْفَم فِي الْمخْرج مِنْهُمَا إِليه وأَمّا مَا لَا اختلافَ فِيهِ فإِنَّك تُدْغَم الْغَيْن فِي الخاءِ لاشْتِرَاكهمَا فِي الرخاوة وأَنَّه لَيْسَ بَينهمَا إِلاَّ الهمس والجهر فَتَقول فِي قَوْلك اصبغْ خلفا اصبخَّلفا وَهُوَ أَحسن من الْبَيَان وَكَذَلِكَ / ادْمَخَّالدا تُرِيدُ ادْمغْ خَالِدا وَالْبَيَان جَائِز حسن وتدغم الخاءُ فِي الْغَيْن فَنَقُول اسلَغَّنَمَك تُرِيدُ اسلَخ غَنمك وَالْبَيَان أَحسن لأَنَّ الْغَيْن مجهورة والتقاءُ المهموسين أَخفُّ من التقاءِ المجهورين وكلٌّ جَائِز حسن ويحتجّ سِيبَوَيْهٍ بأَنَّه قد يجوز لَك أَن تخفي النُّون مَعَهُمَا كَمَا تفعل بهَا مَعَ حُرُوف الْفَم وَذَلِكَ قَوْلك مُنْغُل ومُنْخُل لأَنَّهما وإِن قربتا من الْفَم فأَصلهما الْحلق ثمّ نذْكر حُرُوف الْفَم وَهِي حَيِّز على حدَة تُدْغَم الْقَاف فِي الْكَاف وَالْقَاف أَدنى حُرُوف الْفَم إِلى الْحلق وَالْكَاف تَلِيهَا وَذَلِكَ قَوْلك الحكِّلدة تُرِيدُ الحقْ كِلْدة فتدغم لقرب المخرجين والإِدغام أَحسن لأَنَّ الْكَاف أَدنى إِلى سَائِر حُرُوف الْفَم من الْقَاف وَهِي مهموسة وَالْبَيَان أَحسن وتدغم الْكَاف فِيهَا وَالْبَيَان أَحسن لأَنَّ الْقَاف أَدنى إِلى حُرُوف الْحلق وَهُوَ قَوْلك انْهَقَّطَنا تُرِيدُ انهكْ قطنا والإِدغام أَحسن / ثمّ نذْكر الشين وأُختيها الْجِيم والياءَ اعْلَم أَنَّ الياءَ لَا تُدْغَم فِي الْجِيم وَلَا فِي الشين لأَنَّها حرف لين وحروف اللين تمْتَنع من الإِدغام لعلل مِنْهَا أَنَّ الأَلف الَّتِي هِيَ أَمكن حُرُوف اللين لَا تُدْغَم فِي شيءٍ وَلَا يدغم فِيهَا شيءٌ لأَنَّها لَا تكون إِلاَّ سَاكِنة وَفِي الياءِ وَالْوَاو الشَبه بهَا فَيجب أَن تمتنعا كامتناعها وَبعد هَذَا فإِنَّ حُرُوف المدّ واللين لَا يلائمها فِي القوافي غَيرهَا أَلا ترى أَنَّك تَقول عَمْرو وبَكْر وَمَا أَشبه ذَلِك فِي القوافي فتعادل الْحُرُوف بعضُها بَعْضًا وَلَو وَقعت وَاو أَو ياءٌ بحذاءٍ حرف من هَذِه الْحُرُوف نَحْو جَوْر أَو خَيْر مَعَ بكر وَنصر لم يجز وَكَذَلِكَ تكون القافية على سعيد وقعود وَلَو وَقع مَكَان الياءِ وَالْوَاو غَيرهمَا لم يصلح فَهَذِهِ علل لَازِمَة وَمِنْهَا أَنَّ فِي الياءِ وَالْوَاو مَدّاوليناً فَلَو أَدغمت الياءَ فِي الشين أَو الْجِيم أَو أَدغمت / الْوَاو فِي الباءِ وَالْمِيم لذهب مَا كَانَ فيهمَا من المدّ واللين وَهِي حُرُوف بَائِنَة من جَمِيع الْحُرُوف لأَنَّها لَا يمدّ صَوت إِلاَّ بهَا والإِعراب مِنْهَا وتحذف لالتقاءِ الساكنين فِي الْمَوَاضِع الَّتِي تحرّك فِيهَا غَيرهَا نَحْو قَوْلك هَذَا الْغُلَام وأَنت تغزو الْقَوْم وَتَرْمِي الْغُلَام وَلَو كَانَ غَيرهَا من السواكن لحرِّك لالتقاءِ الساكنين نَحْو اضربِ الْغُلَام وقلِ الْحق وَلَا تُدْغَم الشين وَلَا الْجِيم فيهمَا لئَّلا يدْخل فِي حُرُوف المدّ مَا لَيْسَ بمدّ فالياءُ بَائِنَة مِنْهُمَا للمدّ واللين الَّذِي فيهمَا فَهِيَ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَة حرف بعيد الْمخْرج من مخرجهما وإِن كَانَت من ذَلِك الْموضع كَمَا أَنَّها والواوَ بِمَنْزِلَة مَا تدانت مخارجُه وإِن كَانَت بعيدةَ الْمخْرج مِنْهَا وَذَلِكَ لما يجمعهما من المدّ واللين وَالْكَثْرَة فِي الْكَلَام لأَنَّه لَيْسَ كلمة تَخْلُو مِنْهُمَا وَمن الأَلف أَو من بَعضهنَّ وبعضُهنّ حركاتُهنّ فحروف المدّ حيّزٌ على حِدة أَلا ترى أَنَّك تذكرهنّ فِي مَوَاضِع الحركات فيَدْلُلْن من الإِعراب على / مَا تدلّ عَلَيْهِ الحركات نَحْو مسلمِين ومسلمون ورجلُين ورجلان وَكَذَلِكَ أَخوك وأَخاك وأَخيك ويبدل بَعضهنَّ من بعض وَلَيْسَ هَكَذَا شيءٌ من الْحُرُوف تَقول مِيْزان ومِيعاد فتقلب الْوَاو يَاء وَتقول مُوسِر ومُوقن فتقلب الياءَ واوا ورمَى وغزا إِنما هِيَ وَاو غزوت وياءُ رميت وَكَذَلِكَ مَا أشِبه هَذَا وَالْجِيم تُدْغَم فِي الشين لقرب المخرجين وَذَلِكَ قَوْلك أَخْرِشَّبئا تُرِيدُ أَخْرج شبئا والإِدغام حسن وَالْبَيَان حسن وَلَا تُدْغَم الشين فِي الْجِيم البتّة لأَنَّ الشين من حُرُوف التفشِّي فلهَا استطالة من مخرجها حتَّى تتَّصل بمخرج الطاءِ والإِدغام لَا يبخس الْحُرُوف وَلَا ينقصها افرش جبلة تظهر وتخفي وَلَا تُدْغَم والإِخفاءُ فِي وزن المتحرّك إِلاَّ أَنه خفض صَوت وإِنما يحكمها المشافهة نَحْو قَوْلك أَراك متعقِّفا إِنَّما هُوَ كالاختلاس فَهَذِهِ حَالَة الشين مَعَ الْجِيم / وَلها أَخوات نصل ذكرهَا بهَا يدغم فيهنّ مَا جاورهنّ وَلَا يدغمْن فِي شيءٍ من تِلْكَ الْحُرُوف مِنْهَا الضَّاد وَالْمِيم والفاءُ والراءُ تُدْغَم الطاءُ وأُختاها فِي الضَّاد وَلَا تُدْغَم الضَّاد فِي شيءٍ مِنْهَا لانحرافها والباءُ وَالنُّون تدغمان فِي الْمِيم وَلَا تُدْغَم الْمِيم فِي وَاحِدَة مِنْهُمَا وتدغم الباءُ فِي الفاءِ وَلَا تُدْغَم الفاءُ فِيهَا وتدغم اللَّام وَالنُّون فِي الراءِ وَلَا تُدْغَم الراءُ فِي وَاحِدَة مِنْهُمَا لأَنَّ فِيهَا تَكْرَارا فَيذْهب ذَلِك التكرير أَلا ترى أَنك تَقول فِي الْوَقْف هَذَا عمْرو فينبو اللسانُ نَبْوَةً ثمّ يعود إِلى مَوْضِعه وإِذا تفطَّنت لذَلِك وجدته بيّنا وإِذا صرنا إِلى مَوضِع هَذِه الْحُرُوف ذكرنَا العلَّة فِي ذَلِك إِن شاءَ الله ثمّ نذْكر الْحَرْف المنحرف وَهُوَ أَكثر فِي الْكَلَام من غَيره وَله اتِّصَال بأَكثر الْحُرُوف وَهُوَ اللَّام ومخرجه من حرف اللِّسَان متَّصلا بِمَا يحاذيه من الضاحك والثنايا والرباعيات وَهُوَ يدغم إِذا كَانَ للمعرفة / فِي ثَلَاثَة عشر حرفا لَا يجوز فِي اللَّام معهنّ إِلاَّ الإِدغام فَمِنْهَا أَحد عشر حرفا تجَاوز اللَّام وحرفان يتصَّلان بهَا وإِنَّما كَانَ ذَلِك لَازِما فِي لَام الْمعرفَة لعلَّتين إِحداهما كَثْرَة لَام الْمعرفَة وأَنَّه لَا يعرى منكور مِنْهَا إِذا أَردت تعريفة والأُخرى أَنَّ هَذِه اللَّام لَازم لَهَا السّكُون فَلَيْسَتْ بِمَنْزِلَة مَا يتحرّك فِي بعض الْمَوَاضِع فإِن كَانَت اللَّام غير لَام الْمعرفَة جَازَ إِدغامها فِي جَمِيع ذَلِك وَكَانَ فِي بعض أَحسن مِنْهُ فِي بعض وَنحن ذاكروها مستقصاة إِن شاءَ الله فَهَذِهِ الْحُرُوف مِنْهَا أَحد عشر حرفا مجاورة للام وَهِي الراءُ وَالنُّون والطاءُ وأُختاها الدَّال والتاءُ والظاءُ وأُختاها الذَّال والثاءُ وَالزَّاي {وأُختاها الصَّاد وَالسِّين} والحرفان اللَّذَان يبعدان من مخرجها ويتَّصلان بهَا فِي التفشِّي الَّذِي فيهمَا الشين وَالضَّاد فأَمّا الشين فَتخرج من وسط / اللِّسَان من مخرج الْمِيم والياءِ ثمّ تتفشَّى حتَّى تتَّصل بمخرج اللَّام فلام الْمعرفَة مدغمة فِي هَذِه الْحُرُوف لَا يجوز إِلاَّ ذَلِك لكثرتها ولزومها نَحْو التَّمْر وَالرَّسُول والطرفاءَ والنمر فكلّ هَذِه الْحُرُوف فِي هَذَا سواءٌ فإِن كَانَ اللَّام لغير الْمعرفَة جَازَ الإِدغام والإِظهار والإِدغام فِي بعض أَحسن مِنْهُ فِي بعض إِذا قلت هَل رأَيت زيدا وَجعل رَاشد جَازَ أَن تسكَّن فَتَقول جَعَرّا شِد كَمَا تسكّن فِي المثلين والإِدغام هَهُنَا أَحسن إِذا كَانَ الأَوّل سَاكِنا فإِن كَانَ متحرّكا اعتدل الْبَيَان والإِدغام فإِن قلت هَل طرَفك أَو هَل دَفعك أَو هَل تَم لَك فالإِدغام حسن وَالْبَيَان حسن وَهُوَ عِنْدِي أَحسن لتراخي المخرجين وقرأَ أَبو عَمْرو {بَتُّؤثِرُوْن} َ فأَدغم {هَثُّوِّبَ الكُفَّارُ} / والإِدغام فِي الضَّاد والشين أَبْعَد لما ذكرت لَك من تراخي مخارجها وَهُوَ جَائِز وَهُوَ فِي النُّون قَبِيح نَحْو هَنَّرَي هَنَّحْن إِذا أَردت هَل نرى وَهل نَحن وَذَلِكَ لأَنَّ النُّون تُدْغَم فِي خَمْسَة أَحرف لَيْسَ منهنّ شيءٌ يدغم فِيهَا وَاللَّام أَحد تِلْكَ الْحُرُوف فاستوحشوا من إِدغامها فِيهَا إِذ كَانَت النُّون لَا يدغم فِيهَا غَيرهَا وَهُوَ جَائِز على قبحه وإِنَّما جَازَ لقرب المخرجين فإِن كَانَت الْحُرُوف غير هَذِه فتباعدت عَن مخرجها لم يحز الإِدغام نَحْو قَوْلك الْكَرم الْقَوْم الْعين الْهَادِي وَكَذَلِكَ حُرُوف الشّفة وَمَا اتَّصل بهَا نَحْو الفرَج والمثل والبأْس والوعد فَهَذَا سَبِيل اللَّام وأَمّا النُّون فإِنَّ لَهَا مخرجين كَمَا وصفت لَك مخرج الساكنة من الخياشيم مَحْضا لَا يَشْرَكها فِي ذَلِك الْموضع شيءٌ بِكَمَالِهِ ولكنّ النُّون المتحرّكة ومخرجها ممّا يَلِي مخرج الراءِ / وَاللَّام وَالْمِيم مخرجها من الشّفة تتناولان الخياشيم بِمَا فِيهَا من الغُنَّة وللنونات أَحكام نذكرها ثمّ نعود إِلى سَائِر الْحُرُوف اعْلَم أَنَّ النُّون إِذا وَليهَا حرف من حُرُوف الْفَم فإِنَّ مخرجها مَعَه من الخياشيم لَا يصلح غير ذَلِك وَذَلِكَ لأَنَّهم كَرهُوا أَن يجاوروا بهَا مَالا يُمكن أَن يدغم مَعَه إِذا وجدوا عَن ذَلِك مندوحة وَكَانَ العِلْم بهَا أَنَّها نون كالعِلْم بهَا وَهِي من الْفَم وَذَلِكَ قَوْلك مَن قَالَ ومَن جاءَ وَلَا تَقول مَنْ قَالَ ومَنْ جاءَ فتبيّن وَكَذَلِكَ مَن سُلَيْمَان {ويل يَوْمئِذٍ للمكذبين} وَلَا تَقول مَنْ سُلَيْمَان وَلَا {ويل يَوْمئِذٍ للمكذبين} فتبيّن فإِن كَانَ مَعهَا حرف من حُرُوف الْحلق أُمِنَ عَلَيْهَا الْقلب فَكَانَ مخرجها من الْفَم لَا من الخياشيم لتباعد مَا بَينهمَا وَذَلِكَ قَوْلك مَنْ هُوَ فتظهر مَعَ الهاءِ وَكَذَلِكَ مَنْ حَاتِم / وَلَا تَقول مَنْ حَاتِم فتخفى وَكَذَلِكَ مَنْ عليّ وأَجود القراءَتين {أَلا يعلم من خلق} فتبيّن وإِنَّما قلت أَجود القراءَتين لأَنَّ قوما يجيزون إِخفاءَها مَعَ الخاءِ والغين خاصّة لأَنَّهما أَقرب حُرُوف الْحلق إِلى الْفَم فَيَقُولُونَ مُنْخُل ومُنْغُل وَهَذَا عِنْدِي لَا يجوز وَلَا يكون أَبدا مَعَ حُرُوف الْحلق إِلاَّ الإِظهار فأَمَّا حجّة سِيبَوَيْهٍ فِي أَنَّها تخرج مَعَ حُرُوف الْفَم إِلى الخياشيم فإِنَّما ذَلِك عِنْده لأَنَّها إِن أَدغمت مَعَ مَا تخفى مَعَه لم يستنكر ذَلِك وَلَا يصلح الإِدغام لتباعد المخارج فلمّا وجدوا عَن ذَلِك مندوحة صَارُوا إِليها وأَنا أَرى تَقْوِيَة لهَذَا القَوْل أَنَّ امتناعهم من تبيينها مَعَ حُرُوف تتفرّق فِي الْفَم ويتباعد بعضُها من بعض فكرهوا أَن يبيّنوها فِي حَيِّز مَا يدغم فِي نَظِيره أَلا تَرى أَنَّها تُدْغَم فِي الْمِيم فِي قَوْلك مّمثلك وتقلب مَعَ الباءِ ميما إِذا كَانَت سَاكِنة وَذَلِكَ عَمْبَرٌ وشَمْباءُ ومِمْبَر فَهِيَ فِي كلّ هَذَا مِيم فِي اللَّفْظ وتدغم فِي اللَّام والراءِ نَحْو مَن رَّأَيْت وَمن لّك فَهَذَا مخرج آخر وتدغم فِي الْوَاو نَحْو مَنْ ولَّى إِذا قلت موّلَّى فَهَذَا مخرج الْمِيم والباءِ وتدغم فِي الياءِ نَحْو منْ يُرِيد وَمن يقوم فلمّا كَانَت تُدْغَم فِي حُرُوف بأَعينها من جَمِيع المخارج استنكر إِظهارها مَعَ مَا جاور هَذِه الْحُرُوف وَسَنذكر بعقب هَذَا من أَين جَازَ إِدغامها فِي هَذِه الْحُرُوف على تبَاعد بَعْضهَا من بعض إِن شاءَ الله أَمّا إِدغامها فِي اللَّام والراءِ فلأَنَّ مخرجها بَينهمَا تَقول أَشهد أَنَّ محمَدا رَّسول الله وأَحْسِرَّأْيك تُرِيدُ أَحسن رأْيك ومحَمّد لَّك وإِدغامها فيهمَا على وَجْهَيْن بغُنَّة وَبِغير غُنَّة وإِظهار الغنَّة أَحسن لئَّلا تبطل وإِن شِئْت أَذهبت الغنَّة كَمَا تخلص مَا تدغمه فِي لفظ الْحَرْف الَّذِي يدغم فِيهِ وأَمَّا إِدغامها فِي الْمِيم وإِن خرجت من الشّفة فَهِيَ تجاورها لما فِي الْمِيم من الغُنَّة وتشاركها / فِي الخياشيم وَالنُّون تسمع كالميم وَكَذَلِكَ الْمِيم كالنون وتقعان فِي القوافي المُكْفَأَة فَتكون إِحدى القافيتين نونا والأُخرى ميما فَلَا يكون عَيْبا كَمَا قَالَ

(بُنَيّ إِنَّ البِرّ شيءٌ هَيِّنُ ... المنطقُ الليّنُ والطُّعَيِّمُ) وَقَالَ آخر

(مَا تنقِم الحربُ العَوانُ منِّي ... بازِلَ عَاميْنِ حديثَسِن)

(لمثْل هَذَا ولَدَتني أُمّي)

وَقَالَ الآخر

(يطعَنها بخَنْجَرٍ من لَحْمِ ... بَيْنَ الذُّنابَى فِي مكانٍ سخْنِ)

وَلَا يصلُح مِثْلُ هَذَا إِلاَّ فِي حُرُوف مُتَقَارِبَة المخارج لأَنَّ القوافي نسق وَاحِد فالمتقارب يلْحق مَا كَانَ من لَفظه وَذَلِكَ قَوْله

(إِذا ركِبتُ فاجعلاني وَسَطا ... إِنِّي كَبيرٌ لَا أُطِيقُ العُنُدا)

وَلَا تُدْغَم الْمِيم فِيهَا لأَنَّ الْمِيم تنفرد بالشفة وإِنَّما تُشرب غُنَّة من الخياشيم فالميم دَاخِلَة عَلَيْهَا وَهِي بَائِنَة من الْمِيم والراءُ لَا تُدْغَم فِيهَا وَلَا شيءَ ممّا تُدْغَم فِيهِ / يدغم فِيهَا إِلاَّ اللامُ وَذَلِكَ قَبِيح وَقد ذكرته لَك وأَمّا قَلبهَا ميما مَعَ الباءِ فلأَنَّ الْكَلَام لَا يَقع فِي شيءٍ مِنْهُ مِيم سَاكِنة قبْلَ الباءِ فأَمِنوا الالتباس وقلبوها ميما لشبهها الميمَ فِي الغنَّة ليَكُون الْعَمَل من وَجه وَاحِد فِي تقريب الْحَرْف إِلى الباءِ وأَمّا إِدغامها فِي الْوَاو فلعلل غير وَاحِدَة مِنْهَا مضارعةُ النُّون للياءِ وَالْوَاو لأَنَّها تزاد فِي مَوضِع زيادتها فتزاد ثَانِيَة وثالثةَ ورابعة فأَمّا زيادتها ثَانِيَة فنحو عَنْسل وعَنْبس لأَنَّ من العُسول والعُبوس وجُنْدَب وعُنْظَب وَجَمِيع مَا كَانَ على هَذَا الْوَزْن وَهَذَا مَوضِع زِيَادَة حُرُوف اللين نَحْو كَوْثَر وبيطر وتابل وضارب وَمَا أَشبه ذَلِك وتزاد ثَالِثَة فِي حَبْنَطّي وجَحَنْفَل وَهُوَ مَوضِع زِيَادَة الأَلف فِي قبائل / وحُبارَى وَالْوَاو فِي جَدْول وعجوز والياءِ فِي عِثْيَر وقضيب وَكَذَلِكَ {تزاد} النُّون رَابِعَة فِي رَعْشَن وضَيْفَن بحذاءِ الْوَاو والياءِ والأَلف فِي مثل قَوْلك سلْقَيْت وحبلى وَترْقُوة وَعرْقوة وَهَذَا أَكثر من أَن يُحْصى وَتَكون النُّون عَلامَة إِعراب فِي مثل قَوْلك يفْعَلَانِ والتنوين الَّذِي يدْخل الأَسماءَ وَالنُّون الثَّقِيلَة والخفيفة فِي الأَفعال وتبدل من الأَلف وتبدل الأَلف مِنْهَا تَقول رأَيت زيدا يَا فَتى فإِذا وقفت قلت رأَيت زيدا وأَمّا بدَلها من الأَلف فقولك فِي بهراءَ بهرانيّ وَفِي صنعاءَ صنعانيّ وَكَذَلِكَ فَعْلان الَّذِي لَهُ فَعْلى إِنَّما نونه بدل من الأَلف الَّتِي هِيَ آخر حمراءَ وَقد مضى تَفْسِير هَذَا فِي الْكتاب فَهِيَ تصرّف مَعهَا فِي الزِّيَادَات والعلامات وَقد أُدغمت فِيمَا جاورها فِي الْمخْرج فأَشبهتها / لفظا وَمعنى وَكَذَلِكَ الياءُ فِي بَاب الزِّيَادَات والشبه وَمَعَ ذَلِك فإِنَّ النُّون تُدْغَم فِي الراءِ والياءِ على طَرِيق الراءِ وإِن بَعُد مخرجها مِنْهَا وَكَذَلِكَ اللَّام على طريقها أَلا ترى أَنَّ الأَلثغ بالراءِ يَجْعَلهَا يَاء وَكَذَلِكَ الأَلثغ بِاللَّامِ لأَنَّ هَذِه الحروفَ بعضُها يَقع على سنَن بعض وبعضٌ ينحرف عَن ذَلِك السنَن فأُدغمت فِي الياءِ لذَلِك فإِذا كَانَت فِي كلمة وَاحِدَة مَعَ ياءٍ أَو وَاو أَو مِيم ظَهرت لئلاَّ يلتبس بالمضاعف من غَيره نَحْو كنية وزَنْماءَ وقَنْواء وَزعم سِيبَوَيْهٍ أَنَّ النُّون إِنَّما أُدغمت فِي الْوَاو لأَنَّ الْوَاو من مَوضِع تعتلّ فِيهِ النُّون لأَنَّ الْوَاو وَالْمِيم من الشّفة وَلذَلِك تقلب النُّون الساكنة مَعَ الباءِ ميما لتعتلّ مَعَ الباءِ كَمَا اعتلَّت مَعَ ماهو من مخرجها وَلم تدغمها فِيهَا / لأَنَّها لَا تجانسها ولأَنَّ الياءَ لَا يدغم فِيهَا مَا هُوَ من مخرجها - لتصرّف الْمِيم وَالْوَاو وَذَلِكَ قَوْلك العَنْبَر والشَنْبَاءُ يَا فَتى وممّن أَنت وأُمن الالتباس لأَنَّه لَيْسَ فِي الْكَلَام مِيم سَاكِنة قبل ياءٍ وأَدغم النُّون فِي الياءِ لأَنَّ الياءَ وَالْوَاو عِنْده بِمَنْزِلَة مَا تقاربت مخارجه أَلا ترى أَنَّهما إِذا التقتا والأُولى سَاكِنة لزم الإِدغام نَحْو سيّد وأَيّام ولويت يَده لَيَّا وشويته شَيّا وَهَذَا يبيّن بعد فراغنا من أَمر النُّون إِن شاءَ الله النُّون تُدْغَم فِي خَمْسَة أَحرف الراءِ وَاللَّام والياءِ وَالْوَاو وَالْمِيم وتقلب مَعَ الباءِ كَمَا وصفت لَك وَزعم سِيبَوَيْهٍ أَنَّها مَعَ مَا تُدْغَم فِيهِ مخرجها من الْفَم لَا من الخياشيم لأَنَّها لَو كَانَت تُدْغَم فِي حُرُوف الْفَم وَهِي من الخياشيم مَعَ تبَاعد مَا بَينهمَا لجَاز أَن يدغم الأَبعد فِي الأَبعد وَهَذَا نقض الْبَاب وَالْخُرُوج من الْمَعْقُول وَالْقَوْل عِنْدِي كَمَا قَالَ / فِي جَمِيع هَذِه الحروفَ إِلاّ حُرُوف الشّفة فإِنَّ النُّون لَو كَانَت من مخرج الراءِ وَاللَّام لبعُدت من الْمِيم ولكنّ مخرجها مَعَ الْمِيم من الخياشيم لأَنَّ الْمِيم تخرج من الشّفة وَتصير إِلى الخياشيم للغُنَّة الَّتِي فِيهَا فتدغم فِيهَا الْمِيم لتِلْك الْمُجَاورَة فَهَذِهِ قصّة النُّون وَاعْلَم أَنَّ الياءَ وَالْوَاو بِمَنْزِلَة مَا تدانت مخارجه وَذَلِكَ لأَنَّهما مشتركتان فِي المدّ واللين وأَنَّهما يخرجَانِ جَمِيعًا مِنْهُمَا إِذا تحرّكتا وَكَانَ قبل كلّ وَاحِد مِنْهُمَا فَتْحة وَالْوَاو تخرج من الشّفة ثمّ تهوِي فِي الْفَم حتَّى تَنْقَطِع عِنْد مخرج الأَلف والياءُ تخرج من وسط اللِّسَان من مخرج الشين وَالْجِيم حتَّى تَنْقَطِع عِنْد مخرج الأَلف فهما متجاورتان فإِذا التقتا فِي كلمة والأُولى مِنْهُمَا سَاكِنة أَدغمت إِحداهما فِي الأُخرى فَمَا كَانَت الأُولى واوا وَالثَّانيَِة يَاء هُوَ نَحْو قَوْلك لويت يَده ليّة وشويته شَيَّا وأَصله لَوْية / وشَوْيا وإِن كَانَت الثَّانِيَة واوا قلبتها يَاء ثمّ أَدغمت الياءَ فِيهَا لأَنَّ الْوَاو تقلب إِلى الياءِ وَلَا تقلب الياءُ إِليها لأَنَّ الْوَاو من الشّفة وَلَيْسَت من مجمع الْحُرُوف وإِنَّما الإِدغام نقلُ الأَثقل إِلى الأَخف والياءُ من مَوضِع الْحُرُوف وَذَلِكَ قَوْلك أَيّام فِي جمع يَوْم وإِنَّما الأَصل أَيْوام وَمثله سيّد وميّت وأَصلهما سَيْوِد ومَيْوِت وَكَذَلِكَ قَيَّام وقَيُّومُ إِنَّما هُوَ فَيْعَال وفَيْعُول وَاعْلَم أَنَّ مثل سيّد وميّت يجوز فِيهِ التَّخْفِيف فَتَقول سَيْد ومَيْت لأَنَّه اجْتمع تثقيل الياءِ والكسرة فحذفوا لذَلِك وَقَالُوا ميْت وهيْن ولَيْن وَقد فسّرنا حَال (فَيْعَلُول) من هَذَا فِيمَا تقدم نَحْو كَيْنُونة وقَيْدُود وَذكرنَا مَا يكون بَدَلا من الأَلف أَو غَيرهَا فَلَا يجوز إِدغامه نَحْو سُوِيْر وقُوْوِل وَزعم الْخَلِيل أَنَّ (يَوْمَ) كأَنَّه من " يُمْتُ " وَكَذَا يجب أَن يكون لَو كَانَ فِعْلا لأَنَّ ذَوَات الْوَاو إِذا كَانَت (فَعَلْت) فَهِيَ منقولة إِلى (فَعُلْت) مثل القَوْل والحوْل وَلَكِن اجْتمع فِيهَا حرفا علَّة وَكَانَ يجب أَن يقعا فِي (يفْعَل) ضمّة مَعَ ياءٍ وواو وَتَكون / الضمة فِي الياءِ وَهَذَا كلُّه مطَّرح من الْكَلَام فَلذَلِك لم يكن مِنْهَا فِعْل كَمَا لم يكن فِي ويل وويْح ووَيْس ووَيْب وَمَعْنَاهَا المصادر لما يجْتَمع فِيهَا من العلَّة وَلَا يكون فِعْل فِي مثل آءَة لأَنَّها حُرُوف كلُّها معتلّ لأَنَّ الأَلف من حُرُوف العلَّة وَكَذَلِكَ الهمزتان وَمثل ذَلِك (أَوّل) لأَنَّ الفاءَ وَالْعين واوان وَمَعْنَاهُ أَفْعَل أَلا ترى أَنَّك تَقول هُوَ أَوّل مِنْهُ والأَوّل والأُولى فَهَذِهِ أَشياءُ لَهَا مواقع من الْفِعْل وَكَانَ يجب فِي (أَفْعل) أَن يكون أَصله الفِعْل كَقَوْلِك هُوَ أَفضل من زيد إِنَّما مَعْنَاهُ يحسن فَوق حُسْن زيد فَكَذَلِك كَانَ يجب فِي (أَوّل) لَوْلَا مَا ذكرت لَك وَقَالَ الْخَلِيل لَو قلت (أَفْعَلْت) من الْيَوْم على قَول من قَالَ أَجْوَدت وأَطْيَبت لَقلت أَيّمت وَهَذَا لَا اختلافَ فِيهِ لأَنَّه كَانَ أَومت فلزمك الإِدغام لسكون الياءِ كَمَا قلت أَيّام وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَكَانَ يَقُول - وَهُوَ الَّذِي يُخَالِفهُ فِيهِ كثير من النحويّين - لَو قلت أُفْعِلَ من الْيَوْم لَقلت / أَووِم فقلبت الياءَ واوا لانضمام مَا قبلهَا كَمَا تَقول أُوقِن من أَيقنت وَلَا تُدْغَم لأَنَّ الأُولى حرف لين لأَنَّها منقلبة كانقلاب وَاو سُويِر وإِن كَانَت أَصلية أَلا ترى إِلى قَوْلك أُوقِنَ وبُوطِرَ من البيطرة لأَنَّا لمّا قلبنا ذَلِك جرى مجْرى الزَّائِد وَكَانَ يرى الملحق والأَصليّ إِذا كَانَ منقلبا كحروف اللين لَا يفصل بَين بعض ذَلِك وَبَعض والنحويّون أَجمعون على خِلَافه يَقُولُونَ فِي (أُفْعِلَ) من الْيَوْم أُيِّمَ لأَنَّ الْعين تلْزم الفاءَ كلزوم الْعَينَيْنِ إِحداهما فِي الأُخرى فِي قُوِّل وبُيِّع ويصرفون هَذَا على هَذَا فأَمَّا ظلمُوا واقِدا فَلَا يلْزم الْخَلِيل لأَنَّ الْوَاو قبلهَا ضمّة وَهِي بِمَنْزِلَة الأَلف فِي ظلما لأَنَّها تحلّ من الْجمع محلّ الأَلف من التَّثْنِيَة فيضارع سُويِرَ من سَايرَ فإِن قَالَ قَائِل فأَنت تطرح عَلَيْهَا حَرَكَة الْهمزَة إِذا خفّقت فَتَقول ظلموَ اخاك فإِن كَانَ حرف لين فَلَا يَنْبَغِي أَنْ / تُحَوَّل عَلَيْهَا الْحَرَكَة كَمَا لَا تحوّلها فِي النَّبِىء وخطيئة وبريئة قيل هَذَا لَا يلْزم لأَنَّها حرف لين فِي اللَّفْظ وَدخلت الْمَعْنى فَلَيْسَتْ كَمَا لَا تدخل إِلاَّ للمدّ نَحْو ياءِ فَعِيل وواو فَعُول أَلا ترى أَنَّ هَذِه إِذا كَانَت قبلهَا فَتْحة حرّكت لالتقاءِ الساكنين نَحْو اخشَوُا الرجل و {لتبلون فِي أَمْوَالكُم} وَكَذَلِكَ الياءُ فِي قَوْلك اخْشَى الرجل فَهَذَا هَكَذَا وَلَو قَالَ رجل هُوَ يَغْزوَ باه للزمه مثل هَذَا وَالْوَاو لَام الْفِعْل وَتقول زيد يَغْزُوُمَّه فتضمّ الْوَاو لأَنَّ الضمّة فِي الْحَقِيقَة للهمزة وَكَذَلِكَ هُوَ يَغْزُوِ خْوانه فتكسر لهَذَا العلَّة وَهِي لَام الْفِعْل ولفظها لفظ اللين لسكونها وانضمام مَا قبلهَا وَكَذَلِكَ ياءُ (يقْضِي) فإِن دخل عَلَيْهَا مَا ينصب نصبتهما جَمِيعًا وأَنت تَقول هُوَ يقْضِي يَاسر ويغزو وَاقد فَلَا تُدْغَم لما ذكرنَا من لفظ اللين فإِن كَانَت قبل كلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا فَتْحة لم يكن إِلاَّ الإِدغام نَحْو اخشَوْا واقدا واخشَىْ ياسرا لأَنَّ لفظ / اللين قد ذهب وَفِي هَذَا دَلِيل على جَمِيع هَذَا الْكتاب

هَذَا بَاب مَا تقلب فِيهِ السِّين صاداً وَتركهَا على لَفظهَا أَجود

وَذَاكَ لأَنَّها الأَصل وإِنَّما تقلب للتقريب ممّا بعْدهَا فإِذا لقيها حرف من الْحُرُوف المستعلية قلبت مَعَه ليَكُون تناولهما من وَجه وَاحِد والحروف المستعلية الصَّاد وَالضَّاد والطاءُ والظاءُ والخاءُ والغين وَالْقَاف وإِنَّما قيل مستعلية لأَنَّها حُرُوف استعلت إِلى الحنك الأَعلى وَهِي الْحُرُوف الَّتِي تمنع الإِمالة أَلا ترى أَنَّك تَقول عابِد وجابِر وَسَالم وَلَا تَقول قَاسم وَلَا صاعد وَلَا خازم وَهَذَا مبيّن فِي بَاب الإِمالة فإِذا كَانَت السِّين مَعَ حرف من هَذِه الْحُرُوف فِي كلمة جَازَ قَلبهَا صادا وكلَّما قرب مِنْهَا كَانَ أَوجب وَيجوز الْقلب على التَّرَاخِي بَينهمَا وكلَّما ترَاخى فتركُ الْقلب أَجودُ وَذَلِكَ قَوْلك سطر وصطر وسقَر وصقَر / وسلخْت وصلخت ومساليخ ومصاليخ فإِن كَانَ حرف من هَذِه الْحُرُوف قبل السِّين لم يجز قَلبهَا نَحْو قست وقسوت وطست فَاعْلَم لأَنَّهم إِنَّما قلبوها وَهَذِه الْحُرُوف بعْدهَا لئَّلا يَكُونُوا فِي انحدار ثمّ يرتفعوا وإِذا كَانَ قبلهَا فإِنَّما ينحدر إِليها انحدارا وَوَجَب ذَلِك فِي السِّين لأَنَّها والصادَ من الْمخْرج وهما مهموستان جَمِيعًا وَكِلَاهُمَا من حُرُوف الصفير وَلم تكن الزَّاي هَهُنَا لأَنَّها لَيست بمستعلية وَلَا تبدل الصَّاد من الزَّاي مَعَ هَذِه الْحُرُوف لأَنَّ الزَّاي مجهورة وَالصَّاد مهموسة فَهِيَ مُخَالفَة لَهَا وَلم يكن ذَلِك فِي الظاءِ مَعَ الثاءِ والذال وَلَا فِي الطاءِ مَعَ التاءِ وَالدَّال لأَنَّ لحروف الصفير فِي السّمع والتصريف مَا لَيْسَ لهنّ وَقد تقدّم قَوْلنَا فِي هَذِه الْحُرُوف

هَذَا بَاب الأَسماء الَّتِي وَقعت على حرفين

اعْلَم أَنَّ الأَسماءَ أُصولُها تكون على ثَلَاثَة أَحرف بغَير زِيَادَة وعَلى أَربعة وَتَكون على خَمْسَة فَمَا نقص من الأَسماءِ عَن الأَفعال فمعلوم نقصُه ومذكورة علَّته إِن شاءَ الله فَمَا كَانَ من الأَسماءِ على حرفين فنحو يَد وَدم وأَست وَابْن وَاسم وأَخ وأَب ومالم نذْكر فحكمُه حكمُ هَذَا وَهَذِه الأَسماءُ الْمَحْذُوف مِنْهَا لَا يكون مَا حُذف إِلاَّ حرفَ لين أَو حرفا خفيّا كحرف اللين نَحْو الهاءِ وَالنُّون أَو يكون مضاعفا فيستثقل فِيهِ التَّضْعِيف فيحذف فَمَا لم يكن على هَذَا الشَّرْط الَّذِي ذَكرْنَاهُ لم يحذف مِنْهُ شيءٌ لأَنَّه لَا سبيلَ إِلى حذفه فَمَا ذهب مِنْهُ الياءُ وَالْوَاو فنحو ابْن وَاسم وأَخ وأَب وهَنٍ فِي بعض الأَقاويل يدلُّك على مَا ذهب من أَب وأَخ التَّثْنِيَة وَالْجمع والتصغير تَقول أَخوان وأَبوان وأَخوك وأَبوك وَتقول آباءٌ وآخاءٌ يَا فَتى وَكَذَلِكَ أُبَيّ وأُخَيّ وبُني وسُمَيّ أَمّا أَب وأَخ فَلم يسكِّنوا أَوائلها لئلاَّ تدخل أَلف الْوَصْل وَهِي همزَة على الْهمزَة الَّتِي فِي أَوائلها فَيصير إِلى اعتلال ثانٍ وأَمّا ابْن وَاسم واست فبنيت على سُكُون أَوائلها فَدَخلَهَا أَلف الْوَصْل لسكون مَا بعْدهَا وأَلف الْوَصْل لَيست بأَصل فِي الأَسماءِ وإِنَّما حقُّها الأَفعال لتصرّف الأَفعال وأَنَّها تقع مسكَّنةَ الأَوائل فِي مَوَاضِع إِسكان ضَرُورَة لَا محَالة وَهَذِه تذكر عِنْد ذكرنَا الأَفعالَ إِن شاءَ الله فأَمَّا الأَسماءُ فَلَا يلْحقهَا ذَلِك إِلاَّ أَن تكون منقوصة فَتكون قد زَالَت عَن أَصل بنائها فَدَخلَهَا لذَلِك مَا يدْخل الأَفعال لأَنَّها قد أَشبهتها فِي النَّقْص والانتقال فإِن قلت (امرؤْ) لم ينقص مِنْهُ شيءٌ فَمَا بَال أَلف الْوَصْل لحِقته فإِنَّما ذَاك لتغيّره فِي اتِّبَاع مَا قبل آخِره من أَجل الْهمزَة الَّتِي يجوز تخفيفها وَالدَّلِيل على ذَلِك انْتِقَاله من حَال إِلى حَال أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا امْرُؤ فَاعْلَم / وَهَذَا مَرْءٌ فَاعْلَم كَمَا قَالَ عزَّ وَجل {يَحُؤلُ بَيْن المَرْءِ وَقَلْبِهِ} وَتقول فِي مؤنَّثه امرأَة ومَرْأَة فإِنَّما لحقت أَلف الْوَصْل هَذَا الاسمَ لهَذَا الِانْتِقَال والتغيير اللَّذين ذكرتهما لَك فَجَمِيع مَا جاءَت فِيهِ أَلف الْوَصْل من الأَسماءِ ابْن وَاسم واست وامرؤ ومؤنَّث ذَلِك على قِيَاسه نَحْو ابْنة وامرأَة وَكَذَلِكَ اثْنَان وَاثْنَتَانِ وايمُن فِي الْقسم لأَنَّه اسْم يَقع بَدَلا من الْفِعْل فِي الْقسم تَقول اَيم اللهِ واَيمُن اللهِ فأَلفه مَوْصُولَة كَمَا قَالَ

(وَقَالَ فريقٌ لَيْمُنُ اللهِ مَا نَدْرِي ... ) وتحذف النُّون فَتَقول ليمُ اللهِ مَا كَانَ ذَلِك فيلحقه من التَّغْيِير مَعَ لُزُومه موضعا وَاحِدًا مَا يلْحق امْرأ فَلَا تكون أَلف الْوَصْل إِلاَّ فِيمَا ذكرت لَك من الأَسماءِ إِلاَّ الأَلفَ الَّتِي مَعَ اللَّام للتعريف فإِنَّها دَاخِلَة على حرف لَا يكون إِلاَّ سَاكِنا فأَمَّا المصادر الَّتِي أَفعالُها موصولةُ الأَلفات فَهِيَ كأَفعالها نَحْو انطلاق واستخراج واقتدار فإِن كَانَت أَفعالها مقطوعَةَ الأَلفات فَهِيَ كَذَلِك نَحْو إِكرام وإِحسان فَهَذَا معنى أَلفات الْوَصْل وَذكرنَا مَا ذهب مِنْهُ الياءُ وَالْوَاو فَابْن وَاسم من ذَلِك لِقَوْلِك بُنَيّ وسُمَيّ وأَبناءٌ وأَسماءٌ كَمَا قُلْنَا فِي الأَب والأَخ فأَما الذَّاهِب من الأَب والأَخ فقد بَان لَك أَنَّهما واون وَقُلْنَا كَذَلِك فِي ابْن فإِن قَالَ قَائِل فَمَا الدَّلِيل عَلَيْهِ وَلَيْسَ براجعٍ فِي تَثْنِيَة وَلَا جمع مَا دلّ على أَحدهما دونَ الآخر قُلْنَا نستدلُّ بالنظائرِ أَمّا (ابْن) فإِنك تَقول فِي مؤنَّثه ابْنة وَتقول بنت من حَيْثُ قلت أُخت وَمن قلت هَنْت وَلم نر هَذِه التاءَ تلْحق مؤنَّثا إِلاَّ ومذكَّره محذوفُ الْوَاو ويدلُك على ذَلِك أَخوان وَمن ردّ فِي (هَنٍ) قَالَ هَنَوات فأَمّا (الِاسْم) فقد اخْتلف فِيهِ فَقَالَ بَعضهم هُوَ (فِعْل) {وَقَالَ بَعضهم هُوَ (فُعْل) } وأَسماءٌ تكون جمعا لهَذَا وَهَذَا تَقول فِي جِذْع أَجذاع كَمَا تَقول فِي قُفْل أَقفال وَلَا يدْرك صِيغَة الأَسماءِ إِلاَّ بِالسَّمْعِ - فأَكثرهم أَنشد

(باسم الَّذِي فِي كلِّ سُورةٍ سُمُهْ) فضم وجاءَ بِهِ على فُعْل وأَنشد بَعضهم (سِمُه) وَهُوَ أَقل وأَنشد أَبو زيد الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وأَنشد

(فدَعْ عَنْك ذِكْرَ اللَّهْوِ واعمدْ لِمدْحِة ... لخير مَعَدٍّ كلِّها حَيْثُمَا انتمَى)

(لأَعظمها قدْرا وأَكْرَمِهَا أَبا ... وأَحسنِها وجْها وأَعْلَنِها سُما)

فأَمّا (ابْن) فتقديره فَعَل وَذَلِكَ أَنَّك تَقول فِي جمعه أَبناءٌ كَمَا تَقول جمل وأَجمال وجبل وأَجبال فإِن قَالَ قَائِل فلعلَّه (فِعْل) أَو (فُعْل) فإِنَّ جمعهَا على أَفْعال قيل لَهُ الدَّلِيل على ذَلِك أَنَّك تَقول بَنون فِي الْجمع فتحرّك بِالْفَتْح فإِن قَالَ قَائِل فَمَا أَنكرت أَن يكون على (فَعْل) ساكنَ الْعين قيل لأَنَّ الْبَاب فِي جمع (فَعْل) أَفْعُل نَحْو كلْب وأَكلْب وكعْب وأَكُعب فَلَو كَانَ فَعْلا لم يجمع إِلاَّ على بَابه ليدلّ عَلَيْهِ وإِنَّما يخرج الشيءُ إِلى غير بَابه إِذا أَمِنْتَ اللّبْس فِي مثل (أَزْناد) وبابه فَهَذَا لَو كَانَ (فَعْلا) لم يجز فِيهِ أَفْعال مثل أَزناد لأَنَّ أَزنادا لَا لبس فِيهِ وَهَذَا يلتبس فَكَانَ يلْزم الْبَاب فأَمّا (دم) فَهُوَ (فَعَل) يدلُّك على ذَلِك أَنَّك تَقول دمِى يَدْمَى فَهُوَ دَمٍ فَهَذَا مثل فرِق فرَقا وَهُوَ فرِق وحذِر حذَرا فَهُوَ حذِر فدَم إِنَّما هُوَ مصدر مثل البطر والحذَر وممّا يدلُّك على أَنَّه (فَعَل) أَنَّ الشَّاعِر لمَّا اضطرّ فأَخرجه على أَصله وردّ مَا ذهب مِنْهُ جاءَ بِهِ متحرّكا فَقَالَ

(فَلَو أَنَّا على حَجَرٍ ذُبحْنا ... جرى الدمَيَانِ بالخبرِ اليقينِ) فإِن قَالَ قَائِل فإِنَّك تجمعه على فِعال كَمَا تَقول كلْب وكِلاب وفِعْل وفِعال فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَنَّ (فِعالا) جمع لفَعَل المتحرّك الْعين كَمَا يكون لفَعْل السَّاكِن الْعين نَحْو قَوْلك جمل وجمال وجبل وجبال فَهَذَا غير خَارج من ذَلِك وأَمَّا (يَد) فتقديرها (فَعْل) سَاكن الْعين لأَنَّك تَقول أَيْد فِي الْجمع وَهَذَا جمع (فَعْل) وَلَو جاءَ شيءٌ مِنْهُ لَا يُعلم مَا أَصله من هَذِه المنقوصات لَكَانَ الحكم فِيهِ أَن يكون فعْلا ساكنَ الْعين لأَنَّ الْحَرَكَة زِيَادَة وَالزِّيَادَة لَا تثبت فأَمّا (اِست) ففعَل متحرّكة الْعين يدلُّك على ذَلِك أَسْتاه فإِن قَالَ قَائِل فلعلَّها فِعْل أَو فُعْل فإِنَّ الدَّلِيل على مَا قُلْنَا (سَهٌ) فَاعْلَم فتردّ الهاءُ الَّتِي هِيَ لَام وتحذف الْعين وَيفتح السِّين كَمَا قَالَ الراجز

(اُدعُ أُحَيْحاً باسمه لَا تنسَهْ ... إِنَّ أُحَيْحاً هِيَ صِئْبانُ السَّهْ)

وَفِي الحَدِيث " العَيْنُ وِكاءُ السَّهِ " مَعْنَاهُ أَنَّ الإِنسان / إِذا كَانَ منتبّها علم مَا يخرج مِنْهُ من الرّيح فأَمَّا (حِر) المرأَة فتقديره (فِعْل) وَقَوْلهمْ أَفْعَال فِي جمعه بِمَنْزِلَة جِذع وأَجذاع وَدَلِيله بيّن لأَنَّ أَوّله مكسور وَاعْلَم أَنَّه مَا كَانَ على حرفين وَلَا يُدرى مَا أَصله الَّذِي حذف مِنْهُ فإِنَّ حكمه فِي التصغير وَالْجمع أَن تثبت فِيهِ الياءُ لأَنَّ أَكثر مَا يحذف من هَذَا الياءُ وَالْوَاو والياءُ أَغلب على الْوَاو من الْوَاو عَلَيْهَا فإِنّما الْقيَاس على الأَكثر فَلَو سمّينا رجلا (بإِنْ) الَّتِي للجزاءِ ثمَّ صغَّرناها لقلنا أُنىّ وَكَذَلِكَ (أَنْ) الَّتِي تنصب الأَفعال فإِن سمّينا (إِن) المخفَّفة قُلْنَا أُنيْن فَاعْلَم لأَنّا قد علمنَا أَنَّ أَصلها نون أُخرى حذفت مِنْهَا وَكَذَلِكَ لَو سمَّينا (برُب) المخفَّفة من (ربّ) لقلنا رُبَيْب لأَنَّا قد علمنَا مَا حذف مِنْهُ وَكَذَلِكَ (بخ) المخفَّفة من (بخٍّ) تردّ فِيهَا الخاءُ المحذوفة لأَنَّ / الأَصل التثقيل كَمَا قَالَ

(فِي حسَبٍ بَخٍّ وعِزٍّ أَقْعَسا)

وَلَو سمّينا رجلا (ذُو) لقلنا هَذَا ذوّا قد جاءَ لأَنَّه لَا يكون اسْم على حرفين أَحدهما حرف لين لأَنَّ التَّنْوِين يذهبه فَيبقى على حرف فإِنَّما رددت مَا ذهب وأَصله (فعَل) يدلُّك على ذَلِك {ذواتا أفنان} و {ذواتي أكل خمط} وإِنَّما قلت هَذَا ذُو مَال فَجئْت بِهِ على حرفين لأَنَّ الإِضافة لَازِمَة لَهُ ومانعة من التَّنْوِين كَمَا تَقول هَذَا فو زيد ورأَيت فا زيد فإِذا أَفردت قلت هَذَا فمٌ فَاعْلَم لأَنَّ الِاسْم قد يكون على حرفين إِذا لم يكن أَحدهما حرفَ لين كَمَا تقدّم من نَحْو يَد وَدم وَمَا أَشبه ذَلِك فإِذا سمّيت رجلا ب (هُوَ) فإِنَّ الصَّوَاب أَن تَقول هَذَا هُوٌّ كَمَا ترى فتثقلِّ وإِن سمّيته ب (فِي) من قَوْلك فِي الدَّار زيد زِدْت على الياءِ يَاء وَقلت هَذَا فِيٌّ فَاعْلَم وإِن سمّيته (لَا) زِدْت على الأَلف أَلفا ثمّ همزت لأَنَّك تحرّك الثَّانِيَة / والأَلف إِذا حرّكت كَانَت همزَة فَتَقول هَذَا لاءٌ فَاعْلَم وإِنَّما كَانَ الْقيَاس أَن تزيد على كلّ حرف من حُرُوف اللين مَا هُوَ مثلُه لأَنَّ هَذِه حُرُوف لَا دَلِيل على ثوالثها وَلم تكن اسْما فيعلمَ مَا سقط مِنْهَا و (هُوَ) و (هِيَ) اسمان مضمران فمجراهما مجْرى الْحُرُوف فِي جَمِيع محالِّهما وإِن دلاَّ على الظَّاهِر بِمَا تقدّم من ذكره فإِنَّما جعلت مَا ظهر فِي كلّ وَاحِد مِنْهُمَا مُتبعا لمثله حتَّى يتمّ اسْما وَلم تجْعَل الشَّاهِد غَائِبا وَكَذَلِكَ قَالَت الْعَرَب فِي (لوْ) حَيْثُ جعلته اسْما قَالَ الشَّاعِر

(لَيْت شِعْرِي وأَين مِنِّيَ ليْتُ ... إِنَّ ليْتاً وإِنَّ لوًّا عَناءُ)

فَزَاد على الْوَاو واوا لتلحق الأَسماءَ وَقَالَ الآخر

(أُلاَمُ على لوٍّ وَلَو كنت عالِما ... بأَعقاب لوٍّ لم تفُتني أَوائلُهْ)

وَقَالَ الآخر

(حاوَلتْ لوًّا فقلتُ لَهَا ... إِنَّ لَوًّا ذاكَ أَعْيانا) وإِن سمّيت رجلا (كيْ) قلت هَذَا كيٌّ فَاعْلَم / وَكَذَلِكَ كلّ مَا كَانَ {على} حرفين ثَانِيه ياءٌ أَو وَاو أَو أَلف أَلا ترى أَنَّ حرفين التهجي مَوْضُوعَة على الْوَقْف نَحْو با تا ثا وَكَذَلِكَ رأَوها إِنَّما هِيَ موقوفات غير منونَّات لأَنَّهنّ عَلَامَات فَهنّ على الْوَقْف أَلا ترى أَنَّك تَقول واوْ زايْ صادْ فتسكِّن أَواخرها لأَنَّك تُرِيدُ الْوَقْف وَلَوْلَا الْوَقْف لم يجمع بَين ساكنين كَمَا تَقول فِي الْوَقْف هَذَا زيدْ وَهَذَا عمْرو فإِذا جعلتهنَّ أَسماءً قلت باءٌ وتاءٌ فزدت على كلّ حرف مثلَه على مَا وصفت لَك قَالَ رجل من الأَعراب يذمّ النحويّين إِذ سمع خصومتهم فِيهِ

(إِذا اجتَمعوا على أَلفٍ وياءٍ ... وتاءٍ هاجَ بينهمُ قتالُ)

فأَعربها على مَا ذكرت لَك حِين جعلهَا اسْما وحكاها أَبو النَّجْم إِذ جعلهَا فِي موَاضعهَا فَقَالَ

(أَقْبَلتُ من عِنْد زِيادٍ كالخَرِفْ ... تَخُطُّ رِجْلايَ بخَطٍّ مُخْتلِفْ)

(تُكَتِّبانِ فِي الطَّرِيق لامَ الِفٌ)

فإِن كَانَت اسْما فالإِعراب كَمَا قَالَ

(كَمَا بُيِّنتْ كافٌ تَلوحُ وميمُها)

فأَعرب وأَضاف وكما قَالَ

(كأَنَّ أَخا الْيَهُود يُجِدّ خطًّا ... بكافٍ فِي منازلها ولامِ)

وفواتح السُّور كَذَلِك على الْوَقْف لأَنَّها حُرُوف تهجٍّ نَحْو (الم) (المر) (حم) (طس) وَلَوْلَا أَنَّها على الْوَقْف لم يجْتَمع ساكنان فإِذا جعلت شَيْئا مِنْهَا اسْما أَعربت كَمَا قَالَ الكُمَيت

(وجدنَا لكمْ فِي آلِ حَامِيمَ آيَة ... تَأَوَّلَها مِنَّا تَقِيُّ ومُعْرِبُ)

فحرّك وَلم يصرف للعجمة وَقَالَ

(أَوْ كتُباً بُيّن من حاميما ... قد علمتْ أَبناءُ إِبارهيما)

وَقَالَ

(يُذكِّرني حاميمَ والرمحُ شاجِرٌ ... فهلاَّ تَلا حاميمَ قبْلَ التقدُّمِ)

فأَمَّا قراءَة الْحسن (صَادِ وَالقُرْآنِ) فإِنَّه لم يَجْعَلهَا حرفا ولكنَّه / فِعْل إِنَّما أَراد صادِ بِالْقُرْآنِ عَملك وَهَذَا تَفْسِير الْحسن أَيّْ عارِض بِالْقُرْآنِ عَمَلك من قَوْلك صاديت الرجل أَي عارضته وَمِنْه {فَأَنت لَهُ تصدى} أَي تعرّض وأَمّا قَوْلك هَذَا فوزيد - ثمّ تبدل فَتَقول فَم فَهَذَا بِمَنْزِلَة تثقيلك لَو ثقَّلت لأَنَّه إِذا كَانَ على حرفين لَيْسَ أَحدهما حرفَ لين كَانَ على مثالٍ تكون الأَسماءُ المنقوصة عَلَيْهِ وإِنَّما أَصله فَوْه فَاعْلَم وَجمعه أَفْواه كَقَوْلِك ثوب وأَثواب وحوض وأَحواض على ذَلِك مَا تفوّهت بِكَلِمَة فإِذا كَانَ فِي الإِضافة لم تحتج إِلى تَغْيِيره لأَنَّك تأْمَن عَلَيْهِ التَّنْوِين فَتَقول رأَيت فا زيد ومررت بفي زيد وَهَذَا فو زيد كَمَا تَقول هَذَا ذُو مَال ورأَيت ذَا مَال لأَنَّ أَصل هَذِه الأَسماءِ الإِضافة فإِن أَفردتها أَخرجتها إِلى بَاب الأَسماءِ وَمَا ذكرت لَك غَيرهَا من نَحْو (لوْ) و (فِي) إِنَّما تلْحق بجُمَله الأَسماءِ المفردة ثمّ تُضَاف إِذا حدث ذَلِك فِيهَا كَمَا / يُضَاف رجل وَغُلَام وَمَا أَشبهه فَهَذَا بَاب الأَسماءِ تَقول هَذَا فِيُّ زيد ولوُّ عبدِ الله فإِن قَالَ قَائِل أَجعَل ذَلِك غيرَ مثقَّل إِذا سمّيت بِهِ مؤَنثا لأَمْنِي عَلَيْهِ التنوينَ قيل المؤنَّث قد يكون نكرَة فتنوّن كَقَوْلِك هَذِه هندٌ أُخرى وتنوّن زيدا إِذا سمّيت بِهِ امرأَة فِي قَول جمَاعَة من النَّحْوِيين فيستوي المؤنَّث والمذكَّر إِذا لم تكن فِيهَا هاءُ التأْنيث فَلَا يكون فِيهِ التَّنْوِين نَحْو رجل سمّيته بقدَم أَودعْد أَو هِنْد فَلَيْسَ هَذَا الِاعْتِرَاض بشيءٍ وَلَيْسَ من كَلَامهم أَن يكون الِاسْم على هَيْئَة فإِذا سمّى بِهِ غير من هُوَ لَهُ خرج إِلى هَيْئَة أُخرى فَكَذَلِك الْمُفْرد لَا ينْتَقل إِذا أَضفته فأَمّا فُو زيد وَذُو مَال فإِنَّما غيّرا من الأَصل الَّذِي هُوَ لَهما لأَنَّهما أُلزما الإِضافة فَكَانَ حرف إِعرابهما / منتقلا على غير مَا عَلَيْهِ جملَة الأَسماءِ إِنَّما يكون ذَلِك فِي أَسماءٍ بِعَينهَا معتلَّة نَحْو قَوْلك أَخوك وأَخاك وأَبوك وفو زيد وحموك وهنوك فِي بعض اللُّغَات لأَنَّها فِي الإِفراد أَب وأَخ وَهن وحم فَهَذِهِ أَسماءٌ كَانَ أَصلها الإِضافة لأَنَّ رواجعها فِيهِ خاصَّةً فأَمّا فوك فإِنَّما حذفوا لامه لموْضِع الإِضافة ثمّ أَبدلوا مِنْهَا فِي الإِفراد الْمِيم لقرب المخرجين فَقَالُوا فَم كَمَا ترى لَا يكون فِي الإِفراد غَيره وَقد لحّن كثير من النَّاس العجّاج فِي قَوْله

(خالَطٌ من سَلْمَى خياشيمَ وَفَا)

وَلَيْسَ عِنْدِي بلاحن لأَنَّه حَيْثُ اضطرّ أَتى بِهِ فِي قافية لَا يلْحقهُ مَعهَا التَّنْوِين فِي مذْهبه وَمن كَانَ يرى تَنْوِين القوافي فَيَقُول

(أَقِلِّي اللوْمَ عاذِلَ والعِتابَنْ)

لم ينوّن هَذَا لأَنَّ ترك التَّنْوِين هُوَ الأَكثر الأَغلب / لما فِي هَذَا الِاسْم من الاعتلال وَاعْلَم أَنَّ مَا جاءَ من الأَسماءِ على حرفين قَلِيل لأَنَّ الثَّلَاثَة أَقلّ الأُصول فيكرهون الْحَذف مِنْهَا إِلاَّ فِيمَا آخِره حرف خفيّ أَو حرف لين فإِنَّهم يستثقلون فِي ذَلِك الحركات فأَمَّا مثل قُلْ وبعْ فإِنَّما حذفتَ لالتقاءِ الساكنين مَا هُوَ فِي نيّتك وحذفت من عِدّ وزِنْ الواوات الَّتِي ذهبت لأَنَّها وَقعت فِي يعد ويَزِنَ وَيعود جَمِيع ذَلِك فِي تصرّف الْفِعْل إِذا قلت وعد وَوزن وَقَالَ وَبَاعَ وَيَقُول وَيبِيع وَكَذَلِكَ إِذا قلت فِهْ لزيد وعِهْ كلَاما وشِهْ ثوبا إِنَّما لحقها ذَلِك لذهاب الْوَاو من أَولها الَّتِي تذْهب فِي عِدْ وَذَهَاب الياءِ من آخرهَا الَّتِي تذْهب فِي ارْمِ وَلَا يلْزم ذَلِك فِي تصرّف الْفِعْل إِذا قلت وعَيْت وولِيت ووشَيْت فأَمّا مَا جاءَ على حرفين ممّا فِيهِ هاءُ التأْنيث فَهُوَ أَكثر / من ذَا نَحْو سَنة وشِية وعِدة وثُبَة وقُلَة ورِية وَذَاكَ لأَنَّ الهاءَ لمّا اتَّصَلت بِهِ قوى فضارع مَا كَانَ على ثَلَاثَة وَكَانَ بالهاءِ أَثبت من ابْن واست واثنين لأَنَّ أَلف الْوَصْل يحذفها الْوَصْل ويحذفها تحرُّك مَا بعْدهَا وَذَلِكَ فِي التصغير {كبنيّ} وَتَخْفِيف الْهَمْز كَقَوْلِك فِي اسأَل سَلْ وَفِي التَّشْدِيد وَهُوَ قَوْلك اردُدْ ثمَّ تَقول رُدَّ إِن شِئْت فأَمّا رُدّا أَو رُدُّوا فحذفها لَازم للُزُوم الإِدغام وهاءُ التأْنيث إِنَّما تذْهب فِي التَّرْخِيم وَفِي النّسَب لأَنَّه عوض مِنْهَا وَقد يردّ فِي النّسَب بعض مَا يذهب مِنْهُ الهاءُ لعلَّة تلْحق وإِنَّما قصدنا أَن تخبر أَن، مَا فِيهِ الهاءُ من ذَوَات الحرفين أَكثر ممّا لَا هاءَ فِيهِ وَهَذَا شيءٌ اتَّصل بالتصريف والإِدغام لما يَقع فِي مثله وَهُوَ مَا أَذكره لَك اعْلَم أَنَّ الحرفين المثلين إِذا كَانَا ملتقيَينِ فِي كلمة وَكِلَاهُمَا متحرّك وَقبل المتحرّك الأَوّل سَاكن طرحت حَرَكَة المتحرّك الأَوّل على ذَلِك السَّاكِن وأَدغمت كنحو مَا ذكرت لَك فِي اقْتتلوا فإِن التقيا وهما سواءٌ أَو متقاربان والأَوّل مِنْهُمَا أَوّل الْكَلِمَة أَدخلت أَلف الْوَصْل وأَدغمت وَذَلِكَ اطَّيّر زيد إِنَّما كَانَت تطيّر فأَسكنت التاءَ فَلم يجز أَن تبتدئ بساكن فأَدخلت أَلف الْوَصْل ثمّ أَدغمت التاءَ فِي الطاءِ وَكَذَلِكَ اتَّرس زيد إِذا أَردته تترّس فدخول الأَلف هَاهُنَا كسقوطها من اقْتَتَلُوا إِذا قلت قَتَّلوا فالتحريك يُسْقِطهَا كَمَا أَنَّ الإِسكان يجلبها وَمن ذَلِك قَوْله {وَإِذ قتلتم نفسا فادارأتم فِيهَا} وإِنما كَانَ (تدارأْتم) فِيهَا فأَدغمت التاءَ فِي الدَّال فَاحْتَجت إِلى أَلف الْوَصْل لِاسْتِحَالَة الابتداءِ بساكن وَمثله {قَالُوا اطيرنا بك وبمن مَعَك} فإِن قلت تتَّكلمون وتدّعون لم يجز الإِدغام وإِدخال أَلف الْوَصْل لأَنَّ أَلف الْوَصْل لَا تدخل على الْفِعْل الْمُضَارع لأَنَّ الأَفعال إِذا كَانَت على (يَفْعَل) وَمَا أَشبهه فَهِيَ مضارعة للأَسماءِ نَحْو فاعِل وَمَا أَشبهه فَكَمَا لَا تكون أَلف الْوَصْل فِي اسْم الْفَاعِل كَذَلِك لَا تكون فِيمَا ضارعه إِنَّما تكون فِي الأَفعال الْمَاضِيَة نَحْو انطلقَ واقتدرَ واحمررت واستخرج واغدودنَ واحرنجمَ أَو فِي الأَمر اضربْ اقتلْ استخرجْ لأَنَّها تضارع أَسماءَ الفاعلين فتمتنع فَهَذَا موضعهَا من الْكَلَام فقد شرحت لَك أَمرها فِي الأَفعال وتصرّفَها وأَمْرَ وُقُوعهَا فِي الأَسماءِ والعلَّة فِي ذَلِك إِذ كَانَ بَابهَا الأَفعال فإِذا قلت فِي المنفصلين هَذَا اسْم مُوسَى لم يجز أَن تطرح حَرَكَة الْمِيم على السِّين / وتحذف أَلف الْوَصْل كَمَا فعلت فِي الأَفعال لأَنَّ الْمُنْفَصِل بَائِن ممّا قبله وإِنَّما الإِدغام على مِقْدَار لُزُومه ولكنَّك تخفي إِن شِئْت وإِن شِئْت حقَّقت والمخفَى بزنة المحقَّق إِلاَّ أَنَّك تختلس اختلاسا كَقَوْلِك أَراك متعفِّفا فتختلس وَلَا يجوز الإِدغام لأَنَّ الَّذِي قبل الفاءِ الْوُسْطَى سَاكن وأَمّا الملحقات من الأَسماءِ فَلَا إِدغام فِيهَا لأَنَّها تنقص عَن مقادير مَا ألحقت بِهِ وَذَلِكَ قَوْلك قَرْدَد ومَهْدَد وَمَا أَشبهه لأَنَّه مُلْحق بِجَعْفَر وَكَذَلِكَ الْجمع نَحْو قَوْلك قَرَادد ومَهادد ليَكُون مثل جَعْفَر فإِن لم يكن مُلْحقًا لزِم الإِدغام نَحْو قَوْلك رجل أَلدّ وأَصَمّ لأَنَّ (أَفْعَلَ) لَيْسَ بملحق بفعلل أَلا ترى أَن مصادرهما مُخْتَلفَة إِذا كَانَا فِعْلين تَقول دحرج دحرجة وأَكرم إِكراما وَكَذَلِكَ (فَعَّلَ) لَيْسَ بملحق بدحرج لأَنَّ مصدره التفعيل وَلَكِن مثلُ جَدْوَل ملحقٌ بِجَعْفَر وَكَذَلِكَ كوثر / وإِن كَانَا فعلين فهما ملحقان بدحرج تَقول حَوْقَل يحوقل حوقلة وبَيْطَر بيطرة وسَهْوك سَهْوكة وَكَذَلِكَ سلقى يسلقى سلقاة وَفِيمَا ذكرته لَك مَا يدلّ على مَا يرد عَلَيْك مِنْهُ إِن شاءَ الله

هَذَا بَاب مَا شبه من المضاعف بالمعتل فَحذف فِي مَوضِع حذفه

وَذَلِكَ قَوْلك فِي أَحْسَسْت أَحَسْتُ وَفِي مسِسْت مِسْت وتطرح حركته على مَا قبله وتحذفها تَشْبِيها بِقَوْلِك أَردت وأَقمت وكِلت وبِعْت كَمَا اسْتَويَا فِي بَاب رَدَّ وَقَامَ فِي الإِسكان واستويا فِي التَّصْحِيح فِي بَاب (فُعَل) و (فِعَل) تَقول صُوَر كَمَا تَقول دُرَر وبِيَع كَمَا تَقول قِدَد وإِنَّما تفعل هَذَا فِي الْموضع الَّذِي لَا تصل إِليه فِيهِ الْحَرَكَة بِوَجْه من الْوُجُوه وَذَلِكَ فِي فعِلْت / وفَعِلْن فأَمّا لم أَحِسَّ وقولك احْسِسْ وامسَسْ ومَسَّ وحِسَّ فَلَا تحذف لأَنَّ هَذَا تدخله الْحَرَكَة إِذا ثنَّيت أَو جمعت أَو أَنَّثت نَحْو أَحسُّوا وأَحَسَّا وأَحِسَّى وَكَذَلِكَ مَسِّى ومَسَّا وإِنَّما جَازَ فِي ذَلِك الْموضع للُزُوم السّكُون وَلَيْسَ ذَلِك بجيّد وَلَا حسن وإِنَّما هُوَ تَشبيه قَالَ الشَّاعِر

(خلا أَنَّ العِتاقَ منَ المطايا ... أَحْسَنَ بهِ فهنَّ إِليهِ شُوسُ) وَمن قَالَ مَسْت فَفتح الْمِيم فإِنَّما شبّهها بِلَسْتُ لأَنَّ أَصلها كَانَ لاس يليس وَقد فسّرنا امتناعها من ذَاك لما يلْزمهَا فِي الْمُضَارع وَغَيره من تصرّف الْفِعْل فَهَذَا الَّذِي فتح الْمِيم حذف لما ذكرت لَك وَترك الْمِيم على أَصلها للتغيير وَاعْلَم أَنَّ التَّضْعِيف مستثقل وأَنَّ رَفْع اللِّسَان عَنهُ {مرّة وَاحِدَة ثمّ العودة إِليه لَيْسَ كرفع اللِّسَان عَنهُ وَعَن الْحَرْف الَّذِي من مخرجه وَلَا فصل بَينهمَا فَلذَلِك وَجب} وَقوم من الْعَرَب إِذا وَقع / التَّضْعِيف أَبدلوا الياءَ من الثَّانِي لئلاَّ يلتقي حرفان من جنس وَاحِد لأَنَّ الكسرة بعض الياءِ وأَنَّ الياءَ تَغلِب على الْوَاو رَابِعَة فَمَا فَوْقهَا حتَّى تصيّرها يَاء لَا يكون إِلاَّ ذَلِك وَقد مضى هَذَا وَذَلِكَ قَوْلهم فِي تقضَّضت تقضَّيت وَفِي أَمللت أَمليت وَكَذَلِكَ تسرّيت فِي تسرّرت وَالدَّلِيل على أَنَّ هَذَا إِنَّما أُبدل لاستثقال التَّضْعِيف قولُك دِينَار وقيراط والأَصل دِنَّار وقِرَّاط فأَبدلت الياءَ للكسرة فلمّا فرَّقت بَين المضاعفين رَجَعَ الأَصل فَقلت دَنَانِير وقراريط وقُرَيْرِيط وَاعْلَم أَنَّ الشعراءَ إِذا اضطِرُّوا إِلى إِسكان حرف ممَّا هُوَ متحرّك فَلم يصلوا إِلى ذَلِك أَبدلوا مِنْهُ الياءَ إِن كَانَت قبله كسرة لأَنَّ الياءَ إِذا كَانَت كَذَلِك لم تحرّك فَيسلم الإِعراب ويصحّ الْوَزْن وَذَلِكَ قَوْله (لَهَا أَشَارِيرُ منْ لَحْمٍ تُتَمِّرُهُ ... منَ الثَّعالِي ووَخْزٌ منْ أَرَانِيها)

لم يجز أَن يذكر الباءَ فِي الثعالب ويحرّكها فينكسر الشّعْر فأَبدل الياءَ لما ذكرت لَك وَمثله

(ومنهل لَيْسَ لهُ حَوازقُ ... ولِضفادِي جَمَّهِ نَقانِقُ)

هَذَا بَاب مَا يحذف اسْتِخْفَافًا لأَنَّ اللّبْس فِيهِ مأْمون

وَذَلِكَ أَنَّ للأَشياءِ أُصولا ثمّ يحذف مِنْهَا مَا يُخرجهَا عَن أُصولها فَمن هَذَا الْمَحْذُوف مَا يبلغ بالشيءِ أَصلَه وَمِنْه مَا يحذف لأَنَّ مَا بَقِي دالّ عَلَيْهِ وإِن يكن ذَلِك أَصلَه فأَما مَا يبلغ بِهِ أَصله فإِنَّ كِنَايَة الْمَجْرُور فِي الْكَلَام ككناية الْمَنْصُوب وَذَلِكَ لأَنَّ الأَصل الرّفْع وَهُوَ الَّذِي لَا يتمّ الْكَلَام إِلاَّ بِهِ كالابتداءِ وَالْخَبَر وَالْفِعْل وَالْفَاعِل وإِنَّما الْمَنْصُوب والمخفوص لِما خرجا إِليه عَن هَذَا الْمَرْفُوع فَلذَلِك اشْتَركَا فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع نَحْو مسلمَين ومسلمِين ومسلمات وَلذَلِك كَانَ مَالا ينْصَرف إِذا كَانَ مخفوضا فتح وَحمل على مَا هُوَ نَظِير الْخَفْض نَحْو مَرَرْت بعثمانَ وأَحمرَ يَا فَتى وَذَلِكَ قَوْلك فِي الْكِنَايَة ضربتك ومررت بك وضربته ومررت بِهِ وضربتهم وَعَلَيْهِم وَاحِد وَتقول هَذَا غلامي وَهَذَا الضاربي فيستويان فإِذا قلت ضَرَبَنِي زِدْت نونا على المخفوض ليسلم الْفِعْل لأَنَّ الْفِعْل لَا يدْخلهُ جرّ وَلَا كسر فإِنَّما زِدْت هَذِه النُّون ليسلم لأَنَّ هَذِه الياءَ تكسر مَا وَقعت عَلَيْهِ فإِن قلت قد قلت الضاربي والياءُ مَنْصُوبَة فإِنَّما ذَلِك لأَنَّ الضَّارِب اسْم فَلم يكره الْكسر فِيهِ وَالدَّلِيل على أَن الياءَ مَنْصُوبَة قَوْلك الضَّارِب زيدا فإِن قلت فقد يدْخل الْفِعْل الكسرة فِي قَوْلك اضربِ الرجل فإِنَّما ذَلِك لالتقاءِ الساكنين وَلَيْسَ بِلَازِم وإِنَّما كسروا ليُعْلموا أَنَّه عارضٌ فِي الْفِعْل إِذ لم يكن من إِعرابه وَنَظِير زِيَادَة هَذِه النُّون فِي الْمَنْصُوب قَوْلهم / فِي الْمَجْرُور منِّي وعنِّي وقَدنْي زادوا النُّون ليسلم مَا قبلهَا على سكونه كَمَا سلم الْفِعْل على فَتحه فقد زيدت فِي الْمَجْرُور كَمَا زيدت فِي الْمَنْصُوب وَلَو كَانَ آخر الِاسْم متصرّفا بالحركة لم تزد نَحْو قَوْلك هَذَا هَنِي ودَمِي فَالَّذِي ذكرنَا ممّا يحذف قَوْلك إِنَّني وكأَنَّني ولعلَّني لأَنَّ هَذِه الْحُرُوف مشبهة للْفِعْل مَفْتُوحَة الأَواخر فزدت فِيهَا النُّون كَمَا زدتها فِي الْفِعْل لتسلم حركاتها وَيجوز فِيهِنَّ الْحَذف فَتَقول إِنِّي وكأَنِّي ولكنِّي وإِنَّما جَازَ لأَنَّ النُّون فِي (إِنَّ) و (كأَنَّ) ثَقيلَة وَهِي مَعَ ذَلِك مُشبَّهة بِالْفِعْلِ وَلَيْسَت بأَفعال فحذفت كَرَاهِيَة التَّضْعِيف وإِنْ أَثبتَّ فَلَمَّا وَصفته فإِن قَالَ قَائِل فأَنت تَقول لعلِّي وَلَيْسَ فِي لعلّ نون فإِنَّما ذَلِك لأَنَّ (لعلّ) مضعَّفة وَهِي أَقرب الْحُرُوف من النُّون وتعاقبها وتدغم كلّ وَاحِدَة / مِنْهُمَا فِي صاحبتها وَقد مضى القَوْل فِي هَذَا فأَمَّا (لَيْتَني) فَلَا يجوز حذف النُّون مِنْهَا إِلاَّ أَن يضطَّر شَاعِر فيحذفها لأَنَّ الضَّرُورَة تردّ الأَشياءَ إِلى أُصولها والأَصل الياءُ وحدَها وَلَيْسَت (لَيْت) بِفعل إِنَّما هِيَ مشبّهة فَمن ذَلِك قَوْله

(تَمَنَّى مَزْيدٌ زيدا فَلاقَى ... أَخا ثِقةٍ إِذا اخْتلف العَوالي)

(كمُنْيةِ جابرٍ إِذ قَالَ لَيْتَني ... أُصَادفُه ويَهْلِكَ جُلُّ مَالِي)

فَهَذَا من الْمَحْذُوف الَّذِي بُلغ بِهِ الأَصل وممّا حذف اسْتِخْفَافًا لأَنَّ مَا ظهر دَلِيل عَلَيْهِ قَوْلهم فِي كلِّ قَبيلَة تظهر فِيهَا لَام الْمعرفَة مثل بني الْحَارِث وَبني الهُجَيم وَبني العنبر هُوَ بَلْعَنبر وبَلْهُجيم فيحذفون النُّون لقربها من اللَّام لأَنَّهم يكْرهُونَ التَّضْعِيف فإِن كَانَ مثل بني النجّار والنمر والتيم لم يحذفوا لئلاَّ يجمعوا عَلَيْهِ علَّتين الإِدغام والحذف وَيَقُولُونَ عَلْماءِ بَنو فلَان يُرِيدُونَ على الماءِ فيحذفون لَام على كَمَا قَالَ /

(وَمَا سُبِقَ القَيْسيُّ من ضعْفِ حِيلةٍ ... ولكنْ طفت عَلْمَاءِ قُلْفةُ خَالدِ)

وَاعْلَم أَنَّ كلّ مدغم فِيمَا بعده إِذا كَانَا من كَلِمَتَيْنِ فإِظهار الأَوّل جَائِز لأَنَّه غير لَازم للثَّانِي إِلاَّ أَنَّه فِي بعضٍ أَحسن مِنْهُ فِي بعض على قَدْر تداني المخارج وبُعْدها فإِذا لقِيت التاءُ دَالا أَو طاء كَانَ الإِدغام أَحسن لأَنَّ مخرج الثَّلَاثَة وَاحِد وإِنَّما يفصل بَينهمَا أَعراض فِيهَا وَذَلِكَ قَوْلك ذهبطَّلحة الإِدغام أَحسن وَكَذَلِكَ هُدِّ مدَّارُ زيدٍ وَمثل ذَلِك لم يعد تَّميم وَلم يعد طَّاهر فإِن قلت انقط دَاوُد كَانَ الإِدغام بأَن تطبق مَوضِع الطاءِ أَحسن لأَنَّ فِي الطاءِ إِطباقا فيكرهون ذَهَابه تَقول انقطَّاود وَلَو قلت انقدّاود كَانَ حسنا ولكنّ الِاخْتِيَار مَا ذكرت لَك وإِن لم تُدْغَم / فَجَائِز والظاءُ والثاءُ والذال هَذَا أَمر بَعضهنَّ مَعَ بعض فِي تبقية الإِطباق وحذفه وَحسن الإِدغام وَجَوَاز التَّبْيِين وَفِيمَا ذكرت لَك من قرب المخارج وَبعدهَا كِفَايَة فأَمّا قراءَة أَبي عَمْرو {هَثُّوِّبَ الكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} فإِنَّ التَّبْيِين أَحسن مِمَّا قرأَ لأنَّ الثاءَ لَا تقرب من اللَّام كقرب التاءِ وأُختيها وَكَذَلِكَ التاءُ فِي قراءَته {بتُّؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا} وَلَيْسَت هَذِه اللَّام كَلَام الْمعرفَة لَازِمَة لكلّ اسْم تُرِيدُ تَعْرِيفه فَلَيْسَ يجوز فِيهَا مَعَ هَذِه الْحُرُوف الَّتِي ذكرت لَك وَهِي ثَلَاثَة عشر حرفا إِلاَّ الإِدغام وَقد ذكرنَا بتفسيرها وإِنَّما يلْزم الإِدغام على قدْر لُزُوم الْحَرْف أَلا ترى / أَنَّها إِذا كَانَت فِي كلمة وَاحِدَة لم يجز الإِظهار إِلاَّ أَن يضطرّ الشَّاعِر فيردّ الشيءَ إِلى أَصله نَحْو ردَّ وفَرَّ ودَابّة وشابّة لأَنَّ الباءَ الأُولى تلْزم الثَّانِيَة فأَمَّا قَوْلهم أَنتما تكلِّمانني وتكلمانيّ وَقَوله {أفغير الله تأمروني} وَفِي الْقُرْآن {لم تؤذونني وَقد تعلمُونَ} فلأَنَّ الثَّانِيَة مُنْفَصِلَة من الأُولى لأَنَّها اسْم الْمَفْعُول تَقول أَنتما تظلمان زيدا وأَنتم تظْلمُونَ عمرا وأَمّا (دابّة) فَهِيَ فاعِلة وَكَذَلِكَ (ردَّ) فَعَلَ فهما لَازِمَة إِحداهما للأُخرى لَا تنفصل مِنْهَا فإِذا اضطرّ شَاعِر جَازَ رَدَد وضَنِن كَمَا قَالَ

(تَشْكُو الوَجَى من أَظْلُلٍ وأَظْلُلِ) وَقَالَ

(مَهْلاً أَعاذلُ قدْ جَرَّبتِ منْ خُلُقي ... أَنِّي أَجُودُ لأَقْوامٍ وإِن ضَنِنُوا)

وَقَالَ

(الحمدُ لله العلِيّ الأَجْلَلِ)

وَاعْلَم أَنَّ أَلف الْوَصْل الَّتِي تكون مَعَ اللَّام للتعريف تخَالف سَائِر أَلفات الْوَصْل وإِن كَانَت فِي الْوَصْل مثلَهنّ وَذَلِكَ أَنَّها مَفْتُوحَة لأَنَّها لم تلْحق اسْما وَلَا فعلا نَحْو اضربْ واقْتُلْ وَابْن وَاسم وإِنَّما لحقت حرفا فَلذَلِك فتحت وخولف بلفظها لمُخَالفَة مَا وَقع هليه الأَسماءُ والأَفعال فإِذا كَانَت فِي درَج الْكَلَام سَقَطت كسقوط سَائِر أَلفات الْوَصْل وَذَلِكَ قَوْلك لقِيت الْقَوْم فَسَقَطت وَتقول وَالْقَوْم ذاهبون وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا صرّفت فِيهِ إِلاَّ أَن تلحقها أَلف الِاسْتِفْهَام فتجعلها مَدّة وَلَا تحذفها فيلتبس الْخَبَر بالاستفهام لأَنَّها مَفْتُوحَة فَلَو حذفتها لاستوى اللفظان وَذَلِكَ قَوْلك فِي الِاسْتِفْهَام آلرجل لقِيك وَقَوله {آللهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ} وَكَذَلِكَ أَلف (آيْم) لأَنَّها لَزِمت اسْما لَا يسْتَعْمل إِلاَّ فِي الْقسم فَهُوَ مضارع لأَلف اللَّام تَقول آيم الله لقد كَانَ / ذَاك آيمن الله لقد كَانَ ذَاك وَلذَلِك قَالُوا يَا الله اغْفِر لنا لمّا كَانَت فِي اسْم لَا تُفَارِقهُ وَثبتت فِي الِاسْتِفْهَام فعلوا بهَا ذَلِك وَكَذَلِكَ أَفأَللهِ لتفعلنّ لما وصفت لَك فإِذا كَانَت مستأْنفة وتحرّكت اللَّام بعْدهَا بحركة الْهمزَة فإِنَّ النحويّين يَخْتَلِفُونَ فِيهَا فَيَقُول قوم أَلحَمر جاءَني فيثبتوها وإِن تحركت اللَّام وَلَا يجعلونها مثل قَوْلك {سل بني إِسْرَائِيل} لأَنَّها كَانَت اسأَل فلمّا تحرّكت السِّين سَقَطت أَلف الْوَصْل فهؤلاءِ يحتجّون بثباتها فِي الِاسْتِفْهَام وأَنَّ بعْدهَا سَاكن الأَصل لَا يكون إِلا على ذَلِك وهؤلاءِ لَا يدغمون مَا قبل اللَّام فِي اللَّام ممّا قرب جِواره مِنْهَا لأَنَّ حكم اللَّام عِنْدهم حكم السّكُون فَلذَلِك ثبتَتْ أَلف الْوَصْل وَمِنْهُم من يَقُول لَحمر جاءَني فيحذف الأَلف / لتحرّك اللَّام وعَلى هَذَا قرأَ أَبو عَمْرو {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادَ لُّوليَ} وَكَانَ الأَخفش يُجِيز اِسَلْ زيدا لأَنَّ السِّين عِنْده سَاكِنة لأَنَّ الْحَرَكَة للهمزة وَهَذَا غلَط شَدِيد لأَنَّ السِّين متصرّفة كَسَائِر الْحُرُوف وأَلف الْوَصْل لَا أَصل لَهَا فَمَتَى وُجد السَّبِيل إِلى إِسقاطها سَقَطت وَاللَّام مبنيَّة على السّكُون لَا موضعَ لَهَا غيرُه فأَمرها مُخْتَلف وَلذَلِك لحقتها أَلف الْوَصْل مَفْتُوحَة مُخَالفَة لسَائِر الأَلفات

تمّ الإِدغام

قَالَ أَبو الْعَبَّاس كنَّا قدّمنا فِي أَوّل كتَابنا وَبعد ذَلِك أَشياءَ جرى ذكرهَا لما يشاكلها فِي موَاضعهَا وَلم يكن موضعَ تَفْسِيرهَا فوعدنا أَن نفسّرها إِذا قضينا القَوْل فِيمَا قصدنا لَهُ عِنْد ذكرهَا فَمن ذَلِك لَام الْخَفْض الَّتِي يسمّيها النحويّون لَام المِلْك / فَقُلْنَا هِيَ مَكْسُورَة مَعَ الأَسماءِ الظَّاهِرَة ومفتوحة مَعَ الأَسماءِ المضمرة لعلَّة نذكرها وَهَذَا أَوان ذكرهَا أَصلها عندنَا الْفَتْح كَمَا يَقع مَعَ الْمُضمر نَحْو قَوْلك المَال لَك وَالْمَال لَنا وَالدَّرَاهِم لَكم وَلَهُم وَكَذَلِكَ كلّ مُضْمر فإِذا قلت المَال لِزيد كسرتها لئلاَّ تَلْتَبِس بلام الابتداءِ وَلم تكن الْحَرَكَة فِيهَا إِعرابا فيسلمها على مَا خيّلت وَمَوْضِع الالتباس أَنَّك لَو قلت إِنَّ زيدا لَهذا وإِن عمرا لَذاك وأَنت تُرِيدُ لَام الْملك لم يدر السَّامع أَيَّهما أَردت إِنَّ زيدا فِي مِلْك ذَاك أَو إِنَّ زيدا ذَاك فإِذا كسرت فَقلت إِن زيدا لِذاك علم أَنَّه فِي مِلْكِه وإِذا قلت إِنَّ زيدا لَذاك علم أَنَّ زيدا ذَاك وَكَذَلِكَ الأَسماءُ المعربة إِذا وقفت عَلَيْهَا فَقلت إِنَّ هَذ لَزيد لم يدر أَهو زيد أَم هُوَ لَهُ فإِن قَالَ قَائِل فَلم لَا يكون / ذَلِك فِي الباءِ قيل لأَنَّ الباءَ لَا يشرَكها مثلهَا فتخاف لبسا فبِنْيتُها أَبدا الكسرُ مَعَ الظَّاهِر والمضمر تَقول مَرَرْت بزيد وَبِك وَبِه وبِهم كَمَا أَنَّ بِنْية الْكَاف الفتحُ إِذا قلت أَنت كزيد وَلست كَه يَا فَتى فإِن قَالَ فَمَا بالك تكسرها إِذا قلت لست كِى فإِنَّما ذَاك لأَنَّ ياءَ الإِضافة تحوّل كلّ حَرَكَة إِلى كسرة تَقول هَذَا غلامِي وَضربت غلامِي وَالْمَال لِي فأَمّا أَمْنُك الالتباسَ فِي اللَّام مَعَ الْمُضمر فإِنَّما ذَاك لأَنَّ ضمير الرّفْع لَا يلتبس بضمير الجرّ تَقول إِنَّ هَذَا لَك وإِنَّ هَذَا لأَنت وإِنَّ هؤلاءِ لنَحْنُ فاختلاف اللَّفْظَيْنِ أُمِن الالتباس قَالَ وكنَّا ذكرنَا فِي صدر هَذَا الْكتاب أَمْر الأَفعال والأَسماءِ ووعدنا أَن نخبر لِمَ كَانَت الأَسماءُ على ثَلَاثَة أَنحاءٍ لَا زِيَادَة فِيهَا على ثَلَاثَة أَحرف وأَربعة وَخَمْسَة وَكَانَت الأَفعال على ضَرْبَيْنِ على ثَلَاثَة وأَربعة وَلم يكن فِي الأَفعال شيءٌ على خَمْسَة أَحرف كلُّها أَصليّ فَهَذَا وَقت تَفْسِيره وموضعه للنحويّين فِي هَذَا أَقاويل يُقَارب بعضُها بَعْضًا يَقُولُونَ الأَسماءُ أَمْكَن من الأَفعال فَلذَلِك كَانَ لَهَا على الأَفعال فَضِيلَة تمكُّنها وإِنَّ الأَفعال تَبَع لَهَا فَقُلْنَا فِي تَفْسِير قَول هؤلاءِ الدَّلِيل على صحّة مَا قَالُوا أَنَّ الأَسماءَ الثلاثيَّة تكون على ضروب من الأَبنية تلحقها أَبنية الأَفعال لأَنَّ أَبنية الأَفعال إِنَّما هِيَ فَعَل وفَعُل ومضارعاتها يَفْعُلُ ويَفْعِل ويَفْعَل والأَسماءُ تكون على (فَعَل) نَحْو جَمَلِ وجَبَل وعَلى (فَعِل) نَحْو فَخِذ وكتِف وعَلى (فَعُل) نَحْو رجُل وعضُد وَتَكون الأَسماءُ مُفْردَة (بفِعَل) نَحْو ضِلَعَ وعِوَض و (بفُعُل) نَحْو حُضُضَ وعُنُق وَتَكون سواكن الأَوساط نَحْو فهْد وكلْب وَنَحْو جِذْع وعِدْل وَنَحْو بُرْد وخُرْج وَيكون فِي المتحرّكة نَحْو إِبل وإِطلٍ فإِذا صرت إِلى الأَربعة لم تكن الأَفعال / بِغَيْر زَائِدَة إِلاَّ على (فَعْلَلَ) نَحْو دحرج وسَرْهَفَ وهَمْلَجَ فَهَذَا نَظِيره فِي الأَسماءِ جَعْفَر وصندل وفرقد وَتَكون فِي الأَسماءِ على (فِعْلَل) نَحْو دِرْهَم وهجرع وفُعْلُل نَحْو حُبْرُج وتُرْتُم و (فِعْلِل) نَحْو زِبْرِج وزِئْبِر فَلذَلِك كَانَ فِي الأَسماءِ مثل سفرجل وجَحْمَرِش وجِرْدَحِل وقُذَعْمِل فزادت هَذِه الأَبنية كَمَا زَاد مَا ذكرت لَك وإِنَّما ذكرت لَك رسما وَبقيت أَشياءُ لأَنِّي إِنَّما أَردت بِمَا بيّنت الإِيضاح لهَذَا الأَصل الَّذِي ذكرته وَقَالَ قوم الأَفعال تلزمها الزَّوَائِد وتتصرّف بهَا فيلزمها حُرُوف المضارعة وَغير ذَلِك من الزَّوَائِد كَمَا لحق الأَربعة التاءُ فِي تدحرج وأَلف الْوَصْل وَالنُّون فِي احرنجم وَنَحْوه وتضعيف اللَّام فِي قَوْلك اقشعرّ واطمأَنَّ فكرهوا أَن يبلغُوا بهَا الْخَمْسَة فتلزمها الزَّوَائِد فَتخرج عَن الْمِقْدَار وَتصير إِلى مَا يستثقل والأَسماءُ لَا يكره ذَلِك فِيهَا لأَنَّ / الزَّوَائِد غير لَازِمَة لَهَا وإِن كَانَت قد تدخل فِي بَعْضهَا وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة اللَّازِم للمعاني أَلا ترى أَنَّ قَوْلك اقتدر واستخرج وَقَاتل واغدودن واعْلَوَّط قد خرجت هَذِه الأَفعال إِلى مَعانٍ بالزوائد لَوْلَا هَذِه الزَّوَائِد لم تعلم إِذا قلت استخرج فَمَعْنَاه أَنَّه طلب أَن يخرج إِليه وَإِذا قلت: (فَاعل) وَجب أَن يكون الْفِعْل من اثْنَيْنِ وإِذا قلت (فاعَلَ) فقد كثَّرت الْفِعْل والأَسماءُ لَا يكون فِيهَا شيءٌ من هَذَا إِلاَّ الَّتِي تُبنى على أَفعالها نَحْو مستخرج ومنطلق فإِنَّها بَعْدُ رَاجِعَة إِلى الأَفعال وَقَالَ قوم لمّا كَانَت الأَسماءُ هِيَ الَّتِي يخبر عَنْهَا وإِنَّما الأَفعال آلَة لَهَا جعلت لَهَا على الأَفعال فَضِيلَة تبيّن بهَا حَال تَمَكُّنها وكلّ الأَقاويل حسن / جميل وَهَذَا الأَخير قَول المازنيِّ

بَاب مصطفين

قَالَ أَبو العبّاس وَهَذَا أَيضا ممّا لم يفسّر إِذا كَانَ الِاسْم مَقْصُورا فإِنَّما تأْويل قَصْره أَن يكون آخِره أَلفا والأَلف لَا تدْخلهَا الحركات وَلَا تكون أَصلا إِنَّما هِيَ منقلبة من ياءٍ أَو وَاو أَو تكون زَائِدَة فأَمّا المنقلبة فنحو أَلف قفا وإِنَّما هِيَ وَاو قَفَوْت وحصى إِنَّما هِيَ منقلبة عَن ياءٍ تَقول إِذا جمعت حَصَيات كَمَا أَنَّها فِي الفِعْل كَذَلِك تَقول رميت وغزوت وَتقول لغيرك رمى وغزا والزائدة مثل أَلف حُبْلى لأَنَّه من الحبَل وَكَذَلِكَ مِغْزى وحَبَنْطي من قَوْلك مَغْز وحَبِط بطنُه فَهَذِهِ الأَلف لَا يدخلهَا إِعراب ولكنَّها تنوّن إِذا كَانَ الِاسْم منصرفا وَيتْرك / تنوينها إِذا كَانَ ممّا لَا ينْصَرف فإِذا ثَنَّيْت اسْما هِيَ فِيهِ وَالِاسْم على ثَلَاثَة أَحرف أَبدلت مِنْهَا مَا كَانَ أَصلَها فتظهر الْوَاو أَو الياءُ لأَنَّها فِي مَوضِع حَرَكَة والأَلف لَا تتحرّك تَقول فِي تَثْنِيَة قفا قَفَوان وَفِي تَثْنِيَة رَحَى رَحَيَان كَمَا كنت قَائِلا فِي الْفِعْل غَزَوَا إِذا ثنَّيت لأَنَّه من غزوت ورَمَيَا لأَنَّه من رمَيْت وإِذا كَانَت الأَلف رَابِعَة فَصَاعِدا رجعت إِلى الياءِ على كلّ حَال تَقول غَزَوت ثمَّ تَقول أَغْزَيت واستغزيت وَكَذَلِكَ الِاسْم تَقول فِي تَثْنِيَة مَلْهى ومُستغزّى ملهَيَان ومُستغزَيان فأَمّا الياءَات فَلَا تحْتَاج إِلى تَفْسِيرهَا لأَنَّ الْوَاو إِليها تصير فَيصير اللَّفْظ بهما وَاحِدًا فإِذا أَردت الْجمع على جِهَة التَّثْنِيَة - وَذَلِكَ لَا يكون إِلاَّ لما يعقل - تَقول مسلمان ومسلمون وصالحان / وصالحون فعلى هَذَا تَقول فِي جمع مصطفى مُصْطَفَوْن وَكَانَ الأَصل على مَا أَعطيتك مصطفَيُون وَقبل أَن تنْقَلب مصطفَوُون ولكنَّها لمّا صَارَت أَلفا لم يجز أَن تردّ إِلى ضمّة وَلَا إِلى كسرة لعلَّتين إِحداهما استثقال الضمّة والكسرة فِي الْموضع الَّذِي تنْقَلب الْوَاو والياءُ فِيهِ أَلفين للفتحة قبلهمَا وَالثَّانيَِة أَنَّه لَا نَظِير لَهُ فَيخرج عَن حدّ الأَسماءِ والأَفعال فإِن كَانَ فِي مَوضِع فتح ثَبت لأَنَّ الفتحة أَخفُّ ولأَنَّ لَهُ نظيرا فِي الأَسماءِ والأَفعال فأَمَّا فِي الأَفعال فإِنَّك تَقول للْوَاحِد غَزا وللاثنين غَزَوَا لئلاَّ يلتبس الْوَاحِد بالاثنين وَكَذَلِكَ رمى ورميَا وأَمّا فِي الأَسماءِ فقولك النزَوان والغثَيان لأَنَّك لَو حذفت لالتبس بفَعال من غير المعتلّ وَقَوْلنَا الفتحة أَخفُّ قد بَان لَك أَمرها تَقول هَذَا زيد / ومررت بزيد فَلَا تعوّض عَن التَّنْوِين لأَنَّ قبله كسرة أَو ضمّة وَتقول رأَيت زيدا فتبدل مِنْهُ أَلفا من أَجل الفتحة وَتقول رأَيت قَاضِيا وتسكِّن الياءَ فِي الْخَفْض وَالرَّفْع فِي الْوَقْف والوصل ثمّ تذْهب لالتقاءِ الساكنين وَهُوَ التَّنْوِين الَّذِي يلْحقهَا وَهِي سَاكِنة وَتقول فِي فَخِذ - إِن شِئْت - فَخْذ وَفِي عَلِمَ عَلْمَ وَكَذَلِكَ فِي عَضُد ورَجُل عَضْد ورَجْل وَلَا يجوز الإِسكان فِي جَمَل وَمَا كَانَ مثله فعلى هَذَا تَقول هما مصطَفيان وهما الأَشقَيان وأَعجبني قفَواهما ورأَيت قَفَوَيْهما والمصطفَيَيْن فإِذا كَانَ الْجمع لحقت الْوَاو هَذِه الأَلف الَّتِي كَانَت فِي مِغْزى ومصطفى وَالْوَاو سَاكِنة وَكَذَلِكَ هَذِه الأَلف فحذفت الأَلف لالتقاءِ الساكنين فَبَقيت وَاو الْجمع أَو ياءُ الْجمع وَمَا قبل كلّ وَاحِد مَفْتُوح لأَنَّه كَانَ مَفْتُوحًا قبل الأَلف فحذفت الأَلف وَبَقِي الشيءُ على حَاله

هَذَا بَاب الْمُضمر الْمُتَّصِل

اعْلَم أَنَّ كلّ مَوضِع تقدر فِيهِ على الْمُضمر متَّصلا فالمنفصل لَا يَقع فِيهِ تَقول قُمْت وَلَا يصلح قَامَ أَنا وَكَذَلِكَ ضربتك لَا يصلح ضربت إِيّاك وَكَذَلِكَ ظننتك قَائِما ورأَيتني وَلَا يصلح رأَيت إِيَّاي فإِن كَانَ مَوضِع لَا يَقع فِيهِ المتَّصل وَقع فِيهِ الْمُنْفَصِل هَذَا جملَة هَذَا تَقول أَنت قُمْت فتظهر أَنت لأَنَّ التاءَ الَّتِي تكون فِي فَعَلْت لَا تقع هَاهُنَا وَتقول مَا جاءَك إِلاَّ أَنا وَمَا جاءَني إِلاَّ أَنت وَمَا ضربت إِلاَّ إِياك وإِيَّاك ضربت لأَنَّ الْكَاف الَّتِي فِي ضربتك لَا تقع هَاهُنَا لَا تَقول كضربت وَكَذَلِكَ جَمِيع هَذَا وَاعْلَم أَنَّ ضمير الْمَرْفُوع التاءُ يَقُول المتكلِّم إِذا عَنى نَفسه ذكرا كَانَ أَو أُنثى قمتُ وذهبتُ وإِن عَنى غَيره / كَانَت التاءُ على حَالهَا إِلاَّ أَنَّها مَفْتُوحَة للمذكَّر ومكسورة للمؤنَّث تَقول فعلتَ يَا رجل وفعلتِ يَا امرأَة فإِن ثنَّى المتكلِّم نَفسه أَو جمعهَا بأَن يكون مَعَه وَاحِد أَو أَكثر قَالَ فعلنَا وَلم يجز فعل نَحن لما ذكرت لَك وإِن ثنَّى الْمُخَاطب قَالَ فعلتما ذكرين كَانَا أَو أُنثيين وَقد تقدّم تَفْسِير هَذَا وَلَا يجوز فَعَلَ أَنتما فإِن جمع فَكَانَ المخاطبون ذُكُورا قَالَ فَعلْتُمْ وَلَا يَقُول فعل أَنتم وإِذا كنَّ إِناثا قَالَ فعلتنّ وَلَا يجوز فعل أَنتنّ فإِن خبّر عَن ذكر كَانَت علامته فِي النيّة ودلّ عَلَيْهَا مَا تقدّم من ذكره فَقَالَ زيد قَامَ وَزيد ذهب فإِن ثنَّى أَلحق الأَلف فَقَالَ أَخواك قاما وإِن جمع أَلحق واوا مكانَ الأَلف وَقَالَ إِخوتك قَامُوا فإِذا كَانَ للْغَائِب مؤنَّثا فَكَذَلِك نقُول فِي الْوَاحِد هِنْد قَامَت التاءُ عَلامَة الأْنيث وَالضَّمِير فِي النيَّة كَمَا كَانَ فِي المذكَّر وإِن ثنَّى أَلحق الأَلف (بِكَ) للمخاطب وتكسر الْكَاف للمؤنَّث وَتقول فِي الْغَائِب رأَيته ومررت بِهِ ورأَيتها ومررت بهَا للمؤنَّث ورأَيتهما ومررت بهما للمذكَّر والمؤنَّث ورأَيتهم ومررت بهم للمذكَّر ورأَيتهنّ ومررت بهنَّ للمؤنَّث ورأَيتكنَّ ومررت بكنّ للمخاطبات وللمذكَّر رأَيتكم ومررت بكم وَكَذَلِكَ تَقول هَذَا الضاربي والياءُ فِي مَوضِع نصب وَهَذَا المارّ بِي والياءُ فِي مَوضِع خفض فأَما قَوْلك ضَرَبَنِي وأَكرمني فإِنَّما الِاسْم الياءُ وَهَذِه النُّون زَائِدَة زادوها عمادا للْفِعْل لأَنَّ الأَفعال لَا يدخلهَا كسر وَلَا جر وَهَذِه الياءُ تكسر مَا قبلهَا تَقول هَذَا غلامِي ورأَيت غلامِي فتكسر الْمِيم الَّتِي موضعهَا مَرْفُوع ومنصوب فزيدت هَذِه النُّون لتسلم فَتْحة الْفِعْل فِي الْمَاضِي وإِعرابه فِي إِعرابه وَذَاكَ ضَرَبَنِي ويضربني كَمَا تفعل فِي الْخَفْض إِذا أَردت سَلامَة مَا قبل الياءِ تَقول مِيِّي وعنِّي لأَنَّ (مِنْ) و (عنْ) لَا تحرّك نونهما لأَنَّهما حُرُوف مبنيّة وَكَذَلِكَ قَطْني / وقَدْنِي وَمَا كَانَ مثل ذَلِك وإِنَّما زيدت النُّون لأَنَّها تزاد فِي الأَواخر كالتنوين الَّذِي يلْحق الأَسماءِ والنونِ الْخَفِيفَة والثقيلة الَّتِي تلْحق الأَفعال وَالنُّون الَّتِي تزاد مَعَ الأَلف فِي فَعْلان وَالنُّون حرف أَعنّ مضارع حُرُوف المدّ واللين

هَذَا بَاب الإِضمار الَّذِي يلْحق الْوَاحِد الْغَائِب وَتَفْسِير أَصله وأَين يجوز أَن يُبدل من الْوَاو الَّتِي تلحقها الياءُ والعلَّة فِي ذَلِك

فالأَصل فِي هَذَا الضَّمِير أَن تتبع هاءَه وَاو فالاسم الهاءُ وحدَها وَالْوَاو تلحقها لخفاءِ الهاءِ فإِذا وقفت وقفت بالهاءِ وَحدهَا لئلاَّ يكون الْوَاو بِمَنْزِلَة الْحُرُوف الأَصليّة وَذَلِكَ قَوْلك رأَيتهْ وأَعطيتهْ إِذا وقفت فإِذا وصلت قلت أَعطيتهو يَا رجل وجاءَني غلامهو فَاعْلَم رأَيت غلامهو يَا فَتى ومررت بغلامهو ومررت بهو و {فَخَسَفْنَا بهُو وَبِدَارِهُو الأَرْضَ} وعليهو مَال وَهَذِه عصاهو يَا فَتى وَهَذَا أَخوهو فَاعْلَم هَذَا الأَصل فِي هَذَا كلِّه فإِن كَانَ قبل هَذِه الهاءِ ياءٌ / أَو كسرة كَانَ الأَحسن أَن تبدل من ضمّتها كسرة - لاستثقالهم الضمّة بعد الياءِ والكسرة - وَمن الْوَاو يَاء وإِن جِئْت بهَا على الأَصل كَمَا بدأْنا بِهِ فعربيّ جيّد فأَمّا مَا كَانَت قبلهَا كسرة فنحو مَرَرْت بهى يَا فَتى وَنزلت فِي دارهى ياهذا وَنَحْو ذَلِك وأَمَّا مَا كَانَ بالياءِ فإِنَّما يصلُح إِذا كَانَت الياءُ سَاكِنة نَحْو نزلت عليهى يَا فَتى وَذَهَبت إِليهى يَا رجل وإِن شِئْت حذفت الَّتِي بعد الهاءِ لسكونها وَسُكُون الياءِ لأَنَّ الهاءَ الَّتِي بَينهمَا حاجز لَيْسَ بحصين فَتَقول نزلت عَلَيْهِ يَا فَتى وَذَهَبت إِليه فَاعْلَم وَكَذَلِكَ تفعل بِمَا كَانَ مثله نَحْو قَوْله عزَّ وجلّ {فَألْقى مُوسَى عَصَاهُ} لأَنَّ هَذَا يشبّه بالتقاءِ الساكنين لخفاءِ الهاءِ فإِن كَانَت الياءُ متحرّكة لم يكن ذَلِك لأَنَّ الْحَرَكَة حاجزة بَينهمَا تَقول رأَيت قاضيَهو يَا فَتى وكلَّمت غازيهو فَاعْلَم فإِن كَانَت هَذِه الهاءُ لمؤنث لزمتها الأَلف والفتحة للفصل بَين المؤنّث والمذكَّر وجري ذَلِك فِي الْوَقْف مجْرَاه فِي الْوَصْل لخفَّة الفتحة والأَلف كَمَا أَنَّك تَقول رأَيت زيدا فِي النصب وتقف فِي الرّفْع والخفض بِغَيْر وَاو وَلَا ياءٍ وَذَلِكَ قَوْلك رأَيتها وضربتها وَهَذَا غازيْها ورأَيت قاضيَها

هَذَا بَاب مَا يخْتَار فِيهِ حذف الْوَاو والياءِ من هَذِه الهاءَات

اعْلَم أَنَّه إِذا كَانَ قبل هاءِ المذكَّر ياءٌ سَاكِنة أَو وَاو سَاكِنة أَو أَلف كَانَ الَّذِي يخْتَار حذف الْوَاو والياءِ بعْدهَا وَذَلِكَ لأَنَّ قبلهَا حرف لين وَهِي خفيّة وَبعدهَا حرف لين فكرهوا اجْتِمَاع حرفين ساكنين كِلَاهُمَا حرف لين لَيْسَ بَينهمَا إِلاَّ حرف خفيّ مخرجه مخرج الأَلف وَهِي إِحْدَى / هَذِه الثَّلَاث وَذَلِكَ قَوْله {فَألْقى مُوسَى عَصَاهُ} {وَعَلَيْهِ مَا حُمِّلَ} وفِيْهِ بَصَائِرُ ورأَيت قَفاهُ يَا فَتى وإِن أَتممت فعربيّ حسن وَهُوَ الأَصل وَهُوَ الِاخْتِيَار لما ذكرت لَك فإِن كَانَ قبل الهاءِ حرف سَاكن لَيْسَ من هَذِه الْحُرُوف فإِنَّ سِيبَوَيْهٍ والخليل يختاران الإِتمام والحذف عِنْدِي أَحسن وَذَلِكَ قَوْله {مِنْهُ آيَات محكمات} وَمن لدْنهُ يَا فَتى فِي إِلا وسيبويه والخليل يختاران {إِتمام} الْوَاو لما ذكرت لَك فالإِتمام {عِنْدهمَا أَجود} لأَنَّها قد خرجت من حُرُوف اللين تَقول رأَيت يَا فَتى وَاعْلَم أَنَّ الشعراءَ يضطرون {فيحذفون} هَذِه الياءَ وَالْوَاو ويبقون الْحَرَكَة لأَنَّها لَيست بأَصل {كَمَا يحذفون} سَائِر الزَّوَائِد فَمن ذَلِك قَول الشَّاعِر

(فإِنْ يكُ غَثَّا أَو سَمينا فإِنَّني ... سأَجعَلُ عَيْنيْهِىْ لنفسهِ مَقْنَعا)

وَقَالَ الآخر

(وَمَا لهُ من مَجْدٍ قديمٍ وَلَا لهُ ... منَ الرّيح حَظٌ لَا الجَنُوبِ وَلَا الصَّبا) أَو أَكثر قَالَ فعلنَا وَلم يجز فعل نَحن وَلما ذكرت لَك

(لهُ زَجَلٌ كأَنَّهُ صَوْتُ حادٍ ... إِذا طلب الوسِيْقَةَ أَو زَمِيرُ)

وَهَذَا كثير فِي الشّعْر جدّا وَقد اضطرّ الشَّاعِر أَشدَّ من هَذِه الضَّرُورَة فَحذف الْحَرَكَة مَعَ الْحَرْف وَكَانَ ذَلِك جَائِزا لأَنَّها زِيَادَة وَهُوَ قَوْله

(فَظلتُ لَدَى البيتِ الْعَتِيق أُريغْهُ ... ومِطْوايَ مُشْتاقان لَهُ أَرِقانِ)

هَذَا بَاب إِضمار جمع المذكَّر

اعْلَم أَنَّ حدّ الإِضمار أَن يكون كافا وميما وواوا إِذا كَانَ المخاطبون مذكَّرِين فَتَقول ضربتكمو يَا قوم ورأَيتكمو المنطلقين وإِنَّما كَانَت الْوَاو لهَذَا لَازِمَة لأَنَّ التَّثْنِيَة رأَيتكما وإِذا لَزِمت التثنيةَ الأَلف لَزِمت الْجمع الْوَاو كَقَوْلِك مسلمان ومسلمون ولكنَّك تحذف إِن شِئْت هَذِه الْوَاو اسْتِخْفَافًا / فَتَقول رأَيتكمْ وضربتكمْ وإِنَّما كَانَ ذَلِك لأَنَّ التَّثْنِيَة تلزمها الأَلفُ فَلَا يكون هَا هُنَا التباس فإِن قَالَ قَائِل فَلم لم تحذف الأَلف من الِاثْنَيْنِ وَتبقى الْوَاو فِي الْجمع قيل لما تقدّم ذكره مِنْ خفَّة الفتحة والأَلف أَلا ترى أَنَّك تَقول فِي الْمُؤَنَّث مَرَرْت بهَا فَلَا تقف إِلاَّ بالأَلف وَفِي وقف المذكَّر مَرَرْت بهْ ورأَيتهْ بِغَيْر ياءٍ وَلَا وَاو كَمَا وصفت لَك فِي قَوْلك مَرَرْت بزيْد ورأَيت زيدا فإِن قَالَ قَائِل فَمَا بالكم إِذا قُلْتُمْ رأَيتكم حذفتم الْوَاو وَلم تثبتوا الْحَرَكَة قيل لأَنَّ الضمّة فِي الاستثقال مَعَ هَذَا كالواو وإِنَّما بقيت الْحَرَكَة فِي الْوَاحِد فِي قَوْله {مِنْهُ آيَات محكمات} و {عَلَيْهِ مَا حمل} لأَنَّ مَا قبل الهاءِ سَاكن فَلم يجز إِسكانها فيلتقي ساكنان وإِن خبّرت عَن جمَاعَة مخاطبين أَنَّهم فعلوا فحقُّه أَن يُقَال فعلتمو وذهبتمو كَمَا يُقَال للاثنين فعلتما وأَمَّا الْكَاف فِي ضربتكم فإِنَّما جاءَت لأَنَّها ضمير / الْمَنْصُوب والمخفوض ثمّ لحقها زِيَادَة للْجمع أَلا ترى أَنَّك تَقول ضربتك وضربتكما وضربتكمو وَتقول إِذا كَانُوا فاعلين ضربت ضربتما وضربتمو وَتقول ضَرَبْتُمْ بِغَيْر وَاو لما أَخبرتك فِي أَوّل الْبَاب فَهَذَا ذَاك بِعَيْنِه فإِن كَانَ المذكَّرون غُيَّابا وضعت الهاءَ مَكَان الْكَاف إِذا كَانُوا منصوبين أَو مخفوضين تَقول رأَيتهمو يَا فَتى ومررت بهمو فَاعْلَم وَيجوز الْحَذف وَيكون حسنا يختاره أَكثر النَّاس كَمَا كَانَ فِي المخاطبين إِلاَّ أَنَّه يجوز فِي الهاءِ أَن تكسر إِذا كَانَ قبلهَا كسرة أَو ياءٌ فَتَقول مَرَرْت بهِمى وَنزلت عليهِمى وَمن حذف قَالَ مَرَرْت بهِمْ وَنزلت عليْهِمْ وإِنَّما جَازَ هَذَا فِي الهاءِ لخفائها كَمَا ذكرت لَك فِي الْوَاحِد وَمِنْهُم من يكسر الهاءَ لخفائها ويدع مَا بعْدهَا مضموما لأَنَّه لَيْسَ من الْحُرُوف الخفيّة فَيَقُول مَرَرْت بهِمو والإِتباع أَحسن وَهُوَ أَن يَقُول مَرَرْت بهِمِى وَنزلت عليهِمى وناس من بكر بن وَائِل يُجْرون الْكَاف مُجْرَى الهاءِ إِذ كَانَت مهموسة مثلهَا / وَكَانَت عَلامَة إِضمار كالهاءِ وَذَلِكَ غلط مِنْهُم فَاحش لأَنَّها لم تشبهها فِي الخفاءِ الَّذِي من أَجله جَازَ ذَلِك فِي الهاءِ وإِنَّما يَنْبَغِي أَن يجْرِي الْحَرْف مجْرى غَيره إِذا أَشبههه فِي علَّته فَيَقُولُونَ مَرَرْت بكِم وينشدون هَذَا الْبَيْت

(وإِن قَالَ مَوْلَاهُم على جُلِّ حادثٍ ... منَ الدَّهْر رُدُّوا فَضْلَ أَحلامِكِمْ رَدّوا)

وَهَذَا خطأْ عِنْد أَهل النّظر مَرْدُود وَاعْلَم أَنَّ المذكَّر الْوَاحِد لَا تظهر لَهُ عَلامَة فِي الْفِعْل وَذَلِكَ قَوْلك زيد قَامَ وإِنَّما ضَمِيره فِي النيّة وإِنَّما كَانَ للمخاطب عَلامَة الْجِهَة حرف المخاطبة فإِن ثنَّيت الْغَائِب أَلحقته أَلفا فَقلت فَعَلا وإِن جمعته أَلحقت واوا فَقلت فَعَلُوا لأَنَّ الأَلف إِذا لحقت فِي التَّثْنِيَة لحقت الْوَاو فِي الْجمع فأَمّا (يَفْعَلُونَ) وَمَا كَانَ مثله فإِنَّا أَخَّرنا ذكره حتَّى نذكرهُ فِي إِعراب الأَفعال وَاعْلَم أَنَّ الْمُؤَنَّث يجْرِي فِيمَا ذكرنَا مجْرى المذكَّر إِلاَّ أَنَّ عَلامَة المؤنَّث الْمُخَاطب أَن يلْحقهُ الكسرة لأَنَّ الكسرة / ممّا تونِّث وَجمع المؤنَّث بالنُّون مكانَ الْمِيم فكلّ مَوضِع {لَا تكون عَلامَة المذكَّر} فِيهِ واوا فِي الأَصل فالنون للمؤنَّث فِيهِ مضاعفة ليَكُون الحرفان بإِزاءِ الحرفين وكلّ مَوضِع {عَلامَة} المذكَّر {فِيهِ} الْوَاو وَحدهَا فنون الْمُؤَنَّث فِيهِ مُفْردَة وَتقول فِيمَا كَانَ لمؤنث ضربتنّ وقلتن وَقلت للمذكَّرين ضربتمو وقلتمو وَفِي الْمَفْعُول (ضربتكنّ) كَمَا تَقول ضربتكمو وأَكرمتكمو والموضع الَّذِي تكون فِيهِ مُفْردَة ضربْنَ كَمَا تَقول للمذكَّرين ضربُوا وأَكرمُوا فَلَا تلْحق إِلاَّ واوا وَاحِدَة فإِن قلت فَمَا بَال الْوَاو سَاكِنة وَنون جمع المؤنَّث متحرّكة قيل نون التأْنيث أَصلها السّكُون ولكنَّها حرَّكت لالتقاءِ الساكنين لأَنَّ مَا قبلهَا لَا يكون إِلاَّ سَاكِنا فإِ، قيل فَلم فتحت فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَنَّها نون جمع فَحملت على نظيرها وَمن قَالَ قمتمْ وضربتمْ لم يحذف إِحدى النونين لأَنَّها إِنّما تحذف هَاهُنَا استثقالا للضمّة وَالْوَاو وَلَوْلَا ذَلِك لَكَانَ / الأَصل إِثباتها وإِنَّما هِيَ فِي المؤنَّث نون مدغمة - فإِذا أَدغمت الْحَرْف فِي الْحَرْف رفعت لسَانك رَفْعةً وَاحِدَة تمّ بِحَمْد الله

هَذَا بَاب إِعْرَاب الْأَفْعَال المضارعة وَكَيف صَار الْإِعْرَاب فِيهَا دون سَائِر الْأَفْعَال؟

علم أَن الْأَفْعَال إِنَّمَا دَخلهَا الْإِعْرَاب لمضارعتها الْأَسْمَاء وَلَوْلَا ذَلِك لم يجب أَن يعرب مِنْهَا شَيْء وَذَلِكَ أَن الْأَسْمَاء هِيَ المعربة وَمَا كَانَ غير الْأَسْمَاء فمآله لَهَا وَهِي الْأَفْعَال والحروف وَإِنَّمَا ضارع الْأَسْمَاء من الْأَفْعَال مَا دخلت عَلَيْهِ زَائِدَة من الزَّوَائِد الْأَرْبَع الَّتِي توجب الْفِعْل غير ماضي وَلكنه يصلح لوقتين لما أَنْت فِيهِ وَلما لم يَقع والزوائد الْألف وَهِي عَلامَة الْمُتَكَلّم وحقها أَن يُقَال همزَة وَالْيَاء وَهِي عَلامَة الْغَائِب وَالتَّاء وَهِي عَلامَة الْمُخَاطب وعلامة الْأُنْثَى الغائبة وَالنُّون وَهِي للمتكلم إِذا كَانَ مَعَه غَيره وَذَلِكَ قَوْلك أفعل أَنا وَتفعل أَنْت أَو هِيَ ونفعل نَحن وَيفْعل هُوَ وَإِنَّمَا قيل لَهَا مضارعة لِأَنَّهَا تقع مواقع الْأَسْمَاء فِي الْمَعْنى تَقول زيد يقوم وَزيد قَائِم فَيكون الْمَعْنى فيهمَا واحداَ كَمَا قَالَ عز وَجل {وَإِن رَبك ليحكم بَينهم} أَي الْحَاكِم وَتقول زيد يَأْكُل فيصلح أَن يكون فِي حَال أكل وَأَن يَأْكُل فِيمَا يسْتَقْبل كَمَا تَقول زيد آكل أَي فِي حَال أكل وَزيد آكل غَدا وتلحقها الزَّوَائِد لِمَعْنى كَمَا تلْحق الْأَسْمَاء الْألف وَاللَّام للتعريف وَذَلِكَ قَوْلك سيفعل وسوف يفعل وتلحقها اللَّام فِي (إِن زيدا ليفعل) ُ فِي مَعْنَاهُ لفاعل فالأفعال ثَلَاثَة أَصْنَاف مِنْهَا هَذَا الْمُضَارع الَّذِي ذَكرْنَاهُ و (َفعَلَ) وَمَا كَانَ لمعناه لما مضى وقولك (أفعلْ) فِي الْأَمر وَهَذَانِ الصنفان لَا يقعان فِي مَعَاني الْأَسْمَاء وَلَا تلحقهما الزَّوَائِد كَمَا تلْحق الْأَسْمَاء فَأَما مَا كَانَ من ذَلِك على (فعَلَ) قلت حُرُوفه أَو كثرت إِذا أحَاط بِهِ معنى (فَعَلَ) نَحْو ضرب وَعلم وكرم وَحمد ودحرج وَانْطَلق واقتدر وكلم واستخرج واغدودن واعلوط وَقَاتل وتقاتل وكل مَا كَانَ فِي هَذَا الْمَعْنى وَكَذَلِكَ أَن بنيته بِنَاء مَا لم يسم فَاعله نَحْو ضرب ودحرج واستخرج فَهَذَا كُله مَبْنِيّ على الْفَتْح وَكَانَ حق كل مبْنى أَن يسكن آخِره فحرك آخر هَذَا لمضارعته المعربة وَذَلِكَ أَنه ينعَت بِهِ كَمَا ينعَت بهَا تَقول جَاءَنِي رجل ضربنا كَمَا تَقول هَذَا رجل يضربنا وضاربنا وَتَقَع موقع المضارعة فِي الْجَزَاء فِي قَوْلك إِن فعلت فعلتُ فَالْمَعْنى إِن تفعل أفعل فَلم يسكنوها كَمَا لم يسكنوا من الْأَسْمَاء مَا ضارع المتمكن وَلَا مَا جعل من المتمكن فِي مَوضِع بِمَنْزِلَة غير المتمكن فالمضارع من الْأَسْمَاء من عل يَا فَتى لم يسكنوا اللَّام لِأَنَّهُ فِي النكرَة من عل يَا فَتى والمتمكن الَّذِي جعل فِي مَوضِع بِمَنْزِلَة غير المتمكن قَوْلهم إبدأ بِهَذَا أَولا وَيَا حكم وَأما الْأَفْعَال الَّتِي تقع لِلْأَمْرِ فَلَا تضارع المتمكن لِأَنَّهَا لَا تقع موقع الْمُضَارع وَلَا ينعَت بهَا فَلذَلِك سكن آخرهَا فَإِن قَالَ قَائِل هِيَ معربة مجزومة لِأَن مَعْنَاهَا الْأَمر أَلا ترى أَن قَوْلك أضْرب بِمَنْزِلَة قَوْلك ليضْرب زيد فِي الْأَمر فَقَوله ذَلِك يبطل من وُجُوه مِنْهَا قَوْلك صه ومه وقدك فِي مَوضِع الْأَمر وَكَذَلِكَ حذار ونزال وَنَحْوهمَا فقد يَقع الشَّيْء فِي معنى الشَّيْء وَلَيْسَ من جنسه وَمن الدَّلِيل على فَسَاد قَوْله أَن هَذِه الْأَفْعَال المضارعة فِي الْأَعْرَاب كالأسماء المتمكنة والأسماء إِذا دخلت عَلَيْهَا العوامل لم تغير أبنيتها إِنَّمَا تحدث فِيهَا الْأَعْرَاب وَكَذَلِكَ هَذِه الْأَفْعَال تلحقها العوامل فَتحدث لَهَا الْإِعْرَاب بالزوائد الَّتِي لحقتها وَهِي التَّاء والهمزة وَالنُّون وَالْيَاء اللواتي فِي يفعل وَتفعل ونفعل وأفعل فَإِذا قلت (افعلْ) فِي الْأَمر لم تلحقها عَاملا وَلم تقررها على لَفظهَا أَلا ترى أَن الجوازم إِذا لحقتها لم تغير اللَّفْظ نَحْو قَوْلك لم يضْرب زيد وَإِن تذْهب أذهب وَكَذَلِكَ ليذْهب زيد وَلَا يذهب عبد الله فَإِنَّمَا يلْحقهَا الْعَامِل وحروف المضارعة فِيهَا وَأَنت إِذا قلت اذهبْ فَلَيْسَ فِيهَا عَامل وَلَا فِيهَا شَيْء من حُرُوف المضارعة فَإِن قَالَ قَائِل الْإِضْمَار يعْمل فِيهَا قيل هَذَا فَاسد من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الْفِعْل لَا يعْمل فِيهِ الْإِضْمَار إِلَّا أَن يعوض من الْعَامِل وَالثَّانِي أَنه لَو كَانَ ينجزم بجازم مُضْمر لَكَانَ حرف المضارعة فِيهِ الَّذِي بِهِ يجب الْإِعْرَاب لِأَن الْمُضمر كَالظَّاهِرِ أَلا ترى لَو أَنَّك أردْت إِضْمَار لم وَكَانَ هَذَا مِمَّا يجوز من قَوْلك لم يضْرب فحذفت لم لبقيت يضْرب على لَفظهَا وَمَعَهَا لم فَإِن قَالَ قَائِل فَلم بناه على مِقْدَار المضارعة نَحْو اضْرِب وَانْطَلق فقد كسرت كَمَا تَقول بِضَرْب وينطلق وَكَذَلِكَ أقتل كَمَا تَقول يقتل قيل إِنَّمَا لحقت هَذِه البنية لِأَنَّهُ لما لم يَقع وَكَذَلِكَ صُورَة مَا لم يَقع فَهَذَا احتجاج مغن وَفِيه مَا هُوَ أَكثر من هَذَا

هَذَا بَاب تَجْرِيد إِعْرَاب الْأَفْعَال

اعْلَم أَن هَذِه الْأَفْعَال المضارعة ترْتَفع بوقوعها مواقع الْأَسْمَاء مَرْفُوعَة كَانَت الْأَسْمَاء أَو مَنْصُوبَة أَو مخفوضة فوقوعها مواقع الْأَسْمَاء هُوَ الَّذِي يرفعها وَلَا تنتصب إِذا كَانَت الْأَسْمَاء فِي مَوضِع نصب وَلَا تنخفض على كل حَال وَإِن كَانَت الْأَسْمَاء فِي مَوضِع خفض فلهَا الرّفْع لِأَن مَا يعْمل فِي الِاسْم لَا يعْمل فِي الْفِعْل فَهِيَ مَرْفُوعَة لما ذكرت لَك حَتَّى يدْخل عَلَيْهَا مَا ينصبها أَو يجزمها وَتلك عوامل لَهَا خَاصَّة لَا تدخل على الْأَسْمَاء كَمَا لَا تدخل عوامل الْأَسْمَاء عَلَيْهَا فَكل على حياله فَأَما مَا كَانَ مِنْهَا فِي مَوضِع رفع فقولك يقوم زيد يقوم فِي مَوضِع الْمُبْتَدَأ وَكَذَلِكَ زيد يقوم وَيقوم فِي مَوضِع الْخَبَر وَإِن زيدا يقوم يقوم فِي مَوضِع خير إِن وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي مَوضِع الْمَنْصُوب فنحو كَانَ زيد يقوم يَا فَتى وظننت زيدا يقوم وَمَا كَانَ فِي مَوضِع الْمَجْرُور فنحو مَرَرْت بِرَجُل يقوم ومررت بِرَجُل يقوم أَبوهُ فَإِذا أدخلت على هَذِه الْأَفْعَال السِّين أَو سَوف فقد منعتها بهَا من كل عَامل وسيأتيك هَذَا مُبينًا فِي هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب الْحُرُوف الَّتِي تنصب الْأَفْعَال

فَمن هَذِه الْحُرُوف أَن وَهِي وَالْفِعْل بِمَنْزِلَة مصدره إِلَّا أَنه مصدر لَا يَقع فِي الْحَال - إِنَّمَا يكون لما لم يَقع أَن وَقعت على الْمُضَارع وَلما مضى أَن وَقعت على ماضي فَأَما وُقُوعهَا على الْمُضَارع فنحو يسرني أَن تقوم الْمَعْنى يسرني قيامك لِأَن الْقيام لم يَقع والماضي يسرني أَن قُمْت فَأن هِيَ أمكن الْحُرُوف فِي نصب الْأَفْعَال وَكَانَ الْخَلِيل يَقُول لَا ينْتَصب فعل الْبَتَّةَ إِلَّا بِأَن مضمرة أَو مظهرة وَلَيْسَ القَوْل كَمَا قَالَ لما نذكرهُ إِن شَاءَ الله وَمن هَذِه الْحُرُوف لن وَهِي نفي قَوْلك سيفعل تَقول لن يقوم زيد وَلنْ يذهب عبد الله وَلَا تتصل بالقسم كَمَا لم يتَّصل بِهِ سيفعل وَمن هَذِه الْحُرُوف كي تَقول جِئْت كي تكرمني وكي يَسُرك زيد وَمِنْهَا إِذن تَقول إِذن يَضْرِبك زيد فَهَذِهِ تعْمل فِي الْأَفْعَال عمل عوامل الْأَسْمَاء فِي الْأَسْمَاء إِذا قلت ضربت زيدا وأشتم عمرا - وَأعلم أَن هَا هُنَا حروفا تنتصب بعْدهَا الْأَفْعَال وَلَيْسَت الناصبة وَإِنَّمَا أَن بعْدهَا مضمرة فالفعل منتصب ب أَن وَهَذِه الْحُرُوف عوض مِنْهَا ودالة عَلَيْهَا فَمن هَذِه الْحُرُوف الْفَاء وَالْوَاو وأو وَحَتَّى وَاللَّام الْمَكْسُورَة _ فَأَما اللَّام فلهَا موضعان أَحدهمَا نفي وَالْآخر إِيجَاب وَذَلِكَ قَوْله جئْتُك لأكرمك وَقَوله عز وَجل {ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} فَهَذَا مَوضِع الْإِيجَاب وَمَوْضِع النَّفْي مَا كَانَ زيد ليقوم وَكَذَلِكَ قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {مَا كَانَ الله ليذر الْمُؤمنِينَ} (وَمَا كانَ اللهُ لِيُعَذِبّهُمْ وأنتَ فِيهِم) فَأن بعد هَذِه اللَّام مضمرة وَذَلِكَ لِأَن اللَّام من عوامل الْأَسْمَاء وعوامل الْأَسْمَاء لَا تعْمل فِي الْأَفْعَال فَأن بعْدهَا مضمرة فَإِذا أضمرت أَن نصبت بهَا الْفِعْل وَدخلت عَلَيْهَا اللَّام لِأَن أَن وَالْفِعْل أسم وَاحِد كَمَا أَنَّهَا وَالْفِعْل مصدر فَالْمَعْنى جِئْت لِأَن أكرمك أَي جِئْت لإكرامك كَقَوْلِك جِئْت لزيد فَإِن قلت مَا كنت لأضربك فَمَعْنَاه مَا كنت لهَذَا الْفِعْل _ وَأما الْفَاء وأو ففيهما معَان تفسر على حيالها بعد فراغنا من هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله وَكَذَا حَتَّى وَإِذن وَكَانَ الْخَلِيل يَقُول إنَّ أنْ بعد إِذن مضمرة وَكَذَلِكَ لن وَإِنَّمَا هِيَ لَا أَن وَلَكِنَّك حذفت الْألف من لَا والهمزة من أَن وجعلتهما حرفا وَاحِدًا وَلَيْسَ القَوْل عِنْدِي كَمَا قَالَ وَذَلِكَ قَالَ الْخَلِيل لفسد هَذَا الْكَلَام لِأَن زيدا كَانَ ينْتَصب بِمَا فِي صلَة أَن وَلَكِن لن حرف بِمَنْزِلَة أَن وَأما كي فَفِيهَا قَولَانِ أما من أَدخل اللَّام فَقَالَ لكَي تقوم يَا فَتى فَهِيَ عِنْده وَالْفِعْل مصدر كَمَا كَانَ ذَلِك فِي أَن وَأما من لم يدْخل عَلَيْهَا اللَّام فَقَالَ كيمه كَمَا تَقول لمه وَأَن عِنْده بعْدهَا مضمرة لِأَنَّهَا من عوامل الْأَسْمَاء كاللام

هَذَا بَاب إِذن

أعلم أَن إِذن فِي عوامل الْأَفْعَال كظننت فِي عوامل الْأَسْمَاء لِأَنَّهَا تعْمل وتلغى كظننت أَلا ترى أَنَّك تَقول ظَنَنْت زيدا قَائِما وَزيد ظَنَنْت قَائِم إِذا أردْت زيد قَائِم فِي ظَنِّي وَكَذَلِكَ إِذن إِذا أعْتَمد الْكَلَام عَلَيْهَا نصب بهَا وَإِذا كَانَت بَين كلامين أَحدهمَا فِي الآخر عَامل أُلغيت وَلَا يجوز أَن تعْمل فِي هَذَا الْموضع كَمَا تعْمل ظَنَنْت إِذا قلت زيدا ظَنَنْت قَائِما لِأَن عوامل الْأَفْعَال لَا يجوز فِيهَا التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير لِأَنَّهَا لَا تتصرف فَأَما الْموضع الَّذِي تكون فِيهِ مبتدأه وَذَلِكَ قَوْلك إِذا قَالَ لَك قَائِل أَنا أكرمك قلت إِذن أجزيك وَكَذَلِكَ إِن قَالَ انْطلق زيد قلت إِذن ينْطَلق عَمْرو وَمثله قَول الضبيّ

(اُردُدْ حِماركَ لَا تُنْزَعْ سَوِيَّتُهُ ... إِذن يُرَدَّ وقَيدُ العيْرِ مكروبُ) والموضع الَّذِي لَا تكون فِيهِ عاملة الْبَتَّةَ قَوْلك إِن تأتنى إِذن آتِك لِأَنَّهَا دَاخِلَة بَين عَامل ومعمول فِيهِ وَكَذَلِكَ أَنا إِذن أكرمك وَكَذَلِكَ أَن كَانَت فِي الْقسم بَين الْمقسم بِهِ والمقسم عَلَيْهِ نَحْو قَوْلك وَالله إِذن لَا أكرمك لِأَن الْكَلَام مُعْتَمد على الْقسم فَإِن قدمتها كَانَ الْكَلَام مُعْتَمد عَلَيْهَا فَكَانَ الْقسم لَغوا نَحْو إِذن وَالله أضربك لِأَنَّك تُرِيدُ إِذن أضربك وَالله فَالَّذِي تلغيه لَا يكون مقدما إِنَّمَا يكون فِي أَضْعَاف الْكَلَام أَلا ترى إِنَّك لَا تَقول ظَنَنْت زيد منطلق لِأَنَّك إِذا قدمت الظَّن فَإِنَّمَا تبني كلامك على الشَّك وَإِنَّمَا جَازَ أَن تفصل بالقسم بَين إِذن وَمَا عملت فِيهِ من بَين سَائِر حُرُوف الْأَفْعَال لتصرفها وَأَنَّهَا تسْتَعْمل وتلغى وَتدْخل للابتداء وَلذَلِك شبهت بظننت من عوامل الْأَسْمَاء _ وَأعلم أَنَّهَا إِذا وَقعت بعد وَاو أَو فَاء صلح الإعمال فِيهَا والإلغاء لما أذكرهُ لَك وَذَلِكَ قَوْلك إِن تأتني آتِك وَإِذن أكرمك أَن شِئْت رفعت وَإِن شِئْت نصيب وَإِن شِئْت جزمت أما الْجَزْم فعلى الْعَطف على آتِك وإلغاء إِذن وَالنّصب على إِعْمَال إِذن وَالرَّفْع على قَوْلك وَأَنا أكرمك ثمَّ أدخلت إِذن بَين الِابْتِدَاء وَالْفِعْل فَلم تعْمل شَيْئا وَهَذِه الْآيَة فِي مصحف ابْن مَسْعُود {وَإذَنْ لاَ يَلبَثوا خَلفَكَ} الْفِعْل فِيهَا مَنْصُوب بِإِذن وَالتَّقْدِير وَالله أعلم الِاتِّصَال بِإِذن وَإِن رفع فعلى أَن الثَّانِي مَحْمُول على الأول كَمَا قَالَ الله عز وَجل {فَإِذا لَا يُؤْتونَ النَّاس نقيرا} أَي فهم إِذن كَذَلِك فالفاء وَالْوَاو يصلح بعدهمَا هَذَا الْإِضْمَار على مَا وصفت لَك من التَّقْدِير وان تَنْقَطِع إِذن بعْدهَا مِمَّا قبلهمَا ثمَّ يدخلَانِ للْعَطْف بعد أَن عملت إِذن وَنَظِير ذَلِك قَوْلك إِن تعطني أشكرك وَإِذن أَدْعُو الله لَك كَأَنَّهُ قَالَ إِذن أَدْعُو الله لَك ثمَّ عطف هَذِه الْجُمْلَة على مَا قبلهَا لِأَن الَّذِي قبلهَا كَلَام مستغن وَقد يجوز أَن تَقول إِذن أكرمك إِذا أخْبرت أَنَّك فِي حَال إكرام لِأَنَّهَا إِذا كَانَت للْحَال خرجت من حُرُوف النصب لإن حُرُوف النصب إِنَّمَا معناهنَّ مَا لم يَقع فَهَذِهِ حَال إِذن إِلَى أَن نفرد بَابا لمسائلها إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب الْفَاء وَمَا يتنصب بعْدهَا وَمَا يكون مَعْطُوفًا بهَا على مَا قبله

أعلم أَن الْفَاء عاطفة فِي الْفِعْل كَمَا تعطف فِي الْأَسْمَاء تَقول أَنْت تَأتِينِي فتكرمني وَأَنا أزورك فَأحْسن إِلَيْك كَمَا تَقول أَنا آتِيك ثمَّ أكرمك وَأَنا أزورك وَأحسن إِلَيْك هَذَا إِذا كَانَ الثَّانِي دَاخِلا فِيمَا يدْخل فِيهِ الأول كَمَا تكون الْأَسْمَاء فِي قَوْلك رَأَيْت زيدا فعمرا وأتيت الْكُوفَة فالبصرة فَإِن خَالف الأول الثَّانِي لم يجز أَن يحمل عَلَيْهِ فَحمل الأول على مَعْنَاهُ فانتصب الثَّانِي بإضمار إِن وَذَلِكَ قَوْلك مَا تَأتِينِي فتكرمني وَمَا أزورك فتحدثني إِن أَرَادَ مَا أزورك وَمَا تُحَدِّثنِي كَانَ الرّفْع لاغير لِأَن الثَّانِي مَعْطُوف على الأول وَإِن أَرَادَ مَا أزورك فَكيف تُحَدِّثنِي وَمَا أزورك إِلَّا لم تُحَدِّثنِي على معنى كلما زرتك لم تُحَدِّثنِي كَانَ النصب لِأَن الثَّانِي على خلاف الأول وتمثيل نَصبه أَن يكون الْمَعْنى مَا تكون مني زِيَارَة فَيكون حَدِيث مِنْك فَلَمَّا ذهبت بِالْأولِ إِلَى الِاسْم أضمرت أَن إِذْ كنت قد عطفت اسْما على اسْم لِأَن أَن وَمَا عملت فِيهِ اسْم فَالْمَعْنى لم تكن زِيَارَة فإكرام وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ غير وَاجِب وَهُوَ الْأَمر وَالنَّهْي والاستفهام فَالْأَمْر ائْتِنِي فأكرمك وزرني فأعطيك كَمَا قَالَ الشَّاعِر

(يَا ناقُ سيري عَنَقاً فَسيحاَ ... إِلَى سُليْمانَ فَتَسْتَريحا) وَالنَّهْي مثل لَا تَأتِينِي فأكرمك كَقَوْلِه عز وَجل {لَا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بِعَذَاب} وَكَقَوْلِه عز وَجل {وَلَا تطغوا فِيهِ فَيحل عَلَيْكُم غَضَبي} والاستفهام أتأتيني فأعطيك لِأَنَّهُ أستفهم عَن الْإِتْيَان وَلم يستفهم عَن الْإِعْطَاء وَإِنَّمَا يكون إِضْمَار أَن إِذا خَالف الأول الثَّانِي لَو قلت لَا تقم فَتضْرب زيدا لجزمت إِذا أردْت لَا تقم وَلَا تضرب زيدا فَإِذا أردْت لَا تقم فَتضْرب زيدا إِي فَإنَّك إِن قُمْت ضَربته لم يكن إِلَّا النصب لِأَنَّك لم ترد ب تضرب النَّهْي فَصَارَ الْمَعْنى لَا يكن مِنْك قيام فَيكون مِنْك ضرب لزيد وَذَلِكَ أتأتيني فأكرمك الْمَعْنى أَيكُون هَذَا مِنْك فَإِنَّهُ مَتى كَانَ مِنْك كَانَ مني إكرام

هَذَا بَاب مسَائِل هَذَا الْبَاب وَمَا يكون فِيهِ مَعْطُوفًا أَو مُبْتَدأ مَرْفُوعا وَمَا لَا يجوز فِيهِ إِلَّا النصب إِلَّا أَن يضْطَر شَاعِر

تَقول مَا تَأتِينِي فتحدثني فالنصب يشْتَمل على مَعْنيين يجمعهما أَن الثَّانِي مُخَالف للْأولِ فأحد الْمَعْنيين مَا تَأتِينِي إِلَّا لم تُحَدِّثنِي أَي قد يكون مِنْك إتْيَان وَلَكِن لست تُحَدِّثنِي وَالْمعْنَى الثَّانِي لَا يكون مِنْك إتْيَان وَلَا حَدِيث فاعتباره مَا تَأتِينِي مُحدثا وَكلما أتيتني لم تُحَدِّثنِي وَالْوَجْه الآخر مَا تَأتِينِي فَكيف تُحَدِّثنِي أَي لَو أتيتني لحدثتني وَأما الرّفْع فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا مَا تَأتِينِي وَمَا تُحَدِّثنِي وَالْآخر شريك للْأولِ دَاخل مَعَه فِي النَّفْي وَالْوَجْه الثَّانِي أَن تَقول مَا تَأتِينِي فتحدثني أَي مَا تَأتِينِي وَأَنت تُحَدِّثنِي وتكرمني وَكَذَلِكَ مَا تُعْطِينِي فأشكرك أَي مَا تُعْطِينِي وَأَنا أشكرك على حَال وَمثل ذَلِك فِي الْجَزْم ألم أعطك فتشكرني جزم تشكرني بلم ودخلا مَعًا فِي الِاسْتِفْهَام وَالرَّفْع على قَوْلك فَأَنت تشكرني وَلَو قلت مَا أَنْت بصاحبي فأكرمك لَكَانَ النصب على قَوْلك فَكيف أكرمك وَلم يجز الرّفْع على الشّركَة لِأَن الأول اسْم فَلَا يُشْرك الْفِعْل مَعَه وَلَكِن لَو حَملته على فَأَنا أكرمك على حَال ثمَّ تعطف جملَة على جملَة لجَاز وعَلى هَذَا قَوْله

(فَمَا أنتَ مِنْ قَيْسٍ فَتَنْبَحَ دُونها ... وَلَا مِنْ تَميمِ فِي الرءُوسِ الأعاظِمِ)

وَلَو رفع على أَنْت تنبَحُ على حَال جَازَ وَأما قَول الله عز وَجل {لَا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُتوا} فَهُوَ على قَوْلك لَا تَأتِينِي فأعطيك أَي لَو أتيتني لأعطيتك وَهُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي أحد الْوَجْهَيْنِ من قَوْلك مَا تَأتِينِي فتحدثني إِذا أردْت لَو أتيتني لحدثتني وَتقول كَأَنَّك لم تأتنا فتحدثنا إِذا أردْت الْوَجْه فِي قَوْلك مُحدثا وَهُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي مَا تَأتِينِي فتحدثني أَي كلما أتيتني لم تُحَدِّثنِي فَهُوَ مَا تَأتِينِي مُحدثا أَي قد يكون مِنْك إتْيَان وَلَا حَدِيث كَمَا قَالَ

(كأنَّكَ لَمْ تذْبَحَ لأهلِكَ نَعْجَةً ... فيُصْبِحَ مُلْقى بالفِناءِ إهابُها)

وَأما قَوْله عز وَجل {فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون} النصب هَا هُنَا محَال لِأَنَّهُ لم يَجْعَل فَيكون جَوَابا هَذَا خلاف الْمَعْنى لِأَنَّهُ لَيْسَ هَهُنَا شَرط إِنَّمَا الْمَعْنى فَإِنَّهُ يَقُول لَهُ كن فيكونُ وكُنْ حِكَايَة وَأما قَوْله عز وَجل {أَن نقُول لَهُ كن فَيكون} فالنصب وَالرَّفْع فَأَما النصب فعلى أَن تَقول فيكونَ يَا فَتى وَالرَّفْع على هُوَ يَقُول فَيكون وَأما قَول الشَّاعِر

(وَمَا أَنا للشيءِ الَّذِي ليسَ نافِعي ... ويَغضَبُ صَاحِبي بِقَؤولِ) فَإِن الرّفْع الْوَجْه لِأَن يغْضب فِي صلَة الَّذِي لِأَن مَعْنَاهُ الَّذِي يغْضب مِنْهُ صَاحِبي وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ يقدم النصب ويثنى بِالرَّفْع وَلَيْسَ القَوْل عِنْدِي كَمَا قَالَ لِأَن الْمَعْنى الَّذِي يَصح عَلَيْهِ الْكَلَام إِنَّمَا يكون بِأَن يَقع يغْضب فِي الصِّلَة كَمَا ذكرت لَك وَمن أجَاز النصب فَإِنَّمَا يَجْعَل يغْضب مَعْطُوفًا على الشَّيْء وَذَلِكَ جَائِز وَلكنه بعيد وَإِنَّمَا جَازَ لِأَن الشَّيْء منعوت فَكَانَ تَقْدِيره وَمَا أَنا للشَّيْء الَّذِي هَذِه حَاله وَلِأَن يغْضب صَاحِبي وَهُوَ كَلَام مَحْمُول على مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَقُول الْغَضَب إِنَّمَا يَقُول مَا يُوجب الْغَضَب وَمثل هَذَا يجوز تَقول إِنَّمَا جَاءَ بِهِ طَعَام زيد وَالْمعْنَى إِنَّمَا جِئْت من أَجله وَكَذَلِكَ قَوْلك إِنَّمَا شِفَاء زيد السَّيْف وَإِنَّمَا تحيته الشتم أَي هَذَا الَّذِي أَقَامَهُ مقَام التَّحِيَّة ومقام الشِّفَاء كَمَا قَالَ

(وخيْلٍ قَدَ دُلَفْتُ لَهَا بخيلٍ ... تحيّةُ بَينهُم ضرْبٌ وَجيعُ)

فَهَذَا كَلَام مَفْهُوم وَتَحْقِيق لَفظه مَا ذكرت لَك وَأما قَول الله عز وَجل {ألم تَرَ أَن الله أنزل من السَّمَاء مَاء فَتُصْبِح الأَرْض مخضرة} فَهَذَا هُوَ الْوَجْه لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَوَاب لِأَن الْمَعْنى فِي قَوْله {ألم تَرَ} إِنَّمَا هُوَ انتبه وَانْظُر أنزل الله من السَّمَاء مَاء فَكَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَيْسَ كَقَوْلِك ألم تأتِ زيدا فيكرمك لِأَن الْإِكْرَام يَقع بالإتيان وَلَيْسَ اخضرار الأَرْض وَاقعا من أجل رؤيتك وَكَذَلِكَ قَوْله عز وَجل {وَمَا يعلمَانِ من أحد حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحن فتْنَة فَلَا تكفر فيتعلمون} لِأَنَّهُ لم يَجْعَل سَبَب تعليمهم قَوْله {لَا تكفر} كَمَا تَقول لَا تَأتِينِي فأضربك لِأَنَّهُ يَقُول إِنَّك إِن أتيتني ضربتك وَقَوله {فَلَا تكفر} حِكَايَة عَنْهُم وَقَوله {فيتعلمون} لَيْسَ مُتَّصِلا بِهِ وَلَو كَانَ كَذَلِك كَانَ لَا تكفر فَتَتَعَلَّمُ يَا فَتى وَلَكِن هُوَ مَحْمُول على قَوْله {يعلمُونَ النَّاس السحر} فيتعلمون مِنْهُم لَا يَصح الْمَعْنى إِلَّا على هَذَا أَو على الْقطع أَي مِنْهُم يتعلمون وَأما قَول النَّابِغَة

(فَلَا زالَ قَبْرٌ بَيْنَ بُصرى وجاسِمٍ ... عليهِ منَ الوَسْمِيِّ سُحٌ ووابِلٌ)

(فَيُنْبِتُ حَوذانا وعَوفا مُنَوِّرا ... سأُتبِعُهُ مِنْ خَيْرِ مَا قالَ قائلُ)

فَإِن الرّفْع الْوَجْه لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَوَاب إِنَّمَا هُوَ فَذَاك يُنبت حوذانا وَلَو جعله جَوَابا لقَوْله

(فَلَا زالَ)

كَانَ وَجها جيدا وَتقول لَا تمددها فتشققها على الْعَطف فَإِن أردْت الْجَواب قلت فتشُّقها على مَا فسرت لَك وَتقول أَيْن بَيْتك فأزورك فَإِن أردْت أَن تَجْعَلهُ جَوَابا نصبت وَإِن أردْت أَن تجْعَل الزِّيَارَة وَاقعَة على حَال قلت أَيْن بَيْتك فَأَنا أزورك على حَال وَتقول فِي الْجَزَاء من يأتني فيكرمني أعْطه لَا يكون إِلَّا ذَلِك لِأَن الْكَلَام مَعْطُوف على مَا قبله فَإِن قلت من يأتني آته فَأكْرمه كَانَ الْجَزْم الْوَجْه وَالرَّفْع جَائِز على الْقطع على قَوْلك فَأَنا أكْرمه وَيجوز النصب وَإِن كَانَ قبيحا لِأَن الأول لَيْسَ بِوَاجِب إِلَّا بِوُقُوع غَيره وَقد قرئَ هَذَا الْحَرْف على ثَلَاثَة اضْرِب {يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله فَيغْفر لمن يَشَاء} بِالْجَزْمِ وَالرَّفْع وَالنّصب وينشد هَذَا الْبَيْت رفعا ونصبا لِأَن الْجَزْم يكسر الشّعْر وَإِن كَانَ الْوَجْه وَهُوَ قَوْله

(ومنْ يَغْتَرِبْ عَنْ قومهِ لَا يَزَلْ يَرى ... مصارِعَ مَظلومٍ مَجَرَّا ومَسحَبا)

(وتُدْفَنْ مِنهُ الصالحاتُ وَإِن يُسِيءُ ... يكَنْ مَا أساءَ النارِ فِي رأسِ كَبْكَبَا) وَالْوَاو الْفَاء فِي هَذَا سَوَاء فَأَما قَوْله

(فقلتُ لهُ قرّبْ وَلَا تَجْهدَنَّهُ ... فَيَذِرُكَ مِنْ أُخْرَى القطاةِ فَتَزْلَقَ)

فَإِنَّمَا هُوَ على الْعَطف فَدخل كُله فِي النَّفْي أَرَادَ وَلَا يدنك وَلَا تزلقّن وَتقول أَلا تأتني فتكرمني أقعد عَنْك فالجزم الْوَجْه فِي فتكرمني وَالنّصب يجوز من أجل النَّفْي لِأَن مَعْنَاهُ إِلَّا تأتني مكرما كَمَا قَالَ مَا تَأتِينِي فتحدثني أَي مَا تَأتِينِي مُحدثا وعَلى هَذَا ينشد هَذَا الْبَيْت

(ومنْ لَا يُقدِّم رِجْلَهُ مُطْمئنَّةً ... فَيُثبِتَها فِي مُستَوى الأرضِ يَزَلِقِ)

وَأعلم أَن الشَّاعِر إِذا اضْطر جَازَ لَهُ أَن ينصب فِي الْوَاجِب وَالنّصب فِي إِضْمَار أَن يذهب بِالْأولِ إِلَى الِاسْم على الْمَعْنى فَيَقُول أَنْت تَأتِينِي فتكرمني تُرِيدُ أَنْت يكون مِنْك إتْيَان فإكرام فَهَذَا لَا يجوز فِي الْكَلَام وَإِنَّمَا يجوز فِي الشّعْر للضَّرُورَة كَمَا يجوز صرف مَا لَا ينْصَرف وتضعيف مَا لَا يضعف فِي الْكَلَام قَالَ (سأتركُ مَنزلي لبني تَميمٍ ... وألحقُ بالعراقٍ فأستَريحا)

وَقَالَ الشَّاعِر

(لنا هَضبَةٌ لَا يَنزِلُ الذلَّ وسطَها ... ويأوى إِلَيْهَا المُستَجيرُ فيُعصما)

هَذَا إنشاد بَعضهم وَهُوَ فِي الرداءة على مَا ذكرت لَك وَأَكْثَرهم ينشد

(لِيُعصَما)

وَهُوَ الْوَجْه الْجيد

هَذَا بَاب الْوَاو

أعلم أَن الْوَاو فِي الْخَبَر بِمَنْزِلَة الْفَاء وَكَذَلِكَ كل مَوضِع يعْطف فِيهِ مَا بعْدهَا على مَا قبلهَا فَيدْخل فِيمَا دخل فِيهِ وَذَلِكَ قَوْلك أَنْت تَأتِينِي وتكرمني وَأَنا أزورك وَأُعْطِيك وَلم آتِك وأكرمك وَهل يذهب زيد وَيَجِيء عَمْرو إِذا استفهمت عَنْهُمَا جَمِيعًا وَكَذَلِكَ إين يذهب عَمْرو وينطلق عبد الله وَلَا تضربن زيدا وتشتم عمرا لِأَن النَّهْي عَنْهُمَا جَمِيعًا فَإِن جعلت الثَّانِي جَوَابا فَلَيْسَ لَهُ فِي جَمِيع الْكَلَام إِلَّا معنى وَاحِد وَهُوَ الْجمع بَين الشَّيْئَيْنِ وَذَلِكَ قَوْلك لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن أَي لَا يكون مِنْك جمع بَين هذَيْن فَإِن نَهَاهُ عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا على حَال قَالَ لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن لِأَنَّهُ أَرَادَ لَا تَأْكُل السّمك على حَال وَلَا تشرب اللَّبن على حَال فتمثيله فِي الْوَجْه الأول لَا يكن مِنْك أكل للسمك وَأَن تشرب اللَّبن وعَلى هَذَا القَوْل لَا يسعني شَيْء ويعجز عَنْك لَا معنى للرفع فِي يعجز لِأَنَّهُ لَيْسَ يخبر أَن الْأَشْيَاء كلهَا لَا تسعه وان الْأَشْيَاء كلهَا لَا تعجز عَنهُ كَمَا قَالَ

(لَا تَنهَ عَنْ خُلُقٍ وتأتيَ مِثلَهُ ... عارٌ عَليكَ إِذا فعلتَ عَظيمُ)

أَي لَا يجْتَمع أَن تنْهى وَتَأْتِي مثله وَلَو جزم كَانَ الْمَعْنى فَاسِدا وَلَو قلت بِالْفَاءِ لَا يسعني شَيْء فيعجز عَنْك كَانَ جيدا لِأَن مَعْنَاهُ لَا يسعني شَيْء إِلَّا لم يعجز عَنْك وَلَا يسعني عَاجِزا عَنْك هَذَا تَمْثِيل هَذَا كَمَا قلت لَك فِي مَا تَأتِينِي فتحدثني أَي إِلَّا لم تُحَدِّثنِي وَمَا تَأتِينِي مُحدثا فَمَعْنَى الْوَاو الْجمع بَين الشَّيْئَيْنِ ونصبها على إِضْمَار أَن كَمَا كَانَ فِي الْفَاء وتنصب فِي كل مَوضِع تنصب فِيهِ الْفَاء أَلا ترى أَن قَوْلك زُرني وأزورك إِنَّمَا هُوَ لتكن مِنْك زِيَارَة وزيارة مني وَلَو أَرَادَ الْأَمر فِي الثَّانِي لقَالَ زرني ولأزرك حَتَّى يكون الْأَمر جَارِيا عَلَيْهِمَا والنحويون ينشدون هَذَا الْبَيْت على ضَرْبَيْنِ وَهُوَ قَول الشَّاعِر

(لقد كانَ فِي حَولٍ ثَواءٍ ثَويْتُه ... تُقضَّى لُباناتٌ ويُسْأمُ سائمُ)

فيرفع يسأم لِأَنَّهُ عطفه على فعل وَهُوَ تُقضى فَلَا يكون إِلَّا رفعا وَمن قَالَ تَقضِّي لُبانات قَالَ ويسأمَ سائمُ لِأَن تَقَضِّى اسْم فَلم يجز أَن تعطف عَلَيْهِ فعلا فاضمر أَن ليجري الْمصدر على الْمصدر فَصَارَ تقضِّى لبانات وان يسأمَ سائم أَي وسآمة سائم وعَلى هَذَا ينشد هَذَا الْبَيْت

(لَلُبْسُ عَباءةٍ وتَقرَّ عَيني ... أحبُ إليَّ مِنْ لُبْسِ الشُفُوفِ)

أَي وَإِن تقر عَيْني فَأَما قَوْله

(ألمْ أكُ جارَكَم ويكونَ بيني ... وبينَكُمْ المَودّةُ والإخاءُ)

فَإِنَّهُ أَرَادَ ألم يجْتَمع كَون هَذَا مِنْكُم وَكَون هَذَا مني وَلَو أَرَادَ الْإِفْرَاد فيهمَا لم يكن إِلَّا مَجْزُومًا كَأَنَّهُ قَالَ ألم يكن بيني وَبَيْنكُم وَالْآيَة تقْرَأ على وَجْهَيْن {وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم وَيعلم الصابرين} على مَا ذكرت لَك

هَذَا بَاب أَو

وَهِي تكون للْعَطْف فتجري مَا بعْدهَا على مَا قبلهَا كَمَا كَانَ ذَلِك فِي الِاسْم إِذا قلت ضربت زيدا أَو عمرا وَيكون مضمرا بعْدهَا أَن إِذا كَانَ الْمَعْنى إِلَّا أَن يكون وَحَتَّى يكون وَذَلِكَ قَوْلك أَنْت تضرب زيدا أَو تكرم عمرا على الْعَطف وَقَالَ الله عز وَجل {ستدعون إِلَى قوم أولي بَأْس شَدِيد تقاتلونهم أَو يسلمُونَ} أَي يكون هَذَا أَو يكون هَذَا فَأَما الْموضع الَّذِي تنصب فِيهِ بإضمار أَن فقولك لألزَمَنّكَ أَو تُقضيني أَي إِلَّا أَن تقضيني وَحَتَّى تقضيني وَفِي مصحف أبيّ {تُقاتِلونَهُمْ أَو يُسْلِموا} على معنى إِلَّا أَن يسلمُوا وَحَتَّى يسلمُوا وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس

(فَقلت لَهُ لاتَبكِ عَينُكَ إِنَّمَا ... نُحاوِلُ مُلْكاً أَو نَموتَ فَنُعذرا) أَي إِلَّا أَن نموت وَقَالَ زيدا الْأَعْجَم

(وكُنتُ إِذا غَمزتُ فتاةَ قومٍ ... كسرتُ كعوبَها أَو تستَقيما)

وَيُقَال أتجلس أَو تقوم يَا فَتى فَالْمَعْنى أَيكُون مِنْك وَاحِد من الْأَمريْنِ وَتقول هَل تكلمُنا أَو تنبسطُ إِلَيْنَا لَا معنى للنصب هَا هُنَا قَالَ الله عز وَجل {هَل يسمعونكم إِذْ تدعون أَو ينفعونكم أَو يضرون} فجملة هَذَا أَن كل مَوضِع تصلح فِيهِ حَتَّى وَإِلَّا أَن فالنصب فِيهِ جَائِز جيد إِذا أردْت هَذَا الْمَعْنى والعطف على مَا قبله مُسْتَعْمل فِي كل مَوضِع

هَذَا بَاب أنْ

اعْلَم أَن أنْ وَالْفِعْل بِمَنْزِلَة الْمصدر وَهِي تقع على الْأَفْعَال المضارعة فتنصبها وَهِي صلَاتهَا وَلَا تقع مَعَ الْفِعْل حَالا لِأَنَّهَا لما لَا يَقع فِي الْحَال وَلَكِن لما يسْتَقْبل فَإِن وَقعت على الْمَاضِي نَحْو سرني أَن قُمْت وساءني أَن خرجت كَانَ جيدا قَالَ الله عز وَجل {وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي} أَي لِأَن كَانَ هَذَا فِيمَا مضى فَهَذَا كُله لَا يلْحق الْحَال لِأَن الْحَال لما أَنْت فِيهِ وَاعْلَم أَن هَذِه لَا تلْحق بعد كل فعل إِنَّمَا تلْحق إِذا كَانَت لما لم يَقع بعد مَا يكون توقعاً لَا يَقِينا لِأَن الْيَقِين ثَابت وَذَلِكَ قَوْلك ارجوا أَن تقوم يَا فَتى وأخاف أَن تذهبَ يَا فَتى كَمَا قَالَ عز وَجل {نخشى أَن تصيبنا دَائِرَة} وَلَو قلت أعلم أَن تقوم يَا فَتى لم يجز لِأَن هَذَا شَيْء ثَابت فِي علمك فَهَذَا من مَوَاضِع أَن الثَّقِيلَة نَحْو اعْلَم أَنَّك تقوم يَا فَتى وَتقول أَظُنك أَنَّك ستقوم لِأَنَّهُ شَيْء قد اسْتَقر فِي ظَنك كَمَا اسْتَقر الآخر فِي علمك كَمَا قَالَ الله تبَارك اسْمه {الَّذين يظنون أَنهم ملاقو رَبهم} فَإِن قيل إنَّ يظنُّونَ هَا هُنَا يوقنون فَهَكَذَا هُوَ وَلكنهَا فِي الثَّبَات فِي الظَّن وَفِي أَعمالهَا على الْوَجْه الآخر إِلَّا أَنَّهَا إِذا أُرِيد بهَا الْعلم لم تكن إِلَّا مثقلة فَإِن أُرِيد بهَا الشَّك جَازَ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا والتثقيل فِي الشَّك أَكثر اسْتِعْمَالا لثباته فِي الظَّن كثبات الْأُخْرَى فِي الْعلم فَأَما الْوَجْه الَّذِي يجوز فِيهِ الْخَفِيفَة فَإِنَّهُ متوقع غير ثَابت الْمعرفَة قَالَ الله عز وَجل {تظن أَن يفعل بهَا فاقرة} وَأما {إِن ظنا أَن يُقِيمَا حُدُود الله} وَقَوْلهمْ مَعْنَاهُ أيقنا فَإِنَّمَا هُوَ شَيْء متوقع الْأَغْلَب فِيهِ ذَا إِلَّا أَنه علم ثَابت أَلا ترَاهُ قَالَ {فظنوا أَنهم مواقعوها} لما كَانَ أيقنوا - وَاعْلَم أَن لَا إِذا دخلت على أنْ جَازَ أَن تُرِيدُ بأنْ الثَّقِيلَة وَأَن تُرِيدُ الْخَفِيفَة فَإِن أردْت الثَّقِيلَة رفعت مَا بعْدهَا لِأَنَّهُ لَا يحذف مِنْهَا التثقيل إِلَّا مَعَ الْإِضْمَار وَهَذَا يبين لَك فِي بَاب إنَّ وأنَّ وَإِنَّمَا تقع الْخَفِيفَة والثقيلة على مَا قبلهَا من الْأَفْعَال وَلَا يجوز الْإِضْمَار إِلَّا أَن تأتى بعوض والعوض لَا أَو السِّين أَو سَوف أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا يلْحق الْأَفْعَال فَأَما لَا وَحدهَا فَإِنَّهُ يجوز أَن تُرِيدُ ب أَن الَّتِي قبلهَا الْخَفِيفَة وتنصب مَا بعْدهَا لِأَن لَا لَا تفصل بَين الْعَامِل الْمَعْمُول فِيهِ تَقول مَرَرْت بِرَجُل لَا قَائِم وَلَا قَاعد كَمَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل قَائِم وقاعد وَذَلِكَ قَوْلك أَخَاف أَلا تذْهب يَا فَتى وأظن أَلا تقوم يَا فَتى كَمَا قَالَ {إِلَّا أنْ يَخافا أنْ لَا يُقيما حُدودَ اللهِ} وَفِي ظَنَنْت وبابها تكون الْخَفِيفَة والثقيلة كَمَا وصف لَك قَالَ الله عز وَجل {وَحَسِبوا أنْ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} {وانْ لَا يكونُ} فالرفع على أَنَّهَا لَا تكون فتْنَة وَكَذَلِكَ {أفَلا يَرَون أنْ لَا يَرجِعُ إليهِمْ قَولاً} أَي إِنَّه لَا يرجع إِلَيْهِم قولا {لَا يرَوْنَ} فِي الْمَعْنى يعلمُونَ فَهُوَ وَاقع ثَابت فَأَما السِّين وسوف فَلَا يكون قبلهَا إِلَّا المثقلة تَقول علمت أَن سيقومون وظننت أَن سيذهبون وان سَوف تقومون كَمَا قَالَ {عَلِمَ أنْ سَيَكُونُ مِنكُمْ مَرضى} وَلَا يجوز أَن تلغى من الْعَمَل كَمَا وصفت لَك وَلَا يجوز ذَلِك فِي السِّين وسوف لِأَنَّهُمَا لَا يلحقان على معنى لَا فَإِنَّمَا الْكَلَام بعد لَا على قدر الْفَصْل قَالَ {لِئلا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتَابِ أنْ لَا يَقدِرونَ} فَيعلم مَنْصُوبَة وَلَا يكون إِلَّا ذَلِك لِأَن لَا زَائِدَة وَإِنَّمَا هُوَ لِأَن يعلم وَقَوله {أنْ لَا يَقْدِرونَ} إِنَّمَا هُوَ أَنهم لَا يقدرُونَ وَهِي فِي بعض الْمَصَاحِف {أنَّهم لَا يقدرونَ}

هَذَا بَاب الْفِعْل بعد أَن وَانْقِطَاع الآخر من الأول

أعلم أَنَّك إِذا أرت بِالثَّانِي مَا أردْت بِالْأولِ من الإجراء على الْحَرْف لم يكن إِلَّا منسوقا عَلَيْهِ تَقول أُرِيد أَن تقوم فَتضْرب زيد وَأُرِيد أَن تَأتِينِي وتكرمني وَأُرِيد أَن تجْلِس ثمَّ تَتَحَدَّث يَا فَتى فَإِن كَانَ الثَّانِي خَارِجا عَن معنى الأول كَانَ مَقْطُوعًا مستأنفاً وَذَلِكَ قَوْلك أُرِيد أَن تَأتِينِي فتقعد عني وَأُرِيد أَن تكرم زيدا فتهينه فَالْمَعْنى أَنه لم يرد الإهانة إِنَّمَا أَرَادَ الْإِكْرَام فَكَأَنَّهُ فِي التَّمْثِيل أُرِيد أَن تكرم زيدا فَإِذا أَنْت تُهينه وَأُرِيد أَن تَأتِينِي فَإِذا أَنْت تقعد عني كَمَا قَالَ

(والشِعْرُ لَا يَضْبِطُهُ مِنْ يظلِمهُ ... )

(إِذا أرتقى فيهِ الَّذِي لَا يعْلَمُهُ ... )

(زَلّتْ بِهِ إِلَى الحَضيضِ قَدَمَهُ ... )

(يُريدُ أَن يُعرِبَهُ فَيُعجِمَهُ ... ) أَي فَإِذا هُوَ يعجمه أَي فَإِذا هُوَ هَذِه حَاله فعلى هَذَا يجْرِي فِي هَذَا الْبَاب وَلَو قَالَ قَائِل أُرِيد أَن تَأتِينِي وَأَنت تكرمني أَي أُرِيد أَن تَأتِينِي وَهَذِه حالك لجَاز وَتقول أُرِيد أَن تَتَكَلَّم بِخَير أَو تسكت يَا فَتى فالنصب على وَجْهَيْن أَحدهمَا أُرِيد ذَا أَو ذَا وَالْوَجْه الآخر أَن يكون حَتَّى تسكت كَمَا تَقول لَأَجْلِسَن مَعَك أَو تَنْصَرِف يَا فَتى على قَوْلك حَتَّى تَنْصَرِف فَأَما قَوْله عز وَجل {وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا أَو من وَرَاء حجاب أَو يُرْسل رَسُولا} فَإِن النَّحْوِيين يَزْعمُونَ أَن الْكَلَام لَيْسَ مَحْمُولا على أَن يكلمهُ الله وَلَو كَانَ يُرْسل مَحْمُولا على ذَلِك لبطل الْمَعْنى لِأَنَّهُ كَانَ يكون مَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله أَو يُرْسل أَي مَا كَانَ لبشر أَن يُرْسل الله إِلَيْهِ رَسُولا فَهَذَا لَا يكون وَلَكِن الْمَعْنى وَالله أعلم مَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا أَي إِلَّا أَن يُوحى أَو يُرْسل فَهُوَ مَحْمُول على قَوْله وَحيا أَي إِلَّا وَحيا أَو إرْسَالًا وَأهل الْمَدِينَة يقرؤن أَو يُرْسل رَسُولا يُرِيدُونَ أَو هُوَ يُرْسل رَسُولا أَي فَهَذَا كَلَامه إيَّاهُم على مَا يُؤَدِّيه الْوَحْي وَالرَّسُول وَأم قَوْله {لنبين لكم ونقر فِي الْأَرْحَام} على مَا قبله وتمثيله وَنحن نقر فِي الْأَرْحَام مَا نشَاء وَأما قَوْله {وَلَا يَأْمُركُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَة} فَيقْرَأ رفعا ونصبا فَأَما النصب فعلى قَوْله {مَا كَانَ لبشر أَن يؤتيه الله الْكتاب وَالْحكم والنبوة ثمَّ يَقُول للنَّاس} أَي مَا كَانَ لَهُ أَن يَقُول للنَّاس وَلَا أَن يَأْمُركُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَة وَمن قَرَأَ {يَأْمُركُمْ} فَإِنَّمَا أَرَادَ وَلَا يَأْمُركُمْ الله وقطعه من الأول فالمعنيان جَمِيعًا جيدان يرجعان إِلَى شَيْء وَاحِد إِذا حصلا وَلَو قَالَ قَائِل أُرِيد أَن تَأتِينِي ثمَّ تحسن إِلَيّ لَكَانَ مَعْنَاهُ أُرِيد إتيانك ثمَّ قد اسْتَقر عِنْدِي أَنَّك تحسن إِلَيّ أَي فَهَذَا مِنْك مَعْلُوم عِنْدِي وَالتَّقْدِير فِي الْعَرَبيَّة أُرِيد أَن تَأتِينِي ثمَّ أَنْت تحسن إِلَيّ - _ وَتقول أَمرته أَن يقوم يَا فَتى فَالْمَعْنى أَمرته بِأَن يقوم إِلَّا أَنَّك حذفت حرف الْخَفْض وحذفه مَعَ أَن جيد وَإِن كَانَ الْمصدر على وَجهه جَازَ الْحَذف وَلم يكن كحسنه مَعَ أَن لِأَنَّهَا وصلتها اسْم فقد صَار الْحَرْف وَالْفِعْل وَالْفَاعِل اسْما وَإِن اتَّصل بِهِ شَيْء صَار مَعَه فِي الصِّلَة فَإِذا طَال الْكَلَام احْتمل الْحَذف فَأم الْمصدر غير أَن فنحو أَمرتك الْخَيْر يَا فَتى كَمَا قَالَ الشَّاعِر

(أَمرتك الخيرَ فافعَلْ مَا أُمِرْتَ بهِ ... فقدْ تركتُكَ وَذَا مالٍ وَذَا ونَشَبِ)

فَهَذَا يصلح على الْمجَاز فَأَما أَن فَالْأَحْسَن مِنْهَا الْحَذف كَمَا قَالَ الله عز وَجل {وقّضى رَبُكَ أنْ لَا تَعبُدوا إِلَّا إيّاه} وَمعنى قضى هَا هُنَا أَمر وَأما قَوْله {وَأمرت لِأَن أكون} فَإِنَّمَا حمل الْفِعْل على الْمصدر فَالْمَعْنى وَالله اعْلَم أوقع إِلَى هَذَا الْأَمر لذا وَهَذِه اللَّام تدخل على الْمَفْعُول فَلَا تغير مَعْنَاهُ لِأَنَّهَا لَام إِضَافَة وَالْفِعْل مَعهَا يجْرِي مجْرى مصدره كَمَا يجْرِي الْمصدر مجْرَاه فِي الرّفْع وَالنّصب لما بعده لِأَن الْمصدر اسْم الْفِعْل قَالَ الله عز وَجل {إِن كُنْتُم للرؤيا تعبرون} وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين فِي قَوْله {قل عَسى أَن يكون ردف لكم} مَعْنَاهُ رِدفَكُمْ وَتقول لزيد ضربت ولعمرو أكرمت إِذا قدمت الْمَفْعُول لتشغل اللَّام مَا وَقعت عَلَيْهِ فَإِن أَخَّرته فَالْأَحْسَن أَلا تدْخلهَا إِلَّا أَن يكون الْمَعْنى مَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فَيكون حسنا وحذفه أحسن لِأَن جَمِيع الْقُرْآن عَلَيْهِ

هَذَا بَاب حَتَّى

اعْلَم أَن الْفِعْل ينصب بعْدهَا بإضمار أَن وَذَلِكَ لِأَن حَتَّى من عوامل الْأَسْمَاء الخافضة لَهَا تَقول ضربت الْقَوْم حَتَّى زيدٍ وَدخلت الْبِلَاد حَتَّى الكوفةِ وأكلتُ السمكةَ حَتَّى رأسِها أَي لم ابق مِنْهَا شَيْئا فعملها الْخَفْض وَتدْخل الثَّانِي فِيمَا دخل فِيهِ الأول من الْمَعْنى لِأَن مَعْنَاهَا إِذا خفضت كمعناها إِذا نسق بهَا فَلذَلِك خَالَفت إِلَى قَالَ الله عز وَجل {يسلامٌ هِيَ حتّى مَطلَعِ الفَجْرِ} فَإِذا وَقعت عوامل الْأَسْمَاء على الْأَفْعَال لم يستقم وَصلهَا بهَا إِلَّا على إِضْمَار أَن لِأَن أَن وَالْفِعْل اسْم مصدر فَتكون وَاقعَة على الْأَسْمَاء وَذَلِكَ قَوْلك أَنا أَسِير حَتَّى تمنعني وَأَنا اقف حَتَّى تطلع الشمسُ فَإِذا نصبت بهَا على مَا وصفت لَك كَانَ ذَلِك على أحد مَعْنيين على كي وعَلى إِلَى أَن لِأَن حَتَّى بِمَنْزِلَة إِلَى فإمَّا الَّتِي بِمَعْنى إِلَى أَن فقولك أَنا أَسِير حَتَّى تطلع الشَّمْس وَأَنا أَنَام حَتَّى يسمعَ الْأَذَان وَأما الْوَجْه الَّذِي تكون فِيهِ بِمَنْزِلَة كي فقولك أطع الله حَتَّى يُدخلك الْجنَّة وَأَنا أكلم زيدا حَتَّى يأمرَ لي بِشَيْء فَكل مَا اعتوره وَاحِد من هذَيْن الْمَعْنيين فالنصب لَهُ لَازم على مَا ذكرت لَك وَاعْلَم أَن حَتَّى يرْتَفع الْفِعْل بعْدهَا وَهِي حَتَّى الَّتِي تقع فِي الِاسْم ناسقة نَحْو ضربت الْقَوْم حَتَّى زيدا ضَربته ومررت بالقوم حَتَّى زيد مَرَرْت بِهِ وَجَاءَنِي الْقَوْم حَتَّى زيدٌ جَاءَنِي وَقد مضى تَفْسِير هَذَا فِي بَاب الْأَسْمَاء فالتي تنسق ثمَّ هَا هُنَا كَمَا كَانَ ذَلِك فِي الْوَاو وَالْفَاء وَثمّ وَجَمِيع حُرُوف الْعَطف فالرفع يَقع بعْدهَا على وَجْهَيْن يرجعان إِلَى وَجه وَاحِد وَإِن اخْتلف موضعاهما وَذَلِكَ قَوْلك سرت حَتَّى أدخلها أَي كَانَ مني سير فدخول فَأَنت تخبر أَنَّك فِي حَال دُخُول اتَّصل بِهِ سيرك كَمَا قَالَ الشَّاعِر

(فإنَّ المُندَّى رٍ حلةٌ فَرُكوبُ ... ) فَلَيْسَ فِي هَذَا معنى كي وَلَا إِلَى أَن إِنَّمَا خبرت بِأَن هَذَا كَذَا وَقع مِنْك وَالْوَجْه الْأُخَر أَن يكون السَّبَب مُتَقَدما غير مُتَّصِل بِمَا تخبر عَنهُ ثمَّ يكون مُؤديا إِلَى هَذَا كَقَوْلِك مرض حَتَّى لَا يرجونه أَي هُوَ الْآن كَذَاك فَهُوَ مُنْقَطع من الأول ووجوده إِنَّمَا هُوَ فِي الْحَال كَمَا ذكرت لَك فِيمَا قبله فَذَلِك قولي يرجعان إِلَى شَيْء وَاحِد وَمثل ذَلِك مرض حَتَّى يمر بِهِ الطَّائِر فيرحمه أَي هُوَ الْآن كَذَاك فَمثل النصب قَوْله

(سَريْتُ بِهِمْ حتّى تكِلَّ مطِيّهُم ... وحتّى الجيادُ مَا يُقدْنَ بأرسانِ)

أَي إِلَى أَن وَمثل الرّفْع تَمام الْبَيْت وَهُوَ

(حَتَّى الجيادُ)

وَنَظِير الرّفْع فِي الْأَسْمَاء قَوْله (فيا عجبا حتّى كُلِيبٌ تَسُبُني ... كأنَّ أَبَاهَا نَهْشَلٌ أَو مُجاشِعُ)

أَي وَحَتَّى كُلَيْب هَذِه حَالهَا كَمَا أَن نَظِير النصب ضربت الْقَوْم حَتَّى زيدٍ فِي الْأَسْمَاء لِأَن الْمَعْنى ضربت الْقَوْم حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى هَذَا الْموضع

هَذَا بَاب مسَائِل حتّى فِي الْبَابَيْنِ النصب وَالرَّفْع

تَقول سرت حَتَّى ادخلَها وتطلعَ الشمسُ إِذا أردْت معنى إِلَى أَن ادخلها فَإِن أردْت وَجه الرّفْع لم يجز فِي قَوْلك حَتَّى تطلع الشَّمْس لِأَن طُلُوع الشَّمْس لم يُؤده فعلك وَالصَّوَاب أَن تَقول إِذا أردْت الرّفْع سرت حَتَّى ادخلها وَحَتَّى تطلع الشَّمْس لِأَن الدُّخُول كَانَ بعلمك وطلوع الشَّمْس لَا يكون بعملك فَالْمَعْنى سرت حَتَّى أَنا فِي حَال دُخُول وَكَانَ ذَلِك السّير إِلَى أَن تطلع الشَّمْس وَتقول سرت حَتَّى تطلَع الشَّمْس وَحَتَّى أدخلُها وَإِن شِئْت ادخلَها وَلَو قلت مَا سرت حَتَّى ادخلها لم يجز لِأَنَّك لم تخبر بِشَيْء يكون مَعَه الدُّخُول فَإِن قلت أَقُول مَا سرت حَتَّى أدخلها أَي مَا سرت وَأَنا السَّاعَة أدخلها قيل لَيْسَ هَذَا معنى حَتَّى إِنَّمَا مَعْنَاهَا أَن يتَّصل مَا بعْدهَا بِمَا قبلهَا كَمَا تَقول أكلتُ السَّمَكَة حَتَّى رأسَها فالرأس قد دخل فِي الْأكل لِأَن مَعْنَاهَا عاملة وَمَعْنَاهَا عاطفة وَاحِد وَإِن اخْتلف اللفظان وَأما قَوْله عز وَجل {وزلزلوا حَتَّى يَقُول الرَّسُول} فَإِنَّهَا تقْرَأ بِالنّصب وَالرَّفْع فالرفع على قَوْله فَإِذا الرَّسُول فِي حَال قَول وَالنّصب على معنى إِلَى أَن يَقُول الرَّسُول وَلَو قلت كَانَ سيري حَتَّى أدخلَها لم يجز إِلَّا النصب لِأَن حَتَّى فِي مَوضِع خبر كَأَنَّك قلت كَانَ سيري إِلَى هَذَا الْفِعْل وَلَو قلت كَانَ سيري سيرا متعبا حَتَّى أدخلُها جَازَ الرّفْع وَالنّصب لِأَن الْخَبَر قَوْلك سيرا متعبا وَكَذَلِكَ كَانَ سيري أمس حَتَّى ادخلَها إِن جعلت الْخَبَر حَتَّى وَمَا بعْدهَا لم يكن إِلَّا النصب وَإِن جعلت الْخَبَر فِي قَوْلك أمس كَانَ النصب وَالرَّفْع على مَا وصفت

هَذَا بَاب الْحُرُوف الَّتِي تجزم الْأَفْعَال

وَهِي لم ولمّا وَلَا فِي النَّهْي وَاللَّام فِي الْأَمر وحروف المجازاة وَمَا اتَّصل بهَا على مَعْنَاهَا وَذَلِكَ قَوْلك لم يقمْ عبد الله وَلم يذهبْ أَخُوك وَلَا تذْهب يَا زيد ولمّا يقمْ عبد الله وليقمْ زيد وَالدُّعَاء يجْرِي مجْرى الْأَمر وَالنَّهْي وَإِنَّمَا سمي هَذَا أمرا ونهيا وَقيل للْآخر طلب للمعنى فَأَما اللَّفْظ فواحد وَذَلِكَ قَوْلك فِي الطّلب اللَّهُمَّ اغْفِر لي وَلَا يقطعِ الله يَد زيد وليَغفرْ لخَالِد فَإِنَّمَا تَقول سَأَلت الله وَلَا تقل أمرت الله وَكَذَلِكَ لَو قلت للخليفة انظرْ فِي أَمْرِي أنصفني لَقلت سَأَلته وَلم تقل أَمرته فإمَّا قَوْلك اضْرِب واقتل فمبني غير مجزوم لما قد تقدم من شرحنا لَهُ وَمن أَنه لَيْسَ فِيهِ حرف من حُرُوف المضارعة الَّتِي يجب بهَا الْأَعْرَاب فَاللَّام فِي الْأَمر للْغَائِب وَلكُل من كَانَ غير مُخَاطب نَحْو قَول الْقَائِل قُم ولأقمْ مَعَك فَاللَّام جازمة لفعل الْمُتَكَلّم وَلَو كَانَت للمخاطب لَكَانَ جيدا على الأَصْل وَإِن كَانَ فِي ذَلِك أَكثر لاستغنائهم بقَوْلهمْ افعلْ عَن لتفعلْ وَرُوِيَ أَن رَسُول الله قَرَأَ {فَبِذلكَ فَلِتَفْرَحوا} بِالتَّاءِ

هَذَا بَاب المجازاة وحروفها

وَهِي تدخل للشّرط وَمعنى الشَّرْط وُقُوع الشَّيْء لوُقُوع غَيره فَمن عواملها من الظروف أَيْن وَمَتى وأنَّى وحيثما وَمن الْأَسْمَاء منْ وَمَا وَأي وَمهما وَمن الْحُرُوف الَّتِي جَاءَت لِمَعْنى إنْ وإذما وَإِنَّمَا اشتركت فِيهَا الْحُرُوف والظروف والأسماء لاشتمال هَذَا الْمَعْنى على جَمِيعهَا فحرفها فِي الأَصْل إِن وَهَذِه كلهَا دواخل عَلَيْهَا لاجتماعها وكل بَاب فاصله شَيْء وَاحِد ثمَّ تدخل عَلَيْهِ دواخل لاجتماعها فِي الْمَعْنى وَسَنذكر إِن كَيفَ صَارَت أَحَق بالجزاء كَمَا أَن الْألف أحقُ بالاستفهام وَإِلَّا أَحَق بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالْوَاو أَحَق بالْعَطْف مُفَسرًا إِن شَاءَ الله فِي هَذَا الْبَاب الَّذِي نَحن فِيهِ فَأَما إِن فقولك إِن تَأتِينِي آتِك وَجب الْإِتْيَان الثَّانِي بِالْأولِ وَإِن تكرمني أكرمك وَإِن تُطِع الله يغْفر لَك كَقَوْلِه عز وَجل {إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف} {وَإِن تَتَوَلَّوْا يسْتَبْدل قوما غَيْركُمْ} (وإنْ تَطيعوا اللهَ ورَسَولَهُ لَا يَلِتْكُمْ) والمجازاة ب إذما قَوْلك إذما تأتني آتِك كَمَا قَالَ الشَّاعِر

(إِذْ مَا أتيتَ على الرَسولِ فقلْ لهَ ... حَقًا عليكَ إِذا اطمأنَّ المجلِسُ)

وَلَا يكون الْجَزَاء فِي إِذْ وَلَا فِي حَيْثُ بِغَيْر مَا لِأَنَّهُمَا ظرفان يضافان إِلَى الْأَفْعَال وَإِذا زِدْت على كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا منعتا الْإِضَافَة فعملتا وَهَذَا فِي آخر الْبَاب يشْرَح بِأَكْثَرَ من هَذَا الشَّرْح إِن شَاءَ الله وَأما المجازاة بمنْ فَقَوله عز وَجل {ومَنْ يَتقِ اللهَ يَجعَلْ لهُ مَخرجا} {وَقَوله} (فَمَنْ يَؤمِنْ بَرَبهِ فَلَا يَخافُ بَخسا وَلَا رهقاً) وَبِمَا قَوْله {مَا يَفْتَحِ اللهُ للِناسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَها} وبأين قَوْله عز وَجل {أيْنَما تَكونوا يُدرِكُكُمْ الموتُ} وَقَالَ الشَّاعِر (أينَ تضربْ بِنَا العُداةَ تَجدنا ... نَصرِفُ العِيسَ نَحوها للتلاقي)

وي أَنى قَوْله

(فأصبحتَ أنّى تأتِها تلْتَبِس بهَا ... كلا مَرْكبيها تحتَ رِجليكَ شاجِرٌ)

وَمن حُرُوف المجازة مهما وَإِنَّمَا أخرنا ذكرهَا لِأَن الْخَلِيل زعم أَنَّهَا مَا مكررة وأبدلت من الْألف الْهَاء وَمَا الثَّانِيَة زَائِدَة على مَا الأولى كَمَا تَقول أَيْن وأينما وَمَتى وَمَتى مَا وَإِن وَإِمَّا وَكَذَلِكَ حُرُوف المجازاة إِلَّا مَا كَانَ من حَيْثُمَا وإذما فَإِن مَا فيهمَا لَازِمَة لَا يكونَانِ للمجازاة إِلَّا بهَا كَمَا لَا تقع رُبَ على الْأَفْعَال إِلَّا بِمَا فِي قَوْله {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا} وَلَو حذفت مِنْهَا مَا لم تقع إِلَّا على الْأَسْمَاء النكرات نَحْو رُبَ رجل يَا فَتى والمجازاة ب أَي قَوْله {أيا مَا تدعوا فَلهُ الْأَسْمَاء الْحسنى} وب مَتى قَول طرفَة

(مَتى تأتني أصبَحكَ كأساً روِيةً ... وإنْ كنتَ عَنْهَا غانياً فأغنَ وازْدُدِ)

وَهَذِه الْحُرُوف كلهَا هَذَا مجازها فَأصل الْجَزَاء أَن تكون أَفعاله مضارعة لِأَنَّهُ يعربها وَلَا يعرب إِلَّا الْمُضَارع فَإِذا قلت إِن تأتني آتِك فتأتني مجزومة بِأَن وآتك مجزومة بإن وتأتني وَنَظِير ذَلِك من الْأَسْمَاء قَوْلك زيد منطلق فزيد مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر رفع بِالِابْتِدَاءِ والمبتدأ وَلَا تكون المجازاة إِلَّا بِفعل لِأَن الْجَزَاء إِنَّمَا يَقع بِالْفِعْلِ أَو بِالْفَاءِ لِأَن معنى الْفِعْل فِيهَا فَأَما الْفِعْل فقولك إِن تأتني أكرمْك وَإِن تزرني أزورك وَأما الْفَاء فقولك إِن تأتني فَأَنا لَك شَاكر وَإِن تقمْ فَهُوَ خير لَك وَقد يجوز أَن تقع الْأَفْعَال الْمَاضِيَة فِي الْجَزَاء على معنى المستقبلية لِأَن الشَّرْط لَا يَقع إِلَّا على فعل لم يَقع فَتكون موَاضعهَا مجزومة وَإِن لم يتَبَيَّن فِيهَا الْأَعْرَاب كَمَا أَنَّك إِذا قلت جَاءَنِي خمسةَ عشرَ رجلا كَانَ مَوْضِعه مَوضِع رفع وَإِن لم يتَبَيَّن فِيهِ للْبِنَاء وَكَذَلِكَ جَاءَنِي مَنْ عنْدك ومررت بِالَّذِي فِي الدَّار كل ذَلِك غير مُعرب فِي اللَّفْظ ومواضعها وَإِنَّمَا هِيَ لما مضى فِي الأَصْل قيل لَهُ الْحُرُوف تفعل ذَلِك لما تدخل لَهُ من الْمعَانِي أَلا ترى إِنَّك تَقول زيد يذهب يَا فَتى فَيكون لغير الْمَاضِي فَإِن قلت لم يذهب زيد كَانَ ب لم نفيا لما مضى وَصَارَ مَعْنَاهُ لم يذهب زيد أمس واستحال لم يذهب زيد غَدا - _ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ إنْ أصل الْجَزَاء لِأَنَّك تجازي بهَا فِي كل ضرب مِنْهُ تَقول إِن تأتني آتِك وَإِن تركب حمارا أركبه ثمَّ تصرفها مِنْهُ فِي كل شَيْء وَلَيْسَ هَكَذَا سائرها وَسَنذكر ذَلِك اجْمَعْ تَقول فِي منْ من يأتني آتهِ فَلَا يكون ذَلِك إِلَّا لما يعقل فَإِن أردْت بهَا غير ذَلِك لم يكن فَإِن قَالَ قَائِل فقد قَالَ الله عز وَجل {وَالله خلق كل دَابَّة من مَاء فَمنهمْ من يمشي على بَطْنه} فَهَذَا لغير اللآدميين وَكَذَلِكَ {وَمِنْهُم من يمشي على أَربع} قيل إِنَّمَا جَازَ هَذَا لِأَنَّهُ قد خلط مَعَ الْآدَمِيّين غَيرهم بقوله (واللهُ خَلَقَ كلَّ دابةٍ مِنْ ماءٍ) وَإِذا اخْتَلَط الْمَذْكُورَان جرى على أَحدهمَا مَا هُوَ على للْآخر إِذا كَانَ فِي مثل مَعْنَاهُ لِأَن الْمُتَكَلّم يبين بِهِ مَا فِي الآخر وَإِن كَانَ لَفظه مُخَالفا فَمن ذَلِك قَول الشَّاعِر

(شَرابُ ألبانِ وتَمرٍ وإقطْ)

فالتمر والإقط لَا يُقَال فيهمَا شربا وَلَكِن أدخلهما مَعَ مَا يشرب فَجرى اللَّفْظ وَاحِد وَالْمعْنَى أَن ذَلِك يصير إِلَى بطونهم وَمثله

(يَا لَيتَ زوجَكِ قّد غَدا ... مُتَقَلِداً سَيفاً ورُمحا)

لِأَن معنى المتقلد حَامِل فَلَمَّا خلط بَينهمَا جرى عَلَيْهِمَا لفظ وَاحِد وعَلى هَذَا انشدوا بَيت الحُطيئة

(سَقوا جاركَ العيمانَ لما جَفَوْته ... وقَلَصَ عنْ بردِ الشرابِ مشافرهْ)

(سناما ومحضا أنبتا اللحمَ فاكتست ... عظامُ امرئٍ مَا كَانَ يشبَعُ طائرُه) وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء إِنَّمَا الرِّوَايَة قروا وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنه بَدَأَ بالسنام فَلَا يَقع إِلَى جَانب سقوا وَقَالَ قوم بلَى كَانَ السنام يذاب فِي الْمَحْض فيشرب فَإِن كَانَ كَذَاك فَلَا حجَّة فِي الْبَيْت - _ وَمَا تكون لغير الْآدَمِيّين نَحْو مَا تركب أركبْ وَمَا تصنعْ اصنعْ فَإِن قلت مَا يأتني آته تُرِيدُ النَّاس لم يصلح فَإِن قيل فقد قَالَ الله عز وَجل {وَالسَّمَاء وَمَا بناها} وَمَعْنَاهُ وَمن بناها وَكَذَلِكَ {إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم} قيل قد قيل ذَلِك وَالْوَجْه الَّذِي عَلَيْهِ النحويون غَيره إِنَّمَا هُوَ وَالسَّمَاء وبنائها وَإِلَّا على أَزوَاجهم أَو ملك أَيْمَانهم فَهِيَ مصَادر وَإِن دلّت على غَيرهَا مِمَّن يملك كَقَوْلِك هَذَا ملك يَمِينك وَهَذَا الثَّوْب نسج الْيمن وَهَذَا الدِّرْهَم ضرب الْأَمِير وَلَو كَانَ على مَا قَالُوا لَكَانَ على وضع النَّعْت فِي مَوضِع المنعوت لِأَن مَا إِنَّمَا تكون لذوات غير الْآدَمِيّين ولصفات الْآدَمِيّين تَقول من عنْدك فَيَقُول زيدٌ فَتَقول مَا زيدٌ فَيَقُول جواد أَو بخيل أَو نَحْو ذَلِك فَإِنَّمَا هُوَ لسؤال عَن نعت الْآدَمِيّين وَالسُّؤَال عَن كل مَا يعقل بمنْ كَمَا قَالَ عز وَجل {أأمنتم من فِي السَّمَاء أَن يخسف بكم الأَرْض} فمَنْ لله عز وَجل كَمَا قَالَ {أمَّنْ يُجيبُ المُضْطَرَ إِذا دعاهُ} وَهَذَا فِي الْقُرْآن أَكثر وَقَالَ تبَارك اسْمه (ومِنْ عِندهِ لَا يَسْتَكِبرونَ عنْ عِبادتهِ) يَعْنِي الْمَلَائِكَة وَكَذَلِكَ فِي الْجِنّ فِي قَوْله {فمَنْ يُؤمِنْ بِرَبِهِ فَلاَ يَخافُ بَخساً وَلَا رَهقاُ} فَهَذَا قولي لَك إِنَّهَا لما يُخَاطب وَيعْقل - _ وَمن هَذِه الْحُرُوف مَتى وَلَا تقع إِلَّا للزمان نَحْو مَتى تأتني آتِك وَمَتى خرجْ زيد فِي الِاسْتِفْهَام فجواب هَذَا يَوْم الْجُمُعَة وَمَا أشبهه وَكَذَلِكَ أَيْن لَا تكون إِلَّا للمكان وَذَلِكَ لكه مخطور مَعْرُوف فِي الْجَزَاء والاستفهام وَحَيْثُ وَقع حرف من هَذِه الْحُرُوف فَأَما إِن فَإِنَّهَا لَيست باسم وَلَا فعل إِنَّمَا هِيَ حرف تقع على كل مَا وصلته بِهِ زَمَانا كَانَ أَو مَكَانا أَو آدَمِيًّا أَو غير ذَلِك تَقول إِن يأتني زيد آته وَإِن يقم فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا أقمْ فِيهِ وَإِن تأتني يَوْم الْجُمُعَة آتِك فِيهِ وَكَذَلِكَ الْألف فِي الِاسْتِفْهَام تدخل على كل ضرب مِنْهُ وتتخطى ذَلِك إِلَى التَّقْرِير والتسوية فالتقرير قَوْلك أما جئتني فأكرمتك وَقَوله عز وَجل {أليسَ فِي جَهَنَّمَ مَثوى لِلمُتَكَبِّرينَ} والتسوية لَيْت شعري أَقَامَ زيد أم قعد وَقد علمت أَزِيد فِي الدَّار أم عَمْرو فَأَما قَوْلنَا فِي إِذْ وحيثُ أَن الْجَزَاء لَا يكون فيهمَا إِلَّا بِمَا وَمَا ذكرنَا من أَنا سنفسره فَهَذَا مَوضِع تَفْسِيره أما إِذْ فتبنى عَن زمَان مَاض وَأَسْمَاء الْأَزْمَان تُضَاف إِلَى الْأَفْعَال فَإِذا أضيفت إِلَيْهَا كَانَت مَعهَا كالشيء الْوَاحِد وَمَتى جزمتها فصلت مِنْهَا أَلا ترى أَنَّك تَقول جئْتُك يَوْم خرج زيدٌ وَهَذَا يَوْم يخرج زيد و {هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم} فَلَمَّا وصلتها بِمَا جعلتهما شَيْئا وَاحِدًا فانفصلت من الْإِضَافَة فَعمِلت وَحَيْثُ اسْم من أَسمَاء الْمَكَان مُبْهَم يفسره مَا يُضَاف إِلَيْهِ فَحَيْثُ فِي الْمَكَان كحين فِي الزَّمَان فَلَمَّا ضارعتها أضيفت إِلَى الْجمل وَهِي الِابْتِدَاء وَالْخَبَر أَو الْفِعْل وَالْفَاعِل فَلَمَّا وصلتها ب مَا امْتنعت من الْإِضَافَة فَصَارَت ك إِذْ إِذا وصلتها بِمَا فَأَما سَائِر الْحُرُوف الَّتِي ذكرنَا سواهُمَا فَأَنت فِي زِيَادَة مَا وَتركهَا مُخَيّر تَقول إِن تأتني آتِك وَإِمَّا تأتني آتِك وَأَيْنَ تكنْ أكنْ وأينما تكنْ أكنْ وأيا تُكرمْ يكرمك و {وأيَّاً مَا تَدعُوا فَلهُ الأسماءُ الْحسنى} فَمَا تدخل على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا أَن تكون زَائِدَة للتوكيد فَلَا يتَغَيَّر الْكَلَام بهَا عَن عمل وَلَا معنى فالتوكيد مَا ذكرته فِي هَذِه الْحُرُوف سوى حَيْثُمَا وإذما وَاللَّازِم مَا وَقع فيهمَا ونظيرهما قَوْلك إِنَّمَا زيد أَخُوك منعت مَا أَن عَملهَا وَكَذَلِكَ جئْتُك بعد مَا عبد الله قَائِم فَهَذَا خلاف قَوْلك بعد عبد الله وَكَذَلِكَ

(أعلاقةً أمَّ الوليدِ بَعدَما ... أفْنان رأسِكِ كالثَّغامِ المُخْلِسِ) وَكَذَلِكَ ربّ تَقول رب رجلٍ وَلَا تَقول رب يقوم زيد فَإِذا ألحقت مَا هيأتها للأفعال فَقلت رُبمَا يقوم زيد و {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين} وَكَذَلِكَ قل تَقول قل رجل يَقُول ذَلِك فَإِن أدخلت مَا امْتنعت من الْأَسْمَاء وَصَارَت للأفعال فَقلت فلمّا يقوم زيد وَمثل هَذَا كثير - فَأَما إِذا فتحتاج إِلَى الِابْتِدَاء وَالْجَوَاب تَقول إِذا جَاءَنِي زيد أكرمته وَإِذا يَجِيء زيد أَعْطيته وَإِنَّمَا منع إِذا من أَن يجازي بهَا لِأَنَّهَا موقتة وحروف الْجَزَاء مُبْهمَة أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت أَن تأتني آتِك فَأَنت لَا تَدْرِي أيقع مِنْهُ إتْيَان أم لَا وَكَذَلِكَ من أَتَانِي أَتَيْته إِنَّمَا مَعْنَاهُ إِن يأتني وَاحِد من النَّاس آته فَإِذا قلت إِذا أتيتني وَجب أَن يكون الْإِتْيَان مَعْلُوما أَلا ترى إِلَى قَول الله عز وَجل {إِذا السَّمَاء انفطرت} و {إِذا الشَّمْس كورت} و {إِذا السَّمَاء انشقت} أَن هَذَا وَاقع لَا محَالة وَلَا يجوز أَن يكون فِي مَوضِع هَذَا إنْ لِأَن الله عز وَجل يعلم وإنْ إِنَّمَا مخرجها الظَّن والتوقع فِيمَا يخبر بِهِ الْمخبر وَلَيْسَ هَذَا مثل قَوْله {إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف} لِأَن هَذَا رَاجع إِلَيْهِم وَتقول آتِيك إِذا احمر الْبُسْر وَلَو قلت آتِيك إِن احمر الْبُسْر كَانَ محالا لِأَنَّهُ وَاقع لَا محَالة فَإِن اضْطر الشَّاعِر جَازَ أَن يجازي بهَا لمضارعتها حُرُوف الْجَزَاء لِأَنَّهَا دَاخِلَة على الْفِعْل وَجَوَابه وَلَا بُد للْفِعْل الَّذِي يدْخل عَلَيْهِ من جَوَاب فمما جَاءَ ضَرُورَة قَوْله

(تَرْفعُ لي خِندِفٌ واللهُ يرفعُ لي ... نَارا إِذا مَا خَبتْ نيرانُهُمْ تَقِدِ) وَقَالَ الآخر

(إِذا فَصُرتْ أسيافُنا كَانَ وصلُها ... خُطانا إِلَى أَعْدَائِنَا فنُضاربِ)

الْجيد مَا قَالَ كَعْب بن زُهَيْر

(وَإِذا مَا تشاءُ تَبعثُ مِنْهَا ... مَغرِبِ الشَمسِ ناشطا مَذعورا)

وَهَذِه إِذا الَّتِي تحْتَاج إِلَى الْجَواب - _ ول إِذا مَوضِع آخر وَهِي الَّتِي يُقَال لَهَا حرف المفاجأة وَذَلِكَ قَوْلك خرجت فَإِذا زيدٌ وَبينا أَسِير فَإِذا الْأسد فَهَذِهِ لَا تكون ابْتِدَاء وَتَكون جَوَابا للجزاء كالفاء قَالَ الله عز وَجل {وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا قدمت أَيْديهم إِذا هم يقنطون} لِأَن مَعْنَاهَا قَنطُوا كَمَا أَن قَوْلك إِن تأتني فلك دِرْهَم إِنَّمَا مَعْنَاهُ أعطك درهما

هَذَا بَاب مسَائِل المجازاة وَمَا يجوز فِيهَا وَمَا يمْتَنع مِنْهَا

تَقول إِن تأتني آتِك وَإِن تأتني فلك دِرْهَم هَذَا وَجه الْجَزَاء وموضعه كَمَا قَالَ عز وَجل {إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف وَإِن يعودوا فقد مَضَت سنة الْأَوَّلين} فَالْأَصْل الْفِعْل وَالْفَاء دَاخِلَة عَلَيْهِ لِأَنَّهَا تُؤدِّي مَعْنَاهُ لِأَنَّهَا لَا تقع إِلَّا وَمعنى الْجَزَاء فِيهَا مَوْجُود يَقُول الرجل قد أَعطيتك درهما فَتَقول فقد أُعْطِيك دِينَارا أَي من اجل ذَلِك وَيَقُول لم أُغثَ أمس فَتَقول فقد أَتَاك الْغَوْث الْيَوْم وَتقول إِن أتيتني فلك درهمٌ لِأَن مَعْنَاهُ إِن تأتني وَلَو قلت إِن أتيتني آتِك لصلح كَمَا قَالَ الله عز وَجل {من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا نوف إِلَيْهِم} لِأَن مَعْنَاهُ من يكن وَكَذَلِكَ لَو قَالَ من يأتني أَتَيْته لجَاز وَالْأول أحسن لتباعد هَذَا عَن حرف الْجَزَاء وَهُوَ جَائِز كَمَا قَالَ الشَّاعِر

(مَنْ يَكِدني بِسيئٍ كنتُ منهُ ... كالشجا بينَ حلقهِ والوريدِ) واعدل الْكَلَام من أَتَانِي أَتَيْته كَمَا أَن وَجه الْكَلَام من يأتني آته وَتقول من أَتَانِي وتبسط إِلَى أكْرمه لِأَن من أَتَانِي فِي مَوضِع من يأتني لَا تقع بعد الْجَزَاء إِلَّا وَمَعْنَاهَا الِاسْتِقْبَال وَالْأَحْسَن من أَتَانِي وأكرمني أَتَيْته كَمَا أَن الْأَحْسَن من يأتيني ويكرمني آته فَهَذِهِ أصُول ثمَّ نذْكر بعْدهَا الْعَطف منسقا ونكثر فِي ذَلِك من الْمسَائِل لنوضح أمره إِن شَاءَ الله فَإِذا قلت من يأتني آته فَمن هِيَ لهَذَا الْفِعْل لِأَنَّهَا اسْم فَلم يدْخل مَعهَا اسْم آخر وَلَو قلت إِن يأتني آته على غير مَذْكُور قبل كَانَ محالا لِأَن الْفِعْل لَا فَاعل فِيهِ لِأَن إِن إِنَّمَا هِيَ حرف جَزَاء وَلَيْسَت باسم وَكَذَلِكَ جَمِيع الْحُرُوف وَتقول فِي الِاسْتِفْهَام من جَاءَك وأيهم ضربك وَمَا حَبسك لِأَنَّهَا أَسمَاء فَإِن قلت أحبسك أَو هَل حَبسك لم يكن بُد من ذكر الْفَاعِل لِأَن هَذِه حُرُوف فَلَيْسَ فِي الْأَفْعَال فاعلون وَكَذَلِكَ الظروف الَّتِي لَا تكون فاعلة إِذا ذكرتها لم يكن بُد من ذكر الْفَاعِل مَعهَا وَلَو قلت أَيْن يكن أكنْ لم يكن كلَاما حَتَّى تَقول أَيْن يكن زيدٌ أكنْ وَكَذَلِكَ فِي الِاسْتِفْهَام إِذا قلت أَيْن يكون زيد وَمَتى يخرج زيد تَعْنِي الْمَذْكُور فعلى هَذَا يجْرِي مَا ذكرت لَك وَلَو قلت من مَنْ يأتني آته إِذا جعلت مَنْ الأولى استفهاما وَجعلت الثَّانِيَة جَزَاء كَانَ جيدا فَتكون الْهَاء فِي آته ترجع إِلَى من الَّتِي هِيَ اسْتِفْهَام وتقديرها أيُّهم من أَتَانِي من النَّاس أَتَيْته أَي من أَتَانِي آتٍ هَذَا الَّذِي اسْأَل عَنهُ وَنَظِيره هِنْد من ضَرَبَنِي ضربتها أَي إِن ضَرَبَنِي أحد ضربت هندا وَتقول مَا من يأتني آته لِأَن مَا حرف نفي والحروف لَا يرجع إِلَيْهَا شَيْء وَلَا إِلَى الْأَفْعَال إِنَّمَا نفيت بِهَذَا هَذِه الْجُمْلَة فَإِن جعلت مَا اسْما وجعلتها استفهاما أَو جَزَاء أَو فِي معنى الَّذِي لم يكن بُد من رَاجع إِلَيْهَا فإمَّا الْجَزَاء فقولك مَا تركبْ أركبْ وَالْأَحْسَن مَا تركبْ أركبهُ نصبت مَا بتركب وأضمرت هَاء فِي تركب وَلَو قلت مَا تركب أركبْ لجَاز وَلَا يكون ذَلِك إِلَّا على إِرَادَة الْهَاء لِأَنَّهُ مُعَلّق بِمَا قبله وَذَلِكَ فِي الْمَعْنى مَوْجُود وَفِي الِاسْتِفْهَام مَا حَبسك وَالْمعْنَى أَي شَيْء حَبسك وَكَذَلِكَ مَا أَكلته أَي أَي شَيْء أَكلته فَإِن حذفت الْهَاء نصبت مَا لِأَنَّهَا مفعول بهَا كَقَوْلِك أَيهمْ ضربت كَمَا تَقول زيدا ضربت وَفِي مَوضِع الَّذِي قَوْله مَا يسرني يَسُرك وَتقول من يأتنا نأته مكرمين لَهُ نصب مكرمين على الْحَال وَالْعَامِل فِيهَا نأته وَلَو أردْت أَن يكون الْفِعْل الأول عَاملا فِي الْحَال لَقلت من يأتنا مكرمين لَهُ نأته تُرِيدُ من من يأتنا فِي حَال إكرامنا إِيَّاه نأته وَلَو أردْت أَن يكون مكرمين عَاملا فِيهَا نأته وَقد قدمتها جَازَ كَمَا تَقول مسرعا جَاءَ زيد

ونقول فِي مسَائِل طوال يمْتَحن بهَا المتعلمون

من يَأْته من إِن يأتنا نأته عَامِدين تأت يكرمك أَن رفعت يكرمك فَالْمَسْأَلَة جَيِّدَة لِأَن تقديرها من يَأْته زيد يَأْتِ فِي حَال إكرامه لَك والأجود أَن تَقول تأته يكرمك لتشغل الْفِعْل بالمفعول إِذْ كَانَ خَبرا والحذف جَائِز وَلَيْسَ بجيد وقولك من إِن يأتنا نأته اسْم وَاحِد بِمَنْزِلَة زيد وَلَو جزمت يكرمك على الْبَدَل لم يصلح إِن أبدلته من تأت لِأَن يكرمك لغيرك فَإِن جعلته بَدَلا من شَيْء فِي الصِّلَة لم يصلح لِخُرُوجِهِ عَنْهَا وَلَكِن لَو قلت إِن تأتني أعطك أحسن إِلَيْك جَازَ وَكَانَ حسنا لِأَن الْعَطِيَّة إِحْسَان فَلذَلِك أبدلته مِنْهُ وَمثل ذَلِك قَوْله عز وَجل {وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاما يُضَاعف لَهُ الْعَذَاب} لِأَن لَقِي الأثام هُوَ تَضْعِيف الْعَذَاب وَكَذَلِكَ قَول الشَّاعِر (مَتى تأتنا تُلَمِمْ بِنا فِي دِيَارنَا ... تجدْ حَطَباً جزلا وَنَارًا تأجَّجا)

لِأَن الْإِتْيَان إِلْمَام كَمَا قَالَ

(إنَّ علىَّ اللهَ أنْ تُبايعا ... تُؤخّذْ كُرهاً أوْ تَجيء طَائِعا ... ) لِأَن قَوْله تُؤْخَذ أَو تَجِيء بِتَأْوِيل الْمُبَايعَة وَلَو قلت من يأتنا يسألنا نعطه على الْبَدَل لم يجز إِلَّا أَن يكون بدل الْغَلَط كَأَنَّك أردْت من يسألنا نعطه فَقلت من يأتنا غالطا أَو نَاسِيا ثمَّ ذكرت فاستدركت فَوضعت هَذَا الْفِعْل فِي مَوضِع ذَلِك وَنَظِيره من الْأَسْمَاء مَرَرْت بِرَجُل حمَار وَتقول من يأتني من أنْ يأتهِ الَّذِي هندٌ أُخْته يَأْته أعْطه فَالْمَعْنى إِن يأتني زيد أعْطه لِأَن هَذَا الْكَلَام كُله فِي صلَة منْ وَتقول أَي الْقَوْم المنطلق آباؤهم إِن يأتك الكاسيه ثوبا تكرمه فتقدير الْمَسْأَلَة أَي الْقَوْم إِن يأتك أَبوهُ تكرمه وَأي هُنَا اسْتِفْهَام وَتقول أَيهمْ يَأْته الشاتم أَخَاهُ المعطيه درهما ينْطَلق إِلَيْهِ فَمَعْنَاه أَيهمْ يَأْته زيد ينْطَلق إِلَيْهِ فَمَا ورد عَلَيْك من الْمسَائِل فقسه على هَذَا إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب مَا يرْتَفع بَين المجزوميْن وَمَا يمْتَنع من ذَلِك

تَقول إِن تأتنا تسألنا نعطك تُرِيدُ إِن تَأْتِينَا سَائِلًا كَمَا قَالَ

(متَى تأتهِ تَعشُو إِلَى ضوءِ نارهِ ... تَجدْ خيرَ نارٍ عندَها خَيرُ موقدِ)

أَرَادَ مَتى تأنه عاشياً إِلَى ضوء ناره تجدْ وَقَالَ الآخر

(ومَنْ لَا يزلْ يستَحمِلُ الناسَ نفسهُ ... وَلَا يغنها يَوْمًا منْ الدَهرِ يُسأمُ)

فَقَوله يستحمل النَّاس نَفسه إِنَّمَا هُوَ خبر يزَال كَأَنَّهُ قَالَ من لَا يزَال مستحملا وَلَو قلت من يأتنا ويسألنا نعطه على هَذَا كَانَ محالا لِأَنَّك لَا تَقول مَتى تأته وعاشيا وَلَا جَاءَنِي زيد وراكبا وَلَكِن إِن أضمرت جَازَ فَقلت إِن تَأْتِينَا وتسألنا نُعطك تُرِيدُ إِن تأتنا وَهَذِه حالك نعطك وَالْوَجْه الْجيد إِن تأتنا وتسألنا نعطيك وَتقول أَن تأتنا ثمَّ تسألنا نعطك لم يجز إِلَّا جزم تسألْنا لِأَن ثمَّ أَنْت تسألنا تُرِيدُ الْحَال لم يصلح لِأَن ثمَّ لما بعد أَلا ترى أَنَّك تَقول لقِيت زيدا وَعَمْرو يتَكَلَّم أَي لقِيت زيدا وَعَمْرو هَذِه حَاله كَمَا قَالَ الله عز وَجل {يَغشَى طَائفَةً مِنكُمْ قدْ أهمَّتْهُمْ أنفُسَهُمْ} أَي إِذا طَائِفَة فِي هَذِه الْحَالة وَلَو وضعت ثمَّ هَا هُنَا لم يستقم وَتقول من أَن يَأْته زيد يُكرمهُ يعطك الدَّار فَمن فِي مَوضِع الَّذِي وَإِن للجزاء ويكرمه حَال مَعْنَاهَا مكرما لَهُ ويعطه جَوَاب الْجَزَاء وَفِي الدَّار خبر منْ وَلَو قلت منْ يأتني آته أحسن إِلَيْهِ كَانَ جيدا يكون أحسن إِلَيْهِ حَالا وَيكون مُنْقَطِعًا من الأول كَأَنَّك لما تمّ الْكَلَام قلت أَنا أحسن إِلَيْهِ وَتقول من يأتني آته وأكرمه وَمن يأتني آته فَأكْرمه وَمن يأتني آته وأكرمه وَكَذَلِكَ جَمِيع حُرُوف الْعَطف الَّتِي تقع هَا هُنَا وَإِن شِئْت قلت من يأتني آته وأكرمه أَي وَأَنا أكْرمه وَإِن شِئْت على الْحَال وَإِن شِئْت فصلته مِمَّا قبله وجعلتها جملَة معطوفة معلقَة بجملة وَتقول فِي الْفَاء من يأتني آته فَأكْرمه على الْقطع من الأول وَعطف جملَة على جملَة وَكَذَلِكَ ثمَّ وَإِنَّمَا جَازَ الْإِضْمَار هَا هُنَا وَلم يجز حَيْثُ كَانَا متوسطين بَين الْجَزَاء وَجَوَابه لِأَن الْكَلَام قد تمّ فَاحْتمل الِاسْتِئْنَاف وَلَا تكون الْحَال فِي ثمَّ وَلَا الْفَاء لِأَنَّهُمَا لَا تَكُونَانِ إِلَّا بعد إِلَّا إِن الْفَاء وَالْوَاو يجوز بعدهمَا النصب على إِضْمَار أَن لِأَن الْجَزَاء غير وَاجِب آخِره إِلَّا بِوُجُوب أَوله وَقد تقدم ذكرنَا لهَذَا فِي بَاب الْفَاء وَالْوَاو وَقد قرئَ هَذَا الْحَرْف على ثَلَاثَة أوجه {يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله فَيغْفر لمن يَشَاء} بِالْجَزْمِ وَهُوَ أَجودهَا ويليه الرّفْع ثمَّ النصب وَالْأَمر فِيهِ على مَا ذكرت لَك وَلَو قلت من لَا يأتني فيكرمني آته كَانَ النصب جيدا من أجل النَّفْي وَصَارَ كَقَوْلِك مَا تَأتِينِي فتكرمني أَي كلما أتيتني لم تكرمني فموضعه لم تأتني مكرما وَهَا هُنَا أَعنِي فِي الْجَزَاء إِلَى ذَا يرجع إِذا قلت من لَا يأتني فيكرمني آته لِأَن مَعْنَاهُ من لَا يأتني مكرما وَقَالَ

(ومَنْ لَا يُقَدِمُ رِجلَهُ مُطمئِنَةً ... فَيُثْبِتَها فِي مستَوى الأرضِ يَزْلَقِ)

كَأَنَّهُ قَالَ من لَا يقدم رجله مثبتا

هَذَا الْبَاب مَا يجوز من تَقْدِيم جَوَاب الْجَزَاء عَلَيْهِ وَمَا لَا يجوز إِلَّا فِي الشّعْر اضطرارا

أما مَا يجوز فِي الْكَلَام فنحو آتِيك إِن أتيتني وأزورك إِن زرتني وَيَقُول الْقَائِل أتعطيني درهما فَأَقُول إِن جَاءَ زيد وَتقول أَنْت ظالمٌ إِن فعلت فَإِن قلت آتِي من أَتَانِي وأصنع مَا تصنع لم يكن هَا هُنَا جَزَاء وَذَلِكَ أَن حُرُوف الْجَزَاء لَا يعْمل فِيهَا مَا قبلهَا وَلَو قلت آتِي من أَتَانِي للزمك أَن يكون مَنْصُوبًا بِالْفِعْلِ الَّذِي قبلهَا وَهَذَا لَا يكون لِأَن الْجَزَاء مُنْفَصِل كالاستفهام وَلَو قلت آتِيك مَتى أتيتني أَو أقوم أَيْن قُمْت على أَن تجْعَل مَتى وَأَيْنَ طرفين لما بعدهمَا كَانَ جيدا وكأننا منقطعتين من الْفِعْل الأول إِلَّا أَنَّك لما ذكرته سد مسد جَوَاب الْجَزَاء فَإِن أردْت أَن يَكُونَا ظرفين لما قبلهمَا اسْتَحَالَ لِأَن الْجَزَاء لَا يعْمل فِي مَا قبله كَمَا لَا يعْمل هُوَ فِيمَا قبله أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول زيدا إِن تأت يكرمك وَلَا زيدا مَتى تأتِ تُحببه فَإِذا كَانَ الْفِعْل مَاضِيا بعد حرف الْجَزَاء جَازَ أَن يتَقَدَّم الْجَواب لِأَن إنْ لَا تعْمل فِي لَفظه شَيْئا وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَوضِع الْجَزَاء فَكَذَلِك جَوَابه يسد مسد جَوَاب الْجَزَاء وَيحسن فِي الْكَلَام إِن أتيتني لأقومنَّ وَإِن لم تأتني لأغضبنَّ فسيبويه يذهب إِلَى إِنَّه على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير كَأَنَّهُ قَالَ لأغضبن إِن لم تأتني ولأقومن إِن أتيتني وَالَّذِي قَالَ لَا يصلح عِنْدِي لِأَن الْجَواب فِي مَوْضِعه فَلَا يجب أَن يقدر لغيره أَلا ترى أَنَّك تَقول يضْرب غُلَامه زيد لِأَن زيد فِي الْمَعْنى مقدم لِأَن حق الْفَاعِل أَن يكون قبل الْمَفْعُول وَلَو قلت ضرب غُلَامه زيدا لم يجز لِأَن الْفَاعِل فِي مَوْضِعه فَلَا يجوز أَن يقدر لغيره وَلَكِن القَوْل عِنْدِي أَن يكون الْكَلَام إِذا لم يجز فِي مَوضِع الْجَواب مُبْتَدأ على معنى مَا يَقع بعد الْفَاء فكأنك قدرته وَأَنت تُرِيدُ الْفَاء كَمَا أَنَّك تَقول أعجبني الَّذِي ضرب زيدا فَإِن جعلت الْألف وَاللَّام فِي مَوضِع الَّذِي كَانَ صلتها على معنى صلَة الَّذِي لَا على لَفظهَا تَقول أعجبني الضَّارِب زيدا لِأَن الْألف وَاللَّام للأسماء فَلَا يليان ضرب لِامْتِنَاع مَا يكون للأسماء من الْأَفْعَال فَمن ذَلِك قَول زُهَيْر

(وإنْ أتاهُ خَليلٌ يومَ مسألةٍ ... يَقُول لَا غائبٌ مَا لي وَلَا حَرِمُ)

فَقَوله يَقُول على إِرَادَة الْفَاء على مَا ذكرت لَك وَمن ذَلِك قَوْله عز وَجل {وَأما إِن كَانَ من أَصْحَاب الْيَمين فسلام لَك من أَصْحَاب الْيَمين} الْفَاء لَا بُد مِنْهَا فِي جَوَاب أما فقد صَارَت هَا هُنَا جَوَابا لَهَا وَالْفَاء وَمَا بعْدهَا يسدان مسد جَوَاب إنْ وَلَو كَانَ هَذَا فِي الْكَلَام أما إِن كَانَ زيد عنْدك فَلهُ دِرْهَم لَكَانَ تَقْدِيره مهما يكن من شَيْء فلزيد دِرْهَم إِن كَانَ عنْدك لِأَن أما فِيهَا معنى الْجَزَاء وَاقع وَلَا بُد من الْفَاء وتقديرها مَا ذكرت لَك أَلا ترى أَنَّك تَقول أما زيد فمنطلق {فَأَما الْيَتِيم فَلَا تقهر} فَالْمَعْنى مهما يكن من شَيْء فَلَا تقهر الْيَتِيم وَلَو اضْطر شَاعِر فَحذف الْفَاء وَهُوَ يريدها لجَاز كَمَا قَالَ

(أمّا القِتالُ لَا قِتالَ لَدَيْكُمو ... ولكنَّ سيْراً فِي عِراضِ المَواكِبِ)

وَأما مَا لَا يجوز إِلَّا فِي الشّعْر فَهُوَ إِن تأتني آتِيك وَأَنت ظَالِم إِن تأتني لِأَنَّهَا قد جزمت وَلِأَن الْجَزَاء فِي مَوْضِعه فَلَا يجوز فِي قَول الْبَصرِيين فِي الْكَلَام إِلَّا أَن توقع الْجَواب فعلا مضارعا مَجْزُومًا أَو فَاء إِلَّا فِي الشّعْر فَأَما إِن تأتني أَتَيْتُك فَإِن بَعضهم قد يُجِيزهُ فِي غير الشّعْر كَمَا أَجَازُوا إِن أتيتني آتِك وَقد مضى قَوْلنَا فِي الْفَصْل بَينهمَا قَالَ الشاعرعلى إِرَادَة القاء

(وإنّي مَتّى أُشرِفْ على الجانِبِ الَّذِي ... بهِ أنتِ مِنْ بَيْنِ الجَوانبِ ناظِرُ) وَهُوَ عِنْدِي على إِرَادَة الْفَاء والبصريون يَقُولُونَ هُوَ على إِرَادَة الْفَاء وَيصْلح أَن يكون على التَّقْدِيم أَي وَإِنِّي نَاظر مَتى أشرفْ وَكَذَلِكَ قَول الشَّاعِر

(يَا أقْرَعُ بنَ حابِسٍ يَا أقرِعُ ... إنكَ إنْ يُصرَعُ أخوكَ تُصْرَعُ)

وَقَالَ آخر

(فقلتُ تَحَّملْ فَوْقَ طَوقِك إنّها ... مُطَبَعَةٌ مَنْ يأتها لَا يَضيرُها)

يُرِيد لَا يضيرها من يأتها وَأما قَول عبد الرَّحْمَن بن حسان

(مَنْ يَفْعَلِ الحَسناتِ اللهُ يَشْكُرُها ... والشَّرُ بالشَّرِ عندَ اللهِ مِثلانِ) فَلَا اخْتِلَاف بَين النَّحْوِيين فِي أَنه على إِرَادَة الْفَاء لِأَن التَّقْدِيم فِيهِ لَا يصلح

هَذَا بَاب مَا تحْتَمل حُرُوف الْجَزَاء من الْفَصْل بَينهَا وَبَين مَا عملت فِيهِ

أما إنْ إِذا لم تجزم فالفصل بَينهَا وَبَين مَا عملت فِيهِ فِي الظَّاهِر جَائِز بِالِاسْمِ وَذَلِكَ قَوْله إنِ اللهُ أمكنني من فلَان فعلت وإنْ زيدٌ أَتَانِي أكرمته كَمَا قَالَ الشَّاعِر

(عَاوِدْ هَرَاةَ وإنْ مَعْمورها خَرَبا ... )

وَإِنَّمَا تَفْسِير هَذَا أَنَّك أضمرت الْفِعْل بَينهَا وَبَين الِاسْم فتقديره إِن أمكنني الله من زيد وَإِن خرب معمورها وَلكنه أضمر هَذَا وَجَاء بِالْفِعْلِ الظَّاهِر تَفْسِير مَا أضمر وَلَو لم يضمر لم يجز لِأَن الْجَزَاء لَا يكون إِلَّا بِالْفِعْلِ وَإِنَّمَا احتملت إِن هَذَا فِي الْكَلَام لِأَنَّهَا أصل الْجَزَاء كَمَا تحْتَمل الْألف فِي الِاسْتِفْهَام تَقْدِيم الِاسْم فِي نَحْو قَوْلك أزيدٌ قامَ لِأَنَّهَا أصل الِاسْتِفْهَام وَلَو قلت هَل زيد قَامَ لَا يصلح إِلَّا فِي الشّعْر لِأَن السُّؤَال إِنَّمَا هُوَ عَن الْفِعْل وَكَذَلِكَ مَتى زيد خرج وَأَيْنَ زيد قَامَ وَجَمِيع حُرُوف الِاسْتِفْهَام غير ألف الِاسْتِفْهَام لَا يصلح فِيهِنَّ إِذا اجْتمع اسْم وَفعل إِلَّا تَقْدِيم الْفِعْل إِلَّا أَن يضْطَر الشَّاعِر وَالْفِعْل فِي الْجَزَاء أوجب لِأَن الْجَزَاء لَا يكون إِلَّا بِالْفِعْلِ والاستفهام قد يكون عَن الْأَسْمَاء بِلَا فعل تَقول أَزِيد أَخُوك أَزِيد فِي الدَّار وَلَا يكون مثل هَذَا فِي الْجَزَاء وَسَائِر حُرُوف الْجَزَاء سوى إِن لَا يجوز فِيهَا هَذَا فِي الْكَلَام وَلَا فِي إِن إِذا جزمت لَا تَقول من زيدٌ يَأْته يُكرمه وَلَا إِن زيد يأتني آته وَلَا أَيْن زيد أَتَانِي أَتَيْته وَلَا من زيد أَتَاهُ أكْرمه فَإِن اضْطر شَاعِر جَازَ فِيهِنَّ الْفَصْل جزمن أَو لم يجزمن وَجَاز ذَلِك فِي حُرُوف الْجَزَاء دون سَائِر عوامل الْأَفْعَال لِأَنَّهُ يَقع بعدهن الْمُسْتَقْبل والماضي وَلَا يكون ذَلِك فِي غَيْرهنَّ من العوامل فَلَمَّا تمكن هَذَا التَّمَكُّن احتملن الْإِضْمَار والفصل فمما جَاءَ فِي الشّعْر قَوْله

(صَعْدةٌ نابِتَةٌ فِي حائِرٍ ... أَيْنَمَا الريحُ تُميِّلْها تَمِلْ)

وَقَالَ آخر

(فَمَنْ نَحْنُ نُؤمِنْهُ يَبِتْ وهوَ آمِنُ ... ومَنْ لَا نُجِرهُ يُمْسِ مِنا مُفزعا) وَقَالَ آخر

(فَمَتَى واغِلٌ يَنُبهمْ يُحيُّوهُ ... وتَعَطَفْ عَلَيْهِ كأسُ الساقي)

وَأعلم أَن الْمَفْعُول إِذا وَقع فِي هَذَا الْموضع وَقد شغل الْفِعْل عَنهُ انتصب بِالْفِعْلِ الْمُضمر لِأَن الَّذِي بعده تَفْسِير لَهُ كَمَا كَانَ فِي الِاسْتِفْهَام فِي قَوْلك أزيدا ضَربته {أبَشَراً مَنّا وَحداً نَتَّبِعُهُ} وَذَلِكَ قَوْلك إِن زيدا ترهُ تكرمه وَمن زيدا يَأْته يُعطهِ وَإِن زيدا لَقيته أكرمته وَكَذَلِكَ إِذا لِأَنَّهَا لَا تقع إِلَّا على فعل تَقول إِذا زيدا لَقيته فَأكْرمه قَالَ

(لَا تَجزَعي إنْ مُنْفِساً أهْلَكْتُهُ ... وَإِذا هَلَكتُ فعندَ ذلكِ فاجزَعي) وَقَالَ الآخر

(إِذا ابْن أبي مُوسَى بِلالاً بَلَغْتِهِ ... فَقَامَ بفأسٍ بَيْنَ وَصلَيكِ جازِرُ)

وَلَو رفع هَذَا رَافع على غير الْفِعْل لَكَانَ خطأ لِأَن هَذِه الْحُرُوف لَا تقع إِلَّا على الْأَفْعَال وَلَكِن رَفعه يجوز على مَا لَا ينْقض الْمَعْنى وَهُوَ أَن يضمر بلغ فَيكون إِذا بُلِغَ ابنُ أبي مُوسَى وَقَوله بَلَغْتِهِ إِظْهَار للْفِعْل وَتَفْسِير الْفَاعِل وَكَذَلِكَ لَا تجزعي إِن منفِسٌ أهلكته على أَن يكون الْمُضمر هلك وَكَذَلِكَ هَذِه الْآيَات كلهَا وَهِي {إِذا السَّمَاء انشقت} (وَإِذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) وَإِنَّمَا وَالْمعْنَى وَالله أعلم إِذا كورتْ الشّمس وَإِذا انشقَتْ السماءُ وَالْجَوَاب فِي جَمِيع هَذَا مَوْجُود لِأَن هَذِه لَا تكون إِلَّا بأجوبة فَالْجَوَاب فِي قَوْله {إِذا الَشَّمْسُ كُوِرُتْ} {علمت نفس مَا أحضرت} وَالْجَوَاب فِي قَوْله {إِذا السَّمَاء انفطرت} (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَمَتْ وأخَرَتْ) فَأَما قَوْله {إِذا السَّماءُ انشَّقَتْ وأَذِنَتْ لِرَبِها وحُقَتْ} فقد قيل فِيهِ أقاويل فقوم يَقُولُونَ {فَأَما منْ أوتيَ كِتابَهُ بِيَميِنِهِ} هُوَ الْجَواب لِأَن الْفَاء وَمَا بعْدهَا جَوَاب كَمَا تكون جَوَابا فِي الْجَزَاء لِأَن إِذا فِي معنى الْجَزَاء وَهُوَ كَقَوْلِك إِذا جَاءَ زيد فَإِن كلمك فَكَلمهُ فَهَذَا قَول حسن جميل وَقَالَ قوم الْخَبَر مَحْذُوف لعلم الْمُخَاطب كَقَوْل الْقَائِل عِنْد تَشْدِيد الْأَمر إِذا جَاءَ زيد أَي إِذا جَاءَ زيد علمت وَكَقَوْلِه إِن عشتَ ويكل مَا بعد هَذَا إِلَى مَا يُعلمهُ الْمُخَاطب كَقَوْل الْقَائِل لَو رَأَيْت فلَانا وَفِي يَده سيف وَقَالَ قوم آخَرُونَ الْوَاو فِي مثل هَذَا تكون زَائِدَة فَقَوله {إِذا السَّمَاء انشقت وأذنت لِرَبِّهَا وحقت} يجوز أَن يكون {إِذا الأَرْض مدت} وَالْوَاو زَائِدَة كَقَوْلِك حِين يقوم زيد حِين يَأْتِي عَمْرو وَقَالُوا أَيْضا إِذا السَّمَاء انشقتْ أذنتْ لِرَبِها وحٌ قتْ وَهُوَ أبعد الْأَقَاوِيل أَعنِي زِيَادَة الْوَاو وَمن قَول هَؤُلَاءِ إِن هَذِه الْآيَة على ذَلِك {فَلَمَّا أسلما وتله للجبين وناديناه} قَالُوا الْمَعْنى ناديناه أَن يَا إِبْرَاهِيم قَالُوا وَمثل ذَلِك فِي قَوْله {حَتّى إِذا جاءوها وفُتِحَتْ أبْوابُها وقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُها} الْمَعْنى عِنْدهم حَتَّى إِذا جاءوها فتحت أَبْوَابهَا كَمَا كَانَ فِي الْآيَة الَّتِي قبلهَا فِي مَوَاضِع من الْقُرْآن كَثِيرَة من هَذَا الضَّرْب قَوْلهم وَاحِد وينشدون فِي ذَلِك (حتّى إِذا امتلأتْ بُطُونُكُمُ ... ورأيتُمُ أبناءَكُمْ شَبّوا)

(وقَلَبْتُمْ ظَهْرَ المِجَنْ لنا ... إنَّ الغَدورَ الفاحِشَ الخِبُّ)

قَالَ وَإِنَّمَا هُوَ قلبتم ظهر الْمِجَن وَزِيَادَة الْوَاو غير جَائِزَة عِنْد الْبَصرِيين وَالله أعلم بالتأويل فَأَما حذف الْخَبَر فمعروف جيد من ذَلِك قَوْله {وَلو أنَّ قُرآناً سُيِّرتْ بِهِ الجِبالُ أَو قُطِّعَتْ بِهِ الأرضُ أَو كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ للهِ الأمرُ جَميعاً} قَالَ الراجز

(لوْ قّدْ حَداهُنّ أَبُو الجُوديِّ ... )

(برجَزٍ مُسْحَنْفرِ الرَّويِّ ... )

(مُسْتَوياتٍ كَنَوى البَرنِيِّ ... )

لم يَأْتِ بِخَبَر لعلم الْمُخَاطب وَمثل هَذَا الْكَلَام كثير وَلَا يجوز الْحَذف حَتَّى يكون الْمَحْذُوف مَعْلُوما بِمَا يدل عَلَيْهِ من تقدم خبر أَو مُشَاهدَة حَال

هَذَا بَاب الْأَفْعَال الَّتِي تنجزم لدُخُول معنى الْجَزَاء فِيهَا

وَتلك الْأَفْعَال جَوَاب مَا كَانَ أمرا أَو نهيا أَو استخبارا وَذَلِكَ قَوْلك ائْتِ زيد يكرمك وَلَا تأت زيدا يكن خيرا لَك وَأَيْنَ بَيْتك أزورك وَإِنَّمَا أنْجز مت بِمَعْنى الْجَزَاء لِأَنَّك إِذا قلت ائْتِنِي أكرمك فَإِنَّمَا الْمَعْنى ائْتِنِي فَإِن تأتني أكرمك لِأَن الْإِكْرَام إِنَّمَا يجب بالإتيان وَكَذَلِكَ لَا تقم يكن خيرا لَك لِأَن الْمَعْنى فَإِن لم تقم يكن خيرا لَك وَأَيْنَ بَيْتك أزرك إِنَّمَا مَعْنَاهُ إِن تعلمني أزرك وَقَالَ الله عز وَجل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا هَل أدلكم على تِجَارَة تنجيكم من عَذَاب أَلِيم} ثمَّ ذكرهَا فَقَالَ {تؤمنون بِاللَّه} فَلَمَّا انْقَضى ذكرهَا قَالَ {يغْفر لكم} لِأَنَّهُ جَوَاب لهل وَكَذَلِكَ أَعْطِنِي أكرمك وَتقول اِئتني أشكرك وَالتَّفْسِير وَاحِد وَلَو قلت لَا تَعْصِي الله يدْخلك الْجنَّة كَانَ جيدا لِأَنَّك إِنَّمَا أضمرت مثل مَا أظهرت فكأنك قلت فَإنَّك إِن لَا تعصه يدْخلك الْجنَّة واعتبره بِالْفِعْلِ الَّذِي يظْهر فِي مَعْنَاهُ أَلا ترى إِنَّك لَو وضعت فعلا بِغَيْر نهي فِي مَوضِع لَا تعصى الله لَكَانَ أطع الله وَلَو قلت لَا تَعْصِي الله يدْخلك النَّار كَانَ محالا لِأَن مَعْنَاهُ أطع الله وقولك أطع الله يدْخلك النَّار محَال وَكَذَلِكَ لَا تدنُ من الْأسد يَأْكُلك لَا يجوز لِأَنَّك إِذا قلت لَا تدن فَإِنَّمَا تُرِيدُ تبَاعد وَلَو قلت تبَاعد من الْأسد يَأْكُلك كَانَ محالا لِأَن تباعده مِنْهُ لَا يُوجب أكله إِيَّاه وَلَكِن لَو رفعت كَانَ جيدا تُرِيدُ فَإِنَّهُ مِمَّا يَأْكُلك وَأما قَوْله {قل لعبادي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أحسن} وَمَا أشبهه فَلَيْسَ يَقُولُوا جَوَابا لقل وَلَكِن الْمَعْنى وَالله أعلم قل لعبادي قُولُوا يَقُولُوا وَكَذَلِكَ {قل لعبادي الَّذين آمنُوا يقيموا الصَّلَاة} وَإِنَّمَا هُوَ قل لَهُم يَفْعَلُوا يَفْعَلُوا وَتقول مُرهُ يحفرُها ومرهُ يحفُرْها فالرفع على ثَلَاثَة أوجه والجزم على وَجه وَاحِد وَهُوَ أَجود من الرّفْع لِأَنَّهُ على الْجَواب كَأَنَّهُ إِن أَمرته حفرهَا وَأما الرّفْع فأحد وجوهه أَن يكون يحفرها على قَوْلك فَإِنَّهُ مِمَّن يحفرها كَمَا كَانَ لَا تدنُ من الْأسد يَأْكُلك وَيكون على الْحَال كَأَنَّهُ قَالَ مره فِي حَال حفره فَلَو كَانَ اسْما لَكَانَ مرهُ حافرا لَهَا وَيكون على شَيْء هُوَ قَلِيل فِي الْكَلَام وَذَلِكَ أَن تُرِيدُ مره أَن يحفرها فتحذف أَن وترفع الْفِعْل لِأَن عَامله لَا يضمر وَبَعض النَّحْوِيين من غير الْبَصرِيين يُجِيز النصب على إِضْمَار أَن والبصريون يأبون ذَلِك إِلَّا أَن يكون مِنْهَا عوض نَحْو الْفَاء وَالْوَاو وَمَا ذَكرْنَاهُ مَعَهُمَا وَنَظِير هَذَا الْوَجْه قَول طرفَة

(أَلا أيُّهذا الزَّاجِري أحضُرُ الوَغى ... وأنْ أشْهَدَ اللّذاتِ هَلْ أنتَ مُخَلَدي)

وَمن رأى النصب هُنَاكَ رأى نصب أحضر فَأَما قَول الله عز وَجل {قل أفغير الله تأمروني أعبد أَيهَا الجاهلون} فتقديره وَالله أعلم قل افغير الله أعبد فِيمَا تأمروني فَغير مَنْصُوب بأعبد وَقد يجوز وَهُوَ بعيد على قَوْلك أَلا أيهذا الزاجري أحضرَ الوغى فَكَأَن التَّقْدِير قل أفغير الله تأمروني أعبد فتنصب غير ب تأمروني وَقد أجَازه سِيبَوَيْهٍ على هَذَا وَهَذَا قَول آخر وَهُوَ حذف الْبَاء كَمَا قَالَ

(أمَرْتُكَ الخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ ... فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مالٍ وذَا نَشَبِ)

وَأَنا أكره هَذَا الْوَجْه الثَّانِي لبعده وَلَا يجوز على هَذَا القَوْل أَن ينصب غيرا بأعبد لِأَن أعبد على هَذَا فِي صلَة أَن وَأما قَوْله عز وَجل {ذرهم يَأْكُلُوا ويتمتعوا} فعلى الْجَواب فَإِن قَالَ قَائِل أفأمر الله بذلك ليخوضوا ويلعبوا قيل مخرجه من الله عز وَجل على الْوَعيد كَمَا قَالَ عز وَجل {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} (وَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) أما قَوْله {ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبونَ} فَإِنَّهُ لَيْسَ بِجَوَاب وَلَكِن الْمَعْنى ذرهم لاعبين أَي ذرهم فِي حَال لعبهم

هَذَا بَاب ألفات الْوَصْل وَالْقطع

وَهن همزات على الْحَقِيقَة فَأَما ألف الْقطع فَهِيَ الَّتِي تكون فِي أول الِاسْم أصلا أَو زَائِدَة كالأصل يبْنى عَلَيْهَا الِاسْم بِنَاء كَمَا يبْنى على الْمِيم الزَّائِدَة وَغَيرهَا من حُرُوف الزَّوَائِد فاستئنافها وَوَصلهَا بِمَا قبلهَا سَوَاء وَذَلِكَ نَحْو هَذَا أَب فَاعْلَم وَهَذَا أَخ يَا فَتى فَهَذِهِ الْأَصْلِيَّة وَكَذَلِكَ الْهمزَة فِي إبل وَفِي وَأمر فَأَما الزَّائِدَة فنحو أَحْمَر وأصفر وَهَذَا أفضل من ذَا لِأَنَّهُ من الْفضل والحمرة والصفرة وَأما ألف الْوَصْل فَإِنَّمَا هِيَ همزَة كَانَ الْكَلَام بعْدهَا لَا يصلح ابتداؤه لِأَن أَوله سَاكن وَلَا يقدر على ابْتِدَاء السَّاكِن فزيدت هَذِه الْهمزَة ليوصل بهَا إِلَى الْكَلَام بِمَا بعْدهَا فَإِن كَانَ قبلهَا كَلَام سَقَطت لِأَن الَّذِي قبلهَا مُعْتَمد للساكن مغن فَلَا وَجه لدخولها وَكَذَلِكَ إِن تحرّك الْحَرْف الَّذِي بعْدهَا لعِلَّة توجب ذَلِك سَقَطت الْألف للاستغناء عَنْهَا بتحرك مَا بعْدهَا لِأَن ابتداءه مُمكن فَإِنَّمَا تدخل فِي الْكَلَام للضَّرُورَة إِلَيْهَا وَسَنذكر موضعهَا من الْأَفْعَال وَمَا تدخله من الْأَسْمَاء إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب الْأَفْعَال الَّتِي تدْخلهَا ألف الْوَصْل وَالْأَفْعَال الممتنعة من ذَلِك

أما مَا تدخله ألف الْوَصْل فَهُوَ كل فعل كَانَت الْيَاء وَسَائِر حُرُوف المضارعة تنفتح فِيهِ إِذا قلت يفعل قلت حُرُوفه أَو كثرت إِلَّا أَن يَتَحَرَّك مَا بعد الْفَاء فيستغني عَن الْألف كَمَا ذكرت لَك فَمن تِلْكَ الْأَفْعَال ضرب وَعلم وكرم وَتقول إِذا أمرت اِضرب زيدا اعْلَم ذَاك أكْرم يَا زيد لِأَنَّك تَقول يضْرب وَيعلم وَيكرم فالياء من جَمِيع هَذَا مَفْتُوحَة وَتقول يَا زيد اضْرِب عمرا فَتسقط الْألف كَمَا قَالَ عز وَجل {قل ادعوا الله} وكما قَالَ {واعلَموا إنّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ} لِأَن الْوَاو لحقت فَسَقَطت الْألف وَكَذَلِكَ تَقول انْطلق يَا زيد وَقد انْطَلَقت يازيد لِأَن الْألف مَوْصُولَة لِأَنَّك تَقول فِي الْمُضَارع ينْطَلق فتنفتح الْيَاء وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ استخرجت مَالا واستخرج إِذا أمرت لِأَنَّك تَقول يسْتَخْرج وكل فعل لم نذكرهُ تلْحقهُ هَذِه الْعلَّة فَهَذَا مجْرَاه فَأَما تفَاعل يتفاعل وَتفعل يتفعل نَحْو تقاعس الرجل وَتقدم الرجل فَإِن ألف الْوَصْل لَا تلْحقهُ وَإِن كَانَت الْيَاء مَفْتُوحَة فِي يتَقَدَّم وَفِي يتقاعس لِأَن الْحَرْف الَّذِي بعْدهَا متحرك وَإِنَّمَا تلْحق الْألف لسكون مَا بعْدهَا فَإِن كَانَ يفعل مضموم الْيَاء لم تكن الْألف إِلَّا مَقْطُوعَة لِأَنَّهَا تثبت كثبات الأَصْل إِذْ كَانَ ضم الْيَاء من يفعل إِنَّمَا يكون لما وليه حرف من الأَصْل وَذَلِكَ مَا كَانَ على افْعَل نَحْو أكْرم وَأحسن وَأعْطى لِأَنَّك تَقول يُكرم ويُحسن ويُعطي فتنضم الْيَاء كَمَا تنضم فِي يُدحرج ويُهملج فَإِنَّمَا تثبت الْألف من أكْرم كَمَا تثبت الدَّال فِي دحرج تَقول يَا زيد أكْرم عمرا كَمَا تَقول دحرج قَالَ الله عز وَجل {فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} وَقَالَ {وَأحسن كَمَا أحسن الله إِلَيْك} بِالْقطعِ وَكَانَ حق هَذَا أَن يُقَال فِي الْمُضَارع يؤكرم مثل يُدحرج ويؤحسن وَلَكِن أطرحت الْهمزَة لما أذكرهُ لَك فِي مَوْضِعه عَن شَاءَ الله وكل فعل كَانَت أَلفه مَوْصُولَة فلحقت الْألف مصدره فَهِيَ ألف وصل وَإِن كَانَ الْفِعْل فِيهِ ألف مَقْطُوعَة فَهِيَ فِي مصدره كَذَلِك فَأَما الموصولات فنحو الانطلاق والاستخراج والاقتداء وَأما المقطوعة فنحو الْإِكْرَام وَالْإِحْسَان والإعطاء وَاعْلَم أَن ألف الْوَصْل تسْتَأْنف مَكْسُورَة إِلَّا أَن يكون ثَالِث الْحُرُوف مضموما فِي جَمِيع الْأَفْعَال والأسماء فَأَما الْفِعْل فقولك اذْهَبْ استخرج اقتدر وَمَا لم نذكرهُ فَهَذِهِ حَاله وَأما الْأَسْمَاء فقولك ابْن اسْم انطلاق اسْتِخْرَاج اقتدار امْرُؤ فَاعْلَم فَأَما مَا ثالثه مضموم فَإِن ألف الْوَصْل تبتدأ فِيهِ مَضْمُومَة وَالْعلَّة فِي ذَلِك أَنه لَا يُوجد ضم بعد كسر إِلَّا أَن يكون ضم إِعْرَاب نَحْو فَخذ فَاعْلَم وَلَا يكون اسْم على فعل وَلَا غير اسْم فَلَمَّا كَانَ الثَّالِث مضموما وَلم يكن بَينه وَبَين الْألف إِلَّا حرف سَاكن لم يكن حاجزا واستؤنفت مَضْمُومَة تَقول استُضعف زيد وانطُلق بِعَبْد الله وَكَذَلِكَ فِي الْأَمر تَقول ادخل اُقعد و {اركض برجلك} وللمرأة مثل ذَلِك اُركضي ادخلي وَتقول اعزي يَا امْرَأَة لِأَن أصل الزَّاي الضَّم وَأَن يكون بعْدهَا وَاو وَلَكِن الْوَاو ذهبت لالتقاء الساكنين وأبدلت الضمة كسرة من أجل الْيَاء الَّتِي للتأنيث أَلا ترى أَنَّك تَقول للرجل أَنْت تضرب زيدا وللمرأة أَنْت تضربين فَإِنَّمَا تزيد الْيَاء وَالنُّون بعد انْفِصَال الْفِعْل لتمامه وَتقول للرجل أَنْت تغزو وللمرأة أَنْت تغزين فتذهب الْوَاو لالتقاء الساكنين على مَا ذكرت لَك فَأَما الْألف الَّتِي تلْحق مَعَ اللَّام للتعريف فمفتوحة نَحْو الرجل والغلام لِأَنَّهَا لَيست باسم وَلَا فعل وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَة قد وَإِنَّمَا ألحقت لَام التَّعْرِيف لسكون اللَّام فخولف بحركتها لذَلِك وَكَذَلِكَ ألف ايمن الَّتِي تدخل للقسم مَفْتُوحَة لِأَنَّهُ اسْم غير مُتَمَكن وَلَيْسَ بواقع إِلَّا فِي الْقسم فخولف بِهِ فَتَقول ايمن اللهِ لَأَفْعَلَنَّ ايمن الْكَعْبَة لَأَفْعَلَنَّ ويدلك على أَنَّهَا ألف وصل سُقُوطهَا فِي الإدراج تَقول وايمن الله لَأَفْعَلَنَّ كَمَا قَالَ فِي أُخْرَى

(فَقَالَ فَريقُ القومِ لمّا نشَدتُهُمْ ... نَعَمْ وفريقٌ لَيْمُنِ اللهِ مَا نَدري)

وَاعْلَم أَن ألف الْوَصْل إِذا لحقتها ألف الِاسْتِفْهَام سَقَطت لِأَنَّهُ قد صَار فِي الْكَلَام مَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْهَا كَمَا ذكرت لَك أَنه إِذا كَانَ مَا بعْدهَا مَوْصُولا بِمَا قبلهَا سَقَطت لِأَنَّهُ قد اسْتغنى عَنْهَا إِذْ لم يكن لَهَا معنى إِلَّا التَّوَصُّل إِلَى الْكَلَام بِمَا بعْدهَا وَذَلِكَ قَوْلك أنطلقت يَا رجل بِالْفَتْح لِأَنَّهَا ألف الِاسْتِفْهَام وَكَذَلِكَ استخرجت شَيْئا فَهِيَ الْألف الَّتِي فِي قَوْلك أضربت زيدا وَمثل ذَلِك {أتخذناهم سخريا أم زاغت عَنْهُم الْأَبْصَار} إِلَّا ألف ايمن وَألف الرجل فَإنَّك إِذا استفهمت مددت لِئَلَّا يلتبس الِاسْتِفْهَام بالْخبر لِأَنَّهُمَا مفتوحتان وَألف الِاسْتِفْهَام مَفْتُوحَة تَقول آلرجل قَالَ ذَلِك آلغلام جَاءَك آيمنُ الله لَأَفْعَلَنَّ

هَذَا بَاب دُخُول ألف الْوَصْل فِي الْأَسْمَاء غير المصادر

اعْلَم أَنَّهَا تدخل فِي أَسمَاء مَعْلُومَة وَتلك الْأَسْمَاء اختلت وأزيلت عَن وَجههَا فسكنت أوائلها فدخلتها ألف الْوَصْل لذَلِك فَإِن اتَّصل بهَا شَيْء قبلهَا سَقَطت الألفات لِأَن ألفات الْوَصْل لَا حَظّ لَهَا فِي الْكَلَام أَكثر من التَّوَصُّل إِلَى التَّكَلُّم بِمَا بعْدهَا فَإِذا وصل إِلَى ذَلِك بغَيْرهَا فَلَا وَجه لذكرها وَلم يكن حق الْألف أَن تدخل على الْأَسْمَاء كَمَا لم يكن حق الْأَفْعَال أَن تعرب وَلَكِن أعرب مِنْهَا مَا ضارع الْأَسْمَاء وأدخلت هَذِه الْألف على الْأَسْمَاء الَّتِي اختلت فنقصت عَن تمكن غَيرهَا من الْأَسْمَاء فَمن ذَلِك ابْن وَابْنَة لِأَنَّهُ اسْم مَنْقُوص قد سقط مِنْهُ حرف وَذَلِكَ الْحَرْف يَاء أَو وَاو فَتَقول هَذَا ابْن زيد وَهَذِه ابْنة زيد فَتسقط ألف الْوَصْل وَكَذَلِكَ إِن صغرت سَقَطت لِأَن الْفَاء الْفِعْل تتحرك وتبتدأ وتستغنى عَن ألف الْوَصْل تَقول بنيّ وبُنية وَكَذَلِكَ بنُون لما حركت الْبَاء سَقَطت الْألف وَبَنَات بمنزلتها - وَمن هَذِه الْأَسْمَاء اسْم تَقول بدأت باسم الله وَإِذا صغرت قلت سمى وَاثْنَانِ كَذَلِك وَلَو كَانَ يفرد لَكَانَ يجب أَن يكون فِي الْوَاحِد اثن وَلكنه لَا يفرد فِي الْعدَد فَيبْطل مَعْنَاهُ وَمن الْعَرَب من يَجعله اسْما لليوم على غير معنى الْعدَد فَيَقُول الْيَوْم الاثن كَمَا يَقُول الابْن وَالْيَوْم الثني وَلَيْسَ ذَلِك بالجيد لِأَن معنى التَّثْنِيَة أَن الْوَاحِد كَانَ عِنْدهم الأول ثمَّ بنوا الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَالْخَمِيس على ذَلِك كَمَا تَقول الْيَوْم يَوْمَانِ من الشَّهْر أَي تَمام يَوْمَيْنِ وَمن ذَلِك اِستٌ إِنَّمَا هِيَ على ثَلَاثَة أحرف فالسين مَوضِع الْفَاء وَالتَّاء مَوضِع الْعين وَالْهَاء فِي مَوضِع اللَّام وَهِي الساقطة يدلك على ذَلِك قَوْلك فِي التصغير سُتيهة وَفِي الْجمع أستاه فَاعْلَم وَمِنْهَا امْرُؤ فَاعْلَم واعتلاله إتباع عينه للامه وَهَذَا لَا يُوجد فِي غير مَا يعتل من الْأَسْمَاء وَمن ذَلِك ابنم وَإِنَّمَا هُوَ ابْن وَالْمِيم زَائِدَة فزادت فِي هَذَا الِاسْم المعتل كَمَا ذكرت لَك فاتبعت النُّون مَا وَقع فِي مَوضِع اللَّام كَمَا أتبعت الْعين اللَّام فِيمَا ذكرت لَك وَمَعْنَاهَا بِزِيَادَة الْمِيم وطرحها وَاحِد قَالَ المتلمس

(وَهَلْ لَي أمٌّ غيرُها إنْ تركتُها ... أَبى اللهُ إلّا أنْ أكونَ لَهَا ابْنَمَا)

وَقَالَ الْكُمَيْت بن زيد الْأَسدي

(وَمِنَّا لَقِيطٌ وابْنَماهُ وحَاجِبٌ ... مُؤَرَّثُ نِيرانِ المكارِمِ لَا المُخبي)

أَي وابناه فألف الْوَصْل فِي هَذِه الْأَسْمَاء على مَا ذكرت وَمن ألفات الْوَصْل الْألف الَّتِي تلْحق مَعَ اللَّام للتعريف وَإِنَّمَا زيدت على اللَّام لِأَن اللَّام مُنْفَصِلَة مِمَّا بعْدهَا فَجعلت مَعهَا اسْما وَاحِدًا بِمَنْزِلَة قد أَلا ترى أَن المتذكر يَقُول قدْ فيقف عَلَيْهَا إِلَى أَن يذكر مَا بعْدهَا فَإِن توهم شَيْئا فِيهِ ألف الْوَصْل قَالَ قدى يقدر قد انْطَلَقت قد استخرجت وَنَحْو ذَلِك وَكَذَلِكَ فِي الْألف وَاللَّام تَقول جَاءَنِي ال وَرُبمَا قَالَ الى يُرِيد الابْن الْإِنْسَان على تَخْفيف الْهمزَة فيفصلها كَمَا يفصل الْبَائِن من الْحُرُوف قَالَ الراجز

(دَعْ ذَا وَقدم ذَا وألحِقْنَا بذلْ ... )

فَوقف عَلَيْهَا ثمَّ قَالَ متذكرا لَهَا ولحرف الْخَفْض الَّذِي مَعهَا

(بالشَّحْمِ إِنَّا قد مَلَلناهُ بَجَلْ ... )

هَذَا بَاب مصَادر الْأَفْعَال إِذا جَاوَزت الثَّلَاثَة صحيحها ومعتلها والاحتجاج لذَلِك وَذكر أبنيتها

أما مَا كَانَ من ذَوَات الْأَرْبَعَة فَإِن فعل مِنْهُ يكون على فَعْلّل مَاضِيا وَيكون مستقبله على يُفعلِل ومصدره على فَعللة وفعلان نَحْو دحرجته دحرجة وهملج الدَّابَّة هملجة وسرهفته سرهفة وسرعفته سرعفة وزلزل الله بهم زَلْزَلَة والمضارع يُدحرج ويسرهف ويهملج والفعلان نَحْو السرهاف والسرعاف والزلزال والمصدر اللَّازِم هُوَ الفعللة وَالْهَاء لَازِمَة لَهُ لِأَنَّهَا بدل من الْألف الَّتِي تلْحق هَذَا الضَّرْب من المصادر قبل أواخرها نَحْو مَا ذكرنَا من السرهاف والزلزال قَالَ العجاج

(سَرهَفْتُه مَا شِئتَ مِنْ سِرْهافِ) وَمَا كَانَ من ذَوَات الثَّلَاثَة المزيدة الْوَاقِعَة على هَذَا الْوَزْن من الْأَرْبَعَة فَحكمه حكم هَذِه الَّتِي وصفناها إِذا كَانَت زِيَادَته للإلحاق وَذَلِكَ نَحْو حوقلت حوقلة وبيطرت بيطرة وجهور بِكَلَامِهِ جهورة وَكَذَلِكَ شمللت شمللة وصعررت صعررة وسلقيته سلقاة يَا فَتى وجعبيته جعباة يَا فَتى والمضارع على مِثَال يدحرج نَحْو يجعبي ويحوقل ويشملل وَكَذَلِكَ جَمِيعهَا فَأَما مثل الزلزال والسرهاف فالحيقال والسلقاء كَمَا قَالَ

(يَا قومُ قدْ حَوْقَلْتُ أَو دَنَوتُ ... )

(وبَعْضُ سيِقال الرجالِ المَوتُ ... )

فَإِن كَانَ الشَّيْء من ذَوَات الثَّلَاثَة على وزن ذَوَات الْأَرْبَعَة الَّتِي وَصفنَا من زَوَائِد غير حُرُوف الْإِلْحَاق فَإِن الْمُضَارع كمضارع ذَوَات الْأَرْبَعَة لِأَن الْوَزْن وَاحِد وَلَا يكون الْمصدر كمصادرها لِأَنَّهُ غير مُلْحق بهَا وَذَلِكَ مَا كَانَ على فعلت وفاعلت أفعلت فالوزن على وزن دحرجت تَقول قطّعَ يُقَطّع وَكسر يُكَسّر على مِثَال يدحرج فَهَذَا فعلت وَأما فاعلت فنحو قَاتل يُقَاتل وضارب يضارب وَأما أفعلت فنحو أكْرم يكرم وَأحسن يحسن وَكَانَ الأَصْل يؤكرم ويؤحسن حَتَّى يكون على مِثَال دحرج لِأَن همزَة أكْرم مزيدة بحذاء دَال دحرج وَحقّ الْمُضَارع أَن يَنْتَظِم مَا فِي الْمَاضِي من الْحُرُوف وَلَكِن حذفت هَذِه الْهمزَة لِأَنَّهَا زَائِدَة وتلحقها الْهمزَة الَّتِي يَعْنِي بهَا الْمُتَكَلّم نَفسه فتجتمع همزتان فكرهوا ذَلِك وحذفوها إِذْ كَانَت زَائِدَة وَصَارَت حُرُوف المضارعة تَابِعَة للهمزة الَّتِي يَعْنِي بهَا الْمُتَكَلّم نَفسه كَمَا حذفت الْوَاو الَّتِي فِي يعد لوقوعها بَين يَاء وكسرة وَصَارَت حُرُوف المضارعة تَابِعَة للياء وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهُم قد حذفوا الْهمزَة الاصلية للاتقاء الهمزتين فِي قَوْلك كل وَخذ فِرَارًا من أؤكل وَمن أؤخذ وأمنوا الالتباس فَإِن اضْطر شَاعِر فَقَالَ يؤكرم يؤحسن جَازَ ذَلِك كَمَا قَالَ

(وَصَالِياتٍ كَكَمَا يُؤَثَفَيْنَ ... ) وكما قَالَ

(كُراتُ غُلامٍ فِي كساءِ مؤرْنَبَ ... )

وكما قَالَ

(فإنَّهَ أهلٌ لأنْ يَؤكَرَمَا ... )

وَقد يَجِيء فِي الْبَاب الْحَرْف والحرفان على اصولهما وَإِن كَانَ الِاسْتِعْمَال على غير ذَلِك ليدل على اصل الْبَاب فَمن ذَلِك {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمَ الشَّيْطانُ}

وأغيلت الْمَرْأَة الْمُسْتَعْمل فِي هَذَا الإغيال على مَا يجده فِي كتاب التصريف نَحْو استجاز وَأقَام واستقام وَكَذَلِكَ لححت عينه وَنَحْو ذَلِك

(قَدْ عَلمتْ ذاكَ بناتُ ألبُبِهِ ... )

فمما جَاءَ على أَصله فِيمَا الْهمزَة فِيهِ قَوْلهم اومرُ فَهَذَا كنحو مَا وصفت لَك فِي الْكَلَام وَلم يجز فِي الزَّائِدَة مثل هَذَا فِي غير الشّعْر لِأَن الْأَصْلِيَّة أمكن فَإِذا كَانَ اثباتها مُمْتَنعا فَهُوَ من الزِّيَادَة أبعد فالمصدر فِي افعلت على مِثَال الزلزال وَلم يكن فِيهِ مصدر جَاءَ لزلزلة لِأَنَّهُ نقص فِي الْمُضَارع فَجعل هَذَا عوضا وَذَلِكَ نَحْو أكرمت إِكْرَاما وأعطيته إِعْطَاء وَأسْلمت إسلاما فَهَذَا غير منكسر وَلَا مُمْتَنع فِي افعلت من الصَّحِيح وَأما فاعلت فمصدره اللَّازِم مفاعلة مَا كَانَ فِيهِ لأثنين أَو لوَاحِد وَذَلِكَ نَحْو قَاتَلت مقاتلة وشاتمت مشاتمة وضاربت مُضَارَبَة فَهَذَا على مِثَال دحرجت مدحرجة يَا فَتى وَلم يكن فِيهِ شَيْء على مِثَال الدحرجة لِأَنَّهُ لَيْسَ بملحق بفعللت وَيَجِيء فِيهِ الفعال نَحْو قَاتلته قتالا وراميته رماء وَكَانَ الأَصْل فيعالا لِأَن فاعلت على وزن افعلت وفعللت فَكَانَ الْمصدر كالزلزال وَالْإِكْرَام وَلَكِن الْيَاء محذوفة فِي فيعال اسْتِخْفَافًا وَإِن جَاءَ بهَا جاءٍ فمصيب وَأما قَوْلنَا مَا يكون لاثْنَيْنِ نَحْو شاتمت وضاربت لَا يكون هَذَا من وَاحِد وَلَكِن من اثْنَيْنِ فَصَاعِدا وَأما مَا يكون لوَاحِد من هَذَا الْبَاب فنحو عَاقَبت اللص وطارقت النَّعْل وَعَافَاهُ الله وَلِهَذَا مَوضِع مُمَيّز فِيهِ إِن شَاءَ الله وَمن هَذَا الْوَزْن فعلت ومصدره التفعيل لِأَنَّهُ لَيْسَ بملحق فالتاء الزَّائِدَة عوض من تثقيل الْعين وَالْيَاء بدل من الْألف الَّتِي تلْحق قبل أَوَاخِر المصادر وَذَلِكَ قَوْلك قطعته تقطيعا وكسرته تكسيرا وشمرت تشميرا وَكَانَ اصل هَذَا الْمصدر أَن يكون فعالا كَمَا قلت أفعلت إفعالا وزلزلت زلزالا وَلكنه غير لبَيَان أَنه لَيْسَ بملحق وَلَو جَاءَ بِهِ جاءٍ على الأَصْل لَكَانَ مصيبا كَمَا قَالَ الله عز وَجل {وَكَذَّبوا بآياتِنَا كِذَّباً} فَهَذَا على وزن وَاحِد اعني فعللت وفاعلت وافعلت وَفعلت والمحلقات بفعللت ويسكن أول الْفِعْل من قبيل غير هَذَا فتلحقها ألف الْوَصْل وَتَكون على مِثَال انفعل وَذَلِكَ نَحْو انْطلق والمصدر على الانفعال تَقول انْطلق انطلاقا وانكسر انكسارا وَانْفَتح انفتاحا وَلَا تلْحق النُّون زَائِدَة ثَانِي لِأَلف الْوَصْل إِلَّا هَذَا الْمِثَال وَفِي وَزنه ماكان على افتعل وَالْفَاء تسكن فتحلقها ألف الْوَصْل فَيكون الْمصدر الافتعال وَذَلِكَ نَحْو اقتدر اقتدارا واقتحم اقتحاما واكتسب اكتسابا وَلَا تلْحق التَّاء شَيْئا من الْأَفْعَال زَائِدَة بعد حرف أُصَلِّي إِلَّا هَذَا الْمِثَال ويضاعف آخر الْفِعْل ويسكن أَوله فتلحقه ألف الْوَصْل وَيكون على هَذَا الْوَزْن إِلَّا إِن الْإِدْغَام يُدْرِكهُ لالتقاء الحرفين من جنس وَاحِد وَذَلِكَ نَحْو احمررت واسوددت واخضررت فَإِذا قلت احمر يَا فَتى وَمَا أشبهه لحقه الْإِدْغَام فَهَذَا قبيل آخر وَمن الْأَفْعَال مَا يَقع على مِثَال استفعلت وَذَلِكَ أَن السِّين وَالتَّاء زائدتان إِلَّا إِن السِّين سَاكِنة تلحقها ألف الْوَصْل وَذَلِكَ نَحْو استخرجت واستكرمت واستطعمت فالمصدر من ذَا استفعالا تَقول استخرجت استخراجا واستنطقت استنطاقا وَيكون على هَذَا الْوَزْن إِلَّا أَن آخِره مضاعف فيدركه الْإِدْغَام وَذَلِكَ الْمِثَال نَحْو احماررت وابياضضت على معنى احمررت وابيضضت إِلَّا أَن الأَصْل افعاللت وافعللت مَحْذُوف مِنْهُ والمصدر على وزن مصدر استفعلت وَتَقْدِيره افعيلال وَذَلِكَ اشهاب الْفرس اشهيبابا وادهام ادهيماما وابياض ابيضاضا وَيكون هَذَا على الْوَزْن ويسكن أَوله فتلحقه ألف الْوَصْل إِلَّا أَن الْوَاو فِيهِ مضاعفة وَذَلِكَ افعولت ومصدره افعوالا وَذَلِكَ اجلوذ اجلواذا واعلوط اعلواط وَمن هَذَا الْوَزْن مَا زيدت فِيهِ الْوَاو بَين الْعَينَيْنِ فَكَانَ على مِثَال افعوعل وَذَلِكَ نَحْو اغدودن واعشوشبت الارض واخلولق للخير والمصدر افعيعالا على وزن استخراجا فِي السّكُون وَالْحَرَكَة وَكَذَلِكَ كل شَيْء وازن شَيْئا فَهُوَ يجْرِي مجْرَاه فِي سكونه وحركته فِي الْمُضَارع والمصدر إِلَّا مَا ذكرت لَك من مُخَالفَة فعّل وأفعل فِي الْمصدر للأربعة لتفصل بَين الملحق وَغَيره وَيَقَع فِي الْوَزْن افعنلل من الْأَرْبَعَة وَالثَّلَاثَة مُلْحقَة بالأربعة فَذَلِك نذكرهُ بعد هَذَا الْبَاب وَقَوْلنَا أَن الْأَفْعَال إِذا وَقعت على وزن وَاحِد بِغَيْر إِلْحَاق فِي الثَّلَاثَة الَّتِي تلحقها الزَّوَائِد اسْتَوَت مصادرها فِيهِ بَيَان كل مَا يرد فِي هَذَا الْبَاب وَاعْلَم أَن التَّاء تلْحق فَاعل وَفعل فَيكون الْفِعْل على تفَاعل وَتفعل كَمَا تلْحق فعلل الَّذِي أَصله الْأَرْبَعَة وَذَلِكَ نَحْو دحرج إِذا ذكرت المطاوعة قلت تدحرج فَيكون الْمصدر تدحرجا فَكَذَلِك تَقول تقطع تقطعا وتكسر تكسرا وَفِي فَاعل تَقول تغافل تغافلا وَتَنَاول تناولا لِأَنَّك تَقول ناولته فَتَنَاول كَمَا تَقول دحرجته فتدحرج وَكَذَلِكَ كَسرته فتكسر

هَذَا بَاب أَفعَال المطاوعة

من الْأَفْعَال الَّتِي فِيهَا الزَّوَائِد من الثَّلَاثَة وَالْأَفْعَال الَّتِي لَا زَوَائِد فِيهَا مِنْهَا وأفعال المطاوعة أَفعَال لَا تتعدى إِلَى مفعول لِأَنَّهَا إِخْبَار عَمَّا تريده من فاعلها فَإِذا كَانَ الْفِعْل بِغَيْر زِيَادَة فمطاوعة يَقع على انفعل وَقد يدْخل عَلَيْهِ افتعل إِلَّا أَن الْبَاب انفعل وَذَلِكَ قَوْلك كَسرته فانكسر فَإِن الْمَعْنى أَنِّي أردْت كَسره فبلغت مِنْهُ إرادتي وَكَذَلِكَ قطعته فَانْقَطع وشويت اللَّحْم فانشوى ودفعته فَانْدفع وَقد يَقع اشتوى فِي معنى انشوى لِأَن افتعل وانفعل على وزن فَأَما الأجود فِي قَوْلك اشتوى فَأن يكون مُتَعَدِّيا على غير معنى الانفعال وَتقول اشتوى الْقَوْم أَي اتَّخذُوا شواءً فَتَقول على هَذَا اشتوى الْقَوْم لَحْمًا وَلَا يكون انفعل من هَذَا وَلَا من غَيره إِلَّا غير مُتَعَدٍّ إِلَى مفعول وَإِن كَانَ الْفِعْل على افْعَل فبابه افعلته فَفعل وَيكون فعل مُتَعَدِّيا وَغير مُتَعَدٍّ وَذَلِكَ أخرجته فَخرج لِأَنَّك كنت تَقول خرج زيد فَإِذا فعل بِهِ ذَلِك غَيره قلت أخرجه عبد الله أَي جعله يخرج وَكَذَلِكَ ادخلته الدَّار فَدَخلَهَا أَي جعلته يدخلهَا فَإِنَّمَا افعلته دَاخِلَة على فعل تَقول عطا يعطو إِذا تنَاول وأعطيته أَنا ناولته فَالْأَصْل ذَا وَمَا كَانَ من سَوَاء فداخل عيه تَقول ألبسته فَلبس وَأَطْعَمته فَطَعِمَ فَأَما طرحت الْبِئْر وطرحتها وغاض المَاء وغضته وَكسب زيد درهما وَكَسبه فَهُوَ على هَذَا بِحَذْف الزَّوَائِد وَكَذَلِكَ إِن كَانَ من غير هَذَا الْفظ نَحْو أَعْطيته فَأَخذه إِنَّمَا أَخذ فِي معنى عطا أَي تنَاول فَإِن كَانَ الْفِعْل على فَاعل مِمَّا يَقع لوَاحِد فالمفعول الَّذِي يَقع فِيهِ على إِنَّه كَانَ فَاعِلا يكون على متفاعل وَفعله على تفَاعل تَقول ناولته فَتَنَاول وقاعسته فتقاعس هَذَا إِنَّمَا يصلح إِذا كَانَ فَاعل للْفَاعِل وَحده نَحْو عافاه الله وناولت زيد فَأَما إِذا كَانَ من اثْنَيْنِ فَهُوَ خَارج من هَذَا وَذَلِكَ نَحْو شاتمت زيدا أَي كَانَ مِنْهُ إِلَيّ مثل مَا كَانَ مني إِلَيْهِ وقاتلت زيدا وضاربت عمرا فالغالب من ذَا يَقع على فعل يفعل من الصَّحِيح تَقول شاتمني فشتمته وَحقّ لي أَن اشتمه وضاربني فضربته فَأَنا أضربه لَا يكون الْفِعْل من هَذَا إِلَّا على مِثَال قتل يقتل وَلَيْسَ من بَاب ضرب يضْرب وَلَا علم يعلم فَإِذا كَانَ الْفِعْل على مِثَال فعلت أَو فاعلت فقد قُلْنَا إِنَّه يكون على تفَاعل وَتفعل واستفعل يكون المطاوع فِيهِ على مِثَاله قبل أَن تلْحقهُ الزِّيَادَة إِذا كَانَ الْمَطْلُوب من فعله وَذَلِكَ استنطقته فَنَطَقَ واستكتمته فكتم واستخرجته فَخرج فَإِن كَانَ من غير فعله جَاءَ على لفظ آخر نَحْو استخبرته فَأخْبر لِأَنَّك تُرِيدُ سَأَلته أَن يُخْبِرنِي وَكَانَ فعله أخبر بِالْألف الثَّانِيَة فجَاء على مِقْدَار مَا كَانَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ استعلمته فَأَعْلمنِي فعلى هَذَا يجْرِي مَا ذَكرْنَاهُ من هَذِه الْأَفْعَال

هَذَا بَاب مَا كَانَ من بَنَات الْأَرْبَعَة وَألْحق بِهِ من الثَّلَاثَة

فمثال بَنَات الْأَرْبَعَة الَّتِي لَا زِيَادَة فِيهَا فعلل وَذَلِكَ نَحْو دحرج وهملج وسرهف وَقد مضى قَوْلنَا فِي مصدره وتلحق بِهِ الثَّلَاثَة بِالْوَاو ثَانِيَة فَيكون على فوعل وَذَلِكَ نَحْو حوقل كَمَا تلْحق اسْما نَحْو كوثر وجورب والمصدر كالمصدر وتلحق الْوَاو ثَالِثَة فَيكون على فعول نَحْو جهورة كَلَامه جهور كَمَا يلْحقهُ اسْما وَذَلِكَ قَوْلك جدول والمصدر كالمصدر وتلحقه الْيَاء ثَانِيَة فَيكون الْفِعْل على فيعل وَذَلِكَ نَحْو بيطر كَمَا يلْحقهُ اسْما إِذا قلت رجل جيدر وصيرف والمصدر كالمصدر تَقول بيطر بيطرة وتلحقه الْيَاء رَابِعَة نَحْو سلقى وجعبى والمصدر كالمصدر وَنَظِيره من الْأَسْمَاء أرطى وعلقى ويدلك على أَن الْألف لَيست للتأنيث أَنَّك تَقول فِي الْوَاحِدَة أَرْطَاة وعلقاة وَهَذَا مُبين فِي بَاب التصريف وَإِنَّمَا نذْكر هَا هُنَا شَيْئا للباب الَّذِي ذَكرْنَاهُ وكل مَا كَانَ مُلْحقًا بِشَيْء من الْفِعْل فمصدره كمصدره وَلَيْسَ فِي الْأَفْعَال شَيْء على فعيل وَلَكِن فعيل مُلْحق بهجرع وَذَلِكَ هريع وحيثل فالفعل من بَنَات الْأَرْبَعَة بِغَيْر زِيَادَة لَا يكون إِلَّا على فعلل فالأسماء تكون على فعلل نَحْو جَعْفَر وفعلل نَحْو الترتم والجلجل وَيكون على فعلل نَحْو زهلق وخمخم وَيكون على فعلل نَحْو هجرع وَدِرْهَم لتمكن الْأَسْمَاء وتقدمها الْأَفْعَال وَيكون الْأَسْمَاء على فعل نَحْو قمطر سبطر فَأَما الْأَفْعَال فتلحقها الزِّيَادَة فَيكون الْفِعْل على تفعلل وَهُوَ الْفِعْل الَّذِي يَقع على فعلل وَذَلِكَ نَحْو تدحرج وتسرهف لِأَن التَّقْدِير دحرجته فتدحرج والمصدر التفعلل ومصدر تفعل التفعل كَقَوْلِك تكسر تكسرا ومصدر تفَاعل إِنَّمَا هُوَ التفاعل نَحْو تغافل تغافلا فاستوت مصارد هَذِه فِي السّكُون وَالْحَرَكَة كَمَا اسْتَوَت أفعالها وتلحق النُّون الْأَفْعَال ثَالِثَة وتسكن أَولهَا وتلحقها ألف الْوَصْل فَيكون على افنعلل وَذَلِكَ نَحْو احرنجم واخرنطم والملحق بِهِ من بَنَات الثَّلَاثَة يكون على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا أَن تضَاعف اللَّام فَيكون الْوَزْن افعنلل وَإِحْدَى اللامين زَائِدَة وَذَلِكَ نَحْو اقعنسس وَالْوَجْه الآخر أَن تزاد يَاء بعد اللَّام فَيكون افعنلى وَذَلِكَ نَحْو اسنلقى وَلَا يكون الْإِلْحَاق بِهِ من بَنَات الثَّلَاثَة غير احرنجم لِأَن النُّون إِنَّمَا تقع بَين حرفين من الأَصْل فَلَا يكون فِيمَا ألحق بِهِ إِلَّا كَذَلِك وتلحق بَنَات الْأَرْبَعَة الزِّيَادَة آخرا ويسكن أَولهَا فتلحقها ألف الْوَصْل فَيكون بِنَاء الْفِعْل على افعللت وافعلل إِلَّا أَن الْإِدْغَام يُدْرِكهُ وَذَلِكَ نَحْو اقشعررت واقشعرّ وَكَانَ أَصله اقشعرر فنظيره من الثَّلَاثَة احماررت واشهاببت واشهاب الْفرس ومصدره كمصدره لِأَن الْوَزْن وَاحِد وَكَذَلِكَ استفعلت الَّذِي لَا يكون إِلَّا من الثَّلَاثَة وَذَلِكَ قَوْلك اشهاب الْفرس اشهيبابا كَمَا تَقول استخرج استخراجا وأغدودن اغديدانا واعلوط اعلواطا وَقد مضى قَوْلنَا فِي اسْتِوَاء المصادر فِي السّكُون وَالْحَرَكَة إِذا اسْتَوَت أفعالها وَلَا يكون الْفِعْل من بَنَات الْخَمْسَة الْبَتَّةَ إِنَّمَا يكون من الثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة وَمِثَال الْخَمْسَة للأسماء خَاصَّة لقُوَّة الْأَسْمَاء وتمكنها وَأكْثر مَا يبلغ الْعدَد فِي الْأَسْمَاء بِالزِّيَادَةِ سَبْعَة أحرف وَلَا يكون ذَلِك إِلَّا فِي المصادر من الثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة وهما اشهيباب واحرنجام وَمَا وَقع على هَذَا الْوَزْن من الثَّلَاثَة فَأَما الْخَمْسَة فَلَا تبلغ بِالزِّيَادَةِ إِلَّا سِتَّة أحرف لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا فعل فَيكون لَهَا مصدر كهذه المصادر وَلَكِن تلحقها الزَّوَائِد كَمَا تلْحق سَائِر الْأَسْمَاء وَذَلِكَ نَحْو عضرفوط وعندليب وقبعثري وَهَذَا مُبين فِي بَاب التصريف

هَذَا بَاب ذَوَات الثَّلَاثَة من الْأَفْعَال بِغَيْر زِيَادَة

فالأفعال مِنْهَا تكون على فعل يفعل لما كَانَ مُتَعَدِّيا وَغير مُتَعَدٍّ فَأَما الْمُتَعَدِّي فنحو ضرب يضْرب وَحبس يحبس وَشتم يشْتم وَأما غير الْمُتَعَدِّي فنحو جلس يجلس وحرص يحرص وشهق يشهق فَتكون على فعل يفعل فَيكون للمتعدي وَغَيره فَأَما الْمُتَعَدِّي فنحو قتل يقتل وسجن يسجن وعتل يعتل وَأما غير المعتدي فنحو قعد يقْعد وَنظر ينظر من الْعين وعطس يعطس وَتَكون على فعل يفعل لما يتَعَدَّى وَلما لَا يتَعَدَّى فالمتعدي شرب يشرب ولقم يلقم وحذر يحذر وَأما غير الْمُتَعَدِّي فنحو بطر يبطر وَفقه يفقه ولحح يلحح وشتر يشتر وَيكون على فعل يفعل وَلَا يكون إِلَّا لما لَا يتَعَدَّى وَذَلِكَ نَحْو كرم يكرم وَشرف وظرف فَهَذِهِ أبنية الثَّلَاثَة وَاعْلَم أَن حُرُوف الْحلق إِذا وَقعت من فعل المفتوح فِي مَوضِع الْعين أَو اللَّام جَاءَ فِيهِ يفعل بِالْفَتْح وَذَلِكَ لِأَن حُرُوف الْحلق من حيّز الْألف والفتحة مِنْهَا وَإِن كَانَ حرف الْحلق فِي مَوضِع الْعين من الْفِعْل انفتحت الْعين ليَكُون الْعَامِل من وَجه وَاحِد فَأَما مَا كَانَت مِنْهُ فِي مَوضِع اللَّام فسنذكره بعد ذكرنَا حُرُوف الْحلق إِن شَاءَ الله وَهَذِه الْحُرُوف السِّتَّة فأقصدها الْهمزَة وَالْهَاء والمخرج الثَّانِي الْعين والحاء وادنى مخارج الْحلق إِلَى الْفَم الْغَيْن وَالْخَاء فَمَا كَانَ من ذَلِك فِي مَوضِع اللَّام فنحو قَرَأَ يقْرَأ وبسأ بِهِ يبسأ وجبه يجبهُ وصنع يصنع ونطح يَنْطَح وسنح يسنح ومنح يمنح وسلخ يسلخ ونبغ يَنْبغ وَرقا يرقأ وَمَا كَانَ فِي مَوضِع الْعين فنحو ذهب يذهب وَفعل يفعل وَنحل ينْحل ونهش ينهش وجأر يجأر وَإِن كَانَ حرف الْحلق فِي مَوضِع الْفَاء لم يفتح لَهُ شَيْء وَذَلِكَ أَن الْفَاء لَا تكون إِلَّا سَاكِنة فِي يفعل وَإِنَّمَا تتحرك فِي المعتل بحركة غَيرهَا نَحْو يَقُول يَبِيع وَاعْلَم إِن الأَصْل مُسْتَعْمل فِيمَا كَانَت حُرُوف الْحلق فِي مَوضِع عينه أَو لامه نَحْو زأر الْأسد يزئر ونأم ينئم لِأَن هَذَا هُوَ الأَصْل وَالْفَتْح عَارض لما ذكرت لَك هَا هُنَا من أجل مصادره ليجري الْفِعْل عَلَيْهَا وَنحن ذاكروها بعد ذكر أَسمَاء الفاعلين فِي هَذِه الْأَفْعَال إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب معرفَة أَسمَاء الفاعلين فِي هَذِه الْأَفْعَال وَمَا يلْحقهَا من الزِّيَادَة للْمُبَالَغَة

اعْلَم أَن الِاسْم على فعل فَاعل نَحْو قَوْلك ضرب فَهُوَ ضَارب وَشتم فَهُوَ شاتم وَكَذَلِكَ فعل نَحْو علم فَهُوَ عَالم وَشرب فَهُوَ شَارِب فَإِن أردْت أَن تكْثر الْفِعْل كَانَ للتكثير أبنية فَمن ذَلِك فعال تَقول رجل قتّال إِذا كَانَ يكثر الْقَتْل فَأَما قَاتل فَيكون للقليل وَالْكثير لِأَنَّهُ الأَصْل وعَلى هَذَا تَقول رجل ضرّاب وشتّام كَمَا قَالَ

(أَخا الحَربِ لَبّاساً إِلَيْهَا جِلالها ... ولَيسَ بِوَلاّجِ الخَوالِفِ أعقلا)

فَهَذَا ينصب الْمَفْعُول كَمَا ينصبه فَاعل لِأَنَّك إِنَّمَا تُرِيدُ بِهِ مَا تُرِيدُ بفاعل إِلَّا أَن هَذَا أَكثر مُبَالغَة أَلا ترَاهُ يَقُول

(لبّاسا إِلَيْهَا جلالها ... )

وَمن كَلَام الْعَرَب أما الْعَسَل فَأَنت شرّاب وَمن هَذِه الْأَبْنِيَة فعول نَحْو ضروب وقتول وركوب تَقول هُوَ ضروب زيدا إِذا كَانَ يضْربهُ مرّة بعد مرّة كَمَا قَالَ

(ضَرُوبٌ بَنَصلِ السيفِ سُوقَ سِمانها ... إِذا عَدِموا زاداُ فأنكَ عاقِرُ)

وَمن كَلَام الْعَرَب إِنَّه ضروب رُؤْس الدارعين وَمن هَذِه الْأَبْنِيَة مفعال نَحْو رجل مِضراب وَرجل مقتال وَمن كَلَام الْعَرَب إِنَّه لمِنحار بَوائكها فَأَما مَا كَانَ على فعيل نَحْو رَحِيم عليم فقد أجَاز سِيبَوَيْهٍ النصب فِيهِ وَلَا أرَاهُ جَائِزا وَذَلِكَ أَن فعيلا إِنَّمَا هُوَ اسْم الْفَاعِل من الْفِعْل الَّذِي لَا يتَعَدَّى \ فَمَا خرج إِلَيْهِ من غير ذَلِك الْفِعْل فمضارع لَهُ مُلْحق بِهِ وَالْفِعْل الَّذِي هُوَ لفعيل فِي الأَصْل إِنَّمَا هُوَ مَا كَانَ على فَعُلَ نَحْو كرم فَهُوَ كريم وَشرف فَهُوَ شرِيف وظرف فَهُوَ ظريف فَمَا خرج إِلَيْهِ من بَاب علم وَشهد ورحم فَهُوَ مُلْحق بِهِ فَإِن قلت رَاحِم وعالم وَشَاهد فَهَذَا اسْم الْفَاعِل الَّذِي يُرَاد بِهِ الْفِعْل وَاحْتج سِيبَوَيْهٍ بقول الشَّاعِر

(حتَى شآها كليِلٌ مَوهِنَّا عَمِلٌ ... باتَتْ طِرَباً وباتَ الليلَ لمْ يَنِمِ)

فَجعل الْبَيْت مَوْضُوعا من فعيل وفَعل بقوله عمِل وكَليل وَلَيْسَ هَذَا بِحجَّة فِي وَاحِد مِنْهُمَا لِأَن مَوهِنا ظرف وَلَيْسَ بمفعول والظرف إِنَّمَا يعْمل فِيهِ معنى الْفِعْل كعمل الْفِعْل كَانَ الْفِعْل مُتَعَدِّيا أَو غير مُتَعَدٍّ وَكَذَلِكَ مَا ذكر فِي فعل أَكثر النَّحْوِيين على رده وفعيل فِي قَول النَّحْوِيين بِمَنْزِلَتِهِ فَمَا كَانَ على فعل فنحو فرق وبطر حذر الْحجَّة فِي أَن هَذَا لَا يعْمل أَنه لما تنْتَقل إِلَيْهِ الْهَيْئَة تَقول فلَان حذر أَي ذُو حذر وَفُلَان بطر كَقَوْلِك مَا كَانَ ذَا بطر وَلَقَد بطر وَمَا كَانَ ذَا حذر وَلَقَد حذر فَإِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِك مَا كَانَ ذَا شرف وَلَقَد شرف وَمَا كَانَ ذَا كرم وَلَقَد كرُم ففعلٌ مضارعة لفَعيل وَكَذَلِكَ يَقع فعل وفعيل فِي معنى كَقَوْلِك رجل طبَّ وطبيب ومذل ومذيل وَهَذَا كثير جدا وَاحْتج سِيبَوَيْهٍ بِهَذَا الْبَيْت

(حَذِرٌ أُمُوراً لَا تَضِيرُ وآمِنٌ ... مَا ليسَ مُنْجِيهِ مِنَ الأقدَرِ) وَهَذَا بَيت مَوضِع مُحدث وَإِنَّمَا الْقيَاس الْحَاكِم على مَا يَجِيء من هَذَا الضَّرْب وَغَيره فَإِن ذكرت فعولًا من غير فعل لم يجر مجْرى الْفِعْل وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك هَذَا رَسُول وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة ضروب لِأَنَّك تَقول رجل ضَارب وضروب لمن يكثر الضَّرْب مِنْهُ فَإِذا قلت رَسُول لم ترد بِهِ معنى فِعل إِنَّمَا تُرِيدُ أَن غَيره أرْسلهُ وَالْفِعْل مِنْهُ أرسل يُرْسل وَالْمَفْعُول مُرْسل وَلَيْسَ رَسُول مكثرا من مُرْسل لِأَن رَسُولا قد يَسْتَقِيم أَن يكون أرسل مرّة وَاحِدَة فَلَيْسَ للْمُبَالَغَة وَأما ضروب فَمَعْنَاه كَثْرَة الضَّرْب فَإِن كَانَت الْأَسْمَاء جَارِيَة على أفعالها فِي الفاعلين والمفعولين عملت عمل أفعالها لَا اخْتِلَاف فِي ذَلِك بَين أحدٍ وَنحن ذاكروها مَعَ مَا ذَكرْنَاهُ عَن شَاءَ الله وَذَلِكَ أَنَّك إِذا أردْت التكثير من ذَا قلت مُضّرِبٌ أَعْنَاق الْقَوْم لِأَن الِاسْم على ضرب مُضَرب وَإِنَّمَا ذكرنَا النصب فِي ضراب لِأَنَّهُ فِي معنى مُضرب أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول لمن ضرب ضَرْبَة وَاحِدَة ضرّاب وَلَا لمن خاط خيطة وَاحِدَة خيّاط وَلَا ضروب وَلَا خيوط فَإِنَّمَا مضرب من ضربت ومستخرج من استخرجت ومنطلق من انْطَلَقت فاسم الْفَاعِل قلت حُرُوفه أَو كثرت بِمَنْزِلَة الْفِعْل الْمُضَارع الَّذِي مَعْنَاهُ يفعل وَاسم الْمَفْعُول جَار على الْفِعْل الْمُضَارع الَّذِي مَعْنَاهُ يُفعَلُ تَقول زيد ضَارب عمرا كَمَا تَقول زيد يضْرب عمرا وَزيد مَضْرُوب سَوْطًا كَمَا تَقول زيد يُضرب سَوْطًا فَهَذِهِ جملَة هَذِه الْبَاب وَاعْلَم أَن المصادر تنصب الْأَفْعَال الَّتِي هِيَ مِنْهَا وَقد مضى قَوْلنَا فِي هَذَا وَفِي مصَادر مَا جَاوز عدده الثَّلَاثَة وَنحن ذاكرو المصادر الَّتِي تجْرِي على الْأَفْعَال من ذَوَات الثَّلَاثَة على كثرتها واختلافها بعد فراغنا من هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله اعْلَم إِن المصادر تلحقها الْمِيم فِي أَولهَا زَائِدَة لِأَن الْمصدر مفعول فَإِذا كَانَ كَذَلِك جرى مجْرى الْمصدر الَّذِي لَا مِيم فِيهِ فِي الإعمال وَغَيره وَذَلِكَ قَوْلك ضَربته مضربا أَي ضربا وغزوته غزواً ومغزى وشتمته شتما ومشتماُ وَتقول يَا عَمْرو مشتما زيد فَإِن كَانَ الْمصدر لفعل على أَكثر من ثَلَاثَة كَانَ على مِثَال الْمَفْعُول لِأَن الْمصدر مفعول وَكَذَلِكَ إِن بنيت من الْفِعْل اسْما لمَكَان أَو زمَان كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا على مِثَال الْمَفْعُول لِأَن الزَّمَان وَالْمَكَان مفعول فيهمَا وَذَلِكَ قَوْلك فِي المصادر أدخلته مدخلًا كَمَا قَالَ عز وَجل {أنزلني منزلا مُبَارَكًا} و {باسمِ اللهِ مُجْريهَا ومُرْسَاها} وَكَذَلِكَ سرحته مسرحا وَهَذَا مسرحنا أَي فِي مَوضِع تسريحنا وَهَذَا مقامنا لِأَنَّك تُرِيدُ بِهِ الْمصدر وَالْمَكَان من أَقمت وعَلى ذَلِك قَالَ الله عز وَجل {إِنَّهَا ساءت مُسْتَقرًّا ومقاما} لِأَنَّهَا من أَقمت وَقَالَ {يَا أهْلَ يَثْرِبَ لَا مَقَام لنَا} لِأَنَّهَا من قُمْت مَوضِع قيام وَمن قَرَأَ {لَا مقَام} إِنَّمَا يُرِيد لَا إِقَامَة قَالَ الشَّاعِر

(ألَمْ تَعلَمْ مُسَرِّحي القَوَافي ... فّلا عيَّا بَهِنَّ وَلَا اجتلابا)

أَي تسريحي وَقَالَ آخر

(وَمَا هيَ إِلَّا فِي إزارٍ وعِلْقَةٍ ... مُغارَ ابْن هُمامٍ على حَيِّ خَثْعَما) أَي وَقت إغارة ابْن همام وَهَذَا أوضح من أَن يكثر فِيهِ الِاحْتِجَاج لِأَن الْمصدر هُوَ الْمَفْعُول الصَّحِيح إِلَّا ترى أَنَّك إِذا قلت ضربت زيدا أَنَّك لم تقعل زيدا وَإِنَّمَا فعلت الضَّرْب فأوصلته إِلَى زيد وأوقته بِهِ لِأَنَّك إِنَّمَا أوقعت بِهِ فعلك فَأَما قَول الله عز وَجل {وَجَعَلْنا النَّهارَ مَعَاشَّا}

فَمَعْنَاه عَيْشًا ثمَّ قَالَ {ويسألونك عَن الْمَحِيض} أَي الْحيض فَكَانَ أحد المصدرين على مفعل وَالْآخر على مَفْعِل وَقَوله عز وَجل {سَلام هِيَ حَتَّى مطلع الْفجْر} ومطلع الْفجْر وَمَا أشبه هَذَا فَلهُ بَاب يذكر فِيهِ إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب مصَادر ذَوَات الثَّلَاثَة على اختلافها وتبيين الأَصْل فِيهَا

اعْلَم أَن هَذَا الضَّرْب من المصادر يَجِيء على أَمْثِلَة كَثِيرَة بزوائد وَغير زَوَائِد وَذَلِكَ أَن مجازها مجَاز الْأَسْمَاء والأسماء لَا تقع بِقِيَاس وَإِنَّمَا اسْتَوَت المصادر الَّتِي تجاوزت افعالها ثَلَاثَة أحرف فجرت على قِيَاس وَاحِد لِأَن الْفِعْل مِنْهَا لَا يخْتَلف وَالثَّلَاثَة مُخْتَلفَة أفعالها الْمَاضِيَة والمضارعة فَلذَلِك اخْتلفت مصادرها وَجَرت مجْرى سَائِر الْأَسْمَاء فَمِنْهَا مَا يَجِيء على فعل مَفْتُوح الأول سَاكن الثَّانِي وَهُوَ الأَصْل وسنبين الأَصْل إِن شَاءَ الله فَمَا جَاءَ مِنْهَا على فَعْل فقولك ضربت ضربا وَقتلت قتلا وشربت شربا وَمَكَثت مكثا فَهَذَا قد جَاءَ فِيمَا كَانَ على فعل يفعل نَحْو ضرب يضْرب وعَلى فعل يفعل نَحْو قتل يقتل وعَلى فعل يفعل نَحْو شرب يشرب ولقم يلقم وعَلى فعل يفعُل نَحْو مكث يمكُث وَيَقَع على فِعل وفُعل بِإِسْكَان الثَّانِي وَكسر الأول أَو ضمه فَأَما الْكسر فنحو علم علما وحلم حلماً وَفقه فقهاً وَكَذَلِكَ فَقُه وَأما مَا كَانَ مضموم الأول فنحو الشّغل تَقول شغلته شُغلا وشربته شربا وسقم الرجل سُقما وَيكون على فَعَل نَحْو جلبته جلبا وطربت طَربا وحلب الرجل الشَّاة حَلبًا وَيكون على فعل نَحْو سمن سمنا وَعظم عظما وَكبر كبرا وَصغر صغرا وَيكون على فعل نَحْو ضحك ضحكا وَحلف حلفا وخنقه خنِقا هَذِه المصادر بِغَيْر زِيَادَة وَتَكون الزِّيَادَة فَيكون على فعول وفعال نَحْو جلس جُلوسا وَقعد قعُودا ووقدت النَّار وقودا وشكرته شكُورًا وكفرته كفورا والفعال نَحْو قُمْت قيَاما وَصمت صياما ولقيته لِقَاء وَيكون على فعال نَحْو ذهب ذَهَابًا وخفيت خَفَاء وشربت شرابًا يَقُول بَعضهم هُوَ مصدر وَأما أَكثر النَّحْوِيين فالشراب عِنْده المشروب وَهَذَا لَا اخْتِلَاف فِيهِ وَإِنَّمَا تزْعم طَائِفَة أَنه يكون للمصدر وَتقول جمل جمالا وخُبل خَبالا وكمل كمالا وَيكون على هَذَا الْوَزْن بِالْهَاءِ نَحْو سفه سفاهة وضل ضَلَالَة وَجَهل جَهَالَة وسقم سقامة وَيكون فِي المعتل مِنْهُ بِنَاء لَا يُوجد مثله فِي الصَّحِيح وَذَلِكَ أَنَّك لَا تَجِد مصدرا على فيعولة إِلَّا فِي المعتل وَذَلِكَ شاخ شيخوخة وَصَارَ صيرورة وَكَانَ كينونة إِنَّمَا كَانَ الأَصْل كَيَّنونة وصيّرورة وشيّخوخة وَكَانَ قبل الْإِدْغَام كيونونة وَلَكِن لما كثر الْعدَد الزموه التَّخْفِيف كَرَاهِيَة للتضعيف وَمثل ذَلِك قَوْلهم فِي هَين هيْن وَفِي سيد سَيد وَكَذَلِكَ ميت مَيت وليّن لَيْن وَجَمِيع مَا كَانَ على هَذَا الْوَزْن فَلَمَّا كَانَ التَّخْفِيف فِي الْعدَد الْأَقَل جَائِزا كَانَ فِي الْعدَد الْأَكْثَر لَازِما وَلَا يُوجد مصدر على فيعلولة فِي غير المعتل لِأَن من كَلَامهم اخْتِصَاص المعتل بأبنية لَا تكون فِي غَيره وَالدَّلِيل على أَنه فيعلول أَنه لَا يكون اسْم على فعلول بِفَتْح أَوله وَلم يُوجد ذَلِك إِلَّا فِي قَوْلهم صعفوقٌ وَيُقَال إِنَّه اسْم أعجمي أُعرب وَمن الدَّلِيل على ذَلِك أَن كينونه لَو كَانَ فعلولة لَكَانَ كونونة لِأَنَّهُ من الْوَاو فَهَذَا وَاضح جدا وَالدَّلِيل على أَن أصل المصادر فِي الثَّلَاثَة فعل مسكن الْأَوْسَط مَفْتُوح الأول أَنَّك إِذا أردْت رد جَمِيع هَذِه المصادر إِلَى الْمرة الْوَاحِدَة فَإِنَّمَا ترجع إِلَى فعلة على أَي بِنَاء كَانَ بِزِيَادَة أَو غير زِيَادَة وَذَلِكَ قَوْلهم ذهبت ذَهَابًا ثمَّ تَقول ذهبت ذهبة وَاحِدَة وَتقول فِي الْقعُود قعدت قعدة وَاحِدَة وَحلفت حلفة وَاحِدَة وحلبته حلبة وَاحِدَة لَا يكون فِي جَمِيع ذَلِك إِلَّا هَكَذَا وَالْفِعْل أقل الْأُصُول والفتحة أخق الحركات وَلَا يثبت فِي الْكَلَام بعد هَذَا حرف زَائِد وَلَا حَرَكَة إِلَّا بثبت وَتَصْحِيح وَزعم سِيبَوَيْهٍ أَن الْأَكْثَر فِي الْفِعْل الَّذِي لَا يتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُول أَن يَأْتِي على فعول وَإِن كَانَ الْفِعْل هُوَ الأَصْل فَكَأَن الْوَاو إِنَّمَا زيدت وَغير للفصل بَين الْمُتَعَدِّي وَغَيره وَذَلِكَ نَحْو جَلَست جُلُوسًا ووقدت النَّار وقودا وَإِن كَانَ الأَصْل مَا ذكرنَا وَقد يَجِيء هَذَا فِيمَا لَا يتَعَدَّى أَكثر وَجَاءَت مصَادر على فعول مَفْتُوحَة الْأَوَائِل وَذَلِكَ قَوْلك تَوَضَّأت وضُوءًا حسنا وتطهرت طهُورا واولعت بِهِ ولوعا ووقدت النَّار وقودا وَأَن عَلَيْهِ لقبولا على أَن الضَّم فِي الْوقُود أَكثر إِذا كَانَ مصدرا وَأحسن

هَذَا بَاب مَا كَانَ من المعتل فِيمَا جَاوز فعله الثَّلَاثَة فَلَزِمَهُ الْحَذف لاعتلاله والإتمام لسلامته

اعْلَم أَن المعتل يَقع على ضَرْبَيْنِ محذوفا ومتمما فَمَا لزمَه الْحَذف لعِلَّة تكون تِلْكَ الْعلَّة رَاجِعَة فِي مصدره فمصدره معتل كاعتلاله وَمَا سلم من الْحَذف فعله كَانَ مصدره تَاما فَمن ذَلِك مَا يكون من الثَّلَاثَة مِمَّا فاؤه وَاو وَذَلِكَ نَحْو وعد وَوجد فَإِذا قلت يعد ويجد وَقعت الْوَاو بَين يَاء وكسرة فحذفت لذَلِك فَكَانَ يعد ويجد وَكَانَ الأَصْل يوعد وَيُوجد وَلَو لم تكن الكسرة بعد الْيَاء لصحت كَمَا تصح فِي يوجل أَو أبدلت وَلم تحذف كَمَا تَقول ييجل ييحل وياجل وياحل فَإِذا قلت وَعدا ووزنا صَحَّ الْمصدر لِأَنَّهُ لم تلحقة عِلّة فَإِن قلت عدَّة وزنة أعللت فحذفت لِأَن الكسرة فِي الْوَاو فالعلة فِي الْمصدر من وَجْهَيْن إِحْدَاهمَا عِلّة فعلة وَالثَّانيَِة وُقُوعهَا فِيهِ أَلا ترى أَنَّهَا لَو كَانَت عِلّة الْفِعْل وَحدهَا لصَحَّ الْمصدر كَمَا ذكرت لَك فِي الْوَعْد وَالْوَزْن وَلَو بنيت اسْما على فعلة لَا تُرِيدُ بِهِ مصدرا لصحت الْوَاو وَذَلِكَ مثل الْوَجْه فَكَذَلِك كل مصدر من المعتل وَهَذَا الَّذِي قدمت مَا أعلت فاؤه وَالَّذِي تعتل عينه من بَاب قَالَ وَبَاعَ هَذَا مجْرَاه تَقول قُمْت قيَاما فَإِنَّمَا حذفت مَوضِع الْعين من قُمْت لِاجْتِمَاع الساكنين وَلم يلتق فِي الْمصدر ساكنان وَلَكِن يلزمك لاعتلال الْفِعْل أَن تقلب الْوَاو يَاء لِأَن قبلهَا كسرة فقد اجْتمع فِيهَا شَيْئَانِ الكسرة قبلهَا واعتلال الْفِعْل فَلذَلِك قُلْنَ لذت لياذا ونمت نياما وَقمت قيَاما وَلَو كلن الْمصدر لقاومت لصَحَّ فَقلت قاومته قواما ولاوذته لِوَاذًا وَكَانَ اسْما غير مصدر نَحْو خوان فَإِن كَانَ الْمصدر لَا عِلّة فِيهِ صَحَّ على مَا ذكرت لَك وَذَلِكَ قَوْلك قلت قولا وجلت جولا وَكَذَلِكَ بِعْت بيعا وكلت كَيْلا لَا نقص فِي شَيْء من ذَلِك وَكَذَلِكَ إِن اعتلت اللَّام فلحقت الْمصدر تِلْكَ الْعلَّة وَالْفِعْل بِزِيَادَة أَو غير زِيَادَة

هَذَا بَاب الْأَمر وَالنَّهْي

فَمَا كَانَ مِنْهُمَا مَجْزُومًا فَإِنَّمَا جزمه بعامل مدْخل عَلَيْهِ فاللازم لَهُ اللَّام وَذَلِكَ قَوْلك ليقمْ زيد ليذْهب عبد الله تَقول زرني ولأزرك فَتدخل اللَّام لِأَن الْأَمر لَك فَأَما إِذا كَانَ الْمَأْمُور مُخَاطبا فَفعله مَبْنِيّ غير مجزوم وَذَلِكَ قَوْلك اذْهَبْ انْطلق وَقد كَانَ قوم من النَّحْوِيين يَزْعمُونَ أَن هَذَا مجزوم وَذَلِكَ خطا فَاحش وَذَلِكَ لِأَن الْإِعْرَاب لَا يدْخل من الْأَفْعَال إِلَّا فِيمَا كَانَ مضارعا للأسماء وَالْأَفْعَال المضارعة هِيَ الَّتِي فِي أوائلها الزَّوَائِد الْأَرْبَع الْيَاء وَالتَّاء والهمزة وَالنُّون وَذَلِكَ قَوْلك أفعل أَنا وَتفعل أَنْت وَيفْعل هُوَ ونفعل نَحن فَإِنَّمَا تدخل عَلَيْهَا العوامل وَهِي على هَذَا اللَّفْظ وقولك اضْرِب وقم لَيْسَ فِيهِ شَيْء من حُرُوف المضارعة وَلَو كَانَت فِيهِ لم يجز جزمه إِلَّا بِحرف يدْخل عَلَيْهِ فيجزمه فَهَذَا بَين جدا ويروي عَن رَسُول الله

أَنه قَرَأَ {فَبِذَلِكّ فَلْتَفْرَحوا} فَهَذَا مجزوم جزمته اللَّام وَجَاءَت هَذِه الْقِرَاءَة على أصل الْأَمر فَإِذا لم يكن الْأَمر للحاضر الْمُخَاطب فَلَا بُد من إِدْخَال اللَّام تَقول ليقمْ زيد وَتقول زرْ زيد وليزرْك إِذا كَانَ الْأَمر لَهما لِأَن زيدا غَائِب وَلَا يكون الْأَمر لَهُ إِلَّا بِإِدْخَال اللَّام وَكَذَلِكَ إِن قلت ضُرب زيد فَأَرَدْت الْأَمر من هَذَا ليُضرب زيد لِأَن الْمَأْمُور لَيْسَ بمواجه وَاعْلَم أَن الدُّعَاء بِمَنْزِلَة الْأَمر وَالنَّهْي فِي الْجَزْم والحذف عِنْد المخاطبة وَإِنَّمَا وَإِنَّمَا قيل دُعَاء وَطلب للمعنى لِأَنَّك تَأمر من هُوَ دُونك وتطلب إِلَى من أَنْت دونه وَذَلِكَ قَوْلك ليغفر اللهُ لزيد وَتقول اللَّهُمَّ اغْفِر لي كَمَا تَقول اضْرِب عمرا فَأَما قَوْلك غفر الله لزيد ورحم الله زيدا وَنَحْو ذَلِك فَإِن لَفظه لفظ الْخَبَر وَمَعْنَاهُ الطّلب وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لعلم السَّامع أَنَّك لَا تخبر عَن الله عز وَجل وَإِنَّمَا تسأله كَمَا أَن قَوْلك علم الله لأقومنّ إِنَّمَا لَفظه لفظ رزق الله وَمَعْنَاهُ الْقسم لِأَنَّك فِي قَوْلك علم مستشهد وَتقول يَا زيد ليقمْ إِلَيْك عَمْرو وَيَا زيد لتدعْ بني عَمْرو النحويون يجيزون إِضْمَار هَذِه اللَّام للشاعر إِذا اضْطر ويستشهدون على ذَلِك بقول متمم بن نُوَيْرَة

(على مِثلِ أصحابِ البعُوضةِ فاخمُشي ... لكِ الوَيلُ حُرَّ الوجهِ أَو يَبْكِ مَنْ بَكى)

يُرِيد أَو ليبك من بَكَى وَقَول آخر

(مُحَمْدُ تَفْدِ نفسَك كلُّ نَفْسٍ ... إِذا مَا خِفْتَ مِنْ شيءٍ تَبالا) فَلَا أرى ذَلِك على مَا قَالُوا لِأَن عوامل الْأَفْعَال لَا تضمر وأضعفها الجازمة لِأَن الْجَزْم فِي الْأَفْعَال نَظِير الْخَفْض فِي الْأَسْمَاء وَلَكِن بَيت متمم حمل على الْمَعْنى لِأَنَّهُ إِذا قَالَ فاخمشي فَهُوَ فِي مَوضِع فلتخمشي فعطف الثَّانِي على الْمَعْنى وَأما هَذَا الْبَيْت الْأَخير فَلَيْسَ بِمَعْرُوف على إِنَّه فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ على مَا ذكرت لَك وَتقول ليقمْ زيد وَيقْعد خَالِد وينطلق عبد الله لِأَنَّك عطفت على اللَّام وَلَو قلت قُم ويقد زيد لم يجز الْجَزْم فِي الْكَلَام وَلَكِن لَو اضْطر شَاعِر فَحَمله على مَوضِع الأول لِأَنَّهُ مِمَّا كَانَ حَقه اللَّام كَانَ على مَا وصفت لَك وَاعْلَم أَن هَذِه اللَّام مَكْسُورَة إِذا ابتدئت فَإِذا كَانَ قبلهَا فَاء أَو وَاو فَهِيَ على حَالهَا فِي الْكسر وَقد يجوز إسكانها وَهُوَ أَكثر على الألسن تَقول قمْ ولْيقمْ زيد {فلتقم طَائِفَة مِنْهُم مَعَك} (ولْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَةٌ) وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لِأَن الْوَاو وَالْفَاء لَا ينفصلان لِأَنَّهُ لَا بِحرف وَاحِد فصارتا بِمَنْزِلَة مَا هُوَ فِي الْكَلِمَة فأسكنت اللَّام هربا من الكسرة كَقَوْلِك فِي علم علْم وَفِي فَخذ فخْذ وَأما قِرَاءَة من قَرَأَ {ثمَّ ليقطع فَلْينْظر} فَإِن الإسكان فِي لَام {فَلْيَنْظُرْ} جيد وَفِي لَام {لْيَقْطَعْ} لحن لِأَن ثمَّ مُنْفَصِلَة من الْكَلِمَة وَقد قَرَأَ بذلك يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ فَأَما حرف النَّهْي فَهُوَ لَا وَهُوَ يَقع على فعل الشَّاهِد وَالْغَائِب وَذَلِكَ قَوْلك لَا يقم زيد وَلَا تقم يَا رجل وَلَا تقومي يَا امْرَأَة فالفعل بعده مجزوم بِهِ وَتقول لَا يقمْ زيد وَلَا يقعدْ عبد الله إِن عطفت نهيا على نهي وَإِن شِئْت قلت لَا يقمْ زيد ويقعدْ عبد الله وَهُوَ بإعادتك لَا أوضح وَذَلِكَ لِأَنَّك إِذا قلت لَا يقم زيد وَلَا يقعدْ عبد الله تبين لَك أَنَّك قد نهيت كل وَاحِد مِنْهُمَا على حياله وَإِذا قلت وَيقْعد عبد الله بِغَيْر لَا فَهَذَا وَجه وَقد يجوز أَن يَقع عِنْد السَّامع أَنَّك أردْت لَا يجْتَمع هَذَانِ فَإِن قعد عبد الله وَلم يقم زيد لم يكن الْمَأْمُور مُخَالفا وَكَذَلِكَ إِن لم يقم زيد وَقعد عبد الله وَوجه الِاجْتِمَاع إِذا قصدته أَن تَقول لَا يقم زيد وَيقْعد عبد الله أَي لَا يجْتَمع قيام زيد وَأَن يقْعد عبد الله وَلَا الْمُؤَكّدَة تدخل فِي النَّفْي لِمَعْنى تَقول مَا جَاءَنِي زيد وَلَا عَمْرو إِذا أردْت أَنه لم يأتك وَاحِد مِنْهُمَا على انْفِرَاد وَلَا مَعَ صَاحبه لِأَنَّك لَو قلت لم يأتني زيد وَعَمْرو وَقد أَتَاك أَحدهمَا لم تكن كَاذِبًا ف لَا فِي قَوْلك لَا يقمْ زيد وَلَا يقمْ عَمْرو يجوز أَن تكون الَّتِي للنَّهْي وَتَكون الْمُؤَكّدَة الَّتِي تقع لما ذكرت لَك فِي كل نفي وَاعْلَم أَن الطّلب من النَّهْي بِمَنْزِلَة من الْأَمر يجْرِي على لَفظه كَمَا جري على لفظ الْأَمر أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول نهيت من فَوقِي وَلَكِن طلبت إِلَيْهِ وَذَلِكَ قَوْلك لَا يقطع الله يَد فلَان وَلَا يصنع الله لعَمْرو فالمخرج وَاحِد وَالْمعْنَى مُخْتَلف وَاعْلَم أَن جَوَاب الْأَمر وَالنَّهْي ينجزم بِالْأَمر وَالنَّهْي كَمَا ينجزم جَوَاب الْجَزَاء بالجزاء وَذَلِكَ لِأَن جَوَاب الْأَمر وَالنَّهْي يرجع إِلَى أَن يكون جَزَاء صَحِيحا وَذَلِكَ قَوْلك ائْتِنِي أكرمك لِأَن الْمَعْنى فَإنَّك إِن تأتني أكرمك أَلا ترى إِن الْإِكْرَام إِنَّمَا يسْتَحق الْإِتْيَان وَكَذَلِكَ لاتأت زيدا يكن خيرا لَك لِأَن الْمَعْنى فَإنَّك إِلَّا تأته يكن خيرا لَك وَلَو قَالَ على هَذَا لَا تدنُ من الْأسد يَأْكُلك كَانَ محَال لِأَنَّهُ إِذا قَالَ لَا تدنْ فَإِنَّمَا هُوَ تبَاعد فتباعده مِنْهُ لَا يكون سَببا لأكله إِيَّاه وَلَكِن إِن رفع جَازَ فَيكون الْمَعْنى لَا تدنُ من الْأسد ثمَّ قَالَ إِنَّه مِمَّا يَأْكُلك وَإِنَّمَا انجزم جَوَاب الِاسْتِفْهَام لِأَنَّهُ يرجع من الْجَزَاء إِلَى مَا يرجع إِلَيْهِ جَوَاب الْأَمر وَالنَّهْي وَذَلِكَ قَوْلك أَيْن بَيْتك أزرك لِأَن الْمَعْنى بإن أعرفهُ أزرْكَ وَكَذَلِكَ هَل تَأتِينِي أعطك وَأحسن إِلَيْك لِأَن الْمَعْنى فَإنَّك إِن تفعل أفعل فَأَما قَول الله عز وَجل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا هَل أدلكم على تِجَارَة تنجيكم من عَذَاب أَلِيم} ثمَّ قَالَ {تؤمنون بِاللَّه وَرَسُوله} فَإِن هَذَا لَيْسَ بِجَوَاب وَلكنه شرح مَا دعوا إِلَيْهِ وَالْجَوَاب {يغْفر لكم ذنوبكم ويدخلكم} فَإِن قَالَ قَائِل فَهَلا كَانَ الشَّرْح أَن تؤمنوا لِأَنَّهُ بدل من تِجَارَة فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن الْفِعْل يكون دَلِيلا على مصدره فَإِذا ذكرت مَا يدل على الشَّيْء فَهُوَ كذكرك إِيَّاه أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ من كذب كَانَ شرا يُرِيدُونَ كَانَ الْكَذِب وَقَالَ الله عز وَجل {ولاَ يَحْسَبٍ نَّ الذِين يَبْخَلونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضلهِ هَوَ خَيراً لَهُمْ} لِأَن الْمَعْنى الْبُخْل هُوَ خير لَهُم فَدلَّ عَلَيْهِ بقوله يَبْخلُونَ وَقَالَ الشَّاعِر

(أَلا أيُهذا الزاجِري أخْضُرَ الوَغى ... وأنْ أشهدَ اللذاتِ هلْ انتَ مُخَلَدِي)

فَالْمَعْنى عَن أَن أحضر الوغى كَقَوْلِك عَن حُضُور الوغى فَلَمَّا ذكر أحضر الوغى دلّ على الْحُضُور وَقد نَصبه قوم على إِضْمَار أَن وَقدمُوا الرّفْع وَسَنذكر ذَلِك باستقصاء الْعلَّة فِيهِ إِن شَاءَ الله فَأَما الرّفْع فَلِأَن الْأَفْعَال لَا تضمر عواملها فَإِذا حذفت رفع الْفِعْل وَكَانَ دَالا على مصدره بِمَنْزِلَة الْآيَة وَهِي {هَل أدلكم على تِجَارَة تنجيكم من عَذَاب أَلِيم} ثمَّ قَالَ {تُؤمِنونِ} وَكَذَلِكَ لَو قَالَ قَائِل مَاذَا يصنع زيد فَقلت يَأْكُل أَو يُصَلِّي لأغناك عَن أَن تَقول الْأكل أَو الصَّلَاة الا ترى أَن الْفِعْل إِنَّمَا مَفْعُوله اللَّازِم لَهُ إِنَّمَا هُوَ الْمصدر لِأَن قَوْلك قد قَامَ زيد بِمَنْزِلَة قَوْلك قد كَانَ مِنْهُ قيام وَالْقِيَام هُوَ النَّوْع الَّذِي تعرفه وتفهمه وَلَو قلت ضرب زيد لعَلِمت أَنه قد فعل ضربا واصلا إِلَى مَضْرُوب إِلَّا أَنَّك لَا نَعْرِف الْمَضْرُوب بقوله ضرب وتعرف الْمصدر فَأَما الَّذين نصبوا فَلم يأبوا الرّفْع وَلَكنهُمْ أَجَازُوا مَعَه النصب لِأَن الْمَعْنى إِنَّمَا حَقه بِأَن وَقد ابان ذَلِك فِيمَا بعده بقوله وَأَن أشهد اللَّذَّات هِيَ أَنْت مخلدي فَجعله بِمَنْزِلَة الْأَسْمَاء الَّتِي يَجِيء بَعْضهَا محذوفا للدلالة عَلَيْهِ وَفِي كتاب الله عز وَجل {يسْأَله من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فَالْقَوْل عندنَا أَن من مُشْتَمِلَة على الْجَمِيع لِأَنَّهَا تقع للْجَمِيع على لفظ الْوَاحِد وَقد ذهب هَؤُلَاءِ الْقَوْم إِلَى أَن الْمَعْنى وَمن فِي الأَرْض وَلَيْسَ الْمَعْنى عِنْدِي كَمَا قَالُوا وَقَالُوا فِي بَيت حسان

(فَمَنْ يَهْجوا رسولَ اللهِ مِنْكُمْ ... ويَمْدحُه وَيَنْصُرُه سَواءُ)

إِنَّمَا الْمَعْنى وَمن يمدحه وينصره وَلَيْسَ الْأَمر عِنْد أهل النّظر كَذَلِك وَلكنه جعل من نكرَة وَجعل الْفِعْل وَصفا لَهَا ثمَّ أَقَامَ فِي الثَّانِيَة الْوَصْف مقَام الْمَوْصُوف فَكَأَنَّهُ قَالَ وَوَاحِد يمدحه وينصره لِأَن الْوَصْف يَقع فِي مَوضِع الْمَوْصُوف إِذْ كَانَ دَالا عَلَيْهِ وعَلى هَذَا قَول الله عز وَجل {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ} وَقَالَ الشَّاعِر

(هَلْ الدَهْرُ إِلَّا تَرتَان فَتارةٌ ... أَمُوتُ وأُخْرَى أَبْتَغِي العيّشَ أَكْدحُ)

يُرِيد وَتارَة أُخْرَى وَقَالَ

(كَأَنَّكَ مِنْ جِمالِ بَني أُقَيشٍ ... يُقَعْقَعُ خَلْفَ رِجْلَيِهِ بِشَنِّ) يُرِيد كَأَنَّك جمل وَكَذَلِكَ قَالَ يقعقع خلف رجلَيْهِ وَقَالَ آخر

(وَمَا مِنْهُمَا إلاّ يُسْرُّ بِنسَةٍ ... تُقَرِبُهُ مِنِّي وَإِن كَانَ ذَا نّفّرْ)

يُرِيد وَمَا مِنْهُمَا أحد وَقَالُوا فِي أَشد من ذَا

(مَالك عِنْدِي غَيرُ سَهْمٍ وحَجَرْ ... وغَيرُ كَبْداءَ شَدِيدةِ الوَتَرْ)

(جادتْ بِكَفّى كانَ مِنْ أرمى البشرْ ... )

فَهَذَا مَا ذكرت لَك من اخْتلَافهمْ وَاخْتِيَار أحد الْقَوْلَيْنِ

هَذَا الْبَاب مَا وَقع من الْأَفْعَال للْجِنْس على مَعْنَاهُ وَتلك الْأَفْعَال نعم وَبئسَ وَمَا وَقع فِي مَعْنَاهُمَا

اعْلَم أَن نعم وَبئسَ كَانَ أَصلهمَا نعمَ وَبئِسَ إِلَّا أَنه مَا كَانَ ثَانِيه حرفا من حُرُوف الْحلق مِمَّا هُوَ على فعل جَازَت فِيهِ أَرْبَعَة أوجه اسْما كَانَ أَو فعلا وَذَلِكَ قَوْلك نَعِمَ وبَئِسَ على التَّمام وفخذ وَيجوز أَن تكسر الأول لكسرة الثَّانِي فَتَقول نعم وبئِس وفخذ وَيجوز الإسكان كَمَا تسكن المضمومات المكسورات إِذا كن غير أول وَقد تقدم قَوْلنَا فِي ذَلِك فَيَقُول من قَوْلك فَخذ فَخْذ وعلِم وعلْم وَمن نعم نَعْم وَمن قَوْلك فَخذ فَخِذ وَنعم وَبئسَ وحروف الْحلق سِتَّة الْهمزَة وَالْهَاء وهما أقصاه وَالْعين والحاء وهما من اسوطه والغين وَالْخَاء وهما من أَوله مِمَّا يَلِي اللِّسَان فَكَانَ أصل نعمَ وبئِس مَا ذكرت لَك إِلَّا أَنَّهُمَا الأَصْل فِي الْمَدْح والذم فَلَمَّا كثر استعمالهما ألزما التَّخْفِيف وجريا فِيهِ وَفِي الكسرة كالمثل الَّذِي يلْزم طَريقَة وَاحِدَة وَقد يَقُول بَعضهم نعْم وكل ذَلِك جَائِز حسن إِذا أثرت اسْتِعْمَاله أَعنِي الْوُجُوه الْأَرْبَعَة قَالَ الشَّاعِر

(فَفِداءٌ لبَنى قَيْسٍ على ... مَا أصابَ الناسَ مِنْ سوءٍ وضُرِ)

(مَا أقَلَّتْ قَدّمي أنَّهُمْ ... نَعِمَ الساعون فِي الْأَمر المُبِرّ) وَأما مَا ذكرت لَك أَنه يَقع فِي مَعْنَاهُمَا مقاربا لَهما فنحو فعل نَحْو لكرم زيد ولظرف زيد وَكَذَلِكَ حبذا وَنحن ذاكرو كل بَاب من هَذَا على حياله إِن شَاءَ الله أما نعم وَبئسَ فَلَا يقعان إِلَّا على مُضْمر يفسره مَا بعده وَالتَّفْسِير لَازم أَو على معرفَة بِالْألف وَاللَّام على معنى الْجِنْس ثمَّ يذكر بعْدهَا الْمَحْمُود والمذموم فَأَما مَا كَانَ معرفَة بِالْألف وَاللَّام فنحو قَوْلك نعم الرجل زيد وَبئسَ الرجل عبد الله وَنعم الدَّار دَارك وَإِن شِئْت قلت نعمت الدَّار لما أذكرهُ لَك إِن شَاءَ الله وبئست الدَّابَّة دابتك وَأما قَوْلك الرجل وَالدَّابَّة وَالدَّار فمرتفعات بنعم وَبئسَ لِأَنَّهُمَا فعلان يرْتَفع بهما فاعلاهما وَأما قَوْلك زيد وَمَا أشبهه فَإِن رَفعه على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا أَنَّك لما قلت نعم الرجل فَكَأَن مَعْنَاهُ مَحْمُود فِي الرِّجَال قلت زيد على التَّفْسِير كَأَنَّهُ قيل من هَذَا الْمَحْمُود فَقلت هُوَ زيد وَالْوَجْه الآخر أَن تكون أردْت بزيد التَّقْدِيم فأخرته وَكَانَ مَوْضِعه أَن تَقول زيد نعم الرجل فَإِن زعم زاعم أَن قَوْلك نعم الرجل زيدٌ إِنَّمَا زيد بدل من الرجل مُرْتَفع بِمَا ارْتَفع بِهِ كَقَوْلِك مَرَرْت بأخيك زيد وَجَاءَنِي الرجل عبد الله قيل لَهُ إِن قَوْلك جَاءَنِي الرجل عبد الله إِنَّمَا تَقْدِيره إِذا طرحت الرجل جَاءَنِي عبد الله فَقل نعم زيدٌ لِأَنَّك تزْعم أَنه بنعم مُرْتَفع وَهَذَا محَال لِأَن الرجل لَيْسَ يقْصد بِهِ إِلَى وَاحِد بِعَيْنِه كَمَا تَقول جَاءَنِي الرجل أَي جَاءَنِي الرجل الَّذِي تعرف وَإِنَّمَا هُوَ وَاحِد من الرِّجَال على غير مَعْهُود تُرِيدُ بِهِ هَذَا الْجِنْس ويؤول نعم الرجل فِي التَّقْدِير إِلَى أَنَّك تُرِيدُ معنى مَحْمُود فِي الرِّجَال ثمَّ تعرف الْمُخَاطب من هَذَا الْمَحْمُود وَإِذا قلت بئس الرجل فَمَعْنَاه مَذْمُوم فِي الرِّجَال ثمَّ تفسر من هَذَا المذموم بِقَوْلِك زيد فالرجل وَمَا ذكرت لَك مِمَّا فِيهِ الْألف وَاللَّام دَال على الْجِنْس وَالْمَذْكُور بعد هُوَ الْمُخْتَص بِالْحَمْد والذم وَهَذَا هَا هُنَا بِمَنْزِلَة قَوْلك فلَان يفرق الْأسد إِنَّمَا تُرِيدُ هَذَا الْجِنْس وَلست تَعْنِي أسدا معهودا وَكَذَلِكَ فلَان يحب الدِّينَار وَالدِّرْهَم وَأهْلك النَّاس الدِّينَار وَالدِّرْهَم وَأهْلك النَّاس الشَّاة الْبَعِير وَقَالَ الله عز وَجل {وَالْعصر إِن الْإِنْسَان لفي خسر} فَهُوَ وَاقع على الْجِنْس أَلا ترَاهُ يَقُول {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} وَقَالَ {إِن الْإِنْسَان خلق هلوعا} وَقَالَ {إِلَّا الْمُصَلِّين} وَاعْلَم إِن مَا أضيف إِلَى الْألف اللَّام بِمَنْزِلَة الْألف وَاللَّام وَذَلِكَ قَوْلك نعم أَخُو الْقَوْم أَنْت وَبئسَ صَاحب الرجل عبد الله وَلَو قلت نعم الَّذِي فِي الدَّار أَنْت لم يجز لِأَن الَّذِي بصلته مَقْصُود إِلَيْهِ بِعَيْنِه فقد خرج من مَوضِع الِاسْم الَّذِي لَا يكون للْجِنْس وَتقول نعم الْقَائِم أَنْت وَنعم الدَّاخِل الدَّار أَنْت وَالدَّار بِالنّصب والخفض وَالنّصب أَجود على مَا ذكرت لَك لِأَن تعريفك يَقع كتعريف الْغُلَام وَإِن كَانَ مَعْنَاهُ الَّذِي فَإِن قلت قد جَاءَ {وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ وَصدق بِهِ} فَمَعْنَاه الْجِنْس فَإِن الَّذِي إِذا كَانَت على هَذَا الْمَذْهَب صلحت بعد نعم وَبئسَ وَإِنَّمَا يكره بعد هَذَا تِلْكَ الْمَخْصُوصَة وَكَذَلِكَ لَو قلت نعم الْقَائِم فِي الدَّار أَنْت وَأَنت تُرِيدُ بِهِ وَاحِدًا على معنى الَّذِي الْمَخْصُوصَة لم يجز لما ذكرت لَك من تَعْرِيف الْجِنْس فَهَذَا تَفْسِير مَا يَقع عَلَيْهِ من المعارف الَّتِي بِالْألف وَاللَّام وَأما وُقُوعهَا على الْمُضمر الَّذِي يفسره مَا بعده فَهُوَ قَوْله نعم رجل أَنْت وَبئسَ فِي الدَّار رجلا أَنْت وَنعم دَابَّة دابتك فَالْمَعْنى فِي ذَلِك أَن فِي نعم مضمرا يفسره مَا بعده وَهُوَ هَذَا الْمَذْكُور الْمَنْصُوب لِأَن المبهمة من الْأَعْدَاد وَغَيرهَا إِنَّمَا يُفَسِّرهَا التَّبْيِين كَقَوْلِك عِنْدِي عشرُون رجلا وَهُوَ خير مِنْك عبدا لِأَنَّك لما قلت عشرُون أبهمت فَلم يدر على أَي شَيْء هَذَا الْعدَد وَاقع فَقلت رجلا وَنَحْوه لتبين نوع هَذَا الْعدَد وَهُوَ خير مِنْك عبدا لِأَنَّك إِذا قلت هُوَ خير مِنْك لم يدر فيمَ فضلته عَلَيْهِ فَإِذا قلت أَبَا أَو عبدا أَو نَحوه فَإِنَّمَا تفضله فِي ذَلِك النَّوْع فَكَذَلِك نعم وَالْإِضَافَة نَحْو قَوْلك هُوَ أفضلهم عبدا وعَلى التمرة مثلهَا زبدا فَإِن قَالَ قَائِل فَهَل يكون الْمُضمر مقدما قيل يكون ذَاك إِذا كَانَ التَّفْسِير لَهُ لَازِما فَمن ذَلِك قَوْلك إِنَّه عبد الله منطلق وَكَانَ زيد خير مِنْك لِأَن الْمَعْنى إِن الحَدِيث أَو إِن الْأَمر عبد الله منطلق وَكَانَ الحَدِيث زيد خير مِنْك وَلِهَذَا بَاب يفرد بتفسيره قَالَ الله عز وَجل (إنَّهُ مَنْ يأتِ رَبَّهُ مُجرِماً) أَي إنَّ الْخَبَر وَمِنْهَا قَوْلك فِي إِعْمَال الأول وَالثَّانِي ضربوني وَضربت أَخُوك لِأَن الَّذِي بعده من ذكره الْأُخوة يفسره فَكَذَلِك هَذَا قَالَ الله جلّ وَعز {بِئسَ للظَّالِمينَ بَدَلاً} وَقَالَ {نِعْمَ العَبْدُ إنَّهُ أوّابٌ} لِأَنَّهُ ذكر قبله فَكَذَلِك جَمِيع هَذَا وَأما حبّذا فَإِنَّمَا كَانَت فِي الأَصْل حبذا الشَّيْء لِأَن ذَا اسْم مُبْهَم يَقع على كل شَيْء فَإِنَّمَا هُوَ حب هَذَا مثل قَوْلك كرم هَذَا ثمَّ جعلت حب وَذَا اسْما وَاحِدًا فَصَارَ مُبْتَدأ وَلزِمَ طَريقَة وَاحِدَة على مَا وصفت لَك فِي نعم فَتَقول حبذا عبد الله وحبذا أمة الله وَلَا يجوز حبذه لِأَنَّهَا جعلا اسْما وَاحِدًا فِي معنى الْمَدْح فانتقلا عَمَّا كَانَا عَلَيْهِ قبل التَّسْمِيَة كَمَا يكون ذَلِك فِي الْأَمْثَال نَحْو إطري فَإنَّك ناعلة وَنَحْو الصَّيف ضيعت اللَّبن لِأَن أصل الْمثل إِنَّمَا كَانَ لامْرَأَة فَإِنَّمَا يضْرب لكل وَاحِد على مَا جرى فِي الأَصْل فَإِذا قلته للرجل فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْت عِنْدِي بِمَنْزِلَة الَّتِي قيل لَهَا هَذَا فَأَما قَوْلك نعمتْ وبئستْ إِذا عنيت الْمُؤَنَّث فلأنهما فعلان لم يخرجَا من بَاب الْأَفْعَال إِلَى التَّسْمِيَة كَمَا فعل بحبَّ وَذَا وكأنهما على منهاج الْأَفْعَال وَمن قَالَ نعم الْمَرْأَة وَمَا أشبهه فلأنهما فعلان قد كثرا وصارا فِي الْمَدْح الذَّم أصلا والحذف مَوْجُود فِي كل مَا كثر استعمالهم إِيَّاه فَأَما ضرب جاريتك زيدا وَجَاء أمتك وَقَامَ هِنْد فَغير جَائِز لِأَن تَأْنِيث هَذَا تَأْنِيث حَقِيقِيّ وَلَو كَانَ من غير الْحَيَوَان لصلح وَكَانَ جيدا نَحْو هدم دَارك وَعمر بلدتك لِأَنَّهُ تَأْنِيث لفظ لَا حَقِيقَة تَحْتَهُ كَمَا قَالَ عز وَجل (وَأَخَذَ الّذينَ ظَلَموا الصَّيْحَةَ وَقَالَ (فَمَنْ جاءَ هُ مَوُعِظَةٌ مِنْ رَبِهِ وَقَالَ الشَّاعِر (لئيمٍ يَحُكَّ قَفا مُقْرِفٍ ... لئيمٍ مآثِرُهُ قُعْدُدِ)

وَقَالَ الآخر

(بَعيدُ الغَزاةِ فَمَا إِن يزالُ ... مُضْمِراً طُرتاهُ طَليِحا) وَأما

(لَقَدْ وُلِدَ الأخْطَلَ أُمُّ سَوءٍ ... )

فَإِنَّمَا جَازَ للضَّرُورَة فِي الشّعْر جَوَازًا حسنا وَلَو كَانَ مثله فِي الْكَلَام لَكَانَ عِنْد النَّحْوِيين جَائِزا على بعدٍ وجوازه للتفرقة بَين الِاسْم وَالْفِعْل بِكَلَام فتقديره أَن ذَلِك الْكَلَام صَار عوضا من عَلامَة التَّأْنِيث نَحْو حضر القَاضِي الْيَوْم امْرَأَة وَنزل دَارك وَدَار زيد جَارِيَة وَالْوَجْه مَا ذكرت لَك وَمن أول الْفِعْل مؤنثا حَقِيقِيًّا لم يجز عِنْدِي حذف عَلامَة التَّأْنِيث فَأَما قَوْله

(فَكَانَ مِجنّى دُونَ مَنْ كُنْتُ أتَّقي ... ثلاثَ شُخَوصٍ كاعِبانِ ومُعْصَرُ)

فَإِنَّمَا أنث الشخوص على الْمَعْنى لِأَنَّهُ قصد إِلَى النِّسَاء وَأَبَان ذَلِك بقوله كاعبان ومعصر وَمثل ذَلِك

(فإنَّ كِلاباً هَذِه عَشْرُ أبطُنٍ ... وأنتَ بَريءٌ مِنْ قبائلها العَشرِ) وَقَالَ الله عز وَجل {مَنْ جَاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالهَا}

وَالتَّقْدِير وَالله أعلم فَلهُ عشر حَسَنَات أَمْثَالهَا فَيَقُول على هَذَا هَذِه الدَّار نعمت الْبَلَد لِأَنَّك إِنَّمَا عنيت بِالْبَلَدِ دَارا وَكَذَلِكَ هَذَا الْبَلَد نعم الدَّار لِأَنَّك إِنَّمَا قصدت إِلَى الْبَلَد وَأعلم أَنه لَا يجوز أَن تَقول قَوْمك نعموا رجَالًا كَمَا تَقول قَوْمك قَامُوا وَلَا قَوْمك بئسوا رجَالًا وَلَا أَخُوك بئسا رجلَيْنِ كَمَا تَقول أَخَوَاك قاما لِأَن نعم وَبئسَ إِنَّمَا تقعان مضمرا فيهمَا فاعلاهما قبل الذّكر يفسرهما مَا بعدهمَا من التَّمْيِيز وَلَو كَانَا مِمَّا يضمر فِيهِ لخرجا إِلَى منهاج سَائِر الْأَفْعَال وَلم يكن فيهمَا من الْمعَانِي وَمَا شرحناه فِي صدر الْبَاب فَإِنَّمَا موضعهما أَن يقعا على مُضْمر يفسره مَا بعده أَو على مَرْفُوع بِالْألف وَاللَّام تَعْرِيف الْجِنْس لما ذكرت لَك وَاعْلَم أَنه لَا يجوز أَن تَقول زيد نعم الرجل وَالرجل غير زيد لِأَن نعم الرجل خبر عَن زيد وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة قَوْلك زيد قَامَ الرجل لِأَن نعم الرجل مَحْمُود فِي الرِّجَال كَمَا أَنَّك إِذا قلت زيد فاره العَبْد لم يكن الفاره من العبيد إِلَّا مَا كَانَ لَهُ لَوْلَا ذَلِك لَك لم يكن فاره خَبرا لَهُ وَاعْلَم أَنه مَا كَانَ مثل كرم زيد وَشرف عَمْرو فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ فِي الْمَدْح مَعْنَاهُ مَا تعجبت مِنْهُ نَحْو مَا أشرفه وَنَحْو ذَلِك أشرف بِهِ وَكَذَلِكَ معنى نعم إِذا أردْت الْمَدْح وَمعنى بئس إِذا أردْت الذَّم وَمن ذَلِك قَوْله عز وَجل {سَاءَ مثلا الْقَوْم} كَمَا تَقول نعم رجلا أَخُوك وكرم رجلا عبد الله وَاعْلَم أَنَّك إِذا قلت نعم الرجل رجلا زيد فقولك رجلا توكيد لِأَنَّهُ مُسْتَغْنى عَنهُ بِذكر الرجل أَولا وَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْلك عِنْدِي من الدَّرَاهِم عشرُون درهما إِنَّمَا ذكرت الدِّرْهَم توكيدا وَلَو لم تذكره لم تحتج إِلَيْهِ وعَلى هَذَا قَول الشَّاعِر

(تَزَوّدْ مِثْلَ زادِ أبيكَ فِينَا ... فنِعمَ الزَّاد زادُ أبيكَ زادا) فَأَما قَوْلك حَسبك بِهِ رجلا وويحه رجلا وَمَا أشبهه فَإِن هَذَا لَا يكون إِلَّا على مَذْكُور قد تقدم وَكَذَلِكَ كفى بِهِ فَارِسًا وأبرحت فَارِسًا قَالَ الشَّاعِر

(وَمُرَّةَ بِرَمْيهِمْ إِذا مَا تَبَدَّدُوا ... وَيَطْعَنُهم شَزَراً فأَبْرَحتْ فارِسا)

على معنى التَّعَجُّب فَأَما قَوْلهم مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رجلا فَالْمَعْنى مَا رَأَيْت مثل رجل أرَاهُ الْيَوْم رجلا أَي مَا رَأَيْت مثله فِي الرِّجَال وَلكنه حذف لِكَثْرَة استعمالهم لَهُ وَأَن فِيهِ دَلِيلا كَمَا قَالُوا لَا عَلَيْك أَي لَا باس عَلَيْك وكما قَالُوا افْعَل هَذَا إِمَّا لَا أَي إِن كنت لَا تفعل غَيره فَمَا زَائِدَة وَالتَّقْدِير أَن لَا تفعل غير هَذَا فافعل هَذَا وَكَذَلِكَ قَوْلهم عِنْدِي دِرْهَم لَيْسَ غير وَلَيْسَ إِلَّا وَأما قَوْله

(يَا صاحبيَّ دَنا المَسِيرُ فَسِيرا ... لَا كالعَشِيةِ زَائِرًا ومَزوا)

فعلى إِضْمَار فعل كَأَنَّهُ قَالَ لَا أرى كالعشية أَي كواحد أرَاهُ العشية لِأَن الزائر والمزور ليسَا بالعشية فَيكون بِمَنْزِلَة لَا كزيد رجلا

هَذَا بَاب الْعدَد وَتَفْسِيره وجوهه وَالْعلَّة فِيمَا وَقع مِنْهُ مُخْتَلفا

اعْلَم أَنَّك إِذا ثنيت الْوَاحِد لحقته زائدتان الأولى مِنْهُمَا حرف اللين وَالْمدّ وَهِي الْألف فِي الرّفْع وَالْيَاء فِي الْجَرّ وَالنّصب والزائدة الثَّانِيَة النُّون وحركتها الْكسر وَكَانَ حَقّهَا أَن تكون سَاكِنة وَلكنهَا حركت لالتقاء الساكنين وَكسرت على حَقِيقَة مَا يَقع فِي الساكنين إِذا التقيا وَذَلِكَ قَوْلك هما المسلمان وَرَأَيْت الْمُسلمين فَأَما سِيبَوَيْهٍ فيزعم أَن الْألف حرف الْإِعْرَاب وَكَذَلِكَ الْيَاء فِي الْخَفْض وَالنّصب وَكَانَ الْجرْمِي يزْعم أَن الْألف حرف الْإِعْرَاب كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَكَانَ يزْعم أَن انقلابها هُوَ الْإِعْرَاب وَكَانَ غَيرهمَا يزْعم أَن الْألف وَالْيَاء هما الْإِعْرَاب فَإِذا قيل لَهُ فَأَيْنَ حرف الْإِعْرَاب قَالَ إِنَّمَا يكون الْإِعْرَاب فِي الْحَرْف إِذا كَانَ حَرَكَة فَأَما إِذا كَانَ حرفا قَامَ بِنَفسِهِ وَالْقَوْل الَّذِي نختاره ونزعم أَنه لَا يجوز غَيره قَول أبي الْحسن الْأَخْفَش وَذَلِكَ أَنه يزْعم أَن الْألف إِن كَانَت حرف إِعْرَاب فَيَنْبَغِي أَن يكون فِيهَا إِعْرَاب هُوَ غَيرهَا كَمَا كَانَ فِي الدَّال من زيد وَنَحْوهَا وَلكنهَا دَلِيل على الْإِعْرَاب لِأَنَّهُ لَا يكون حرف إِعْرَاب وَلَا إِعْرَاب فِيهِ وَلَا يكون إِعْرَاب إِلَّا فِي حرف وَيُقَال لأبي عمر إِذا زعمت أَن الْألف حرف إِعْرَاب وَأَن انقلابها هُوَ الْإِعْرَاب فقد لزمك فِي ذَلِك شَيْئَانِ أَحدهمَا أَنَّك تزْعم أَن الْإِعْرَاب معنى وَلَيْسَ بِلَفْظ فَهَذَا خلاف مَا أَعْطيته فِي الْوَاحِد وَالشَّيْء الآخر أَنَّك تعلم أَن أول أَحْوَال الِاسْم الرّفْع فَأول مَا وَقعت التَّثْنِيَة وَقعت وَالْألف فِيهَا فقد وَجب أَلا يكون فِيهَا فِي مَوضِع الرّفْع إِعْرَاب لِأَنَّهُ لَا انقلاب مَعهَا وَقَوْلنَا دَلِيل على الْإِعْرَاب إِنَّمَا هُوَ أَنَّك تعلم أَن الْموضع مَوضِع رفع إِذا رَأَيْت الْألف وَمَوْضِع خفض وَنصب إِذا رَأَيْت الْيَاء وَكَذَلِكَ الْجمع بِالْوَاو وَالنُّون إِذا قلت مُسلمُونَ ومسلمين وَكَذَلِكَ مَا كَانَ الْفَهم لموضعه حرفا نَحْو قَوْلك أَخُوك وأخال وأخيك وَأَبُوك وأباك وَأَبِيك وَذُو مَال وَذَا مَال وَذي مَال وَجَمِيع هَذِه الَّتِي يسميها الْكُوفِيُّونَ معربة من مكانين لَا يصلح فِي الْقيَاس إِلَّا مَا ذكرنَا والزائدة الثَّانِيَة النُّون إِنَّمَا هِيَ بدل مِمَّا كَانَ فِي الْوَاحِد من الْحَرَكَة والتنوين وَقد مضى القَوْل فِي هَذَا - _ وَاعْلَم أَنَّك إِذا ذكرت الْوَاحِد فَقلت رجل أَو فرس أَو نَحْو ذَلِك فقد اجْتمع لَك فِيهِ معرفَة الْعدَد وَمَعْرِفَة النَّوْع إِذا ثنيت فَقلت رجلَانِ أَو فرسَان فقد جمعت الْعدَد النَّوْع وَإِذا قلت ثَلَاثَة أَفْرَاس لم يجْتَمع لَك فِي ثَلَاثَة الْعدَد وَالنَّوْع وَلَكِنَّك ذكرت الْعدة ثمَّ أضفتها إِلَى مَا تُرِيدُ من الْأَنْوَاع وَكَانَ قِيَاس هَذَا أَن تَقول وَاحِد رجل وَاثنا رجال وَلَكِنَّك أمكنك أَن تذكر الرجل باسمه فيجتمع لَك فِيهِ الْأَمْرَانِ وَلما كَانَت التَّثْنِيَة الَّتِي هِيَ لضرب وَاحِد من الْعدَد أمكنك ذَلِك من لفظ الْوَاحِد فَقلت رجلَانِ وغلامان وَلم يحسن ذَلِك فِي الْجمع لِأَنَّهُ غير مَحْظُور وَلَا مَوْقُوف على عدَّة وَلَا يفصل بعضه من بعض وَلَو أَرَادَ مُرِيد فِي التَّثْنِيَة مَا يُريدهُ فِي الْجمع لجَاز ذَلِك فِي الشّعْر لِأَنَّهُ كَانَ الأَصْل لِأَن التَّثْنِيَة جمع وَإِنَّمَا معنى قَوْلك جمع أَنه ضم شَيْء إِلَى شَيْء فَمن ذَلِك قَول الشَّاعِر

(كأَنَّ خُصْيَبْهِ مِنَ التَّدّلْدُلِ ... ظَرْفُ جِرَابٍ فِيهِ ثِنتْا حَنْظَلِ)

فَإِذا جمعت الْوَاحِد وَكَانَ مذكرا ذكرت الْعدة ثمَّ أضفتها إِلَى الْجمع لِتُخْبِرَ أَن هَذَا الْعدة مقتطعة لما أردْت من الْجِنْس الَّذِي ذكرت فَإِن كَانَ الْمُذكر من ذَوَات الثَّلَاثَة كَانَت لَهُ أبنية تدل على أقل الْعدَد فَمن ذَلِك مَا كَانَ على أفعل نَحْو أكلب وأفرخ وأكبش وَمَا كَانَ على أَفعَال نَحْو أجمال وأقتاب أَمْثَال وَمَا كَانَ على أفعلة نَحْو أحمرة واقفزة وأجربة وَمَا كَانَ على فعلة نَحْو صبية وغلمة وفتية وَمَا كَانَ من الْمُذكر مجموعا بِالْوَاو وَالنُّون نَحْو مُسلمُونَ وصالحون فَهُوَ أدنى الْعدَد لِأَنَّهُ على منهاج التَّثْنِيَة وَنَظِير ذَلِك من الْمُؤَنَّث مَا كَانَ بِالْألف وَالتَّاء نَحْو مسلمات وصالحات وكريمات وَمَا كَانَ بعد مَا وَصفنَا فَهُوَ لأكْثر الْعدَد وسنفسر هَذَا أجمع حَتَّى يعلم على حَقِيقَته إِن شَاءَ الله أعلم إِنَّك إِذا صغرت بِنَاء من الْعدَد يَقع فِي ذَلِك الْبناء أدنى الْعدَد فَإنَّك ترده إِلَى أدنى الْعدَد فتصغره وَذَلِكَ انك إِذا صغرت كلابا قلت أكليب لِأَنَّك إِنَّمَا تخبر أَن الْعدَد قَلِيل فَإِنَّمَا ترده إِلَى مَا هُوَ للقليل فَلَو صغرت مَا هُوَ للعدد الْأَكْثَر كنت قد أخْبرت أَنه قَلِيل كثير فِي حَال وَهَذَا هُوَ الْمحَال وَنَذْكُر هَذَا فِي بَاب التصغير وَلَكنَّا ذكرنَا مِنْهُ هَا هُنَا شَيْئا لما يجْرِي فِي الْبَاب فَإِذا أردْت أَن تجمع الْمُذكر ألحقته اسْما من الْعدة فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث وَذَلِكَ نَحْو ثَلَاثَة أَثوَاب وَأَرْبَعَة رجال فَدخلت هَذِه الْهَاء على غير مَا دخلت عَلَيْهِ فِي ضاربة وقائمة وَلَكِن كدخولها فِي عَلامَة ونسابة وَرجل ربعَة وَغُلَام يفعة فَإِذا أوقعت الْعدة على مؤنث أوقعته بِغَيْر هَاء فَقلت ثَلَاث نسْوَة أَربع جوَار وَخمْس بغلات وَكَانَت هَذِه الْأَسْمَاء مُؤَنّثَة بالبنية كتأنيث عقرب وعناق وشمس وَقدر وَإِن سميت رجل بِثَلَاث الَّتِي تقع على عدَّة الْمُؤَنَّث لم تصرفه لِأَنَّهُ اسْم مؤنث بِمَنْزِلَة عنَاق وَإِن سميته ب ثَلَاث من قَوْلك ثَلَاثَة الَّتِي تقع على الْمُذكر صرفته فَكَذَلِك يجْرِي الْعدَد فِي الْمُؤَنَّث والمذكر بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة فِي الْمُذكر وَفِيمَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْرَة فِي الْمُؤَنَّث قَالَ الله عز وَجل {سَخَرَها عَلْيهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمَانِيةَ أيامٍ}

وَقَالَ {فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء للسائلين} وَقَالَ على أَن تَأْجُرنِي ثَمَانِي حجج فَإِن أتممت عشرا فَمن عنْدك لِأَن الْوَاحِدَة حجَّة وَقَالَ {فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم تِلْكَ عشرَة كَامِلَة} فَإِذا كَانَ فِي الشَّيْء مَا يَقع لأدنى الْعدَد اضفت هَذِه الْأَسْمَاء إِلَيْهِ فَقلت ثَلَاثَة أغلمة وَأَرْبَعَة أحمرة وَثَلَاثَة أفلس وَخَمْسَة أعداد فَإِن قلت ثَلَاثَة حمير وَخَمْسَة كلاب جَازَ ذَلِك على أَنَّك أردْت ثَلَاثَة من الْكلاب خَمْسَة من الْحمير كَمَا قَالَ الله عز وَجل {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} وَقَالَ الشَّاعِر

(قدْ جعلتْ ميَّ على الظِّرارِ ... خَمْسَ ثنان قانيء الأظفَارِ) يُرِيد خمْسا من الْبَنَات وَاعْلَم أَنه مَا لم يكن فِيهِ ادنى الْعدَد فالعدد الَّذِي يكون للكثير جَار عَلَيْهِ مَا يكون للقليل كَمَا أَنه إِذا كَانَ مجموعا على بعض أبنية الْعدَد وَلم يكن لَهُ جمع غَيره دخل مَعَه الْكثير وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك يَد وأيد وَرجل وأرجل فَهَذَا من أبنية أدنى الْعدَد وَلم يكن لَهُ جمع غَيره فالكثير من الْعدَد يلقب أَيْضا بِهَذَا وَكَذَلِكَ ثَلَاثَة أرسان وَتقول ذَلِك للكثير لِأَنَّهُ لَا جمع لَهُ إِلَّا ذَلِك وَأما مَا يَقع للكثير وَلَا يجمع على أدنى الْعدَد فنحو قَوْلك شسوع فَتَقول ثَلَاثَة شسوع فيشترك فِيهِ الْأَقَل وَالْأَكْثَر فَإِذا جَاوَزت ذَوَات الثَّلَاثَة اسْتَوَى البناءان وَذَلِكَ قَوْلك عِنْدِي ثَلَاثَة دَرَاهِم وَرَأَيْت ثَلَاثَة مَسَاجِد فَإِن حقرت الدَّرَاهِم قلت دريهمات ترده فِي التحقير إِلَى بِنَاء يكون لأدنى الْعدَد وجمعت بِالْألف وَالتَّاء لِأَن كل جمَاعَة من غير الْآدَمِيّين ترجع إِلَى التَّأْنِيث وَهَذَا يبين لَك فِي بَاب الْجمع إِن شَاءَ الله وَتقول عِنْدِي ثَلَاثَة محمدين وَخَمْسَة جعفرين لِأَن هَذَا مِمَّا يجمع بِالْوَاو وَالنُّون فَإِن قلت محامد وجعافر على أَنَّك أردْت ثَلَاثَة من الجعافر وَثَلَاثَة من المحامد كَانَ جيدا على مَا فسرت لَك فَإِذا خرجت عَن العقد الأول ضممت إِلَيْهِ اسْما مِمَّا كَانَ فِي أصل الْعدَد إِلَى أَن تتسعه وَذَلِكَ قَوْلك عِنْدِي أحد عشر رجلا وَخَمْسَة عشر رجلا بنيت أحد مَعَ عشر وغيرت اللَّفْظ للْبِنَاء وَذَلِكَ أَنَّك جعلتهما اسْما وَاحِدًا وَكَانَ الأَصْل أحدا وَعشرَة وَخَمْسَة وَعشرَة فَلَمَّا كَانَ أصل الْعدَد أَن يكون اسْما وَاحِد يدل على جَمِيع نَحْو ثَلَاثَة وَأَرْبَعَة وَخَمْسَة بنوا هذَيْن الاسمين فجعلوهما اسْما وَاحِد ألزموهما الْفَتْح لِأَنَّهُ أخف الحركات كَمَا قَالُوا هُوَ جاري بَيت بَيت ولقيته كفة كفة يَا فَتى الْقَوْم فِيهَا شغر بغر فَإِن قَالَ قَائِل فَهَلا أعربوه كَمَا قَالُوا حَضرمَوْت وبعلبك وَمَا أشبههَا قيل أَن حَضرمَوْت بَنو الاسمين فَجعلَا اسْما وَاحِدًا كَمَا فعلوا بِمَا فِيهِ هَاء التَّأْنِيث وَجعلُوا ذَلِك علما وَلم يكن لَهُ حد صرف عَنهُ وَالْعدَد الَّذِي ذكرت كَانَ لَهُ حد صرف عَنهُ كَمَا ذكرت لَك فَلَمَّا عدل عَن وَجهه عدل عَن الْإِعْرَاب وَأما اثْنَا عشر فَلَيْسَتْ هَذِه سَبيله لِأَنَّهُ مِمَّا فِيهِ دَلِيل الْإِعْرَاب تَقول جَاءَنِي اثْنَا عشر وَرَأَيْت اثْنَي عشر فَلَمَّا كَانَ إعرابه كإعراب رجلَيْنِ ومسلمين لم يجز أَن يَجْعَل مَعَ غَيره اسْما وَاحِدًا وَلَا تَجِد ذَلِك فِي بِنَاء حَضرمَوْت وَلَا فِي شَيْء مِمَّا ذكرت لَك من لَقيته كفة كفة وَنَحْوه وَلَكنهُمْ جعلُوا عشرَة بِمَنْزِلَة النُّون من اثْنَيْنِ إِلَّا أَن لَهَا الْمَعْنى الَّذِي أبانت عَنهُ من الْعدَد وَلَو سميت رجلا اثْنَي عشر ثمَّ رخمته لَقلت يَا اثن أقبل تحذف الْألف مَعَ عشر كَمَا كنت فَاعِلا بالنُّون لَو كَانَت مَكَان عشر فَأَما تغييرهم عشر عَن قَوْلك عشرَة فَإِنَّمَا ذَلِك لصرفها عَن وَجههَا وَلَكِنَّك أثبت الهاءات للمذكر كَمَا كنت مثبتها فِي ثَلَاثَة وَأَرْبَعَة فَتَقول ثَلَاثَة عشر رجلا وَأَرْبَعَة عشر رجلا وَخَمْسَة عشر إنْسَانا وَلم تثبت فِي عشر هَاء وَهِي للمذكر لِأَنَّك قد أثبت الْهَاء فِي الِاسْم الأول وهما اسْم وَاحِد فَلَا تدخل تأنيثا على تَأْنِيث كَمَا لَا تَقول حمراءة وَلَا صفراءة فَأَما الِاسْم الْمَنْصُوب الَّذِي يبين بِهِ الْعدَد فَنحْن ذاكروه فِي مَوْضِعه مشروحا إِن شَاءَ الله فَإِذا أردْت الْمُؤَنَّث أثبت الْهَاء فِي آخر الِاسْم لِأَن عشرا مُذَكّر فِي هَذَا الْموضع فأثنته لما قصدت إِلَى مؤنث فَقلت ثَلَاث عشرَة امْرَأَة وَخمْس عشرَة جَارِيَة لِأَنَّك بنيته بِنَاء على حِدة كَمَا فَقلت ذَلِك بالمذكر فَسلمت الْأَسْمَاء الأولى كَمَا سلمت أَسمَاء الْمُذكر واثبت الْهَاء فِي آخِره وبنيت الْعشْرَة على غير بنائها فِي قَوْلك عشر نسْوَة فَقلت إِحْدَى عشرَة واثنتا عشرَة وَإِن شِئْت قلت عشرَة على غير منهاج عشرَة وَلَكِنَّك أسكنت الشين كَمَا تسكن فخذا فَتَقول فخْذ وَعلم فَتَقول علْم وتنصب الِاسْم الَّذِي تبين بِهِ الْعدَد كَمَا فعلت ذَلِك مَعَ الْمُذكر فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا بالك قلت إِحْدَى عشرَة وَإِحْدَى مُؤَنّثَة وَعشرَة فِيهَا هَاء التَّأْنِيث وَكَذَلِكَ اثْنَتَا عشرَة فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن تَأْنِيث إِحْدَى بِالْألف وَلَيْسَ بالتأنيث الَّذِي على وَجه التَّذْكِير نَحْو قَائِم وقائمة وَجَمِيل وجميلة فهما اسمان كَانَا بائنين فوصلا وَلكُل وَاحِد مِنْهَا لفظ من التَّأْنِيث سوى لفظ الآخر وَلَو كَانَ على لَفظه لم يجز فَأَما اثْنَان وَاثْنَتَانِ فَإِنَّمَا أنث اثْنَان على اثْنَتَيْنِ وَلكنه تَأْنِيث لَا يفرد لَهُ وَاحِد فالتاء فِيهِ ثَابِتَة وَإِن كَانَ أَصْلهَا أَن تكون مِمَّا وَقفه بِالْهَاءِ أَلا ترى أَنهم قَالُوا مذروان لِأَنَّهُ لَا يفرد لَهُ وَاحِد وَلَو كَانَ مِمَّا ينْفَرد لَهُ وَاحِد لم يكن إِلَّا مذريان وَكَقَوْلِه عقلته بثنايين وَلَو كَانَ ينْفَرد مِنْهُ الْوَاحِد لم يكن إِلَّا بثنائين فَأَما نصب الِاسْم الَّذِي بعد خَمْسَة عشرَ وَأحد عشر وَبعد إِحْدَى عشرَة إِلَى تسع عشرَة فَلِأَنَّهُ عدد فِيهِ نِيَّة التَّنْوِين وَلكنه لَا ينْصَرف كَمَا تَقول هَؤُلَاءِ ضوارب زيدا غَدا إِذا أردْت التَّنْوِين وَلم يحز أَن يكون هَذَا مُضَافا لِأَن الْإِضَافَة إِنَّمَا تكون لما وَقع فِيهِ اقل الْعدَد وَذَلِكَ مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة فَإِذا خرجت عَن ذَلِك خرجت إِلَى مَا تحْتَاج إِلَى تبين نَوعه فَإِن كَانَ منونا انتصب مَا بعده عَن ذكر النَّوْع وَإِن كَانَ غير منون أضيف إِلَى الْوَاحِد الْمُفْرد الَّذِي يدل على النَّوْع فَإِن قَالَ قَائِل فَهَلا كَانَ هَذَا مِمَّا تجْرِي عَلَيْهِ الْإِضَافَة كَمَا تَقول مائَة دِرْهَم وَألف دِرْهَم قيل لَهُ لما كَانَ هَذَا اسْمَيْنِ ضم أَحدهمَا إِلَى الآخر وَلم يكن فِي الْأَسْمَاء الَّتِي هِيَ من اسْمَيْنِ ضم أَحدهمَا إِلَى الآخر إِضَافَة كَانَ هَذَا لاحتياجه إِلَى النَّوْع بِمَنْزِلَة مَا قد لفظ بتنوينه فَإِن قَالَ قَائِل فَأَنت قد تَقول هَذَا حَضرمَوْت زيد إِذا سميت رجلا حَضرمَوْت ثمَّ أضفته كَمَا تَقول هَذَا زيد عَمْرو قيل إِن إِضَافَته لَيست لَهُ لَازِمَة وَإِنَّمَا يكون إِذا نكرته ثمَّ عَرفته بِمَا تضيف إِلَيْهِ وَخَمْسَة عشر عدد مُبْهَم لَازم لَهُ التَّفْسِير فَكَانَت تكون الْإِضَافَة لَازِمَة فَيكون كَأَن أَصله ثَلَاثَة أَسمَاء قد جعلت اسْما وَاحِدًا وَمثل هَذَا لَا يُوجد فَإِن قَالَ فَهَلا جعل مَا تبين بِهِ النَّوْع جمعا فَتَقول خَمْسَة عشر رجلا كَمَا تَقول زيدا أفره النَّاس عبدا وأفره النَّاس عبيدا قيل الْفَصْل بَينهمَا أَنَّك إِذا قلت زيد أفره النَّاس عبدا جَازَ أَن تكون تَعْنِي عبدا وَاحِدًا وَأَن تكون تَعْنِي جمَاعَة فَإِذا قلت عبيدا بنيت الْجَمَاعَة وَأَنت إِذا قلت خَمْسَة عشرَة وَنَحْوه فقد بيّنت الْعدَد فَلم تحتج إِلَى النَّوْع فَجئْت بِوَاحِد منكور يدل على جنسه لِأَنَّك قد اسْتَغْنَيْت عَن ذكر الْجَمَاعَة فَإِذا ثنيت أدنى الْعُقُود اشتققت لَهُ من اسْمه مَا فِيهِ دَلِيل على أَنَّك قد خرجت عَنهُ إِلَى تَضْعِيفه وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا يلْحقهُ من الزِّيَادَة وَهِي الْوَاو وَالنُّون فِي الرّفْع وَالْيَاء وَالنُّون فِي الْخَفْض وَالنّصب وَيجْرِي مجْرى مُسلمين وَذَلِكَ قَوْلك عِنْدِي عشرُون رجلا وَعِشْرُونَ جَارِيَة فيستوي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث لِأَنَّهُ مُشْتَقّ مُبْهَم وَلَيْسَ من الْعدَد الَّذِي هُوَ أصل وَالْأَصْل مَا بَين الْوَاحِد إِلَى الْعشْرَة فَكل عدد فَمن هَذَا مُشْتَقّ فِي لفظ أَو معنى فَأَما قَوْلهم عشرُون وَلم يفتحوا لعشر الْعين فقد قيل فِيهِ أقاويل قَالَ قوم إِنَّمَا كسرت ليدلوا على الكسرة الَّتِي فِي أول اثْنَيْنِ لِأَنَّهَا تَثْنِيَة عشرَة وَلَيْسَت بِجمع وَلَيْسَ هَذَا القَوْل بِشَيْء وَلَكِن نقُول فِي هَذَا إِنَّه اسْم قد صرف على وُجُوه فَمِنْهَا أَنَّك تَقول فِي الْمُذكر عشرَة وللمؤنث عشر بالإسكان وَلَيْسَ على منهاج التَّذْكِير وَلَو كَانَ على منهاجه لَكَانَ حذف الْهَاء لَازِما للمذكر وإثباتها لَازِما للمؤنث كَسَائِر الْأَسْمَاء نَحْو ظريف وظريفة ومتكلم ومتكلمة وعَلى هَذَا قَالُوا خَمْسَة عشر فغيروه وَقَالُوا خمس عشرَة فبنوه على خلاف بِنَاء التَّذْكِير فَلَمَّا كَانَ هَذَا الِاسْم مغيرا فِي جَمِيع حالاته وَلم يكن فِي الْعشْرين على منهاج سَائِر الْعُقُود وَغَيره كَانَ دَلِيلا على مَجِيئه على غير وَجهه الا ترى أَنهم لما جمعُوا مَنْقُوص الْمُؤَنَّث بِالْوَاو وَالنُّون غيروا أَوَائِله ليَكُون التَّغْيِير دَلِيلا على خُرُوجه من بَابه وَذَلِكَ قَوْلك سنة ثمَّ تَقول سنُون فتكسر السِّين وَكَذَلِكَ قلَّة وقلون وَأما قَوْلنَا أَنه على خلاف الْعُقُود فَإِنَّمَا هُوَ لِأَنَّك اشتققت للثلاثين من الثَّلَاثَة لِأَنَّهَا ثَلَاثَة عُقُود وَكَذَلِكَ فعلت بالأربعين وَالْخمسين وَمَا بعده إِلَى التسعين فَكَانَ الْوَاجِب إِذْ اشتققت للثلاثين من الثَّلَاثَة أَن تشتق للعشرين من الِاثْنَيْنِ فَإِن قَالَ قَائِل فَهَلا فعلوا ذَلِك فَالْجَوَاب إِن الِاثْنَيْنِ مِمَّا إعرابه فِي وَسطه فَلَو فعل بِهِ مَا فعل بِالثَّلَاثَةِ حَيْثُ صيرت إِلَى الثَّلَاثِينَ لبطل مَعْنَاهُ وصير إِلَى الْإِفْرَاد وَلم يَقع مُفردا قطّ فالامتناع مِنْهُ كالضرورة فَإِذا زِدْت على الْعشْرين وَاحِد فَمَا فَوق إِلَى العقد الثَّانِي أَو وَاحِدَة فَمَا فَوْقهَا قلت فِي الْمُذكر أحد وَعِشْرُونَ رجلا وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ رجلا وَوَاحِد وَعِشْرُونَ كَمَا كنت قَائِلا قبل أَن تصله بالعشرين فَإِن قَالَ قَائِل فَهَلا بني الْأَحَد مَعَ الْعشْرين وَمَا بعد الْأَحَد من الْأَعْدَاد كَمَا فعل ذَلِك بِخَمْسَة عشر وَنَحْوه فيجعلان اسْما وَاحِدًا كَمَا كَانَ ذَلِك فِي كل عدد قبله قيل لَهُ لم يكن لهَذَا نَظِير فِيمَا فرط من الْأَسْمَاء كحضرموت وبعلبك لَا تَجِد اسْمَيْنِ جعلا اسْما وَاحِدًا مِمَّا أَحدهمَا إعرابه كإعراب مُسلمين وَقد تقدم قَوْلنَا فِي هَذَا حَيْثُ ذكرنَا اثْنَي عشر فَإِذا صرت إِلَى العقد الَّذِي بعد الْعشْرين كَانَ حَاله فِيمَا يجمع مَعَه من الْعدَد كَحال عشْرين وَكَذَلِكَ إعرابه إِلَّا أَن اشتقاقه من الثَّلَاثَة لِأَن التَّثْلِيث أدنى الْعُقُود وَكَذَلِكَ لما بعده إِلَى التسعين إِذا صرت إِلَى العقد الَّذِي بعْدهَا كَانَ لَهُ اسْم خَارج من هَذِه الْأَسْمَاء لِأَن مَحَله مَحل الثَّلَاثِينَ مِمَّا قبلهَا وَالْأَرْبَعِينَ مِمَّا قبلهَا وَنَحْو ذَلِك وَلم يشتق لَهُ من الْعشْرَة اسْم لِئَلَّا يلتبس بالعشرين وَلِأَن العقد حَقه أَن يكون فِيمَا فرط من الْأَعْدَاد خَارِجا من اسْم قبله واضفته لما بعده معرفَة كَانَ أَو نكرَة كَمَا كنت فَاعِلا ذَلِك بِالْعقدِ الأول وَذَلِكَ قَوْلك مائَة دِرْهَم وَمِائَة الدِّرْهَم الَّتِي قد عرفت وَلم يجز أَن تَقول عشرُون الدِّرْهَم لِأَن درهما بعد عشْرين تَمْيِيز مُنْفَصِل من الْعشْرين وَالْمِائَة مُضَافَة والمضاف يكون معرفَة بِمَا يُضَاف إِلَيْهِ فَإِذا أردْت تَعْرِيف عشْرين وَمَا كَانَ مثلهَا قلت الْعشْرُونَ رجلا وَالثَّلَاثُونَ جَارِيَة كَمَا تَقول الضاربون زيدا لِأَن مَا بعد التَّنْوِين مُنْفَصِل مِمَّا قبله وَالْمِائَة اسْم لَيْسَ التَّنْوِين لَهُ لَازِما لِأَن حَال التَّنْوِين لَيست حَال النُّون لِأَنَّك تقف على النُّون وَلَا تقف على التَّنْوِين وَلِأَن النُّون تثبت مَعَ الْألف وَاللَّام وَلَا يثبت التَّنْوِين مَعَهُمَا تَقول الْمُسلمُونَ والصالحون وَلَا تَقول المسلمٌ والصالحٌ فتقف على التَّنْوِين فَكَانَت مائَة فِي بَابهَا كثلاثة فِي بَابهَا إِلَّا أَن الَّذِي تُضَاف إِلَيْهِ مائَة وَاحِدَة فِي معنى جمع وَالَّذِي يُضَاف إِلَيْهِ ثَلَاثَة وَمَا أشبههَا جمع تَقول ثَلَاثَة دَرَاهِم وَمِائَة دِرْهَم والفصل بَينهمَا مَا يَقع فِي الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة من أدنى الْعدَد وَأَن الْمِائَة كالعشرين وَنَحْوهَا وَإِن كَانَت مُضَافَة وَكَذَلِكَ صَار لَفظهَا للمذكر والمؤنث على هَيْئَة وَاحِدَة تَقول مائَة دِرْهَم وَمِائَة جَارِيَة كَمَا كَانَ ذَلِك فِي الْعشْرين وَنَحْوهَا وَلم يكن هَذَا فِي خَمْسَة عشر وَخمْس عشرَة لِأَنَّهُمَا مجموعان مِمَّا كَانَ وَاقعا لأدنى الْعدَد فَإِن اضْطر شَاعِر فنون وَنصب مَا بعده لم يجز أَن يَقع إِلَّا نكرَة لِأَنَّهُ تَمْيِيز كَمَا أَنه إِذا اضْطر قَالَ ثَلَاثَة أثوابا فَمن ذَلِك قَول الشَّاعِر (إِذا عاشَ الْفَتى مائتينِ عَاما ... فقدْ ذَهبَ اللذاذةُ والفَتاءُ)

فَإِنَّمَا حسن هَذَا فِي الْمِائَتَيْنِ وَإِن كَانَ تَثْنِيَة الْمِائَة لِأَنَّهُ مِمَّا يلْزمهَا النُّون فقد رَجَعَ فِي اللَّفْظ إِلَى حَال الْعشْرين وَمَا أشبههَا وَلَكِن الْمَعْنى يُوجب فِيهِ الْإِضَافَة فَأَما قَوْلهم ثلثمِائة وَأَرْبَعمِائَة واختيارهم إِيَّاه على مِائَتَيْنِ ومئات فَإِنَّمَا ذَلِك قِيَاس على مَا مضى لِأَن الْمَاضِي من الْعدَد هُوَ الأَصْل وَمَا بعده فرع فَقِيَاس هَذَا قِيَاس قَوْلك عشرُون درهما وَأحد وَعِشْرُونَ درهما إِلَى قَوْلك تِسْعَة وَعِشْرُونَ درهما فالدرهم مُفْرد لِأَنَّك إِذا قلت ثَلَاثُونَ وَمَا بعْدهَا إِلَى تسعين ثمَّ جاوزته صرت إِلَى عقد لَيْسَ لَفظه من لفظ مَا قبله فَكَذَلِك تَقول ثلثمِائة وَأَرْبَعمِائَة لِأَنَّك إِذا جَاوَزت تِسْعمائَة صرت إِلَى عقد يُخَالف لَفظه لفظ مَا قبله وَهُوَ قَوْلك ألف ثمَّ تَقول ثَلَاثَة آلَاف لِأَن الْعدَد الَّذِي بعده غير خَارج مِنْهُ تَقول عشرَة آلَاف كَمَا تَقول عشرَة أَثوَاب وَأحد عشر ألفا كَمَا تَقول أحد عشر ثوبا إِلَى العقد الآخر فَلَو كنت تَقول عشر مئين وَإِحْدَى عشرَة مائَة لوَجَبَ جمعهَا فِي التَّثْلِيث وَمَا بعده وَإِنَّمَا جَازَ أَن تَقول ثَلَاث مئين وَثَلَاث مئات من أجل أَنه مُضَاف فشبهته من جِهَة الْإِضَافَة لَا غير بقَوْلهمْ ثَلَاثَة أَثوَاب وَثَلَاث جوَار قَالَ الشَّاعِر

(ثلاثُ مِئينٍ للمُلوكِ وَفِي بِها ... رِدائي وجَلّتْ عنْ وُجوهِ الأهاتِمِ)

وَقَالَ الآخر

(ثلاثُ مِئينٍ قدْ مَرَرْنَ كَواملاً ... وَهَا أنذا أرتجي مَرَّ ارْبَعِ)

فَأَما قَوْلك مائَة دِرْهَم وَمِائَة جاريةٍ وألفُ غلامٍ وَألف جاريةٍ فَلَا يكون فِيهِ إِلَّا هَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَة ثَلَاثَة وَمَا بعْدهَا إِلَى عشرَة وَلَا ثَلَاث إِلَى عشر لِأَن الثَّلَاث وَالثَّلَاثَة على مئين وَقع أَو على أُلُوف أَو غير ذَلِك ففيهن أقل الْعدَد مِمَّا وقعن عَلَيْهِ ومجاز مائَة وَألف فِي أَنه لَا يكون لأدنى الْعدَد مجَاز أحد عشر درهما فَمَا فَوق فَأَما قَوْله عز وَجل {وَلَبِثوا فِي كَهْفِهِمْ ثلثَمائَةٍ سِنِينَ} فَإِنَّهُ على الْبَدَل لِأَنَّهُ لما قَالَ ثلثمِائة ثمَّ ذكر السنين ليعلم مَا ذَلِك الْعدَد وَلَو قَالَ قَائِل أَقَامُوا سِنِين يَا فَتى ثمَّ قَالَ مئين أَو ثلثمِائة لَكَانَ على الْبَدَل ليبين كم مِقْدَار تِلْكَ السنين وَقد قَرَأَ بعض الْقُرَّاء بِالْإِضَافَة فَقَالَ {ثَلثَمِائِةِ سِنِيْنِ} وَهَذَا خطأ فِي الْكَلَام غير جَائِز وَإِنَّمَا يجوز مثله فِي الشّعْر للضَّرُورَة وجوازه فِي الشّعْر أَبَا نحمله على الْمَعْنى لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنى جمَاعَة وَقد جَازَ فِي الشّعْر أَن تفرد وَأَنت تُرِيدُ الْجَمَاعَة إِذا كَانَ فِي الْكَلَام دَلِيل على الْجمع فَمن وَذَلِكَ قَوْله (كُلوا فِي نِصْفِ بَطْنِكُمُ تَعيشوا ... فإنَّ زّمّانكّمْ زمنٌ خَميصُ)

وَقَالَ آخر

(إنْ تُقتَلوا اليومَ فقدْ سُبينا ... فِي حَلْقِكُمْ عظمٌ وقّدْ شُجينا) وينشد شربنا وَقَالَ عَلْقَمَة بن عَبدة

(بهَا جِيِفُ الحَسْرى فأمّا عِظامُها ... فَبيضٌ وأمّا جِلدُها فَصَلِيبُ)

وَأما قَوْله عز وَجل {خَتَمَ اللهُ على قلوبِهِمْ وَعَلى سَمعِهِمْ وعَلى أبْصارِهِمْ} فَلَيْسَ من هَذَا لِأَن السّمع مصدر والمصدر يَقع للْوَاحِد وَالْجمع وَكَذَلِكَ قَول الشَّاعِر وَهُوَ جرير

(إنَّ العُيونَ الَّتِي فِي طَرَفها مرضٌ ... قَتَلْنَنا ثُمَّ لَم يُحْيِيْنَ قَتْلانا)

لِأَن الطّرف مصدر وَأما قَوْله الله عز وَجل {ثُم يُخْرِجُكُمْ طِفلا} {وَقَوله} (فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شيءٍ منَّة نَفْسَاً) فَإِنَّهُ أفرد هَذَا لِأَن مخرجهما مخرج التَّمْيِيز كَمَا تَقول زيد أحسن النَّاس ثوبا وأفره النَّاس مركبا وَأَنه ليحسن ثوبا وَيكثر أمة وعبدا وَقد قَالُوا فِي قَول الْعَبَّاس بن مرداس قَوْلَيْنِ وَهُوَ

(فَقُلْنَا أسْلِمُوا إنّا أخوكُمْ ... فّقّدْ بَرِئّتْ مِنَ الإحَنِ الصُدورُ)

فَقَالَ بَعضهم أَرَادَ إِنَّا إخوتكم فَوضع الْوَاحِد مَوضِع الْجَمِيع كَمَا قَالَ فِي حلقكم أَي فِي حلوقكم وَقَالَ آخَرُونَ لَفظه لفظ الْجمع من قَوْلك أَخ وأخون ثمَّ حذف النُّون وأضاف كَمَا تَقول مسلموكم وصالحوكم وَتقول على ذَلِك أَب وأبون وَأَخ أخون كَمَا قَالَ الشَّاعِر

(فَلَمَا تَبَيَنَّ أصواتَنا ... بَكَيْنَ وّفَدَّيْنَنا بالأبينا)

وَقَالَ آخر

(وَكَانَ لنا فَزارةُ عَمَّ سَوءٍ ... وكنتُ لَهُ كشرِّ بني الأخينا)

هَذَا بَاب إِضَافَة الْعدَد وَاخْتِلَاف النَّحْوِيين فِيهِ

اعْلَم أَن قوما يَقُولُونَ أخذت الثَّلَاثَة الدَّرَاهِم يَا فَتى وَأخذت الْخَمْسَة عشر الدِّرْهَم وَبَعْضهمْ يَقُول أخذت الْخَمْسَة الْعشْر الدِّرْهَم وَأخذت الْعشْرين الدِّرْهَم الَّتِي تعرف وَهَذَا كُله خطأ فَاحش وَعلة من يَقُول هَذَا الاعتلال بالرواية لَا أَنه يُصيب لَهُ فِي قِيَاس الْعَرَبيَّة نظيرا وَمِمَّا يبطل هَذَا القَوْل أَن الرِّوَايَة عَن الْعَرَب الفصحاء خِلَافه فرواية بِرِوَايَة وَالْقِيَاس حَاكم بعد أَنه لَا يُضَاف مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام من غير الْأَسْمَاء المشتقة من الْأَفْعَال لَا يجوز أَن تَقول جَاءَنِي الْغُلَام زيد لِأَن الْغُلَام معرف بِالْإِضَافَة وَكَذَلِكَ لَا تَقول هَذَا الدَّار عبد الله وَلَا أخذت الثَّوْب زيد وَقد اجْتمع النحويون على أَن هَذَا لَا يجوز واجماعهم حجَّة على من خَالفه مِنْهُم فعلى هَذَا تَقول هَذِه ثَلَاثَة أَثوَاب كَمَا تَقول هَذَا صَاحب ثوبٍ فَإِن أردْت التَّعْرِيف قلت هَذِه ثَلَاثَة الأثواب كَمَا تَقول هَذَا صَاحب الأثواب لِأَن الْمُضَاف إِنَّمَا يعرفهُ مَا يُضَاف إِلَيْهِ فيستحيل هَذِه الثَّلَاثَة الأثواب كَمَا يَسْتَحِيل هَذَا الصاحب الأثواب وَهَذَا محَال فِي كل وَجه أَلا ترى أَن ذَا الرمة لما أَرَادَ التَّعْرِيف قَالَ (أمَنْزِلتي ميِّ سَلاَمٌ عَلَيكُما ... هَلِ الأزْمُنُ اللائي مَضَيْنَ رواجعُ)

(وَهَلْ يُرْجعُ التسليمَ أَو يَدفعُ البُكا ... ثلاثُ الأثافي والرسومُ البَلاقِعِ)

وَقَالَ الفرزدق

(مَا زالَ مُذْ عَقَدتْ يداهُ إزارهُ ... ودّنا فأدْرَكَ خَمسَةَ الأشبارِ)

فَهَذَا لَا يجوز غَيره وَأما قَوْلهم الْخَمْسَة الْعشْر فيستحيل من غير هَذَا الْوَجْه لِأَن خَمْسَة عشر بِمَنْزِلَة حَضرمَوْت وبعلبك وقالى قلا وأيدي سبا وَمَا أشبه ذَلِك من الاسمين اللَّذين يجعلان اسْما وَاحِدًا فَإِذا كَانَ شَيْء من ذَلِك نكرَة فَإِن تَعْرِيفه أَن تجْعَل الْألف وَاللَّام فِي أَوله لِأَن الثَّانِي قد صَار فِي درج الْكَلَام الأول فَهَذَا أقبح واشنع وَأما قَوْلهم الْعشْرُونَ الدِّرْهَم فيستحيل من وَجه ثَالِث وَهُوَ أَن الْعدَد قد احكم وَبَين بِقَوْلِك عشرُون فَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى أَن يعلم النَّوْع فَإِنَّمَا دِرْهَم وَمَا أشبعه للنوع فَإِن كَانَت الْعشْرُونَ مَعْلُومَة قلت أخذت الْعشْرين درهما أَي الَّتِي قد عرفت وَلَيْسَ الدِّرْهَم بِوَاحِد مَعْلُوم مَقْصُود إِلَيْهِ وَلَو كَانَ كَذَلِك كَانَ لَا معنى لَهُ بعد الْعشْرين وَكَذَلِكَ كل رجل جَاءَنِي فَلهُ دِرْهَم وَإِنَّمَا الْمَعْنى كل من جَاءَنِي من الرِّجَال إِذا كَانُوا وَاحِدًا وَاحِدًا فَلهُ دِرْهَم أَلا تراك تَقول كل اثْنَيْنِ جاءاني أكرمهما لِأَنَّك تُرِيدُ الَّذين يجيؤنك اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ فَلَو قلت كل الِاثْنَيْنِ أَو كل الرجل على هَذَا لاستحال ففساد هَذَا بَين جدا وبنبغي لمن تبين فَسَاد مَا قَالَه أَن يرجع من قبل إِلَى حَقِيقَة الْقيَاس وَلَا يمض على التَّقْلِيد

هَذَا بَاب مَا يُضَاف من الْأَعْدَاد المنونة

اعْلَم أَنَّك إِذا اضفت عددا حذفت مِنْهُ النُّون والتنوين أَي ذَلِك كَانَ فِيهِ فَتَقول هَذِه عشروك وثلاثوك وأربعوك وَرَأَيْت ثلاثيك وأربعيك وَهَذِه مائتك وألفك وَتقول هَذِه ثَلَاثَة وثلاثوك إِذا سميت بهَا رجلا وَإِن كَانَ عددا فِي مَوْضِعه قلت هَذِه ثلاثتك وثلاثوك كَمَا تَقول هَذَا غلامك وجاريتك وَكَذَا سَبِيل كل مَعْطُوف وَتقول هَذِه ثَلَاثَة أثوابك وَهَذِه ثَلَاثَة أَثوَاب الْقَوْم لَا يكون إِلَّا ذَلِك لِأَن الْمُضَاف يُنكر حَتَّى يعرفهُ مَا بعده أَو يُنكره وَكَذَلِكَ تَقول هَذِه مائَة درهمك وَألف دينارك وَهَذِه خَمْسَة عشرك تقدر حذف مَا فِيهِ من التَّنْوِين فِي النِّيَّة كَمَا تَقول هنّ حواج بَيت الله إِذا نَوَيْت التَّنْوِين وهنّ حواج بَيت الله إِذا نَوَيْت طَرحه لِأَن فواعل لَا ينْصَرف فَإِنَّمَا يَقع التَّنْوِين فِي النِّيَّة وَيخرج مخرج هَذَا ضاربٌ زيد وضاربُ زيد كَمَا قَالَ الشَّاعِر

(إِذا أمُّ سِرياحٍ غَدَتْ فِي ظعائن ... طَوالعَ نَجدا فاضتِ العَينُ تَدمَعُ) وَقَالَ آخر

(ونأخذ بَعْدَه بِذِنْابِ عّيشٍ ... أجَبَّ الظَهرِ ليسَ لم سَنامُ)

وَمن لم يرد التَّنْوِين خفض فِي هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَمَا أشبههما وَاعْلَم أَن الْقيَاس وَأكْثر كَلَام الْعَرَب أَن تَقول هَذِه أَرْبَعَة عشرك وَخَمْسَة عشرك فتدعه مَفْتُوحًا على قَوْلك هَذِه أَرْبَعَة عشر وَخَمْسَة عشرَة وَقوم من الْعَرَب يَقُولُونَ هَذِه أَرْبَعَة عشرُك ومررت بأَرْبعَة عشرِك وهم قَلِيل وَله وجيه من الْقيَاس وَهُوَ أَن ترده بِالْإِضَافَة إِلَى الْإِعْرَاب كَمَا أَنَّك تَقول ذهب أمس بِمَا فِيهِ وَذهب أمسك بِمَا فِيهِ وَتقول جِئْت من قبل يَا فَتى فَإِذا أضفت قلت من قبلِكَ فَهَذَا مَذْهَبهم وَإِنَّمَا كَانَ الْقيَاس الْمَذْهَب الأول لِأَن خَمْسَة عشر نكرَة وَمَا لم ترده النكرَة إِلَى أَصله لم ترده الْإِضَافَة أما أمس وَقبل وَنَحْوهمَا فمعارف وَلَو جعلتهن نكرات لرجعن إِلَى الْإِعْرَاب كَمَا رجعن إِلَيْهِ فِي الْإِضَافَة وَالْألف وَاللَّام وعَلى هَذَا قرئَ {لله الْأَمر من قبل وَمن بعد} على النكرَة على مثل قَوْلك أَولا وآخرا أَلا ترى أَنَّك تَقول فِي النداء يَا زيد أقبل فَإِذا جعلته نكرَة قلت يَا رجلا اقبل كَمَا تَقول يَا عبد الله فَتَردهُ النكرَة إِلَى الْإِعْرَاب كَمَا ترده الْإِضَافَة أَلا تراك تَقول جَاءَنِي الْخَمْسَة عشر رجلا وَالْخمس عشرةَ امْرَأَة فَلَو كَانَت الْإِضَافَة ترده إِلَى الْإِعْرَاب لرددته الْألف وَاللَّام وَإِنَّمَا أجَاز سِيبَوَيْهٍ الضَّم على بعد فَأَما قَوْلك مَرَرْت بالقوم خَمْسَة عشرهم كَمَا تَقول مَرَرْت بالقوم خمستهم فَغير جَائِز عندنَا الْبَتَّةَ لِأَن مَا بعد خَمْسَة عشر إِذا كَانَ عددا لم يكن إِلَّا مُفردا نَحْو خَمْسَة عشر رجلا وَلم يكن إِلَّا نكرَة وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة خَمْسَة وَسِتَّة وبابهما إِلَى الْعشْر وَذَلِكَ أَن الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة مُضَاف إِلَى الْمعرفَة والنكرة وعَلى هَذَا لَا نقُول أخذت عشْرين درهما وثلاثيه لِأَن الَّذِي تبين بِهِ النَّوْع لَا يكون معرفَة مضمرة وَلَا مظهرة

هَذَا بَاب اشتقاقك للعدد اسْم الْفَاعِل كَقَوْلِك هَذَا ثَانِي اثْنَيْنِ وثالث ثَلَاثَة ورابع أَرْبَعَة

اعْلَم أَنَّك إِذا قلت هَذَا ثَانِي اثْنَيْنِ فَمَعْنَى هَذَا أحد اثْنَيْنِ كَمَا قَالَ الله عز وَجل {إِذْ أخرجه الَّذين كفرُوا ثَانِي اثْنَيْنِ} وَقَالَ عز وَجل {لَقَدْ كَفَر الذينَ قالُوا إنَّ اللهَ ثَلِثُ ثَلاثةِ} على هَذَا فَإِن قلت هَذَا ثَالِث اثْنَيْنِ فعلى غير هَذَا الْوَجْه إِنَّمَا مَعْنَاهُ هَذَا الَّذِي جَاءَ إِلَى اثْنَيْنِ فثلثهما فَمَعْنَاه الْفِعْل وَكَذَلِكَ هَذَا رَابِع ثَلَاثَة ورابع ثَلَاثَة يَا فَتى لِأَن مَعْنَاهُ أَنه ربعهم وثلثهم وعَلى هَذَا قَوْله عز وَجل {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم وَلَا خَمْسَة إِلَّا هُوَ سادسهم} وَمثله قَوْله عز وَجل {سيقولون ثَلَاثَة رابعهم كلبهم} وَتلك الأولى لَا يجوز أَن تنصب بهَا لآن الْمَعْنى أحد ثَلَاثَة وَأحد أَرْبَعَة فَتَقول على هَذَا القَوْل هَذَا رَابِع أَرْبَعَة إِذا كَانَ هُوَ وَثَلَاث نسْوَة لِأَنَّهُ قد دخل مَعَهُنَّ فَقلت أَرْبَعَة بالتذكير لِأَنَّهُ إِذا اجْتمع مُذَكّر ومؤنت جعل الْكَلَام على التَّذْكِير لِأَنَّهُ الأَصْل وَتقول على القَوْل الآخر هَذَا رَابِع ثَلَاث يَا فَتى لِأَنَّهُ لم يدْخل مَعَهُنَّ وَإِنَّمَا مِثَاله هَذَا ضَارب ثَلَاث فعلى هَذَا فأجر هَذَا الْبَاب فَإِذا جَاوز العقد الأول فَإِن الْقيَاس على الْمَذْهَب الأول وَهُوَ هَذَا ثَالِث ثَلَاثَة ورابع أَرْبَعَة أَي أحد ثَلَاثَة وَأحد أَرْبَعَة أَن تَقول هَذَا حادي عشر أحد عشر وخامس عشر وَخَمْسَة عشر لَكِن الْعَرَب تستثقل اضافته على التَّمام لطوله فَيَقُولُونَ هَذَا حادي أحد عشر وخامس خَمْسَة عشر فيرفعون الأول بِمَا يرفعهُ وينصبونه بِمَا ينصبه ويخفضونه بِمَا يخفضه لِأَنَّهُ مُعرب وَإِنَّمَا مَنعهم من بنائِهِ أَن ثَلَاثَة أَسمَاء لاتجعل اسْما وَاحِدًا فِي غير الْإِضَافَة وَإِنَّمَا شبه خَمْسَة عشر بحضرموت وَبني لما ذكرنَا من إِزَالَته عَن مَوْضِعه فَإِن قلت هَذَا حادي عشر وخامس عشر كَمَا تَقول هَذَا خَامِس وسادس بنيته على الْفَتْح لِأَنَّهُمَا اسمان فحالهما كَحال خَمْسَة عشر وَنَحْوه فعلى هَذَا الْقيَاس يجْرِي هَذَا الْعدَد فَإِن قلت على قِيَاس قَول من قَالَ هَذَا رابعٌ ثَلَاثَة وخامسٌ أَرْبَعَة فَإِن النَّحْوِيين كَانُوا يَقُولُونَ هَذَا خَامِس أَرْبَعَة عشر وَهَذِه خَامِسَة أَربع عشرَة ويقيسون هَذَا أجمع وَيَقُولُونَ هَذَا رَابِع ثَلَاث عشرَة إِذا كن نسَاء فصرن بِهِ أَرْبَعَة عشر كَمَا تَقول هَذَا رَابِع ثَلَاث وخامس أَربع فَهَذَا قَول النَّحْوِيين الْمُتَقَدِّمين وَكَانَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش لَا يرَاهُ صَوَابا وَذَلِكَ لِأَنَّك إِذا قلت رابعُ ثَلَاثَة فَإِنَّمَا تجريه مجْرى ضَارب وَنَحْوه لِأَنَّك كنت تَقول كَانُوا ثَلَاثَة فربعهم وَكَانُوا خَمْسَة فسدسهم وَلَا يجوز أَن تبني فَاعِلا من خَمْسَة وَعشرَة جَمِيعًا لِأَن الأَصْل خَامِس عشر أَرْبَعَة عشر وَالْقِيَاس عِنْدِي مَا قَالَ وَهُوَ قَول الْمَازِني فَإِذا بلغت الْعشْرين فَمَا بعْدهَا لم تبن مِنْهُ فَاعِلا لِأَنَّهُ يلتبس بِمَا قبله لِأَنَّهُ يَجِيء على لفظ الْعشْرين وَالثَّلَاثُونَ على لفظ الثَّلَاثَة وَهَكَذَا إِلَى التسعين فَإِذا بلغت الْمِائَة قلت كَانُوا تِسْعَة وَتِسْعين فأمأيتهم إِذا جعلتهم مائَة وَكَانَ تِسْعمائَة فألفتهم إِذا أردْت فعلتهم وآلفتهم إِذا أردْت أفعلتهم كل ذَلِك يُقَال وَجَاء فِي الحَدِيث

أول حَيّ آلف مَعَ رَسُول الله

جُهَيْنَة وَقد آلفت مَعَه بَنو سليم بعد قَالَ بجير بن زُهَيْر

(صَبَحناهُم بِأَلف منْ سُلَيمٍ ... وَسَبْعٍ مِنْ بني عُثْمانَ وافي)

وَبَنُو عُثْمَان بن عَمْرو بن أد بن طابخة بن إلْيَاس بن مُضر هم مزينة

هَذَا بَاب مَا يُضَاف إِلَيْهِ من الْعدة من الْأَجْنَاس وَمَا يمْتَنع من الْإِضَافَة

اعْلَم أَنه كل مَا كَانَ اسْما غير نعت فإضافة الْعدَد إِلَيْهِ جَيِّدَة وَذَلِكَ قَوْلك عِنْدِي ثَلَاثَة أجمالٍ وَأَرْبَعَة أينق وَخَمْسَة دراهمَ وَثَلَاثَة أنفس فَإِن كَانَ نعتا قبح ذَلِك فِيهِ إِلَّا أَن يكون مضارعا للاسم وَاقعا موقعه وَذَلِكَ قَوْلك عِنْدِي ثَلَاثَة قريشيين وَأَرْبَعَة كرام وَخَمْسَة ظرفاء هَذَا قَبِيح حَتَّى تَقول ثَلَاثَة رجال قريشيين وَثَلَاثَة رجال كرام وَنَحْو ذَلِك فَأَما الْمُضَارع للأسماء فنحو جَاءَنِي ثَلَاثَة أمثالك وَأَرْبَعَة أشباه زيد كَمَا قَالَ الله عز وَجل {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} وَقد قرئَ {فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} فَهَذِهِ الْقِرَاءَة المختارة عِنْد أهل اللُّغَة وَالَّتِي بدأنا بهَا حَسَنَة جميلَة فَإِن كَانَ الَّذِي يَقع عَلَيْهِ الْعدَد اسْما لجنس من غير الْآدَمِيّين لم يلاقه الْعدَد إِلَّا بِحرف الْإِضَافَة وَكَانَ مجازه التَّأْنِيث لِأَن فعلة وَجمعه على ذَلِك إِذا كَانَ مَعْنَاهُ الْجَمَاعَة أَلا ترى أَنَّك تَقول الْجمال تسير وَالْجمال يسرن كَمَا قَالَ الله عز وَجل عِنْد ذكر الْأَصْنَام {رب إنَّهُنَّ أضللن كثيرا من النَّاس} وعَلى هَذَا يجمع كَمَا تَقول حمام وحمامات وسرداق وسرادقات فَأَما الآدميون فَإِن الْمُذكر مِنْهُم يجْرِي على جمعه التَّذْكِير لِأَن فعله على ذَلِك تَقول هم يضْربُونَ زيدا وينطلقون فَلذَلِك تَقول مُسلمُونَ ومنطلقون وَنَحْوه وعَلى هَذَا تَقول هم الرِّجَال وَلَا يَقع مثل هَذَا إِلَّا لما يعقل فَإِن قلت هِيَ الرِّجَال صلح على إرادتك هِيَ جمَاعَة الرِّجَال كَمَا تَقول هِيَ الْجمال فَأَما هم فَلَا يكون إِلَّا لما يعقل فَإِذا أضفت إِلَى اسْم جنس من غير الْآدَمِيّين قلت عِنْدِي ثَلَاث من الْإِبِل وَثَلَاث من الْغنم وَتقول عِنْدِي ثَلَاث من الْغنم ذُكُور وَثَلَاث من الشَّاء ذُكُور وَكَذَلِكَ مَا أشبه هَذَا لِأَنَّك إِنَّمَا قلت ذُكُور بعد أَن أجريت فِي اسْمه التَّأْنِيث أَلا ترى أَنَّك إِذا حقرت الْإِبِل وَالْغنم قلت أبلية وغُنيمة وَتقول عِنْدِي ثَلَاثَة ذُكُور من الشَّاء وَثَلَاثَة ذُكُور من الْإِبِل لِأَنَّك إِنَّمَا قلت من الْإِبِل وَمن الشَّاء بعد أَن جرى فِيهِ التَّذْكِير كَمَا تَقول عِنْدِي ثَلَاثَة أشخص ثمَّ تَقول من النِّسَاء لِأَنَّك أَجْرَيْنِ عَلَيْهِ التَّذْكِير أَولا على لَفظه ثمَّ بنيت بعد مَا تَعْنِي وَتقول عِنْدِي ثَلَاثَة أنفس وَإِن شِئْت قلت ثَلَاث أنفس أما التَّذْكِير فَإِذا عنيت بِالنَّفسِ الْمُذكر وعَلى هَذَا تَقول عِنْدِي نفس وَاحِد وَإِن أردْت لَفظهَا قلت عِنْدِي ثَلَاث أنفس لِأَنَّهَا على اللَّفْظ تصغر نفيسة وعَلى هَذَا قَوْله عز وَجل {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} وَقَالَ عز وَجل {أنْ تَقولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا على مَا فَرَطتُ} وقرا رَسُول الله

{بلَى قد جاءتك آياتي فَكَذبت بهَا واستكبرت وَكنت} على مُخَاطبَة النَّفس وَقَالَ {كل نفس ذائقة الْمَوْت} وَتقول ثَلَاثَة أَفْرَاس وَثَلَاث أَفْرَاس لِأَن الْفرس يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى فَأَما قَوْلك هَذِه عين الْقَوْم وَأَنت تَعْنِي الرجل بِعَيْنِه فلأنك وَضعته مَوضِع الْعين بِعَينهَا فأقمته ذَلِك الْمقَام وَلَو سميت رجلا عينا لقت فِي تصغيره عُيين فَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْلك للْمَرْأَة مَا أَنْت إِلَّا رُجيل وللرجل مَا أَنْت إِلَّا مريئة لِأَنَّك تقصد قصد الشَّيْء بِعَيْنِه فقس مَا رَود عَلَيْك من هَذَا تصب إِن شَاءَ الله فَأَما تسميتهم الرجل عُيينة وأذينة فَإِنَّمَا سموا بهما بعد أَن صغرتا فِي موضعهما وَلَو سميت الرجل أذنا ثمَّ صغرته لقت أذين فَاعْلَم

هَذَا بَاب الْجمع لما يكون من الْأَجْنَاس على فعلة

اعْلَم أَنه مَا كَانَ من ذَلِك اسْما فَإنَّك إِذا جمعته بِالْألف وَالتَّاء حركت أوسطه لتَكون الْحَرَكَة عوضا من الْهَاء المحذوفة وَتَكون فرقا بَين الِاسْم والنعت وَذَلِكَ قَوْلك فِي طَلْحَة طلحات وَفِي جَفْنَة جفنات وَفِي صفحة صفحات وَكَذَلِكَ جَمِيع هَذَا الْبَاب قَالَ الشَّاعِر

(لنا الجَفَناتُ الغُرُّ يلمعن فِي الضُحى ... وأسيافُنا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَةٍ دَمًا)

وَقَالَ الآخر

(نَضَّرَ اللهُ أعظُماً دَفَنُها ... بِسِجِسْتانَ طَلْحَةَ الطَلَحاتِ) فَهَذَا إِنَّمَا يكون فِي المفتوح على هَذِه الْهَيْئَة الْوَاحِدَة لِأَن الْفَتْح أخف الحركات - فَإِن كَانَ الِاسْم على فعلة فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه إِن شِئْت قلت فعلات وأتبعت الضمة الضمةَ كَمَا أتبعت الفتحة الفتحةَ وَإِن شِئْت جمعته على فعلات فأبدلت من الضمة إِلَى الفتحة لخفتها وَإِن شِئْت أسكنت فَقلت فعْلات كَمَا تَقول فِي عضُد عضْد وَفِي رسل رُسْل قَالَ الله عز وَجل {وَلَا تتبعوا خطوَات الشَّيْطَان} وواحدها خطْوَة وَقَالَ الشَّاعِر

(وَلَما رأوْنا بادياً رُكُباتُنا ... على مَوطنِ لَا تَخْلُطُ الجِدِّ بالهَزَلِ)

ينشدون ركباتنا وركباتنا وَهَذِه الْآيَة تقْرَأ على الْأَوْجه الثَّلَاثَة وَذَلِكَ قَوْله {فِي الظلُمات والظلَمات والظلْمات} وَمَا كَانَ على فعلة فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا فعلات تتبع الكسرة الكسرةَ وَإِن شِئْت قلت فعلات فتبدل الفتحة من الكسرة كَمَا أبدلتها من الضمة وَإِن شِئْت قلت فعلان وأسكنت كَمَا قلت فِي إبل إبْل وَفِي فخِذ فخْذ لاستثقال الكسرة وَذَلِكَ قَوْلك سِدْرَة وسدرات وقربة وقربات فَإِن استثلقت قلت سدَرات وقِرَبات وَفِي الإسكان سدْرات وقرْبات وَأما النعوت فَإِنَّهَا لَا تكون أَلا سَاكِنة للفصل بَين الِاسْم والنعت وَذَلِكَ قَوْلك ضخمة وضخمات وعبلة وعبلات وخدلة وخدلات وَأما قَوْلهم فِي بني أُميَّة الْأَصْغَر العبلات فَإِنَّمَا قصدُوا إِلَى عبلة وَهُوَ اسْم وَأما قَوْلهم فِي جمع ربعَة ربعات فِي قَوْلهم امْرَأَة ربعَة وَرجل ربعَة فَلِأَنَّهُ يجْرِي عِنْدهم مجْرى الِاسْم إِذا صَار يَقع للمؤنث والمذكر على لفظ وَاحِد بِمَنْزِلَة قَوْلك فرس للذّكر وَالْأُنْثَى كَذَلِك إِنْسَان ويعبر يَقع على الْمُذكر والمؤنث وَإِن كَانَ فِي اللَّفْظ مذكرا كَمَا أَن ربعَة فِي اللَّفْظ مؤنث وَهُوَ يَقع على الْمُذكر الْمُؤَنَّث فبعير يَقع عَلَيْهِمَا ومجازه فِي الْإِبِل مجَاز قَوْلك إِنْسَان وجمل يجْرِي مجْرى رجل وناقة يجْرِي مجري امْرَأَة وأنشدني الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي لأعرابي

(لَا تَشْتَري لَبنِ البعيرِ وعِنْدَنا ... عَرَقُ الزجاجَةِ واكفُ المِعْصارِ)

وَأما قَوْلهم شَاة لجبة وَشاء لجباب فَزعم سِيبَوَيْهٍ أَنهم يَقُولُونَ لجبة ولجَبة وَإِنَّمَا قَالُوا لجَبات على قَوْلهم لجَبة وَقَالَ قوم بل حرك لِأَنَّهُ لَا يلتبس بالمذكر لِأَنَّهُ لَا يكون إِلَّا فِي الْإِنَاث وَلَو أسْكنهُ مسكن على أَنه صفة كَانَ مصيبا وَقد جَاءَ فِي الْأَسْمَاء بالإسكان فِي فعلة أنشدوا لذِي الرمة

(ورَفْضاتُ الْهوى فِي المفاصلِ ... )

وَهُوَ جمع رفضة

هَذَا بَاب مَا جَاءَ من هَذَا فِي ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو الَّتِي يائتهن وواواتهن لامات

وَذَلِكَ قَوْلك فِي رمية رميات وَفِي غَزْوَة غروات وَفِي قشوة قشوات كَمَا تَقول فِي فعلة نَحْو حَصَاة وقناة حَصَيَات وقنوات لِأَنَّك لَو حذفت لالتقاء الساكنين لالتبس بفعال من غير المعتل فَجرى هَا هُنَا مجْرى غزوا ورميا لِأَنَّك لَو ألحقت ألف غزا وَألف رمى ألف التَّثْنِيَة للزمك الْحَذف لالتقاء الساكنين فَالْتبسَ الِاثْنَان بِالْوَاحِدِ فَكنت تَقول للاثنين غزا وَرمى فَلَمَّا كَانَ هَذَا على مَا ذكرت لَك لم يحذف فَأَما مَا كَانَت الْيَاء وَالْوَاو مِنْهُ فِي مَوضِع الْعين فَإِن فِيهِ اخْتِلَافا أما الأقيس وَالْأَكْثَر فِي لُغَات جَمِيع الْعَرَب فَأن تَقول فِي بَيْضَة بيضات وَفِي جوزة جوزات وَفِي لوزة لوزات وَأما هُذَيْل بن مدركة خَاصَّة فَيَقُولُونَ جوَزات وبيَضات ولوَزات على منهاج غير المعتل وَلَا يقلبون وَاحِدَة مِنْهُمَا ألفا فَيُقَال أَلَيْسَ حق الْوَاو وَالْيَاء إِذا كَانَت كل وَاحِدَة مِنْهُمَا فِي مَوضِع حَرَكَة أَن تقلب ألفا إِذا كَانَ مَا قبلهَا مَفْتُوحًا فَيَقُول من يحْتَج عَنْهُم إِنَّمَا حركت هَذِه الْيَاء وَهَذِه الْوَاو لِأَن الْبَاب وَقع اسْما متحركا وَألْحق المعتل بِالصَّحِيحِ لِئَلَّا يلتبس النَّعْت بالمنعوت أجْرى هَذَا الْبَاب فِي ترك الْقلب مجْرى خونة وحوكة لِئَلَّا يلتبس بِمَا أَصله فعلة نَحْو دارة وقارة إِذا قلت دارات وقارات فصح هَذَا لِأَن أَصله السّكُون كَمَا صَحَّ العور وَالصَّيْد وعور وصيد لِأَن أصل الْفِعْل افْعَل وَاعْلَم أَنه مَا كَانَ من هَذَا مضموم الأول مِمَّا واوه أَو ياؤه لَام أَو مكسور الأول فَلهُ أَحْكَام نذكرها مفسرة إِن شَاءَ الله أما مَا كَانَ من الْوَاو مضموم الأول نَحْو غدْوَة ورشوة فَإنَّك تَقول فِيهِ رشوات وغدوات وَمن قَالَ ظُلمات قَالَ رشوات وغدوات وَمن قَالَ ظلمات قَالَ رشوات وغدوات وَمن كَانَ يَقُول رشوة فيكسر أَوله وَيَقُول غدْوَة فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهُ أَن يَقُول فِيهِ مَا قَالَ فِي سدرات وكسرات لِأَنَّهُ يلْزمه قلب الْوَاو يَاء فتلتبس بَنَات الْوَاو ببنات الْيَاء وَلكنه يسكن إِن شَاءَ وَيفتح إِن شَاءَ فَيَقُول رشوات ورشَوات وَكَذَلِكَ عدوة وَمَا أشبههَا وَمن قَالَ مدية فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهُ جمعهَا على منهاج قَوْله ظُلمات لِأَنَّهُ يلْزمه قلب الْيَاء واوا وَلَكِن يسكن إِن شَاءَ فَيَقُول مُديات وَإِن شَاءَ فتح فَهَذَا الْعَارِض الَّذِي يدْخل فِي بَنَات الْوَاو وَالْيَاء ومجرى الْبَاب وَأَصله مَا ذكرت لَك

هَذَا بَاب الْجمع لما كَانَ على ثَلَاثَة أحرف

أما مَا كَانَ من غير المعتل على فعل فَإِن بَابه فِي أدنى الْعدَد أَن يجمع على أفعل وَذَلِكَ قَوْلك كلب وأكلب وفلس وأفلس فَإِن جَاوَزت إِلَى الْكثير خرج إِلَى فعال أَو فعول وَذَلِكَ قَوْلك كلاب وكعاب وفراخ وفروخ وفلوس فَهَذَا هُوَ الْبَاب فَأَما مَا جَاءَ على أَفعَال فنحو فَرد وأفراد وفرخ وأفراخ كَمَا قَالَ الشَّاعِر (مَاذَا تقولُ لأفراخٍ بِذِي طَلَحٍ ... حُمْرِ الحواصِلِ لَا ماءٌ وَلَا شجرٌ)

وزنذ وأزناد كَمَا قَالَ الشَّاعِر

(وُجدْتَ - إِذا اصطَلَحوا - خَيْرَهُمْ ... وَزِنْدُكَ اثْقَبُ ازنادها)

فمشبه بِغَيْرِهِ خَارج عَن بَابه وَكَذَلِكَ مَا كَانَ على فعلة نَحْو فقع وفقعة وجبءٍ وجباةٍ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ على فعلان نَحْو حجل وحجلان ورأل ورئلان وَمَا كَانَ على فعلان نَحْو ظهر وظهران وبطن وبطنان وَسَنذكر لم جَازَ أَن يَجِيء على هَذِه الْأَبْنِيَة الْخَارِجَة عَن الأَصْل عِنْد ذكرنَا النعوت إِن شَاءَ الله وَمَا كَانَ على فعل فَإِن أدنى الْعدَد فِيهِ أَفعَال نَحْو جذع وأجذاع وَعدل وأعدال وبئر وأبار فَإِذا جَاوَزت أدنى الْعدَد فبابه فعول نَحْو لص لصوص وجذع وجذوع وَحمل وحمول وَقد تَجِيء على فعال لِأَنَّهَا أُخْت فعول نَحْو بئار وذئاب وَأما مَا يَجِيء على أفعل نَحْو ذِئْب وأذوب فداخل على بَاب فعل وَهُوَ نَظِير مَا جَاءَ من فعل على أَفعَال وَكَذَلِكَ ذؤبان إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة ظهران وَقَول حسل وحسلة إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة فقعة كل ذَلِك خَارج عَن بَابه وَمَا كَانَ من هَذَا على فعل فأدنى الْعدَد فِيهِ أَفعَال وَذَلِكَ نَحْو قفل وأقفال وجند وأجناد وَحجر وأحجار كم قَالَ

(كِرامٌ حينَ تُنْكفِتُ الأفَاعِي ... إِلَى أحْجارهنَّ منَ الصَّقِعِ) فَإِذا جَاوَزت أدنى الْعدَد فبابه فعول نَحْو جنود وَخُرُوج والمضعف يَجِيء على فعال لأَنهم يكْرهُونَ التَّضْعِيف وَالضَّم وَذَلِكَ قَوْلك خف وخفاف وقف وقفاف وَأما مَا جَاءَ مِنْهُ مثل جُحر وجحرة وَحب وحببة فبمنزلة فقعة فِي بَابه وحسلة فِي بَابه وَسَنذكر كل مَا خرج من شَيْء من هَذِه الْأَبْوَاب عَن أَصله إِن شَاءَ الله أما مَا كَانَ من فعل من بَنَات الْيَاء وَالْوَاو فَإِنَّهُ إِذا أُرِيد بِهِ ادنى الْعدَد جمع على أَفعَال كَرَاهِيَة للضم فِي الْوَاو وَالْيَاء لَو قلت أفعل وَذَلِكَ قَوْلك ثوب وأثواب وسوط وأسواط وَالْيَاء نَحْو بَيت وأبيات وَشَيخ وأشياخ وَقيد وأقياد فَإِذا جَاوَزت أدنى الْعدَد كَانَت بَنَات الْوَاو على فعال كَرَاهِيَة لفعول من أجل الضمة وَالْوَاو وَذَلِكَ قَوْلك سَوط سياط وحوض وحياض وثوب وَثيَاب وَكَانَت بَنَات الْيَاء على فعول لِئَلَّا تَلْتَبِس إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى وَكَانَت الضمة مَعَ الْيَاء أخف وَذَلِكَ قَوْلك بَيت وبيوت وَشَيخ وشيوخ وَقيد وقيود فَأَما قَوْلهم فِي عين أعين فَإِنَّهُ جَاءَ على الأَصْل مثل كلب وأكلب وأعيان على الْبَاب كَمَا قَالَ الشَّاعِر

(ولكنِّما أغدُو عليَّ مُفاضَةٌ ... دلاصٌ كأعيانِ الجَرادِ المُنَظَمِ)

وَقَالَ آخر

(فَقَدْ أرُوعُ قُلوبَ الغَانياتِ بِهِ ... حتَّى يَملْنَ بأجيادٍ وأعْيَانِ)

وَإِذا أضطر شَاعِر جَازَ أَن يَقُول فِي جَمِيع هَذَا افْعَل لِأَنَّهُ الأَصْل كَمَا قَالَ الشَّاعِر

(لِكُلِّ عَيْشٍ قّدْ لَبِستُ أثْوباً)

وَمَا كَانَ من الصَّحِيح على فعل فَإِن بَاب جمعه أَفعَال نَحْو جمل وأجمال وقتب وأقتاب وصنم وأصنام وَأسد وآساد قَالَ الشَّاعِر (آسادُ غِيلٍ حينَ لَا مناصِ ... )

فَهَذَا بَاب جمعه وَقد يَجِيء على فعول نَحْو أسود وَكَذَلِكَ فعال نَحْو جمال وَيَجِيء على فعلان نَحْو خرب وخربان وعَلى أفعل نَحْو أجبل وأزمن قَالَ الشَّاعِر

(إنّي لأكْني بأجبالٍ عَنَ اجبُلِها ... وباسمِ أودِيَةٍ عَن ذِكْرِ واديها)

وَقَالَ آخر

(أمَنْزِلَتيّ ميِّ سَلاّمٌ عَلَيْكُمَا ... هَلِ الأزْمُنِ اللائى مَضَيْنَ رواجعُ)

فَيخرج إِلَى ضروب من الْجمع مِنْهَا فعلان كَقَوْلِك حمل وحملان وَكَذَلِكَ فعلان كَقَوْلِك ورل وورلان فَأَما الْبَاب وَالْأَصْل فَمَا صدرنا بِهِ وَكَذَلِكَ فعل بَابه أَفعَال لِأَنَّهُ كَفعل فِي الْوَزْن وَإِن خَالفه فِي حَرَكَة الثَّانِي نَحْو كتف وأكتاف وفخذ وأفخاذ وكبد وأكباد وَتخرج إِلَى فعول نَحْو كبود وكروش وَهُوَ أقل من فعل فَالْأَصْل ألزم وَيكون كَذَلِك فعل نَحْو عضد وأعضاد وَعجز وأعجاز وَيخرج إِلَى فعال نَحْو رجل وَرِجَال وَسبع وسباع كَمَا قَالُوا جمال وَنَحْوه وَلم يَقُولُوا أرجال لقَولهم فِي أدنى الْعدَد رجلة وَمن كَلَامهم الِاسْتِغْنَاء عَن الشَّيْء بالشَّيْء حَتَّى يكون المستغنى عَنهُ مسْقطًا وَلَو احْتَاجَ شَاعِر لجَاز أَن يَقُول فِي رجل أرجال وَفِي سبع أَسْبَاع لِأَنَّهُ الأَصْل وَقد يكون الْبناء فِي الأَصْل للأقل فيشركه فِيهِ الْأَكْثَر كَمَا تَقول أرسان وأقتاب فَلَا يكون جمع غَيره وَقد يكون الْبناء للْأَكْثَر فيشركه الْأَقَل كَمَا تَقول شسوع وسباع فَيكون لكل الْأَعْدَاد وَإِنَّمَا اخْتلف الْجمع لِأَنَّهَا أَسمَاء فَيَقَع الِاخْتِلَاف فِي جمعهَا كالاختلاف فِي أفرادها أَلا أَنا ذكرنَا الْبَاب لندل على مَا يلْزم طَريقَة وَاحِدَة وَالسَّبَب فِي اخْتِلَاف مَا فَارقهَا وَيكون على فعل فَيلْزمهُ أَفعَال لِأَنَّهُ فِي الْوَزْن بِمَنْزِلَة مَا قبله وَإِن اخْتلفت الحركات وَذَلِكَ قَوْله ضلع وأضلاع وعنب وأعناب وَهَذَا قَلِيل جدا وَقد خرج إِلَى فعول كَمَا قَالُوا أسود ونمور وَذَلِكَ قَوْلك صلع وضلوع وَيكون على أفعل كَمَا جَاءَ أزمن وأجبل وَذَلِكَ قَوْلك أضلع فَأَما مَا كَانَ على فعل فَإِنَّهُ مِمَّا يلْزمه أَفعَال وَلَا يكَاد يجاوزها وَذَلِكَ قَوْلك عنق وأعناق وطنب وأطناب وَأذن وآذان وَقد يَجِيء من الْأَبْنِيَة المتحركة والساكنة من الثَّلَاثَة جمع على فعل وَذَلِكَ قَوْلك فرس ورد وخيل ورد وَرجل ثط وَقوم ثط وَتقول سقف وسُقُف وَإِن شِئْت حركت كَمَا قَالَ الله عز وَجل {لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا} وَقَالُوا رَهن ورٌ هُن وَكَانَ أَبُو عَمْرو يقْرؤهَا {فَرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ} وَيَقُول لَا أعرف الرِّهَان إِلَّا فِي الْخَيل وَقد قرا غَيره {فَرِهَانٌ مَقبوضَةُ}

وَمن كَلَام الْعَرَب الْمَأْثُور غلقت الرِّهَان بِمَا فِيهَا وَقَالُوا أَسد ونمر قَالَ الشَّاعِر

(فِيهَا عيا ئيلُ أسودٍ ونُمُرْ ... )

فَأَما فعل فَلم يَأْتِ مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل قَالُوا إبل وآبال وإطل وآطال فَهَذَا حكم المتحركة من الثَّلَاثَة إِلَّا فعلا فَإِن لَهُ نَحوا آخر لِخُرُوجِهِ عَن جَمِيع المتحركات وَأَنه مَا عدل عَن فَاعل فإليه يعدل فَلهُ نَحْو آخر فَأَما غير هَذَا من الْأَبْنِيَة نَحْو فِعُلٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْء من الْكَلَام وَكَذَلِكَ فعِل لَا يكون فِي الْأَسْمَاء إِنَّمَا هُوَ بِنَاء مُخْتَصّ بِهِ الْفِعْل الَّذِي لم يسم فَاعله نَحْو ضرب وَقتل إِلَّا أَن تكون سَاكن الْوسط نَحْو ردَّ وَقيل فَهُوَ بِمَنْزِلَة كرٍّ وفيلٍ وَمَا أشبه ذَلِك فَأَما فعل فَإِن جمعه اللَّازِم لَهُ فعلان وَذَلِكَ قَوْلك صرد وصردان ونغر ونغران وَجعل وجعلان هَذَا بَابه وَقد جَاءَ مِنْهُ شَيْء على أَفعَال شبه بِسَائِر المتحركات من الثَّلَاثَة وَذَلِكَ ربع وأرباع وهبع وأهباع فَهَذَا الَّذِي ذكرت لَك من اخْتِلَاف الْجمع بعد لُزُوم الشَّيْء لبابه إِذْ كَانَ مجَاز الْأَسْمَاء وَكَانَت الْأَسْمَاء على ضروب من الْأَبْنِيَة وَأما مَا كَانَ من المعتل متحركا نَحْو بَاب وَدَار وقاع وتاج فَإِن أدنى الْعدَد فِي ذَلِك أَن تَقول فِيهِ أَفعَال نَحْو بَاب وأبواب وتاج وأتواج وجار وأجوار وقاع وأقواع فَأَما دَار فَإِنَّهُم استغنوا بقَوْلهمْ أدور عَن أَن يَقُولُوا افعال لِأَنَّهُمَا لأدنى الْعدَد والمؤنث يَقع على هَذَا الْوَزْن فِي الْجمع أَلا تراهم قَالُوا ذِرَاع وأذرع وكراع وأكرع وشمال وأشمل ولسان وألسن وَمن ذكر اللِّسَان قَالَ أَلْسِنَة وَمن أنثها قَالَ السُن وَكَذَلِكَ نَار وأنور قَالَ الشَّاعِر (فَلَما فَقْدتُ الصوتَ منهُمْ وأُطفِئتُ ... مَصابيحُ شُبتْ بالعشاءِ وأنْورُ)

فَإِذا جَاوَزت أدنى الْعدَد فَإِن بَابه فعلان وَذَلِكَ قَوْلك نَار ونيران وقاع وقيعان وتاج وتيجان فَهَذَا الأَصْل وَمَا دخل بعد فعلى جِهَة التَّشْبِيه الَّذِي وصفت لَك وَأما قَوْلهم الْفلك للْوَاحِد والفلك للْجَمِيع فَإِنَّهُ لَيْسَ من قَوْلهم شكاعي وَاحِدَة وشكاعي كثير وبهمى وَاحِدَة وبهمى كثير وَلَكنهُمْ يجمعُونَ مَا كَانَ على فعل كَمَا يجمعُونَ مَا كَانَ على فعل لِكَثْرَة اشتراكهما أَلا تراهم يَقُولُونَ قلفة وقلْفة وصُلعة وصلعة ويلتقيان فِي أُمُور كَثِيرَة فَمن قَالَ فِي أَسد آساد قَالَ فِي فلك أفلاك كَمَا تَقول فِي قفل أقفال وَمن قَالَ فِي أَسد أسْد لزمَه أَن يَقُول فِي جمع فلك فُلك وَنَظِير هَذَا مِمَّا عدده أَرْبَعَة أحرف قَوْلك دلاص للْوَاحِد ودلاص للْجمع وهجان للْوَاحِد وهجان للْجمع وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا قَالَ فِي جمع فعيل أفعلة قَالَ فِي جمع فعال أفعلة نَحْو رغيف أرغفة وجريب وأجربة فَيَقُول على هَذَا مداد وأمدة وزمام وأزمة وعقال وأعقلة فَإِذا قَالَ فِي فعيل فعال نَحْو كريم وكرام وظريف وظراف لزمَه أَن يَقُول فِي دلاص دِلاص وَفِي هجان هجان إِذا أَرَادَ الْجمع ويدلك على أَنه لَيْسَ كَمثل شكاعي وَاحِد وشكاعي جمع قَوْلهم دلاصان وهجانان قَالَ الشَّاعِر

(ألمْ تَعْلَما أنَّ المَلامَةَ نَفْعُها ... قليلٌ وَمَا لَومْي أخي مِنْ شِماليا)

يُرِيد من شمائلي فَجمع فعالا على فعال وَقَالَ الآخر (أَبى الشَّتمُ أنَّي قَدْ أَصَابُوا كَرِيمَتي ... وأنْ ليسَ إهداءُ الْخَنَا من شماليا)

فَهَذَا مَا ذكرت لَك من لواحق الْجمع وَإِنَّمَا الْبَاب مَا صدرنا بِهِ فِي جَمِيع ذَلِك وَاعْلَم أَن هَذِه الْمَخْلُوقَات أَجنَاس وبابها أَلا يكون بَين وَاحِدهَا وَجَمعهَا إِلَّا الْهَاء وَذَلِكَ قَوْلك برة وبر وشعيرة وشعير وحصاة وحصى وَكَذَلِكَ سَمَكَة وسمك وبقرة وبقر وَطَلْحَة وطلح وشجرة وَشَجر ونخلة ونخل فَإِن كَانَ مِمَّا يعمله النَّاس لم يجر هَذَا المجرى لَا يَقع مثل هَذَا فِي جَفْنَة وصحفة وقصعة وَقد يَقُولُونَ فِي مثل سِدْرَة وَسدر ودرة ودر سدر ودرر فالباب مَا ذكرت لَك وَلَكِن شبه للوزن بظلمة وظلم وكسرة وَكسر قَالَ الشَّاعِر (كأنَّها دُرَةٌ مُنَعَّمَةٌ ... فِي نسوةٍ كُنًّ قَبْلَها دُررا)

وَكَذَلِكَ تومة وتوم وَإِن لم يكن مرئيا محدودا بالبصر قَالَ الشَّاعِر

(وكُنّا كَالحَريقِ أصَاب غابا ... فَيخْبو سَاعَة ويَهبُ ساعا)

وَالْأَرْبَعَة فِي هَذَا بِمَنْزِلَة الثَّلَاثَة زَوَائِد كَانَت أَو بِغَيْر زَوَائِد تَقول فِيمَا كَانَ بِغَيْر زَوَائِد جعثنة وجعثن وخمخمة وخمخم وقلقلة وقلقل وَفِي الزَّوَائِد نَحْو شعيرَة وشعير وقبيلة وقبيل وَمَا ذكرت لَك من قَلِيل هَذَا يدل على كثير

هَذَا بَاب مَا يجمع مِمَّا عدَّة حُرُوفه أَرْبَعَة

أما مَا كَانَ من ذَلِك على فعيل فَإِن أدنى الْعدَد أَفعلهُ وَذَلِكَ قَوْلك قفيز وأقفزة وجريب واجربة ورغيف وأرغفة فَإِذا جَاوَزت أدنى الْعدَد فَإِنَّهُ يَجِيء على فعل وعَلى فعلان نَحْو قضيب وقضب ورغيف ورغف وكثيب وكثب وَيُقَال أَيْضا رغفان وكثبان وقضبان فَهَذَا بَابه وَقد تكون الْأَسْمَاء من هَذَا على فعلاء نَحْو نصيب وأنصباء وصديق وأصدقاء لِأَنَّهُ يجْرِي مجْرى الْأَسْمَاء وخميس وأخمساء فَإِن كَانَ مضاعفا أَو مُعْتَلًّا فَهُوَ يجْرِي على افعلاء أَيْضا كَرَاهِيَة أَن تعتور الحركات حُرُوف اللين أَو يذهب التَّشْدِيد فِيهَا فيضاعف الْحَرْف وَإِنَّمَا وَقع الْإِدْغَام تَخْفِيفًا فالمضاعف نَحْو شَدِيد وأشداء وعزيز وأعزاء وحديد وأحداء من قَوْلك هَذَا رجل حَدِيد وَيكون الْوَصْف فِي ذَلِك كالاسم وَأما ذَوَات الْوَاو وَالْيَاء فنحو نَبِي أَنْبيَاء شقي أشقياء غَنِي أَغْنِيَاء وتقي أتقياء وَمن قَالَ نبيءٌ فَاعْلَم قَالَ نبئاء لِأَن فعيلا إِذا كَانَ نعتا فَمن أَبْوَاب جمعه فعلاء نَحْو كريم وكرماء وظريف وظرفاء وجليس وجلساء قَالَ لشاعر

(يَا خاتِمَ النُبئاءِ إنكَ مُرْسَلٌ ... بالحقِّ كلُّ هُدى السبيلِ هُداكا)

وَيكون من جمعه فعال نَحْو كريم كرام وظريف ظراف وطويل وطوال فَأَما مَا جمع فِي الْأَسْمَاء على فعلان فنحو ظليم وظالمان وقضيب وقضبان فَلَيْسَ من أصل الْبَاب وَلكنه على مَا ذكرت لَك وأخرجهم إِلَى ذَلِك أَنه فِي معنى فعال لِأَنَّهُمَا يقعان لشَيْء وَاحِد تَقول طَوِيل وطوال وخفيف وخفاف وسريع وسراع قَالَ الشَّاعِر (أينَ دُريدٌ وَهُوَ ذُو براعة ... تعدو بهِ سَلْهَبَةٌ سُراعة)

ثوب رَقِيق ورقاق وَهَذَا اكثر من أَن يُحْصى وَجمع فعال فِي أدنى الْعدَد كجمع فعيل وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ على أَرْبَعَة أحرف وثالثه حرف لين تَقول غراب وأغربة وذباب وأذبة فَإِذا أردْت الْكثير قلت غربان وعقبان فَأَما غُلَام فيستغني أَن يُقَال فِيهِ اغلمة بقَوْلهمْ غلمة لِأَنَّهُمَا لأدنى الْعدَد ومجازهما وَاحِد إِلَّا أَنَّك حذفت الزِّيَادَة فَإِذا حقرت غلمة فالأجود أَن ترده إِلَى بنائِهِ فَتَقول أغليمة وَكَذَلِكَ صبية وَلَو قلت صُبيّة وغليْمة على اللَّفْظ كَانَ جيدا حسنا كَمَا قَالَ الشَّاعِر (صُبَيَّةٌ على الدُخانِ رُمكا ... مَا إنْ عدا أكبَرُهُم أنْ زكَّا)

يُقَال زك زكيكا إِذا درج وَقد قيل زقاق زقّان وَلَكِن بَاب جمع فعال فِي الْعدَد الْكثير فعلان كَمَا أَن بَاب جمع فعيل فعلان نَحْو ظليم وظلمان وقضيب وقضبان فَأدْخل كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه فباب فعيل فِي الْأَسْمَاء على مَا وصفت لَك وَقد يَجِيء على فعل كَمَا ذكرت لَك قضيب ورُغُف وكُثُب فَأَما قَوْلهم جدد وسرر فِي جمع جَدِيد وسرير فَإِن الأَصْل وَالْبَاب جدد وسرر وَإِنَّمَا فتح لكَرَاهَة التَّضْعِيف مَعَ الضمة وَاعْلَم أَن فعالا وفِعالا وفُعالا وفَعيلا وفَعولا ترجع فِي الْجمع فِي أدنى الْعدَد إِلَى شَيْء وَاحِد لِأَنَّهَا مستوية فِي أَنَّهَا من الثَّلَاثَة وَأَن ثَالِثهَا حرف لين أَلا ترى أَنَّك تَقول قذاك واقذلة وغزال واغزلة وَتقول غزلان كَمَا تَقول فِي غراب غربان وَتقول قذل كَمَا تَقول جرب وكثب وَتقول فِي عَمُود أعمدة وَعمد وَفِي رَسُول رسل فمجرى هَذَا كُله وَاحِد فَإِن ترك مِنْهُ شَيْء مَا فللاستغناء عَنهُ بِغَيْرِهِ فَإِن جَاءَ مِنْهُ شَيْء على غير الْمِنْهَاج الَّذِي وصفت لَك فعلى تَسْمِيَة الْجمع الَّذِي ذكرنَا فَمن ذَلِك قَوْلهم عَمُود وَعمد وأديم وأدم وأفيق وأفق وَاعْلَم أَنه مَا كَانَ من الْجمع على مِثَال فعل أَو كَانَ وَاحِدًا فَإِن الإسكان جَائِز كَمَا جَازَ إسكان الْحَرَكَة فِي عضد هربا من الضمة وَذَلِكَ قَوْلك رسل رغف وَمَا أشبه ذَلِك وَاعْلَم أَن قَوْلهم فصيل وفصال وقلوص وقلاص إِنَّمَا جَاءَ على وزن فعال وفعال إِنَّمَا يكون جمع مَا كَانَ وَصفا نَحْو كريم وكرام وظريف وظراف ونبيل ونبال لِأَن ذَلِك فِي الأَصْل كَانَ نعتا وَإِن جرى مجْرى الْأَسْمَاء لِأَن الفصيل هُوَ حدث المفصول من أمه والقلوص مَا حدث وَلم يسنن وَاعْلَم أَن قَوْلهم ظريف وظروف إِنَّمَا جمع على حذف الزَّائِدَة وَهِي الْيَاء فجَاء على مِثَال فلوس واسود وَكَذَلِكَ فَلَو وأفلاء وعدو أَعدَاء إِنَّمَا جَاءَ على حذف الزِّيَادَة كَقَوْلِهِم عضد وأعضاد فَهَذَا مَا ذكرت لَك من دُخُول الْجمع بعضه على بعض

هَذَا بَاب جمع مَا لحقته الْهمزَة فِي أَوله من الثَّلَاثَة

وَذَلِكَ نَحْو افكل وأيدع وإصبع وإئمد وابلم فَهَذِهِ الْأَسْمَاء كلهَا تجمع على أفَاعِل نَحْو أفاكل وأصابع وابالم وَكَذَلِكَ افْعَل الَّذِي لَا يتم نعتا إِلَّا بِقَوْلِك من كَذَا يجْرِي مجْرى الْأَسْمَاء تَقول الأصاغر الأكابر وكل افْعَل مِمَّا يكون نعتا سميت بِهِ فَإلَى هَذَا يخرج تَقول الأحامر والأحامس وَمَا كَانَ من هَذَا للآدميين لم يمْتَنع من الْوَاو وَالنُّون كَمَا قَالَ الله عز وَجل {قَالُوا أنؤمن لَك واتبعك الأرذلون} و {قَلْ هلْ أُنَبِئكُمْ بالأخْسَرينَ أعمالاً} فَهَذَا كُله على هَذَا ومؤنث افْعَل الَّذِي يلْزمه من يكون على فعلى نَحْو الْأَصْغَر وَالصُّغْرَى والأكبر والكبرى والأمجد والمجدى وَجمعه بِالْألف وَالتَّاء تَقول الصغؤيات والكبريات وتكسره على فعل لِأَن الْألف فِي آخِره للتأنيث فتكسر على فعل فَتَقول الصُّغْرَى والصغر والكبرى وَالْكبر كَمَا تَقول ظلمَة وظلم وغرفة وغرف فَإِن كَانَ أفعل نعتا مكتفيا فَإِن جمعه على فعل سَاكن الْأَوْسَط وَذَلِكَ قَوْلك أَحْمَر وحمر واخضر خضر وأبيض وبيض فَانْكَسَرت الْبَاء لتصح الْيَاء وَلَو كَانَ من الْوَاو لثبت على لَفظه نَحْو أسود وسود وأحوى وحوٍ وَكَذَلِكَ مؤنثه تَقول حَمْرَاء وحمر وصفراء وصفر فَإِن جعلت احمر اسْما جمعته بِالْوَاو وَالنُّون فَقلت الأحمرون والأصفرون وَقلت فِي الْمُؤَنَّث حمراوان وصفراوات وَجَاء عَن النَّبِي

(لَيْسَ فِي الخضروات صَدَقةٌ) لِأَنَّهُ ذهب مَذْهَب الِاسْم والخضروات فِي هَذَا الْموضع مَا أكل رطبا وَلم يصلح أَن يدّخر فيؤكل يَابسا وَلَو سميت رجلا أَحْمَر لم يجز فِي جمعه حمر لِأَن هَذَا إِنَّمَا يكون جمعا لما كَانَ نعتا وَلَكِن أحامر فَهَذَا جملَة هَذَا الْبَاب وَمَا كَانَ من الْأَسْمَاء على فَاعل فَكَانَ نعتا فَإِن جمعه فاعلون لِأَن مؤنثه تلْحقهُ الْهَاء فَيكون جمعه فاعلات وَذَلِكَ قَوْلك ضَارب وضاربون وقائم وقائمون والمؤنث قَائِمَة وقائمات وصائمة وصائمات فَهَكَذَا أَمر هَذَا الْبَاب فَإِن أردْت أَن تكسر الْمُذكر فَإِن تكسيره يكون على فعل وعَلى فعال فَأَما فعل فنحو شَاهد وَشهد وصائم وَصَوْم وفعال نَحْو ضَارب وضراب وَكَاتب وَكتاب وَلَا يجوز أَن يجمع على فواعل وَإِن كَانَ ذَلِك هُوَ الأَصْل لِأَن فاعلة تجمع على فواعل فكرهوا التباس البناءين وَذَلِكَ نَحْو ضاربة وضوارب وجالسة وجوالس وَكَذَلِكَ جَمِيع هَذَا الْبَاب وَقد قَالُوا فَارس وفوارس لِأَن هَذَا لَا يكون من نعوت النِّسَاء فَأمنُوا الالتباس فَجَاءُوا بِهِ على الأَصْل وَقد قَالُوا هَالك فِي الهوالك لِأَنَّهُ مثل مُسْتَعْمل والأمثال تجْرِي على لفظ وَاحِد فَلذَلِك وَقع هَذَا على أَصله وَإِذا اضْطر شَاعِر جَازَ أَن يجمع فَاعِلا على فواعل لِأَنَّهُ الأَصْل قَالَ الشَّاعِر

(وَإِذا الرجالُ رأوْا يَزيد رأيْتُهم ... خُضُعَ الرقابِ نَواكِسِ الأبصارِ)

فَأَما قَوْلهم عَائِذ وعوذ وَحَائِل وحول وهالك وهلكى وشاعر وشعراء فمجموع على غير بَابه فَأَما مَا كَانَ من هَذَا على فعل فَإِنَّهُ جَاءَ على حذف الزِّيَادَة كَمَا تَقول ورد وَورد وَأسد وأسْد وَأما هلكى فَإِنَّمَا جَاءَ على مِثَال فعيل الَّذِي مَعْنَاهُ معنى الْمَفْعُول لِأَن جمع ذَلِك يكون على فعلى نَحْو جريح وجرحى وصريع وصرعى وَكَذَلِكَ جَمِيع هَذَا الْبَاب فَلَمَّا كَانَ هَالك إِنَّمَا هُوَ بلَاء أَصَابَهُ كَانَ فِي مثل هَذَا الْمَعْنى فَجمع على فعلى لِأَن مَعْنَاهُ معنى فعيل الَّذِي هُوَ مفعول وعَلى هَذَا قَالُوا مَرِيض ومرضى لِأَنَّهُ شَيْء أَصَابَهُ وَأَنت لَا تَقول مرض وَلَا ممروض فَأَما قَوْلهم شَاعِر وشعراء فَإِنَّمَا جَاءَ على الْمَعْنى لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة فعيل الَّذِي هُوَ فِي معنى الْفَاعِل نَحْو كريم وكرماء وظريف وظرفاء وَإِنَّمَا يُقَال ذَلِك لمن قد اسْتكْمل الظّرْف وَعرف بِهِ فَكَذَلِك جَمِيع هَذَا الْبَاب فَلَمَّا كَانَ شَاعِر لَا يَقع إِلَّا لمن هَذِه صناعته وَكَانَ من ذَوَات الْأَرْبَعَة بِالزِّيَادَةِ وَأَصله الثَّلَاثَة كَانَ بِمَنْزِلَة فعيل الَّذِي ذكرنَا ففاعل وفعيل من الثَّلَاثَة وَفِي صنف من هَذَا زَائِدَة وَهِي حرف اللين كَمَا هِيَ فِي الْبَاب الَّذِي هُوَ مثله فَلذَلِك حمل أَحدهمَا على الآخر وَقد قَالُوا فِي فعيل شرِيف وأشراف ويتيم وأيتام على حذف الزِّيَادَة كَمَا قَالُوا أقمار وأصنام وَأما قَوْلهم خَادِم وخدم وغائب وغيب فَإِن هَذَا لَيْسَ بِجمع فَاعل على صِحَة إِنَّمَا هِيَ أَسمَاء للْجمع وَلكنه فِي بَابه كَقَوْلِك عَمُود وَعمد أفِيق وأفق وإهاب وَأهب وَلَو قَالُوا فعل لَكَانَ من أَبْوَاب جمع فَاعل كَمَا أَنَّك لَو قلت فِي فعيل وفعول وَجَمِيع بابهما فعل لَكَانَ الْبَاب نَحْو كتاب وَكتب وإهاب وَأهب وعمود وَعمد وَكَذَلِكَ كَاتب وكتبة وعالم وعلمة وفاسق وفسقة فَإِن كَانَ فَاعل من ذَوَات الْوَاو وَالْيَاء الَّتِي هما فِيهِ لامان كَانَ جمعه على فعلة لِأَن فِيهِ معاقبة لفعلة فِي الصَّحِيح وَذَلِكَ قَوْلك قَاض وقضاة وغاز وغزاة ورام رُمَاة والمعتل قد يخْتَص بِالْبِنَاءِ الَّذِي لَا يكون فِي الصَّحِيح مثله من ذَلِك أَن المعتل يكون على مثل فيعل وَلَا يكون مثل ذَلِك فِي الصَّحِيح نَحْو سيد وميت وهين ولين وَنَحْو ذَلِك وَلَا يكون فِي الصَّحِيح إِلَّا فيعل نَحْو جيدر وصيرف وَيَجِيء الْمصدر فِي المعتل على فيعلولة \ وَلَا يكون مثل هَذَا فِي الصَّحِيح وَذَلِكَ نَحْو كينونة وقيدودة وصيرورة فَهَذَا مَا ذكرت لَك من أَن المعتل يخْتَص بِالْبِنَاءِ الَّذِي لَا يكون مثله فِي الصَّحِيح

هَذَا الْبَاب جمع الْأَسْمَاء الَّتِي هِيَ أَعْلَام من ثَلَاثَة

اعْلَم أَنَّك لَو سميت رجلا عمرا أَو سَعْدا فَإِن أدنى الْعدَد فِي أعمر وأسعد وَتقول فِي الْكثير عمور وسعود كَمَا كنت قَائِلا فلس وافلس وفلوس وَكَعب وأكعب وكعوب قَالَ الشَّاعِر

(وشَيْدَ لي زُرارةُ باذِخات ... وعمْرُو الخَيْرِ إِذْ ذُكِرَ العُمورُ)

وَقَالَ آخر

(رأيتُ سُعُودا مِنْ شُعوبٍ كَثيرَةٍ ... فَلم أرَ سعْدا مِثْلَ سعد بنِ مالكِ)

فَأَما الْجمع بِالْوَاو وَالنُّون فَهُوَ لكل اسْم مَعْرُوف لَيْسَ فِيهِ هَاء التَّأْنِيث قَالَ الشَّاعِر

(أنَا ابنُ سَعْدِ اكْرَمُ السُّعْدينا ... )

فَأَما مَا كَانَ مثل هِنْد فَإِن جمعه هندات وهِندات وهِنَدات كَمَا قلت لَك فِي مثل كسرة فِي هَذِه اللُّغَات لِأَن هِنْد اسْم مؤنث فجمعتها بِالتَّاءِ وَلم تكن فِيهَا هَاء وَكَذَلِكَ قدر وَلَو سميت بهَا مؤنثا فَأَرَدْت تكسيره قلت أهناد وهنود كَمَا تَقول جذع وأجذاع وجذوع وَفِي جمل أجمال وجمول قَالَ الشَّاعِر

(أخالدٌ قدْ عَلِقْتُكُ بَعْد هِنْدٍ ... فَشَيَبَني الخَوالدُ والهنودُ)

فَإِن سميتها حملا وحُسنا قلت جُملات وحسنات كَمَا تَقول ظلمات وغرفات وَتقول جملات وحسنات كَمَا تَقول ظلمات وغرفات وَتقول جملات وحسنات كَمَا تَقول ظلمات وغرفات فَإِن قيل فِي هِنْد هِنْد مثل الْكسر فَكَذَلِك جمل وَحسن مثل ظلم وغرف فجيد بَالغ وَلَو سميت امْرَأَة أَو رجلا قدما لقت أَقْدَام كَمَا تَقول أصنام وأجمال لِأَن التكسير يجْرِي فِي الْمُذكر والمؤنث مجْرى وَاحِدًا فَإِن أردْت الْجمع الْمُسلم وعنيت مُذَكّر قلت قدمون كَمَا تَقول فِي حسن اسْم رجل حسون وعَلى مَا بنيت لَك يجْرِي فِي الْجمع الْمُسلم الْمُؤَنَّث فَكل مَا كَانَ يَقع على شَيْء قبل التَّسْمِيَة فَإِن تكسيره بَاقٍ عَلَيْهِ إِذا سميت بِهِ فَأَما الْجمع الْمُسلم فمنتقل بالتأنيث والتذكير وَلَو سميت امْرَأَة عبلة أَو طَلْحَة لَقلت عبال وطلاح وَلم يجز أَن تَقول فِي طَلْحَة طلح لِأَن الْجمع الَّذِي لَيْسَ بَينه وَبَين واحده إِلَّا الْهَاء إِنَّمَا يكون للأنواع كَقَوْلِك تَمْرَة وتمر وسدرة وَسدر وشعيرة وشعير وَلَو سميت رجلا بفخذ لَقلت فِي التكسير أفخاذ كَمَا كنت قَائِلا قبل التَّسْمِيَة بِهِ فَأَما الْجمع الْمُسلم ففخذون فقس جَمِيع مَا يرد عَلَيْك بِهَذَا تصب إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب مَا كَانَ اسْما على فَاعل غير نعت معرفَة أَو نكرَة

اعْلَم ان مَا كَانَ من ذَلِك لآدميين فَغير مُمْتَنع من الْوَاو وَالنُّون لَو سميت رجلا حاتما أَو عَاصِمًا لَقلت حاتمون وعاصمون وَإِن شِئْت قلت حواتم وعواصم لِأَنَّهُ لَيْسَ بنعت فتريد أَن تفصل بَينه وَبَين مؤنثه وَلكنه اسْم فَحكمه حكم الْأَسْمَاء الَّتِي على أَرْبَعَة أحرف وَإِن كَانَ لغير الْآدَمِيّين لم تحلقه الْوَاو وَالنُّون وَلَكِنَّك تَقول قوادم فِي قادم النَّاقة وَتقول سواعد فِي جمع ساعد وَهَكَذَا جَمِيع هَذَا الْبَاب فَإِن قَالَ قَائِل فقد قَالَ الله عز وَجل فِي غير الْآدَمِيّين {إِنِّي رَأَيْت أحد عشر كوكبا وَالشَّمْس وَالْقَمَر رَأَيْتهمْ لي ساجدين} فَالْجَوَاب عَن ذَلِك أَنه لما أخبر عَنْهَا بِالسُّجُود وَلَيْسَ من أفعالها وَإِنَّمَا هُوَ من أَفعَال الْآدَمِيّين أجراها مجراهم لِأَن الْآدَمِيّين إِنَّمَا جمعُوا بِالْوَاو وَالنُّون لِأَن أفعالهم على ذَلِك فَإِذا ذكر غَيرهم بذلك الْفِعْل صَار فِي قياسهم الا ترى أَنَّك تَقول الْقَوْم ينطلقون وَلَا تَقول الْجمال يَسِيرُونَ وَكَذَلِكَ قَوْله عز وَجل {كٌ لٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحْونَ} لما أخبر عَنْهَا أَنَّهَا تفعل وَإِنَّمَا حَقِيقَتهَا أَن يفعل بهَا فتجري كَانَت كَمَا ذكرت لَك وَمن ذَلِك قَوْله {بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا فاسألوهم إِن كَانُوا ينطقون} وَمثله {قَالَت نملة يَا أَيهَا النَّمْل ادخُلُوا مَسَاكِنكُمْ} لما جعلهَا مُخَاطبَة ومخاطِبة وكل مَا جَاءَ من هَذَا قِيَاسه قَالَ الشَّاعِر

(تَمَزَزَّتُها والديكُ يَدعُو صَباحَهُ ... إِذا مَا بنُوا نَعْشٍ دّنْوا فَتَصَوَّبُوا)

لما ذكرت من انه جعل الْفِعْل لهَذِهِ الْكَوَاكِب وعَلى هَذَا قَالَ الشَّاعِر (حتَّى يُقيدكَ مِنْ بنيهِ رَهيِنَةً ... نَعْشٌ ويَرهِنَكَ السَّماكُ الفّرْقّدا)

فَقَالَ من بنيه لما خبر عَنهُ بِهَذَا الْفِعْل

هَذَا بَاب مَا كَانَ على أَرْبَعَة أحرف أَصْلِيَّة أَو فِيهَا حرف زَائِد

اعْلَم أَن جَمِيعهَا كلهَا يكون على مِثَال مفاعل فِي الْوَزْن وَإِن اخْتلفت موَاضعهَا وحركاتها تَقول فِي جَعْفَر جعافر وَفِي سهلب سلاهب وَفِي جدول جداول وَفِي عَجُوز عَجَائِز وَفِي أسود إِذا جعلته اسْما أساود كَمَا قَالَ الشَّاعِر

(أُسُودٌ شَرى لَا قَتْ أُسودَ خَفِيَةٍ ... تَساقَتْ على لَوحٍ دِماءَ الأساوِدِ)

وَقَالُوا الأباطح والأبارق فِي جمع الأبطح والأبرق لِأَنَّهُمَا وَإِن كَانَا نعتين قد أجريا مجْرى الْأَسْمَاء فِي مَعْنَاهَا وَكَذَلِكَ الأدهم إِذا عنيت الْحَيَّة فَهُوَ عِنْد مَصْرُوف وَلكنه يجْرِي مجْرى الْأَسْمَاء فِي مَعْنَاهُ وَكَذَلِكَ الأدهم إِذا عنيت الْقَيْد قَالَ الشَّاعِر

(هوَ القَيْنُ وابنُ القَيْنِ لَا قيْنَ مِثْلَهُ ... لِفَطحِ المساحيِ أوْ لجَدلِ الأداهِمِ)

وَكَذَلِكَ مَا ذكرت لَك فِي التصغير جَاءَ على مِثَال وَاحِد أَصْلِيًّا كَانَ أَو زَائِدا اتّفقت حركاته أَو اخْتلفت إِلَّا فِي تَصْغِير التَّرْخِيم فَإِنَّهُ يحذف مِنْهُ الزَّوَائِد وَلَا تحذف الْأُصُول وسنذكره لَك فِي بَاب التصغير إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب مَا كَانَ على خَمْسَة أحرف كُلهنَّ أصل

اعْلَم أَنَّك إِذا أردْت جمعه لم يكن لَك بُد من حذف حرف ليَكُون على مِثَال الْجمع والحرف الَّذِي تحذفه هُوَ الْحَرْف الْأَخير وَذَلِكَ لِأَن الْجمع يسلم حَتَّى يَنْتَهِي إِلَيْهِ فَلَا يكون لَهُ مَوضِع وَذَلِكَ قَوْلك فِي سفرجل سفارج وَفِي فرزدق فرازد وَفِي شمردل شمارد وَكَذَلِكَ جَمِيع هَذَا وَقد يُقَال فِي فرزدق فرازق وَلَيْسَ ذَلِك بالجيد وَذَلِكَ لِأَن الدَّال من مخرج التَّاء وَالتَّاء من حُرُوف الزِّيَادَة فَلَمَّا كَانَت كَذَلِك وَقربت من الطّرف حذفوها فَمن قَالَ ذَلِك لم يقل فِي جحمرش جحارش لتباعد الْمِيم من الطّرف فَهَذَا يجْرِي مجْرى الغلظ وَالْبَاب مَا ذكرت لَك أَولا وَاعْلَم انهم يتنكبون جمع بَنَات الْخَمْسَة لكراهيتهم أَن يحذفوا من الْأُصُول شَيْئا فَإِذا قَالُوهُ قَالُوهُ على مَا ذكرت لَك

هَذَا بَاب مَا عدته خَمْسَة أحرف أَو أَكثر بِزِيَادَة تلْحقهُ

فَمن ذَلِك قَوْلهم صحراء يَا فَتى فَإِذا جمعت قلت صحارٍ وَكَانَ الأَصْل صحارى وَإِن شِئْت أَن تَقول قلته وَإِن شِئْت أَن تحذفه اسْتِخْفَافًا فعلت وَإِنَّمَا جَازَ الْإِثْبَات لِأَن الْألف إِذا وَقعت رَابِعَة فِيمَا عدته خَمْسَة أحرف ثبتَتْ فِي التصغير والتكسير وَإِنَّمَا تحذف إِذا لم يُوجد من الْحَذف بُد فَتَقول فِي مِفْتَاح مَفَاتِيح وَفِي سرداح سراديح وَفِي جرموق جراميق وَفِي قنديل قناديل فَلَا تحذف شَيْئا

هَذَا بَاب مَا كَانَت عدته أَرْبَعَة أحرف وَفِيه عَلامَة التَّأْنِيث

أما مَا كَانَ من ذَلِك على فعلة فجماعه فعال إِذا كَانَ من غير الْأَنْوَاع الَّتِي ذكرنَا وَذَلِكَ قَوْلك صَحْفَة وصحاف وقصعة وقصاع وجفنة وجفان وَأما قَوْلهم جَفْنَة وجفن وضيعة وضيع فَلَيْسَ الْبَاب إِنَّمَا هِيَ أَسمَاء للْجمع وَإِنَّمَا الْكَلَام جفنات وجفان وصحفات وصحاف وضيعات وضياع فَإِذا كَانَ على أَرْبَعَة أحرف والعلامة الَّتِي فِيهِ ألف التَّأْنِيث نَحْو حُبْلَى وذرفى وَدُنْيا فَإِن جمعه أَن تَقول فِي حُبْلَى حبليات وَفِي دنيا دنييات وَفِي ذفرى ذفريات وَكَذَلِكَ هَذَا الْبَاب أجمع وَأما مَا كَانَ مِنْهُ مؤنثا من أفعل الَّذِي تصف بِهِ نَحْو هَذَا أفضل من زيد وَهَذَا أكبر من عَمْرو فَإِن تكسيره على فعل تَقول الدُّنْيَا والدنى والقصيا والقصى وَكَذَلِكَ إِن قلت القصوى والكبرى وَالْكبر وَالصُّغْرَى والصغر وَإِن لم يكن مؤنثا لأَفْعَل فَإِنَّهُ يجمع على فعالى فِي وزن فعالل كَمَا قلت فِي جَعْفَر جعافر وَفِي جُنْدُب جنادب وَذَلِكَ قَوْلك فِي حُبْلَى حبالى وَكَذَلِكَ فعلى تَقول فِي ذفري ذفارى وَكَذَلِكَ فعلى تَقول فِي أرطى أراطى

هَذَا بَاب مَا كَانَ على خَمْسَة أحرف وَفِيه زيادتان ملحقتان أَو غير ملحقتين

اعْلَم أَنه مَا كَانَ كَذَلِك مِمَّا اسْتَوَت فِيهِ زيادتان فَإنَّك فِي حذف مَا تشَاء مِنْهُمَا مُخَيّر إِذا كَانَتَا متساويتين إِمَّا ملحقتان وَإِمَّا غير ملحقتين وَذَلِكَ قَوْلك حبنطلي ودلنطلي وسرندي فالنون زَائِدَة وَكَذَلِكَ الْألف وهما ملحقتان ببات سفرجل فَإِن شِئْت قلت حباط ودلاظ وسراد وَإِن شِئْت قلت حبانط ودلانظ وسراند لِأَن الْألف فِي الزِّيَادَة كالنون وَكَذَلِكَ يكون هَذَا فِي التصغير وَمن ذَلِك قلنسوة لِأَن الْوَاو وَالنُّون زائدتان وَهِي على مِثَال قمحودة فَإِن شِئْت قلت قلانس فحذفت الْوَاو وَإِن شِئْت قلت قلاس فحذفت النُّون وَكَذَلِكَ فعلهمَا يُقَال تقلنس وتقلسي والتصغير على هَذَا جرى فَأَما جحنفل فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا جحافل وَكَذَلِكَ قرنفل لَا يجوز فِيهِ إِلَّا قرافل لِأَنَّهُ لَيْسَ هَا هُنَا زِيَادَة إِلَّا النُّون وَاعْلَم أَن كل شَيْء حذف مِنْهُ فالعوض فِيهِ جَائِز وَهِي يَاء تلْحق قبل آخِره وَكَذَلِكَ قَوْلك فِي سفرجل سفاريج وَإِن شِئْت قلت فِي حبنطي حباطي إِن حذفت النُّون وعوضت وَإِن حذفت الْألف وعوضت قلت حبانيط والتصغير على هَذَا يجْرِي

هَذَا بَاب مَا تلْحقهُ زائدتان إِحْدَاهمَا مُلْحقَة وَالْأُخْرَى غير مُلْحقَة

اعْلَم أَنَّك تجْرِي الملحق مجْرى الأَصْل فِي الْجمع والتصغير وَذَلِكَ أَن الملحق إِنَّمَا وضع بِإِزَاءِ الأَصْل لتلحق الثَّلَاثَة بالأربعة وَالْأَرْبَعَة بالخمسة وَذَلِكَ قَوْلك فِي مثل مسحنكك سحاكك وَفِي مقعنسس قعاسس لِأَن الْمِيم وَالنُّون لم تزادان فتلحقا بِنَاء بِبِنَاء وطكان سِيبَوَيْهٍ يَقُول فِي مقعنسس مقاعس وَهَذَا غلط شَدِيد لِأَنَّهُ يَقُول فِي محرنجم حراجم فالسين الثَّانِيَة فِي مقعنسس بحذاء الْمِيم فِي محرنجم فَإِن قَالَ قَائِل إِنَّهَا زَائِدَة قيل لَهُ فالميم زَائِدَة أَيْضا إِلَّا أَن السِّين مُلْحقَة بالأصول وَلَيْسَت الْمِيم كَذَلِك إِنَّمَا هِيَ الْمِيم الَّتِي تلْحق الْأَسْمَاء من أفعالها أَلا ترى أَن من قَالَ فِي أسود أسيود قَالَ فِي جدول جديول فَأجرى الملحق مجْرى الْأَصْلِيّ

هَذَا بَاب التصغير وَشرح أبوابه ومذاهبه

زعم الْمَازِني عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ قالَ الْخَلِيل بن أَحْمد وضعت التصغير على ثَلَاثَة أبنية على فلس وَدِرْهَم ودينار وَذَلِكَ أَن كل تَصْغِير لَا يخرج من مِثَال فَلَيْسَ ودريهم ودنينير فَإِن كَانَت فِي آخِره زَائِدَة لم يعْتد بهَا وَصغر على أحد هَذِه الْأَمْثِلَة ثمَّ جِيءَ بالزوائد مسلمة بعد الْفَرَاغ من هَذَا التصغير

هَذَا بَاب مَا كَانَ من الْمُذكر على ثَلَاثَة أحرف

اعْلَم أَن تصغيره على مِثَال فعيل متحركا كَانَ حرفه الثَّانِي أَو سَاكِنا وَذَلِكَ قَوْلك فِي فلس وفليس وَفِي عَمْرو عُمَيْر وَكَذَلِكَ تَقول فِي عمر وَفِي خدر خدير وَفِي رطب رُطيب وَفِي جمل جميل لَا تبالي مَا كَانَت حركته لِأَن التصغير يُخرجهُ إِلَى بنائِهِ وَحكم التصغير أَن يضم أَوله وَيفتح الْحَرْف الثَّانِي وَيلْحق بعده يَاء التصغير ثَالِثَة فَإِن كَانَ الِاسْم على أَرْبَعَة أحرف انْكَسَرَ الْحَرْف الَّذِي بعد يَاء التصغير كَمَا ينكسر فِي التكسير لِأَن التكسير والتصغير من وَاد وَاحِد إِلَّا أَن أول التصغير مضموم وَأول الْجمع مَفْتُوح وعلامة التصغير يَاء ثَالِثَة سَاكِنة وعلامة الْجمع ألف ثَالِثَة وهما فِي تَغْيِير الِاسْم عَن بنائِهِ سَوَاء وَذَلِكَ قَوْلك فِي جَعْفَر وجعيفر وجعافر وَاعْلَم أَنه لَا يكون اسْم على حرفين إِلَّا وَأَصله الثَّلَاثَة فَإِذا صغر فَلَا بُد من رد مَا ذهب مِنْهُ لِأَن التصغير لَا يكون فِي أقل من ثَلَاثَة أحرف وَذَلِكَ قَوْلك فِي دم دُمي لِأَن الذَّاهِب مِنْهُ يَاء يدلك على ذَلِك أَنَّك إِذا أخرجته إِلَى الْفِعْل قلت دميت كَمَا تَقول خشيت وَتقول فِي الْجمع دِمَاء فَاعْلَم فتهمز الْيَاء لِأَنَّهَا طرف بعد ألف زَائِدَة كَمَا تَقول رِدَاء وسقاء فَإِذا فَارَقت الْألف رجعت إِلَى أَصْلهَا فَقلت أردية وأسقية وَلما اضْطر الشَّاعِر رده إِلَى أَصله فَقَالَ

(فَلْو أنّا على حَجَرٍ ذُبِحنْا ... جرَى الدَّمَيَانِ بالخَيرِ اليَقينِ)

وَتقول فِي تَصْغِير غَد غدى لِأَن اصله غدو فَكَانَ تصغيره غديو يَا فَتى وَلَكِن الْوَاو إِذا كَانَت قبلهَا يَاء سَاكِنة قلبت يَاء وأدغمت الْيَاء فِيهَا كَمَا تَقول أَيَّام وَأَصلهَا أيوام لِأَنَّهَا جمع يَوْم وَكَذَلِكَ سيد وميت إِنَّمَا هُوَ سيود وَيَمُوت لنه من يسود وَيَمُوت وَكَذَلِكَ قيام وقيوم إِنَّمَا هُوَ قيوام وقيووم بواوين وَهَذَا يحكم فِي بَاب التَّصَرُّف وَالدَّلِيل على أَن الذَّاهِب من غَد الْوَاو أَنهم يَقُولُونَ فِيهِ غدو كَمَا يَقُولُونَ غَد قَالَ الشَّاعِر

(لَا تَقْلُوها وادْلُوها دلوَا ... إنَّ معَ اليومِ أخاهُ غَدْوا) وَقَالَ لبيد بن ربيعَة

(وَمَا الناسُ إِلَّا كَالدِيارِ وأهلُها ... بهَا يومَ حَلُّوها وغَدْواً بلاقِعِ)

وكل مَا لم نذكرهُ من هَذَا الْبَاب فَهَذَا مجازه

هَذَا بَاب مَا كَانَ من الْمُؤَنَّث على ثَلَاثَة أحرف

اعْلَم أَنه مَا كَانَ من ذَلِك لَا عَلامَة فِيهِ فَإنَّك إِذا صغرته ألحقته هَاء التَّأْنِيث الَّتِي هِيَ فِي الْوَصْل تَاء وَإِن كَانَ بهاء التَّأْنِيث ثَلَاثَة أحرف فقد ذهب مِنْهُ حرف لِأَن الْهَاء لَا يعْتد بهَا فيلزمك فِي التصغير رد ذَلِك الْحَرْف أما مَا كَانَ من ذَلِك لَا هَاء فِيهِ فنحو قَوْلك فِي دَار دويرة وَفِي نعل نعيلة وَفِي هِنْد هنيدة لَا يكون إِلَّا على ذَلِك فَأَما قَوْلهم فِي الناب من الْإِبِل نييب فَإِنَّمَا صغروه بِغَيْر هَاء لِأَنَّهَا بِهِ سميت كَمَا تَقول للْمَرْأَة مَا أَنْت إِلَّا رجيل لِأَنَّك لست تقصد إِلَى التصغير الرجل وَكَذَا قَوْلهم فِي تَصْغِير الْحَرْب حريب إِنَّمَا الْمَقْصُود الْمصدر من قَوْلك حربته حَربًا فَلَو سمينا امْرَأَة حَربًا أَو نابا لم يجز فِي تصغيرها إِلَّا حريبة ونييبة وَالْفرس يَقع للمذكر وَالْأُنْثَى فَإِن قصدت إِلَى الْمُذكر قلت فريس وَإِن قصدت إِلَى الْمُؤَنَّث قلت فريسة وَأما مَا جَاءَ على ثَلَاثَة أحرف أَحدهمَا هَاء التَّأْنِيث فنحو شاه تَقول فِي تصغيرها شويهة فَترد الْهَاء الساقطة وَالدَّلِيل على أَن الذَّاهِب مِنْهُ هَاء قَوْلك فِي الْجمع شِيَاه فَاعْلَم وَتقول فِي تحقير شفة شُفيهة لِأَن الذَّاهِب كَانَ هَاء يدلك على ذَلِك قَوْلك شافهت الرجل وشفه وشفاه فَاعْلَم وَمن ذَلِك سنة فَتَقول فِي تصغيرها سنية وسنيهة لِأَنَّهُ يجتذبها أصلان الْوَاو وَالْهَاء فَمن قَالَ سنوات واكتريته مساناة وَقَرَأَ {وأنظرْ إِلَى طَعَامكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّ وانظرْ} فوصل بِغَيْر هَاء فَهُوَ على قَول من أذهب الْوَاو فَهَذَا يَقُول سنية وَالْأَصْل سنوة لَا يجوز غَيره فِي قَوْله وَمن قَالَ {لم يتسنه وَانْظُر} وَقَالَ اكتريته مسانهة فَهَذَا يزْعم أَن الذَّاهِب الْهَاء وَلَا يجوز على قَوْله إِلَّا سُنيهة وَالْأَصْل عِنْده سنهة وَكَذَلِكَ لم يكن فِيهِ من ذَوَات الحرفين هَاء وَكَانَ مؤنثا فَأمره مثل مَا ذكرت لَك لِأَنَّك ترد الْحَرْف الذَّاهِب ثمَّ تجريه مجْرى هِنْد ودعد وَقدر وشمس لِأَنَّهُ مَا كَانَ على حرفين فَلَا بُد من رد الثَّالِث فِيهِ فَإِذا رد صَار بِمَنْزِلَة مَا كَانَ على ثَلَاثَة أحرف مِمَّا لم ينقص مِنْهُ شَيْء وَذَلِكَ قَوْلك فِي يَد يدية لِأَن الذَّاهِب كَانَ يَاء يدلك على ذَلِك قَوْلهم يديت إِلَيْهِ يدا وَكَذَلِكَ أياد وكل مَا لم نذكرهُ مِمَّا كَانَ على هَذَا الْمِثَال فَهَذَا قِيَاسه وَاعْلَم أَنَّك إِذا سميت مذكرا بمؤنث لَا عَلامَة فِيهِ إِنَّك لَا تلْحقهُ هَاء التَّأْنِيث إِذا صغرته لِأَنَّك قد نقلته إِلَى الْمُذكر وَذَلِكَ قَوْلك فِي رجل سميته هندا أَو شمسا أَو عينا عيين وشميس وهنيد فَإِن قيل فقد جَاءَ فِي الْأَسْمَاء مثل عُيَيْنَة وأذينة قيل إِنَّمَا سمى بهما الرّجلَانِ بعد أَن صغرتا وهما مؤنثتان وَالدَّلِيل على ذَلِك إِنَّك لم تسم الرجل عينا وَلَا أذنا ثمَّ تأتى بِهَذَا إِذا صغرته إِنَّمَا أول مَا سميت بِهِ عُيَيْنَة وأذينة فَهَذَا بَين جدا وَكَذَلِكَ إِن سميت امْرَأَة أَو مؤنثا غَيرهَا باسم على ثَلَاثَة أحرف مِمَّا يكون للمذكر فَلَا بُد من إِلْحَاق الْهَاء إِذا صغرتها وَذَلِكَ أَنَّك لَو سميت امْرَأَة حجرا أَو عمرا أَو عمر لم تقل فِي تصغيرها إِلَّا عميرَة وحجيرة وَلَا يكون إِلَّا ذَلِك كَمَا لم يكن فِي الْمُذكر إِلَّا مَا وصفت لَك إِذا سميته بمؤنث

هَذَا بَاب تَصْغِير مَا كَانَ من الْمُذكر على أَرْبَعَة أحرف

اعْلَم أَن تَصْغِير ذَلِك على وزن وَاحِد كَانَت فِيهِ زَوَائِد أَو كَانَت الْحُرُوف كلهَا أَصْلِيَّة اخْتلفت حركاته أَو اتّفقت كَانَت الزَّوَائِد مُلْحقَة أَو للمد واللين وَذَلِكَ قَوْلك فِي جَعْفَر جعيفر وَفِي قمطر قميطر وَفِي دِرْهَم دريهم وَفِي علبط عليبط وَفِي جلجل جليجل وَفِي زهلق زهيلق وَفِي عَجُوز عجيز وَفِي رغيف رُغيف وَفِي كتاب كتيب وَاعْلَم أَن مَا كَانَت فِيهِ الْوَاو متحركة فِي التَّكْبِير زَائِدَة مُلْحقَة أَو أَصْلِيَّة فَأَنت فِي تصغيره بِالْخِيَارِ إِن شِئْت أبدلت من الْوَاو فِي التصغير يَاء للياء الَّتِي قبلهَا وَهُوَ أَجود وأقيس وَإِن شِئْت أظهرت الْوَاو كَمَا كَانَت فِي التَّكْبِير متحركة وَذَلِكَ قَوْلك فِي أسود وَأسيد وَفِي أَحول أُحِيل فَهَذَا الْأَصْلِيّ والزائدة تَقول فِي قسور قسير وَفِي جدول جديل وَإِن شِئْت قلت فِيهِ كُله أسيود وقسيور وجديول وَإِنَّمَا استجازوا ذَلِك لما رَأَوْا التصغير وَالْجمع على منهاج وَاحِد وَكَانَ جمع هَذَا إِنَّمَا يكون قساور وجداول فَأَما الْأَولونَ فَعَلمُوا أَن الْوَاو إِنَّمَا تنْقَلب للياء الَّتِي قبلهَا وَأَن الْألف لَا يُوجد فِيهَا مثل ذَلِك وَالْوَزْن وَاحِد وَالْقلب لعِلَّة توجبه وكل قد ذهب مذهبا إِلَّا أَن الْقلب أَقيس لما ذكرت لَك فَإِن كَانَت الْوَاو سَاكِنة فِي التَّكْبِير لم يكن إِلَّا الْقلب وَذَلِكَ لِأَن مَا تحركت واوه الْوَجْه فِيهِ الْقلب وَيجوز الْإِظْهَار لتحرك الْوَاو فَلَمَّا كَانَت المتحركة الْوَجْه فِيهَا الْقلب لم يكن فِي الساكنة غَيره وَذَلِكَ قَوْلك فِي عَجُوز عجيز وَفِي عَمُود عميد وَاعْلَم أَنه إِذا كَانَت من ذَوَات الْأَرْبَعَة زَائِدَة يبلغ بهَا الْخَمْسَة فِي الْعدَد بإلحاق أَو غير إِلْحَاق فَإِن تِلْكَ الزَّائِدَة تحذف فِي التصغير إِلَّا أَن تكون واوا رَابِعَة أَو بَاء أَو ألفا فِي ذَلِك الْموضع فَإِنَّهَا لَا تحذف لِأَنَّهَا تصير على مِثَال دنينير فَإِن لم يكن ذَلِك فالحذف لَازم لِأَنَّهُ يكون على مِثَال دريهم وَذَلِكَ قَوْلك فِي سرادق سريدق لِأَن الْألف زَائِدَة وَفِي جحنفل جحيفل لِأَن النُّون زَائِدَة وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مثل ذَلِك وَأما مُعَاوِيَة فَمن بَنَات الثَّلَاثَة وسنشرح لَك أَحْكَامهَا لتقف عَلَيْهَا إِن شَاءَ الله اعْلَم أَن ذَوَات الثَّلَاثَة إِذا لحقتها زائدتان مستويتان فَأَنت فِي الْحَذف بِالْخِيَارِ أَيهمَا شِئْت حذفت فَإِن كَانَت إِحْدَاهمَا مُلْحقَة لم يجز حذفهَا وحذفت الْأُخْرَى لِأَن الملحق كالأصلي فَإِن كَانَتَا ملحقتين فَأَنت فِي حذف أَيهمَا شِئْت مُخَيّر وَإِن كَانَتَا غير ملحقتين وإحداهما للمعنى حذفت الَّتِي لَيست للمعنى وأبقيت الَّتِي الْمَعْنى من أجلهَا يعلم فَأَما مَا اسْتَوَت فِيهِ الزيادتان فقولك فِي حنبطي حبيط فَاعْلَم وَإِن شِئْت حبينط وَذَلِكَ لِأَنَّهُ من الثَّلَاثَة وَالنُّون وَالْألف فِيهِ زائدتان ملحقتان بسفرجل فَإِن حذفت النُّون قلت حبيط وَإِن حذفت الْألف قلت حبينط وَإِن عوضت فِيمَن حذف النُّون قلت حبيطي فَاعْلَم وفيمن حذف الْألف حبينيط وَكَذَلِكَ جمعه تَقول حبانط وَإِن عوضت قلت حبانيط فَإِن حذفت النُّون قلت حباط وَإِن / عوضت قلت حباطي فعلى هَذَا يجْرِي وَلَو حقرت مثل مغتسل لَقلت مغيسل وَإِن عوضت قلت مغيسيل لَا يكون إِلَّا ذَلِك لِأَن الْمِيم وَالتَّاء زائدتان وَالْمِيم للمعنى أَلا ترى أَنَّك لَو قلت مغتسل كَانَ مُؤديا للمعنى فالميم لَا تحذف فَإِذا حقرت مُعَاوِيَة فِيمَن قَالَ اسيد قلت معية وَكَانَ الأَصْل معيية وَلَكنهُمْ إِذا اجْتمعت ثَلَاث ياءات فِي بِنَاء التصغير حذفت الْيَاء المعتلة لِاجْتِمَاع الياءات وَمن قَالَ فِي اسود أسيود قَالَ فِي تَصْغِير مُعَاوِيَة معيوية لِأَنَّهُ يحذف الْألف فَيصير معيوية وَلَا تَجْتَمِع الياءات فيلزمك الْحَذف فَأَما مَا ذكرت لَك مِمَّا يحذف لِاجْتِمَاع الياءات فقولك فِي تصغيرعطاء عطى فَاعْلَم لِأَنَّك حذفت يَاء وَالْأَصْل عطيي فَصَارَ تصغيره كتصغير مَا كَانَ على ثَلَاثَة أحرف فعلى هَذَا تَقول فِي تَصْغِير أحوى أحيُّ فَاعْلَم على قَوْلك أسيد وَمن قَالَ أسيود قَالَ أحيو فَاعْلَم وَتقول فِي تَصْغِير عثول عثيل فَاعْلَم لِأَن فِيهِ زائدتين الْوَاو وَإِحْدَى اللامين وَالْوَاو أَحَق عندنَا بالطرح لِأَنَّهَا من الْحُرُوف الَّتِي تزاد وَاللَّام مضاعفة من الْأُصُول وهما جَمِيعًا للإلحاق بِمثل جردحل وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ يخْتَار عثيل وعثيول فِيمَن قَالَ أسيود وَيَقُول هِيَ مُلْحقَة وَهِي أبعد من الطّرف وَقد يجوز مَا قَالَ وَلَكِن الْمُخْتَار مَا ذكرنَا لِلْعِلَّةِ الَّتِي شرحنا وَمن عوض قَول سِيبَوَيْهٍ قَالَ عثيل وعثيويل وعَلى قَوْلنَا عثيليل فَهَذَا وَجه هَذَا وَلَو حقرت مِثَال مِفْتَاح وقنديل وشملال لم تحذف شَيْئا وَكنت قَائِلا قنيديل ومفيتيح وشميليل وَذَلِكَ لِأَنَّك كنت قَائِلا لَو عوضت فِي مثل سفرجل سفيريج فَأَنت إِذا أتيت بهَا فِيمَا لم تكن فِيهِ أَحْرَى الا تحذفها فِيمَا هِيَ فِيهِ أَو مَا تكون بَدَلا مِنْهُ وَإِنَّمَا تثبت فِي هَذَا الْموضع لِأَنَّهُ مَوضِع تلْزمهُ الكسرة وَالْيَاء إِنَّمَا هِيَ حرف لين فَدخلت بِدُخُول مَا هُوَ مِنْهَا وَهُوَ الكسرة وَكَذَلِكَ الْجمع لذوات الْأَرْبَعَة إِنَّمَا يجْرِي مجْرى تصغيره فِي كل شَيْء فيجريان فِيهِ على قِيَاس وَاحِد فِيمَا جَاوز الثَّلَاثَة

هَذَا بَاب تحقير بَنَات الْخَمْسَة

اعْلَم أَنَّك إِذا صغرت شَيْئا على خَمْسَة أحرف كلهَا أصل فَإنَّك لَا تحذف من ذَلِك إِلَّا الْحَرْف الْأَخير لِأَنَّهُ يجْرِي على مِثَال التحقير ثمَّ ترتدع عِنْده فَإِنَّمَا حذفت الَّذِي يخرج من مِثَال التحقير وَذَلِكَ قَوْلك فِي فَرجل سفيرج وَفِي شمردل شميرد وَفِي جحمرش جحيمر وَفِي جردحل جريدح وَكَذَلِكَ إِن كَانَت فِي ذَوَات الْخَمْسَة زَائِدَة حذفتها ثمَّ حذفت الْحَرْف الْأَخير من الْأُصُول حَتَّى يصير على هَذَا الْمِثَال وَذَلِكَ قَوْلك فِي عضرفوط عضيرف وَفِي عندليب عنيدل وَفِي قبعثري قبيعث والعوض فِي هَذَا كُله جَائِز وَذَلِكَ قَوْلك قبيعيث وعضيريف وَكَذَلِكَ كل مَا حذف مِنْهُ فَهَذَا قِيَاس هَذَا الْبَاب وَمن الْعَرَب من يَقُول فِي فرزدق فريزق وَلَيْسَ ذَلِك بِالْقِيَاسِ إِنَّمَا هُوَ شَبيه بالغلظ وَذَلِكَ لِأَن التَّاء من حُرُوف الزِّيَادَة وَالدَّال من موضعهَا فَلَمَّا كَانَت طرفا وَكَانَت أشبه مَا فِي الْحَرْف بحروف الزِّيَادَة حذفتها وَمن قَالَ هَذَا قَالَ فِي جمعه فرازق والجيد فرازد وفريزد لِأَن مَا كَانَ من حُرُوف الزِّيَادَة وَمَا أشبههَا إِذا وَقع اصليا فَهُوَ بِمَنْزِلَة غَيره من الْحُرُوف وَمن قَالَ فريزق لم يقل فِي جحمرش جحيرش وَإِن كَانَت الْمِيم من حُرُوف الزِّيَادَة لبعدها من الطّرف وَلكنه يَقُول فِي مثل شمردل شميرد وَإِن كَانَ هَذَا أبعد أبعد أَن اللَّام من حُرُوف الزِّيَادَة

هَذَا بَاب تَصْغِير الْأَسْمَاء المبنية من أفعالها

اعْلَم إِنَّك إِذا حقرت مَضْرُوبا قلت مضيريب لاتحذف مِنْهُ شَيْئا لِأَن الْوَاو رَابِعَة وَقد تقدم القَوْل فِي هَذَا وَإنَّك لست تحذف إِلَّا مُضْطَرّا فَإِن حقرت مدحرجا أَو مدحرجا قلت دحيرج لِأَن الْمِيم زَائِدَة وَلَيْسَ هَا هُنَا من حروفا الزِّيَادَة غَيرهَا فَإِن حقرت مثل منطلق قلت مطيلق تحذف النُّون وَلَا تحذف الْمِيم وَإِن كَانَتَا زائدتين لِأَن الْمِيم للمعنى أَلا ترى انك إِذا جَاوَزت الثَّلَاثَة أدخلت الْمِيم على كل فَاعل ومفعول وَتدْخل على الْمَفْعُول من الثَّلَاثَة وَاسم الزَّمَان وَالْمَكَان والمصدر كَقَوْلِك سرت مسيرًا وأدخلته مدخلًا كَرِيمًا وَهَذَا مضرب زيد ومدخل زيد فَإِن حقرت مثل مقتدر قلت مقيدر تحذف التَّاء من مفتعل كَمَا حذفت النُّون من منفعل لِأَن الْعدة قد خرجت على مِثَال التصغير فَلَا بُد من حذف الزِّيَادَة والعوض فِي جَمِيع هَذَا جَائِز لِأَنَّك قد حذفت مِنْهُ تَقول فِي منطلق إِذا عوضت مطيليق وَفِي مقتدر مقيدير فَإِن حقرت مثل مقَاتل قلت مقيتل تحذف الْألف وَإِن عوضت قلت مقيتيل فَإِن حقرت مثل مستضرب قلت مضيرب ومضيريب تحذف التَّاء وَالسِّين وَلَا تحذف الْمِيم لما ذكرت لَك وَكَذَلِكَ مَا كَانَ من مفعوعل مثل مغدودن تحذف الْوَاو وَإِحْدَى الدالين فَتَقول مغيدن ومغيدين وَلَا تحذف الْمِيم لِأَنَّهَا للمعنى وكل مَا كَانَ على شَيْء من الْأَبْنِيَة فَهَذَا قِيَاسه وَتقول فِي مثل محمر محيمر تحذف إِحْدَى الراءين كَذَلِك تَقول فِي تَصْغِير محمار محيمير تحذف إِحْدَى الراءين وَلَا تحذف الْألف لِأَنَّهَا رَابِعَة وَلَو حذفتها لم يكن بُد من حذف إِحْدَى الراءين ليَكُون على مِثَال التصغير وَالْجمع على ذَلِك تَقول محامر فِي محمر ومحامير فِي محمار تَقول فِي مثل مُقْشَعِر قشيعر وقشيعير إِن عوضت تحذف الْمِيم وَإِحْدَى الراءين لِأَن الْحَرْف يبْقى على أَرْبَعَة فَلَو حذفت غير الْمِيم كنت حاذفا من الأَصْل تَارِكًا الزِّيَادَة فَتخرج إِلَى مِثَال تَصْغِير مدحرج وَكَذَلِكَ مطمئن تَقول طميئن وطميئين إِن عوضت وَتقول فِي مِثَال محرنجم حريجم وحريجيم إِن عوضت فتحذف الْمِيم وَالنُّون لِأَنَّهُمَا زائدتان وَلَا تَجِد من ذَلِك بدا لِأَنَّهُ يبْقى على أَرْبَعَة أحرف وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ يَقُول فِي تَصْغِير مقعنسس مقيعس ومقيعيس وَلَيْسَ الْقيَاس عِنْدِي مَا قَالَ لِأَن السِّين فِي مقعنسس مُلْحقَة والملحق كالأصلي وَالْمِيم غير مُلْحقَة فَالْقِيَاس قعيسس وقعيسيس حَتَّى يكون مثل حريجم وحريجيم

هَذَا بَاب مالحقته زائدتان إِحْدَاهمَا مُلْحقَة وَالْأُخْرَى غير مُلْحقَة وَذَلِكَ قَوْلك ثَمَان ويمان

اعْلَم انك إِذا حقرت ثَمَانِيَة وَعَلَانِيَة فَإِن أَقيس ذَلِك أجوده أَن تَقول ثمينية وعلينية وَذَلِكَ لِأَن الْيَاء فيهمَا مُلْحقَة وَاقعَة فِي موقع المتحرك وَالْألف غير مُلْحقَة وَلَا يَقع فِي موضعهَا إِلَّا حرف مد فَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَة ألف عذافرة وَالْيَاء بِمَنْزِلَة المراء فَلَمَّا لم يجز فِي عذافرة إِلَّا عذيفرة فَكَذَلِك يجب فِيمَا ذكرت لَك وَقد أَجَازُوا ثمينة وعلينة وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُمَا زائدتان وَقَالُوا الأولى وَإِن لم تكن مُلْحقَة فَهِيَ بعيدَة من الطّرف وَهُوَ وَجه رَدِيء كَمَا أَن قلنسوة لما كَانَت فِي وزن قمحدوة كَانَت النُّون بحذاء الْأَصْلِيّ وَالْوَاو بحذاء الْوَاو الزَّائِدَة فَكَانَ قلينسة أَقيس من قليسية فَهَذَا مجْرى هَذَا وَاعْلَم أَنه كل مَا كَانَت فِيهِ زائدتان إِذا حذفت إِحْدَاهمَا ثبتَتْ الْأُخْرَى لم تحذف غَيرهَا وَذَلِكَ نَحْو عيضمور وعيطموس تَقول إِذا حقرت عضيمير وعطيميس لِأَنَّك لَو حذفت الْوَاو لاحتجت أَن تحذف الْيَاء ليَكُون على مِثَال التصغير وَأَنت إِذا حذفت الْيَاء وَحدهَا لم تحتج إِلَى حذف الْوَاو لِأَنَّهَا تقع رَابِعَة فَيصير تحقيره مثل تحقير سرحوب وقنديل فَكلما قل من الْحَذف لم يصلح غَيره أَلا ترى انك لَو جمعت لم تقل إِلَّا عطاميس وعضاميز وسراحيب فعلى هَذَا فأجر هَذَا الْبَاب

هَذَا بَاب مَا يحقر على مِثَال جمعه على الْقيَاس لَا على الْمُسْتَعْمل

وَذَلِكَ قَوْلك فِي تحقير دانق دوينق وطابق طويبق وَخَاتم خويتم وَلَا تلْتَفت إِلَى قَوْلهم خَوَاتِيم ودوانيق وطوابيق لِأَن الْجمع على الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ دوانق وخواتم وطوابق كَمَا تَقول فِي تابل توابل وَفِي فَارس فوارس وعَلى هَذَا قَالَ الشَّاعِر

(وَتَتْرُكُ أموالٌ عَلَيْهَا الخَواتِمُ ... )

فَأَما دوانيق فَإِن الْيَاء زيدت للمد فِي تكسيره كَمَا تزاد حُرُوف الْمَدّ فِي الْوَاحِد وَكَذَلِكَ طوابيق فَأَما خَوَاتِيم فَإِنَّهُ على قِيَاس من قَالَ خاتام كَمَا قَالَ الشَّاعِر

(أعَزَّ ذاتَ المِئزَرِ المُشَنَقِ ... أخّذْتِ خَاتَامِي بِغَيرِ حَقِّ)

فَإِذا احْتَاجَ شَاعِر إِلَى زِيَادَة حرف الْمَدّ فِي هَذَا الضَّرْب من الْجمع جَازَ لَهُ للُزُوم الكسرة ذَلِك الْموضع وَإِنَّمَا الكسرة من الْيَاء قَالَ الشَّاعِر

(تَنْفي يَداها الحَصَى فِي كلِّ هاجِرة ... نَفْيَ الدارهِيمِ تنقادُ الصياريفِ)

هَذَا بَاب مَا كَانَ على أَرْبَعَة أحرف مِمَّا آخِره حرف تَأْنِيث

اعْلَم أَنه مَا كَانَ من ذَلِك فَإِن ثالثه يتْرك مَفْتُوحًا لِئَلَّا تنْقَلب ألف التَّأْنِيث وَذَلِكَ قَوْلك فِي حُبْلَى حبيلى لِأَنَّهُ لَو قيل فِيهَا كَمَا قيل فِي جَعْفَر جعيفر لَصَارَتْ الْألف يَاء فَذَهَبت عَلامَة التَّأْنِيث وَكَذَلِكَ تَقول فِي دفلى دفيلى وَفِي دنيا دنَيّا فَإِن كَانَت الْألف زَائِدَة لغير التَّأْنِيث انْكَسَرَ مَا قبلهَا وانقلبت يَاء وَذَلِكَ قَوْلك فِي أرطى أريط لِأَن أرطى مُلْحق بِجَعْفَر وَلَيْسَت أَلفه للتأنيث أَلا ترى أَنَّك تَقول فِي الْوَاحِدَة أَرْطَاة فَلَو كَانَت ألف للتأنيث لم تدخل عَلَيْهَا هَاء التَّأْنِيث لِأَنَّهُ لَا يدْخل تَأْنِيث على تَأْنِيث وَتقول فِي معزى معيز فَاعْلَم وَهَكَذَا كل مَا كَانَت أَلفه للتأنيث فَأَما الْهَاء فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَة اسْم ضم إِلَى اسْم أَلا ترى أَنَّهَا تدخل على الْمُذكر فَلَا تغير بناءه فَإِنَّمَا الْبَاب فِيهَا أَن يصغر الِاسْم من أَي بَاب كَانَ على مَا يجب فِي مثله ثمَّ تَأتي بهَا وَذَلِكَ قَوْلك فِي حمدة حميدة وَفِي نَخْلَة نخيلة وَفِي قسورة قسيرة وَمن قَالَ فِي أسود أسيود قَالَ قسيورة وَفِي هلباجة هليبجة لِأَنَّك لَو صغرت هلباجا لقت هليبيج فَلم تحذف مِنْهُ شَيْئا فَإِنَّمَا يجْرِي على الصَّدْر مَا يجْرِي عَلَيْهِ ثمَّ تَأتي بِالْهَاءِ وَتقول فِي تَصْغِير سفرجلة سفيرجة لِأَنَّك كنت قَائِلا فِي سفرجل سفيرج فَهَذَا حكم الْألف وَالْهَاء فَأَما مالحقته أَلفَانِ للتأنيث فَإنَّك قَائِل فِيهِ مَا قلت فِي الْهَاء لَا مَا قلت فِي الْألف الْمَقْصُورَة وسنبين ذَلِك إِن شَاءَ الله تَقول فِي حَمْرَاء حميراء يَا فَتى لِأَن الآخر متحرك فَهُوَ كالهاء وَتقول فِي خنفساء خنيفساء يَا فَتى لِأَنَّك كنت تَقول فِي خنفس خنيفس فَإِنَّمَا تسلم الصَّدْر ثمَّ تَأتي بالألفين وَتقول فِي معيوراء معييراء تسلم الصَّدْر على مَا ذكرت لَك لِأَن الْأَلفَيْنِ يجريان مجْرى الْهَاء فَأَما الْألف الْمَقْصُورَة فَإِنَّهَا فِي الِاسْم كبعضه وَقد ذكرتها لَك رَابِعَة بِحَيْثُ لَا يحذف من التصغير شَيْء وسأذكرها خَامِسَة وسادسة اعْلَم انك إِذا صغرت شَيْئا فِيهِ الْألف الْمَقْصُورَة وَهُوَ على خَمْسَة أحرف بهَا أَو أَكثر من ذَلِك فَإنَّك نحذفها كَمَا تحذف الْحَرْف الْخَامِس وَمَا بعده من الأَصْل والزوائد تَقول فِي قرقري قريقر لِأَنَّك حقرت قرقرا فَانْتهى التحقير وَهَذِه الْألف زَائِدَة وَلم تكن لتَكون بأقوى من لَام سفرجل وَمَا أشبههَا من الْأُصُول وَلم تكن متحركة فَتَصِير كاسم ضم إِلَى اسْم بِمَنْزِلَة الْهَاء وَالْألف الممدودة فألف قرقري للتأنيث وَهِي محذوفة لما ذكرت لَك فَإِن قلت فِي مثل حبركي وألفه مُلْحقَة بسفرجل قلت حبيرك لما ذكرت لَك وَإِن عوضت قلت جبيريك وقريقير وَإِن كَانَت مَعَ الْألف زَائِدَة غَيرهَا حذفت أَيَّتهمَا شِئْت وَذَلِكَ قَوْلك فِي حباري حبيري وَهُوَ أَقيس لِأَن الْألف الأولى من حباري زَائِدَة لغير معنى إِلَّا للمد ألف حباري الْأَخِيرَة للتأنيث فَلِأَن تبقى الَّتِي للمعنى أَقيس وَقد قَالُوا جُبَير فحذفوا الْأَخِيرَة لِأَنَّهُمَا زائدتان وَمَا دون الطّرف أقوى مِمَّا كَانَ طرفا وَكَانَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء يَقُول فِي تصغيرها حبيرة فيحذفها ويبدل مِنْهَا هَاء التَّأْنِيث لتَكون فِي الِاسْم عَلامَة تَأْنِيث وَيفْعل ذَلِك بِكُل مَا فِيهِ ألف التَّأْنِيث خَامِسَة فَصَاعِدا وَيَقُول لم يجز اثباتها لِأَنَّهَا سَاكِنة فَإِذا حذفتها لم أخل الِاسْم من عَلامَة تَأْنِيث ثَابِتَة وَمن قَالَ فِي حباري حبيرة قَالَ فِي تحقير لغيزى لغيغيزة على مَذْهَب أبي عَمْرو وَقَول جَمِيع النَّحْوِيين يثبتون الْيَاء فِي لغيري لأَنهم لَو حذفوها لاحتاجوا مَعهَا إِلَى حذف الْألف وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَاعْلَم أَن يَاء لغيزي لَيست بياء التحقير لِأَن يَاء التحقير لَا تكون إِلَّا ثَالِثَة وَهَذِه رَابِعَة كَمَا أَن الْألف فِي حباري لَا تكون للْجمع لِأَن الْجمع من هَذَا الحيز لَا يكون إِلَّا مَفْتُوح الأول وَلَا تكون أَلفه إِلَّا ثَالِثَة فِي مَوضِع يَاء التصغير وَاعْلَم أَن سِيبَوَيْهٍ يَقُول فِي تحقير بروكاء وبركاء وخرسان بريكاء وخريسان فيحذف ألف خُرَاسَان الأولى وواو بروكاء كَمَا يحذف ألف مبارك وَلَيْسَ هَذَا بصواب وَلَا قِيَاس إِنَّمَا الْقيَاس أَلا يحذف شَيْئا لِأَنَّك لست تجْعَل ألفى التَّأْنِيث وَلَا الْألف النُّون بِمَنْزِلَة مَا هُوَ فِي الِاسْم وَنحن ذاكرون احتجاجه والاحتجاج عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله حجَّته انه يَقُول إِذا وَقعت الْألف ثَالِثَة فِي مَوضِع ألف مبارك حذفت لِكَثْرَة الْعدَد وَذَلِكَ أَن الْألف وَالنُّون ليستا مِمَّا يجوز حذفه وهما كهاء التَّأْنِيث فِي اللُّزُوم وليستا بمنزلتهما فِي أَنَّهُمَا كاسم ضم إِلَى اسْم فتحقر الصَّدْر وتترك مَا بعده ولكنهما بِمَنْزِلَة مَا هُوَ من الِاسْم فَيُقَال لَهُ إِن كَانَتَا بِمَنْزِلَة مَا هُوَ من الِاسْم وَجب عَلَيْك أَلا تحقر ماهما فِيهِ إِذا كَانَ على سِتَّة أحرف بهما وَإِن كَانَتَا بِمَنْزِلَة شَيْء ضم إِلَى الصَّدْر وَجب أَن يحقر مَا قبلهمَا كَمَا تفعل ذَلِك بِمَا قبل الْهَاء ثمَّ تَأتي بهما كَمَا تَأتي بِالِاسْمِ الْأَخير بعد الأول فِي مثل حَضرمَوْت ومعد يكرب وَكَذَلِكَ حكم ألف التَّأْنِيث وياء النّسَب كهاء التَّأْنِيث أَلا ترى أَنَّك تَقول فِي زعفران زُعيفران فَلَو كَانَت الْألف وَالنُّون كاللام فِي سفرجل لَكَانَ هَذَا التحقير محالا وَلَكِنَّك تَقول فِي خنفساء خنيفساء وَفِي مدائني مديئني فَإِنَّمَا حق هَذَا مَا ذكرت لَك أَلا ترى أَن مَا قبل الْألف وَالنُّون فِي التحقير إِذا لم يكن مُلْحق الْجمع مَفْتُوح وَمَا قبل ألفي التَّأْنِيث لَا يكون إِلَّا مَفْتُوحًا كَمَا يكون مَا قبل الْهَاء فَهَذَا بَين جدا وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ يَقُول فِي تحقير جدارين إِذا أردْت التَّثْنِيَة جديران فيحقر جدارا ثمَّ يلْحق الْألف وَالنُّون فَإِذا سمى بهَا رجل لم يقل إِلَّا جديران على مَا ذكرت لَك وَهَذَا نقص لجَمِيع أُصُوله وَيَقُول فِي تَصْغِير دجاجتين اسْم رجل دجيجتان فَلَا يحذف من اجل هَاء التَّأْنِيث وَيَقُول دجَاجَة بِمَنْزِلَة دارابجرد فِي أَنه اسْم ضم إِلَى اسْم ودجاجتان بِمَنْزِلَة دَار بجردين وَالْقِيَاس فِي هَذَا كُله وَاحِد

هَذَا بَاب مالحقته الْألف وَالنُّون زائدتين

اعْلَم أَنَّك إِذا حقرت غَضْبَان وسكران وَنَحْوهمَا قلت غضيبان وسكيران وَكَذَلِكَ إِن حقرت عُثْمَان أَو عُرْيَان قلت عثيمان وعريان لِأَن حق الْألف وَالنُّون أَن يسلما على هيئتهما بعد تحقير الصَّدْر إِلَّا أَن يكون الْجمع مُلْحقًا بالأصول فتفعل ذَلِك بتصغير الْوَاحِد فَيجْرِي الْوَاحِد فِي التصغير مجْرى الْجمع فَأَما الملحق فَمثل قَوْلك سرحان تَقول فِي تصغيره سريحين لِأَنَّك تَقول فِي الْجمع سراحين وَتقول فِي سُلْطَان سليطين كَقَوْلِك فِي الْجمع سلاطين وَتقول فِي ضبعان ضبيعين كَقَوْلِك ضباعين وَكَذَلِكَ قرْبَان وَلَو كنت تَقول فِي عُثْمَان عثامين فِي الْجمع لَقلت فِي التصغير عثيمين أَلا ترى أَن فعلان الَّذِي لَهُ فعلى نَحْو عطشان وسكرن وغضبان وظمآن لَا يكون فِي جمع شَيْء مِنْهُ فعالين لِأَنَّهُ لَا يكون مُلْحقًا فَكَذَلِك جَمِيع هَذَا الْبَاب ماكان مُلْحق الْجمع وَجب فِي تَصْغِير واحده الْإِلْحَاق وَمَا كَانَ غير مُلْحق الْجمع لم يكن تصغيره إِلَّا كتصغير فعلان الَّذِي لَهُ فعلى

هَذَا بَاب مَا كَانَت فِي آخِره أَلفَانِ زائدتان لغير التَّأْنِيث وَذَلِكَ نَحْو علْبَاء وحرباء وزيزاء وَنَحْوه

اعْلَم أَنَّك لَا تَقول فِي تحقيره إِلَّا عليبى وحريبى لِأَن الْأَلفَيْنِ ليستا للتأنيث إِنَّمَا هما ملحقتان بِمثل سرداح لِأَنَّك لَا تَقول فِيهِ إِلَّا سريديح كَمَا لَا تَقول فِي شملان إِلَّا شميليل فَكَذَلِك قوباء فَاعْلَم لِأَن من قَالَ كَذَا إِنَّمَا ألحقهُ بطومار فَلَا تَقول فِي تصغيره إِلَّا قويبي كَمَا تَقول فِي تَصْغِير طومار طويمير وَلَا يجوز فِيهِ إِلَّا التَّذْكِير وَالصرْف لما ذكرت لَك وَمن قَالَ هِيَ القوباء فأنث كَانَ بِمَنْزِلَة قَوْلك عشراء ورخضاء فَلَا يكون تصغيرها على هَذَا إِلَّا قوبياء وَلَا ينْصَرف فِي معرفَة وَلَا نكرَة وَقد مضى القَوْل فِي ذَلِك فِي بَاب مَا لَا يجْرِي وَمَا لَا يجْرِي وَكَذَلِكَ غوغاء من ذكر صرف وَهُوَ عِنْده بِمَنْزِلَة القضقاض والخضخاض وَكَانَ حَده أَن يَقُول غوغاو وَلَكِنَّك همزت الْوَاو لوقوعها طرفا بعد ألف زَائِدَة فَمن قَالَ هَذَا قَالَ فِي التصغير غويغي وَصرف وَمن أنث وَجعلهَا كعوراء لم يصرف وَقَالَ فِي التصغير غويغاء فَاعْلَم

هَذَا بَاب مَا كَانَ على ثَلَاثَة أحرف مِمَّا حذف مِنْهُ حرف وَجعل مَكَانَهُ حرف

اعْلَم أَن تَصْغِير مَا كَانَ من ذَاك بِحَذْف مَا زيد فِيهِ ورد مَا ذهب مِنْهُ فَأَما مَا كَانَ فِي أَوله ألف الْوَصْل من هَذَا الْبَاب فَإِنَّهَا تسْقط مِنْهُ لعلتين إِحْدَاهمَا لتحريك مَا بعْدهَا لِأَنَّهَا إِنَّمَا دخلت لسكونه وَالْعلَّة الْأُخْرَى إِنَّهَا زَائِدَة على مَا ذكرت لَك فِي اصل الْبَاب وَذَلِكَ ابْن وَاسم واست وَاثْنَانِ وَاثْنَتَانِ وَابْنَة تَأْنِيث ابْن تَقول فِي تَصْغِير ابْن بني لِأَن الذَّاهِب مِنْهُ يَاء أَو وَاو يدلك على ذَلِك قَوْلهم أَبنَاء فَاعْلَم وَكَذَلِكَ اسْم وَأَسْمَاء تَقول فِي تصغيره سمي وَاثْنَانِ بِهَذِهِ الْمنزلَة تَقول فِي تصغيره ثنيان لِأَن الْألف وَالنُّون زائدتان للتثنية وَتقول فِي تَصْغِير ابْنة بنية وَفِي تَصْغِير است ستيهة لِأَن الذَّاهِب مِنْهُ هَاء يدلك على ذَلِك قَوْلهم أستاه فَاعْلَم فَهَذَا مجْرى هَذَا كَمَا قَالَ فِي سنة سنية وسنيهة فسنية فِيمَن قَالَ سنوات وسنيهة فِيمَن قَالَ سانهت وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَأما مَا لم تكن فِيهِ ألف الْوَصْل فنحو قَوْلك أُخْت تَقول فِي تصغيرها أخية فتحذف التَّاء وَترد الْوَاو الَّتِي كَانَت فِي قَوْلك أَخَوَات وإخوة وَأَخَوَانِ وَكَذَلِكَ بنت وهنت تَقول هنيَّة وبنية لِأَن الْمَحْذُوف من هَذِه الْوَاو لِأَنَّهُ يُقَال هنوات قَالَ الشَّاعِر

(أرى ابنْ نِزارٍ قدْ جَفاني ومَلَني ... على هَنَواتٍ كلُّها مُتَتابعُ)

وَكَذَلِكَ تَقول فِي تَصْغِير هن هنى وَقد قَالَ قوم الْمَحْذُوف مِنْهُ هَاء فَقَالُوا فِي تصغيرهن هنيَّة وَفِي تَصْغِير هنة هنيهة وهنية إِلَّا أَن جملَة هَذَا الْبَاب أَنه لَا يكون الْمَحْذُوف من الثَّلَاثَة إِلَّا حرف لين يَاء أَو وَاو أَو حرفا خَفِيفا وَهُوَ الْهَاء أَو يكون مضاعفا فتحذف مِنْهُ استثقالا كَمَا حذف هَذَا لخفائه

هَذَا بَاب مَا يصغر من الْأَمَاكِن وَمَا يمْتَنع من التصغير مِنْهَا

اعْلَم أَن أَسمَاء الْأَمَاكِن كَسَائِر الْأَسْمَاء خاصها وعامها تَقول فِي دَار دويرة كَمَا تَقول فِي هِنْد هنيدة وَكَذَلِكَ مَكَان تَقول فِيهِ مكين وَفِي بَيت بييت وبييت فَأَما الْأَسْمَاء المبهمة فنحو خلف وَدون وَفَوق تَقول خليف ذَاك ودوين ذَاك وفويق ذَاك لِأَنَّك أردْت أَن تقرب مَا بَينهمَا وتقلله فَإِن قلت هُوَ عِنْد زيد لم يجز أَن تصغر عِنْد وَذَلِكَ أَنه قد يكون خلفة بِكَثِير وبقليل وَكَذَلِكَ دونه وفوقه فَإِذا صغرتهما قللت الْمسَافَة بَينهمَا وَإِذا قلت عِنْدِي فقد بلغت إِلَى غَايَة التَّقْرِيب فَلَا معنى للتصغير وَجُمْلَة بَاب الْأَمَاكِن التَّذْكِير إِلَّا مَا خصّه التَّأْنِيث مِنْهَا نَحْو قَوْلك غرفَة وَعليَّة ومشرقة ومشربة وَكَذَلِكَ تَأْنِيث الْبناء نَحْو دَار إِنَّمَا هِيَ فِي بَابهَا بِمَنْزِلَة نَار وَقدر وشمس وَكَذَلِكَ تَقول فِي تصغيرها دويرة وَقد بيّنت لَك فِي بَاب الظروف أَن هَذِه الْمَخْصُوصَة لَا يتَعَدَّى الْفِعْل إِلَيْهَا لِأَنَّهُ لَا دَلِيل فِيهِ عَلَيْهَا فَإِنَّمَا يتَّصل بهَا كَمَا تتصل بِسَائِر الْأَسْمَاء وَذَلِكَ قَوْلك وَلَا يصلح أَن تَقول قُمْت دَار زيد وَلَا قُمْت الْمَسْجِد الْجَامِع يَا فَتى لِأَن قُمْت لَا يدل على مَكَان مَخْصُوص وَإِنَّمَا يتَعَدَّى إِلَى مَا يعتور الْأَسْمَاء فَلَا يَخْلُو مِنْهُ شَيْء أَو من بعضه نَحْو قُمْت خلف زيد وسرت أَمَام عبد الله وَقمت مَكَانا وَقد مضى تَفْسِير هَذَا فِي بَابه فالظروف إِنَّمَا هِيَ هَذِه على الْحَقِيقَة فَمَا جَاءَ مِنْهَا مؤنثا بِغَيْر عَلامَة قُدَّام ووراء وتصغيرهما قديديمة وورئية فَإِن قلت فَمَا لهاتين لحقت كل وَاحِدَة مِنْهُمَا الْهَاء وليستا من الثَّلَاثَة قيل لِأَن الْبَاب على التَّذْكِير فَلَو لم يلحقوهما الْهَاء لم يكن على تَأْنِيث وَاحِد مِنْهُمَا دَلِيل قَالَ الْقطَامِي (قُديديمةُ التَّجْرِيبِ والحٍ لمْ إنّني ... أرى غَفَلاتِ العَيشِ قَبْلَ التَجارِبِ)

وَقَالَ آخر

(يومٌ قُديديمةُ الجَوزاءِ مَسْمُومُ ... )

فَكل مَا ورد عَلَيْك من هَذِه الظروف لَيست فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث فَهُوَ على التَّذْكِير تَقول فِي تَصْغِير خلف خليف وأمام أميم كَمَا تَقول فِي قذال قذيل وكل شَيْء يجْرِي مجْرى عِنْد فَغير مصغر لما ذكرت لَك من امْتِنَاعه فِي الْمَعْنى فَكَذَلِك سوى وَسَوَاء يَا فَتى إِذا أردْت بهما معنى الْمَكَان لِأَن قَوْلك عِنْدِي رجل سواك إِنَّمَا هُوَ عِنْدِي رجل مَكَانك يحل محلك ويغني غناءك لَا يصغران لقلَّة تمكنهما فَإِن أردْت بِقَوْلِك سَوَاء الْوسط من قَوْله عز وَجل {فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيم} وكما قَالَ الشَّاعِر (يَا وَيْحَ انْصارِ النبيّ وَرَهْطهِ ... بَعْدَ المُغَيبِ فِي سَواءِ المُلْحَدِ)

صغرته فَقلت سوى فَاعْلَم تحذف الْيَاء لِاجْتِمَاع الياءات وَكَذَلِكَ إِن أردْت بِسَوَاء معنى الستواء كَقَوْلِك هَذَا دِرْهَم سَوَاء أَي تَمام صغرته كَمَا يلزمك فِي كل مُتَمَكن فَإِن قَالَ قَائِل مَا معنى قَوْلك لقلَّة تمكنها فَإِنَّمَا قلَّة تمكنها أَنَّهُمَا داخلتان فِي معنى غير تَقول عِنْدِي رجل سوى زيد أَي غير زيد وَغير لَيْسَ مِمَّا يصغر لِأَنَّك إِذا قلت جَاءَنِي غَيْرك لم تخصص وَاحِدًا من النَّاس إِنَّمَا زعمت أَنه لَيْسَ بِهِ وَلَيْسَ يجب فِيمَن كَانَ غير الْمَذْكُور أَن يكون حَقِيرًا وَلَو قلت عِنْدِي مثلك فحقرت الْمثل كَانَ جيدا لِأَنَّك إِذا حقرت الَّذِي هُوَ مثله زعمت أَنه هُوَ حقير لِأَنَّك حقرت الآخر من حَيْثُ زعمت أَنه مثله وَكَذَلِكَ تحقير شبه وَنَحْو وشبيه لِأَن الشَّيْء لَا يشيه الشَّيْء فِي جَمِيع حالاته وَإِنَّمَا يُشبههُ من حَيْثُ تشبهه بِهِ وَلَا يكون إِلَّا على مُقَدّمَة تَقول كَانَ خَالِد الْقَسرِي مثل حَاتِم الطَّائِي لم ترد الزَّمَان والقدم وَلم ترد الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَلم ترد أَن الْقَبِيلَة تَجْتَمِع عَلَيْهِمَا وَلَكِنَّك ذكرت جود خَالِد فقرنته بحاتم لما سبق لَهُ وَكَذَلِكَ لَو قلت كَانَ جرير كامرئ الْقَيْس بعد أَن تذكر الشّعْر والمرئية فِيهِ فَهَذَا دَلِيل التَّشْبِيه فَإِن قلت هَذَا مثيل هَذَا وَقد قدمت نَحوا مِمَّا ذكرنَا علم أَنَّك حقرته من حَيْثُ حقرت الْمُشبه بِهِ فبالمعنى يصلح اللَّفْظ وَيفْسد

هَذَا بَاب تحقير الظروف من الْأَزْمِنَة

وَالزَّمَان خَاصَّة وَعَامة يتَّصل بِهِ الْفِعْل وَذَلِكَ أَن العفل إِنَّمَا بني لما مضى من الزَّمَان وَلما لم يمض فَإِذا قلت ذهب علم أَن هَذَا فِيمَا مضى من الزَّمَان وَإِذا قلت سيذهب علم أَنه لما لم يَأْتِي من الزَّمَان وَإِذا قلت هُوَ يَأْكُل جَازَ أَن تَعْنِي مَا هُوَ فِيهِ وَجَاز أَن تُرِيدُ هُوَ يَأْكُل غَدا وَالْمَكَان لَا يكون فِيهِ مثل ذَلِك فالفعل يَنْقَضِي كالزمان لِأَن الزَّمَان مُرُور الْأَيَّام والليالي فالفعل على سنَنه يمْضِي بمضيه وَلَيْسَت الْأَمْكِنَة كَذَلِك إِنَّمَا هِيَ جثث ثَابِتَة تفصل بَينهَا بِالْعينِ وتعرف بَعْضهَا من بعض كَمَا تعرف زيد من عَمْرو فَكل مُتَمَكن من الزَّمَان يصغر تَقول يويم فِي تَصْغِير يَوْم وعويم فِي تَصْغِير عَام وَإِنَّمَا صغرته بِالْوَاو دون الْيَاء لِأَن أَلفه منقلبة من وَاو يدلك على ذَلِك أَعْوَام قَوْلك عاومت النَّخْلَة وَهَذَا يشْرَح فِي بَاب على حياله بِجَمِيعِ علله إِن شَاءَ الله وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ مثله يرد فِي التصغير إِلَى أَصله تَقول فِي ليل لييل فَأَما لييلية فلهَا عِلّة نذكرها فِي بَابهَا إِن شَاءَ الله وَتقول فِيمَا كَانَ علما فِي الْأَيَّام كَذَلِك فِي تَصْغِير سبت سبيت وَفِي تَصْغِير أحد أحيد فِي الِاثْنَيْنِ ثنيان لِأَن الْألف ألف وصل فَهِيَ بِمَنْزِلَة قَوْلك فِي ابْن بني وَفِي اسْم سمي وَفِي الثُّلَاثَاء ثليثاء فِي قَول سِيبَوَيْهٍ وَفِي قَوْلنَا ثليثاء لِأَنَّك إِنَّمَا صغرت ثَلَاثًا فتسلم الصَّدْر ثمَّ تَأتي بعده بألفي التَّأْنِيث وَفِي الْأَرْبَعَاء الأريبعاء وَفِي الْخَمِيس الخُميس وَفِي الْجُمُعَة جميعة وَكَذَلِكَ الشُّهُور تَقول فِي الْمحرم محيرم تحذف إِحْدَى الراءين حَتَّى تصير على مِثَال جَعْفَر فَإِن عوضت قلت محيريم وَفِي صفر صفير وَفِي ربيع رُبيع وَفِي جمادي أَنْت مُخَيّر إِن شِئْت قلت جميدي وَهِي أَجود وَإِن شِئْت قلت جميد وَتَفْسِيره كتفسير حباري وَفِي رَجَب رُجيب وَفِي شعْبَان شُعيبان وَكَذَلِكَ رَمَضَان رُميضان وَفِي شَوَّال شويويل لِأَنَّهُ فعال مثل حَمَّاد وَفِي ذِي الْقعدَة ذُوي الْقعدَة لِأَن التصغير إِنَّمَا يَقع على الِاسْم الأول أَلا ترى أَنَّك لَو صغرت غُلَام زيد لَقلت غليم زيد فَكَذَلِك هَذَا وَمَا أشبههه وَتقول فِي أَسمَاء الْأَوْقَات من اللَّيْل وَالنَّهَار كَذَلِك تَقول فِي تَصْغِير سَاعَة سويعة وَفِي غدْوَة غدية وَفِي بكرَة بكيرة وَفِي ضحوة ضحية وَفِي ضحى ضُحي وَكَذَلِكَ تَصْغِير الضحاء لِأَنَّك تحذف الْيَاء فَيصير مثل تَصْغِير ضحى كَمَا تَقول فِي تحقير عَطاء عطي وَقد مضى القَوْل فِي هَذَا وَتقول فِي عَشِيَّة عُشية فَأَما قَوْلهم عشيشية وعشيانات ومغربان وأصيلال وأُصيلان وأُصيلات ومغيربانات فنذكره فِي مَوْضِعه مَعَ ذكرنَا اللييلية والانيسيان وَمَا أشبه ذَلِك مِمَّا يُخَالف تصغيره مكبره إِن شَاءَ الله وكل مُتَمَكن من أَسمَاء الدَّهْر فتصغيره كتصغير نَظَائِره من سَائِر الْأَسْمَاء فعلى هَذَا فَأَجره أَلا ترى أَنهم قَالُوا آتِيك بعيدات بينِ وأجروه مُصَغرًا على تَصْغِير مثله

هَذَا بَاب تَصْغِير مَا كَانَ من الْجمع

اعْلَم أَنَّك إِذا صغرت جمعا على بِنَاء من أبنية أدنى الْعدَد أَقرَرت اللَّفْظ على حَاله فَإِن صغرته وَهُوَ بِنَاء للكثير رَددته إِلَى أدنى الْعدَد إِن كَانَ ذَلِك فِيهِ فَإِن لم يكن فِيهِ ادنى الْعدَد رَددته إِلَى الْوَاحِد وصغرته إِن كَانَ مذكرا آدَمِيًّا وَجمعته بِالْوَاو وَالنُّون وَإِن كَانَ من غَيرهم أَو مؤنثا مِنْهُم فبالألف وَالتَّاء وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَإِنَّمَا أعدناه لما بعده اعْلَم أَنَّك إِذا سميت رجلا بِجَمَاعَة فَإنَّك تصغر ذَلِك الِاسْم كَمَا تصغر الْوَاحِد تَقول فِي رجل اسْمه أكلب أكيليب وَكَذَلِكَ أحمرة تَقول فِيهَا أحيمرة وَفِي غلمة أغيلمة لَا يكون إِلَّا كَذَلِك فَإِن سميته بغلمان أَو غربان أَو قضبان أَو رغفان كَانَ تصغيره كتصغير غلْمَان وَنَحْوه تَقول غليمان وغريبان وقُضيبان وَلَا تَقول غريبين كَمَا تَقول فِي سرحان سريحين لِأَنَّك إِنَّمَا قلت سريحين لِقَوْلِك سراحين لِأَن سرحانا وَاحِد فِي الأَصْل فَإِن قلت فَأَنا أَقُول مصير ومُصران للْجمع ثمَّ أَقُول فِي جمع الْجمع مصارين فَكيف أَصْغَر مصرانا فَإِن مصرانا تصغيره لَا يكون إِلَّا مُصيرانا لِأَنَّهُ إِنَّمَا ألحقته الْألف وَالنُّون للْجمع فَلَا تغير عَلامَة الْجمع أَلا ترى أَنه مَا كَانَ على أَفعَال نَحْو أَبْيَات وأجمال وأقتاب لم تقل فِيهِ إِلَّا أجيمال وأقيتاب وأبيات فَإِن كَانَ جمعا لجمع قلت أَبْيَات وأبابيت كَمَا تَقول أظفار وأظافير وَلَكِن الْعلَّة فِيمَا ذكرت لَك

هَذَا بَاب مَا كَانَ على فعل من ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو نَحْو بَاب وناب وَدَار وَمَا أشبه

اعْلَم أَن هَذَا الْجمع يَنْقَلِب ياؤه وواوه ألفا لانفتاح مَا قبل كل وَاحِد مِنْهُمَا نَحْو دَار وغار وَبَاب إِلَّا أَن يَجِيء حرف على أَصله لعِلَّة مَذْكُورَة فِي بَاب التصريف نَحْو الْقود وَالصَّيْد والخونة والحوكة فَأَما مجْرى الْبَاب فعلى مَا ذكرت لَك فَإِن صغرت شَيْئا من ذَلِك أظهرت فِيهِ حرف الأَصْل وَذَلِكَ أَن يَاء التصغير نقع بعده سَاكِنة فَلَا يجوز أَن تسكنه فتجمع بَين ساكنين فَإِذا حركته عَاد إِلَى أَصله وَذَلِكَ قَوْلك فِي تحقير نَار نُوَيْرَة وَبَاب بويب يذلك على أَن الْوَاو الأَصْل قَوْلك أنوار لِأَنَّهَا من النُّور وقولك بوبت لَهُ بَابا وَكَذَلِكَ غَار تَقول غوير لِأَنَّهُ من غَار يغور فَأَما نَاب فتصغيره نييب فَإِن قلت نييب فَإِن ذَلِك يجوز فِي كل مَا كَانَ ثَانِيه يَاء فِي التصغير لِأَنَّهُ من نيبت وَكَذَلِكَ غَار تَقول فِيهِ غيير وغيير لِأَنَّهُ من غيرت ونيبت وَتقول فِي تَصْغِير تَاج تويج لِأَنَّهُ من توجت وكل مَا لم أذكرهُ لَك فَهَذَا مجْرَاه وَكَذَلِكَ سَائِر مَا كَانَ على ثَلَاثَة أحرف تَقول فِي عين عُيَيْنَة وعِيينة وَفِي شَيْء شُييء شِييء وَكَذَلِكَ كل مَا علم أَصله من هَذَا الْبَاب فَإِن لم يعلم أَصله رد إِلَى واحده فِي التَّكْبِير أَو إِلَى فعله فَإِن دَلِيله يظْهر فَإِن لم يكن مشتقا نظر هَل تقع فِيهِ الأحالة فَإِن كَانَت أَلفه ممالة فَهُوَ من الْيَاء وَإِن كَانَت منتصبة لَا يجوز فِيهَا الإمالة فَهُوَ من الْوَاو وَاعْلَم أَن كل حرف كَانَ مكسورا أَو مضموما بعده يَاء أَو وَاو فَلَيْسَ بِدَلِيل لِأَن الْوَاو الساكنة تقلبها الكسرة يَاء وَالْيَاء الساكنة تقلبها الضمة واوا فَمن ذَلِك قَوْلك ميزَان وميعاد وميقات تَقول فِي تحقيره مويزين ومويقيت ومويعيد لِأَنَّهُ من الْوَقْت والوعد وَالْوَزْن فَإِنَّمَا قلبت الْوَاو الكسرة وَمَا كَانَ منقلبا لعِلَّة ففارقته الْعلَّة فَارقه مَا أحدثته أَلا ترى أَنَّك تَقول فِي الْجمع مَوَازِين ومواعيد ومواقيت كَمَا تَقول وزنت ووعدت وَوقت وَمثل ذَلِك فِي الْيَاء مُوسر وموقن لَا يكون فِي التحقير إِلَّا بِالْيَاءِ لِأَن الْوَاو إِنَّمَا جَاءَت بهَا الضمة لِأَنَّهَا من أيقنت وأيسرت وَكَذَلِكَ مياسير ومياقين فَإِن حقرت قلت مييسر ومييقن تردها الْحَرَكَة إِلَى أَصْلهَا وَكَذَلِكَ ريح لَو حقرتها لَقلت رويحة لِأَنَّهَا من روحت وَإِنَّمَا انقلبت الْوَاو يَاء للكسرة قبلهَا وَإِنَّهَا سَاكِنة أَلا ترى أَنَّك تَقول فِي الْجمع أَرْوَاح وَكَذَلِكَ ثِيَاب وحياض تَقول فِي تصغيرها أثياب وأحياض لِأَنَّك تردها إِلَى أقل الْعدَد وَإِنَّمَا تنْقَلب الْوَاو يَاء لياء التصغير قبلهَا وَلَوْلَا يَاء التصغير لظهرت لمفارقة الكسرة إِيَّاهَا فَكنت قَائِلا أَثوَاب وأحواض وأسواط كَمَا تَقول ثوب وحوض وسوط وَكَذَلِكَ دِيمَة تحقيرها دويمة لِأَنَّهَا من دَامَ يَدُوم فَهَذَا وَجه هَذَا

هَذَا بَاب مَا كَانَت فِي الْوَاو فِيهِ ثَالِثَة فِي مَوضِع الْعين

اعْلَم أَنَّهَا إِذا كَانَت ظَاهِرَة فِي مَوضِع الْعين فَأَنت فِيهَا بِالْخِيَارِ إِن شِئْت قلبتها لياء التصغير الَّتِي تقع قبلهَا وَهُوَ الْوَجْه الْجيد فَقلت فِي أسود أسيد وَفِي أَحول أُحِيل وَفِي مقود مُقَيّد فَهَذَا الأَصْل وَأما الملحق فنحو قسور وجدول تَقول فيهمَا قسير وجديل وَذَلِكَ أَن الْيَاء الساكنة إِذا وَقعت قبل الْوَاو المتحركة قلبت الْوَاو لَهَا يَاء ثمَّ أدغمت فِيهَا وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَذَلِكَ قَوْلك ميت وَسيد وهين إِنَّمَا كن فِي الأَصْل ميوتا وسيودا وهيونا وَكَذَلِكَ قيام وقيوم إِنَّمَا هُوَ قيوام وقيووم وَكَذَلِكَ أَيَّام وَفِيمَا ذكرنَا دَلِيل على مَا يرد مِنْهُ فَإِن شِئْت قلت فِي هَذَا أجمع بِإِظْهَار الْوَاو أَي فِي بَاب أسود وجدول وقسور فَقلت أسيود وجديول وقسيور وَإِنَّمَا جَازَ لذَلِك أَن الْوَاو ظَاهِرَة حَيَّة أَي متحركة وَهِي تظهر فِي التكسير فِي قَوْلك جداول وقساور فشبهوا هَذَا التصغير بِهِ وَالْوَجْه مَا ذكرت لَك أَولا فَإِن كَانَت الْوَاو سَاكِنة أَو كَانَت مبدلة لم تظهر فِي التصغير فَأَما الساكنة فنحو وَاو عَجُوز وعمود لَا تَقول إِلَّا عجيز وعميد لِأَن الْوَاو مُدَّة وَلَيْسَت بأصلية وَلَا مُلْحقَة الا ترى أَنَّك لَو جِئْت بِالْفِعْلِ من جدول وقسور لَقلت قسورت وجدولت فَكَانَت كالأصل وَلَو قلت ذَلِك فِي عَجُوز لم يجز لِأَنَّهَا لَيست بملحقة وَأما الْأَصْلِيَّة المنقلبة فَهُوَ مقَام ومقال لاتقول فيهمَا إِلَّا مُقيم ومقيل لِأَنَّك كنت تخْتَار فِي الظَّاهِرَة المتحركة الْقلب للياء الَّتِي قبلهَا فَلم يكن فِي الساكنة والمبدلة إِلَّا مَا ذكرت لَك وَاعْلَم أَنه من قَالَ فِي أسود أسيود قَالَ فِي مُعَاوِيَة معيوية لِأَن الْوَاو فِي مَوضِع الْعين وَمن قَالَ أسيد على اخْتِيَار الْوَجْه قَالَ معية فيحذف الْيَاء الَّتِي حذفهَا فِي تَصْغِير عَطاء وَنَحْوه لِاجْتِمَاع الياءات وَمن كَانَت أروى عِنْده أفعل قَالَ فِي تصغيره أرية مثل قَوْلك أسيد وَمن قَالَ أسيود قَالَ أريوية وَمن كَانَت عِنْده فعلى لم يقل فِي أروية إِلَّا أرية لِأَن الْوَاو فِي مَوضِع اللَّام على هَذَا القَوْل وَإِلَيْهِ كَانَ يذهب الْأَخْفَش وَالْأول قَول سِيبَوَيْهٍ

هَذَا بَاب مَا كَانَت الْوَاو مِنْهُ فِي مَوضِع اللَّام

اعْلَم أَنَّهَا إِذا كَانَت فِي مَوضِع اللَّام فَلَا سَبِيل إِلَى إِقْرَارهَا على لَفظهَا لِأَنَّهُ كَانَ يخْتَار فِيهَا الْقلب وَهِي فِي مَوضِع الْعين فَلَمَّا صَارَت فِي الْموضع الَّذِي يعتل فِيهِ مَا يَصح فِي مَوضِع الْعين لم يكن فِيهَا إِلَّا الْقلب وَذَلِكَ قَوْلك فِي غَزْو غُزي وَفِي جرو جري وَفِي عُرْوَة عرية وَفِي تقوى تقيا وَفِي عرواء عرياء يَا فَتى لَا يكون إِلَّا ذَلِك وَمن قَالَ فِي أروية إِنَّهَا فعيلة قَالَ فِي أروى أريا لَيْسَ غير لِأَن أروى عِنْده على هَذَا القَوْل فعلى وَمن جعل أروى أفعل لم يقل إِلَّا أرى فَاعْلَم فيحذف يَاء لِاجْتِمَاع الياءات وَمن قَالَ فِي أسود أسيود على الْمجَاز قَالَ أريو فَاعْلَم فَهَذَا مجْرى هَذَا الْبَاب

هَذَا بَاب مَا يُسمى بِهِ من الْجَمَاعَة

اعْلَم أَنَّك إِذا سميت رجلا بمساجد ثمَّ أردْت تحقيره قلت مسيجد فحذفت الْألف الزَّائِدَة لِأَنَّك لَا تصغر شَيْئا على خَمْسَة أحرف فَإِن عوضت قلت مسيجيد فَإِن سميت بمفاتيح قلت مفيتيح فتحذف الزَّائِدَة الثَّالِثَة وتقر الْيَاء لِأَنَّهَا رَابِعَة فِي الِاسْم فَإِن سميت قبائل أَو رسائل قلت قبيئل ورسيئل فِي قَول جَمِيع النَّحْوِيين إِلَّا يُونُس ابْن حبيب فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول قبيل ورسيل وَذَلِكَ رَدِيء فِي الْقيَاس أما النحويون فأقروا الْهمزَة وحذفوا الْألف لِأَن الْهمزَة متحركة وَالْألف سَاكِنة والمتحرك حرف حَيّ وَهُوَ فِي مَوَاضِع الملحقة بالأصول أَلا ترى أَن الْهمزَة من قبائل فِي مَوضِع الْفَاء من عذافير وَالْألف لَا تقع من هَذَا الْبناء فِي موضعهَا إِلَّا زَائِدَة فَكَانَت أَحَق بالحذف وَأما يُونُس فَكَانَ يَقُول لما كَانَتَا زائدتين كَانَت الَّتِي هِيَ اقْربْ إِلَى الطّرف أولى بالحذف وَلَيْسَ هَذَا القَوْل بِشَيْء لما ذكرت لَك فَأَما تحقير هَذَا الضَّرْب وَهُوَ الْجمع فَلَا يجوز فِيهِ إِلَّا قبيلات ورسيلات لِأَنَّك إِنَّمَا حقرت الْوَاحِد نَحْو قَبيلَة ورسالة ثمَّ جمعته جمع أدنى الْعدَد وَقد مضى القَوْل فِي هَذَا

هَذَا بَاب تحقير الْأَسْمَاء المبهمة

اعْلَم أَن هَذِه الْأَسْمَاء مُخَالفَة لغَيْرهَا فِي مَعْنَاهَا وَكثير من لَفظهَا وَقد تقدم قَوْلنَا فِيهَا وَإِنَّمَا نذْكر مِنْهُ بَعْضًا اسْتغْنَاء بِمَا مضى فَمن مخالفتها فِي الْمَعْنى وُقُوعهَا على كل مَا أَوْمَأت إِلَيْهِ وَأما مخالفتها فِي اللَّفْظ فَأن يكون الِاسْم مِنْهَا على حرفين أَحدهمَا حرف لين نَحْو ذَا وتا فَإِذا صغرت هَذِه الْأَسْمَاء خُولِفَ بهَا جِهَة التصغير فَتركت اوائلها على حَالهَا وألحقت يَاء التصغير لِأَنَّهَا عَلامَة فَلَا يعري المصغر مِنْهَا وَلَو عري مِنْهَا لم يكن على التصغير دَلِيل وألحقت ألف فِي آخرهَا تدل على مَا كَانَت تدل عَلَيْهِ الضمة فِي غير المبهمة أَلا ترى أَن كل اسْم تصغره من غير المبهمة تضم أَوله نَحْو فَلَيْسَ ودريهم ودنينير وَذَلِكَ قَوْلك فِي تَصْغِير ذَا ذيا فَإِن ألحقت التَّنْبِيه قلت هاذيا وَفِي تَصْغِير ذَاك ذياك فَإِن ألحقت التَّنْبِيه فَقلت هاذاك قلت هاذياك فَإِن قَالَ قَائِل مَا بَال يَاء التصغير لحقت ثَانِيَة وَإِنَّمَا حَقّهَا أَن تلْحق ثَالِثَة قيل إِنَّمَا لحقت ثَالِثَة وَلَكِنَّك حذفت يَاء لِاجْتِمَاع الياءات فَصَارَت يَاء التصغير ثَانِيَة وَكَانَ الأَصْل ذييا إِذا قلت ذَا فالألف بدل من يَاء وَلَا يكون اسْم على حرفين فِي الأَصْل فقد ذهبت يَاء أُخْرَى فَإِن حقرت ذه أَو ذِي قلت تيا وَإِنَّمَا مَنعك أَن تَقول ذيا كَرَاهَة التباس الْمُذكر بالمؤنث فَقلت تيا لِأَنَّك تَقول تا فِي معنى ذه وتي كَمَا تَقول ذِي فصغرت تا لِئَلَّا يَقع لبس فاستغنيت بِهِ عَن تَصْغِير ذه أَو ذِي على لَفظهَا قَالَ الشَّاعِر

(وخَبّرتُماني أَنما المَوْتَ بالقُرى ... فكيفَ وهاتا هَضْبَةٌ وقَلِيبُ)

ويروي رَوْضَة وكثيب أَي وَهَذِه وَقَالَ عمرَان بن حطَّان

(ولَيسَ لعيشِنا هَذَا مَهاهٌ ... وليستْ دارُنا هاتا بدارِ)

فَإِن حقرت ذَاك قلت ذياك فَإِن حقرت ذَلِك قلت ذيالك وَإِن حقرت أُولَئِكَ قلت أوليائك وَإِن حقرت أولى الْمَقْصُور قلت أوليا يَا فَتى وَإِن حقرت هَؤُلَاءِ الْمَمْدُود قلت هاؤليائك وَإِن حقرت هَؤُلَاءِ الْمَقْصُور قلت هاؤليا يَا فَتى وَإِنَّمَا زِدْت الْألف قبل آخرهَا لِئَلَّا يتَحَوَّل الْمَمْدُود عَن لَفظه فقلبوا لذَلِك وَكَانَ حَقِيقَتهَا هؤلييا لِأَن ألاء فِي وزن غراب وتحقير غراب غَرِيب وتحقير أولى لَو كَانَ غير مُبْهَم أولى فَاعْلَم فَإِن زِدْت الْألف أَوْلِيَاء وَتقول فِي تحقير الَّذِي اللذيا وَفِي تحقير الَّتِي اللتيا قَالَ الشَّاعِر

(بعدَ اللَّتَيا والَّتليا وَالَّتِي ... إِذا علَّتها أنْفُسٌ تَرَدَتِ) وَلَو حقرت اللَّاتِي لقت فِي قَول سِيبَوَيْهٍ اللُّتيات تَصْغِير الَّتِي وتجمعها كَمَا تفعل بِالْجمعِ من غير الْمُبْهم الَّذِي يحقر واحده وَكَانَ الْأَخْفَش يَقُول اللويا لِأَنَّهُ لَيْسَ جمع الَّتِي على لَفظهَا فَإِنَّمَا هُوَ اسْم للْجمع كَقَوْلِك قوم وَنَفر وَهَذَا هُوَ الْقيَاس وَاعْلَم أَنَّك إِذا ثنيت أَو جمعت شَيْئا من هَذِه الْأَسْمَاء لم تلْحقهُ ألفا فِي آخِره من أجل الزِّيَادَة الَّتِي لحقته وَذَلِكَ قَوْلك فِي تَصْغِير اللَّذَان اللذيان وَفِي الَّذين اللذيين وَمن قَالَ اللذون قَالَ اللذيون وَكَانَ الْأَخْفَش يَقُول اللذيين يذهب إِلَى أَن الزِّيَادَة كَانَت فِي الْوَاحِد ثمَّ ذهبت لما جَاءَت يَاء الْجمع لالتقاء الساكنين فَيَجْعَلهُ بِمَنْزِلَة مصطفين وَلَيْسَ هَذَا القَوْل بمرضي لِأَن زِيَادَة التَّثْنِيَة وَالْجمع مُلْحقَة وَاعْلَم أَن من وَمَا وأيا لَا يحقرون كَمَا لَا تحقر الْحُرُوف الَّتِي دخلن عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ كم وَكَيف وَأَيْنَ لَا يحقرن لما ذكرت لَك وَكَذَلِكَ مَتى وَهن كُلهنَّ أَسمَاء وكلٌّ لَا يحقر لِأَنَّهُ عُمُوم فَلَيْسَ للتحقير فِيهِ معنى لِأَن كلاًّ إِنَّمَا أَكثر بِهِ وَكَذَلِكَ كِلا وكل مَا كَانَ من هَذَا النَّحْو مِمَّا لم نذكرهُ فَهَذِهِ سَبيله فَأَجره على هَذَا الْبَاب

هَذَا بَاب أَسمَاء الْجمع الَّتِي لَيْسَ لَهَا وَاحِد من لَفظهَا

اعْلَم أَن مجْراهَا فِي التحقير مجْرى الْوَاحِد لِأَنَّهَا وضعت أَسمَاء كل اسْم مِنْهَا لجَماعَة كَمَا أَنَّك إِذا قلت جمَاعَة فَإِنَّمَا هُوَ اسْم مُفْرد وَإِن كَانَ الْمُسَمّى بِهِ جمعا وَكَذَلِكَ لَو سميت رجلا بمسلمين لَكَانَ اسْما مجموعا وَإِن وَقع على وَاحِد كَمَا قَالُوا كلاب بن ربيعَة والضباب بن كلاب وَكَذَلِكَ أَنْمَار وَكَذَلِكَ يحابر إِنَّمَا هُوَ جمع اليحبور وَهُوَ طَائِر وَتلك الْأَسْمَاء نفر وَقوم ورهط وَبشر تَقول بشير وقويم ورهيط فَإِن كَانَ اسْما لجمع غير الْآدَمِيّين لم يكن إِلَّا مؤنثا وَقد مَضَت الْعلَّة فِي ذَلِك وَذَلِكَ قَوْلك غنم وإبل تَقول غنيمَة وأبيلة وَكَذَلِكَ نسْوَة تَقول نسية لِأَن نسْوَة من امْرَأَة بِمَنْزِلَة نفر من رجل فعلى هَذَا فأجر هَذَا الْبَاب

هَذَا بَاب التصغير الَّذِي يُسَمِّيه النَّحْوِيين تَصْغِير التَّرْخِيم

وَهُوَ أَن تصغر الِاسْم على حذف الزَّوَائِد الَّتِي فِيهِ فَإِن لم تكن فِيهِ زَائِدَة صغرته بِكَمَالِهِ وَذَلِكَ قَوْلك فِي حَارِث حُرَيْث وَفِي مُحَمَّد حميد وَكَذَلِكَ أَحْمد وَفِي تَصْغِير سرحوب سريحب لِأَن الْوَاو فِيهِ زَائِدَة وَكَذَلِكَ لَو حقرت عجوزا لَقلت عجيزة لِأَنَّك إِذا حذفت الْوَاو بقيت على ثَلَاثَة أحرف فسميت بهَا الْمُؤَنَّث والمؤنث إِذا كَانَ اسْما علما على ثَلَاثَة أحرف لحقته الْهَاء فِي التصغير كَمَا ذكرت لَك وَذَلِكَ قَوْلك فِي هِنْد هنيدة وَفِي شمس شميسة فَأن لم تسم بِعَجُوزٍ وتركتها نعتا قلت عجيز كَمَا تَقول فِي خلق إِذا نعت بِهِ الْمُؤَنَّث خُليق تمّ التصغير

هَذَا بَاب الْحُرُوف الَّتِي تكون استفهاما وخبرا وسنذكرها مفسرة فِي أَبْوَابهَا إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب أيّ مُضَافَة ومفردة فِي الِاسْتِفْهَام

اعْلَم أَن أيا تقع على شَيْء هِيَ بعضه لَا تكون إِلَّا على ذَلِك فِي الِاسْتِفْهَام وَذَلِكَ قَوْلك أَي إخْوَتك زيد فقد علمت أَن زيدا أَحدهَا وَلم تدر أَيهمَا هُوَ وَتقول أَي زيد أحسن فَيكون الْجَواب رَأسه أم رجله أم يَده وَمَا أشبه ذَلِك وَاعْلَم أَن مَا وَقعت عَلَيْهِ أَي فتفسيره بِأَلف الِاسْتِفْهَام وَأم لَا تكون إِلَّا على ذَلِك لِأَنَّك إِذا قلت أَزِيد فِي الدَّار أم عَمْرو فعبارته أَيهمَا فِي الدَّار وَلَو قلت هَل زيد منطلق أَو من زيد أَو مَا زيد لم يكن لأي هَا هُنَا مدْخل فَأَي وَاقعَة على كل جمَاعَة مِمَّا كَانَت إِذا كَانَت أَي بَعْضًا لَهَا وَاعْلَم أَن حُرُوف الِاسْتِفْهَام مُخْتَلفَة الْمعَانِي مستوية فِي الْمَسْأَلَة وَسَنذكر من مسَائِل أَي مَا يُوضح لَك جملَته إِن شَاءَ الله تَقول أَي أَصْحَابك زيد ضربه فالتقدير أَي أَصْحَابك وَاحِد ضربه زيد لِأَن قَوْلك زيد ضربه فِي مَوضِع النَّعْت وَإِن شِئْت كَانَ قَوْلك زيد ضربه خبر لأي وَهُوَ أوضح وَأحسن فِي الْعَرَبيَّة وَلَو قلت أَي الرجلَيْن هِنْد ضاربها أَبوهَا لم يكن كلَاما لِأَن أيا ابْتِدَاء وَلم تأت لَهُ بِخَبَر فَإِن قلت هِنْد ضاربها أَبوهَا فِي مَوضِع خَبره لم يجز لِأَن الْخَبَر إِذا كَانَ غير الِابْتِدَاء فَلَا بُد من رَاجع إِلَيْهِ وَلَو قلت أَي من فِي الدَّار يأتنا نأته كَانَ جيدا كَأَنَّك قلت أَي الْقَوْم إِن يأتينا نأته لِأَن من تكون جمعا على لفظ الْوَاحِد وَكَذَلِكَ الِاثْنَان قَالَ الله عز وَجل {وَمِنْهُم من يستمع إِلَيْك} وَقَالَ {وَمِنْهُم من يَسْتَمِعُون إِلَيْك} وَقَالَ {وَمِنْهُم من يُؤمن بِهِ} فَحمل على اللَّفْظ وَقَالَ {بلَى من أسلم وَجهه لله وَهُوَ محسن فَلهُ أجره عِنْد ربه وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} فَحل مرّة على اللَّفْظ وَمرَّة على الْمَعْنى وَقَالَ الشَّاعِر فَحمل على الْمَعْنى

(تَعَشَّ فإنْ عَاهَدتَني لاتَخونُني ... نَكُنْ مِثْلَ من يَا ذِئبُ يَصَطحِبانَ)

فَهَذَا مجَاز هَذِه الْحُرُوف فَأَما من فَأَنَّهُ لَا يَعْنِي بهَا فِي خبر وَلَا اسْتِفْهَام وَلَا جَزَاء إِلَّا مَا يعقل لَا تَقول فِي جَوَاب من عنْدك فرس وَلَا مَتَاع إِنَّمَا تَقول زيد أَو هِنْد قَالَ الله عز وَجل {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه} وَقَالَ عز وَجل يَعْنِي الْمَلَائِكَة {وَمن عِنْده لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَته} وَقَالَ جلّ اسْمه {أأمنتم من فِي السَّمَاء أَن يخسف بكم الأَرْض} فَأَما مَا فَتكون لذوات غير الْآدَمِيّين ولنعوت الْآدَمِيّين إِذا قَالَ مَا عنْدك قلت فرس أَو بعير أَو مَتَاع أَو نَحْو ذَلِك وَلَا يكون جَوَابه زيد وَلَا عَمْرو وَلَكِن يجوز أَن يَقُول مَا زيد فَتَقول طَوِيل أَو قصير أَو عَاقل أَو جَاهِل فَإِن جعلت الصّفة فِي مَوضِع الْمَوْصُوف على الْعُمُوم جَازَ أَن تقع على مَا يعقل وَمن كَلَام الْعَرَب سُبْحَانَ مَا سبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَسُبْحَان مَا سخركُنَّ لنا وَقَالَ عز وَجل {وَالسَّمَاء وَمَا بناها} فَقَالَ قوم مَعْنَاهُ وَمن بناها وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا هُوَ وَالسَّمَاء وبنائها كَمَا تَقول بَلغنِي مَا صنعت أَي صنيعك لِأَن مَا إِذا وصلت بِالْفِعْلِ كَانَت مصدرا وَكَذَلِكَ قَوْله عز وَجل {إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم} قَالَ قوم مَعْنَاهُ أَو ملك أَيْمَانهم وَقَالَ آخَرُونَ بل هُوَ أَو من فَأَما أَي وَالَّذِي فعامتان تقعان على كل شَيْء على مَا شرحته لَك فِي أَي خَاصَّة

هَذَا بَاب مسَائِل أَي فِي الِاسْتِفْهَام

تَقول أَي من إِن يأتنا يَأْته عبد الله فالتقدير أَي الَّذين إِن يَأْتُونَا يَأْتهمْ عبد الله وَلَو قلت أَي من أَن يَأْتِ زيدا قَائِما يَوْم الْجُمُعَة أَخُوك لم يجز لِأَنَّك لم تأت للجزاء بِجَوَاب وَلَكِن لَو قلت أَي من أَن يَأْته من إِن يأتنا نعطه يَأْتِ صَاحبك كَانَ الْكَلَام جيدا وَكَانَت أَي مَرْفُوعَة بِالِابْتِدَاءِ وَتَأْويل هَذَا أَي الَّذين إِن يَأْتهمْ من يأتنا نعطه يَأْتِ صَاحبك فقولك يَأْتِ جَوَاب الْجَزَاء الأول وَصَاحِبك خبر الِابْتِدَاء وَتَقْدِير هَذَا بِلَا صلَة أَي الَّذين إِن يَأْتهمْ زيد يَأْتِ صَاحبك لِأَن من الثَّانِيَة وصلتها فِي مَوضِع زيد وَلَو قلت أَي من إِن يَأْته من إِن يأتك تأته تكرمه نأتي كَانَ إِعْرَاب أَي النصب وَكَانَ التَّقْدِير أَيهمْ نأتي وَاعْلَم أَن أيا مُضَافَة ومفردة فِي الِاسْتِغْنَاء والاحتياج إِلَى الصِّلَة سَوَاء لِأَن الْمَعْنى وَاحِد كَمَا أَن زيد وزيدَ مَنَاة سَوَاء فِي الاحتي 4 اج والاستغناء لِأَن الْمَعْنى التَّسْمِيَة والإبانة عَن الشخوص وَلَو قلت أَي الثَّلَاثَة صَاحبك كَانَ جيدا لِأَن الْمَعْنى أَزِيد وَعَمْرو أم عَمْرو وخَالِد أم زيد وخَالِد وَلَو قلت أَي الثَّلَاثَة ضرباها كَانَ فَاسِدا لِأَنَّك إِذا قلت ضربا لم يصلح أَن يُوصل فعلهمَا إِلَّا إِلَى وَاحِد وَإِلَّا زِدْت فِي الْعدَد وَلَو قلت أَي الثَّلَاثَة ضربا عمرا وَعَمْرو غير الثَّلَاثَة لم يكن فِي إِجَازَته شكّ فَإِن كَانَ عَمْرو أحد الثَّلَاثَة لم يجز وَذَاكَ إِن كنت تعرف عمرا لِأَنَّهُ قد خرج من الْمَسْأَلَة فَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن تَقول أَي الرجلَيْن فَإِن كنت لَا تعرف عمرا إِلَّا أَنَّك تعلم أَنه من الثَّلَاثَة فالقصة فِيهِ كالقصة فِيمَا قبله لِأَنَّك إِنَّمَا تسال عَن أحد اثْنَيْنِ وتحتاج إِلَى أَن تعرف عمرا وَلَو قلت أَي الثَّلَاثَة أَحدهمَا عَمْرو كَانَ عِنْد بعض النَّحْوِيين جَائِزا وَلَيْسَ يجوز عِنْدِي لما أشرحه لَك وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت أَي الرِّجَال أَحدهمَا عَمْرو وَالرِّجَال زيد عَمْرو وخَالِد فكأنك قلت أَهَذا وَهَذَا تَعْنِي زيدا وخالدا أم هَذَا وَهَذَا تَعْنِي عمرا وخالدا فَلَيْسَ هَذَا بَيَان لتخليص خَالِد إِذا كَانَ مَعَ عَمْرو من زيد لِأَن قصتهما فِيهِ وَاحِدَة وَلَا فِيهِ دَلِيل على عَمْرو بِعَيْنِه وَلَيْسَ معنى أَي إِلَّا التَّبْيِين وَلَا تَبْيِين فِي هَذَا وَمن أجَازه قَالَ قد وَقع فِيهِ ضرب من التَّبْيِين لأَنا نعلم أَن الثَّالِث المخلف لَيْسَ عَمْرو فَيُقَال لَهُ أَي إِنَّمَا خَبَرهَا هُوَ الْمَطْلُوب تَفْسِيره وَالَّذِي بيّنت أَنه لَيْسَ بِعَمْرو لَيْسَ مِنْهُمَا وَتقول أَي إخوانك زيد عَمْرو خَالِد يكلمهُ فِيهِ عِنْده كَمَا تَقول أَخُوك زيد عَمْرو خَالِد يكلمهُ فِيهِ عِنْده لِأَنَّهُ ابْتِدَاء بعد ابْتِدَاء وَلَو قلت أَي الَّذين فِي الدَّار هِنْد ضاربتهم جَازَ أَن تكون اقتطعت بِأَيّ جمَاعَة من جمَاعَة وَالْوَجْه ضاربته وَلَيْسَ الْحمل على الْمَعْنى بِبَعِيد بل هُوَ وَجه جيد قَالَ الله عز وَجل {وكل أَتَوْهُ داخرين} وَقَالَ {وَكلهمْ آتيه يَوْم الْقِيَامَة فَردا} فَهَذَا على اللَّفْظ وَالْأول على الْمَعْنى وَلَو قلت أَي من فِي الدَّار يكرمك كَانَ جيد لِأَن الْمَعْنى أَي الْقَوْم يكرمك وَلَو قلت أَي من فِي الدَّار يكرمك تكرمه فَإِن شِئْت جعلت يكرمك الأولى من الصِّلَة فَكَانَ الْمَعْنى أَي من يكرمك فِي الدَّار فَيكون الْإِكْرَام وَقع لَك فِي الدَّار وَإِن شِئْت كَانَ فِي الصِّلَة وَإِن شِئْت أخرجته من الصِّلَة وَجَعَلته خَبرا وَجعلت تكرمه حَالا هَذَا فِي الرّفْع وَإِن شِئْت حزمتهما وَإِن شِئْت جعلت أَي جَزَاء وَإِن شِئْت رفعت الأول وجزمت الثَّانِي وَجعلت أيا استفهاما فَأَما من فِي هَذَا الْموضع فَهِيَ بِمَنْزِلَة الَّذِي وَفِي الدَّار صلتها فكأنك قلت أَي الْقَوْم تكرمه يكرمك إِذا كَانَ جَزَاء وتكرمه يكرمك إِذا كَانَت استفهاما وَتقول أيا تضرب وَتقول أَي تضربه كَمَا تَقول زيد تضربه فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا بَال النصب لَا يخْتَار هَا هُنَا كَقَوْلِك أزيدا تضربه لِأَنَّهُ اسْتِفْهَام فَإِن الْجَواب فِي ذَلِك أَن أيا هِيَ الِاسْم وَهِي حرف اسْتِفْهَام فَلَا يكون قبلهَا ضمير وَذَلِكَ قَوْلك أزيدا ضَربته إِنَّمَا أوقعت الضَّمِير بعد ألف الِاسْتِفْهَام فنصب زيدا وَلَكِن لَو اجْتمع بعْدهَا اسْم وَفعل كَانَ الْمُخْتَار فِيهَا تَقْدِيم الْفِعْل فَإِن قدمت الِاسْم كَانَ على فعل مُضْمر وَذَلِكَ قَوْلك أَيهمْ أَخَاهُ تضربه وَلَو قلت أَيهمْ يضْرب أَخَاهُ كَانَ على قَوْلك زيدا تضربه وَلَو قلت أَيهمْ زيدا ضاربه إِذا كَانَ زيد مَفْعُولا كَانَ النصب فِي زيد الْوَجْه إِذا لم يكن ضَارب فِي معنى الْمَاضِي فَإِن رفعت على قَول من قَالَ أَزِيد أَنْت ضاربه قلت أَيهمْ زيد ضاربه هُوَ وَإِن شِئْت جعلت ضاربه خَبرا لزيد فَكَانَ هُوَ إِظْهَار الْفَاعِل لِأَن الْفِعْل جرى على غير صَاحبه وَإِن شِئْت جعلت هُوَ مقدما ومؤخرا على قَوْلك هُوَ ضاربه أَو ضاربه هُوَ كَانَ حسنا جميلا وَتقول أَيهمْ أمة الله الْمُتَكَلّم فِيهَا هُوَ لَا يكون فِي أمة الله إِلَّا الرّفْع لِأَن الْفِعْل فِي الصِّلَة فَلَا يجوز أَن تضمر إِلَّا على جِهَة مَا ظهر وَتقول أَي يَوْم سَار زيد إِلَى عَمْرو كَأَنَّك قلت أيوم الْجُمُعَة سَار زيد إِلَى عَمْرو فَإِن قلت أَي يَوْم سَار مِنْهُ زيد إِلَى عَمْرو رفعت إِلَّا فِي قَول من قَالَ يَوْم الْجُمُعَة سرت فِيهِ وَتقول أيُّ أَصْحَابك من أَن يأتنا من يضْربهُ أَخُوهُ يُكرمهُ لِأَنَّك جعلت الْجَزَاء خَبرا عَن أَي وَلَو قلت أَي من يأتني آته كَانَ محالا لِأَنَّك إِذا أضفت أيا إِلَى من لم تكن من إِلَّا بِمَنْزِلَة الَّذِي فان قلت أجعَل أيا استفهاما وَأَجْعَل من جَزَاء فقد أحلّت لِأَنَّك إِذا أضفت إِلَى الْجَزَاء اسْما دخله الْجَزَاء أَلا ترى أَنَّك تَقول غُلَام من يأتك تأته فَيصير الْجَزَاء للغلام صلَة فَإِن قلت فأجعل أيا بِمَنْزِلَة غُلَام قيل لَا يكون كَذَلِك إِلَّا أَن توصل لِأَنَّهَا إِذا لم تكن جَزَاء أَو استفهاما لم تكن إِلَّا مَوْصُولَة فَإِن قلت اجْعَلْهَا استفهاما \ قيل قد أحلّت لِأَنَّك قد جَعلتهَا جَزَاء واستفهاما فِي حَال وَمَتى كَانَت فِي إِحْدَاهمَا بَطل الآخر فَإِن قلت أرفع فَأَقُول أَي من يأتني آتيه فَذَلِك جيد لِأَنَّك جعلت يأتيني صلَة وآتيه خَبرا وأيا استفهاما فكأنك قلت أَي الْقَوْم آتيه وَلَو فصلت أيا من مَنْ لجَاز فَقلت أَي من يأتني آته فَكَانَت أَي استفهاما وَمن للجزاء وَكَذَلِكَ لَو قلت مَن منْ يأتنا نكرمه لَكَانَ جيدا تجْعَل الْهَاء فِي نكرمه رَاجِعَة إِلَى من الأولى فَيكون التَّقْدِير من الرجل الَّذِي من أَتَانَا من النَّاس أتيناه

هَذَا بَاب أَي إِذا كنت مستفهما مستثبتا

إِذا قَالَ لَك رجل رَأَيْت رجلا قلت أيا وَذَلِكَ أَنَّك أردْت أَن تحكي كَلَامه فَإِن قَالَ جَاءَنِي رجل قلت أَي مَوْقُوفَة فَإِن وصلت قلت أَي يَا فَتى لِأَنَّهَا مَرْفُوعَة كَالَّذي استفهمت عَنهُ فَإِن قَالَ مَرَرْت بِرَجُل قلت فِي الْوَقْف أَي مَوْقُوف كَمَا تَقول فِي المخفوض مَرَرْت بزيد فَإِن وصلت قلت أَي / يافتى فَإِن قَالَ جَاءَتْنِي امْرَأَة قلت أَيَّة فَإِن وصلت قلت أَيَّة يَا فَتى وَكَذَلِكَ النصب والخفض تنصب إِذا نصب وتخفض إِذا خفض حِكَايَة لقَوْله وتقف بِلَا حَرَكَة وَلَا تَنْوِين فَإِن ثنى فَقَالَ جَاءَنِي رجلَانِ قلت أَيَّانَ فَإِن قَالَ رَأَيْت رجلَيْنِ أَو مَرَرْت برجلَيْن قلت أيين على حِكَايَة كَلَامه وَإِن قَالَ جَاءَنِي امْرَأَتَانِ قلت أيتان وَفِي النصب والخفض أيتين وتكسر النُّون فِي الْوَصْل لِأَنَّهَا نون الِاثْنَيْنِ فَإِن قَالَ جَاءَنِي رجل قلت أيون فَإِن وصلت فتحت النُّون وَإِن قَالَ مَرَرْت بِرِجَال أَو رَأَيْت رجَالًا قلت أيين وَإِن قَالَ جَاءَنِي نسَاء قلت أيات فَإِن وصلت قلت أياتٌ يَا فَتى وَإِن قَالَ مَرَرْت بنساء أَو رَأَيْت نسَاء قلت أياتٍ يَا فَتى إِذا وصلت فَإِن وقفت فبغير حَرَكَة وَلَا تَنْوِين على مَا وصفت لَك وَإِن شِئْت قلت فِي جَمِيع هَذَا ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى جمعا كَانَ أَو وَاحِدًا أَي يَا فَتى إِذا كَانَ مَرْفُوعا وأيا وأيَّ إِذا كَانَ مَنْصُوبًا أَو مخفوضا لِأَن أيا يجوز أَن تقع للْجَمَاعَة على لفظ وَاحِد وللمؤنث على لفظ الْمُذكر وَكَذَلِكَ التَّثْنِيَة لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة من وَمَا لِأَنَّهُمَا فِي جَمِيع مَا وقعتا عَلَيْهِ على لفظ وَاحِد وَإِنَّمَا جَازَ فِي أَي التَّثْنِيَة وَالْجمع دون أخواتها لِأَنَّهَا تُضَاف وتنفرد ويلحقها التَّنْوِين بَدَلا من الْإِضَافَة فَلذَلِك خَالَفت أخواتها وَإِن شِئْت تركت الْحِكَايَة فِي جَمِيع هَذَا واستأنفت فَرفعت على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر فَقلت أَي يَا فَتى لِأَنَّك لَو أظهرت الْخَبَر لم تكن أَي إِلَّا مَرْفُوعَة نَحْو قَوْلك أيُ من ذكرت وَأي هَؤُلَاءِ

هَذَا بَاب أَي إِذا كنت مستثبتا بهَا عَن معرفَة

إِذا قَالَ رجل رَأَيْت عبد الله فَإِن الِاسْتِفْهَام أَي عبد الله لَا يكون إِلَّا ذَلِك لِأَن أيا ابْتِدَاء وَعبد الله خَبره وَلَو قلت أَي يَا فَتى لم يكن إِلَّا للنكرة لِأَنَّك جَعلتهَا شائعة إِذْ لم تخصص بهَا اسْما وَلَو قَالَ قَائِل أَي يَا فَتى على أَنه أَرَادَ أَن عبد الله هَذَا مِمَّن يُنكره فَهُوَ عِنْده شَائِع بِمَنْزِلَة رجل لجَاز وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ فَأَما من عبد الله وَنَحْوه فبابه ظَاهر وَإِذا قلت رَأَيْت أخويك فَإِن الْوَجْه أَن يَقُول أَي أَخَوَاك على اللَّفْظ أَو الْمَعْنى وَالْحمل على الْمَعْنى حسن وَهُوَ الَّذِي يختاره من بعد سِيبَوَيْهٍ أَن يَقُول من أخواي لِأَنَّهُ قد فهم الْقِصَّة فعنها يُجيب وَكَذَلِكَ رَأَيْت الرجل ومررت بِالرجلِ فَإِن قَالَ رَأَيْت الرجلَيْن أَو أخويك فَقلت أَيَّانَ الرّجلَانِ وأيان أخواي فَهَذَا الَّذِي يختاره النحويون والإفراد فِي أَي الَّذِي بدأنا بِهِ حسن لما ذكرنَا فِي الْبَاب الَّذِي قبله وَلَو قلت رَأَيْت الرِّجَال أَو مَرَرْت بِالرِّجَالِ أَو جَاءَنِي الرِّجَال لَقلت أيون الرِّجَال وَأي الرِّجَال على مَا وصفت لَك وَاعْلَم انه إِذا ذكر شَيْء من غير الْآدَمِيّين وَقعت عَلَيْهِ أَي كَمَا تقع على الْآدَمِيّين لِأَنَّهَا عَامَّة وَلَيْسَت كمن وَذَلِكَ أَنه لَو قَالَ ركبت حمارا لَكَانَ الْجَواب أيا أَو قَالَ مَرَرْت بِحِمَار لَقلت أَي يَا فَتى فَإِن وقفت قلت أَي على مَا شرحت لَك وَإِن قَالَ هَذَا الْحمار قلت أَي الْحمار كَمَا كنت قَائِلا فِي الْآدَمِيّين

هَذَا بَاب من إِذا كنت مستفهما بهَا عَن نكرَة

إِذا قَالَ لَك رجل رَأَيْت رجلا فَإِن الْجَواب أَن تَقول منا أَو قَالَ جَاءَنِي رجل فَإنَّك تَقول منو أَو قَالَ مَرَرْت بِرَجُل قلت منى وَلَيْسَت هَذِه الْوَاو وَالْيَاء وَالْألف اللواحق فِي من إعرابا ولكنهن لحقن فِي الْوَقْف للحكاية فهن دَلِيل ولسن بإعراب فَإِن قَالَ جَاءَنِي رجلَانِ قلت منان وَإِن قَالَ مَرَرْت برجلَيْن أَو رَأَيْت رجلَيْنِ قلت منين وَإِن قَالَ رَأَيْت امْرَأَة أَو رَأَيْت امْرَأَة أَو مَرَرْت بِامْرَأَة قلت مِنْهُ؟ فَإِن قَالَ جَاءَتْنِي امْرَأَتَانِ قلت منتان؟ تسكن النُّون كَمَا كَانَت فِي من سَاكِنة وَإِنَّمَا حركتها فِيمَا قبل من أجل مَا بعْدهَا لِأَن هَاء التَّأْنِيث لَا تقع إِلَّا بعد حرف متحرك وَكَذَلِكَ حرف التَّثْنِيَة أَعنِي الْيَاء وَالْألف لسكونها فَأَما قَوْلك منو وَمنى فَإِنَّمَا حركت مَعهَا النُّون لعلتين إِحْدَاهمَا قَوْلك فِي النصب منا لِأَن الْألف لَا تقع إِلَّا بعد مَفْتُوح فَلَمَّا حركت فِي النصب حركت فِي الْخَفْض وَالرَّفْع ليَكُون المجرى وَاحِدًا وَالْعلَّة الْأُخْرَى أَن الْيَاء الْوَاو خفيفتان فَإِن جعلت قبل كل وَاحِدَة مِنْهُمَا الْحَرَكَة الَّتِي هِيَ مِنْهَا ظهرتا وتبينتا فَإِن قَالَ لَك جَاءَنِي رجال قلت منون وَإِن قَالَ مَرَرْت بِرِجَال وَرَأَيْت رجَالًا قلت منين إِن قَالَ رَأَيْت نسَاء أَو ومررت أَو جَاءَنِي نسَاء بنساءٍ قلت منات فَإِن وصلت قلت فِي جَمِيع هَذَا من يَا فَتى لِأَنَّهَا الأَصْل وَإِنَّمَا ألحقت تِلْكَ الدَّلَائِل فِي الْوَقْف فصرن بِمَنْزِلَة مَا يلْحق فِي الْوَقْف مِمَّا لَا يثبت فِي الْوَصْل فَأَما الْوَصْل فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا مَا ذكرت لَك لِأَن من فِي النصب وَالرَّفْع والخفض والمؤنث والمذكر والتثنية وَالْجمع على لفظ وَاحِد تَقول رَأَيْت من فِي الدَّار وَجَاءَنِي من فِي الدَّار وَقد شرحنا الْعلَّة فِي ذَلِك فَإِن اضْطر شَاعِر جَازَ أَن يصل بالعلامة وَلَيْسَ ذَلِك حسن قَالَ الشَّاعِر

(أتَوا نَارِي فَقُلْتُ مَنُونَ أنتمْ ... فَقَالُوا الجِنُّ قلتُ عِموا ظلاما) وَلَو قَالَ قَائِل إِذا قيل لَهُ جَاءَنِي رجال منو وَإِن قيل لَهُ رَأَيْت رجَالًا قَالَ منا أَو مَرَرْت بِرِجَال فَقَالَ منى يلْحق الْعَلامَة وَلَا يثنى من وَلَا يجمعها كَانَ جَائِزا وَالْأَكْثَر مَا بدأنا بِهِ وَقِيَاس من فِيهَا مَا ذكرت لَك مَا تقدم شَرحه من أَنَّهَا مُفْردَة تقع للْجَمِيع ولاثنين وَغير ذَلِك وَلَا تظهر فِيهَا عَلامَة

هَذَا بَاب من إِذا كنت مسترشدا بهَا عَن إِثْبَات معرفَة

إِذا قَالَ لَك رجل جَاءَنِي عبد الله فَإِن السُّؤَال إِذا كنت تعرف جمَاعَة كلهم عبد الله من عبد الله وَإِذا قَالَ رَأَيْت عبد الله قلت من عبد الله وَإِن قَالَ مَرَرْت بِعَبْد الله قلت من عبد الله فَهَذَا سَبِيل كل اسْم علم مستفهم عَنهُ أَن تحكيه كَمَا قَالَ الْمخبر وَلَو قلت فِي جَمِيع هَذَا من عبد الله كَانَ حسنا جيدا وَإِنَّمَا حكيت ليعلم السَّامع أَنَّك تسأله عَن هَذَا الَّذِي ذكر بِعَيْنِه وَلم تبتدئ بالسؤال عَن آخر لَهُ مثل اسْمه وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّك لَو قلت وَمن أَو فَمن لم يكن مَا بعدهمَا إِلَّا رفعا لِأَنَّك عطفت على كَلَامه فاستغنيت عَن الْحِكَايَة لِأَن الْعَطف لَا يكون مُبْتَدأ فَإِن قَالَ رَأَيْت أَخَاك أَو مَرَرْت بأخيك كَانَ الِاسْتِفْهَام من أَخُوك أَو من أخي وَلَا تحكي لِأَن الْحِكَايَة إِنَّمَا تصلح فِي الْأَسْمَاء الْأَعْلَام خَاصَّة لما أذكرهُ لَك من أَنَّهَا على غير منهاج سَائِر الْأَسْمَاء وَكَذَلِكَ إِن قَالَ رَأَيْت الرجل يَا فَتى قلت من الرجل وَكَانَ يُونُس يجْرِي الْحِكَايَة فِي جَمِيع المعارف وَيرى بَابهَا وَبَاب الْأَعْلَام وَاحِدًا وَقد يجوز مَا قَالَ وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ وَإِنَّمَا هُوَ على قَول من قيل لَهُ عِنْدِي تمرتان فَقَالَ دعنى من تمرتان وَقيل لَهُ رَأَيْت قرشيا فَقَالَ لَيْسَ بقرشيا فَهَذَا جَائِز وَلَيْسَ هُوَ على الْبَاب إِنَّمَا تحكى الْجمل نَحْو قلت زيد منطلق لِأَنَّهُ كَلَام قد عمل بعضه فِي بعض وَكَذَلِكَ قَرَأت الْحَمد لله رب الْعَالمين وَرَأَيْت على خَاتمه الله أكبر وَلَا يصلح أَن تَقول إِذا قلت رَأَيْت زيدا وَلَقِيت أَخَاك منا لِأَن ذَلِك إِنَّمَا هُوَ سُؤال شَائِع فِي النكرَة والكنى الَّتِي هِيَ أَعْلَام بِمَنْزِلَة الْأَسْمَاء فَهَذَا جملَة هَذَا الْبَاب وتثنية الْأَعْلَام وَجَمعهَا يردهَا إِلَى النكرَة فتعرف بِالْألف وَاللَّام فَتَصِير بِمَنْزِلَة رجل وَالرجل نَحْو رَأَيْت زيدين وَرَأَيْت الزيدين إِلَّا مَا كَانَ مُضَافا إِلَى معرفَة فَإِن تَعْرِيفه بِالْإِضَافَة فتعريفه بَاقٍ لِأَن الَّذِي أضيف إِلَيْهِ بَاقٍ وَقد ذكرنَا هَذَا فِي بَاب الْمعرفَة والنكرة وَلَو قَالَ رجل فِي جَمِيع الْجَواب عَن من رفعا تكلم بِهِ الْمُتَكَلّم أَو نصبا أَو خفضا فَقَالَ الْمُجيب من عبد الله على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر كَانَ جيدا بَالغا وَهُوَ الَّذِي يختاره سِيبَوَيْهٍ كَمَا كَانَ ذَلِك فِي أَي وَهُوَ قَول بني تَمِيم وَهُوَ أَقيس

هَذَا بَاب من إِذا أردْت أَن يُضَاف لَك الَّذِي تسْأَل عَنهُ

اعْلَم أَن رجلا لَو قَالَ رَأَيْت زيدا فَلم تدر أَي الزيود هُوَ لَكَانَ الْجَواب على كَلَامه أَن تبتدئ فَتَقول آلقوشي أم الثَّقَفِيّ أم الطَّوِيل أم الْقصير وَكَذَلِكَ يرد عَلَيْك الْجَواب فَيَقُول الْقصير يَا فَتى وَنَحْو ذَلِك لِأَن الْكَلَام يرجع إِلَى أَوله أَلا ترى لَو أَن قَائِلا قَالَ كَيفَ أَصبَحت أَو كَيفَ كنت لَكَانَ الْجَواب أَن تَقول صَالحا لِأَن كَيفَ فِي مَوضِع الْخَبَر كَأَنَّهُ قَالَ أصالحا أَصبَحت أم طالحا فأجبته على مِقْدَار ذَلِك وَلَو قلت صَالح وَنَحْوه لجَاز تدع كَلَامه وتبتدئ كَأَنَّك قلت أَنا صَالح وَكَذَلِكَ يجوز آلقوشي أم الثَّقَفِيّ؟ تركت كَلَامه وابتدأت فَقلت أَهَذا الَّذِي ذكرت زيد الْقرشِي أم زيد الثَّقَفِيّ وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لَك الْقرشِي على هُوَ لَكَانَ جَائِزا حسنا لِأَنَّهُ غير خَارج عَن الْمَعْنى

هَذَا بَاب الصّفة الَّتِي تجْعَل وَمَا قبلهَا بِمَنْزِلَة شَيْء وَاحِد فيحذف التَّنْوِين من الْمَوْصُوف

وَذَلِكَ قَوْلك هَذَا زيد بن عبد الله وَهَذَا عَمْرو بن زيد والكنية كالاسم تَقول هَذَا أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء يَا فَتى وَهَذَا زيد بن أبي زيد فَهَذَا الْبَاب وَالْوَجْه فَأَما أَكثر النَّحْوِيين فيذهبون إِلَى أَن التَّنْوِين إِنَّمَا حذف لالتقاء الساكنين وَكَانَ فِي هَذَا لَازِما لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَة شَيْء وَاحِد فَإِن كَانَ فِي غير هَذَا الْموضع فالمختار وَالْوَجْه فِي التَّنْوِين التحريك لالتقاء الساكنين لِأَن الْحَذف إِنَّمَا يكون فِي حرف الْمَدّ واللين خَاصَّة وَإِنَّمَا جَازَ فِي التَّنْوِين لمضارعته إِيَّاهَا وَأَنه يَقع كثيرا بَدَلا مِنْهَا وتزاد فِي الْموضع الَّذِي تزاد فِيهِ لَا تنفك من ذَلِك فَلَمَّا أشبههَا وَجرى مَعهَا أجْرى مجْراهَا مَعهَا فِي اضطرار الشَّاعِر وَفِيمَا ذكرت من هَذَا الِاسْم وَالصّفة فَأَما مَا جَاءَ من هَذَا فِي الشّعْر فَقَوله

(عَمْرو الَّذِي هَشَمَ الثَّريدَ لِقومهِ ... ورِجالُ مَكَةَ مَسِننُونَ عِجافُ) وَقَالَ آخر

(حَميدُ الَّذِي أمجٌ دارُهُ ... أخُو الخَمرِ ذُو الشَّيبةِ الأصْلَعِ)

وينشد بَيت أبي الْأسود

(فَأَلْفَيْته غيرَ مُسْتَعتِبٍ ... وَلَا ذاكرَ اللهَ إِلَّا قَليلا) على أَنه حذف التَّنْوِين لالتقاء الساكنين وَقَرَأَ بعض الْقُرَّاء {قُلْ هُوَ اللهُ أحدُ اللهُ الصَمَدُ}

وَأما الْوَجْه فإثبات التَّنْوِين وَإِنَّمَا هَذَا مجَاز فَمن ذهب إِلَى أَن حذف التَّنْوِين لالتقاء الساكنين قَالَ هَذِه هندٌ بنت عبد الله فِيمَن صرف هندا لِأَنَّهُ لم يلتق ساكنان فَكَانَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء يذهب إِلَى أَن الْحَذف جَائِز لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد لالتقاء الساكنين ويحتج بِمَا ذكرته لَك فِي النداء من قَوْلهم يَا زيد بن عبد الله وَقَالَ هَذَا هُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك هَذَا امْرُؤ ومررت بامرئ وَرَأَيْت امْرأ تكون الرَّاء تَابِعَة للهمزة وفكذلك آخر الِاسْم الاول تَابع لنون ابْن وَهُوَ وَابْن شَيْء وَاحِد تَقول هَذَا زيد بن عبد الله ومررت بزيد بنِ عبد الله وَرَأَيْت زيدَ بنَ عبد الله فَيَقُول هَذِه هِنْد بنتُ عبد الله فِيمَن صرف هندا وَاعْلَم أَن الشَّاعِر إِذا اضْطر رده إِلَى حكم النَّعْت والمنعوت فَقَالَ هَذَا زيد بن عبد الله لِأَنَّهُ وقف على زيد ثمَّ نَعته وَهَذَا فِي الْكَلَام عندنَا جَائِز حسن فَمن ذَلِك قَوْله (جاريةٌ منْ قَيسٍ ابنِ ثَعلَبة ... )

فَإِن كَانَ الثَّانِي غير نعت لم يكن فِي الأول إِلَّا التَّنْوِين تَقول رَأَيْت زيدا ابنَ عَمْرو لِأَنَّك وقفت على زيد ثمَّ أبدلت مِنْهُ مَا بعده وَلَو قلت هَذَا زيد ابْن أَخِيك لم يكن فِي زيد إِلَّا التَّنْوِين لِأَن قَوْلك ابْن أَخِيك لَيْسَ بِعلم ولأنك إِنَّمَا تحذف التَّنْوِين من الْعلم إِذا كَانَ مَنْسُوبا إِلَى علم مثله وَكَذَلِكَ هَذَا رجل ابْن رجل نعرفه وَهَذَا زيد ابنُ زيدك لِأَنَّك جعلت زيدا الثَّانِي نكرَة ثمَّ عَرفته بِالْإِضَافَة وَلَو قلت هَذَا زيد بني عَمْرو لم يكن إِلَّا التَّنْوِين لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا كثر فَحذف وَلَا التقى ساكنان وَلَو قلت هَذَا زيد ابْن أبي عَمْرو وَأَبُو عَمْرو غير كنية وَلَكِنَّك أردْت أَن أَبَاهُ أَبُو آخر يُقَال لَهُ عَمْرو لم يكن فِي زيد إِلَّا التَّنْوِين إِلَّا فِي قَول من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد} وَقد مضى تَفْسِيره وَمن قَالَ بِالدَّلِيلِ قَالَ يَا زيد ابْن عبد الله لِأَنَّهُ دَعَا زيدا ثمَّ أبدل مِنْهُ فَهَذَا كَقَوْلِه يَا زيد أَخا عبد الله فعلى هَذَا يجْرِي هَذَا الْبَاب فَأَما الْقِرَاءَة فعلى ضَرْبَيْنِ قَرَأَ قوم {وَقَالَت الْيَهُود عُزَيْر ابْن الله} لِأَنَّهُ ابْتِدَاء وَخبر فَلَا يكون فِي عُزَيْر إِلَّا التَّنْوِين وَمن قَرَأَ {عُزَيْر ابْن الله} فَإِنَّمَا أَرَادَ خبر ابْتِدَاء كَأَنَّهُمْ قَالُوا هُوَ عُزَيْر بن الله وَنَحْو هَذَا مِمَّا يضمر وَيكون حذف التَّنْوِين للالتقاء الساكنين وَهُوَ يُرِيد الِابْتِدَاء وَالْخَبَر فَيصير كَقَوْلِك زيد الَّذِي فِي الدَّار فَهَذَا وَجهه ضَعِيف جدا لِأَن حق التَّنْوِين أَن يُحَرك لإلتقاء الساكنين إِلَّا أَن يضْطَر شَاعِر على مَا ذكرت لَك فَيكون كَقَوْلِه

(عَمْرو العُلا هَشَمَ الثرِيدَ لِقَوْمِهِ ... ورِجالُ مَكَةَ مُسْنِتونَ عِجافُ)

هَذَا يكون آخر الْكَلَام فِي الِاسْتِفْهَام

إِذا أردْت عَلامَة الْإِنْكَار لِأَن يكون الْأَمر على مَا ذكر أَو على خلاف مَا ذكر وَهِي وَاو تلْحق الْمَرْفُوع والمضموم وياء تلْحق المخفوض والمكسور وَألف تلْحق المفتوح والمنصوب وتلحقها بعد كل حرف من هَذِه الْحُرُوف لِأَن حُرُوف اللين خُفْيَة فَإِنَّمَا تلْحق الْهَاء لتوضح الْحَرْف كَمَا تلْحق فِي الندبة وَنَحْوهَا وجد هَذَا الْبَاب هَكَذَا وَهُوَ تَرْجَمَة بَاب لم نذْكر شَرحه وَالْبَاب مَعْرُوف فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ وَكَذَا وَقع هَذَا

هَذَا بَاب الْقسم

اعْلَم أَن للقسم أدوات توصل الْحلف إِلَى الْمقسم بِهِ لِأَن الْحلف مُضْمر مطرح لعلم السَّامع بِهِ كَمَا كَانَ قَوْلك يَا عبد الله محذوفا مِنْهُ الْفِعْل لما ذكرت لَك وَكَذَلِكَ كل مُسْتَغْنى عَنهُ فَإِن شِئْت أظهرت الْفِعْل كَمَا أَنَّك تَقول يَا زيد عمرا أَي عَلَيْك عمرا وَتقول الطَّرِيق يَا فَتى أَي خل الطَّرِيق وَترى الرَّامِي قد رمى فَتسمع صَوتا فَتَقول القرطاس واللهِ أَي أصبت وَإِن شِئْت قلت خل الطَّرِيق وَيَا زيد عَلَيْك عمرا وأصبت القرطاس يَا فَتى وَكَذَلِكَ قَوْله عز وَجل {بل مِلَّة إِبْرَاهِيم} إِنَّمَا هُوَ اتبعُوا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ جَوَاب قَوْله {كونُوا هودا أَو نَصَارَى} فَهَكَذَا الْقسم فِي إِضْمَار الْفِعْل وإظهاره وَذَلِكَ قَوْله أَحْلف باللهِ لأفعلنّ وَإِن شِئْت قلت باللهِ لَأَفْعَلَنَّ وَالْبَاء موصلة كَمَا كَانَت موصلة فِي قَوْلك مَرَرْت بزيد فَهِيَ وَالْوَاو تدخلان على كل مقسم بِهِ لِأَن الْوَاو فِي معنى الْبَاء وَإِنَّمَا جعلت مَكَان الْبَاء وَالْبَاء هِيَ الأَصْل كَمَا كَانَ فِي مَرَرْت بزيد وَضربت بِالسَّيْفِ يَا فَتى لِأَن الْوَاو من مخرج الْبَاء ومخرجهما جَمِيعًا من الشّفة فَلذَلِك أبدلت مِنْهَا كَمَا أبدلت من رب فِي قَوْله

(وَبَلَدٍ ليسَ بِهِ أنيسُ)

لِأَنَّهَا لما أبدلت من الْبَاء دخلت على رب لما أشرحه لَك فِي بَابهَا كَمَا تدخل الْإِضَافَة بَعْضهَا على بعض فَمن ذَلِك قَوْله عز وَجل {يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله} أَي بِأَمْر الله وَقَالَ {ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل} أَي على وَقَالَ {أم لَهُم سلم يَسْتَمِعُون فِيهِ} أَي يَسْتَمِعُون عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّاعِر

(هُمُ صَلَبوا العَبْديَّ فِي جِذْعِ نَخْلَةٍ ... فَلَا عَطَسَتْ شَيبانُ إلاّ بِأجدَعا) وَقَالَ آخر

(إِذا رَضيتُ على بَنو قُشيرٍ ... لعمْرُ اللهِ أعجبني رِضاها)

أَي عَنى وَقَالَ الآخر

(غَدَتْ من عَلَيْهِ تَنْفُضُ الطَّلَّ بعْدَ مَا ... رأتْ حاجِبَ الشَّمسِ اسْتَوَى فَتَرَفَّعا)

وسنفرد بَابا لما يصلح فِيهِ الْإِبْدَال وَمَا يمْتَنع مِنْهُ إِن شَاءَ الله تَقول وَالله لَأَفْعَلَنَّ وتالله لافعلن وتبدل التَّاء من الْوَاو وَلَا تدخل من الْمقسم بِهِ إِلَّا فِي الله وَحده وَذَلِكَ قَوْله {وتَااللهِ لأَكِيدَنَّ أصْنامَكُمْ} وَإِنَّمَا امْتنعت من الدُّخُول فِي جَمِيع مَا دخلت فِيهِ الْبَاء وَالْوَاو لِأَنَّهَا لم تدخل على الْبَاء الَّتِي هِيَ الأَصْل وَإِنَّمَا دخلت على الْوَاو الدَّاخِلَة على الْبَاء فَلذَلِك لم تتصرف فَأَما إبدالها من الْوَاو فَنحْن نذكرهُ مُفَسرًا فِي التصريف أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا أتقى من هَذَا وَالْأَصْل أوقى لِأَنَّهُ من وقيت وَكَذَلِكَ تراث إِنَّمَا هُوَ وراث لِأَنَّهُ من ورثت وتجاه فعال من الْوَجْه وَكَذَلِكَ تخمة من الوخامة وَهَذَا أَكثر من أَن يُحْصى أَو يُؤْتى بِجَمِيعِهِ وَنحن نستقصي شَرحه فِي بَاب التصريف إِن شَاءَ الله وَاعْلَم أَنَّك إِذا حذفت حُرُوف الْإِضَافَة من الْمقسم بِهِ نصبته لِأَن الْفِعْل يصل فَيعْمل فَتَقول اللهَ لَأَفْعَلَنَّ لِأَنَّك أردْت أَحْلف اللهَ لَأَفْعَلَنَّ وَكَذَلِكَ كل خافض فِي مَوضِع نصب إِذا حذفته وصل الْفِعْل فَعمل فِيمَا بعده كَمَا قَالَ الله عز وَجل {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا} أَي من قومه وَقَالَ الشَّاعِر

(أسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْباً لستُ مُحْصِيَهُ ... رَبَّ العِبادِ إليهِ الوّجْهُ والعَمَلُ)

أَي من ذَنْب وَقَالَ الشَّاعِر

(أمَرْتُكَ الخَيرَ فافْعَلْ مَا أمِرْتُ بهِ ... فقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مالٍ وَذَا نَشَبِ)

فَتَقول اللهَ لَأَفْعَلَنَّ وَكَذَلِكَ كل مقسم بِهِ وَاعْلَم أَن للقسم تعويضات من أدواته تحل محلهَا فَيكون فِيهَا مَا يكون فِي أدوات الْقسم وَتعْتَبر ذَلِك بأنك لَا تجمع بَينهَا وَبَين مَا هِيَ عوض مِنْهُ فَإِن جَازَ الْجمع بَين شَيْئَيْنِ فَلَيْسَ أَحدهمَا عوضا من الآخر أَلا ترى أَنَّك تَقول عَلَيْك زيدا وَإِنَّمَا الْمَعْنى خُذ زيدا وَمَا أشبهه من الْفِعْل فَإِن قلت عَلَيْك لم تجمع بَينهَا وَبَين فعل آخر لِأَنَّهَا بدل من ذَلِك الْفِعْل فَمن هَذِه الْحُرُوف الْهَاء الَّتِي تكون للتّنْبِيه تَقول لَاها اللهِ ذَا وَإِن شِئْت قلت لاهلله ذَا فَتكون فِي مَوضِع الْوَاو إِذا قلت لَا واللهِ فَأَما قَوْلك ذَا فَهُوَ الشَّيْء الَّذِي تقسم بِهِ فالتقدير لَا وَالله هَذَا مَا أقسم بِهِ فحذفت الْخَبَر لعلم السَّامع بِهِ فَأَما مدَّتهَا وإجراء المدغم بعْدهَا فِي قَوْلك لَا هالله ذَا فَإنَّك أتيت ب هَا الَّتِي للتّنْبِيه وَثبتت الْألف لِأَن حُرُوف الْمَدّ يَقع بعْدهَا السَّاكِن المدغم وَتَكون الْمدَّة عوضا من الْحَرَكَة لِأَنَّك ترفع لسَانك عَن المدغم رفْعَة وَاحِدَة وَقد مضى تَفْسِير هَذَا فَيكون قَوْلك دَابَّة وشابة وراد وَمَا أشبهه وَأما قَوْلك لَا هلله ذَا فَإنَّك حذفت الْألف من هَاء التَّنْبِيه لما وصلتها وجعلتها عوضا من الْوَاو كَمَا فعلت بهَا فِي هَلُمَّ وَهَا هَذِه هِيَ الَّتِي تلْحق فِي قَوْلك هَذَا قُلْنَا الْمَعْنى لَا وَالله هَذَا مَا أقسم بِهِ لِأَنَّهَا للتّنْبِيه فالتنبيه يَقع قبل كل مَا نبهت عَلَيْهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِر

(تَعَلَّمْنْ هَا لعُمرُ اللهِ ذَا قَسَماً ... فاقَدِرْ بذَرْعِكَ وانظُرْ أينَ تَنْسَلِكُ)

أردا تعلمن لعمر الله هَذَا قسما فَقدم هَا وَقَالَ الآخر

(وَنَحنُ اقتَسَمْنا المَالَ نِصْفَينِ بينَنْا ... فقلتُ لهمْ هَذَا لَهَا هَا وَذَا ليا)

يُرِيد وَهَذَا ليا وَمن هَذِه الْحُرُوف ألف الِاسْتِفْهَام إِذا وَقعت على الله وَحدهَا لِأَنَّهُ الِاسْم الْوَاقِع على الذَّات وَسَائِر أَسمَاء الله عز وَجل إِنَّمَا تجْرِي فِي الْعَرَبيَّة مجْرى النعوت وَذَلِكَ قَوْلك آللهِ لتفعلن وَكَذَلِكَ ألف آيم إِذا لحقتها ألف الِاسْتِفْهَام لم تحذف وَثبتت كَمَا تثبت مَعَ الْألف وَاللَّام اللَّتَيْنِ للتعريف فِي قَوْلك آلرجل قَالَ ذَاك وَكَذَلِكَ ألف الْوَصْل إِذا لحقتها الْفَاء جعلت عوضا فثبتت وَلم تحذف كَمَا ثبتَتْ مَعَ ألف الِاسْتِفْهَام وَذَلِكَ قَوْلك أفإللهِ لتفعَلَن وَمن حُرُوف الْقسم إِلَّا أَنَّهَا تقع على معنى لتعجب اللَّام وَذَلِكَ قَوْلك للهِ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قطّ كَمَا قَالَ

(للهِ يَبقى على الأيامِ ذُو حّيّدٍ ... بِمَشْخَرٍ بهِ الظّيَّانُ الآسُ)

وَقد تقع التَّاء فِي معنى التَّعَجُّب وَلم نذكرها هَا هُنَا لِأَن ذكرهَا قد تقدم فَهَذَا جملَة لهَذِهِ الْحُرُوف وسنبين لم دخل بَعْضهَا على بعض كَمَا شرحنا دُخُول الْوَاو على التَّاء إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب الْأَسْمَاء الَّتِي يعْمل يعضها فِي بعض وفيهَا معنى الْقسم

اعْلَم أَن هَذِه الْأَسْمَاء الَّتِي نذكرها لَك إِنَّمَا دَخلهَا معنى الْقسم لمعان تشْتَمل عَلَيْهَا كَمَا أَنَّك تَقول علم الله لَأَفْعَلَنَّ ف علم فعل ماضي وَالله عز وَجل فَاعله فإعرابه كإعراب رزق الله إِلَّا أَنَّك إِذا قلت علم الله فقد استشهدت فَذَلِك صَار فِيهِ معنى الْقسم أَلا ترى أَنَّك تَقول غفر الله لزيد فلفظه لفظ مَا قد وَقع وَمَعْنَاهُ أسأَل الله أَن يغْفر لَهُ فَلَمَّا علم السَّامع انك غير مخبر عَن الله بِأَنَّهُ فعل جَازَ أَن يَقع على مَا ذَكرْنَاهُ وَلم يفهم عَن قَائِله إِلَّا على ذَلِك فَإِن أخبر عَن خبر صَادِق كَانَ مجازه مجَاز سَائِر الْأَخْبَار فَقَالَ {لقد رَضِي الله عَن الْمُؤمنِينَ} وَغفر اللهُ لأَصْحَاب مُحَمَّد

فَهَذَا مجَاز وَكَذَلِكَ شهد الله لَأَفْعَلَنَّ لِأَن بِمَنْزِلَة علم الله فَمن تِلْكَ الْأَسْمَاء قَوْلك لعمرك لَأَفْعَلَنَّ وعَلى عهد الله لَأَفْعَلَنَّ وعَلى يَمِين الله لَأَفْعَلَنَّ فَهَذَا مثل قَوْلك على زيد دِرْهَمَانِ ولزيد أفضل من عَمْرو لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَقع قسما لقَوْله لعمر الله مَا اقْسمْ بِهِ وَإِذا قلت على عهد الله فقد أَعْطيته عَهْدك بِمَا ضمنته لَهُ وَبَعض الْعَرَب ينشد هَذَا الْبَيْت فيرفع الْقسم فَيَقُول

(فقلتُ يمينَ اللهِ أبْرَحَ قَاعِدا ... وَلَو ضربوا رَأْسِي لديكِ وأوصالي)

يُرِيد يَمِين الله على وَاعْلَم أَن المصادر وَمَا يجْرِي مجْراهَا إِنَّمَا تقع فِي الْقسم مَنْصُوبَة بأفعالها لِأَن فِيهَا الْمعَانِي الَّتِي وَصفنَا وَذَلِكَ قَوْلك عمرك اللهَ لَا تقم وقعدك الله لَا تقم وَإِن شِئْت قلت قعيدك الله وَكَذَلِكَ يَمِين الله وَعَهده وَإِن شِئْت كَانَ على قَوْلك بِيَمِين الله وَمَا أشبهه فَلَمَّا حذفت حرف الْإِضَافَة وصل الْفِعْل فَعمل على مَا وصفناه فِي أول الْبَاب وَكَذَلِكَ وَيَمِين الله وَإِن شِئْت كَانَ على قَوْلك عمرتك الله تعميرا ونشدتك الله نشدا ثمَّ وضعت عمرك فِي مَوضِع التَّعْمِير وَكَذَلِكَ أخوانه قَالَ الشَّاعِر (عَمَرتُكِ اللهَ إلاّ مَا ذكرتِ لنا ... هلْ كُنْتِ جارَتَنا أيّامَ ذِي سَلَمِ)

يُرِيد ذكرتك الله وَقَالَ الشَّاعِر

(عَمَرْتُكِ اللهَ العَلَّي فإنَّني ... ألوي عَلَيكِ لوانَّ لُبَّكِ يَهْتَدِي)

وَلذَلِك جعل الْمصدر فِي مَوْضِعه فَقَالَ

(أيُّها المنكِحُ الثُّريا سُهيْلاً ... عَمَرَكَ اللهَ كَيْفَ يَلْتَقيانِ) وَقَالَ الآخر

(قَعِيدِكِ أنْ لَا تُسْمِعِني مَلامَةً ... وَلَا تُنْكِثي قَرْحَ الفؤادِ فَيَيْجعا)

فَكل مَا كَانَ من ابْتِدَاء أَو خبر أَو فعل وفاعل فِيهِ معنى الْقسم فَهَذَا مجازه وَاعْلَم أَن من هَذِه الْحُرُوف آيم وآيمن وألفها ألف وصل وَتَمام الِاسْم النُّون تَقول آيم اللهٍ لَأَفْعَلَنَّ آيمن اللهِ لَأَفْعَلَنَّ وَلَيْسَ بِجمع يَمِين وَلكنه اسْم مَوْضُوع للقسم وَلَو كَانَ جمع يَمِين لكَانَتْ أَلفه ألف قطع فوصلهم إِيَّاهَا يدلك على أَنَّهَا زَائِدَة وَإِنَّهَا لَيست من هَذَا الِاشْتِقَاق وَقَالَ الشَّاعِر

(فقالَ فريقُ القومِ لما نَشَدتُهم ... نَعَمْ وَفَريقٌ لَيَمْنَ اللهِ مَا نَدْرِي)

فَمن قَالَ آيم الله قَالَ ليم الله لَأَفْعَلَنَّ فَإِن وَقع عَلَيْهَا ألف الِاسْتِفْهَام مددت وَلم تحذف ألف الْوَصْل فيلتبس الِاسْتِفْهَام بالْخبر كَمَا كنت فَاعِلا بِالْألف الَّتِي مَعَ اللَّام فِي قَوْلك آلرجل قَالَ ذَاك فَيَقُول آيم اللهٍ لقد كَانَ ذَاك وَزعم يُونُس أَن من الْعَرَب من يَقُول اِيمُ اللهٍ فِي مَوضِع اَيم اللهِ فَهِيَ عِنْد هَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَة ابْن وَاسم تَقول فِي الِاسْتِفْهَام أيم الله لقد كَانَ ذَاك لِأَنَّهَا تسْقط للوصل وتحدث ألف الِاسْتِفْهَام وَمِنْهُم من يحذف ألف الِاسْم حَتَّى يصير على حرف علما بِأَنَّهُ لَا ينْفَصل بِنَفسِهِ فَيَقُول مِ اللهِ لَأَفْعَلَنَّ وَيُقَال من اللهِ لَأَفْعَلَنَّ وَمن رَبِّي لَأَفْعَلَنَّ أبدل مِنْ من الْبَاء الَّتِي فِي قَوْلك باللهِ لَأَفْعَلَنَّ وبربي لَأَفْعَلَنَّ كَمَا تَقول فلَان فِي الْموضع وبالموضع فَيدْخل الْبَاء على فِي وَكَذَلِكَ دخلت من على الْبَاء والاحتجاج يَأْتِيك فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله وَاعْلَم انك إِذا دللت على الْقسم بِمَا تضعه فِي مَوْضِعه فَمَا بعد ذَلِك الدَّلِيل بِمَنْزِلَة مَا بعد الْقسم تَقول أَقْسَمت لأقومن واستحلفته ليخرجن أَي قَالَ لَهُ وَالله لتخْرجن فَدلَّ هَذَا على الْقسم وَلَا يلْحق هَذِه اللَّام مَا النُّون فِي آخِره خَفِيفَة أَو ثَقيلَة إِلَّا وَالْمعْنَى معنى الْقسم لَا تَقول زيد يقومن وَلَا زيد ليقومن إِلَّا أَن تُرِيدُ الْقسم فِي هَذِه الْأَخِيرَة خَاصَّة فكأنك قلت زيد وَالله ليقومن وَتَفْسِير هَذَا فِي إِثْر هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله وَتقول أَي واللهِ لَأَفْعَلَنَّ وَإِن شِئْت قلت أَي الله لَأَفْعَلَنَّ إِنَّمَا تُرِيدُ إِي الَّتِي فِي معنى نعم كَمَا قَالَ {قل إِي وربي إِنَّه لحق وَمَا أَنْتُم بمعجزين} فتصل الْمقسم بِهِ لِأَن إِي جَوَاب وَالْقسم بعْدهَا مُسْتَأْنف وَلَو كَانَت بَدَلا من حُرُوف الْقسم لم تَجْتَمِع هِيَ وَهُوَ أَلا ترى أَنَّك تَقول إِي واللهِ لَأَفْعَلَنَّ إِنَّمَا الْفَصْل بَين بلَى وَنعم أَن نعم تكون جَوَابا لكل كَلَام لَا نفي فِيهِ وبلى لَا تكون جَوَابا إِلَّا لكَلَام فِيهِ نفي لَو قَالَ لَك قَائِل أَنْت زيد لَكَانَ الْجَواب نعم وَكَذَلِكَ هَل جَاءَك زيد وَكَذَلِكَ من يَأْتِيك تأته فَتَقول نعم وَلَا يَصح هَا هُنَا بلَى فَإِن نفي فَقَالَ أما لقِيت زيدا كَانَ الْجَواب بلَى وَكَذَلِكَ أَلَسْت قد ذهبت إِلَى زيد وَمَا أخذت مِنْهُ درهما وَأَنت لَا تُعْطِي شَيْئا فجواب هَذَا كُله بلَى

هَذَا بَاب مَا يقسم عَلَيْهِ من الْأَفْعَال وَمَا بَال النُّون فِي كل مَا دخلت فِيهِ يجوز حذفهَا واستعمالها إِلَّا فِي هَذَا الْموضع الَّذِي أذكرهُ لَك فَإِنَّهُ لَا يجوز حذفهَا

اعْلَم أَنَّك إِذا أَقْسَمت على فعل لم يَقع لَزِمته اللَّام وَلزِمَ اللَّام النُّون وَلم يجز إِلَّا ذَلِك وَذَلِكَ قَوْلك واللهِ لأقومنَّ وباللهِ لَأَضرِبَن وواللهِ لتنطلقن فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا بَال هَذَا لَا يكون كَقَوْلِك فِي الْأَمر وَالنَّهْي إِذا قَالَ اضربن زيدا وَلَا تشتمن عمرا وَإِن شِئْت قلت اضْرِب زيدا وَلَا تَشْتُم عمرا وَكَذَلِكَ هَل تنطلقن وَإِن شِئْت قلت هَل تَنْطَلِق فَإِنَّمَا ذَلِك لِأَن الْقسم لَا يَقع إِلَّا على مَا لم يَقع من الْأَفْعَال فكرهوا أَن يلتبس بِمَا يَقع فِي الْحَال فَأَما الْأَمر وَالنَّهْي فيفصل بَينه وَبَينهمَا بِاللَّامِ لِأَن اللَّام لَا تكون فِي الْأَمر وَالنَّهْي وَكَذَلِكَ لَا تكون فِي الِاسْتِفْهَام وَإِنَّمَا تفصل بالنُّون بَين الْقسم وَبَين هَذِه الْأَخْبَار الَّتِي قد تقع فِي الْحَال نَحْو قَوْلك إِن زيدا لمنطلق لِأَن حد هَذَا أَن يكون فِي حَال انطلاق وَكَذَلِكَ أَن زيدا ليَأْكُل فَإِذا قلت واللهِ ليأكلن علم أَن الْفِعْل لم يَقع فَإِن قلت قد جَاءَ {إِنَّمَا جعل السبت على الَّذين اخْتلفُوا فِيهِ وَإِن رَبك ليحكم بَينهم} أَي لحَاكم قيل قد يكون هَذَا وَلَكِن لَيْسَ فِيهِ دَلِيل على مَا يَقع فِي الْحَال أَو يَقع بعد على أَن أَكثر الِاسْتِعْمَال أَن يكون للْحَال فَإِذا دخلت النُّون علم أَن الْفِعْل لَا يكون فِي الْحَال الْبَتَّةَ فَلذَلِك لَزِمت اللَّام لِأَنَّك قد تذكر الْأَفْعَال وَلَا تذكر الْمقسم بِهِ فَتَقول لأنطلقن فَيعلم أَن هَذَا على تَقْدِير الْيَمين وَأَنه لَيْسَ للْحَال فَلهَذَا أجْرى مَا ذكرت لَك فَأَما اللَّام فَهِيَ وصلَة للقسم لِأَن للقسم أدوات تصله بالمقسم بِهِ وَلَا يتَّصل إِلَّا بِبَعْضِهَا فَمن ذَلِك اللَّام تَقول واللهٍ لأقومن واللهِ لزيد أفضل من عَمْرو وَلَوْلَا اللَّام لم تتصل وَكَذَلِكَ إِن تَقول واللهِ إِن زيدا لمنطلق وَإِن شِئْت قلت واللهِ إِن زيدا منطلق وَكَذَلِكَ لَا فِي النَّفْي وَمَا تَقول واللهِ لَا أضربك واللهِ مَا أكرمك وَلَا تحْتَاج إِلَى النُّون لِأَن مَا يدل على الْحَال كَمَا تدل إِن إِذا قلت واللهِ إِنِّي لأكرمك وتدل لَا على مَا لم يَقع كَمَا تدل النُّون عَلَيْهِ إِذا قلت واللهِ لَأَفْعَلَنَّ ثمَّ نفيت فَقلت واللهِ لَا أفعل فَهَذَا مُبين بأنفس الْحُرُوف مستغن فِيهِ عَن غَيرهَا لِأَن النُّون إِنَّمَا دخلت لتفصل بَين مَعْنيين فَإِذا كَانَ الْفَصْل بغَيْرهَا لم تحتج إِلَيْهَا وَاعْلَم أَن قَوْلك أَقْسَمت لَأَفْعَلَنَّ وَأَقْسَمت لَا تفعل بِمَنْزِلَة قَوْلك قلت وَالله لاتفعل وَقلت وَالله لتفعلن وَاعْلَم أَنَّك إِذا أَقْسَمت على فعل ماضي فأدخلت عَلَيْهِ اللَّام لم تجمع بَين اللَّام وَالنُّون لِأَن الْفِعْل الْمَاضِي مَبْنِيّ على الْفَتْح غير متغيرة لامه وَإِنَّمَا تدخل النُّون على مَا لم يَقع كَمَا ذكرت فَلَمَّا كَانَت لَا تقع لما يكون فِي الْحَال كَانَت من الْمَاضِي أبعد وَذَلِكَ قَوْلك وَالله لرأيت زيدا يضْرب عمرا لأنكر ذَلِك وَإِن وصلت اللَّام ب قد فجيد فَبَالغ تَقول واللله لقد رَأَيْت زيدا واللهِ لقد انْطلق فِي حَاجَتك وسنفسر الْفَصْل بَين الْفِعْل بقد وَبَين الْفِعْل إِذا لم تدخله أما قد فأصلها أَن تكون مُخَاطبَة لقوم يتوقون الْخَبَر فَإِذا قلت قد جَاءَ زيد لم تضع هَذَا الْكَلَام ابْتِدَاء على غير أَمر كَانَ بَيْنك وَبَينه أَو أَمر تعلم أَنه لَا يتوقعه فَإِن أدخلت اللَّام على قد فَإِنَّمَا تدْخلهَا على هَذَا الْوَجْه فَأَما قَوْلك واللهِ لكذب زيد كذبا مَا أَحسب اللهَ يغفره لَهُ فَإِنَّمَا تَقْدِيره لقد لِأَنَّهُ أَمر قد وَقع وَلَا يُقَال هَذَا إِلَّا على شَيْء مُتَقَدم فَالْأَمْر فيهمَا وَاحِد إِلَّا أَن هَذَا على الْحَذف والتعجب وَالَّذِي بقد على استقصاء الْكَلَام فعلى هَذَا فأجرهما وَاعْلَم أَن من الْعَرَب من يَقُول اللهِ لَأَفْعَلَنَّ يُرِيد الْوَاو فيحذفها وَلَيْسَ هَذَا بجيد فِي الْقيَاس وَلَا مَعْرُوف فِي اللُّغَة وَلَا جَائِز عِنْد كثير من النَّحْوِيين وَإِنَّمَا ذَكرْنَاهُ لِأَنَّهُ شَيْء قد قيل وَلَيْسَ بجائز عِنْدِي لِأَن حرف الْجَرّ لَا يحذف وَيعْمل إِلَّا بعوض لما تقدم من الشَّرْح وَاعْلَم أَن الْقسم لَا يَقع إِلَّا على مقسم بِهِ ومقسم عَلَيْهِ وَإِن قَوْله عز وَجل {وَاللَّيْل إِذا يغشى وَالنَّهَار إِذا تجلى وَمَا خلق الذّكر وَالْأُنْثَى} أَن الْوَاو الأولى وَاو قسم وَمَا بعْدهَا من الواوات للْعَطْف لَا للقسم وَلَو كَانَت للقسم لَكَانَ بعض هَذَا الْكَلَام مُنْقَطِعًا من بعض وَكَانَ الأول إِلَى آخر الْقسم على غير محلوف عَلَيْهِ فَكَانَ التَّقْدِير {وَاللَّيْل إِذا يغشى} ثمَّ ترك هَذَا وابتدأ {وَالنَّهَار إِذا تجلى} وَلكنه بِمَنْزِلَة قَوْلك واللهِ ثمَّ اللهِ لَأَفْعَلَنَّ وَإِنَّمَا مثلت لَك بثم لِأَنَّهَا لَيست من حُرُوف الْقسم وَاعْلَم أَن الْقسم قد يُؤَكد بِمَا يصدق الْخَبَر قبل ذكر الْمقسم عَلَيْهِ ثمَّ يذكر مَا يَقع عَلَيْهِ الْقسم فَمن ذَلِك قَوْله عز وَجل {وَالسَّمَاء ذَات البروج وَالْيَوْم الْمَوْعُود وَشَاهد ومشهود} ثمَّ ذكر قصَّة أَصْحَاب الْأُخْدُود توكيدا وَإِنَّمَا وَقع الْقسم على قَوْله {إِن بَطش رَبك لشديد} وَقد قَالَ قوم إِنَّمَا وَقع على {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود} وحذفت اللَّام لطول الْكَلَام وَلَيْسَ القَوْل عندنَا إِلَّا الأول لِأَن هَذِه الاعتراضات توكيد فَأَما قَوْله {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} فَإِنَّمَا وَقع الْقسم على قَوْله {قد أَفْلح من زكاها} وحذفت اللَّام لطول الْقِصَّة لِأَن الْكَلَام إِذا طَال كَانَ الْحَذف أجمل أَلا ترى أَن النَّحْوِيين لَا يَقُولُونَ قَامَ هِنْد وَذهب جاريتك ويجيزون حضر القَاضِي الْيَوْم امْرَأَة يَا فَتى فيجيزون الْحَذف مَعَ طول الْكَلَام لأَنهم يرَوْنَ مَا زَاد عوضا مِمَّا حذف وَتقول وَحقّ اللهِ ثمَّ وحقك لَأَفْعَلَنَّ وَلَو قلت ثمَّ حَقك تحمله على الْموضع كَانَ جَائِزا كَمَا قَالَ

(فَلَسْنا بالجِبالِ وَلَا الحَديدا) وعَلى هَذَا قرئَ {فَأَصدق وأكن من الصَّالِحين} لِأَنَّهُ حمله على مَوضِع الْفَاء وَتقول واللهِ لأضربنك ثمَّ واللهِ لأحبسنك لِأَنَّك عطفت قسما على قسم وَلَو قلت واللهٍ لأضربنك ثمَّ لأحبسنك اللهَ لم يكن فِي الثَّانِي إِلَّا النصب لِأَنَّك عطفت فعلا على فعل ثمَّ جِئْت بالقسم بعد غير مَعْطُوف كَأَنَّك قلت اللهَ لَأَفْعَلَنَّ فأوصلت إِلَيْهِ الْفِعْل فَهَذِهِ جملَة هَذَا الْبَاب

=هَذَا بَاب الْفرق بَين إنَّ وأنَّ

اعْلَم أَن إنَّ مَكْسُورَة مشبهة بِالْفِعْلِ بلفظها فعملها عمل الْفِعْل الْمُتَعَدِّي إِلَى مفعول وَقد مضى تَفْسِيرهَا فِي بَابهَا فَإِذا قلت أنّ مَفْتُوحَة فَهِيَ وصلتها فِي مَوضِع الْمصدر وَلَا تكون إِلَّا فِي مَوضِع الْأَسْمَاء دون الْأَفْعَال لِأَنَّهَا مصدر والمصدر إِنَّمَا هُوَ اسْم وَذَلِكَ قَوْلك بَلغنِي انطلاقك وَتقول علمت انك منطلق أَي علمت انطلاقك وَكَذَلِكَ أشهد أَنَّك منطلق وَأشْهد بأنك قَائِم أَي أشهد على انطلاقك وبقيامك فَهَذَا جملَة هَذَا اعْلَم انك إِذا قلت ظَنَنْت زيدا أَخَاك أَو علمت زيدا ذَا مَال أَنه لَا يجوز الِاقْتِصَار على الْمَفْعُول الأول لِأَن الشَّك وَالْعلم إِنَّمَا وَقعا فِي الثَّانِي وَلم يكن بُد من ذكر الأول ليعلم من الَّذِي علم هَذَا مِنْهُ أَو شكّ فِيهِ من أمره فَإِذا قلت ظَنَنْت زيدا فَأَنت لم تشك فِي ذَاته فَإِذا قلت مُنْطَلقًا فَفِيهِ وَقع الشَّك فَذكرت زيدا لتعلم أَنَّك إِنَّمَا شَككت فِي انطلاقه لَا فِي انطلاق غَيره فَإِذا قلت ظَنَنْت أنّ زيدا منطلق لم تحتج إِلَى مفعول ثَان لِأَنَّك قد أتيت بِذكر زيد فِي الصِّلَة لِأَن الْمَعْنى ظَنَنْت انطلاقا من زيد فَلذَلِك اسْتَغْنَيْت

هَذَا بَاب من أَبْوَاب أنَّ الْمَفْتُوحَة

تَقول قصَّة زيد أَنه منطلق وَخبر زيد أَنه يحب عبد الله لِأَن هَذَا مَوضِع ابْتِدَاء وَخبر فالتقدير خبر زيد محبته عبد الله وَبَلغنِي أَمرك أَنَّك تحب الْخَيْر فَالْمَعْنى معنى الْبَدَل كَأَنَّك قلت بَلغنِي أَمرك ثمَّ قلت محبتك الْخَيْر لِأَن الْمحبَّة هِيَ الْأَمر كَمَا تَقول جَاءَنِي أَخُوك زيد لِأَن الْأَخ هُوَ زيد وَتقول أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَكَأَن التَّقْدِير أشهد على أنَّ مُحَمَّدًا رَسُول الله أَي أشهد على ذَلِك أَو أشهد بَان مُحَمَّدًا رَسُول الله أَي أشهد بذلك فَإِذا حذفت حُرُوف الْجَرّ وصل الْفِعْل فَعمل وَكَانَ حذفهَا حسنا لطول الصِّلَة كَمَا قَالَ عز وَجل {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه} أَي من قومه فَهُوَ مَعَ الصِّلَة والموصول حسن جدا وَإِن شِئْت جِئْت بِهِ كَمَا تَقول الَّذِي ضربت زيد فتحذف الْهَاء من الصِّلَة وَيحسن إِثْبَاتهَا لِأَنَّهَا الأَصْل وَاعْلَم أَنه لَا يحسن أَن يَلِي إنَّ أنَّ لِأَن الْمَعْنى وَاحِد كَمَا لَا تَقول لَئِن زيدا منطلق لِأَن اللَّام فِي معنى إنَّ فَإِن فصلت بَينهمَا بِشَيْء حسن واستقام فَقلت إنَّ فِي الدَّار لزيدا وَلَا تَقول إنّ لزيدا فِي الدَّار بل تَقول كَمَا قَالَ عز وَجل {إِن فِي ذَلِك لآيَة} وعَلى هَذَا لَا تَقول إنّ أنَّ زيدا منطلق بَلغنِي وَلَكِن لَو قلت إنَّ فِي الدَّار أَنَّك منطلق وإنّ فِي الدَّار أنّ لَك ثوبا حسن كَمَا قَالَ الله عز وَجل {إنَّ لَكَ أنَّ لَا تَجُوعَ فِيها وَلَا تَعْرى وأنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيها وَلاَ تَضْحى} وَيجوز {وَأَنَّك لَا تظمأ فِيهَا} على الْقطع والابتداء فَالْأولى على قَوْلك ضربت زيدا وعمرا قَائِما وَالْقطع على قَوْلك ضربت زيدا وَعَمْرو قَائِم

هَذَا بَاب إنَّ إِذا دخلت اللَّام فِي خَبَرهَا

اعْلَم أَن هَذِه اللَّام تقطع مَا دخلت عَلَيْهِ مِمَّا قبلهَا وَكَانَ حَدهَا أَن تكون أول الْكَلَام كَمَا تكون فِي غير هَذَا الْموضع وَذَلِكَ قَوْلك قد علمت زيدا مُنْطَلقًا فَإِذا أدخلت اللَّام قلت علمت لزيد منطلق فتقطع بهَا مَا بعْدهَا مِمَّا قبلهَا فَيصير ابْتِدَاء مستأنفا فَكَانَ حَدهَا فِي قَوْلك إِن زيدا لمنطلق أَن تكون قبل إنَّ كَمَا تكون فِي قَوْلك لزيدٌ خير مِنْك فَلَمَّا كَانَ مَعْنَاهَا فِي التوكيد وَوصل الْقسم معنى إنَّ لم يجز الْجمع بَينهمَا فَجعلت اللَّام فِي الْخَبَر وَحدهَا أَن تكون مُقَدّمَة لِأَن الْخَبَر هُوَ الأول فِي الْحَقِيقَة أَو فِيهِ مَا يتَّصل بِالْأولِ فَيصير هُوَ وَمَا فِيهِ الأول فَلذَلِك قلت إنّ زيدا المنطلق لِأَن المنطلق هُوَ زيد وَكَذَلِكَ لَو قلت إِن زيدا لفي دَاره عَمْرو أَو لعَمْرو يضْربهُ لِأَن الَّذِي عَمْرو يضْربهُ هُوَ زيد فَهَذَا عِبْرَة هَذَا أَلا ترى أَنَّك إِذا فصلت بَين إنّ وَبَين اسْمهَا بِشَيْء جَازَ إِدْخَال اللَّام فَقلت إِن فِي الدَّار لزيدا وَإِن من الْقَوْم لأخاك فَهَذَا يبين لَك مَا ذكرت وَذَلِكَ قَوْلك أشهد أَن زيدا منطلق وَاعْلَم أَن زيدا خير مِنْك فَإِذا أدخلت اللَّام قلت أشهد أَن زيدا لخير مِنْك وَاعْلَم أَن زيدا لمنطلق قَالَ الله عز وَجل {وَالله يعلم إِنَّك لرَسُوله وَالله يشْهد إِن الْمُنَافِقين لَكَاذِبُونَ} فلولا اللَّام لم يكن إِلَّا أَن كَمَا تَقول اعْلَم زيدا خيرا مِنْك فَإِذا أدخلت اللَّام قلت اعْلَم لزيد خير مِنْك \ وَقَالَ {أَفلا يعلم إِذا بعثر مَا فِي الْقُبُور وَحصل مَا فِي الصُّدُور إِن رَبهم بهم يَوْمئِذٍ لخبير} فَهَذَا مجَاز اللَّام وَلَو قَالَ قَائِل أشهد بأنك منطلق لم يكن إِلَّا الْفَتْح لِأَنَّهَا اسْم مخفوض وعبرتها أبدا بِذَاكَ فَيكون ذَاك فِي أَنَّهَا اسْم تَامّ فِي مَوضِع أَن وصلتها فَإِذا قلت علمت أَن زيدا منطلق فَهُوَ كَقَوْلِك علمت ذَاك وَإِذا قلت بَلغنِي أَن زيدا منطلق فَهُوَ فِي مَوضِع بَلغنِي ذَاك وَإِذا قلت أشهد بأنك منطلق فَمَعْنَاه أشهد بِذَاكَ فَإِن قَالَ قَائِل فَكيف أَقُول أشهد بأنك منطلق قيل لَهُ هَذَا محَال كسرت أَو فتحت لِأَن حد الْكَلَام التَّقْدِيم فَلَو أدخلت حرف الْخَفْض على اللَّام كَانَ محالا لِأَن عوامل الْأَسْمَاء لَا تدخل على غَيرهَا لَو قلت هَذَا لَقلت أشهد بلذاك وَكَذَلِكَ بَلغنِي أَنَّك منطلق لَا يجوز أَن تدخل اللَّام فَتَقول بَلغنِي أَنَّك لمنطلق لِأَن إِن وصلتها الْفَاعِل وَاللَّام تقطع مَا بعْدهَا فَلَو جَازَ هَذَا لَقلت بَلغنِي لذاك فَهَذَا وَاضح بَين جدا فَأَما قَوْله عز وَجل {وَمَا أرسلنَا قبلك من الْمُرْسلين إِلَّا إِنَّهُم ليأكلون الطَّعَام} فَمَعْنَاه إِلَّا وَهَذَا شَأْنهمْ وَهُوَ وَالله اعْلَم جَوَاب لقَولهم {مَا لهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشي فِي الْأَسْوَاق} وَأما قَوْله عز وَجل {وَمَا مَنعهم أَن تقبل مِنْهُم نفقاتهم إِلَّا أَنهم كفرُوا} ف {إِنَّهُم} وصلتها فِي مَوضِع الْفَاعِل وَالتَّقْدِير وَالله اعْلَم وَمَا مَنعهم إِلَّا كفرهم وَنَظِير تَفْسِير الأول قَول الشَّاعِر

(وَما أعطَياني وَلَا سألْتُهُما ... إلاّ وإنَّي لحاجِزي كَرمي)

يَقُول إِلَّا وَهَذِه حَالي فعلى هَذَا وَضعه سِيبَوَيْهٍ وَغَيره ينشد

(أَلا وَإِنِّي لَحاجزي كرمي ... )

فَهَذِهِ الرِّوَايَة خَارِجَة من ذَلِك التَّفْسِير وَمَعْنَاهُ أَن أَلا تَنْبِيه وَأَرَادَ أَنا حاجزي كرمي من أَن أسأَل أَو قبل

هَذَا بَاب إنَّ الْمَكْسُورَة ومواقعها

اعْلَم أَن مَكَانهَا فِي الْكَلَام فِي أحد ثَلَاثَة مَوَاضِع ترجع إِلَى مَوضِع وَاحِد وَهُوَ الِابْتِدَاء لِأَنَّهُ مَوضِع لَا يخلص للاسم دون الْفِعْل وَإِنَّمَا تكون الْمَفْتُوحَة فِي الْموضع الَّذِي لَا يجوز أَن يَقع فِيهِ إِلَّا الِاسْم وَذَلِكَ قَوْلك إِن زيدا منطلق وَإِن عمرا قَائِم لَا يكون فِي هَذَا الْموضع إِلَّا الْكسر فَأَما قَوْله {وَإِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة} فَإِنَّمَا الْمَعْنى معنى اللَّام وَالتَّقْدِير ولأنَّ هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة وَأَنا ربكُم فاعبدون وَكَذَلِكَ قَوْله عِنْد الْخَلِيل {وَإنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعٌ وَا مَعَ اللهِ أحَداً} أَي وَلِأَن وَأما الْمُفَسِّرُونَ فَقَالُوا هُوَ على {أُوحِي} وَهَذَا وَجه حسن جميل وَزعم قوم من النَّحْوِيين أَن مَوضِع أَن خفض فِي هَاتين الْآيَتَيْنِ وَمَا أشبههما وَأَن اللَّام مضمرة وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء وَاحْتَجُّوا بإضمار رب فِي قَوْله

(وبَلَدٍ لَيْسَ بهِ أنيسٌ ... ) وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا لِأَن الْوَاو بدل من رب كَمَا ذكرت لَك وَالْوَاو فِي قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {وَأَن الْمَسَاجِد لله} وَاو عطف ومحال أَن يحذف حرف الْخَفْض وَلَا يَأْتِي مِنْهُ بدل وَاحْتج هَؤُلَاءِ بأنك لَا تَقول أَنَّك منطلق بَلغنِي أَو علمت فَقيل لَهُم هِيَ لَا تتقدم إِلَّا مَكْسُورَة وَإِنَّمَا كَانَت هَا هُنَا بعد الْوَاو مَنْصُوبَة لِأَن الْمَعْنى معنى اللَّام كَمَا تَقول جئْتُك ابْتِغَاء الْخَيْر فتنصب وَالْمعْنَى معنى اللَّام وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّاعِر

(وأغْفِرُ عَوراءَ الكَريمِ ادخارَهُ ... وأعرضُ عَن شَتْمِ اللئيمِ تَكَرُّما)

فَإِذا قلت جئْتُك أَنَّك تحب الْمَعْرُوف فَالْمَعْنى معنى اللَّام فعلى هَذَا قدمت وَهَذَا قد مر فَهَذَا قَول الْخَلِيل والموضع الآخر للمكسورة أَن تدخل اللَّام فِي الْخَبَر وَقد مضى قَوْلنَا فِي هَذَا لِأَن اللَّام تقطعها مِمَّا قبلهَا فَتكون مُبتَدأَة فَهَذَا مِمَّا ذكرت لَك أَنَّهَا ترجع إِلَى الِابْتِدَاء والموضع الثَّالِث أَن تقع بعد القَوْل حِكَايَة فَتكون مُبتَدأَة كَمَا تَقول قَالَ زيد عَمْرو منطلق وَقلت الله أكبر وَقد مضى هَذَا فِي بَاب الْحِكَايَة فعلى هَذَا تَقول قَالَ زيد إِن عمرا منطلق وَقَالَ عز وَجل {قَالَ الله إِنِّي منزلهَا عَلَيْكُم} وَقَالَ {وَإِذ قَالَت الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم إِن الله اصطفاك} وَقَالَ {قَالَ يَا قوم إِنِّي لكم نَذِير مُبين} فَأَما أَتَقول الَّتِي فِي معنى الظَّن فَإِنَّهَا تعْمل فِي أَن عَملهَا فِي الِاسْم كَمَا قَالَ

(أجُهالاً تَقولُ بَني لُؤيِّ ... لَعَمْرُ أبيكَ أمْ مُتَجَاهِيلِنا)

وكما قَالَ

(أما الرَحيلَ فدونَ بعدِ غدٍ ... فَمَتى تَقولُ الدَارَ تَجْمَعُنا)

لِأَنَّهُ يُرِيد الظَّن فعلى هَذَا تَقول مَتى تَقول أَن زيدا منطلق وأتقول أَن عمرا خَارج فَإِن لم ترد بهَا تظن وَأَرَدْت بهَا الْحِكَايَة كسرت كَمَا أَنَّك تَقول زيد منطلق تُرِيدُ اللَّفْظ وَلَا تُرِيدُ الظَّن

هَذَا بَاب من أَبْوَاب إنَّ الْمَكْسُورَة

تَقول قد قَالَه الْقَوْم حَتَّى إنّ زيدا يَقُوله وَقد شربوا حَتَّى إِن أحدهم يجر بَطْنه لِأَنَّهُ مَوضِع ابْتِدَاء أَلا ترى أَنَّك تَقول قد قَالَه الْقَوْم حَتَّى زيد يَقُوله لَو قلت فِي هَذَا الْموضع أَن كَانَ محالا لِأَن أَن مصدر يَبْنِي عَن قصَّة فَلَو كَانَ قد قَالَه الْقَوْم حَتَّى قَول زيد كَانَ محالا وَلَكِن لَو قلت بَلغنِي حَدِيثك حَتَّى أَنَّك تظلم النَّاس كَانَ من مَوَاضِع أَن الْمَفْتُوحَة لِأَن الْمَعْنى بَلغنِي أَمرك حَتَّى ظلمك النَّاس وَإِنَّمَا يصلح هَذَا وَيفْسد بِالْمَعْنَى وَتقول ظَنَنْت زيدا إِنَّه منطلق لَا تكون إِلَّا الْمَكْسُورَة لِأَن الْمَعْنى ظَنَنْت زيدا هُوَ منطلق كَمَا تَقول ظَنَنْت زيدا أَبوهُ منطلق وَلَو قلت ظَنَنْت زيدا أَنه منطلق ففتحت لَكَانَ الْمَعْنى ظَنَنْت زيدا الانطلاق وَهَذَا محَال وَلَكِن لَو قلت ظَنَنْت أَمرك أَنَّك تظلم النَّاس كَانَ جيدا لِأَن الْمَعْنى ظَنَنْت أَمرك ظلمك النَّاس وَكَذَلِكَ ظَنَنْت زيدا عَاقِلا فَإِذا أَنه أَحمَق إِنَّمَا تُرِيدُ فَإِذا هُوَ أَحمَق كَمَا قَالَ

(وكُنتُ أرى زيدا كَمَا قيلَ سيّدا ... إِذا أنَّهُ عَبْدُ القَفا واللَّهازمِ)

وَتقول عهدي بِهِ شَابًّا وَإنَّهُ يَوْمئِذٍ يفخر أَي وَهَذِه حَاله وَلَو قلت أَنه جَازَ على بعد كَأَنَّك قلت عهدي بِهِ شَابًّا وبفخره وَكَذَلِكَ لَو قلت رَأَيْت زيدا عَاقِلا فَإِذا إِنَّه أَحمَق وَكنت أرَاهُ حرا فَإِذا إِنَّه عبد وَلَو قلت أَنه جَازَ كَأَنَّك قلت ظننته حرا فَإِذا الْعُبُودِيَّة أمره فَأَما قَوْله {لَا جرم أَن لَهُم النَّار} فَأن مُرْتَفعَة بجزم وَمَعْنَاهَا وَالله اعْلَم حق أَن لَهُم النَّار كَمَا قَالَ عز وَجل {وَلَا يجرمنكم شنآن قوم} أَي لَا يحقنكم قَالَ الشَّاعِر

(ولَقَدْ طَعَنْتَ أَبَا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً ... جَرَمَتْ فَزَارَةَ بَعدها أنْ يَغضَبوا) وَتقول أَلا انه منطلق فألا تَنْبِيه وَأَنه مُبْتَدأ وَتقول أما إِنَّه منطلق على ذَلِك الْمَذْهَب وَلَو قلت أما أَنه منطلق جَازَ على معنى حَقًا أَنه منطلق إِذا أردْت بهَا فِي التَّحْقِيق والتوكيد مَا أردْت بِقَوْلِك حَقًا لأَنهم يضعونها فِي موضعهَا فَهَذَا قِيَاس مطرد فِيمَا ذكرت لَك

هَذَا بَاب الظروف وَأما إِذا اتَّصَلت بِشَيْء منهنَّ أنَّ

تَقول يَوْم الْجُمُعَة أَنْت خَارج وَالْيَوْم أَنَّك راحل وَلَك على أَنَّك لَا تؤذي لِأَنَّهُ أَرَادَ يَوْم الْجُمُعَة خُرُوجك وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رحلتك وَلَك على ترك الْأَذَى أَلا ترى أَنَّك لَو وضعت ذَاك فِي هَذَا الْموضع لصلح فَكنت تَقول فِي يَوْم الْجُمُعَة ذَاك وَلَك على ذَاك فَإِن قَالَ قَائِل هَل يجوز الْيَوْم انك منطلق وَلَك على إِنَّك لَا تؤذي فَإِن ذَلِك غير جَائِز لِأَنَّك تُرِيدُ التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير فَيكون على قَوْلك إِنَّك منطلق الْيَوْم وَإنَّك لَا تؤذي لَك على وَإِن رحلتك يَوْم الْجُمُعَة وَإِنَّمَا فسد لِأَن إِن لَا يصلح فِيهَا التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير كَمَا لم يصلح ذَلِك فِيمَا تعْمل فِيهِ من الْأَسْمَاء إِذا كَانَت مَكْسُورَة فَإِذا كَانَت مَفْتُوحَة جَازَ فِيهَا التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير أَعنِي تَقْدِيم الْخَبَر وتأخيره لِأَنَّهَا مَوْضُوعَة مَوضِع الْمصدر وَتقول أما يَوْم الْجُمُعَة فَإنَّك مرتحل لِأَن معنى أما مهما يكن من شَيْء فَإنَّك مرتحل يَوْم الْجُمُعَة فَمَا بعد الْفَاء يَقع مُبْتَدأ أَلا ترى أَنَّك تَقول أما زيدا فضريت فَإِنَّمَا هُوَ على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير لَا يكون إِلَّا ذَلِك لِأَن الْمَعْنى مهما يكن من شَيْء فزيدا ضربت أَو فَضربت زيدا وَلَو قَالَ قَائِل أما يَوْم الْجُمُعَة فَإنَّك مرتحل لجَاز فَيكون التَّقْدِير مهما يكن من شَيْء فَفِي يَوْم الْجُمُعَة رحلتك فَهَذَا تَقْدِير مَا يَقع فِي أما وَالدَّلِيل على أَنَّهَا فِي معنى الْجَزَاء لُزُوم الْفَاء لجوابها نَحْو أما زيد منطلق {فَأَما الْيَتِيم فَلَا تقهر} (وَأمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُم) و {أمّا مَنْ اسْتَغْنَى فَأنتَ لَهُ تَصَدَّى} فَالْمَعْنى مهما يكن من شَيْء فَهَذَا الْأَمر فِيهِ فَإِنَّمَا تقديرها فِي الْكَلَام كُله التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير لَا يكون إِلَّا على ذَلِك

هَذَا بَاب من أَبْوَاب أَن مكررة

وَذَلِكَ قَوْلك قد علمت أَن زيدا إِذا أَتَاك أَنه سيكرمك وَذَلِكَ أَنَّك قد أردْت قد علمت أَن زيدا إِذا أَتَاك سيكرمك فكررت الثَّانِيَة توكيدا وَلست تُرِيدُ بهَا إِلَّا مَا أردْت بِالْأولَى فَمن ذَلِك قَوْله عز وَجل {أيعدكم أَنكُمْ إِذا متم وكنتم تُرَابا وعظاما أَنكُمْ مخرجون} فَهَذَا احسن الْأَقَاوِيل عِنْدِي فِي هَذِه الْآيَة وَقد قيل فِيهَا غير هَذَا وَنحن ذاكروه فِي آخر الْبَاب إِن شَاءَ الله وَنَظِير تَكْرِير أَن هَا هُنَا قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {وهم بِالآخِرَة هم كافرون} وَقَوله عز وَجل {فَكَانَ عاقبتهما أَنَّهُمَا فِي النَّار خَالِدين فِيهَا} وَكَذَلِكَ قَوْله عز وَجل {وأمّا الّذينَ سُعِدوُا فَفِي الجَنَّةِ خَالِدينَ فيِها} وَمن هَذَا الْبَاب عندنَا وَهُوَ قَول أبي عمر الْجرْمِي {ألم يعلمُوا أَنه من يحادد الله وَرَسُوله فَأن لَهُ نَار جَهَنَّم} فالتقدير وَالله أعلم فَلهُ نَار جَهَنَّم وَردت أنّ توكيدا وَإِن كسرهَا كاسر جعلهَا مُبتَدأَة بعد الْفَاء لِأَن مَا بعد فَاء المجازة ابْتِدَاء كَقَوْلِه عز وَجل (قُلْ إنَّ المَوْتَ الَّذي تُفِرُّونَ مِنْهُ فإنَّهُ مُلاقيكُم) فإنَّ فِي هَذَا الْموضع يجوز أَن تكون الأولى الَّتِي وَقعت بعد الْحِكَايَة كررت وَيجوز أَن تكون وَقعت مُبتَدأَة بعد الْفَاء كَقَوْلِك من يأتني فَإِنِّي سأكرمه وَأما أَبُو الْحسن الْأَخْفَش فَقَالَ فِي قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {ألَمْ يعْلَموا أّنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأنَّ لَهُ نارُ جَهَنَّمَ} قَالَ الْمَعْنى فَوَجَبَ النَّار لَهُ ثمَّ وضع أَن فِي مَوضِع الْمصدر فَهَذَا قَول لَيْسَ بِالْقَوِيّ لِأَنَّهُ يفتحها مُبتَدأَة ويضمر الْخَبَر وَكَذَلِكَ قَالَ فِي قَوْله {كَتَبَ رَبَّكُمْ على نَفْسِهِ الرَحْمَةَ أنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةِ ثُّمَ تَابَ مِنْ بعدِهِ وأصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ} أَي فَوَجَبَ الرَّحْمَة لَهُ وَالْقَوْل فِيهِ عندنَا التكرير على مَا ذكرت لَك فَأَما مَا قيل فِي الْآيَة الَّتِي ذكرنَا قبل سوى القَوْل الَّذِي اخترناه وَهِي {أيعدكم أَنكُمْ إِذا متم وكنتم تُرَابا وعظاما أَنكُمْ مخرجون} فَإِن يكون {أَنكُمْ مخرجون} مرتفعا بالظرف كَأَنَّهُ فِي التَّقْدِير أيعدكم أَنكُمْ إِذا متم إخراجكم فَهَذَا قَول حسن جميل وَأما سِيبَوَيْهٍ فَكَانَ يَقُول الْمَعْنى أَن يعد وَقعت على أَن الثَّانِيَة وَذكر أَن الأولى ليعلم بعد أَي شَيْء يكون الْإِخْرَاج صفحة فارغة وَهَذَا قَول لَيْسَ بِالْقَوِيّ

هَذَا بَاب أنَّ وإنَّ الخفيفتين

اعْلَم أَن أنْ تكون فِي الْكَلَام على أَرْبَعَة أوجه فَوجه أَن تكون هِيَ وَالْفِعْل الَّذِي تنصبه مصدرا نَحْو قَوْلك أُرِيد أَن تقوم يَا فَتى أَي أُرِيد قيامك وَأَرْجُو أَن تذْهب يَا فَتى أَي أَرْجُو ذهابك فَمن ذَلِك قَول الله {وَأَن تَصُومُوا خير لكم} أَي وَالصِّيَام خير لكم وَمثله {وَأَن يستعففن خير لَهُنَّ} وَوجه آخر أَن تكون مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة وَذَلِكَ قَوْله عز وَجل {وَآخر دَعوَاهُم أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين} لَو نصبت بهَا وَهِي مُخَفّفَة لجَاز فَإِذا رفعت مَا بعْدهَا فعلى حذف التثقيل والمضمر فِي النِّيَّة فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنه الْحَمد لله رب الْعَالمين وَقد مضى تَفْسِير هَذَا فِي وضع عَملهَا خَفِيفَة وَالْوَجْه الثَّالِث أَن تكون فِي معنى أَي الَّتِي تقع للعبارة وَالتَّفْسِير وَذَلِكَ قَوْله عز وَجل {وَانْطَلق الْمَلأ مِنْهُم أَن امشوا واصبروا على آلِهَتكُم} وَمثله بنيت الحَدِيث أَن قد كَانَ كَذَا وَكَذَا وتريد أَي امشوا وَأي قد كَانَ كَذَا وَكَذَا وَوجه رَابِع أَن تكون زَائِدَة مُؤَكدَة وَذَلِكَ قَوْلك لما أَن جَاءَ زيد قُمْت وَوَاللَّه أَن لَو فعلت لأكرمك وَأما إِن الْمَكْسُورَة فَإِن لَهَا أَرْبَعَة أوجه مُخَالفَة لهَذِهِ الْوُجُوه فَمن ذَلِك إِن الْجَزَاء وَذَلِكَ قَوْلك إِن تأتني آتِك وَهِي أصل الْجَزَاء كَمَا أَن الْألف أصل الِاسْتِفْهَام وَتَكون فِي معنى مَا تَقول عَن أَن زيد منطلق أَي مَا زيد منطلق وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ لَا يرى فِيهَا إِلَّا رفع الْخَبَر لِأَنَّهَا حرف نفي دخل على ابْتِدَاء وَخَبره كَمَا تدخل ألف الِاسْتِفْهَام فَلَا تغيره وَذَلِكَ لمَذْهَب بني تَمِيم فِي مَا وَغَيره يُجِيز نصب الْخَبَر على تَشْبِيه بِلبْس كَمَا فعل ذَلِك فِي مَا وَهَذَا هُوَ القَوْل لِأَنَّهُ لَا فصل بَينهَا وَبَين مَا فِي الْمَعْنى وَذَلِكَ قَوْله عز وَجل {إنِ الكَافِرِونَ إلاّ فِي غٌ رُورِ} وَقَالَ {إِن يَقُولُونَ إِلَّا كذبا} فهذان موضعان والموضع الثَّالِث أَن تكون إِن الْمَكْسُورَة المخففة من الثَّقِيلَة فَإِذا رفعت مَا بعْدهَا لزمك أَن تدخل اللَّام على الْخَبَر وَلم يجز غير ذَلِك لِأَن لَفظهَا كَلَفْظِ الَّتِي فِي معنى مَا وَإِذا دخلت اللَّام علم أَنَّهَا الْمُوجبَة لَا النافية وَذَلِكَ قَوْلك إنْ زيد منطلق وعَلى هَذَا قَوْله عز وَجل {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} (وإنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ) وَإِن نصبت بهَا لم تحتج إِلَى اللَّام إِلَّا أَن تدْخلهَا توكيدا كَمَا تَقول إِن زيدا لمنطلق والموضع الرَّابِع أَن تدخل زَائِدَة مَعَ مَا فتردها إِلَى الِابْتِدَاء كَمَا تدخل مَا على إِن الثَّقِيلَة فتمنعها عَملهَا وتردها إِلَى الِابْتِدَاء فِي قَوْلك إِنَّمَا زيد أَخُوك و {إنَّما يَخْشى الله مِنْ عِبادِهِ العُلَماءُ} وَذَلِكَ قَوْلك مَا أَن يقوم زيد وَمَا أَن زيد منطلق لَا يكون الْخَبَر إِلَّا مَرْفُوعا لما ذكرت لَك قَالَ زُهَيْر

(مَا أنْ يَكادُ يُخَلّيِهِمْ لِوِجهَتِهمْ ... تَخالجُ الأمرِ إنَّ الأمرِ مُشْتَرِكُ) وَقَالَ آخر

(وَمَا أنْ طِبْنا جُبْنٌ ولكنْ ... منايانا ودولةُ آخَرينا)

فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا بالها لما خففت من الثَّقِيلَة الْمَكْسُورَة اختير بعْدهَا الرّفْع وَلم يصلح ذَلِك فِي المخففة من الْمَفْتُوحَة إِلَّا أَن ترفع على أَن يضمر فِيهَا قيل لِأَن الْمَفْتُوحَة وَمَا بعْدهَا مصدر فَلَا معنى لَهَا فِي الإبتداء والمكسورة إِنَّمَا دخلت على الإبتداء وَخَبره فَلَمَّا نقصت عَن وزن الْفِعْل رَجَعَ الْكَلَام إِلَى أَصله وَمن رأى النصب بهَا أَو بالمفتوحة مَعَ التَّخْفِيف قَالَ هما بِمَنْزِلَة الْفِعْل فَإِذا خففتا كَانَتَا بِمَنْزِلَة فعل مَحْذُوف مِنْهُ فالفعل يعْمل محذوفا عمله تَاما فَذَلِك قَوْلك لم يَك زيد مُنْطَلقًا فَعمل عمله وَالنُّون فِيهِ والأقيس الرّفْع فِيمَا بعْدهَا لِأَن إِن إِنَّمَا أشبهت الْفِعْل بِاللَّفْظِ لَا بِالْمَعْنَى فَإِذا نقص اللَّفْظ ذهب الشّبَه وَلذَلِك الْوَجْه الآخر وَجه من الْقيَاس كَمَا ذكرت لَك وَكَانَ الْخَلِيل يقْرَأ {إِن هَذَانِ لساحران} فَيُؤَدِّي خطّ الْمُصحف وَمعنى إنَّ الثَّقِيلَة فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود {إنَّ ذانِ لَسَاحِرانِ}

هَذَا بَاب (أَنْ) الْمَفْتُوحَة وتصرفها

اعْلَم أَنَّهَا إِذا كَانَت مَعَ الْفِعْل مصدرا جَازَ تَقْدِيمهَا وتأخيرها، وَوَقعت فى كل مَوضِع تقع فِيهِ الْأَسْمَاء إِلَّا أَن مَعْنَاهَا - إِذا وَقعت على فعل مُستقبل - أَنَّهَا تنصبه، وَذَلِكَ الْفِعْل لما لم يَقع وَلَا يكون للْحَال وَذَلِكَ قَوْلك أَن تأتينى خير لَك ويسرنى أَن تقوم يَا فَتى وأكره أَن تذْهب إِلَى زيد فَهَذَا هَكَذَا وَإِن وَقعت على فعل مَاض كَانَت مصدرا لما مضى تَقول سرنى أَن قُمْت، وساءنى أَن كلمك زيد وَأَنت غَضْبَان على: أَن كلمت زيدا أى: لهَذِهِ الْعلَّة وَاعْلَم أَنَّهَا إِذا وَقعت بعْدهَا الْأَفْعَال الْمُسْتَقْبلَة وَكَانَت بَينهَا وَبَينهَا (لَا) ، فَإِن عَملهَا على حَاله تَقول: أحب أَلا / تذْهب يَا فَتى، وأكره أَلا تكلم زيدا وَالْمعْنَى: أكره تَركك كَلَام زيد فَإِن أردْت بهَا الثَّقِيلَة لم يجز أَن يَليهَا الْفِعْل إِلَّا أَن تأتى بعوض مِمَّا حذفت من الْمُضمر والتثقيل وَنحن ذاكرو ذَلِك إِن شَاءَ الله وَذَلِكَ قَوْلك - إِذا أردْت الثَّقِيلَة - قد علمت أَن لَا تقوم، تُرِيدُ: أَنَّك لَا تقوم ف (لَا) عوض وهى - إِذا أردْت الْخَفِيفَة - غير فاصلة بَين (أَن) وَالْفِعْل فَأَما السِّين وسوف فَلَا يكون (أَن) قبلهمَا إِلَّا على التثقيل والإضمار، لِأَنَّهُمَا ليستا ك (لَا) أَلا ترى أَنَّك تَقول: مَرَرْت بِرَجُل لَا قَائِم وَلَا قَاعد، فَيكون بِمَنْزِلَة قَوْلك: مَرَرْت بِرَجُل قَائِم وقاعد فى الْإِعْرَاب، وَإِن كَانَ الأول منفيا وَكَذَلِكَ كَانَ عبد الله لَا شجاعا وَلَا بطلا وَلَا تقع السِّين وسوف هَذَا الْموقع، فعلى هَذَا تَقول: علمت أَن سيقومون، وَأَن سَوف يقومُونَ لَا يكون إِلَّا على ذَلِك وللثقيلة أَفعَال، وللخفيفة أَفعَال سواهَا، وَذَلِكَ مَذْكُور على إِثْر هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله فَإِن أردْت الثَّقِيلَة مَعَ الْفِعْل الْمَاضِي دخل من الْعِوَض قد فَقلت قد علمت أَن قد ذهب زيد أَي أَنه قد ذهب زيد

هَذَا بَاب الْأَفْعَال الَّتِى لَا تكون أَن مَعهَا إِلَّا ثَقيلَة وَالْأَفْعَال الَّتِى لَا تكون مَعهَا إِلَّا خَفِيفَة وَالْأَفْعَال المحتملة للثقيل والخفيفة

أما مَا كَانَ من الْعلم فَإِن (أَن) لَا تكون بعده إِلَّا ثَقيلَة لِأَنَّهُ شئ قد ثَبت وَاسْتقر وَذَلِكَ قَوْلك قد علمت أَن زيدا منطلق فَإِن خففت فعلى إِرَادَة التثقيل والإضمار وَتقول قد علمت أَن سيقوم زيد تُرِيدُ أَنه سيقوم زيد قَالَ الله عز وَجل {علم أَن سَيكون مِنْكُم مرضى} لِأَنَّهُ شئ قد اسْتَقر أَلا ترى أَنه لَا يصلح علمت أَن يقوم زيد لِأَن (أَن) الْخَفِيفَة إِنَّمَا تكون لما لم يثبت نَحْو خفت أَن تقوم يَا فَتى وَأَرْجُو أَن تذْهب إِلَى زيد لِأَنَّهُ شئ لم يسْتَقرّ فَكل مَا كَانَ من الرَّجَاء وَالْخَوْف فَهَذَا مجازه فَأَما الْأَفْعَال / الَّتِى تشترك فِيهَا الْخَفِيفَة والثقيلة فَمَا كَانَ من الظَّن فَأَما وُقُوع الثَّقِيلَة فعلى أَنه قد اسْتَقر فى ظَنك كَمَا اسْتَقر الأول فى علمك وَذَلِكَ قَوْلك طننت أَنَّك تقوم وحسبت أَنَّك منطلق فَإِذا أدخلت على المحذوفة الْعِوَض قلت حسبت أَن سيقومون وَكَذَلِكَ تَقول ظنت أَن لَا تَقول خيرا تُرِيدُ أَنَّك لَا تَقول خيرا وَأما النصب فعلى أَنه شئ لم يسْتَقرّ فقد دخل فى بَاب رَجَوْت وَخفت بِهَذَا الْمَعْنى وَهَذِه الْآيَة تقْرَأ على وَجْهَيْن {وَحَسِبُوا أَنْ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} و {أَن لَا تكونُ فتنةُ} فانتصب مَا بعد لَا وهى عوض كَمَا أوقعت الْخَفِيفَة الناصبة بعد ظَنَنْت بِغَيْر عوض وَذَلِكَ قَوْله عز وَجل {تظن أَن يفعل بهَا فاقرة} ، لِأَن مَعْنَاهَا معنى مَا لم يسْتَقرّ وَكَذَلِكَ: {إِن ظنا أَن يُقِيمَا حُدُود الله} وَزعم سيبوية / أَنه يجوز: خفت أَن لَا تقوم يَا فَتى، إّذا خَافَ شَيْئا كالمستقر عِنْده وَهَذَا بعيد وَأَجَازَ أَن تَقول: مَا أعلم إِلَّا أَن تقوم، إِذا لم يرد علما وَاقعا، وَكَانَ هَذَا القَوْل جَارِيا على بَاب الْإِشَارَة أى: أرى، من الرَّأْي وَهَذَا وَهَذَا فى الْبعد كالذى ذكرنَا قبله وَجُمْلَة الْبَاب تَدور على مَا شرحت لَك من التَّبْيِين والتوقع فَأَما قَول الله عز وَجل {أَفلا يرَوْنَ أَن لَا يرجع إِلَيْهِم} فَإِن الْوَجْه فِيهِ الرّفْع، وَالْمعْنَى: أَنه لَا يرجع إِلَيْهِم قولا، لِأَنَّهُ علم وَاقع وَالْوَجْه فى قَول الشَّاعِر:

(أفنى عرائكها وخدد لَحمهَا ... أَن لَا تذوق مَعَ الشكائم عودا)

وَالرَّفْع، لِأَنَّهُ يُرِيد: إِن الذى أفنى عرائكها هَذَا فَهَذَا على الْمِنْهَاج الذى ذكرت لَك

هَذَا بَاب مَا لحقته / (إِن) و (أَن) الخفيفتان فى الدُّعَاء وَمَا جرى مجْرَاه

تَقول: أما إِن غفر الله لَك، وَإِن شِئْت: أما أَن، على مَا فسرت لَك فى (أما) أَنَّهَا تقع للتّنْبِيه، وَتَقَع فى معنى قَوْلك: حَقًا، فالتقدير: أما إِنَّه، وَأما أَنه غفر الله لَك فَإِن قلت: فَكيف جَازَ الْإِضْمَار والحذف بِغَيْر عوض؟ فَإِنَّمَا ذَلِك لِأَنَّك لَا تصل إِلَى (قد) ، لِأَنَّك دَاع، وَلست مخبرا، أَلا ترى أَن الْإِضْمَار قد دخل فى الْمَكْسُورَة لهَذَا الْمَعْنى، وَلَا يدْخل فِيهَا فى شئ من الْكَلَام وَتقول فى الْمُسْتَقْبل على هَذَا الْمِنْهَاج: أما أَن يغْفر الله لَك، تُرِيدُ: أما أَنه، وَإِن شِئْت: أما إِن يغْفر الله لَك، لِأَنَّك لَو أدخلت السِّين أَو سَوف لتغير الْمَعْنى، وَكنت مخبرا، وَلَو أدخلت (لَا) لانقلب الْمَعْنى، وصرت دَاعيا عَلَيْهِ، فَلذَلِك جَازَ بِغَيْر عوض وَلما كَانَت الْمَكْسُورَة / تحذف بتثقيلها مَعَ الضَّمِير فى هَذَا الْموضع ليوصل إِلَى هَذَا الْمَعْنى، وَلَا يَقع ذَلِك فِيهَا فى شئ من الْكَلَام غير هَذَا الْموضع - كَانَت الْمَفْتُوحَة أولى، لِأَن الضَّمِير فِيهَا مَعَ الْعِوَض فَأَما قَوْلك: قد علمت أَن زيد منطلق فَمَعْنَاه: أَنه زيد منطلق وَلَا تحْتَاج إِلَى عوض كَمَا قَالَ الشَّاعِر:

(فى فتية كسيوف الْهِنْد قد علمُوا ... أَن هَالك كل من يحفى وينتعل) وَإِنَّمَا امْتنع الْفِعْل أَن يَقع بعْدهَا بِغَيْر عوض، لِأَن الْفِعْل لم يكن ليَقَع بعْدهَا لَو ثقلت، وأعلمت كَمَا يكون الِاسْم فَلم يَكُونُوا ليجمعوا عَلَيْهَا الْحَذف بِغَيْر عوض، وَأَن يوقعوا بعْدهَا مَا لَا تقع عَلَيْهِ لَو ثقلت وأعلمت، لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْفِعْل وَلَا يَقع فعل على فعل

هَذَا بَاب النونين: الثَّقِيلَة والخفيفة وَمَعْرِفَة مواقعها من الْأَفْعَال

اعْلَم أَنَّهُمَا لَا تدخلان من الْأَفْعَال إِلَّا على مَا لم يجب، وَلَا يكون من ذَلِك إِلَّا فى الْفِعْل الذى يُؤَكد ليَقَع وَذَلِكَ مَا لم يكن خَبرا فِيمَا ضارع الْقسم فَأَما الْقسم فإحداهما فِيهِ وَاجِبَة لَا محَالة وَأما مَا ضارعه فَأَنت فِيهِ مُخَيّر وَذَلِكَ قَوْلك فى الْقسم: وَالله لأقومن، وَحقّ زيد لأمضين، فَيلْحق النُّون إِمَّا خَفِيفَة وَإِمَّا ثَقيلَة، وَلَا يكون الْقسم إِلَّا كَذَاك وَقد شرحنا ذَلِك فى بَاب الْقسم: لم كَانَت فِيهِ وَاجِبَة؟ وَأما الثَّقِيلَة فكقوله عز وَجل {ليسجنن وليكونن من الصاغرين} وَأما الْخَفِيفَة فعلى قِرَاءَة من قَرَأَ: {وليكونن من الصاغرين} ، وَكَقَوْلِه: {كلا لَئِن لم ينْتَه لنسفعا بالناصية} ، وَقَالَ الشَّاعِر:

(وفى ذمتى لَئِن فعلت ليفعلا ... ) فَمن موَاضعهَا: الْأَمر، والنهى، لِأَنَّهُمَا غير واجبين وَذَلِكَ قَوْلك - إِذا لم تأت بهما -: اضْرِب، وَلَا تضرب، فَإِذا أتيت بهَا قلت /: اضربن زيدا، وَلَا تضربن زيدا، وَإِن شِئْت ثقلت النُّون، وَإِن شِئْت خففتها وهى - إِذا خففت - مُؤَكدَة، وَإِذا ثقلت فهى أَشد توكيدا، وَإِن شِئْت لم تأت بهَا فَقلت: اضْرِب، وَلَا تضرب قَالَ الله عز وَجل: {وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَئٍ إِنَّى فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً} ، وَقَالَ: {وَلَا تتبعان سَبِيل الَّذين لَا يعلمُونَ} ، وَقَالَ: {فَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ} وَقَالَ الشَّاعِر فِي الْخَفِيفَة:

(فإياك وَالْمَيتَات لَا تقربنها ... وَلَا تأخذن سَهْما حديداً لتفصدا) وَقَالَ الاخر:

(فأنزلن سكينَة علينا ... )

والطلب يجرى مجْرى الْأَمر والنهى، وَقد مضى القَوْل فى هَذَا وَمن مواضعهما: الِاسْتِفْهَام، لِأَنَّهُ غير وَاجِب وَذَلِكَ قَوْلك: هَل تضربن زيدا، وَهل يقومن زيد يَا فَتى وَتدْخل الْخَفِيفَة كَمَا دخلت الثَّقِيلَة، لِأَنَّهُمَا فى التوكيد على مَا ذكرت لَك وَمن موَاضعهَا: الْجَزَاء إِذا لحقت (مَا) زَائِدَة فى حرف الْجَزَاء، لِأَنَّهَا تكون / كاللام الَّتِى تلْحق فى الْقسم فى قَوْلك: لَأَفْعَلَنَّ، وَذَلِكَ قَوْلك: إِمَّا تأتينى آتِك، وَمَتى مَا تقعدن أقعد فَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل: {فإمَّا تَرين من الْبشر أحدا} ، وَقَالَ: {وَإِمَّا تعرضن عَنْهُم} فَإِن كَانَ الجزاءُ بِغَيْر (م) قبُح دخولُها فِيهِ، لِأَنَّهُ خبر يجب آخِره بِوُجُوب أَوله وَإِنَّمَا يجوز دُخُولهَا الْجَزَاء بِغَيْر (مَا) فى الشّعْر للضَّرُورَة، كَمَا يجوز ذَلِك فى الْخَبَر فَمن ذَلِك قَوْله:

(من تثقفن مِنْهُم فَلَيْسَ بآئب ... أبدا، وَقتل بنى قُتَيْبَة شافى) فَهَذَا يجوز، كَمَا قَالَ فى الْخَبَر:

(رُبمَا أوفيت فى علم ... ترفعن ثوبى شمالات)

وَمن أَمْثَال الْعَرَب: " بِعَين مَا أرينك " و " بألم مَا تختننه " فَإِنَّمَا أَدخل النُّون من أجل (مَا) الزَّائِدَة كاللام كَمَا ذكرت لَك صفحة فارغة

هَذَا بَاب الْوُقُوف على النونين: الْخَفِيفَة والثقيلة

اعْلَم أَنَّك إِذا وقفت على الثَّقِيلَة كَانَ الْوَقْف عَلَيْهَا / كالوقف على غَيرهَا من الْحُرُوف المبنية على الْحَرَكَة فَإِن شِئْت كَانَ وَقفهَا كوصلها، وَإِن شِئْت ألحقت هَاء لبَيَان الْحَرَكَة كَمَا تَقول: ارمه، واغزه، واخشه فَهَذَا وَجههَا وَإِن شِئْت قلت على قَوْلك: ارْمِ، اغز، اخش، فَقلت: اضربن، وارمين، وقولن فَهَذَا أَمر الثَّقِيلَة فَأَما الْخَفِيفَة فَإِنَّهَا فى الْفِعْل بِمَنْزِلَة التَّنْوِين فى الِاسْم فَإِذا كَانَ مَا قبلهَا مَفْتُوحًا أبدلت مِنْهَا الْألف، وَذَلِكَ قَوْلك: اضربن زيدا فَإِذا وقفت: قلت: اضربا، وَكَذَلِكَ: وَالله ليضربن زيدا فَإِن وقفت قلت: لتضربا، كَمَا قَالَ: {لنسفعا بالناصية} فَإِذا كَانَ مَا قبلهَا مضموما أَو مكسورا، كَانَ الْوَقْف بِغَيْر نون وَلَا بدل مِنْهَا، لِأَنَّك تَقول فى الْأَسْمَاء فى النصب: رَأَيْت زيدا، فتبدل من التَّنْوِين ألفا، وَتقول فى الرّفْع: هَذَا زيد، وفى الْخَفْض: مَرَرْت بزيد، فَلَا يكون الْوَقْف كالوصل وَكَذَلِكَ هَذِه الْأَفْعَال، تَقول للْجَمَاعَة - إِذا أردْت النُّون الْخَفِيفَة - اضربن زيدا /، فَإِن وقفت قلت: اضربوا، واضربن زيدا يَا امْرَأَة، فَإِن وقفت قلت: اضربى وفى نُسْخَة أُخْرَى: وَكَذَلِكَ هَذِه الْأَفْعَال تَقول: وَالله لتضربن زيدا فَإِن وقفت قلت: لتضربون، وَتقول: هَل تضربن زيدا يَا امْرَأَة، فَإِن وقفت قلت: هَل تضربين فَهَذَا نَظِير مَا ذكرت لَك وَلَا فصل بَين النُّون الْخَفِيفَة فِي الْأَفْعَال وَبَين التَّنْوِين فى الْأَسْمَاء، إِلَّا أَن النُّون تحذف إِذا لقيها سَاكن، والتنوين يُحَرك لالتقاء الساكنين وَقد يجوز حذفه فى الشّعْر وفى ضعف من الْكَلَام، فَتَقول - إِذا أردْت النُّون الْخَفِيفَة -: اضْرِب الرجل حذفت النُّون لالتقاء الساكنين، فَهَذَا أمرهَا وَإِنَّمَا حذفت وخالفت التَّنْوِين، لِأَن مَا يلْحق الْأَفْعَال أَضْعَف مِمَّا يلْحق الْأَسْمَاء، لِأَن الْأَفْعَال أَنْت فى إِدْخَال النُّون عَلَيْهَا مُخَيّر، إِلَّا مَا وَقع مِنْهَا فى الْمُسْتَقْبل فى الْقسم، والأسماء كل مَا ينْصَرف مِنْهَا فالنون الَّتِى تسمى التَّنْوِين لَازِمَة فِيهِ، والأسماء هى الأول، وَالْأَفْعَال فروع ودواخل عَلَيْهَا وَإِذا وقفت / على النُّون الْخَفِيفَة فى فعل لجَمِيع مُرْتَفع - حذفت النُّون

هَذَا بَاب تَغْيِير الْأَفْعَال للنونين: الْخَفِيفَة، والثقيلة

اعْلَم أَن الْأَفْعَال - مَرْفُوعَة كَانَت أَو مَنْصُوبَة أَو مجزومة - فَإِنَّهَا تبنى مَعَ دُخُول النُّون على الفتحة، وَذَلِكَ أَنَّهَا وَالنُّون كشيء وَاحِد، فبنيت مَعَ النُّون بِنَاء خَمْسَة عشر وَلم تسكن لعلتين إِحْدَاهمَا: أَن النُّون الْخَفِيفَة سَاكِنة، والثقيلة نونان، الأولى مِنْهُمَا سَاكِنة، فَلَو أسكنت مَا قبلهَا لجمعت بَين ساكنين وَالْعلَّة الْأُخْرَى: أَنَّك حركتها، لتجعلها مَعَ النُّون كالشيء الذى يضم إِلَيْهِ غَيره، فيجعلان شَيْئا وَاحِدًا، نَحْو: بَيت بَيت، وَخَمْسَة عشر وَإِنَّمَا اختارو الفتحة، لِأَنَّهَا أخف الحركات وَذَلِكَ قَوْلك للرجل: هَل تضربن زيدا؟ وَالله لتضربن زيدا فالفعلان مرفوعان وَتقول فى الْمَوْقُوف، والمجزوم: اضربن زيدا، وَلَا تضربن عمرا، وَإِمَّا تغزون زيدا أغزه، كَمَا / قَالَ عز وَجل: {وَإِمَّا تعرضن عَنْهُم ابْتِغَاء رَحْمَة من رَبك} فَإِذا ثنيت، أَو جمعت، أَو خاطبت مؤنثا - فَإِن نَظِير الْفَتْح فى الْوَاحِد حذف النُّون مِمَّا ذكرت لَك تَقول للْمَرْأَة: هَل تضربن زيدا؟ وَلَا تضربن عمرا، فَتكون النُّون محذوفة الَّتِى كَانَت فى تضربين، أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت: لن تضرب يَا فَتى، قلت للْمَرْأَة - إِذا خاطبتها -: لن تضربى، وَكَذَلِكَ لن تضربا، وَلنْ تضربوا للاثنين وَالْجَمَاعَة فَحذف النُّون نَظِير الفتحة فى الْوَاحِد، وَذَهَبت الْيَاء فى قَوْلك: اضربن زيدا لَا لتقاء الساكنين وَكَذَلِكَ تذْهب الْوَاو فى الْجَمَاعَة إِذا قلت: اضربن زيدا، وَهل تخرجن إِلَى زيد، فَهَذَا نَظِير مَا ذكرت لَك فَإِن كَانَ قبل الْوَاو وَالْيَاء فَتْحة، لم تحذفهما لالتقاء الساكنين، وحركتا، لِأَنَّهُ إِنَّمَا تحذف الْوَاو الَّتِى قبلهَا ضمة، وَالْيَاء الَّتِى قبلهَا كسر، لِأَنَّهُمَا إِذا كَانَتَا كَذَلِك كَانَتَا حرفى لين كالألف أَلا ترى أَنَّك تَقول: ارْمِ الرجل، وَارْمُوا الرجل، فتحذف لالتقاء الساكنين / وَتقول: اخشوا الرجل، واخشى الرجل، فَتحَرك، وَلَا تحذف، لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَة الْحُرُوف الَّتِى هى غير معتلة وَمَعَ ذَلِك فَإنَّك لَو حذفت مَا قبله الفتحة لالتقاء الساكنين، لخرج اللَّفْظ إِلَى لفظ الْوَاحِد الْمُذكر، وَذَهَبت عَلامَة التَّأْنِيث وعلامة الْجمع، فَكنت تَقول: اخش الرجل فَتَقول على هَذَا للْجَمَاعَة: اخشون الرجل، وللمرأة: اخشين زيدا وكل مَا جرى مِمَّا قبله مَفْتُوح فَهَذِهِ سَبيله

هَذَا بَاب الِاثْنَيْنِ وَالْجِمَاع من النِّسَاء فى النُّون الثَّقِيلَة وامتناعهما من النُّون الْخَفِيفَة=

اعْلَم أَنَّك إِذا أمرت الِاثْنَيْنِ، وَأَرَدْت النُّون الثقيل قلت: اضربان زيدا تكسر النُّون لِأَنَّهَا بعد ألف، فهى كنون الِاثْنَيْنِ، وَالنُّون الساكنة المدغمة فِيهَا لَيْسَ بحاجز حُصَيْن لسكونها وَكَذَلِكَ: وَالله لتضربان زيدا، وَجَمِيع مَا تصرفت فِيهِ، فَهَذَا سَبِيلهَا فى الِاثْنَيْنِ قَالَ الله عز وَجل: {وَلَا تتبعان سَبِيل الَّذين لَا يعلمُونَ} فَإِذا أوقعتها فى جمع النِّسَاء قلت: / اضربنان زيدا زِدْت ألفا، لِاجْتِمَاع النونات، ففصلت بهَا بَينهُنَّ، كَمَا زِدْت فى قَول من قَالَ: آأنت فعلت ذَاك، فتجعلها بَين الهمزتين، إِذْ كَانَ التقاؤهما مَكْرُوها، وَكَذَلِكَ: لتضربنان زيدا، وَكسرت هَذِه النُّون بعد هَذِه الْألف، لِأَنَّهَا أشبهت ألف الِاثْنَيْنِ تفعل بالنُّون بعْدهَا مَا تفعل بهَا بعد ألف التَّثْنِيَة، فَلَا تحذف، لِأَنَّهَا عَلامَة، ولأنك كنت إِن حذفتها لَا تفرق بَين الِاثْنَيْنِ وَالْوَاحد وَأما الْألف الَّتِى أدخلتها للفصل بَين النونات فَلم تكن لتحذفها، لِأَن الْخَفِيفَة إِنَّمَا تقع فى موقع الثَّقِيلَة فَإِن قلت: فأجئ بهَا، وأحرك النُّون لالتقاء الساكنين، كَانَ ذَلِك غير جَائِز، لِأَن النُّون لَيست بواجبة، وَأَنت إِذا جِئْت بهَا زَائِدَة، وأحدثت لَهَا حَرَكَة، فَهَذَا مُمْتَنع وَإِن تركتهَا على سكونها جمعت بَين ساكنين / وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهَا كَانَت فى الِاسْتِفْهَام وفى الْقسم وفى الْمَوَاضِع الَّتِى يكون فِيهَا الْفِعْل مَرْفُوعا تَلْتَبِس بنُون الِاثْنَيْنِ، وَلَا سَبِيل إِلَى اجْتِمَاعهمَا لما ذكرت لَك من أَن الْفِعْل يبْنى مَعهَا على الْفَتْح وَإِنَّمَا حذفت النُّون ف التَّثْنِيَة وَالْجمع وَفعل الْمَرْأَة - إِذا خوطبت - لِأَنَّهَا كالفتح فى الْوَاحِد، أَلا ترى أَنَّك تَقول للْمَرْأَة: هَل تضربن زيدا إِذا أردْت النُّون الْخَفِيفَة، وللجماعة من الرِّجَال: هَل تضربن زيدا، فَهَذَا مَا ذكرت لَك وَكَانَ يُونُس بن حبيب يرى إثباتهما فِي فعل الِاثْنَيْنِ وَجَمَاعَة النسْوَة، فَيَقُول: اضربان زيدا، وللنساء: اضربنان زيدا، فَيجمع بَين ساكنين، وَلَا يُوجد مثل هَذَا فى كَلَام الْعَرَب إِلَّا أَن يكون السَّاكِن الثانى مدغما وَالْأول حرف لين، وَقد مضى تَفْسِير هَذَا فَإِذا وقف يُونُس وَمن يَقُول بقوله قَالَ للاثنين: اضربا، وللجماعة من النِّسَاء: اضربنا، وَإِذا وصل فعل الِاثْنَيْنِ قَالَ: / اضربان الرجل وَهَذَا خطأ على قَوْله، إِنَّمَا ينبغى على قِيَاس قَوْله أَن يَقُول: اضْرِب الرجل فيحذف النُّون، لِأَنَّهَا تحذف لالتقاء الساكنين، كَمَا ذكرت لَك فى أول الْبَاب، ثمَّ تحذف الْألف الَّتِى فى اضربا لعلامة التَّثْنِيَة، لِأَنَّهَا ايضا سَاكِنة، فَيصير لَفظه لفظ الْوَاحِد إِذا أردْت بِهِ النُّون الْخَفِيفَة، وَلَفظ الِاثْنَيْنِ بِغَيْر نون إِذا حذفت ألفها لالتقاء الساكنين

هَذَا بَاب مَالا يجوز أَن تدخله النُّون خَفِيفَة وَلَا ثَقيلَة وَذَلِكَ مَا كَانَ مِمَّا يوضع مَوضِع الْفِعْل وَلَيْسَ بِفعل

فَمن ذَلِك قَوْله: (صه) و (مَه) ، و (إيه) يَا فَتى: إِذا أردْت أَن يزيدك من الحَدِيث، و (إيها) يَا فَتى، إِذا كففته، و (ويها) يَا فَتى: إِذا أغربته وَكَذَلِكَ (عَلَيْك) زيدا، و (دُونك) زيدا، و (وَرَاءَك أوسع لَك) ، و (عنْدك) يَا فَتى: إِذا حذرته شَيْئا بِقُرْبِهِ فَكل هَذِه لَا تدْخلهَا نون، لِأَنَّهَا لَيست بِأَفْعَال، وَإِنَّمَا هى أَسمَاء للْفِعْل وَمن ذَلِك (هَلُمَّ) فى لُغَة أهل الْحجاز، / لأَنهم يَقُولُونَ: هَلُمَّ للْوَاحِد، وللاثنين، وَالْجَمَاعَة على لفظ وَاحِد وَأما على مَذْهَب بنى تَمِيم فَإِن النُّون تدْخلهَا، لأَنهم يَقُولُونَ للْوَاحِد: هَلُمَّ، وللاثنين: هلما، وللجماعة: هلموا، ولجماعة النسْوَة: هلممن، وللواحدة: هلمى، وَإِنَّمَا هى (لم) لحقتها الْهَاء، فعلى هَذَا تَقول: هلمن يَا رجل هلمن يَا إمرأة، وهلممنان يَا نسْوَة، فَيكون بِمَنْزِلَة سَائِر الْأَفْعَال

هَذَا بَاب حُرُوف التَّضْعِيف فى الْأَفْعَال والمعتلة من ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو فى النونين

اعْلَم أَنَّك تلزمهمن فى النونين مَا تلْزم الْأَفْعَال الصَّحِيحَة من بِنَاء الْفِعْل على الْفَتْح، تَقول: ردن يَا زيد وَلَا تَقول ارددن على قَول من قَالَ: (ارْدُدْ) ، لِأَن الدَّال الثَّانِيَة تلزمها الْحَرَكَة على مَا ذكرت لَك وَكَذَلِكَ تَقول: الْقَيْن زيدا، وَهل تغزون / عمرا، وارمين خَالِدا، فتلزم الْفِعْلَيْنِ مَا يلْزم سَائِر الْأَفْعَال

هَذَا بَاب (أما) و (إِمَّا)

أما الْمَفْتُوحَة فَإِن فِيهَا معنى المجازاة وَذَلِكَ قَوْلك: أما زيد فَلهُ دِرْهَم، وَأما زيد فأعطه درهما فالتقدير: مهما يكن من شئ فأعط زيدا درهما، فلزمت الْفَاء الْجَواب، لما فِيهِ من معنى الْجَزَاء وَهُوَ كَلَام مَعْنَاهُ التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير أَلا ترى أَنَّك تَقول: أما زيدا فَاضْرب، فَإِن قدمت الْفِعْل لم يجز، لِأَن (أما) فى معنى: مهما يكن من شئ، فَهَذَا لَا يتَّصل بِهِ فعل، وَإِنَّمَا حد الْفِعْل أَن يكون بعد الْفَاء وَلَكِنَّك تقدم الِاسْم، ليسد مسد الْمَحْذُوف الذى هَذَا مَعْنَاهُ، وَيعْمل فِيهِ مَا بعده وَجُمْلَة هَذَا الْبَاب: أَن الْكَلَام بعد (أما) على حَالَته قبل أَن تدخل إِلَّا أَنه لَا بدمن الْفَاء، لِأَنَّهَا جَوَاب الْجَزَاء، أَلا ترَاهُ قَالَ - عز وَجل - {وَأما ثَمُود فهديناهم} / كَقَوْلِك: ثَمُود هديناهم وَمن رأى أَن يَقُول: زيدا ضَربته نصب بِهَذَا فَقَالَ: أما زيدا فَاضْرِبْهُ وَقَالَ: {فَأَما الْيَتِيم فَلَا تقهر} فعلى هَذَا فقس هَذَا الْبَاب وَأما (إِمَّا) الْمَكْسُورَة فَإِنَّهَا تكون فى مَوضِع (أَو) ، وَذَلِكَ قَوْلك: ضربت إِمَّا زيدا، وَإِمَّا عمرا، لِأَن الْمَعْنى: ضربت زيدا وعمرا، وَقَالَ الله عز وَجل: {إِمَّا الْعَذَاب وَإِمَّا السَّاعَة} وَقَالَ: {إِنَّا هديناه السَّبِيل إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا} فَإِذا ذكرت (إِمَّا) فَلَا بُد من تكريرها، وَإِذا ذكرت الْمَفْتُوحَة فَأَنت مُخَيّر: إِن شِئْت وقفت عَلَيْهَا إِذا تمّ خَبَرهَا تَقول: أما زيد فقائم، وَأما قَوْله: {أَمَّا مَنِ اسْتغنَى فَأَنْتَ لهُ تَصدَّى وَمَا عَلْيكَ أَلاَّ يزَّكَّى وَأَمَّا مَنْ جاءَك يسْعى وهُو يخْشَى فَأَنْتَ عنْهُ تَلهَّى} فَإِن الْكَلَام مستغن من قبل التكرير، وَلَو قلت: ضربت إِمَّا زيدا، وَسكت - لم يجز، لِأَن الْمَعْنى: هَذَا أَو هَذَا، أَلا ترى أَن مَا بعد (إِمَّا) لَا يكون كلَاما مستغنيا وَزعم الْخَلِيل أَن الْفَصْل بَين (إِمَّا) / و (أَو) أَنَّك إِذا قلت: ضربت زيدا أَو عمرا فقد مضى صدر كلامك وَأَنت مُتَيَقن عِنْد السَّامع، ثمَّ حدث الشَّك بِأَو فَإِذا قلت: ضربت إِمَّا زيدا فقد بنيت كلامك على الشَّك، وَزعم أَن (إِمَّا) هَذِه إِنَّمَا هى (إِن) ضمت إِلَيْهَا (مَا) لهَذَا الْمَعْنى، وَلَا يجوز حذف (مَا) مِنْهَا إِلَّا أَن يضْطَر إِلَى ذَلِك شَاعِر، فَإِن اضْطر جَازَ الْحَذف، لِأَن ضَرُورَة الشّعْر ترد الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا، قَالَ:

(لقد كذبتك نَفسك فاكذبنها ... فَإِن جزعا وَإِن إِجْمَال صَبر) فَهَذَا لَا يكون إِلَّا على إِمَّا فَأَما فى المجازاة إِذا قلت: إِن تأتينى آتِك، وَإِن تقم أقِم - فَإنَّك إِن شِئْت زِدْت (مَا) ، كَمَا تزيدها فى سَائِر حُرُوف الْجَزَاء؛ نَحْو: أَيْنَمَا تكن أكن، وَمَتى مَا تأتنى آتِك، لِأَنَّهَا: إِن تأتنى آتِك، وَمَتى تقم أقِم فَتَقول على هَذَا - إِن شِئْت -: إِمَّا تأتنى آتِك، وَإِمَّا تقم أقِم مَعَك وَقد مضى تَفْسِير هَذَا فى بَاب الْجَزَاء

هَذَا بَاب مذ، ومنذ

أما (مذ) فَيَقَع الِاسْم بعْدهَا مَرْفُوعا على معنى، ومخفوضا على معنى فَإِذا رفعت فهى اسْم مُبْتَدأ وَمَا بعْدهَا خَبره، غير أَنَّهَا لَا تقع إِلَّا فى الِابْتِدَاء لقلَّة تمكنها وَأَنَّهَا لَا معنى لَهَا فى غَيره، وَذَلِكَ قَوْلك: لم آته مذ يَوْمَانِ، وَأَنا أعرفهُ ثَلَاثُونَ سنة، وكلمتك مذ خَمْسَة أَيَّام وَالْمعْنَى - إِذا قلت: لم آته مذ يَوْمَانِ -: أَنَّك قلت: لم أره؟ ثمَّ خبرت بالمقدار والحقيقة والغاية فكأنك قلت: مُدَّة ذَلِك يَوْمَانِ وَالتَّفْسِير: بينى وَبَين رُؤْيَته هَذَا الْمِقْدَار، فَكل مَوضِع يرفع فِيهِ مَا بعْدهَا فَهَذَا مَعْنَاهُ وَأما الْموضع الذى ينخفض مَا بعْدهَا فَأن تقع فى معنى (فى) وَنَحْوهَا؛ فَيكون حرف خفض وَذَلِكَ قَوْلك: أَنْت عندى مذ الْيَوْم، ومذ اللَّيْلَة، وَأَنا أَرَاك مذ الْيَوْم يَا فَتى، لِأَن الْمَعْنى فى الْيَوْم وفى اللَّيْلَة وَلَيْسَ الْمَعْنى أَن بينى وَبَين رؤيتك مَسَافَة، وَكَذَلِكَ: رَأَيْت زيدا مذ يَوْم الْجُمُعَة يمدحك، وَأَنا / أَرَاك مذ سنة تَتَكَلَّم فى حَاجَة زيد؛ لِأَنَّك تُرِيدُ أَنا فى حَال رؤيتك مذ سنة فَإِن أردْت: رَأَيْتُك مذ سنة، أى: غَايَة الْمسَافَة إِلَى هَذِه الرُّؤْيَة سنة - رفعت؛ لِأَنَّك قلت: رَأَيْتُك، ثمَّ قلت: بينى وَبَين ذَاك سنة، فَالْمَعْنى: أَنَّك رَأَيْته، ثمَّ غبرت سنة لَا ترَاهُ وَإِذا قَالَ: أَنا أَرَاك مذ سنة، فَإِنَّمَا الْمَعْنى أَنَّك فى حَال رُؤْيَة لم تنقض وَأَن أَولهَا مذ سنة؛ فَلذَلِك قلت: أَرَاك؛ لِأَنَّك تخبر عَن حَال لم تَنْقَطِع فَهَذَا شَرط (مذ) وتفسيرها فَإِن قَالَ قَائِل: فَمَا بالى أَقُول: لم أرك مذ يَوْم الْجُمُعَة، وَقد رَآهُ يَوْم الْجُمُعَة؟ قيل: إِن النفى إِنَّمَا وَقع على مَا بعد الْجُمُعَة، وَالتَّقْدِير: لم أرك مذ وَقت رؤيتى لَك يَوْم الْجُمُعَة، فقد أثبت الرُّؤْيَة، وجعلتها الْحَد الذى مِنْهُ لم أره فَهَذَا تَفْسِيرهَا ومجرى مَا كَانَ هَذَا لَفظه، واتصل بِهِ مَعْنَاهُ فَأَما (مُنْذُ) فمعناها - جررت بهَا أَو رفعت - وَاحِد وبابها الْجَرّ؛ لِأَنَّهَا فى الْأَزْمِنَة لابتداء الْغَايَة بِمَنْزِلَة (من) فى سَائِر الْأَسْمَاء تَقول: لم أرك مُنْذُ يَوْم الْجُمُعَة، أى: هَذَا ابْتِدَاء الْغَايَة؛ كَمَا تَقول: من عبد الله إِلَى زيد، وَمن الْكُوفَة سرت فَإِن رفعت فعلى أَنَّك جعلت (مُنْذُ) اسْما، وَذَهَبت إِلَى أَنَّهَا (مذ) فى الْحَقِيقَة وَذَلِكَ قَلِيل؛ لِأَنَّهَا فى الْأَزْمِنَة بِمَنْزِلَة (من) فى الْأَيَّام فَأَما (مذ) فَدلَّ على أَنَّهَا اسْم: أَنَّهَا محذوفة من (مُنْذُ) الَّتِى هى اسْم؛ لِأَن الْحَذف لَا يكون فى الْحُرُوف؛ إِنَّمَا يكون فى الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال، نَحْو: يَد، وَدم، وَمَا أشبهه

هَذَا بَاب التَّبْيِين والتمييز

اعْلَم أَن التَّمْيِيز يعْمل فِيهِ الْفِعْل وَمَا يُشبههُ فى تَقْدِيره؛ وَمَعْنَاهُ فى الانتصاب وَاحِد وَإِن اخْتلف عوامله فَمَعْنَاه: أَن يأتى مَبْنِيا عَن نَوعه، وَذَلِكَ قَوْلك: عندى عشرُون درهما، وَثَلَاثُونَ ثوبا لما قلت: عندى عشرُون، وَثَلَاثُونَ - ذكرت عددا مُبْهما يَقع على كل مَعْدُود، فَلَمَّا قلت درهما عرفت الشئ الذى إِلَيْهِ قصدت بِأَن ذكرت وَاحِدًا مِنْهُ يدل على / سائره، وَلم يجز أَن تذكر جمعا؛ لِأَن الذى قبله قد تبين أَنه جمع، وَأَنه مِقْدَار مِنْهُ مَعْلُوم وَلم يجز أَن يكون الْوَاحِد الدَّال على النَّوْع معرفَة؛ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مَعْرُوفا كَانَ مَخْصُوصًا، وَإِذا كَانَ منكورا كَانَ شَائِعا فى نَوعه فَأَما النصب فَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ؛ لِأَن النُّون منعت الْإِضَافَة، كَمَا تمنعها إِذا قلت: هَؤُلَاءِ ضاربون زيدا وَلَوْلَا النُّون لأضفت فَقلت: هَؤُلَاءِ ضاربو زيد؛ كَمَا تَقول: هَذِه عشرو زيد، إِلَّا أَن الضاربين وَمَا أشبهه أَسمَاء مَأْخُوذَة من الْفِعْل تُضَاف كَمَا تُضَاف الْأَسْمَاء، فَإِذا منعت النُّون الْإِضَافَة عملت هَذِه الْأَسْمَاء فِيمَا بعْدهَا بِمَا فِيهَا من معنى الْفِعْل وَكَانَ الْمَنْصُوب مَفْعُولا صَحِيحا؛ لِأَنَّهَا أَسمَاء الفاعلين فى الْحَقِيقَة وفيهَا كنايتهم فَإِذا قلت: عشرُون رجلا فَإِنَّمَا انتصب بإدخالك النُّون مَا بعْدهَا تَشْبِيها بذلك؛ كَمَا أَن قَوْلك: إِن زيدا منطلق وَلَعَلَّ زيدا أَخُوك مشبه بِالْفِعْلِ فى اللَّفْظ، وَلَا يكون مِنْهُ (فعل) ، وَلَا (يفعل) وَلَا شئ من أَمْثِلَة الْفِعْل؛ وكما أَن (كَانَ) فى وزن الْفِعْل / وتصرفه، وَلَيْسَت فعلا على الْحَقِيقَة تَقول: ضرب زيدا عمرا، فتخبر بِأَن فعلا وصل من زيد إِلَى عَمْرو فَإِذا قلت: كَانَ زيد أَخَاك لم تخبر أَن زيدا أوصل إِلَى الْأَخ شَيْئا، وَلَكِن زعمت أَن زيدا أخوة فِيمَا خلا من الدَّهْر والتشبيه يكون للفظ، وللتصرف، وَالْمعْنَى فَأَما الْمَعْنى فتشبيهك (مَا) بليس و (لَيْسَ) فعل و (مَا) حرف، وَالْمعْنَى وَاحِد فَهَذَا سَبِيل كل مَا كَانَت النُّون فِيهِ عاملة من التَّبْيِين فَإِن قلت: هَل يجوز عندى عشرو رجل؟ فَإِن ذَلِك غير جَائِز؛ لِأَن الْإِضَافَة تكون على جِهَة الْملك إِذا قلت: عشرو زيد، فَلَو أدخلت التَّمْيِيز على هَذَا الْمُضَاف لالتبس على السَّامع قصدك إِلَى تَعْرِيف النَّوْع بتعرفك إِيَّاه صَاحب الْعشْرين، وَلم يكن إِلَى النصب سَبِيل؛ لِأَنَّهُ فى بَاب الْإِضَافَة كَقَوْلِك: ثوب زيد، وَدِرْهَم عبد الله والتبيين فى بَابه من النصب وَإِثْبَات النُّون؛ فَامْتنعَ من إِدْخَاله فى غير بَابه مَخَافَة اللّبْس وَمِمَّا ينصب قَوْلك: هَذَا أفضلهم رجلا، وأفره النَّاس عبدا / وَذَلِكَ أَنَّك كنت تَقول فى المصادر: أعجبنى ضرب زيد عمرا، فتضيف إِلَى زيد الْمصدر؛ لِأَنَّهُ فعله، فتشغل الْإِضَافَة بِالْفِعْلِ، فتنصب عمرا؛ لِأَنَّهُ مفعول وَلَوْلَا أَنَّك أضفت إِلَى زيد لَكَانَ (عَمْرو) مخفوضا بِوُقُوع الْمُضَاف عَلَيْهِ؛ كَمَا أَنَّك لَو لم تنون فى قَوْلك: ضاربون زيدا لحل (زيد) مَحل التَّنْوِين، وانخفض بِالْإِضَافَة فَلَمَّا كَانَ عشرُون رجلا بِمَنْزِلَة ضاربين زيدا - كَانَ قَوْلك: لى مثله رجلا، وَأَنت أفرههم عبدا بِمَنْزِلَة: أعجبنى ضرب زيد عمرا، وشتمك خَالِدا وكما امْتنعت من أَن تَقول: عشرو دِرْهَم للفصل بَين التَّفْسِير وَالْملك إِذا قلت: عشرو زيد - امْتنعت فى قَوْلك: أَنْت أفرههم عبدا من الْإِضَافَة؛ لِأَنَّك إِذا قلت: أَنْت أفرههم عبدا فَإِنَّمَا عنيت مَالك العَبْد وَإِذا قلت: أَنْت أفره عبد فى النَّاس فَإِنَّمَا عنيت العَبْد نَفسه، إِلَّا انك إِذا قلت: أَنْت أفره العبيد فقد قَدمته عَلَيْهِم فى الْجُمْلَة وَإِذا قلت: أفره عبد فى النَّاس، فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: أَنْت أفره من كل عبد إِذا أفردوا عبدا عبدا؛ كَمَا تَقول: هَذَا خير اثْنَيْنِ / فى النَّاس، إِذا كَانَ النَّاس اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَيجوز أَن تَقول - وَهُوَ حسن جدا -: أَنْت افره النَّاس عبيدا، وأجود النَّاس دورا، وَلَا يجوز عندى عشرُون دَرَاهِم يَا فَتى والفصل بَينهمَا: أَنَّك إِذا قلت: (عشرُون) ، فقد أتيت على الْعدَد، فَلم يحْتَج إِلَّا إِلَى ذكر مَا يدل على الْجِنْس، فَإِذا قلت: هُوَ أفره النَّاس عبدا - جَازَ أَن تعنى عبدا وَاحِدًا، فَمن ثمَّ حسن، واختير - إِذا أردْت الْجَمَاعَة - أَن تَقول: عبيدا قَالَ الله عز وَجل: {قُلْ هلْ أُنَبَّئُكُم بِالأَخْسَرِين أَعْمالاً} ، وَقد يجوز أَن تَقول: أفره النَّاس عبدا فتعنى جمَاعَة العبيد نَحْو التَّمْيِيز، وَالْجمع أبين إِذا كَانَ الأول غير مخطور الْعدَد وَمن التَّمْيِيز ويحه رجلا، وَالله دره فَارِسًا، وحسبك بِهِ شجاعا، إِلَّا أَنه إِذا كَانَ فى الأول ذكر مِنْهُ حسن أَن تدخل (من) توكيدا لذَلِك الذّكر، فَتَقول: ويحه من رجل، وَللَّه دره من فَارس، وحسبك بِهِ من شُجَاع، وَلَا يجوز: عشرُون من / دِرْهَم، وَلَا هُوَ أفرههم من عبد؛ لِأَنَّهُ لم يذكرهُ فى الأول وَأَنا أرى قَوْله عز وَجل: {وَمَا بكم من نعْمَة فَمن الله} على هَذَا؛ كَمَا تَقول: من جاءنى من طَوِيل أَعْطيته، وَمن جاءنى من قصير منعته؛ لِأَنَّك قدمت ذكره بِقَوْلِك: (من) وَاعْلَم أَن التَّبْيِين إِذا كَانَ الْعَامِل فِيهِ فعلا جَازَ تَقْدِيمه؛ لتصرف الْفِعْل، فَقلت: تفقأت شحما، وتصببت عرقا، فَإِن شِئْت قدمت، فَقلت: شحما تفقأت، وعرقا تصببت وَهَذَا لَا يُجِيزهُ سِيبَوَيْهٍ؛ لِأَنَّهُ يرَاهُ كَقَوْلِك: عشرُون درهما، وَهَذَا أفرههم عبدا، وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَة ذَلِك؛ لِأَن (عشْرين درهما) إِنَّمَا عمل فِي الدِّرْهَم مَا لم يُؤْخَذ من الْفِعْل أَلا ترى أَنه يَقُول: هَذَا زيد قَائِما، وَلَا يُجِيز: قَائِما هَذَا زيد؛ لِأَن الْعَامِل غير فعل وَتقول: رَاكِبًا جَاءَ زيد؛ لِأَن الْعَامِل فعل؛ فَلذَلِك أجزنا تَقْدِيم التَّمْيِيز إِذا كَانَ الْعَامِل فعلا وَهَذَا رأى أبي عُثْمَان المازنى وَقَالَ الشَّاعِر، فَقدم التَّمْيِيز لما كَانَ الْعَامِل فعلا:

(أتهجر ليلى للفراق حبيبها ... وَمَا كَانَ نفسا بالفراق تطيب)

وَاعْلَم أَن من التَّمْيِيز مَا يكون خفضا وَلَكِن يكون على معنى أذكرهُ لَك: وَذَلِكَ قَوْلك: كل رجل جاءنى فَلهُ دِرْهَم، فَهَذَا شَائِع فى الرِّجَال وَلَكِن مَعْنَاهُ: كل الرِّجَال إِذا كَانُوا رجلا رجلا، كَقَوْلِك: كل اثْنَيْنِ أتيانى فَلَهُمَا دِرْهَمَانِ وَمن ذَلِك قَوْله: مائَة دِرْهَم، وَألف دِرْهَم وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ معنى عشْرين درهما، وَلَكِنَّك أضفت إِلَى الْمُمَيز؛ لِأَن التَّنْوِين غير لَازم، وَالنُّون فى عشْرين لَازِمَة؛ لِأَنَّهَا تثبت فى الْوَقْف، وَتثبت مَعَ الْألف وللام، وَقد مضى تَفْسِير هَذَا فى بَاب الْعدَد فَأَما قَوْلك: زيد الْحسن وَجها، والكريم أَبَا - فَإِنَّهُ خَارج فى التَّقْدِير من بَاب الضَّارِب زيدا؛ لِأَنَّك تَقول: هُوَ الْحسن الْوَجْه يَا فَتى، وَإِن كَانَ الْخَفْض أحسن، وَكَذَلِكَ: هُوَ حسن الْوَجْه فَهَذَا لَا يكون فِيهِ إِلَّا النصب، لِأَن التَّنْوِين مَانع، وَقد ذكرنَا هَذَا فى بَابه؛ فَلذَلِك لم / نذْكر استقصاءه فى هَذَا الْموضع فَأَما قَوْلك: أَنْت أفره عبد فى النَّاس - فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: أَنْت أحد هَؤُلَاءِ الَّذين فضلتهم وَلَا يُضَاف (أفعل) إِلَى شئ إِلَّا وَهُوَ بعضه؛ كَقَوْلِك: الْخَلِيفَة أفضل بنى هَاشم وَلَو قلت: الْخَلِيفَة أفضل بنى تَمِيم كَانَ محالا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُم، وَكَذَلِكَ: هَذَا خير ثوب فى الثِّيَاب إِذا عنيت ثوبا، وَهَذَا خير مِنْك ثوبا إِذا عنيت رجلا، وَكَذَلِكَ تَقول: الْخَلِيفَة أفضل من بنى تَمِيم؛ لِأَن (من) دخلت للتفضيل، وأخرجتهم من الْإِضَافَة فَهَذَا وَجه ذَا وَلَو قلت: مَا أَنْت بِأَحْسَن وَجها منى، وَلَا أفره عبدا - كَانَ جيدا فَإِن قصدت قصد الْوَجْه بِعَيْنِه قلت: هَذَا أحسن وَجه رَأَيْته إِنَّمَا تعنى الْوُجُوه إِذا ميزت وَجها وَجها فعلى هَذِه الْأُصُول فقس مَا ورد عَلَيْك من هَذَا إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب التَّثْنِيَة على استنقصاها صحيحها، ومعتلها

أما مَا كَانَ صَحِيحا فَإنَّك إِذا أردْت تثنيته سلمت بناءه، وزدت ألفا ونونا فى الرّفْع، وياء ونونا فى الْخَفْض، وَدخل النصب على الْخَفْض؛ كَمَا ذكرت لَك فى أول الْكتاب؛ وَذَلِكَ قَوْلك فى الرّفْع: زَيْدَانَ، وَعمْرَان وجعفران، وعطشانان، وعنكبوتان فَإِن كَانَ الِاسْم ممدودا وَكَانَ منصرفا، وهمزته أَصْلِيَّة - فَهُوَ على هَذَا تَقول فى تَثْنِيَة قراء: قراءان، وفى تَثْنِيَة خطاء: خطاءان، وفى الْخَفْض وَالنّصب: خطاءين، وزيدين، وعمرين، وقراءين وَقد يكون قراوان على بعد، لعِلَّة أذكرها إِن شَاءَ الله وَإِن كَانَ ممدودا منصرفا وهمزته بدل من يَاء أَو وَاو، فَكَذَلِك تَقول: رداءان، وكساءان، وغطاءان وَالْقلب إِلَى الْوَاو فى هَذَا يجوز، وَلَيْسَ بجيد، وَهُوَ أحسن مِنْهُ فِيمَا كَانَت همزته أصلا، وَذَلِكَ قَوْلك: كساوان وغطاوان وَإِن كَانَ الْمَمْدُود إِنَّمَا مدَّته للتأنيث لم يكن فى التَّثْنِيَة إِلَّا بِالْوَاو، نَحْو قَوْلك: حمروان، وخنفساوان، وصحراوان، وَرَأَيْت خنفساوين، وصحراوين وَإِن كَانَ الْمثنى مَقْصُورا فَكَانَ على ثَلَاثَة أحرف نظرت فى أَصله: فَإِن كَانَ من الْوَاو / أظهرت الْوَاو، وَإِن كَانَ من الْيَاء أظهرت الْيَاء، وَذَلِكَ قَوْلك فى تَثْنِيَة قفا: قفوان وعصا: عصوان، وَرَأَيْت قفوين، وعصوين وَأما مَا كَانَ من الْيَاء فقولك فى رحى: رحيان، وحصى: حصيان وَإِنَّمَا فعلت ذَلِك؛ لِأَن ألف التَّثْنِيَة تلْحق الْألف الَّتِى كَانَت فى مَوضِع اللَّام، وَكَذَلِكَ يَاء التَّثْنِيَة، وهما ساكنان، فَلَا يجوز أَن يلتقيا؛ فَلَا بُد من حذف أَو تَحْرِيك؛ فَلَو حذفت لذهبت اللَّام، فحركت، فَرددت كل حيّز إِلَى أَصله؛ كَمَا كنت فَاعِلا ذَلِك إِذا ثنيت الْفَاعِل فى الْفِعْل، وَذَلِكَ قَوْلك: غزا الرجل، ودعا، ثمَّ تَقول: غزوا، ودعوا؛ لِأَنَّك لَو حذفت لالتقاء الساكنيين لبقى الِاثْنَان على لفظ الْوَاحِد وَتقول: رمى، وَقضى، فَإِذا ثنيت قلت: رميا، وقضيا فَكَذَلِك هَذَا الْمَقْصُور فى التَّثْنِيَة فَإِن كَانَ الْمَقْصُور على أَرْبَعَة أحرف فَصَاعِدا كَانَت تثنيته بِالْيَاءِ من أى أصل كَانَ، وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَكَذَلِكَ إِن كَانَت أَلفه زَائِدَة للتأنيث أَو للإلحاق نقُول: ملهيان، ومغزيان، وحباريان، وحبنطيان؛ كَمَا تَقول فى الْفِعْل: أغزيا، وغازيا، وراميا، واستغزيا، واستحييا، وَنَحْوه؛ فعلى هَذَا مجْرى جَمِيع الْمَقْصُور وَاعْلَم أَن التَّثْنِيَة لَا تخطئ الْوَاحِد فَإِذا قيل لَك: ثنه - وَجب عَلَيْك أَن تأتى بِالْوَاحِدِ، ثمَّ تزيد فى الرّفْع ألفا ونونا، وفى الْخَفْض وَالنّصب يَاء ونونا فَأَما قَوْلهم: جَاءَ ينفض مذرويه؛ فَإِنَّمَا ظَهرت فِيهِ الْوَاو؛ لِأَنَّهُ لَا يفرد لَهُ وَاحِد وَكَذَلِكَ: عقلته بثنايين وَلَو كَانَ يفرد لَهُ وَاحِد لَكَانَ: عقلته بثنائين؛ لِأَن الْوَاحِد ثَنَاء فَاعْلَم، وَكنت تَقول: مذريان؛ كَمَا تَقول: ملهيان، وَلكنه بِمَنْزِلَة قَوْلك: الشقاوة، والعباية بنيت على هَذَا التَّأْنِيث، وَصَارَت الْهَاء حرف الْإِعْرَاب، فظهرت الْوَاو وَالْيَاء وَلَو بنيته على التَّذْكِير لم يكن إِلَّا صلاءة، وعباءة؛ كَمَا تَقول: امْرَأَة غزاءة؛ لِأَنَّك جِئْت إِلَى غزاء / - وَقد انقلبت الْوَاو فِيهِ همزَة - فأنثته على تذكيره، وَلَو كنت بنيته على التَّأْنِيث لكَانَتْ الْهَاء مظهرة للياء وللواو قبلهَا فَأَما قَوْلهم: (خصيان فَإِنَّمَا بنوه على قَوْلهم: خصى فَاعْلَم، وَمن ثنى على قَوْلهم: خصية لم يقل إِلَّا: خصيتان وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ: ألية وألى فى معنى فَمن قَالَ: ألية قَالَ: أليتان، وَمن قَالَ: ألى قَالَ: أليان قَالَ الراجز:

(تَرتج ألياه ارتجاج الوطب ... )

هَذَا بَاب الإمالة

وَهُوَ أَن تنجو بِالْألف نَحْو الْيَاء، وَلَا يكون ذَلِك إِلَّا لعِلَّة تَدْعُو إِلَيْهِ اعْلَم أَن كل ألف زَائِدَة أَو أَصْلِيَّة فنصبها جَائِز وَلَيْسَ كل ألف تمال لعِلَّة إِلَّا نَحن ذاكروها إِن شَاءَ الله فمما يمال مَا كَانَ أَلفه زَائِدَة فى فَاعل، وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك: / رجل عَابِد، وعالم، وَسَالم؛ فَإِنَّمَا أملت الْألف، للكسرة اللَّازِمَة لما بعْدهَا، وَهُوَ مَوضِع الْعين من فَاعل، وَإِن نصبت فى كل هَذَا فجيد بَالغ على الأَصْل وَذَلِكَ قَوْلك: عَالم وعابد وَكَذَلِكَ إِذا كَانَت قبلهَا كسرة أَو يَاء، نَحْو قَوْلك: عباد، وجبال، وحبال كل هَذَا إمالته جَائِزَة فَأَما عِيَال فالإمالة لَهُ ألزم؛ لِأَن مَعَ الكسرة يَاء فَكل مَا كَانَت الْيَاء أقرب إِلَى أَلفه أَو الكسرة فالإماله لَهُ ألزم، وَالنّصب فِيهِ جَائِز وكل مَا كثرت فِيهِ الياءات أَو الكسرات فالإمالة فِيهِ أحسن من النصب وَاعْلَم أَنه مَا كَانَ من فعل فإمالة أَلفه جَائِزَة حَسَنَة، وَذَلِكَ نَحْو: صَار بمَكَان كَذَا، وَبَاعَ زيد مَالا؛ فَإِنَّمَا أملت؛ لتدل على أَن أصل الْعين الْكسر؛ لِأَنَّهُ من بِعْت، وصرت وَالْعين أَصْلهَا الْكسر وألفها / منقلبة من وَاو إِلَّا أَنه فِيمَا كَانَت أَلفه منقلبة من يَاء أحسن فَأَما الْوَاو فَهُوَ فِيهَا جيد، وَلَيْسَ كحسنه فى الْيَاء؛ لِأَن فِيهِ علتين، وَإِنَّمَا فى ذَوَات الْوَاو عِلّة وَاحِدَة، وَهُوَ أَنه من (فعل) ، وَذَلِكَ قَوْلك: خَافَ زيد كَذَا، وَمَات زيد فى قَول من قَالَ: مت على وزن خفت وَمن قَالَ: مت لم تجز الإمالة فى قَوْله وَقد قَرَأَ الْقُرَّاء: {ذَلِك لمن خَافَ مقَامي} وَاعْلَم أَن الْألف إِذا كَانَت منقلبة من يَاء فى اسْم أَو فعل، فإمالتها حَسَنَة، وَأحسن ذَلِك أَن تكون فى مَوضِع اللَّام وسنفسر لم ذَلِك إِن شَاءَ الله؟ وَذَلِكَ قَوْلك: رمى، وسعى، وَقضى؛ وَذَلِكَ لِأَن الْألف هى الَّتِى يُوقف عَلَيْهَا والإمالة أبين، وهى الَّتِى تنْتَقل على الثَّلَاثَة فَتكون رَابِعَة، وخامسة، وَأكْثر فَإِذا كَانَت كَذَلِك رجعت ذَوَات الْوَاو إِلَى الْيَاء؛ نَحْو: مغزيان، وملهيان، وقولك فى الْفِعْل: أغزيت وَقد فسرنا هَذَا فى بَابه / مستقصى فَلَمَّا كَانَت الْيَاء أمكن كَانَت الإمالة أثبت فَأَما مَا كَانَ من ذَوَات الْوَاو على ثَلَاثَة أحرف فَإِن الإمالة فِيهِ قبيحة؛ نَحْو: دَعَا، وغزا، وَعدا وَقد يجوز على بعد؛ لِأَن هَذِه الْألف هى الَّتِى تمال فى أغزى، وَنَحْوه فَأَما الْأَسْمَاء فَلَا يجوز فِيهَا الإمالة إِذا كَانَت على ثَلَاثَة أحرف؛ لِأَنَّهَا لَا تنْتَقل انْتِقَال الْأَفْعَال؛ لِأَن الْأَفْعَال تكون على فعل، وأفعل، وَنَحْوه، والأسماء لَا تتصرف وَذَلِكَ قَوْلك: قفا، وعصا لَا يكون فيهمَا، وَلَا فى بابهما إمالة؛ لِأَنَّهُمَا من الْوَاو وَلَكِن رحى، وحصى، وَنوى هَذَا كُله تصلح إمالته وَلَا تصلح الإمالة فِيمَا أَلفه فى مَوضِع الْعين إِذا كَانَت واوا؛ نَحْو: قَالَ، وَطَالَ، وجال؛ لِأَنَّهَا من وَاو، وَلَيْسَت بِفعل كخفت؛ لِأَنَّك تَقول: قلت، وطلت، وجلت

هَذَا بَاب مَا كَانَ على أَرْبَعَة أحرف أَصْلِيَّة أَو زَائِدَة

اعْلَم أَن مَا كَانَت أَلفه من ذَلِك طرفا فالإمالة فِيهِ جَائِزَة، وهى الَّتِى نَخْتَار؛ وَذَلِكَ أَنه لَا يَخْلُو من أحد ثَلَاثَة أوجه: إِمَّا أَن تكون أَلفه منقلبة من يَاء؛ نَحْو: مرمى، ومسعى؛ لِأَنَّهُ من سعيت، ورميت وملهى، ومغزى من غزوت ولهوت، فَإِنَّهَا إِذا كَانَت كَذَا ترجع إِلَى الْيَاء فى قَوْلك: ملهيان، ومغزيان، وَكلما ازدادت الْحُرُوف كَثْرَة كَانَت من الْوَاو أبعد، وَقد فسرنا لم ذَلِك فى التصريف فى بَاب أغزيت، واستغريت؟ أَو تكون الْألف زَائِدَة للتأنيث فَحق الزَّوَائِد أَن تحمل على الْأُصُول، فَإِذا كَانَت ذَوَات الْوَاو ترجع إِلَى الْيَاء فالزائد أولى؛ وَذَلِكَ قَوْلك فى حُبْلَى: حبليان، وحبليات، وَكَذَلِكَ سكرى وشكاعى ونحره فَأَما الملحقة فنحو: حبنطى، وأرطى، ومغزى تَقول: أرطيان، ومغزيان، وحينطيان فَكل هَذَا يرجع إِلَى الْيَاء فَكَذَلِك فافعل بِهِ إِذا كَانَت الْألف رَابِعَة مَقْصُورَة أَو على أَكثر من ذَلِك، اسْما كَانَ أَو فعلا

هَذَا بَاب الْحُرُوف الَّتِى تمنع الإمالة

وهى حُرُوف الاستعلاء، وهى سَبْعَة أحرف: الصَّاد، وَالضَّاد، والطاء، والظاء، وَالْقَاف، وَالْخَاء، والغين وَذَلِكَ أَنَّهَا حُرُوف اتَّصَلت من اللِّسَان بالحنك الْأَعْلَى، وَإِنَّمَا معنى الإمالة: أَن تقرب الْحَرْف مِمَّا يشاكله من كسرة أَو يَاء فَإِن كَانَ الذى يشاكل الْحَرْف غير ذَلِك ملت بالحرف إِلَيْهِ، فَهَذِهِ الْحُرُوف منفتحة المخارج؛ فَلذَلِك وَجب الْفَتْح تَقول: هَذَا عَابِد، وعالم، وعاند فَإِذا جَاءَت هَذِه الْحُرُوف عينات وَلَا مَاتَ فى (فَاعل) منعت الإمالة لما فِيهَا " فَقلت: هَذَا ناقد، وَلم يجز ناقد من أجل الْقَاف، وَكَذَلِكَ ضَابِط، وضاغط فَإِن كَانَت هَذِه الْحُرُوف فى مَوضِع الفاءات من فَاعل منعت الإمالة لقربها، وهى بعد الْألف أمنع؛ لِئَلَّا يتَصَعَّد الْمُتَكَلّم بعد الانحدار وَذَلِكَ قَوْلك: هَذَا قَاسم، وَصَالح، وطالع، وَلَا تجوز الإمالة فى شئ من ذَلِك فَإِن كَانَ الْحَرْف المستعلى بَينه وَبَين الْألف / حرف، والمستعلى مُتَقَدم مكسور - فَإِن الإمالة حَسَنَة وَذَلِكَ قَوْلك: صفاف، وقفاف؛ لِأَن الكسرة أدنى إِلَى الْألف من المستعلى، وَالنّصب هَا هُنَا حسن جدا، والإمالة أحسن لما ذكرت لَك، وَحسن النصب من أجل المستعلى وَلَو كَانَ المستعلى بعد حرف مكسور لم تجز الإمالة فِيهِ؛ لِأَن المستعلى أقرب إِلَى الْألف فَهُوَ مَفْتُوح وَذَلِكَ قَوْلك: رِقَاب، وحقاف، وَكَذَلِكَ رصاص فِيمَن كسر الرَّاء، لَا يكون إِلَّا النصب فَإِن كَانَ المستعلى فى كلمة مَعَ الْألف وَكَانَ بعْدهَا بِحرف أَو حرفين لم تكن إمالة وَذَلِكَ قَوْلك مساليخ، وصناديق فَإِن قلت: فَمَا قبل المستعلى مكسور، فَهَلا كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَة قفاف وصفاف؟ فَمن أجل أَن المستعلى إِنَّمَا انحدرت عَنهُ، وَأَنت هَاهُنَا لَو كسرت كنت مصعدا إِلَيْهِ وَاعْلَم أَنَّك تَقول: مَرَرْت بِمَال لَك، مَرَرْت بِبَاب لَك، وَلَيْسَ بالْحسنِ؛ لِأَن الْأَلفَيْنِ منقلبتان من / وَاو ين، من: مولت، وبوبت، وَلَيْسَت الْحَرَكَة بلازمة إِنَّمَا تحذف فى الْخَفْض فى الْوَصْل، وَلَا تكون فى الْوَقْف، وَلَا فى غير الْخَفْض، فَلَيْسَتْ كعين (فَاعل) ؛ لِأَن الكسرة لَازِمَة لَهَا، وَالْألف زَائِدَة وَلَكِن لَو قلت: هَذَا نَاب، وَهَذَا عَابَ لصلحت الإمالة؛ لِأَن الْأَلفَيْنِ منقلبتان من يَاء؛ لِأَنَّهُ من الْعَيْب، وَمن قَوْلك: نيبت فى الْأَمر، وناب وأنياب، وَالنّصب أحسن؛ لِأَن اللَّفْظ أولى وَلَيْسَ فى اللَّفْظ كسرة، وَإِنَّمَا صلحت الإمالة؛ لِأَن الْألف يَاء فى الْمَعْنى فجملة الْبَاب: أَنه كل مَا كَانَ فى الْيَاء، أَو الكسرة فِيهِ أثبت - فالإمالة لَهُ ألزم، إِلَّا أَن يمْنَع مَانع من المستعلية

هَذَا بَاب الرَّاء فى الإمالة

اعْلَم أَن الرَّاء مكررة فى اللِّسَان، ينبو فِيهَا بَين أَولهَا وَآخِرهَا نبوة، فَكَأَنَّهَا حرفان فَإِذا جَاءَت بعد الْألف مَكْسُورَة مَالَتْ الْألف من أجلهَا وَذَلِكَ قَوْلك: هَذَا عَارِم، وعارف فَكَانَت الإمالة هَاهُنَا ألزم مِنْهَا فى عَابِد، وَنَحْوه فَإِن وَقع / قبل الْألف حرف من المستعلية، وَبعد الْألف الرَّاء الْمَكْسُورَة - حسنت الإمالة الَّتِى كَانَت تمْتَنع فى قَاسم وَنَحْوه؛ من أجل الرَّاء، وَذَلِكَ قَوْلك: هَذَا قَارب، وَكَذَلِكَ إِن كَانَ بَين الرَّاء وَبَين الْألف حرف مكسور إِذا كَانَت مَكْسُورَة تَقول: مَرَرْت بِقَادِر يَا فَتى، وَترك الإمالة أحسن؛ لقرب المستعلية من الْألف، وتراخى الرَّاء عَنْهَا، وينشد هَذَا الْبَيْت على الإمالة، وَالنّصب أحسن لما ذكرت لَك وَهُوَ:

(عَسى الله يغنى عَن بِلَاد ابْن قَادر ... بمنهمر جون الربَاب سكوب) فَإِن لم يكن قبل الْألف حرف من المستعلية، وَكَانَت بعْدهَا الرَّاء على مَا وصفت لَك اختير إمالة الْألف وَذَلِكَ قَوْلك: من الْكَافرين وَإِن قلت: من الْكَافِر يَا فَتى - فالإمالة حَسَنَة، وَلَيْسَ كحسنها فى الْكَافرين؛ لِأَن الْكسر فى الْكَافرين لَازم للراء وَبعدهَا يَاء، و (الْكَافِر) لَا يَاء فِيهِ، وَلَيْسَت الكسرة بلازمة للراء إِلَّا فى الْخَفْض، هى / فى الْجَمَاعَة تلْزم فى الْخَفْض وَالنّصب وَالْوَقْف والإدراج، وَلَا تكون فى الْكَافِر فى الْوَقْف فَإِن قلت: جاءنى الْكَافِر، فَاعْلَم - اسْتَوَت الإمالة وَالنّصب فَأَما الإمالة فَمن جِهَة كسرة الْفَاء وَأما النصب فَإِن الرَّاء بعْدهَا كحرفين مضمومين، وَكَذَلِكَ هى فى النصب إِذا قلت: رَأَيْت الْكَافِر يَا فَتى وَلَو قلت: فلَان باسط يَده، أَو ناعق يَا فَتى - لم تصلح الإمالة من أجل المستعليين؛ لِأَن الرَّاء - وَإِن كَانَ قبلهَا التكرير - لَا تحل مَحل المستعلية وَلَو قلت: هَذَا قرَاب سَيْفك لصلحت الإمالة وَإِن كَانَت الرَّاء مَفْتُوحَة؛ لِأَنَّهَا فى الْحَقِيقَة فى وزن حرف وَاعْلَم أَن بنى تَمِيم يختارون فِيمَا كَانَ على وزن (فعال) من الْمُؤَنَّث إِذا سمى بِهِ أَن يكون بِمَنْزِلَة سَائِر مَالا ينْصَرف، فَيَقُولُونَ: هَذِه حذام، ومررت بحذام يَا فَتى، وَرَأَيْت حذام وَأهل الْحجاز يَقُولُونَ: هَذِه حذام، ومررت بحذام وَقد بَينا ذَلِك فِيمَا ينْصَرف وَمَا لَا ينْصَرف فَإِذا كَانَ اسْم من هَذِه الْأَسْمَاء / فى آخِره الرَّاء اخْتَارَتْ بَنو تَمِيم مَذْهَب أهل الْحجاز؛ ليميلوا الْألف؛ لِأَن إجناحها أخف عَلَيْهِم، وَلَا سَبِيل إِلَيْهِ إِلَّا أَن يكسروا الرَّاء فَيَقُولُونَ: هَذِه حضار فَاعْلَم، وطلعت حضار - (وَالْوَزْن) ، ومررت بسفار يَا فَتى وينشدون هَذَا الْبَيْت للفرزدق:

(مَتى مَا ترد يَوْمًا سفار تَجِد بهَا ... أديهم يرْمى المستجيز المعورا)

وَمِنْهُم من يمضى على لغته فى الرَّاء؛ كَمَا يفعل فى غَيرهَا قَالَ الشَّاعِر:

(وَمر دهر على وبار ... فَهَلَكت عنْوَة وبار)

والقوافى مَرْفُوعَة وَمِمَّا تمال أَلفه مَا كَانَ قبلهَا فَتْحة وفى ذَلِك الْحَرْف يَاء وَذَلِكَ قَوْلك: نعم الله بك عينا، وَرَأَيْت زينا، فالإمالة فى هَذَا حَسَنَة فى الْوَقْف من أجل الْيَاء فَأَما إِذا وصلت فَلَا إمالة فِيهِ من أجل أَن الْألف تذْهب، وَيصير مَكَانهَا التَّنْوِين وَلَو قلت: هَذَا عمرَان لكَانَتْ الإمالة حَسَنَة من أجل كسرة الْعين فَإِن كَانَ مَكَان الرَّاء حرف من المستعلية / لم تصلح الإمالة؛ لِأَن المستعلى أقرب إِلَى الْألف وَهُوَ مَفْتُوح فَإِن قلت: فهذان مسلمان، فَأَمْلَتْ من أجل كسرة اللَّام صلح، ويزيده حسنا علمك بِأَن النُّون مَكْسُورَة فى الْوَصْل، فَإِن قلت: مصلحان، أَو مكرمان - لم تحسن الإمالة؛ لِأَنَّهُ لَا كسر وَلَا يَاء فَإِن وصلت حسنت وهى بعيدَة؛ لِأَن النُّون لَا تلزمها الْحَرَكَة فى الْوَقْف؛ كَمَا أَنَّك لَو قلت: رَأَيْت عنبا لم تكن إمالة؛ لِأَنَّهُ لَا كسرة وَلَا يَاء وَتقول: نَعُوذ بِاللَّه من النَّار، للتكرير الذى فى الرَّاء؛ لِأَن الْحَرَكَة تلْحق فى الْوَصْل فَإِن قلت: وعد الْكَافِرُونَ النَّار، إوقلت: أحرقته النَّار - لم تكن إمالة لما ذكرت لَك فَأَما قَوْلهم: هَذَا رجل حجاج فَلم تجز الإمالة؛ لِأَنَّهُ لَا شئ يُوجِبهَا، ثمَّ قَالُوا فى الِاسْم الْحجَّاج فَإِنَّمَا أمالوا للفصل بَين الْمعرفَة والنكرة، وَالِاسْم والنعت؛ لِأَن الإمالة أَكثر، وَلَيْسَ بالْحسنِ النصب أحسن وأقيس

هَذَا بَاب مَا يمال / وَينصب من الْأَسْمَاء غير المتمكنة، والحروف

اعْلَم أَنهم قَالُوا: ذَا عبد الله، وَهَذَا عبد الله، وَقَالُوا فى التهجى: بَاء، وتاء، وَرَاء؛ ليدلوا على أَنَّهَا أَسمَاء فَلَو ألزمت النصب لَا لتبست بالحروف؛ لِأَن الْحُرُوف لَا تصلح فِيهَا الإمالة فَإِن قلت: فَهَلا فعلوا ذَلِك فى (مَا) الَّتِى هى اسْم لمضارعتها للحروف؛ لِأَنَّهَا لَا تكون اسْما إِلَّا بصلَة، إِلَّا فى الِاسْتِفْهَام أَو الْجَزَاء، فهى فى هذَيْن مضارعة للحروف الَّتِى هى للاستفهام وَالْجَزَاء فَأَما فى النفى فهى حرف وَلَيْسَ باسم، وَكَذَلِكَ هى زَائِدَة فى قَوْلك (فَبِمَا نَقْضِهِمِ مِيْثَاقَهُمْ) وَنَحْوه فَأَما (إِمَّا) ، و (حَتَّى) ، وَسَائِر الْحُرُوف الَّتِى لَيست بأسماء - فَإِن الإمالة فِيهِ خطأ وَلَكِن (مَتى) تمال؛ لِأَنَّهَا اسْم، وَإِنَّمَا هى من أَسمَاء الزَّمَان، وَلَا يستفهم بهَا إِلَّا عَن وَقت فَأَما (عَسى) فإمالتها جَيِّدَة؛ لِأَنَّهَا فعل، وألفها منقلبة من يَاء تَقول: عَسَيْت؛ كَمَا تَقول: رمى ورميت فَأَما (على) ، و (إِلَى) فَلَا تصلح إمالتهما؛ لِأَن (على) من عَلَوْت، وهى اسْم، يدلك على ذَلِك قَوْلهم: جِئْت من عَلَيْهِ، أى: من فَوْقه قَالَ الشَّاعِر:

(غَدَتْ من عَلَيْهِ تنفض الطل بَعْدَمَا ... رَأَتْ حَاجِب الشَّمْس اسْتَوَى فترفعا)

وَقَالَ الآخر:

(غَدَتْ من عَلَيْهِ بَعْدَمَا تمّ خمسها ... تصل وَعَن قيض ببيداء مجهل) صفحة فارغة

هَذَا بَاب كم

اعْلَم أَن (كم) اسْم يَقع على الْعدَد، وَلها موضعان: تكون خَبرا، وَتَكون استفهاما فمجراها مجْرى عدد منون وَذَلِكَ قَوْلك: كم رجلا عنْدك؟ وَكم غُلَاما لَك؟ تُرِيدُ: أعشرون غُلَاما أم ثَلَاثُونَ، وَمَا أشبه ذَلِك؛ كَمَا أَنَّك إِذا قلت: أَيْن عبد الله؟ فَمَعْنَاه: أفى مَوضِع كَذَا أَو فى مَوضِع كَذَا؟ وَإِذا قلت: مَتى تخرج؟ فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: أوقت كَذَا أم وَقت كَذَا؟ إِلَّا أَنه يجوز لَك فى (كم) أَن تفصل بَينهَا وَبَين مَا علمت فِيهِ بالظرف فَتَقول: كم لَك غُلَاما؟ وَكم عنْدك جَارِيَة؟ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك فِيهَا؛ لِأَنَّهُ جعل عوضا لما منعته من التَّمَكُّن وَأما (عشرُون) وَنَحْوهَا فَلَا يجوز أَن تَقول فِيهَا: عشرُون لَك جَارِيَة، وَلَا خَمْسَة عسر لَك فلاما إِلَّا أَن يضْطَر شَاعِر؛ كَمَا قَالَ حِين اضْطر:

(على أننى بعد مَا قد مضى ... ثَلَاثُونَ للهجر حولا كميلا) وَقَالَ الآخر:

(فى خمس عشرَة من جُمَادَى لَيْلَة ... لَا أَسْتَطِيع على الْفراش رقادى)

وَتقول: كم دِرْهَم لَك؟ لِأَن التَّمْيِيز على غَيره فَكَأَن التَّقْدِير: كم دانقا دِرْهَم لَك، وَكم قيراطا، وَمَا أشبه ذَلِك؟ كَمَا أَنَّك إِذا قلت: كم غلمانك؟ فَإِنَّمَا الْمَعْنى: كم غُلَاما غلمانك؟ وَلَا يكون فى قَوْلك: كم غلمانك؟ إِلَّا الرّفْع؛ لِأَنَّهُ معرفَة، وَلَا يكون التَّمْيِيز بالمعرفة فَإِذا قلت: كم غلمانك؟ فتقديره من الْعدَد الْوَاضِح: أعشرون غُلَاما غلمانك؟ فَإِن قلت: أعشرون غلمانك؟ فَذَلِك مَعْنَاهُ، لِأَن مَا أظهرت دَلِيل على مَا حذفت وَتقول: بكم ثَوْبك مصبوغ؟ ؛ لِأَن التَّقْدِير: بكم منا ثَوْبك مصبوغ؟ أَو بكم درهما؟ وَتقول: على كم جذعا بَيْتك مبْنى؟ إِذا جعلت (على كم) ظرفا لمبنى رفعت الْبَيْت بِالِابْتِدَاءِ، وَجعلت (المبنى) خَبرا عَنهُ، وَجعلت (على كم) ظرفا لمبنى فَهَذَا على قَول من قَالَ: فى الدَّار زيد قَائِم، وَمن قَالَ: فى الدَّار زيد قَائِما، فَجعل (فى الدَّار) خَبرا - قَالَ: على كم جذعا بَيْتك مَبْنِيا؟ / إِذا نصب مَبْنِيا جعل (على كم) ظرفا للبيت؛ لِأَنَّهُ لَو قَالَ لَك على الْمَذْهَب: على كم جذعا بَيْتك؟ لاكتفى؛ كَمَا أَنه لَو قَالَ: فى الدَّار لاكتفى وَلَو قَالَ: بكم رجل زيد مَأْخُوذ؟ لم يجز إِلَّا الرّفْع فى مَأْخُوذ؛ كَمَا تَقول: بِعَبْد الله زيد مَأْخُوذ؛ لِأَن الظّرْف هَاهُنَا إِنَّمَا هُوَ مُعَلّق بالْخبر والبصريون يجيرون على قبح: على كم جذع، وبكم رجل؟ يجْعَلُونَ مَا دخل على (كم) من حُرُوف الْخَفْض دَلِيلا على (من) ، ويحذفونها، ويريدون: على كم من جذع، وبكم من رجل؟ فَإِذا لم يدخلهَا حرف الْخَفْض فَلَا اخْتِلَاف فى أَنه لَا يجوز الْإِضْمَار وَلَيْسَ إِضْمَار (من) مَعَ حُرُوف الْخَفْض بِحسن وَلَا قوى، وَإِنَّمَا إِجَازَته على بعد وَمَا ذكرت لَك حجَّة من أجَازه فَهَذِهِ (كم) الَّتِى تكون للاستفهام فَأَما (كم) الَّتِى تقع خَبرا فمعناها: معنى (رب) إِلَّا أَنَّهَا اسْم، و (رب) حرف وَذَلِكَ قَوْلك: كم رجل قد رَأَيْته أفضل من زيد إِن جعلت (قد رَأَيْته) الْخَبَر، وَإِن جعلت (قد رَأَيْته) من نعت الرجل قلت: أفضل من زيد / رفعت (أفضل) ؛ لِأَنَّك جعلت (أفضل) خَبرا عَن (كم) ؛ لِأَن (كم) اسْم مُبْتَدأ فَأَما (رب) إِذا قلت: رب رجل أفضل مِنْك فَلَا يكون لَهُ الْخَبَر؛ لِأَنَّهَا حرف خفض و (كم) لَا تكون إِلَّا اسْما أَلا ترى أَن حُرُوف الْخَفْض تدخل عَلَيْهَا، وَأَنَّهَا تكون فاعلة ومفعولة تَقول: كم رجل ضربك - فهى هَاهُنَا فاعلة فَإِذا قلت: كم رجل قد رَأَيْت - فهى مفعولة، وَكَذَلِكَ لَو قلت: كم رجل قد رَأَيْته لكَانَتْ مَرْفُوعَة؛ لِأَنَّهَا ابْتِدَاء؛ لشغلك الْفِعْل عَنْهَا، وَكَذَلِكَ تَقول: إِلَى كم رجل قد ذهبت فَلم أره وَاعْلَم أَن هَذَا الْبَيْت ينشد على ثَلَاثَة أوجه، وَهُوَ:

(كم عمَّة لَك يَا جرير وَخَالَة ... فدعاء قد حابت على عشارى)

فَإِذا قلت: كم عمَّة فعلى معنى: رب عمَّة وَإِذا قلت: كم عمَّة؟ فعلى الِاسْتِفْهَام وَإِن قلت: كم عمَّة أوقعت (كم) على الزَّمَان فَقلت: كم يَوْمًا عمَّة لَك وخاله قد حلبت على عشارى، وَكم مرّة، وَنَحْو ذَلِك فَإِذا قلت: كم عمَّة فلست تقصد إِلَى وَاحِدَة / وَكَذَلِكَ إِذا نصبت، وَإِن رفعت لم تكن إِلَّا وَاحِدَة؛ لِأَن التَّمْيِيز يَقع وَاحِدَة فى مَوضِع الْجَمِيع، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فى معنى (رب) ؛ لِأَنَّك إِذا قلت: رب رجل رَأَيْته لم تعن وَاحِدًا، وَإِذا قلت: كم رجلا عنْدك؟ فَإِنَّمَا تسْأَل: أعشرون أم ثَلَاثُونَ أَو نَحْو ذَلِك؟ فَإِذا قلت: كم دِرْهَم عنْدك؟ فَإِنَّمَا تعنى: كم دانقا هَذَا الدِّرْهَم الذى أَسأَلك عَنهُ؟ فالدرهم وَاحِد مَقْصُود قَصده بِعَيْنِه؛ لِأَنَّهُ خبر، وَلَيْسَ بتمييز، وَكَذَلِكَ: كم جاءنى صَاحبك؟ إِنَّمَا تُرِيدُ: كم مرّة جاءنى صَاحبك فَإِن قلت: مَا بَال المستفهم بهَا ينْتَصب مَا بعْدهَا والتى فى معنى (رب) ينخفض بهَا مَا بعْدهَا وَكِلَاهُمَا للعدد؟ فَإِن فى هَذَا قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَن الَّتِى للْخَبَر لما ضارعت (ب) فى مَعْنَاهَا اختير فِيهَا ترك التَّنْوِين؛ ليَكُون مَا بعْدهَا بمنزلتها بعد (رب) ، وَتَكون تشبه من الْعدَد ثَلَاثَة أَثوَاب، وَمِائَة دِرْهَم، فَتكون غير خَارِجَة من الْعدَد، وَقد أصبت بهَا مَا ضارعته؛ كَمَا أَن الْمُضَاف إِلَيْهِ إِنَّمَا خص بالخفض؛ لِأَنَّهُ على / معنى اللَّام أَلا ترى أَن قَوْلك: هَذَا غُلَام زيد إِنَّمَا مَعْنَاهُ: هَذَا غُلَام لزيد، وَقد يجوز أَن تكون منونة فى الْخَبَر، فينتصب مَا بعْدهَا فَتَقول: كم رجلا قد أتانى إِلَّا أَن الأجود مَا ذكرنَا؛ ليَكُون بَينهَا وَبَين المستفهم بهَا فصل فَإِن فصلت بَينهَا وَبَين مَا تعْمل فِيهِ بشئ اختير التَّنْوِين؛ لِأَن الْخَافِض لَا يعْمل فِيمَا فصل مِنْهُ، والناصب والرافع يعملان فى ذَلِك الْموضع وَذَلِكَ قَوْلك: كم يَوْم الْجُمُعَة رجلا قد أتانى، وَكم عنْدك رجلا قد لَقيته، ويختار النصب فى قَوْله:

(كم نالنى مِنْهُم فضلا على عدم ... إِذْ لَا أكاد من الإقتار أحتمل) وَقد زعم قوم أَنَّهَا على كل حَال منونة، وَأَن مَا انخفض بعْدهَا ينخفض على إِضْمَار (من) وَهَذَا بعيد؛ لِأَن الْخَافِض لَا يضمر؛ إِذْ كَانَ وَمَا بعده بمنزل شئ وَاحِد، وَقد ذَكرْنَاهُ بحججه موكدا وَمن فصل للضَّرُورَة بَين الْخَافِض والمخفوض فعل مثل ذَلِك فى (كم) فى الْخَبَر وَذَلِكَ قَوْله:

(كم بحود مقرف نَالَ الْعلَا ... وشريف بخله قد وَضعه) / وَقَالَ الآخر:

(كم فى بنى سعد بن بكر سيد ... ضخم الدسيعة ماجد نفاع)

والقوافى مجرورة وَقَالَ الاخر:

(كم قد فاتنى بَطل كمى ... وياسر فتية سمح هضوم)

وَلَا يجوز أَن تفصل بَين الْخَافِض والمخفوض فى الضَّرُورَة إِلَّا بحشو كالظروف وَمَا أشبههَا مِمَّا لَا يعْمل فِيهِ الْخَافِض؛ كَمَا تَقول: إِن الْيَوْم زيدا منطلق وَلَو كَانَ مَكَان (الْيَوْم) مَا تعْمل فِيهِ (إِن) لم يَقع إِلَى جَانبهَا إِلَّا مَعْمُولا فِيهِ وَلَوْلَا أَن هَذِه القوافى مخفوض لاختير فى هذَيْن الْبَيْتَيْنِ الرّفْع، وتوقع (كم) على مرار من الدَّهْر، فَتكون (كم) ظرفا مَنْصُوبًا؛ لِأَن (كم) اسْم الْعدَد، فهى واقعه على كل مَعْدُود وَتقول: كم رجلا جَاءَك؟ فَإِنَّمَا تسْأَل بهَا عَن عدد الرِّجَال وَتقول: كم يَوْمًا لقِيت زيدا؟ فتنصبها؛ لِأَنَّهَا وَاقعَة على عدد الْأَيَّام واللقاء الْعَامِل فِيهَا، فَكَذَا كل مُبْهَم وَلَو قلت: كم يَوْمًا لقِيت فِيهِ زيدا؟ لكَانَتْ (كم) فى مَوضِع رفع، كَأَنَّك قلت: أعشرون يَوْمًا لقِيت فِيهَا زيدا؟ إِلَّا أَن (كم) فى هَذَا الْموضع اسْتِفْهَام / فهى فى أَنَّهَا اسْم وَأَنَّهَا الْحَرْف المستفهم بِهِ بِمَنْزِلَة (من) ، و (مَا) ، و (أَيْن) ، و (مَتى) ، و (كَيفَ) وَإِن كَانَت الْمعَانى مُخْتَلفَة؛ لِأَن (من) إِنَّمَا هى لما يعقل خَاصَّة حَيْثُ وَقعت: من الْخَبَر، أَو اسْتِفْهَام، أَو جَزَاء، أَو نكرَة و (مَا) لذات غير الْآدَمِيّين، ولصفات الْآدَمِيّين و (أَيْن) للمكان، و (مَتى) للزمان، و (كَيفَ) للْحَال، و (كم) للعدد، فهى دَاخِلَة على جَمِيع هَذَا إِذا سَأَلت عَن عدد نوع مِنْهَا؛ نَحْو: كم مَكَانا قُمْت؟ وَكم يَوْمًا صمت؟ وَكم حَالا تصرفت عَلَيْهَا؟ وَنَحْو ذَلِك

=هَذَا بَاب مسَائِل (كم) فى الْخَبَر والاستفهام

تَقول: كم ثَلَاثَة سِتَّة إِلَّا ثلاثتان نصبت ثَلَاثَة؛ لِأَنَّهَا تَمْيِيز، و (سِتَّة) خبر (كم) ، و (ثلاثتان) بدل من (كم) فالتقدير: أى شئ من الْعدَد سِتَّة إِلَّا ثلاثتان؟ وَلَو قلت: كم لَك دِرْهَم؟ وَأَنت تُرِيدُ: كم دانقا دِرْهَم؟ لم يكن الدِّرْهَم إِلَّا رفعا، وَلم ترد بِهِ إِلَّا وَاحِدًا وَلَو قلت: كم لَك درهما؟ لَكَانَ (لَك) خَبرا، وَكَانَ الدِّرْهَم فى مَوضِع جمَاعَة /، لِأَنَّك تُرِيدُ: كم من دِرْهَم لَك؟ وَتقول: كم دَنَانِير عنْدك؟ وَلَا يجوز النصب فى تمييزها بِجَمَاعَة؛ كَمَا لَا تَقول: إِلَّا عشرُون درهما، وَلَا يجوز عشرُون دَرَاهِم فَإِن ذكرت (كم) الَّتِى تقع فى الْخَبَر جَازَ أَن تَقول: كم غلْمَان قد رَأَيْت، وَكم أَثوَاب قد لبست؛ لِأَنَّهَا بمنزله ثَلَاثَة أَثوَاب وَنَحْوه من الْعدَد، وَلِأَنَّهَا مضارعة (رب) وهما يقعان على الْجَمَاعَة، ووقوعها على الْوَاحِد فى معنى الْجَمَاعَة لمضارعتها (رب) وتشبه من الْعدَد مائَة دِرْهَم، وَألف دِرْهَم وَاعْلَم أَن (كم) لَا بُد لَهَا من الْخَبَر، لِأَنَّهَا اسْم فهى مُخَالفَة لرب فى هَذَا، مُوَافقَة لَهَا فى الْمَعْنى تَقول: كم رجل قد رَأَيْت أفضل مِنْك، و (رب) إِنَّمَا تضيف بهَا إِلَى مَا وَقعت عَلَيْهِ مَا بعده؛ نَحْو: رب رجل فى الدَّار، وَرب رجل قد كلته فَهَذَا مَعْنَاهَا وَلَو قلت: كم رجل قد أتانى لَا رجل، وَلَا رجلَانِ - كَانَ جيدا، لِأَنَّك تعطف على (كم) وَلَا يجوز مثل هَذَا فى بَاب (رب) ؛ لِأَنَّهَا حرف فَأَما قَوْله: (إِن يَقْتُلُوك فَإِن قَتلك لم يكن ... عارا عَلَيْك، وَرب قتل عَار)

/ فعلى إِضْمَار (هُوَ) لَا يكون إِلَّا على ذَلِك فَهَذَا إنشاد بَعضهم، وَأَكْثَرهم ينشده

(وَبَعض قتل عَار ... )

فَأَما قَوْله: كم من رجل قد رَأَيْته؟ فَتدخل (من) وَأَنت لَا تَقول: عشرُون من رجل؛ فَإِنَّمَا ذَلِك لِأَن (كم) اسْتِفْهَام والاستفهام يدْخل فِيمَا وَقع عَلَيْهِ (من) توكيدا وإعلاما أَنه وَاحِد فِي معنى الْجَمِيع وَذَلِكَ: هَل أَتَاك من أحد؟ كَمَا تَقول فى المنفى: مَا أتانى من رجل وَلَو قلت: مَا أتانى رجل، وَهل أتانى رجل - لجَاز أَن تعنى وَاحِدًا؛ وَالدَّلِيل على ذَلِك وُقُوع الْمعرفَة فى هَذَا الْموضع؛ نَحْو: مَا أتانى زيد، وَهل أَتَاك زيد؟ وَمعنى قَوْلك: عشرُون درهما: إِنَّمَا هُوَ عشرُون من الدَّرَاهِم؛ لِأَن (عشرُون) وَمَا أشبهه اسْم عدد فَإِذا قلت: هَذَا الْعدَد، فَمَعْنَاه: من ذَا النَّوْع فَلَمَّا قلت: درهما، جِئْت بِوَاحِد يدل على النَّوْع، لاستغنائك عَن ذكر الْعدَد، فَلَمَّا اجْتمع فى (كم) الِاسْتِفْهَام وَأَنَّهَا تقع سؤالا عَن وَاحِد؛ كَمَا تقع سؤالا عَن جمع، وَلَا تخص عددا دون عدد لإبهامها، وَلِأَنَّهَا لَو خصت لم تكن استفهاما؛ لِأَنَّهَا كَانَت تكون مَعْلُومَة عِنْد السَّائِل - دخلت (من) على الأَصْل، وَدخلت فى الَّتِى هى خبر؛ لِأَنَّهَا فى الْعدَد / والإبهام كهذه وَاعْلَم أَن كل تَمْيِيز لَيْسَ فِيهِ ذكر للمقصود فَإِن (من) لَا تدخله إِذا كَانَ مُفردا؛ لِأَنَّك لَو أدخلتها لوَجَبَ الْجمع؛ وَذَلِكَ قَوْلك: عشرُون درهما، وَمِائَة دِرْهَم، وكل رجل جاءنى فَلهُ دِرْهَم، وَهُوَ خير مِنْك عبدا، وأفره مِنْك دَابَّة، وعندى ملْء قدح عسلا، وعَلى التمرة مثلهَا زبدا إِلَّا أَن تَقول: عشرُون من الدَّرَاهِم، وَهُوَ خير مِنْك من الغلمان، وَعَلَيْهَا مثلهَا من الزّبد فَإِن كَانَ فِيهَا ذكر الأول دخلت (من) فى الْمَخْصُوص فَقلت: ويحه رجلا، وويحه من رجل: وَللَّه دره فَارِسًا، وَمن فَارس، وحسبك بِهِ رجلا، وَمن رجل وَلَا يكون هَذَا فى الْمُضمر الذى يقدم على شريطة التَّفْسِير؛ لِأَنَّهُ مُجمل، نَحْو: ربه رجلا قد رَأَيْته، وَنعم رجلا عبد الله، وَقد مضى بَابهَا مُفَسرًا

هَذَا بَاب الْأَفْعَال الَّتِى تسمى أَفعَال المقاربة وهى مُخْتَلفَة الْمذَاهب وَالتَّقْدِير، مجتمعة فى المقاربة

فَمن تِلْكَ الْأَفْعَال (عَسى) وهى لمقاربة الْفِعْل، وَقد تكون إِيجَابا، وَنحن نذْكر بعد فراغنا مِنْهَا شَيْئا إِن شَاءَ الله اعْلَم (أَنه) لَا بُد لَهَا من فَاعل؛ لِأَنَّهُ لَا / يكون فعل إِلَّا وَله فَاعل وخبرها مصدر؛ لِأَنَّهَا لمقاربته والمصدر اسْم الْفِعْل وَذَلِكَ قَوْلك: عَسى زيد أَن ينْطَلق، وعسيت أَن أقوم، أى: دَنَوْت من ذَلِك، وقاربته بِالنِّيَّةِ و (أَن أقوم) فى معنى الْقيام وَلَا تقل: عَسَيْت الْقيام، وَإِنَّمَا ذَلِك لِأَن الْقيام مصدر،، لَا دَلِيل فِيهِ يخص وقتا من وَقت، و (أَن أقوم) مصدر لقِيَام لم يَقع؛ فَمن ثمَّ لم يَقع الْقيام بعْدهَا، وَوَقع الْمُسْتَقْبل قَالَ الله عز وَجل {فَعَسَى الله أَن يَأْتِي بِالْفَتْح} وَقَالَ: {فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا من المهتدين} وَلَو احْتَاجَ شَاعِر إِلَى الْفِعْل فَوَضعه فى مَوضِع الْمصدر جَازَ؛ لِأَنَّهُ دَال عَلَيْهِ فَمن ذَلِك قَوْله:

(عَسى الله يغنى عَن بِلَاد ابْن قَادر ... بمنهمر جون الربَاب سكوب) وَقَالَ الاخر:

(عَسى الكرب الذى أمسيت فِيهِ ... يكون وَرَاءه فرج قريب)

وَأما قَوْلهم فى الْمثل: (عَسى الغوير أبؤسا) فَإِنَّمَا كَانَ التَّقْدِير: عَسى الغوير أَن يكون أبوسا؛ لِأَن (عَسى) إِنَّمَا خَبَرهَا الْفِعْل مَعَ (أَن) أَو الْفِعْل / مُجَردا، وَلَكِن لما وضع الْقَائِل الِاسْم فى مَوضِع الْفِعْل كَانَ حَقه النصب؛ لِأَن (عَسى) فعل، وَاسْمهَا فاعلها، وخبرها مفعولها؛ أَلا ترى أَنَّك تَقول: كَانَ زيد ينْطَلق فموضعه نصب فَإِن قلت: مُنْطَلقًا لم يكن إِلَّا نصبا فَأَما قَوْلهم: عَسى أَن يقوم زيد، وَعَسَى أَن يقوم أَبوك، وَعَسَى أَن تقوم جواريك فقولك: (أَن يقوم) رفع؛ لِأَنَّهُ فَاعل عَسى فَعَسَى فعل ومجازها مَا ذكرت لَك فَأَما قَول سِيبَوَيْهٍ: إِنَّهَا تقع فى بعض الْمَوَاضِع بِمَنْزِلَة (لَعَلَّ) مَعَ الْمُضمر فَتَقول: عساك وعسانى - فَهُوَ غلط مِنْهُ؛ لِأَن الْأَفْعَال لَا تعْمل فى الْمُضمر إِلَّا كَمَا تعْمل فى الْمظهر فَأَما قَوْله:

(تَقول بنتى: قد أَنى إناكا ... يَا أبتى علك أَو عساكا) وَقَالَ آخر:

(ولى نفس أَقُول لَهَا إِذا مَا ... تخالفنى: لعلى أَو عسانى)

فَأَما تَقْدِيره عندنَا: أَن الْمَفْعُول مقدم، وَالْفَاعِل مُضْمر، كَأَنَّهُ قَالَ: عساك الْخَيْر أَو الشَّرّ، وَكَذَلِكَ: عسانى الحَدِيث، وَلكنه حذف؛ لعلم الْمُخَاطب بِهِ، وَجعل الْخَبَر اسْما على قَوْلهم: (عَسى الغوير / أبؤسا) وَكَذَلِكَ قَول الْأَخْفَش: وَافق ضمير الْخَفْض ضمير الرّفْع فى (لولاى) ، فَلَيْسَ هَذَا القَوْل بشئ، وَلَا قَول: أَنا كَأَنْت، وَلَا أَنْت كأنا - بشئ، وَلَا يجوز هَذَا، إِنَّمَا يتَّفق ضمير النصب، وَضمير الْخَفْض كاستوائهما فى التَّثْنِيَة وَالْجمع، وفى حمل المخفوض الذى لَا يجرى على لفظ النصب؛ مثل قَوْلك: مَرَرْت بعمر اسْتَوَى فِيهِ الْخَفْض، وَالنّصب وأدخلت الْخَفْض على النصب، كَمَا أدخلت النصب على الْخَفْض، فهذان متواخيان وَالرَّفْع بَائِن مِنْهُمَا وَأما (لَوْلَا) فَنَذْكُر أمرهَا فى بَابهَا إِن شَاءَ الله وَمن هَذِه الْحُرُوف (لَعَلَّ) تَقول: لَعَلَّ زيدا يقوم و (لَعَلَّ) حرف جَاءَ لِمَعْنى مشبه بِالْفِعْلِ كَأَن مَعْنَاهُ التوقيع لمحبوب أَو مَكْرُوه وَأَصله (عل) وَاللَّام زَائِدَة فَإِذا قلت: لَعَلَّ زيدا يأتينا بِخَير، وَلَعَلَّ عمرا يزورنا - فَإِنَّمَا مجَاز هَذَا الْكَلَام من الْقَائِل، أَنه لَا يَأْمَن أَن يكون هَذَا كَذَا وَالْخَبَر يكون اسْما؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة (إِن) ، وَيكون فعلا، وظرفا؛ كَمَا يكون فى (إِن) تَقول: لَعَلَّ زيدا صديق لَك، وَلَعَلَّ زيدا فى الدَّار، وَلَعَلَّ زيدا إِن أَتَيْته أَعْطَاك إِذا ذكرت الْفِعْل فَهُوَ بِغَيْر (أَن) أحسن؛ لِأَنَّهُ خبر ابْتِدَاء، وَقَالَ الله عز وَجل /: (لعَلّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) وَقَالَ: {فَقُوْلاَ لَهُ قَوْلاً لَيَّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخشَى} فَإِن قَالَ الْقَائِل فى الشّعْر: لَعَلَّ زيدا أَن يقوم - جَازَ؛ لِأَن الْمصدر يدل على الْفِعْل، فمجاز الْمصدر هَاهُنَا كمجاز الْفِعْل فى بَاب (عَسى) قَالَ الشَّاعِر:

(لَعَلَّك يَوْمًا أَن تلم ملمة ... عَلَيْك من اللائى يدعنك أجدعا)

وَمن هَذِه الْحُرُوف (كَاد) ، وهى للمقاربة، وهى فعل تَقول: (كَاد الْعَرُوس يكون أَمِيرا) ، و (كَاد النعام يطير) فَأَما قَول الله عز وَجل: {إِذا أخرج يَده لم يكد يَرَاهَا} فَمَعْنَاه - وَالله أعلم -: لم يرهَا، وَلم يكد، أى: لم يدن من رؤيتها وَكَذَلِكَ: {من بعد مَا كَاد يزِيغ قُلُوب فريق مِنْهُم} فَلَا تذكر خَبَرهَا إِلَّا فعلا، لِأَنَّهَا لمقاربة الْفِعْل فى ذَاته فهى بِمَنْزِلَة قَوْلك: جعل يَقُول، وَأخذ يَقُول، وكرب يَقُول، إِلَّا أَن يضْطَر شَاعِر، فَإِن اضْطر جَازَ لَهُ فِيهَا مَا جَازَ فى (لَعَلَّ) قَالَ الشَّاعِر:

(قد كَاد من طول البلى أَن يمصحا ... )

هَذَا بَاب الْمُبْتَدَأ الْمَحْذُوف / الْخَبَر اسْتغْنَاء عَنهُ وَهُوَ بَاب (لَوْلَا)

اعْلَم أَن الِاسْم الذى بعد (لَوْلَا) يرْتَفع بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبره مَحْذُوف لما يدل عَلَيْهِ وَذَلِكَ قَوْلك: لَوْلَا عبد الله لأكرمتك ف (عبد الله) ارْتَفع بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبره مَحْذُوف وَالتَّقْدِير لَوْلَا عبد الله بالحضرة، أَو لسَبَب كَذَا لأكرمتك فقولك: (لأكرمتك) ، خبر مُعَلّق بِحَدِيث (لَوْلَا) و (لَوْلَا) حرف يُوجب امْتنَاع الْفِعْل لَو وُقُوع اسْم تَقول: لَوْلَا زيد لَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَقَوله: لَكَانَ كَذَا وَكَذَا، إِنَّمَا هُوَ لشئ لم يكن من أجل مَا قبله وَلَوْلَا إِنَّمَا هِيَ لَو وَلَا جعلتا شَيْئا وَاحِدًا وأوقعتا على هَذَا الْمَعْنى فَإِن حذفت لَا من قَوْلك لَوْلَا انْقَلب الْمَعْنى فَصَارَ الشَّيْء فِي لَو يجب لوُقُوع مَا قبله وَذَلِكَ قَوْلك لَو جَاءَنِي زيد لأعطيتك وَلَو كَانَ زيد لحرمك و (لَوْلَا) فى الأَصْل لَا تقع إِلَّا على اسْم و (لَو) لَا تقع إِلَّا على فعل فَإِن قدمت الِاسْم قبل الْفِعْل فِيهَا كَانَ على فعل مُضْمر، وَذَلِكَ كَقَوْلِه عز وَجل: {قل لَو أَنْتُم تَمْلِكُونَ خَزَائِن رَحْمَة رَبِّي} إِنَّمَا (أَنْتُم) رفع بِفعل يفسره مَا بعده وَكَذَلِكَ

(فَلَو غير أخوالى أَرَادوا نقيصتى ... جعلت لَهُم فَوق العرانين ميسما)

وَمثل ذَلِك قَول الْعَرَب: (لَو ذَات سوار لطمتنى) إِنَّمَا أَرَادَ: لَو لطمتنى ذَات سوار، وَالصَّحِيح من روايتهم: (لَو غير ذَات سوار لطمتنى) وَفِيه خبر لحاتم وَقَالَ الشَّاعِر

(لَو غَيْركُمْ علق الزبير بحبله ... أدّى الْجوَار إِلَى بنى الْعَوام)

(فغيركم) يخْتَار فِيهَا النصب؛ لِأَن سَببهَا فى مَوضِع نصب وَقَوْلهمْ: لَو أَنَّك جِئْت لأكرمتك، وَقد مر تَفْسِيره فى بَاب (إِن) و (أَن)

هَذَا بَاب الْمَقْصُور والممدود

فَأَما الْمَقْصُور فَكل وَاو أَو يَاء وَقعت بعد فَتحه وَذَلِكَ؛ نَحْو: مغزى؛ لِأَنَّهُ (مفعل) فَلَمَّا كَانَت الْوَاو بعد فَتْحة، وَكَانَت فى مَوضِع حَرَكَة انقلبت ألفا؛ كَمَا تَقول: غزا، وَرمى فتقلب (الْوَاو) وَالْيَاء ألفا، وَلَا تنْقَلب وَاحِدَة مِنْهُمَا فى هَذَا الْموضع / إِلَّا وَالْفَتْح قبلهَا إِذا كَانَت فى مَوضِع حَرَكَة فَإِن كَانَت سَاكِنة الأَصْل وَقبلهَا فَتْحة لم تنْقَلب وَذَلِكَ؛ نَحْو: قَول، وَبيع، وَلَا تنْقَلب ألفا؛ لأجل سكونها فَإِذا أردْت أَن تعرف الْمَقْصُور من الْمَمْدُود فَانْظُر إِلَى نَظِير الْحَرْف من غير المعتل فَإِن كَانَ آخِره متحركا قبله فَتْحة علمت أَن نَظِيره مَقْصُور فَمن ذَلِك: معطى، ومغزى؛ لِأَنَّهُ مفعل فَهُوَ بِمَنْزِلَة مخرج ومكرم، وَكَذَلِكَ: مستعطى، ومستغزى؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة مستخرج فعلى هَذَا فقس جَمِيع مَا ورد عَلَيْك وَمن الْمَقْصُور أَن ترى الْفِعْل على (فعل يفعل) ، وَالْفَاعِل على فعل، وَذَلِكَ قَوْلك: فرق يفرق فرقا، وحذر يحذر حذرا، وبطر يبطر بطرا وَهُوَ بطر، وحذر وَنَظِير هَذَا من المعتل: هوى يهوى هوى؛ لِأَن الْمصدر يَقع على فعل؛ أَلا ترى أَنَّك تَقول: الْفرق، والحذر، والبطر وَهُوَ بِمَنْزِلَة هوى يهوى وَهُوَ هُوَ، وطوى يطوى طوى وَهُوَ طوى

وَمَا كَانَ مصدر لفعل يفعل الَّذِي الِاسْم مِنْهُ أفعل أَو فعلان فَهُوَ كَذَلِك أما مَا كَانَ الِاسْم مِنْهُ (أفعل) فَهُوَ أعمى /؛ لِأَنَّك تَقول: عمى الرجل فَهُوَ أعمى، والعشى؛ لِأَنَّك تَقول: عشى الرجل وَهُوَ أعشى، وَكَذَلِكَ القنا من قِنَا الْأنف، لِأَن الرجل أقنى وَأما (فعلان) فنحو الصدى، والطوى؛ لِأَنَّك تَقول: صدى الرجل فَهُوَ صديان، وطوى فَهُوَ طيان فنظير ذَلِك: عَطش فَهُوَ عطشان، والمصدر هُوَ الْعَطش، وظمى فَهُوَ ظمآن والمصدر الظمأ، وعله فَهُوَ علهان والمصدر العله وَنَظِير الأول: عور فَهُوَ أَعور، والمصدر العور وَكَذَلِكَ الْحول، والشتر، والصلع، وَنَحْو ذَلِك وَمن الْمَقْصُور كل اسْم جمعه (أَفعَال) مِمَّا أَوله مَفْتُوح، أَو مضموم، أَو مكسور وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك: أقفاء، وأرجاء يَا فَتى؛ لِأَن الْجمع إِذا كَانَ على (أَفعَال) وَجب أَن يكون واحده من المفتوح على فعل؛ نَحْو: جمل، وأجمال وقتب وأقتاب، وصنم وأصنام فَإِن كَانَ مكسورا فنحو قَوْلك فى معى: أمعاء؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة ضلع وأضلاع وَقد وَجب أَن يكون وَاحِد الأمعاء معى مَقْصُور فَأَما (ندى) فَهُوَ فعل، وَجمعه الصَّحِيح أنداء فَاعْلَم؛ وعَلى ذَلِك قَالَ الشَّاعِر:

(/ إِذا سقط الأنداء صينت وأشعرت ... حبيرا وَلم تدرج عَلَيْهَا المعاوز)

فَأَما قَول مرّة بن محكان:

(فى لَيْلَة من جُمَادَى ذَات أندية ... مَا يبصر الْكَلْب من ظلمائها الطنبا) فقد قيل فى تَفْسِيره قَولَانِ: قَالَ بَعضهم: هُوَ جمع على غير وَاحِد، مجازه مجَاز الِاسْم الْمَوْضُوع على غير الْجمع، نَحْو: ملامح، ومذاكير، وليالى؛ لِأَن لَيْلَة: فعلة، وَلَا تجمع على ليالى، ولمحة وَذكر لَا يجمعان على مفاعل ومفاعيل وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا أَرَادَ جمع ندى، أى: ندى الْقَوْم الذى يُقِيمُونَ فِيهِ، فيضيفون ويفخرون؛ كَمَا قَالَ الشَّاعِر:

(يَوْمَانِ يَوْم مقامات وأندية ... وَيَوْم سير إِلَى الْأَعْدَاء تأويب)

فَإِنَّمَا تستدل على الْمَقْصُور بنظائره وَمن الْمَقْصُور مَا كَانَ جمعا لفعله أَو فعله؛ نَحْو: رقية ورقى، ولحية ولحى، ورشوة ورشى، ومدية ومدى وَقد قَالُوا: مدية ومدى؛ لِأَن نَظِيره من غير المعتل: كسرة وَكسر، وَقطعَة وَقطع، وظلمة وظلم فَإِنَّمَا تستدل على الْمَقْصُور بِهَذَا وَمَا أشبهه وَمن الْمَقْصُور كل مَا كَانَ مؤنثا لفعلان؛ نَحْو: غَضْبَان /، وعطشان، وسكران؛ لِأَن مؤنثه سكرى، وغضبى، وعطشى وَمِنْه مَا كَانَ جمعا لفعلى؛ لِأَنَّهُ يَقع على مِثَال (فعل) ، وَذَلِكَ قَوْلك: الدُّنْيَا والدنا، والقصيا والقصى وَمِنْه مَا كَانَ مؤنثا فى (أفعل) الذى مَعَه من كَذَا؛ لِأَنَّهُ يكون على مِثَال (فعلى) وَذَلِكَ قَوْلك: هَذَا الْأَكْبَر، وَهَذِه الْكُبْرَى، والأصغر وَالصُّغْرَى وَالْأول وَالْأولَى؛ لِأَنَّك تَقول: هَذَا أَصْغَر مِنْك، وَهَذَا أكبر مِنْك، وَهَذَا أول مِنْك وَمن الْمَقْصُور مَا لَا يُقَال لَهُ: قصر لكذا؛ كَمَا لَا يُقَال: إِنَّمَا سميت قدم لكذا، وقذال لكذا وَلَكِنَّك تستدل على قصره بِمَا هُوَ على خِلَافه بنجو مَا ذَكرْنَاهُ فَأَما الْمَمْدُود فَإِنَّهُ يَاء أَو وَاو تقع بعد ألف زَائِدَة، أَو تقع أَلفَانِ للتأنيث فتبدل الثَّانِيَة همزَة؛ لِأَنَّهُ إِذا الْتَقت أَلفَانِ فَلَا بُد من حذف أَو تَحْرِيك؛ لِئَلَّا يلتقى ساكنان، فالحذف لَو وَقع هَاهُنَا لعاد الْمَمْدُود مَقْصُورا، فحرك لما ذكرت لَك فَأَما مَا كَانَ غير مؤنث، فهمزته أَصْلِيَّة أَو منقلبة / من يَاء أَو وَاو بعد ألف زَائِدَة فَمن ذَلِك مَا بنيته على (فعال) ؛ نَحْو: شراب، وقتال، وَحسان، وكرام؛ لِأَن مَوضِع اللَّام بعد ألف زَائِدَة فَإِن كَانَ من ذَوَات الْوَاو وَالْيَاء، أَو مَا همزته أَصْلِيَّة؛ نَحْو: سقاء، وغزاء يَا فَتى؛ لِأَنَّهُ من سقيت وغزوت، وقولك: قراء يَا فَتى؛ لِأَنَّهُ من قَرَأت، فَهَذَا كَهَذا وَمِمَّا يعلم مِنْهُ أَنه مَمْدُود مَا كَانَ من هَذَا الْبَاب مصدرا لأفعلت؛ لِأَنَّهَا تأتى على وزن الإفعال؛ نَحْو: أَخْطَأت إخطاء، وَأَقْرَأْته إقراء هَذَا مِمَّا همزته أَصْلِيَّة وَمن ذَوَات الْيَاء الْوَاو: أَعْطيته إِعْطَاء، وأغزيته إغزاء وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ مصدرا لاستفعلت؛ نَحْو: استقصيت استقصاء، واستدنيت استدناء لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الاستخراج، والاستضراب وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ مصدرا لِقَوْلِك: انفعل، وافتعل؛ لِأَنَّهُ يأتى بِمَنْزِلَة الانطلاق والاقتدار؛ لِأَن مَا قبل اللَّام ألف زَائِدَة؛ نَحْو: اختفى اختفاء، وانقضى انْقِضَاء وكل مَا لم نسمه فقسه على نَظِيره من الصَّحِيح وكل جمع من هَذَا الْبَاب على (أَفعلهُ) فواحده مَمْدُود نَحْو: رِدَاء وأردية، وَكسَاء / وأكسية، وإناء وآنية، ووعاء وأوعية؛ لِأَن نَظِيره حمَار وأحمرة، وقبال وأقبلة وَمن الْمَمْدُود مَا كَانَ جمعا لفعله من ذَوَات الْوَاو وَالْيَاء، وَذَلِكَ نَحْو: فَرْوَة وفراء وَمن قَالَ: جروة قَالَ: جراء فَاعْلَم، وَكَذَلِكَ كوَّة وكواء فَأَما قَرْيَة وقرى فَلَيْسَ من هَذَا الْبَاب؛ لِأَن قرى (فعل) وَلَيْسَ على فعلة وفعال؛ لِأَن (فعالا) فى فعلة هُوَ الْبَاب؛ نَحْو: صَحْفَة وصحاف؛ وقصعة وقصاع، وجفنة وجفان وَمن الْمَمْدُود كل مصدر مضموم الأول فى معنى الصَّوْت فَمن ذَلِك الدُّعَاء، والعواء، والرغاء هَذَا الْمَمْدُود؛ لِأَن نَظِيره من غير المعتل النباح، والصراخ والشحاج فَأَما الْبكاء، فَإِنَّهُ يمد وَيقصر فَمن مد فَإِنَّمَا أخرجه مخرج الصَّوْت، وَمن قصره أخرجه مخرج الْحزن وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ فى معنى الْحَرَكَة على هَذَا الْوَزْن؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة النقار، والنفاض وقلما تَجِد الْمصدر مضموم الأول مَقْصُورا؛ لِأَن (فعلا) قَلما يَقع فى المصادر وَاعْلَم أَن من الْمَمْدُود مَالا يُقَال لَهُ: مد لكذا؛ كَمَا لَا تَقول: / وَقع حمَار لكذا إِلَّا أَنَّك تستدل بالنظائر وَاعْلَم أَن كل مَمْدُود تثنيه وَكَانَ منصرفا - فَإِن إِقْرَار الْهمزَة فِيهِ أَجود، نَحْو: كساءان، ورداءان، وَقد يجوز أَن تبدل الْوَاو من الْهمزَة فَتَقول: كساوان، ورداوان، وَلَيْسَ بالجيد فَإِن قلت: قراوان فَهُوَ أقبح؛ لِأَن الْهمزَة أصل، وَلَيْسَت منقلبة من يَاء أَو وَاو، وَهَذَا جَائِز فَإِن كَانَ مُلْحقًا كَانَ أحسن، على أَن الْهمزَة أَجود وَذَلِكَ: علباوان، وحرباوان؛ لِأَن الْهمزَة ملحقه، وَلَيْسَت بِأَصْل، وَلَا منقلبة من شئ من الأَصْل وَكَذَلِكَ النّسَب: من قَالَ كسَاء ان قَالَ: كسائى، وَمن قَالَ: كساوان قَالَ: كساوى فَإِن كَانَت الْهمزَة للتأنيث لم يكن إِلَّا بِالْوَاو؛ نَحْو: حمراوان، وحمراوى والمقصور إِذا كَانَ على ثَلَاثَة أحرف ردَّتْ الْوَاو وَالْيَاء فى التَّثْنِيَة، تَقول: قفوان فَإِن كَانَ من ذَوَات الْيَاء قلت: رحيان، فَردَّتْ الْيَاء فَإِن زَاد على الثَّلَاثَة شَيْئا - منصرفا كَانَ أَو غير منصرف - لم تقل فى تثنيته إِلَّا بِالْيَاءِ؛ نَحْو: حبليان، ومغزيان، وحباريان وَكَذَلِكَ الْجمع بِالتَّاءِ نَحْو: حباريات، وحبليات فَأَما فى النّسَب فَمَا كَانَ مِنْهُ على ثَلَاثَة انقلبت / أَلفه واوا من أى الْبَابَيْنِ كَانَ؛ نَحْو: رحوى، وقفوى فَإِن زَاد فَلهُ حكم نذكرهُ فى بَاب النِّسْبَة إِن شَاءَ الله وَنَذْكُر بعد هَذَا مجَاز وُقُوع الْمَمْدُود والمقصور، ليعلم مَا سَبِيل الْمَدّ وَالْقصر فيهمَا إِن شَاءَ الله؟ أما الْمَقْصُور فَإِنَّمَا هُوَ على أحد أَمريْن: إِمَّا أَن يكون اسْما أَلفه غير زَائِدَة؛ نَحْو: قفا، وعصا، وملهى، ومرمى، ومستعطى، فَهَذَا كُله انقلبت ياوه أَو واوه ألفا لما ذكرت لَك وَإِمَّا أَن تكون أَلفه زَائِدَة لإلحاق أَو تَأْنِيث: فالإلحاق؛ نَحْو: حنبطى، وعفرتى، وأرطى والتأنيث نَحْو: حُبْلَى، وبشرى، وقرقرى فَهَذِهِ صِيغ وَقعت كَمَا تقع الْأَسْمَاء الَّتِى لَا يُقَال لَهَا مَقْصُورَة وَلَا ممدودة فَمَا كَانَ مثل قفا وعصا، فنحو جمل وَمثل مغزى، وملهى، مخرج، ومدخل وَمَا كَانَ نَحْو: حبنطى فلامه أصل؛ لِأَن ألف حبنطى مُلْحقَة بِهِ؛ نَحْو: جحنفل، وَمَا أشبهه، وكأرطى الذى هُوَ فعلى، / فألفه مُلْحقَة بِجَعْفَر وسلهب، فألفات هَذَا الضَّرْب أَصْلِيَّة، وَتلك مُلْحقَة بهَا وَأما الْمَمْدُود فَلَا يكون إِلَّا وَقبل آخِره ألف زادة، وَيَقَع بعْدهَا ألف مبدلة من يَاء أَو وَاو، للتأنيث أَو للإلحاق فَأَما سقاء وغزاء، فبمنزلة ضراب وقتال وَأما الملحقة فنحو: حرباء، وعلباء وفعلاء - فَاعْلَم - تلْحق بسرادح، وشملال وفعلاء تلْحق؛ نَحْو: قوباء فَاعْلَم فِيمَن أسكن الْوَاو، وَهُوَ بِمَنْزِلَة فسطاط وَأما مَا كَانَ للتأنيث فنحو: حَمْرَاء، وصفراء، وخنفساء إِنَّمَا هى زَائِدَة بعد زَائِدَة فَهَذَا تَأْوِيل الْمَقْصُور والممدود

هَذَا بَاب الِابْتِدَاء وَهُوَ الذى يُسَمِّيه النحويون (الْألف وَاللَّام)

اعْلَم أَن هَذَا الْبَاب عِبْرَة لكل كَلَام، وَهُوَ خبر، وَالْخَبَر مَا جَازَ على قَائِله التَّصْدِيق والتكذيب فَإِذا قلت: قَامَ زيد /، فَقيل لَك: أخبر عَن (زيد) ، فَإِنَّمَا يَقُول لَك: ابْن من قَامَ فَاعِلا وألحقه الْألف وَاللَّام على معنى الذى، وَاجعَل زيدا خَبرا عَنهُ، وضع الْمُضمر مَوْضِعه الذى كَانَ فِيهِ فى الْفِعْل فَالْجَوَاب فى ذَلِك أَن تَقول: الْقَائِم زيد، فتجعل الْألف وَاللَّام فى معنى الذى، وصلتهما على معنى صلَة الذى، وفى الْقَائِم ضمير يرجع إِلَى الْألف وَاللَّام، وَذَلِكَ الضَّمِير فَاعل؛ لِأَنَّك وَضعته مَوضِع زيد فى الْفِعْل، و (زيد) خبر الِابْتِدَاء وَإِن شِئْت قلته ب (الذى) ، فَقلت: الذى قَامَ زيد فَالَّذِي لَا يمْتَنع مِنْهُ كَلَام يخبر عَنهُ ألبته وقولك: الْفَاعِل لَا يكون إِلَّا من فعل خَاصَّة وَلَو قلت: زيد فى الدَّار فَقَالَ: أخبر عَن (زيد) بِالْألف وَاللَّام - لم يجز؛ لِأَنَّك لم تذكر فعلا فَإِن قيل لَك: أخبر عَنهُ بالذى قلت: الذى هُوَ فى الدَّار زيد، فَجعلت (هُوَ) ضمير زيد، وَرفعت (هُوَ) فى صلَة الذى بِالِابْتِدَاءِ، (وفى الدَّار) خَبره، كَمَا كَانَ حَيْثُ قلت: زيد فى الدَّار، وَجعلت (هُوَ) ترجع إِلَى الذى فَإِن قَالَ لَك: أخبر عَن (الدَّار) فى قَوْلك: / زيد فى الدَّار، قلت: الَّتِى زيد فِيهَا الدَّار فالهاء فى قَوْلك (فِيهَا) مخفوض فى مَوضِع الدَّار؛ لِأَن الدَّار فى المسالة هَاهُنَا خبر الَّتِى، فَهَذَا وَجه الْإِخْبَار

هَذَا بَاب الْفِعْل الذى يتَعَدَّى الْفَاعِل إِلَى الْمَفْعُول

وَذَلِكَ نَحْو: ضرب عبد الله أَخَاك، وَقتل عبد الله زيدا فَإِن قيل لَك: أخبر عَن الْفَاعِل فى قَوْلك: ضرب عبد الله أَخَاك قلت: الضَّارِب أَخَاك عبد الله، وَإِن شِئْت قلت: الذى ضرب أَخَاك عبد الله، وفى (ضرب) اسْم عبد الله فَاعل؛ كَمَا كَانَ ذَلِك فى قَوْلك: ضرب عبد الله، وَهُوَ الْعَائِد إِلَى (الذى) حَتَّى صلحت الصِّلَة، و (عبد الله) خبر الِابْتِدَاء فَإِن قَالَ لَك: أخبر عَن الْمَفْعُول، قلت، الضاربه عبد الله أَخُوك ف (الْهَاء) ضمير الْأَخ، وهى مفعول كَمَا كَانَ مَفْعُولا وَعبد الله فَاعل كَمَا كَانَ فى الْمَسْأَلَة، و (أَخُوك) خبر الِابْتِدَاء، وَهُوَ الْألف وَاللَّام فى الْحَقِيقَة؛ لِأَن كل مَا تخبر عَنهُ ف (الذى) تقدمه لَهُ، وَهُوَ خبر الِابْتِدَاء، / وَكِلَاهُمَا تقصد بِهِ الذى تخبر عَنهُ فى الْحَقِيقَة فَإِن قلت: ضرب زيد أَخَاك فى الدَّار، فَقيل لَك: أخبر عَن (الدَّار) قلت: الضَّارِب زيدا أَخَاك فِيهَا الدَّار وتأويله بالذى: الَّتِى ضرب عبد الله أَخَاك فِيهَا الدَّار وقولك: (فِيهَا) هُوَ قَوْلك: (فى الدَّار) فى الْمَسْأَلَة وَقد مضى من التَّفْسِير مَا يدل على مَا يرد من هَذَا الْبَاب فَإِن قلت: ضرب عبد الله أَخَاك قَائِما، فَقيل: أخبر عَن (قَائِم) - فقد سَأَلَك محالا؛ لِأَن الْحَال لَا تكون إِلَّا نكرَة، والمضمر لَا يكون إِلَّا معرفَة، وكل مَا أخْبرت عَنهُ فإضماره لَا بُد مِنْهُ؛ فالإخبار عَن الْحَال لَا يكون وَلَا يخبر عَن النَّعْت؛ لِأَن النَّعْت تحلية، والمضمر لَا يكون نعتا؛ لِأَنَّهُ لَا يكون تحلية وَلَا يخبر عَن التَّبْيِين؛ لِأَنَّهُ لَا يكون إِلَّا نكرَة وَلَا يخبر عَن الظروف الَّتِى لَا تسْتَعْمل اسْما؛ لِأَن الرّفْع لَا يدخلهَا، وَخبر الِابْتِدَاء لَا يكون إِلَّا رفعا وَلَا يخبر عَن الْأَفْعَال، وَلَا عَن الْحُرُوف الَّتِى تقع لمعان؛ لِأَنَّهَا لَا يكون لَهَا ضمير فَكل مَا كَانَ مِمَّا / ذكرته فقد أثبت لَك الْعلَّة فِيهِ وكل اسْم ذَلِك فمخبر عَنهُ وَلَا يخبر عَن (كَيفَ) ، و (أَيْن) ، وَمَا أشبهه؛ لِأَن ذَلِك لَا يكون إِلَّا فى أول الْكَلَام؛ لِأَنَّهَا للاستفهام وَلَا يخبر عَن أحد وأخواته

هَذَا بَاب الْفِعْل الذى يتَعَدَّى الْفَاعِل إِلَى مفعولين وَلَك أَن تقتصر على أَحدهمَا إِن شِئْت

وَذَلِكَ قَوْلك: أَعْطَيْت زيدا درهما، وكسوت زيدا ثوبا، وَمَا أشبهه؛ لِأَنَّك إِن شِئْت قلت: كسوت زيدا، وَأعْطيت زيدا، وَلم تذكر الْمَفْعُول الثانى فَإِذا قلت: أَعْطَيْت زيدا درهما، فَقَالَ لَك: أخبر عَن (زيد) - قلت: المعطيه أَنا درهما زيد فَإِن قَالَ لَك: أخبر عَن (الدِّرْهَم) قلت: الْمُعْطى أَنا زيدا إِيَّاه دِرْهَم، فَهَذَا أحسن الْإِخْبَار أَن تجْعَل ضمير الدِّرْهَم فى مَوْضِعه؛ لِئَلَّا يدْخل الْكَلَام لبس وَإِن لم يكن ذَلِك فى الدِّرْهَم، وَلَكِن قد يَقع فى مَوْضِعه: أَعْطَيْت / زيدا عمرا، فَالْوَجْه أَن تقدم الذى أَخذ، وَقد يجوز: المعطية أَن زيدا دِرْهَم؛ لِأَن هَذَا لَا يلبس؛ لِأَن الدِّرْهَم لَيْسَ مِمَّا يَأْخُذ فَإِذا دخل الْكَلَام لبس، فينبغى أَن يوضع كل شئ فى مَوْضِعه فَإِن قَالَ لَك: أخبر عَن نَفسك، قلت: الْمُعْطى زيدا درهما أَنا وَاعْلَم أَن الْفِعْل يتَضَمَّن الضَّمِير، وَاسم الْفَاعِل لَا يتَبَيَّن ذَلِك فِيهِ، فَإِذا جرى على مَا هُوَ لَهُ لم يظْهر فِيهِ ضمير وَإِن جرى لمن لَيْسَ هُوَ لَهُ خَبرا، أَو نعتا، أَو حَالا، أَو صلَة - لم يكن بُد من إِظْهَار الْفَاعِل؛ أَلا ترى أَنَّك تَقول: زيد أضربه، وَعَمْرو تضربه فَإِن وضعت فى مَوضِع (تضربه) (ضاربه) - قلت: زيد ضاربه أَنا، عَمْرو ضاربه أَنْت؛ لِأَن الْفِعْل الذى أظهرت قد جرى خَبرا على نَفسه فَلذَلِك لما قَالَ لَك فى قَوْله " أَعْطَيْت زيدا درهما " أخرر عَن نَفسك - قلت: الْمُعْطى زيدا درهما أَنا، فَلم تظهر بعد الْمُعْطى مضمرا؛ لِأَن الْألف وَاللَّام لَك، وَالْفِعْل لَك فَجرى على نَفسه وَإِن أخْبرت عَن الدِّرْهَم أَو زيدا أظهرت أَنا فَقلت المعطيه أَنا درهما زيد لِأَن الْفِعْل لَك وَالْألف وَاللَّام لزيد فَجرى الْفِعْل على غير من هُوَ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُعْطى أَنا زيدا إِيَّاه دِرْهَم؛ لِأَن الْألف وللام للدرهم، وَالْفِعْل لَك فَإِن كَانَ الذى ظهر الْفِعْل، فَلم تحتج إِلَى الْمُضمر الْمُنْفَصِل وَذَلِكَ قَوْلك - إِن أخْبرك عَن (زيد) -: الذى أَعْطيته درهما زيد فَإِن أخْبرت عَن (الدِّرْهَم) قلت: الذى أَعْطيته زيدا دِرْهَم، وَإِن وضعت الدِّرْهَم مَوْضِعه قلت: الذى أَعْطَيْت زيدا إِيَّاه دِرْهَم

هَذَا بَاب الْفِعْل المعتدى إِلَى مفعولين وَلَيْسَ لَك أَن تقتصر على أَحدهمَا دون الآخر

وَتلك الْأَفْعَال هى أَفعَال الشَّك وَالْيَقِين؛ نَحْو: علمت زيدا أَخَاك، وظننت زيدا ذَا مَال، وحسبت زيدا دَاخِلا دَارك، وخلت بكرا أَبَا عبد الله، وَمَا كَانَ من نحوهن وَإِنَّمَا امْتنع: ظَنَنْت زيدا حَتَّى تذكر الْمَفْعُول الثانى؛ لِأَنَّهَا لَيست أفعلا وصلت مِنْك إِلَى غَيْرك، إِنَّمَا هُوَ ابْتِدَاء وَخبر فَإِذا قلت: ظَنَنْت زيدا مُنْطَلقًا فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: زيد منطلق فى ظنى، فَكَمَا لَا بُد للابتداء من خبر كَذَا لابد من مفعولها الثانى؛ لِأَنَّهُ خبر الِابْتِدَاء، وَهُوَ الذى تعتمد عَلَيْهِ بِالْعلمِ وَالشَّكّ / إِذا قلت: ظَنَنْت زيدا أَخَاك، فَقَالَ لَك: أخبر عَن نَفسك - قلت: الظَّان زيدا أَخَاك نَفسك فَإِن قَالَ: أخبر عَن (زيد) - قلت: الظانه أَنا أَخَاك زيد فَإِن قَالَ: أخبر عَن (زيد) - قلت: الظانه أَنا أَخَاك زيد - فَإِن قيل: أخبر عَن (الْأَخ) - قلت: الذى ظَنَنْت زيدا إِيَّاه أَخُوك، ويقبح أَن تَقول: الذى ظننته زيدا أَخُوك؛ لما يدْخل الْكَلَام من اللّبْس أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت: ظَنَنْت زيدا أَخَاك، فَإِنَّمَا يَقع الشَّك فى الْأُخوة فَإِن قلت: ظَنَنْت أَخَاك زيدا - أوقعت الشَّك فى التَّسْمِيَة وَإِنَّمَا يصلح التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير إِذا كَانَ الْكَلَام موضحا عَن الْمَعْنى، نَحْو: ضرب زيدا عَمْرو؛ لِأَنَّك تعلم بالإعراب الْفَاعِل وَالْمَفْعُول فَإِن كَانَ الْمَفْعُول الثانى مِمَّا يَصح مَوْضِعه / إِن قَدمته فتقديمه حسن؛ نَحْو قَوْلك: ظَنَنْت فى الدَّار زيدا، وَعلمت خَلفك زيدا فَإِن قَالَ: أخبر عَن (الدَّار) - قلت: الظَّان أَنا فِيهَا زيدا الدَّار وب (الذى) تَقول: الَّتِى ظَنَنْت فِيهَا زيدا الدَّار وَكَذَلِكَ الْخلف تَقول: الظَّان أَنا فِيهِ زيدا خَلفك وَإِن كَانَ الْمَفْعُول الثانى فعلا نَحْو: ظَنَنْت زيدا يقوم - لم يجز الْإِخْبَار عَنهُ لما ذكرت لَك وَكَذَلِكَ إِن كَانَ من الظروف الَّتِى لَا يحل مَحل الْأَسْمَاء

هَذَا بَاب الْفِعْل الذى يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاسم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول فِيهِ لشئ وَاحِد وَذَلِكَ: كَانَ، وَصَارَ، وَأصْبح، وَأمسى، وَلَيْسَ، وَمَا كَانَ نحوهن

وَاعْلَم أَن هَذَا الْبَاب إِنَّمَا مَعْنَاهُ: الِابْتِدَاء وَالْخَبَر، وَإِنَّمَا دخلت (كَانَ) ؛ لِتُخْبِرَ أَن ذَلِك وَقع فِيمَا مضى، وَلَيْسَ بِفعل وصل مِنْك إِلَى غَيْرك وَإِنَّمَا صرفن تصرف الْأَفْعَال لقوتهن، وَأَنَّك تَقول فِيهِنَّ: يفعل، وسيفعل، وَهُوَ فَاعل، ويأتى فِيهِنَّ جَمِيع أمثل الْفِعْل فَإِذا قلت: كَانَ زيد أَخَاك فخبرت عَن (زيد) قلت: الْكَائِن / أَخَاك زيد؛ كَمَا كنت تَقول فى ضرب فَإِن أخْبرت عَن (الْأَخ) فَإِن بعض النَّحْوِيين لَا يُجِيز الْإِخْبَار عَنهُ، وَيَقُول: إِنَّمَا مَعْنَاهُ: كَانَ زيد من أمره كَذَا وَكَذَا؛ فَكَمَا لَا يجوز أَن تخبر عَن قَوْلنَا: من أمره كَذَا وَكَذَا؛ كَذَلِك لَا يجوز أَن تخبر عَمَّا وضع مَوْضِعه وَهَذَا قَول فَاسد مَرْدُود لَا وَجه لَهُ؛ لِأَنَّك إِذا قلت: زيد منطلق - فَمَعْنَاه: زيد من أمره كَذَا وَكَذَا؛ فَلَو كَانَ يفْسد الْإِخْبَار هُنَاكَ لفسد هَاهُنَا وَكَذَلِكَ بَاب ظَنَنْت وَعلمت، وَإِن وَأَخَوَاتهَا؛ لِأَن معنى: (ظَنَنْت زيدا أَخَاك) إِنَّمَا هُوَ: ظَنَنْت زيدا من أمره كَذَا وَكَذَا، وَكَذَلِكَ: (إِن زيدا أَخُوك) إِنَّمَا هُوَ: إِن زيدا من أمره كَذَا وَكَذَا فَمن زعم أَنه لَا يجوز الْإِخْبَار عَن ذَلِك لزمَه أَلا يُجِيز الْإِخْبَار عَن شئ من هَذَا، فَإِن كَانَ يخبر عَن هَذَا أجمع، وَيمْتَنع لعِلَّة مَوْجُودَة فى هَذَا - فقد نَاقض فالإخبار عَن الْمَفْعُول فى كَانَ - إِذا قلت: كَانَ زيد أَخَاك - أَن تَقول: الْكَائِن زيد إِيَّاه أَخُوك فَهَذَا الْأَحْسَن وَإِن قلت: الكائنه زيد أَخُوك - فَحسن، وَالْأول أَجود؛ لما قد ذكرته لَك فى بَاب (كَانَ) من أَن الذى يَقع بعْدهَا ابْتِدَاء وَخبر فَإِذا قَالَ: الكائنة، فوصل الضَّمِير ب (لَكَانَ) - فقد ذهب فى اللَّفْظ مَا يقوم مقَام الِابْتِدَاء، وَهُوَ فى الْمَعْنى مَوْجُود فاخترنا الأول؛ لِأَن لَهُ اللَّفْظ وَالْمعْنَى، وَقَالَ الشَّاعِر:

(فَإِن لَا يكنها أَو تكنه فَإِنَّهُ ... أَخُوهَا غذته أمه بلبلنها)

فَهَذَا جَائِز، وَالْأَحْسَن مَا قَالَ الشَّاعِر:

(لَيْت هَذَا اللَّيْل شهر ... لَا نرى فِيهِ عريبا)

(لَيْسَ إياى وَإِيَّاك ... وَلَا نخشى رقيبا) فَإِن قلت: كَانَ زيد ضَارِبًا عمرا، فَقيل: خبر عَن (ضَارب) وَحده - لم يجز؛ لِأَنَّهُ عَامل فى عَمْرو، وَإِن قيل: خبر عَن (عَمْرو) جَازَ فَقلت: الْكَائِن زيد ضاربه عَمْرو فَإِن قيل: خبر عَن (ضَارب عمرا) قلت: الكائنه زيد ضَارب عمرا، وَلَك / أَن تَقول: إِيَّاه ضَارب عمرا فَتَقول: الْكَائِن زيد إِيَّاه ضَارب عمرا فَإِن قلت ذَلِك ب (الذى) قلت: الذى كَانَ زيد إِيَّاه ضَارب عمرا فَإِن قلته بِالْهَاءِ قلت: الذى كَانَ زيد ضَارب عمرا، وتحذف الْهَاء لطول الِاسْم، وَإِن شِئْت جِئْت بهَا فَقلت: الذى كانه فَأَما إِذا قلت: الذى كَانَ زيد إِيَّاه - فَإِن (إِيَّاه) لَا يجوز حذفهَا؛ لِأَن الْمُتَّصِل يحذف، كَمَا يحذف مَا كَانَ من الِاسْم فى مَوَاضِع، و (إِيَّاه) مُنْفَصِلَة فَلَا تحذف؛ لِأَن هَذَا لَا يشبه ذَلِك أَلا ترى أَنَّك تَقول: الذى ضربت زيد، وَلَا تَقول: الذى مَرَرْت زيد؛ لِأَن الضَّمِير قد فصلته بِالْبَاء فَأَما (لَيْسَ) فَلَا يجوز أَن تخبر عَمَّا عملت فِيهِ بِالْألف وَاللَّام؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا (يفعل) ، وَلَا يبْنى مِنْهَا (فَاعل) ، وَلَكِن يخبر بالذى، وَذَلِكَ قَوْلك: لَيْسَ زيد مُنْطَلقًا، وَلَيْسَ زيد إِلَّا قَائِما فَإِن قيل لَك: أخبر عَن (زيد) فى قَوْلك: لَيْسَ زيد مُنْطَلقًا - قلت: الذى لَيْسَ مُنْطَلقًا زيد وَإِن قَالَ: أخبر عَن (منطلق) قلت: / الذى لَيْسَ زيد إِيَّاه منطلق وَإِن قيل: أخبر عَن (زيد) فى قَوْلك: لَيْسَ زيد إِلَّا قَائِما - قلت: الذى لَيْسَ إِلَّا قَائِما زيد وَإِن قَالَ: أخبر عَن (قَائِم) قلت: الذى لَيْسَ زيد إِلَّا إِيَّاه قَائِم وكل شئ لَيْسَ فِيهِ فعل فالإخبار عَنهُ لَا يكون إِلَّا بالذى، تَقول: زيد أَخُوك فَإِن قيل: أخبر عَن (زيد) قلت: الذى هُوَ أَخُوك زيد وَإِن قيل: أخبر عَن (الْأَخ) قلت: الذى زيد هُوَ أَخُوك وَتقول: إِن زيدا منطلق فَإِن قَالَ: أخبر عَن (زيد) قلت: الذى إِنَّه منطلق زيد فَإِن قَالَ: أخبر عَن (منطلق) قلت: الذى إِن زيدا هُوَ منطلق، فعلى هَذَا تجرى الْأَخْبَار تَقول: زيد فى الدَّار فَإِن قَالَ: أخبر عَن (زيد) قلت: الذى هُوَ فى الدَّار زيد وَإِن قَالَ: أخبر عَن (الدَّار) قلت: الَّتِى زيد فِيهَا الدَّار وَتقول: كَانَ زيد حسنا وَجهه فَإِن قَالَ: أخبر عَن (زيد) قلت: الْكَائِن حسنا وَجهه زيد فَإِن قَالَ: أخبر عَن (حسنا وَجهه) قلت: الْكَائِن زيد إِيَّاه حسن وَجهه فَإِن قيل: أخبر عَن (وَجهه) لم يجز ذَلِك؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يضع فى / مَوضِع (وَجهه) ضميرا فَإِن رَجَعَ ذَلِك الضَّمِير إِلَى الذى لم يرجع إِلَى زيد شئ فَبَطل الْكَلَام وَإِن رَجَعَ إِلَى زيد لم يرجع إِلَى الذى فى صلته شئ وَكَذَلِكَ: كَانَ زيد أَبوهُ منطلق إِن قيل: أخبر عَن (أَبِيه) لم يجز لِلْعِلَّةِ الَّتِى ذكرت لَك، وَيبين هَذَا أَنَّك إِذا قلت: الذى كَانَ زيد هُوَ منطلق أَبوهُ، فَرددت (هُوَ) إِلَى زيد فسد من جِهَتَيْنِ: إحدهما: أَن (هُوَ) للْأَب، وَقد جَعلتهَا لزيد وَالْآخر: أَنَّك لم تجْعَل فى صلَة الذى شَيْئا يرجع إِلَيْهِ فَإِن قَالَ: أرد (هُوَ) إِلَى الذى - لم يكن فى خبر زيد مَا يرجع إِلَيْهِ وَلَكِن لَو قَالَ: أخبر عَن (منطلق) لَقلت: الذى كَانَ زيد أَبوهُ هُوَ منطلق فَكَانَت الْهَاء فى أَبِيه لزيد، وَهُوَ الذى بِهِ يَصح الْكَلَام وَاعْتبر هَذَا بِوَاحِدَة: وَهُوَ أَن تضع فى مَوضِع الضَّمِير أَجْنَبِيّا، فَإِن صلح جَازَ الْإِخْبَار عَنهُ، وَإِن امْتنع لم يجز؛ أَلا ترى أَنَّك لَو قلت: كَانَ زيد حسنا / عَمْرو، وَكَذَلِكَ: كَانَ زيد عَمْرو منطلق - لم يجز فَإِن قلت: كَانَ زيد أَبوهُ فى دَاره جَازَ الْإِخْبَار عَن (أَبِيه) ؛ لِأَنَّك لَو قلت: كَانَ زيد عَمْرو فى دَاره لصلح وَإِن أخْبرت عَن (أَبِيه) قلت: الْكَائِن زيد هُوَ فى دَاره أَبوهُ جعلت (هُوَ) يرجع إِلَى الذى؛ لِأَنَّهُ الْمخبر عَنهُ، وَجعلت الْهَاء الَّتِى فى دَاره ترجع إِلَى زيد فَكل مَا كَانَ من هَذَا فاعتبره بالأجنبي كَمَا وصفت لَك فَهَذَا بَابه، وسنفرد بَابا لمسائلة بعد فراغنا مِنْهُ ان شَاءَ الله

هَذَا بَاب الْإِخْبَار عَن الظروف والمصادر

فَأَما الظروف فهى: أَسمَاء الزَّمَان والأمكنة وَأما المصادر فهى: أَسمَاء الْأَفْعَال اعْلَم أَن كل ظرف مُتَمَكن فالإخبار عَنهُ جَائِز، وَذَلِكَ قَوْلك - إِذا قَالَ قَائِل: (زيد خَلفك) -: أخبر عَن (خلف) قلت: الذى زيد فِيهِ خَلفك، فترفعه؛ لِأَنَّهُ اسْم، / وَقد خرج من أَن يكون ظرفا وَإِنَّمَا يكون ظرفا إِذا تضمن شَيْئا؛ نَحْو: زيد خَلفك؛ لِأَن الْمَعْنى: زيد مُسْتَقر فى هَذَا الْموضع، و (الْخلف) مفعول فِيهِ فَإِن قلت: خَلفك وَاسع - لم يكن ظرفا، وَرفعت؛ لِأَنَّك عَنهُ تخبر وَكَذَلِكَ: سرت يَوْم الْجُمُعَة فَيوم الْجُمُعَة ظرف لسيرك فَإِن قلت: يَوْم الْجُمُعَة مبارك - أخْبرت عَن الْيَوْم؛ كَمَا تخبر عَن سَائِر الْأَسْمَاء؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بظرف فَهُوَ كَقَوْلِك: زيد حسن، وعَلى هَذَا قَالَ الشَّاعِر:

(فغدت كلا الفرجين تحسب أَنه ... مولى المخافة خلفهَا وأمامها) فَكل ظرف يسْتَعْمل اسْما فَهَذَا مجازه، وَمَا كَانَ لَا يَقع إِلَّا ظرفا فَلَا يجوز الْإِخْبَار عَنهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يرْتَفع وكل مَا خبرت عَنهُ فَلَا بُد من رَفعه؛ لِأَنَّهُ خبر ابْتِدَاء فَمن ذَلِك (عِنْد) ، لَو قلت: زيد عنْدك، فَقَالَ قَائِل: أخبر عَن قَوْلك (عنْدك) لم يجز؛ لِأَنَّهُ كَانَ يلزمك أَن تَقول: الذى زيد فِيهِ عنْدك؛ فَترفع مَا لَا يجوز أَن يَقع مَرْفُوعا أبدا وَكَذَلِكَ ذَات مرّة، وَسوى، وَسَوَاء، وبعيدات بَين، / وسحر إِذا أردْت بِهِ سحر يَوْمك وَقد مرت الْعلَّة فى هَذِه الظروف فى موَاضعهَا وكل مَا نصبته نصب الظروف لم تخبر عَنهُ؛ لِأَن ناصبه قَائِم، وَإِنَّمَا تخبر عَنهُ إِذا حولته إِلَى الْأَسْمَاء وَكَذَلِكَ المصادر كل مَا تنصب مِنْهَا نصب الْمصدر لم تخبر عَنهُ فَإِن نصبته نصب الْأَسْمَاء، فقد حكمت لَهُ بِالرَّفْع، والخفض فى موضعهما، وَجَعَلته كَسَائِر الْأَسْمَاء، وَذَلِكَ قَوْلك: سرت بزيد سيرا لَيْسَ فى قَوْلك (سيرا) إِلَّا مَا كَانَ فى قَوْلك: سرت إِلَّا أَن تنعته، أَو تصيره معرف، أَو تفرده، أَو تثنى فَتَقول: سرت بزيد سيرا شَدِيدا، أَو سيرة وَاحِدَة، أَو سيرتين، أَو السّير الذى تعلم فَإِذا أوقعت فِيهِ الْفَائِدَة فالباب فِيهِ التَّصَرُّف وَتقول: سير بزيد سير شَدِيد، وسير بزيد سيرتان فَإِن قلت: سير بزيد سيرا فالنصب الْوَجْه، وَالرَّفْع بعيد، لِأَنَّهُ توكيد، وَقد خرج من معانى الْأَسْمَاء قَالَ الله - عز وَجل -: {فَإِذا نفخ فِي الصُّور نفخة وَاحِدَة} فَرفع لما نعت فَإِذا أخْبرت عَن (الصُّور) / قلت: المنفوخ فِيهِ نفخة وَاحِدَة الصُّور وَإِن أخْبرت عَن النفخة قلت: المنفوخة فى الصُّور نفخة وَاحِدَة وَتقول: سير بزيد فَرسَخ إِذا أقمته مقَام الْفَاعِل فَإِن قيل: أخبر عَنهُ، قلت: الْمسير بزيد فَرسَخ فَإِن قيل: أخبر عَن (زيد) قلت: الْمسير بِهِ فَرسَخ زيد وَإِن قلت: سير بزيد فرسخا، فنصبته نصب الظروف، وَلم تقمه مقَام الْفَاعِل لم يجز الْإِخْبَار عَنهُ وَكَذَلِكَ سير بزيد يَوْمًا، وسير بزيد سيرا كل مَا لم تَجْعَلهُ من مصدر، أَو ظرف اسْما فَاعِلا أَو مَفْعُولا على السعَة لم يجز الْإِخْبَار عَنهُ؛ لِأَن ناصبه مَعَه؛ أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت: سير بزيد سيرا، فَجعلت قَوْلك (بزيد) تَمامًا فَإِنَّمَا هُوَ على قَوْلك: يَسِيرُونَ سيرا وَإِنَّمَا يكون الرّفْع على مثل قَوْلك: سير بزيد يَوْمَانِ، وَولد لَهُ سِتُّونَ عَاما فَالْمَعْنى ولد لزيد الْوَلَد سِتِّينَ عَاما، وسير بِهِ فى يَوْمَيْنِ، وَهَذَا الرّفْع الذى ذَكرْنَاهُ / اتساع، وَحَقِيقَة اللُّغَة غير ذَلِك قَالَ الله عز وَجل: {بل مكر اللَّيْل وَالنَّهَار} ، وَقَالَ الشَّاعِر:

(لقد لمتنا يَا أم غيلَان فى السرى ... ونمت وَمَا ليل المطى بنائم)

وَقَالَ:

(فَنَامَ ليلى وتقضى همى ... )

وَقد استقصينا هَذَا فى بَابه، وَإِنَّمَا نذْكر مِنْهُ شَيْئا للإخبار فَمن جعل الْيَوْم وَنَحْوه ظرفا قَالَ: الْيَوْم سرت فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قد شغل الْفِعْل عَنهُ، فَرد إِلَيْهِ ضَمِيره على مَعْنَاهُ وَمن جعله اسْما على الإتساع قَالَ: الْيَوْم سرته؛ كَمَا تَقول: زيد ضَربته فَمن ذَلِك قَوْله:

(يَوْم شهدناه سليما وعامرا ... قَلِيل سوى الطعْن النهال نوافله) فَقَالَ: شهدناه، وَإِنَّمَا أَرَادَ: شَهِدنَا فِيهِ على مَا ذكرت لَك فَإِن قيل: سير بزيد فرسخان يَوْمَيْنِ فَأَنت مُخَيّر: إِن نصبتهما نصب الظروف قلت: فرسخين يَوْمَيْنِ وَالِاخْتِيَار: أَن تقيم أَحدهمَا مقَام الْفَاعِل، وَإِن نصبت الْيَوْمَيْنِ نصب الظّرْف قلت: سير بزيد / فرسخين يَوْمَيْنِ فَإِن أخْبرت عَن (الفرسخين) قلت: المسيران بزيد يَوْمَيْنِ فرسخان فَإِن أخْبرت عَن (الْيَوْمَيْنِ) ، وجعلتهما ظرفا قلت: الْمسير بزيد فيهمَا فرسخان يَوْمَانِ وَإِن جعلتهما اسْمَيْنِ على السعَة قلت: الْمسير هما بزيد فرسخان يَوْمَانِ فَإِن جعلت الْإِخْبَار عَن الذى، وأخبرت عَن الفرسخين قلت: اللَّذَان سيرا بزيد يَوْمَيْنِ فرسخان فَإِن أخْبرت عَن (الْيَوْمَيْنِ) ، وجعلتهما ظرفا قلت: اللَّذَان سير بزيد فيهمَا فرسخان يَوْمَانِ وَإِن جعلتهما مفعولين قلت: اللَّذَان سيرهما بزيد فرسخان يَوْمَانِ، وَإِنَّمَا توَحد الْفِعْل لتقدمه وَتقول فى الْألف وَاللَّام: المسيران - إِذا أخْبرت عَن الفرسخين - لِأَن الْفِعْل لَهما، وَهُوَ مَرْدُود إِلَى الْألف وَاللَّام وفى الْيَوْمَيْنِ توَحد؛ لِأَن الْألف وَاللَّام لَهما، وَالْفِعْل للفرسخين، وأفردته لظُهُور فَاعله بعده وَمثل ذَلِك قَوْلك: القائمان أَخَوَاك؛ لِأَنَّك تُرِيدُ: اللَّذَان قاما، ثمَّ تَقول: الْقَائِم أبواهما أَخَوَاك؛ لِأَنَّك تُرِيدُ: اللَّذَان قَامَ أبواهما، فتوحد الْفِعْل /؛ لظُهُور فَاعله بعده فَإِن قدمت الفرسخين على مَا شرطنا فى أصل الْمَسْأَلَة قلت: الفرسخان المسيران بزيد يَوْمَيْنِ وَإِن قدمت الْيَوْمَيْنِ قلت: اليومان الْمسير بزيد فيهمَا فرسخان إِن جعلتهما ظرفا، وَإِن جعلتهما مفعولين قلت: الْمسير هما بزيد فرسخان فَإِن قدمت الفرسخين، واليومين، وَجعلت الْيَوْمَيْنِ مفعولين قلت الفرسخان اليومان المسيراهما بزيدهما بِجعْل (الفرسخين) ابْتِدَاء، و (اليومان) ابْتِدَاء ثَانِيًا، و (المسيراهما) ابْتِدَاء ثَالِثا؛ لِأَن الْألف وَاللَّام للفرسخين؛ فَلَا يكون خَبرا عَن الْيَوْمَيْنِ، وقولك (هما) ضمير الْيَوْمَيْنِ على أَنَّهُمَا مفعولان فَإِن جعلتهما ظرفين قلت: المسيران فيهمَا، قَوْلك (هما) خبر الْألف وَاللَّام، وَالْألف وَاللَّام، وخبرها خبر الْيَوْمَيْنِ، واليومان وَمَا بعدهمَا خبر الفرسخين وَهَذَا إِذا تأملته فى الْفَاعِل، وَالْمَفْعُول مثل قَوْلك: الرّجلَانِ الْجَارِيَة الضارباها هما / وَالتَّقْدِير: اللَّذَان ضرباها هما فَإِن جعلت الْألف وَاللَّام فى معنى الَّتِى قلت: الضاربها هما؛ لِأَنَّك أردْت: الَّتِى ضربهَا الرّجلَانِ ف (الَّتِى) خبر عَنْهَا، وقولك (هما) إِظْهَار الفاعلين؛ لِأَن الْفِعْل جرى على غير من هُوَ لَهُ فعلى هَذَا تجرى الْمَسْأَلَة فى الفرسخين وَتقول: زيد الضاربك أَبوهُ، فَإِن أخْبرت عَن (زيد) قلت: الذى هُوَ الضاربك أَبوهُ زيد وَإِن أخْبرت عَن (الضَّارِب) بِغَيْر أَبِيه فَقلت: الذى زيد هُوَ أَبوهُ الضاربك لم يصلح؛ لِأَنَّك كنت ترفع أَبَاهُ بِالضَّرْبِ وَالضَّمِير لَا معنى لفعل فِيهِ؛ فَمن هَا هُنَا بَطل وَلَكِن لَو قلت: زيد صَاحبه أَبوهُ، على أَن تجْعَل (صَاحبه) ابْتِدَاء، و (أَبَاهُ) خَبرا جَازَ فَقلت: الذى زيد هُوَ أَبوهُ صَاحبه؛ أَلا ترى أَنَّك لَو قلت: زيد صَاحبه عَمْرو أَو زيد " عَمْرو " أَبوهُ صلح فَاعْتبر هَذَا بالأجنبى؛ كَمَا وصفت لَك

هَذَا بَاب الْإِخْبَار عَن الْبَدَل

وَذَلِكَ قَوْلك: مَرَرْت بِرَجُل زيد فَإِن قَالَ لَك قَائِل: أخبر عَن (زيد) فَإِن فِيهِ اخْتِلَافا يَقُول قوم: الْإِخْبَار عَنهُ: أَن تخبر عَن الرجل، ثمَّ تَجْعَلهُ بَدَلا مِنْهُ، فَتَقول: الْمَار بِهِ أَنا رجل " زيد " فتجعله بَدَلا؛ كَمَا كَانَ فى الْمَسْأَلَة وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا الشَّرْط الْإِخْبَار عَن الْبَدَل لَا عَن الْمُبدل مِنْهُ، فَإِنَّمَا تبدل مِنْهُ فِي مَوْضِعه، فَتَقول: الْمَار أَنا بِرَجُل بِهِ زيد ترد الْبَاء؛ لِأَن ضمير المخفوض لَا ينْفَصل، وردهَا فِيمَا يجوز انْفِصَاله جَائِز حسن قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى -: {قَالَ الْمَلأ الَّذين استكبروا من قومه للَّذين استضعفوا لمن آمن مِنْهُم} ، فَوَقع الْبَدَل برد حرف الْجَرّ وَقَالَ الله - عز وَجل فى مَوضِع آخر: {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} فجَاء الْبَدَل بِلَا حرف؛ لِأَنَّهُ ينْفَصل فَهَكَذَا طَرِيق الْبَدَل فَإِن قلت: رَأَيْت رجلا زيدا، فخبرت عَن (زيد) قلت: الرائى أَنا رجلا إِيَّاه زيد، على هَذَا القَوْل الأول وعَلى هَذَا القَوْل: الرائيه أَنا رجل زيد / فعلى هَذَا فأجر الْبَدَل

هَذَا بَاب الْإِخْبَار فى بَاب الْفِعْلَيْنِ الْمَعْطُوف أَحدهمَا على الآخر

وَذَلِكَ قَوْلك: ضربت، وضربنى زيد إِذا أعلمت الآخر فاللفظ معرى من الْمَفْعُول فى الْفِعْل الأول، وَهُوَ فى الْمَعْنى عَامل، وَكَانَ فى التَّقْدِير: ضربت زيدا، وضربنى زيد، فَحذف، وَجعل مَا بعده دَالا عَلَيْهِ وَقد مضى تَفْسِير هَذَا فى بَابه فالعرب تخْتَار إِعْمَال الآخر؛ لِأَنَّهُ أقرب، وتحذف إِذا كَانَ فِيمَا أَبقوا دَلِيل على مَا ألقوا قَالَ الله عز وَجل: {والذاكرين الله كثيرا وَالذَّاكِرَات} ، وَقَالَ: {والحافظين فروجهم والحافظات} فالفعلان فارغان فى اللَّفْظ، معملان فى الْمَعْنى قَالَ الشَّاعِر:

(نَحن بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا ... عنْدك رَاض والرأى مُخْتَلف) أَرَادَ: نَحن راضون بِمَا عندنَا فَإِذا أعملت الأول قلت: ضربت / وضربنى زيدا، فَإِن قدمت (ضربنى) قلت فى إِعْمَال الآخر: ضربنى، وَضربت زيدا قدمت الْفِعْل مضمرا فِيهِ الْفَاعِل؛ لِأَن الْفِعْل لَا يَخْلُو من فَاعل، والذى بعده تَفْسِير لَهُ، وَهُوَ من الْمُضمر الْمُتَقَدّم على شريطة التَّفْسِير وَقد قُلْنَا فى هَذَا فى مَوْضِعه مَا يغنى عَن إِعَادَته وَتقول: أَعْطَيْت وأعطانية زيد درهما، إِذا أعملت الْأَخير فَإِن أعملت الأول قلت: أَعْطَيْت وأعطانيه زيدا درهما تُرِيدُ: أَعْطَيْت زيدا درهما، وأعطانيه وإعمال الأول فى الْمَسْأَلَة الأولى: ضربنى، وضربته زيد تُرِيدُ: ضربنى زيد، وضربته وَتقول: ظننى، وظننت زيدا مُنْطَلقًا إِيَّاه لَا يكون إِلَّا ذَلِك؛ لِأَن (ظَنَنْت) إِذا تعدى إِلَى مفعول لم يكن من الثانى بُد، فَهَكَذَا إِعْمَال الْأَخير، وَلم يجز أَن تَقول: إِيَّاه قبل أَن تعطف؛ لِأَنَّك لَا تضمر الْمَفْعُول قبل ذكره وَإِنَّمَا أضمرت الْفَاعِل قبل فعله اضطرارا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو فعل من فَاعل فَمن ثمَّ وضعت (إِيَّاه) موخرا لما تقدم مَا يرد الضَّمِير إِلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلك: / منطلق فَإِن أعملت الأول، وقدمت (ظَنَنْت) - قلت: ظَنَنْت وظننيه زيدا مُنْطَلقًا أردْت: ظَنَنْت زيدا مُنْطَلقًا، وظننيه وَإِن شِئْت وظننى إِيَّاه وَتقول: ظَنَنْت، وظنانى مُنْطَلقًا أخويك منطلقين، على إِعْمَال الأول وَالتَّقْدِير: ظَنَنْت أخويك منطلقين، وظنانى مُنْطَلقًا، وَالضَّمِير لَا يكون هَاهُنَا؛ لِأَن خبر الْأَخَوَيْنِ مُخَالف لما يكون للْوَاحِد وَإِن أعملت الآخر قلت: ظَنَنْت وظننى أَخَوَاك مُنْطَلقًا أعملت الآخر، وَالْأول فارغ فى اللَّفْظ، وَهُوَ فِي الْمَعْنى معمل لدلَالَة مَا بعده عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يجب إِذا تعدى الظَّن إِلَى الْمَفْعُول الأول أَن يتَّصل بالثانى؛ لِأَن الأول والثانى فى مَحل الِابْتِدَاء، وَخَبره فَالْأول مَذْكُور ليرد إِلَيْهِ مَا اسْتَقر لَهُ عِنْد الْقَائِل من يَقِين أوشك أَلا ترى أَن قَوْلك ظَنَنْت زيدا مُنْطَلقًا إِنَّمَا وَقع الشَّك فى الانطلاق، وَالتَّقْدِير زيد منطلق فى ظنى وَقد مضى هَذَا مُفَسرًا فى أول الْكتاب وَإِنَّمَا ذكرنَا / هَاهُنَا مِنْهُ شَيْئا ليصل بِهِ الْإِخْبَار عَنهُ إِن شَاءَ الله إِذا قَالَ الْقَائِل: ضربت وضربنى زيدا يُرِيد: ضربت زيدا وضربنى - فَإِن الْأَخْبَار عَن التَّاء فى قَول جَمِيع النَّحْوِيين، إِلَّا أَن أَبَا عُثْمَان المازنى يَقُول فى هَذَا الْبَاب قولا لم يقلهُ أحد، وَقَوله صَحِيح يتبينه من سَمعه، وَيعلم أَن مَا كَانَ اصْطِلَاحا - يَقُول النحويون - إِذا أخبروا عَن التَّاء فى ضربت وضربنى زيدا -: الضَّارِب زيدا والضاربة هُوَ أَنا؛ لِأَن التَّقْدِير: ضربت زيدا، وضربنى فَلَمَّا قلت: الضَّارِب زيدا - كَانَت الْألف وَاللَّام لَك، وَالْفِعْل لَك، فَجرى الْفِعْل صلَة لنَفسِهِ، فَلم يحْتَج إِلَى إِظْهَار مَا بعده، وَقلت: والضاربه هُوَ؛ لِأَن الْألف وَاللَّام لَك، وَالْفِعْل لزيد فَجرى الْفِعْل على غير من هُوَ لَهُ، فأظهرت الْفَاعِل فَإِن أخْبرت عَن (زيد) قلت: الضاربه أَنا: والضاربى زيد أظهرت نَفسك؛ لِأَن الْفِعْل لَك وَالْألف وَاللَّام لزيد فَإِن قلت: ضربت وضربنى زيد، فَإِن أخْبرت عَن نَفسك قلت: الضَّارِب زيدا، والضاربه هُوَ أَنا، فَذكرت زيدا مَعَ الْفِعْل الأول وَلم يكن / الْفِعْل من قبل الْإِخْبَار عَنهُ مُتَعَدِّيا فى اللَّفْظ، فَجَعَلته بِمَنْزِلَتِهِ فى الْمَسْأَلَة الأولى فَإِن أخْبرت عَن (يَد) فَإِن بَين النَّحْوِيين فِيهِ اخْتِلَافا: يقوم قوم: الضاربه أَنا، والضاربى زيد، وَيَقُولُونَ: ذكرنَا الْفِعْل غير مُتَعَدٍّ، ولابد أَن نعديه فى الْإِخْبَار عَنهُ؛ ليرْجع الضَّمِير إِلَى الْألف وَاللَّام، وَإِلَّا لم يكن فى صلَة الذى مَا يرجع إِلَيْهِ وَقَالَ آخَرُونَ: تَقول: الضَّارِب أَنا، والضاربى زيد، فَلَا تذكر فى الضَّارِب شَيْئا فَيُقَال لَهُم إِن لم تريدوا الْهَاء فَالْكَلَام محَال؛ لِأَنَّهُ لَا يرجع إِلَى الْألف وَاللَّام اللَّتَيْنِ فى معنى الذى شئ فَيَقُولُونَ: نريدها، وَنحن نحذفها وَلَا اخْتِلَاف فى أَن حذفهَا من صلَة الْألف وَاللَّام رئ جدا، وَإِن كَانَ يحذف من الذى فقد آل إِلَى القَوْل الأول، إِلَّا أَنهم حذفوا مَا إثْبَاته أَجود فَإِنَّمَا كَانَ حذفهَا جيدا فى الذى إِذا قلت: الذى ضربت زيد، والذى ضرب عبد الله زيد، لِأَن (الذى) اسْم بِنَفسِهِ وَالْفِعْل / وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول، فَصَارَ أَرْبَعَة أَشْيَاء اسْما وَاحِدًا، فَلم يجز حذف (الذى) وَهُوَ الْمَوْصُول وَالْمَقْصُود، وَلَا حذف الْفِعْل وَهُوَ الصِّلَة، وَلَا حذف لفاعل؛ إِذْ كَانَ الْفِعْل لَا يكون إِلَّا مِنْهُ، فَحذف الْمَفْعُول اسْتِخْفَافًا؛ لِأَن الْفِعْل قد يَخْلُو مِنْهُ وَهُوَ فى النِّيَّة، وَلَوْلَا ذَلِك لم يكن فى الصِّلَة مَا يرجع إِلَى الْمَوْصُول وَالْألف وَاللَّام فى معنى (الذى) ، وَلَيْسَ مَحلهمَا مَحَله؛ لِأَنَّهُمَا دخلا على ضَارب؛ كَمَا يدخلَانِ على الرجل، إِلَّا أَن ضَارِبًا وَمَا أشبهه فى معنى الْفِعْل، فصارتا فى معنى مَا يُوصل بِالْفِعْلِ وَهَذَا مَذْهَب النَّحْوِيين وَهَؤُلَاء الَّذين قد حذفوا الْهَاء قد صَارُوا إِلَى حَال من أثبتها، إِلَّا أَن إِثْبَاتهَا أَجود، وَلَيْسَ محلهَا فى الصِّلَة كمحلها فى الْفِعْل؛ لِأَن الْمَوْصُول لَا بُد من أَن يكون فى صلته مَا يرجع إِلَيْهِ، وَالْفِعْل الْمُطلق يسْتَغْنى فِيهِ عَن ذَلِك، فَيكون الْمَفْعُول فِيهِ فضلَة: كالحال والظرف والمصدر وَنَحْو ذَلِك، مِمَّا إِذا ذكرته زِدْت فى الْفَائِدَة، وَإِذا حذفته لم / تخَلّل بالْكلَام؛ لِأَنَّك بحذفه مستغن؛ أَلا ترى أَنَّك تَقول: قَامَ زيد، فلولا الْفَاعِل لم يسْتَغْن الْفِعْل، وَلَوْلَا الْفِعْل لم يكن للاسم وَحده معنى إِلَّا أَن يأتى فى مَكَان الْفِعْل بِخَبَر فَإِذا قلت: ضرب عبد الله زيدا، فَإِن شِئْت قلت: ضرب عبد الله، فعرفتنى أَنه قد كَانَ مِنْهُ ضرب، فَصَارَ بِمَنْزِلَة: قَامَ عبد الله، إِلَّا أَنَّك تعلم أَن الضَّرْب قد تعدى إِلَى مَضْرُوب، وَأَن قَوْلك: (قَامَ) لم يَتَعَدَّ فَاعله، فَإِن قلت: ضرب عبد الله زيدا - أعلمتنى من ذَلِك الْمَفْعُول؟ ، وَقد علمت أَن ذَلِك الضَّرْب لَا بُد من أَن يكون وَقع فى مَكَان وزمان، فَإِن قلت: (عنْدك) أوضحت الْمَكَان، فَإِن قلت: (يَوْم الْجُمُعَة) بيّنت الْوَقْت، وَقد علمت أَن لَك حَالا، وللمفعول حَالا فَإِن قلت: (قَائِما) عرفتنى الْحَال مِنْك أَو مِنْهُ، فَإِن قلت: (قَاعِدا) أبنت عَن حالك أَو حَاله وَقد علمت أَن ذَلِك الضَّرْب إِمَّا أَن يكون كثيرا وَإِمَّا قَلِيلا، وَإِمَّا شَدِيدا، وَإِمَّا يَسِيرا فَإِن قلت: ضربا شَدِيدا، أَو بيّنت / فَقلت: عشْرين ضرب - زِدْت فى الْفَائِدَة فَإِن قلت: لكذا أَو من أجل كَذَا أفدت الْعلَّة الَّتِى بِسَبَبِهَا وَقع الضَّرْب فَكل هَذَا زِيَادَة فى الْفَوَائِد، وَإِن حذفت اسْتغنى الْكَلَام، وَلَيْسَ الْفَاعِل كَذَلِك وَلَو قلت: وَعَمْرو حَاضر - لزدت فى الْفَائِدَة كنحو مَا ذكرنَا وسنأتى على مسَائِل من هَذَا الْبَاب على مَا أَصله النحويون، ثمَّ نخبر عَن فَسَاد الْبَاب فى قَوْلهم، وَصِحَّة مَذْهَب أَبى عُثْمَان المازنى إِخْبَار شافيا إِن شَاءَ الله فَإِن قلت: أَعْطَيْت، وأعطانيه زيدا درهما تُرِيدُ: أَعْطَيْت زيدا درهما، وأعطانيه قلت: - إِذا أخْبرت عَن نَفسك -: الْمُعْطى زيدا درهما، والمعطيه هُوَ إِيَّاه أَنا: تُرِيدُ: الَّذِي أعْطى زيدا درهما، والذى أعطَاهُ زيد إِيَّاه أَنا فقولك (والمعطيه) الْألف وَاللَّام لَك، وَالْفِعْل لزيد؛ فَلذَلِك أظهرت الْفَاعِل، وَلم تظهره فى الأول؛ لِأَنَّهُ مبْنى من (أَعْطَيْت) فالألف وَاللَّام لَك، وَالْفِعْل لَك وَلَو أخْبرت ب (الذى) لم تحتج إِلَى إِعَادَته مرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّك / تجْعَل الْفِعْلَيْنِ فى صلته، وَلَا يَسْتَقِيم ذَلِك فى الْألف وَاللَّام، فَكنت تَقول: الذى أعْطى زيدا درهما، وَأَعْطَاهُ إِيَّاه أَنا؛ فَلم تحتج إِلَى (هُوَ) ؛ لِأَنَّك ذكرت الْفِعْل، وَإِنَّمَا تحْتَاج إِلَيْهِ فى اسْم الْفَاعِل؛ أَلا ترى أَنَّك تَقول: زيد أضربه فَلَا يحْتَاج إِلَى شئ، فَإِن وضعت مَوْضِعه (ضاربه) قلت: زيد ضاربه أَنا، لِأَن الْفِعْل يحْتَمل الضَّمِير الْمُتَّصِل، وَاسم الْفَاعِل لَا يحْتَمل ذَلِك إِلَّا أَن يجرى على صَاحبه، فَتَقول: زيد ضاربك، فَلَا تحْتَاج إِلَى (هُوَ) ؛ لِأَنَّهُ خبر عَن صَاحب الْفِعْل فَإِن أخْبرت فى الْمَسْأَلَة الَّتِى ذكرنَا عَن (زيد) قلت: المعطيه أَنا درهما، والمعطيه زيد، وَإِن شِئْت قلت: والمعطى إِيَّاه وَإِن أخْبرت عَن (الدِّرْهَم) فَإِن الصَّوَاب الْمُخْتَار فى ذَلِك أَن تَقول: الْمُعْطى أَنا زيدا إِيَّاه والمعطى هُوَ إِيَّاه دِرْهَم والنحويون يجيزون: المعطيه أَنا زيدا، والمعطيه هُوَ دِرْهَم وَهَذَا فى الدِّرْهَم يتَبَيَّن لعلم لسامع بِأَنَّهُ لَا يدْفع إِلَيْك زيدا وَلَكِن قد يَقع فى مثل هَذِه الْمَسْأَلَة: (أَعْطَيْت / زيدا عمرا) فَيكون (عَمْرو) الْمَدْفُوع فَإِن قدمت ضَمِيره صَار هُوَ الْقَابِض والدافع عِنْد السَّامع فَالْوَجْه فى هَذَا وفى كل مَسْأَلَة يدخلهَا اللّبْس أَن يقر الشئ فى مَوْضِعه؛ ليزول اللّبْس وَإِنَّمَا يجوز التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير فِيمَا لَا يشكل تَقول: ضرب زيد عمرا، وَضرب زيدا عَمْرو؛ لِأَن الْإِعْرَاب مُبين فَإِن قلت: ضرب هَذَا هَذَا، أَو ضربت الحبلى الحبلى - لم يكن الْفَاعِل إِلَّا الْمُتَقَدّم وَإِنَّمَا قلت فى الْإِخْبَار عَن (الدِّرْهَم) : الْمُعْطى أَنا زيدا إِيَّاه؛ والمعطى هُوَ إِيَّاه دِرْهَم، فأظهرت ضميرك، وَضمير زيد؛ لِأَن الْألف وَاللَّام الْأَوليين للدرهم وَكَذَلِكَ كل مَا أخْبرت عَنهُ فالألف وَاللَّام لَهُ؛ لِأَنَّهُ خبر، والابتداء شئ هُوَ هُوَ، وَالْفِعْل لَك، فَجرى على غير نَفسه، فأظهرت الْفَاعِل وَالْألف وَاللَّام الأخيرتان لَهُ، لِأَنَّهُمَا معطوفتان على الِابْتِدَاء؛ ليَكُون خَبرا عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَالْفِعْل لزيد؛ فَلذَلِك أظهرت ضَمِيره؛ إِذْ جرى على غير نَفسه، وَعطف الِابْتِدَاء على الِابْتِدَاء كَقَوْلِك: الْقَائِم والقاعد زيد، وأخوك / وَصَاحِبك عبد الله فَإِن أخْبرت ب (الذى) لم تحتج إِلَى إِعَادَتهَا مرَّتَيْنِ؛ لِأَن الْأَفْعَال يعْطف بَعْضهَا على بعض فى صلَة الذى فَإِن أخْبرت عَن نَفسك قلت: الذى أعْطى وَأَعْطَاهُ إِيَّاه زيدا درهما أَنا جِئْت بِالْفِعْلِ فى الصِّلَة؛ كَمَا كَانَ قبل الْإِخْبَار عَنهُ يعْنى من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير فَإِن أخْبرت عَن (زيد) قلت: الذى أَعْطيته درهما وأعطانيه زيد هَذَا الْأَحْسَن أَن تقدم الدِّرْهَم، لِأَنَّهُ لَا بُد من تَقْدِيم ضمير زيد؛ لِأَنَّك إِذا قدرت على الضَّمِير الْمُتَّصِل لم يجز أَن تأتى بمنفصل تَقول: ضرب زيد عمرا فَإِن كنيت عَن عَمْرو قلت: ضربه زيد، وَلم تقل: ضرب زيد إِيَّاه فَإِن أخْبرت عَن (الدِّرْهَم) قلت الَّذِي أَعْطيته زيدا وأعطانيه دِرْهَم وَإِن شِئْت قلت الَّذِي أَعْطَيْت زيدا إِيَّاه دِرْهَم وَالتَّقْدِير على مَا ذكرت لَك فِيمَا يلبس، وَفِيمَا لَا يلبس وَتقول: كسوت، وكسوانى إيَّاهُمَا أخويك جبتين فَإِن أخْبرت عَن نَفسك قلت: الكاسى أخويك جبتين، والكاسيه هما إيَّاهُمَا أَنا فَالْمَسْأَلَة كالمسألة الأولى، إِلَّا أَنَّك أفردت الْفِعْل / فى الكاسى؛ لِأَن الْألف وَاللَّام لَك، وَالْفِعْل للأخوين فَهُوَ فعل مُتَقَدم، وأظهرت (هما) ، لِأَنَّهُ اسْم الفاعلين، وَلِهَذَا ذكرنَا هَذِه الْمَسْأَلَة فَإِن قلت: أَعْطَيْت وأعطانى أَخَوَاك دِرْهَمَيْنِ، وكسوت وكسانى زيد جُبَّة فأعلمت الْأَخير فى هَذِه الْمَسْأَلَة، إِذا أخْبرت عَن نَفسك قلت: الْمُعْطى، والمعطيه أَخَوَاك دِرْهَمَيْنِ أَنا فَإِن أخْبرت عَن (الْأَخَوَيْنِ) فقد مضى القَوْل فى حذف الضَّمِير وإثباته؛ إِذْ كَانَ من حذف يقدر فِيهِ تَقْدِير من أثْبته فَيَقُول: المعطيهما أَنا درهما، والمعطيانى إِيَّاه أَخَوَاك، فيصيران فى الْإِخْبَار فى إِعْمَال الثانى فى منزلتهما فى إِعْمَال الأول فَهَذَا الذى أَخْبَرتك بِهِ من قَول النَّحْوِيين وَكَذَلِكَ الْإِخْبَار عَن (الدِّرْهَم) تَقول: المعطيه أَنا أخويك، والمعطياى إِيَّاه دِرْهَم وَإِن شِئْت: المعطيانيه فَهَذَا كَمَا وَصفنَا وَتقول فى بَاب المفعولين الَّذين لَا يجوز الِاقْتِصَار على أَحدهمَا دون الآخر وَهُوَ بَاب ظَنَنْت وَعلمت، كَقَوْلِك فى هذَيْن المفعولين فى إِعْمَال الأول والثانى، وَذَلِكَ نَحْو ظَنَنْت، وظننى إِيَّاه زيدا ذَا مَال فَإِن أخْبرت عَن نَفسك قلت: الظَّان زيدا ذَا / مَال، والظان هُوَ إِيَّاه أَنا، فَلَا بُد من (هُوَ) ؛ لِأَن الْألف وَاللَّام لَك وَالْفِعْل لَهُ فَإِن أخْبرت عَن زيد قلت الظَّان أَنا ذَا مَال والظانيه زيد وَإِن شِئْت قلت والظاني إِيَّاه فَإِن أخْبرت عَن ذِي المَال قلت الظَّان أَنا زيدا إِيَّاه والظاني هُوَ إِيَّاه ذُو المَال فَيظْهر ضميرك لِأَن الْفِعْل لَك وَالْألف وَاللَّام الأولى لذِي المَال وَالْألف وَاللَّام الثَّانِيَة لذِي المَال أَيْضا وَالْفِعْل لزيد؛ فَلذَلِك أظهرت ضمير زيد فَإِن أخْبرت عَن (المَال) لم يجز فى اللَّفْظ؛ لِأَن قَوْلك (ذُو) لَا يُضَاف إِلَى الْمُضمر تَقول: هَذَا ذُو مَال، وَلَا تَقول: المَال هَذَا ذوه فَإِن جعلت مَكَانَهُ مَا يكون مثله فى الْمَعْنى نَحْو قَوْلك: (صَاحبه) و (مَالِكه) صلح قلت - إِذا أخْبرت عَن المَال -: الظَّان أَنا زيدا صَاحبه، والظانى هُوَ إِيَّاه المَال فَإِن أعلمت الثانى فَقلت: ظَنَنْت، وظننى زيد مُنْطَلقًا فَأخْبرت عَن نَفسك قلت: الظَّان، والظانه زيد مُنْطَلقًا أَنا فَإِن أخْبرت عَن زيد قلت الظَّان أَنا مُنْطَلقًا والظاني إِيَّاه زيد فَلم تحتج إِلَى هُوَ لِأَن الْألف وَاللَّام الثَّانِيَة وَالْفِعْل لزيد فَإِن أخْبرت عَن (منطلق) قلت: الظَّان أَنا زيد إِيَّاه، والظانى هُوَ إِيَّاه منطلق فَهَذَا على الْمِنْهَاج الذى ذكرنَا فى بَاب أَعْطَيْت فَإِن قدمت فَقلت: ظننى، وظننت زيدا مُنْطَلقًا إِيَّاه، على إِعْمَال الْأَخير - خَالف بَاب أَعْطَيْت؛ وَذَلِكَ أَنَّك تَقول: أعطانى، وأعطانى زيد درهما، فَلم تَعْتَد بضمير الدِّرْهَم، وفى قَوْلك: ظننى، وظننت زيدا مُنْطَلقًا - لَا بُد من إِيَّاه؛ وَذَلِكَ لِأَنَّك تَقول: أَعْطَيْت زيدا، وَلَا تذكر الْمَفْعُول الثانى فَيجوز وَلَا يجوز ظَنَنْت زيدا لِأَن الشَّك إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَفْعُول الثَّانِي؛ لِأَن الثانى خبر الأول، وَلَا يكون أبدا إِلَّا بِخَبَر، وأضمرت الْفَاعِل مُضْطَرّا فى قَوْلك: ظننى قبل ذكره؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو فعل من فَاعل، وَلَا يضمر الْمَفْعُول قبل ذكره مُضْطَرّا فى قَوْلك: ظننى؛ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنى عَنهُ، فتذكره بعد أَن ذكرت الِاسْم مظْهرا حَتَّى يرجع هَذَا الضَّمِير إِلَيْهِ؛ فَمن ثمَّ قُلْنَا فى بَاب الظَّن وَالشَّكّ / هما المفعولان اللَّذَان لَا يقْتَصر على أَحدهمَا دون صَاحبه وَكَذَلِكَ: علمت، وعلمنى زيد أَخَاك فَإِن قلت: علمنى وَعلمت، فَلَا بدمن (إِيَّاه) وَتقول: علمنى، وَعلمت زيدا أَخَاك إِيَّاه فَهَذَا بَاب وَاحِد وَكَذَلِكَ الْفِعْل الذى يتَعَدَّى إِلَى ثَلَاثَة مفاعيل، وَلَا يكون فى الْأَفْعَال مَا يتَعَدَّى إِلَى أَكثر من ذَلِك إِلَّا مَا كَانَ من ظرف، أَو حَال، أَو فضلَة من الْكَلَام نَحْوهمَا فَإِنَّهُ فى الْأَفْعَال كلهَا مَا يتَعَدَّى مِنْهَا وَمَا لم يَتَعَدَّ على طَريقَة وَاحِدَة وَالْفِعْل المتعدى إِلَى ثَلَاثَة مفاعيل قَوْلك: أعلم الله زيدا عمرا خير النَّاس، فَلَمَّا، أعلمهُ ذَلِك غَيره صَار مَفْعُولا بالإعلام، وَمَا بعده على حَاله، فاعتبره بِأَن تَقول: علم زيد أَن عمرا خير النَّاس، وَأعلم الله زيدا أَن عمرا خير النَّاس وَكَذَلِكَ تَقول: رأى عَمْرو زيدا الظريف، وَإِذا أردْت برأيت معنى علمت، لَا رُؤْيَة الْعين فَإِن أرَاهُ ذَلِك غَيره قلت: أرى عبد الله عمرا / زيدا خير النَّاس وَكَذَلِكَ نبأت زيدا عمرا أَخَاك فَكَذَا هَذِه الْأَفْعَال وَلَا يجوز الِاقْتِصَار على بعض مفعولاتها دون بعض؛ لِأَن الْمَعْنى يبطل الْعبارَة عَنهُ؛ لِأَن المفعولين ابْتِدَاء وَخبر، وَالْمَفْعُول الأول كَانَ فَاعِلا، فألزمه ذَلِك الْفِعْل غَيره، وَصَارَ كَقَوْلِك: دخل زيد فى الدَّار، وأدخلته إِيَّاهَا أَنا فَإِذا أخْبرت عَن الْفَاعِل فى قَوْلك: أعلم زيد عمرا خَالِدا أَخَاك قلت: الْمعلم عمرا خَالِدا أَخَاك زيد وَإِن أخْبرت عَن (عَمْرو) لم يجز عندى إِلَّا أَن تَقول: الْمعلم زيدا إِيَّاه خَالِدا أَخَاك عَمْرو فَإِن أخْبرت عَن (خَالِد) قلت: الْمعلم زيد عمرا إِيَّاه أَخَاك خَالِد فَإِن أخْبرت عَن (الْأَخ) قلت: الْمعلم زيد عمرا خَالِدا إِيَّاه أَخُوك فَإِن لم تفعل هَذَا، وَقلت: المعلمه فى بعض هَؤُلَاءِ المفعولين - الْتبس الْكَلَام، إِلَّا أَن يكون الذى تَقول فِيهِ (المعلمه) الْمَفْعُول الأول فَإِن كَانَ كَذَاك جَازَ، وَإِلَّا لم يفهم وَقد أجَازه كثير من الْبَصرِيين فى المفعولات كلهَا، وَلَيْسَ قَوْلهم فى هَذَا شَيْئا فَإِن أخْبرت ب (الذى) فى قَوْلك: أعلم زيد عمرا / خَالِدا خير النَّاس قلت - إِذا أخْبرت عَن الْفَاعِل -: الذى أعلم خَالِدا عمرا خير النَّاس زيد وَإِن أخْبرت عَن (عَمْرو) فى قَول من وصل الضَّمِير قلت: الذى أعلم زيدا خَالِدا خير النَّاس عَمْرو تُرِيدُ: الذى أعلمهُ، فحذفت الْهَاء لطول الِاسْم؛ كَقَوْلِك: الذى ضربت زيد، وَإِن شَاءَ جِئْت بهَا فَقلت: الذى أعلمهُ وَإِن فصلت الضَّمِير قلت: الذى أعلم زيدا إِيَّاه خَالِدا خير النَّاس عَمْرو، وَلَا يجوز الْحَذف على هَذَا؛ لِأَن الْحَذف يصلح فى صلَة (الذى) إِذا وصلتها بالمفعول الذى لَا ينْفَصل بِنَفسِهِ، فيحذف مِنْهُ، كَمَا يحذف الِاسْم إِذا طَال نَحْو قَوْلك فى اشهيباب: اشهباب، وفى ميت: ميت، وَكَذَلِكَ صيرورة، وقيدودة إِنَّمَا أصل هَذِه المصادر: (فيعلول) ، فألزمت التَّخْفِيف وَإِذا انْفَصل الْمُضمر تمّ بِنَفسِهِ، فَلم يجز حذفه؛ أَلا ترى أَنَّك تَقول: الذى ضربت زيد، وَلَا تَقول: الذى مَرَرْت / زيد؛ لانفصال الْكِنَايَة فى الثانى وَلَو قلت: الذى ضربت إِيَّاه زيد - لم يجز حذف (إِيَّاه) لانفصاله فعلى هَذَا يجرى مَا ذكرنَا ثمَّ نعود إِلَى تَكْثِير الْمسَائِل فى بَاب الْفِعْلَيْنِ الْمَعْطُوف أَحدهمَا على الآخر فى قَول النَّحْوِيين الْمُتَقَدِّمين فَإِذا انْقَضى أخبرنَا بفساده، وبالصواب الذى رَآهُ أَبُو عُثْمَان وَأخْبر عَنهُ، وَلَا يجوز غَيره إِن شَاءَ الله إِذا قلت: ضربنى وَضربت زيدا أضمرت الْفَاعِل فى ضربنى مُضْطَرّا قبل ذكره؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو فعل من فَاعل، فَأخْبرت عَن (زيد) على قَول النَّحْوِيين قلت: الضاربى والضاربه أَنا زيد؛ ليَكُون الْفِعْل غير مُتَعَدٍّ: كَمَا كَانَ فى الْفِعْل قبل الْإِخْبَار فَإِن أخْبرت عَن الْمَفْعُول، وَهُوَ أَنْت أَيهَا الْمُتَكَلّم قلت: الضاربه هُوَ، والضارب زيد أَنا، فَخرج من هَذَا الشَّرْط؛ لِأَنَّك عديت الضَّارِب، وَلم يكن مُتَعَدِّيا فى الْفِعْل؛ أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت: ضربت، وضربنى زيد، فَأخْبرت عَن نَفسك تَقول: الضَّارِب زيدا، والضاربه هُوَ أَنا، فتعدى (ضربت) فى الْأَخْبَار وَلم يكن مُتَعَدِّيا فى الْفِعْل؛ فَهَذَا الذى ذكرت لَك من أَن النَّحْوِيين جروا فِيهِ على الِاصْطِلَاح وَإِنَّمَا / الِابْتِدَاء وَالْخَبَر كالفعل وَالْفَاعِل، فَحق الْكَلَام أَن يُؤدى فى الْإِخْبَار كَمَا كَانَ قبل؛ فَإِن زَاد أَو نقص فسد الشَّرْط أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت: قَامَ زيد، فَقيل لَك: أخبر عَن (زيد) قلت: الْقَائِم زيد وَإِذا قيل لَك: أخبر عَن (الدَّار) فى قَوْلك: زيد فى الدَّار - قلت: الَّتِى زيد فِيهَا الدَّار، فَجعلت ضمير كل شئ تخبر عَنهُ فى مَوْضِعه، وَجَعَلته خَبرا وَتقول فى قَول النَّحْوِيين: أَعْطَيْت وأعطانى زيد درهما، إِذا أخْبرت عَن نَفسك قلت الْمُعْطى والمعطيه زيد درهما أَنا وَإِن أخْبرت عَن (منطلق) على هَذِه الشريطة الَّتِى جرت فى قَوْلهم - قلت: الظانى هُوَ إِيَّاه، والظان أَنا زيدا إِيَّاه منطلق فَهَكَذَا مجْرى هَذَا فى كَلَامهم وَهَذِه الْمسَائِل تدل على مَا بعْدهَا، وتجرى على منهاجها فِيمَا ذكرنَا من الْأَفْعَال مِمَّا يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَإِلَى اثْنَيْنِ وَإِلَى ثَلَاثَة، وَذَلِكَ قَوْلك فِيمَا تعدى إِلَى ثَلَاثَة مفعولين فى إِعْمَال الأول: أعملت وأعلمنى إِيَّاه إِيَّاه زيدا عمرا خير النَّاس، وَإِن شِئْت: أعلمت، وأعلمنيه إِيَّاه زيدا عمرا خير النَّاس فَإِن أعلمت الآخر قلت: أعلمت، وأعلمنى زيد عمرا خير النَّاس / وَإِن أخْبرت على إِعْمَال الأول عَن نَفسك قلت: الْمعلم زيدا عمرا خير النَّاس والمعلمه، هُوَ إِيَّاه إِيَّاه أَنا؛ فأظهرت (هُوَ) ؛ لِأَن الْألف وَاللَّام لَك، وَالْفِعْل لزيد فَإِن أخْبرت عَن (زيد) قلت: الْمعلم أَنا عمرا خير النَّاس، والمعلمى هُوَ إِيَّاه إِيَّاه زيد، وَإِن شِئْت قلت: والمعلميه هُوَ إِيَّاه زيد كل ذَلِك حسن، لِأَن الْمَفْعُول الأول فى مَوْضِعه فَإِن أخْبرت عَن (عَمْرو) قلت: الْمعلم أَنا زيدا إِيَّاه خير النَّاس والمعلمى هُوَ إِيَّاه عَمْرو؛ فأظهرت (أَنا) و (هُوَ) ؛ لِأَن الْألف وَاللَّام لعَمْرو، وَالْفِعْل الأول لَك، والثانى لزيد فَلَمَّا جرى على غير نَفسه أظهرت الْفَاعِل فَإِن أخْبرت عَن (خير النَّاس) قلت: الْمعلم أَنا زيدا عمرا إِيَّاه والمعلمى هُوَ إِيَّاه إِيَّاه خير النَّاس، وَإِن شِئْت قلت، و (العلميه) إِلَّا أَن الثانى من المنصوبات إِيَّاه، وَهُوَ ضمير خير النَّاس ليَقَع كل وَاحِد من هَذِه المفعولات فى مَوْضِعه فَإِن وصلته وَهُوَ متباعد الْتبس وَلم يبن مَوضِع أَلا ترى أَن قَوْلك: أعلمت زيدا أَن (زيدا) هُوَ الذى عَرفته، فَإِذا قلت / (عمرا خير النَّاس) فَإِنَّمَا عَرفته أَن عمرا خير النَّاس وَلَو قدمت لصار الْمَعْنى: أَن خير النَّاس الْمَعْرُوف بذلك هُوَ عَمْرو وَكَانَ ذَلِك مَعْلُوما وصل (عَمْرو) الْفَائِدَة؛ أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت: أَعْطَيْت زيدا عمرا - أَن (عمرا) الْمَدْفُوع (وزيدا) هُوَ الْمَدْفُوع إِلَيْهِ فضع هَذِه الْأَشْيَاء موَاضعهَا لتعرف مَعَانِيهَا وَإِن أعلمت الآخر على قَول النَّحْوِيين قلت: أعلمت، وأعلمني زيد عمرا خير النَّاس، فخبرت عَن نَفسك قلت: الْمعلم والمعلمه زيد عمرا خير النَّاس أَنا فَقلت (الْمعلم) فَلم تعده كَمَا كَانَ فى الْفِعْل فَإِن أخْبرت عَن (زيد) قلت على قَوْلهم: المعلمه أَنا عمرا خير النَّاس والمعلمى إِيَّاه إِيَّاه زيد، وَإِن شِئْت: والمعلمه إِيَّاه زيد؛ فَصَارَ إِعْمَال الآخر كإعمال الأول فى قَوْلهم وَفِيمَا ذكرنَا دَلِيل على جَمِيع الْبَاب

هَذَا بَاب الْإِخْبَار فى قَول أَبى عُثْمَان المازنى عَن هَذَا الْبَاب الذى مضى

إِذا قلت: ضربت، وضربنى زيد، فأعلمت الآخر فَإِن الْإِخْبَار / عَنْك أَن تَقول: الضَّارِب أَنا، والضاربى زيد، فتجعل (الضَّارِب) مُبْتَدأ، وَتجْعَل (أَنا) خَبره) فَيكون الْخَبَر هَاهُنَا كالفاعل هُنَاكَ؛ لِأَن نَظِير الْفِعْل وَالْفَاعِل الِابْتِدَاء وَالْخَبَر، وَيصير قَوْلك (الضاربى زيد مُتَعَدِّيا؛ كَمَا كَانَ فى الْفِعْل، وَيكون جملَة معطوفة على جملَة كَمَا كَانَت هُنَالك فَاعْتبر هَذَا فَإِنَّهُ لَا يجوز غَيره فَإِن قلت: ضربنى، وَضربت زيدا، فأعلمت الآخر أضمرت الْفَاعِل قبل ذكره على شريطة التَّفْسِير، فَأخْبرت عَن زيد قلت: الضاربى هُوَ، والضاربه أَنا زيد جعلت (الضاربى) مُبْتَدأ وعديته؛ كَمَا عديته فى قَوْلك: ضربنى، وَجعلت الْخَبَر (هُوَ) ؛ لِأَنَّك احتجت إِلَى أَن يكون مضمرا على شريطة التَّفْسِير؛ كَمَا كَانَ فى الْفِعْل وَمِمَّا يصحح هَذَا الْبَاب: أَنه لَيْسَ شئ يمْتَنع من أَن يخبر عَنهُ، وَلَيْسَ هَكَذَا يَقع فى قَول النَّحْوِيين؛ لِأَنَّك لَو قلت: ظنانى مُنْطَلقًا، وظننت أخويك منطلقين، فَأخْبرت عَن الْمُضمر فى قَوْلك: (ظنانى) لم يجز؛ لِأَنَّك كنت تَقول فى / التَّقْدِير: الظانانى مُنْطَلقًا، والظان أَنا أخويك منطلقين هما، فَلَا يَقع فى قَوْلك أَنا أخويك منطلقين شئ يرجع إِلَيّ الْألف وَاللَّام فَيبْطل؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فى الصِّلَة مَا يرجع إِلَى الْمَوْصُول وفى قَول أَبى عُثْمَان إِذا أخْبرت عَنْهُمَا قلت: الظانانى مُنْطَلقًا هما، فتجعل الْخَبَر (هما) وَهُوَ مُضْمر، ثمَّ تَقول: الظَّان أخويك منطلقين أَنا، فتعطف الْجُمْلَة على الْجُمْلَة، وفى صلَة كل وَاحِد مِنْهُمَا ضمير يرجع إِلَيْهِ، وَسَنذكر من الْمسَائِل مَا يُوضح صِحَة هَذَا الْمَذْهَب وَيبْطل مَا سواهُ إِن شَاءَ الله وفى قَول النَّحْوِيين أَنَّك إِذا كنت: ضربت، وضربنى زيد - فَإِن الْإِخْبَار عَن (التَّاء) فى ضربت، وَعَن الْيَاء فى ضربنى وَاحِد؛ لِأَنَّهُمَا يرجعان إِلَى شئ وَاحِد وَذَلِكَ قَوْلك على مَذْهَب النَّحْوِيين: الضَّارِب، والضاربه زيد أَنا وَهَذَانِ - وَإِن كَانَا رَاجِعين إِلَى شئ وَاحِد - فَإِنَّمَا ذَلِك فى الْمَعْنى فَأَما اللَّفْظ والموضع فمخالفان لَهُ وفى قَول أَبى عُثْمَان إِن أخْبرت عَن (التَّاء) قلت: الضَّارِب أَنا والضاربى زيد، فتجعل (الضَّارِب) مُبْتَدأ، / و (أَنا) خَبره، وَلَا تعده؛ كَمَا لم يكن فى الْفِعْل مُتَعَدِّيا، وتأتى بِالْفِعْلِ، وَالْفَاعِل فى الْإِخْبَار وَهُوَ: والضاربى زيد؛ لِأَن الْكَلَام إِنَّمَا كَانَ: ضربت وضربنى زيد، فَجعلت الِابْتِدَاء وَالْخَبَر كالفعل وَالْفَاعِل، وَجعلت المتعدى مُتَعَدِّيا، والممتنع مُمْتَنعا فَإِن أخْبرت عَن (الْيَاء) فى ضربنى قلت: الضَّارِب أَنا، والضاربه زيد أَنا؛ كَمَا كنت قَائِلا إِذا أخْبرت عَن نَفسك فى قَوْلك: ضربنى زيد: الضاربه زيد أَنا، لِأَن قَوْلك: ضربنى زيد هُوَ هَذَا الذى وَصفنَا؛ أَفلا ترى إِلَى بَيَان هَذَا، واشتماله على كل اسْم، وَامْتِنَاع قَول النَّحْوِيين من بعض الْأَسْمَاء لِامْتِنَاع الصلات من رَاجع إِلَى الموصلات وَيَقُول النحويون: إِذا قلت: ظَنَنْت، وظننى أَخَوَاك مُنْطَلقًا - فالتقدير فى الْمَعْنى: أَن يكون ظنى بهما كظنهما بى فَإِن أخْبرت فى قَول النَّحْوِيين عَن (الْأَخَوَيْنِ) فَقلت: الظَّان أَنا، والظانان مُنْطَلقًا أَخَوَاك كَانَ محالا؛ لِأَن قَوْلك: (الظَّان أَنا) الْألف وَاللَّام للأخوين؛ لِأَنَّهُمَا الْخَبَر، وَلَيْسَ فى الصِّلَة مَا يرجع إِلَى الْمَوْصُول فَهَذَا عِنْدهم محَال / وَكَذَلِكَ هُوَ على تقديرهم، ويجيزون فى الذى؛ لأَنهم لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى تكريرها مرَّتَيْنِ، وَلَكنهُمْ يذكرونها مرّة، ويعطفون أحد الْفِعْلَيْنِ على الآخر، فَيرجع الذّكر فى أَحدهمَا، فَيكون كلَاما وَالتَّقْدِير: اللَّذَان ظَنَنْت، وظنانى مُنْطَلقًا أَخَوَاك فَيصير الضَّمِير فى ظنانى يرجع إِلَى اللَّذين وَالْقَوْل فى هَذِه الْمَسْأَلَة على قَول أَبى عُثْمَان وهى: ظَنَنْت، وظننى أَخَوَاك منطا أَن تَقول - إِذا أخْبرت عَن نَفسك -: الظَّان أَنا، والظانان مُنْطَلقًا أَخَوَاك فَيصير الْألف وَاللَّام فى (الظَّان) لَك، وَتجْعَل (أَنا) خبر الِابْتِدَاء؛ كَمَا كَانَ فى الْمَسْأَلَة فَاعِلا، وَلَا تعده؛ لِأَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ غير مُتَعَدٍّ، ثمَّ تعطف عَلَيْهِ الْجُمْلَة على مَا كَانَت فى الْفِعْل فَهَذَا لَا يمْتَنع مِنْهُ شئ فَكل مَا ورد عَلَيْك من هَذَا الْبَاب فقسه على مَا ذكرت لَك تَجدهُ مُسْتَقِيمًا إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب من الذى والتى أَلفه النحويون فأدخلوا (الذى) فى صلَة (الذى) وَأَكْثرُوا فى ذَلِك

/ إِنَّمَا قِيَاسه قِيَاس قَوْلك: الذى زيد أَخُوهُ أَبوك، فتصل (الذى) بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر، وقولك: (أَبوك) خبر الذى؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاء فَتَقول - إِذا كَانَ (الذى) غير مُبْتَدأ -: أَرَأَيْت الذى أَخُوهُ أَبوك، فكأنك قلت: رَأَيْت زيدا وَقد أعلمتك أَن (الذى) يُوصل بِالْفِعْلِ وَالْفَاعِل، وبالابتداء وَالْخَبَر، والظرف، وَلَا بُد فى صلَة الذى من رَاجع إِلَيْهِ يُوضحهُ فَإِذا قلت: رَأَيْت الذى قَامَ، فاسمه فى قَامَ، وَكَذَلِكَ: رَأَيْت الذى فى الدَّار فَإِن كَانَ الِاسْتِقْرَار وَالْقِيَام لغيره - قلت: رَأَيْت الذى فى الدَّار أَبوهُ، وَرَأَيْت الذى قَامَ صَاحبه على ذَلِك يجرى، كَذَلِك: رَأَيْت الذى إِن يأتنى آته؛ لِأَن المجازاة جملَة، وفيهَا مَا يرجع إِلَيْهِ وَإِذا وصلت (الذى) بالذى فَلَا بُد للثانى من صلَة وَخبر، حَتَّى يكون فى صلَة الأول ابْتِدَاء وخبرا وَتقول: الذى فى دَاره زيد أَخُوك فقولك (الذى) ابْتِدَاء، والثانى مُبْتَدأ فى صلته، وقولك (فى دَاره) فِيهِ ضميران: مَرْفُوع بالاستقرار، ومخفوض بِالْإِضَافَة فَالْمَرْفُوع يرجع إِلَى الذى الثانى، والمخفوض يرجع إِلَى الأول و (زيد) خبر الذى / الثانى، و (أَخُوك) خبر الذى الأول؛ لِأَن الثانى صَار بصلته، وَخَبره صلَة للْأولِ فَهَذَا مجْرى هَذَا الْبَاب وَتقول: الذى الَّتِى اللَّذَان ضربا جاريتها أَخَوَاك عِنْده عبد الله (فالذى) ابْتِدَاء، و (الَّتِى) ابْتِدَاء فى صلَة الَّتِى، و (اللَّذَان) ابْتِدَاء فى صلَة الَّتِى، وقولك (ضربا) جاريتها صلَة اللَّذين، وَالْهَاء فى جاريتها ترجع إِلَى الَّتِى، و (أَخَوَاك) خبر اللَّذين فتمت صلَة الذى، وقولك (عبد الله) خبر الذى فَإِن أدخلت على هَذَا (كَانَ) فَالْكَلَام على حَاله إِلَّا الذى، وَعبد الله فَإنَّك جَاعل أَحدهمَا اسْم (كَانَ) ، وَالْآخر خَبره وَتقول: اللَّذَان الَّتِى فى الدَّار صاحبتهما أَخَوَاك على مَا شرحت لَك فَإِن قلت الذى الَّتِى اللَّذَان الَّذين الَّتِى فى الدَّار جاريتهم منطلقون إِلَيْهِمَا صاحباها أُخْته زيد - كَانَ جيدا بَالغا تجْعَل (الذى) مُبْتَدأ، و (الَّتِى ابْتِدَاء فى صلَة الذى، و (اللَّذَان) ابْتِدَاء فى صلَة الَّتِى، و (الَّذين) ابْتِدَاء فى صلَة الَّذين، و (الَّتِى) ابْتِدَاء فى صل الَّذين، وقولك (فى الدَّار) صلَة الَّتِى و (جاريتهم) خبر الَّتِى، وَالضَّمِير يرجع إِلَى الَّذين، وَقد تمت صلتهم؛ لِأَن (الَّتِى) وصلتها ابْتِدَاء، و (جاريتهم) خبر ذَلِك الِابْتِدَاء فقد تمت صل اللَّذين، وقولك منطلقون إِلَيْهِمَا خبر الَّذين فقد تمت صلَة اللَّذين وقولك (صاحباها) خبر (اللَّذين) فقد تمت صلَة (الَّتِى) الأولى، و (أُخْته) خبر الَّتِى الأولى، وَالْهَاء ترجع إِلَى الذى فقد تمت صل الذى، و (زيد) خبر الذى فقد صَحَّ الْكَلَام

هَذَا بَاب الْإِضَافَة وَهُوَ بَاب النّسَب

اعْلَم أَنَّك إِذا نسبت رجلا إِلَى حى أَو بلد أَو غير ذَلِك - ألحقت الِاسْم الذى نسبته إِلَيْهِ يَاء شَدِيدَة؛ وَلم تخففها لِئَلَّا يلتبس بياء الْإِضَافَة الَّتِى هى اسْم الْمُتَكَلّم وَذَلِكَ قَوْلك: هَذَا رجل قيسى، وبكرى، وَكَذَلِكَ كل مَا نسبته إِلَيْهِ وَاعْلَم أَن الِاسْم إِذا كَانَت فِيهِ يَاء قبل آخِره، وَكَانَت الْيَاء سَاكِنة، فحذفها جَائِز؛ لِأَنَّهَا حرف ميت، وَآخر الِاسْم ينكسر لياء الْإِضَافَة، فتجتمع ثَلَاث ياءات مَعَ الكسرة، فحذفوا الْيَاء الساكنة لذَلِك وسيبويه وَأَصْحَابه يَقُولُونَ: إِثْبَاتهَا هُوَ الْوَجْه وَذَلِكَ قَوْلك فى النّسَب إِلَى سليم: سلمى، وَإِلَى ثَقِيف: ثقفى، وَإِلَى قُرَيْش: قرشى وإثباتها كَقَوْلِك فى نمير: نميرى، وقشير: قشيرى /، وَعقيل: عقيلى، وَتَمِيم: تميمى فَإِن كَانَت هَاء التَّأْنِيث فى الِاسْم فَالْوَجْه حذف الْيَاء؛ لما يدْخل الْهَاء من الْحَذف والتغيير وَذَلِكَ قَوْلك فى ربيعَة: ربعى، وفى حنيفَة: حنفى، وفى جذيمة: جذمى، وفى ضبيعة ضبعى فَأَما قَوْلهم فى الخريبة: خريبى، وفى السليقة: سليقى فَهَذَا بِمَنْزِلَة الذى يبلغ بِهِ الأَصْل؛ نَحْو: لححت عينه، و {استحوذ عَلَيْهِم الشَّيْطَان} وَالْوَجْه مَا ذكرت لَك فَإِن كَانَت الْيَاء متحركة لم تحذف وَذَلِكَ قَوْلك فى حمير: حميرى، وفى عثير: عثيرى

هَذَا بَاب النّسَب إِلَى كل اسْم قبل آخِره يَاء مُشَدّدَة

وَاعْلَم أَنه لابد من حذف إِحْدَى الياءين؛ لِاجْتِمَاع الياءات والكسرة والتى تحذفها المتحركة؛ لِأَنَّهَا لَو بقيت للزمها الْقلب والتغيير فَأَما الْقلب فلانفتاح مَا قبلهَا، وَأما التَّغْيِير فلاجتماع الحركات مَعَ الْحُرُوف المعتلة فَلَو شِئْت لأسكنت وَذَلِكَ قَوْلك فى النّسَب / إِلَى أسيد: أسيدى، وَإِلَى هَين: هينى، وَإِلَى ميت: ميتى لَا يكون إِلَّا ذَلِك وَقد كَانَ يجوز التَّخْفِيف من قبل يَاء النّسَب استثقالا للإدغام فى حُرُوف اللين، فَلَمَّا توالت الياءات والكسرة لم يكن إِلَّا التَّخْفِيف فَأَما التَّخْفِيف الأول فَهُوَ قَوْلك فِي ميت وَكَذَلِكَ فِي سيد سيد وَفِي هَين هَين ولين لين وَيلْزم التَّخْفِيف بَاب صيرورة، وقيدودة، وكينونة، لِكَثْرَة الْعدَد وَلَوْلَا التَّخْفِيف لَكَانَ كينونة، وصيرورة؛ لِأَنَّهَا فيعلولة فَإِن قَالَ قَائِل: فَمَا أنْكرت أَن يكون فعلولة؟ قيل لَهُ: لَو كَانَت فعلولة لخالفت؛ لِأَن هَذَا الْبناء لَا يكون إِلَّا مضموم الأول، وَكنت تَقول: كونونة، وقودودة؛ لِأَنَّهَا من الْقود، والكون؛ أَلا ترى أَن (ميت) لَو كَانَ (فعل) لَكَانَ موت؛ لِأَنَّهُ من الْوَاو، وَلكنه مَحْذُوف من فيعل فَهَذَا أَمر وَاضح

هَذَا بَاب مَا كَانَ على ثَلَاثَة أحرف مِمَّا آخِره حرف لين

اعْلَم أَن مَا كَانَ من ذَلِك على فعل فَإِن الْألف مبدلة من يائه أَو واوه وَذَلِكَ قَوْلك: رَحا، وَقفا، وعصا: أعلم أَن النّسَب إلة مَا كَانَ من الْيَاء كالنسب إِلَى مَا كَانَ من الْوَاو وَذَلِكَ أَنَّك تقلب هَذِه الْألف واوا من أَي الباببين كَانَت تَقول فِي قفا قفوى وَفِي عَصا عصوى، وَكَذَلِكَ حَصى، ورحى تَقول: حصوى، ورحوى وَإِنَّمَا قلبت الْألف المنقلبة من الْيَاء واوا؛ لكراهيتك اجْتِمَاع الياءات والكسرات، فَصَارَ اللَّفْظ فى النّسَب إِلَى الْمَقْصُور الذى على ثَلَاثَة أحرف وَاحِدًا وَكَذَلِكَ إِن كَانَ على فعل؛ نَحْو: عَم، وشق ذهبت بِهِ فى النّسَب إِلَى (فعل) فَقلت: عموى، وشقوى، وفى النّسَب إِلَى الشجى: شجوى؛ فَإِنَّمَا فعلت ذَلِك كَرَاهِيَة لِاجْتِمَاع الياءات والكسرات وَأَنت فى غير المعتل كنت تفعل ذَلِك كَرَاهِيَة لتوالى الكسرتين والياءين فَهَذَا هَاهُنَا أوجب فَأَما غير المعتل فنحو قَوْلك فى النمر: نمرى، وفى شقر: شقرى؛ أَلا ترى أَنَّك قد سويت بَين (فعل) ، / و (فعل) فَلَو كَانَ مَكَان الكسرة ضمة لم تغيره؛ لِأَنَّهُ لم يتوال مَا تكره وَذَلِكَ قَوْلك فى سمر: سمرى لَا غير فَإِن كَانَ على (فعل) و (فعل) جرى مجْرى غير المعتل وَذَلِكَ أَنه يسكن مَا قبل آخِره فَيَقَع عَلَيْهِ الْإِعْرَاب كَمَا يَقع على غير المعتل وَذَلِكَ قَوْلك: هَذَا ظبى، ودلو، ونحى، وجرو فَاعْلَم على هَذَا يجرى جَمِيع هَذَا فَإِذا نسبت إِلَيْهِ قلت: ظَبْي ونحي، وَكَذَلِكَ إِن لحقت شَيْئا مِنْهُ الْهَاء؛ لِأَن يَاء النّسَب تعاقب هَاء التَّأْنِيث فَكل مَا نسبت إِلَيْهِ فالهاء ملغاة مِنْهُ، فَكَأَنَّهُ لم تكن هَاء أَلا ترى أَنَّك تَقول فى النّسَب إِلَى طَلْحَة: طلحى، وَإِلَى حمد: حمدى فَأَما قَول يُونُس فى النّسَب إِلَى ظَبْيَة: ظبوى فَلَيْسَ بشئ إِنَّمَا القَوْل مَا ذكرت لَك فَإِن كَانَت الْيَاء شَدِيد أَصْلِيَّة فَإِن النّسَب على ضَرْبَيْنِ: الْأَحْسَن فى النّسَب إِلَى حَيّ: حيوى تحرّك مَا قبل الْيَاء الثَّانِيَة؛ لتقبلها ألفا، فَإِنَّهَا إِذا كَانَت كَذَلِك انقلبت واوا / فى النّسَب، وَإِن تركت على حَالهَا جَازَ، وَفِيه قبح؛ لِاجْتِمَاع أَربع ياءات مَعَ الكسرة وَذَلِكَ قَوْلك: حيى وَمن قَالَ: حيوى قَالَ فى النّسَب إِلَى لية - وَهُوَ الْمصدر من لويت -: لووى؛ لِأَنَّهَا لوية فى الأَصْل فَلَمَّا زَالَ الْإِدْغَام أظهرت الْوَاو فَإِن كَانَت الْيَاء زَائِدَة مثقله فَلَا اخْتِلَاف فى حذفهَا لياء النّسَب وَذَلِكَ قَوْلك فى النّسَب إِلَى بختى: بختى فَاعْلَم، وَإِلَى بخاتى: بخاتى فتصرف؛ لِأَن الْيَاء الظَّاهِرَة يَاء النّسَب فَإِنَّمَا وَجب حذف هَاتين الياءين ليائى الْإِضَافَة؛ لِأَن ياءى الْإِضَافَة تعاقب هَاء التَّأْنِيث، فَتَقول فى النّسَب إِلَى طلح: طلحه، وَإِلَى حَنْظَلَة: حنظلى وَإِنَّمَا عَاقبَتهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤْتى بهَا زَائِدَة فى الِاسْم بعد الْفَرَاغ من تَمَامه، فَإِنَّهُمَا يحلان محلا وَاحِدًا أَلا ترى أَنَّك تَقول تَمْرَة، وتمر، وبرة وبر، فَلَا يكون بَين الْوَاحِد وَالْجمع إِلَّا الْهَاء وَتقول على هَذَا: زنجى وزنج ورومى، وروم، فَلَا يكون بَينهمَا إِلَّا الْيَاء المشدد؛ فَلذَلِك حلتا محلا وَاحِدًا فَلَمَّا كَانَت الْهَاء تحذف لياء النّسَب / كَانَ حذف الْيَاء لَهَا وَاجِب؛ لِأَنَّك لَو أقررتها كنت تجمع بَين أَربع ياءات مَعَ الْعلَّة الَّتِى ذكرنَا من مضارعة الْهَاء فعلى هَذَا فأجر هَذَا الْبَاب

هَذَا بَاب الْإِضَافَة إِلَى الِاسْم الذى يكون آخِره يَاء مُشَدّدَة، والأخيرة لَام الْفِعْل

اعْلَم أَنَّك إِذا نسبت إِلَى شئ من ذَلِك فَإِن الْوَجْه أَن تحذف من الِاسْم الْيَاء الْخَفِيفَة الَّتِى كنت تحذفها من حنيفَة، وَثَقِيف، فَإِذا فعلت ذَلِك انقلبت الْيَاء فِيهَا ألفا، ثمَّ انقلبت وَاو ليائى النِّسْبَة؛ كَمَا تجب فى لامات الْفِعْل فَمن ذَلِك قَوْلك فى عدى: عدوى؛ لِأَنَّك لما حذفت الْيَاء الَّتِى تزيد فى (فعيل) صَارَت (عد) فَاعْلَم على وزن عَم، فَذَهَبت بِفعل إِلَى فعل لما ذكرت لَك قبل هَذَا الْبَاب، فَقلت: عدوى؛ كَمَا قلت: عموى وَمثل ذَلِك النّسَب إِلَى أُميَّة تَقول: أموى تحذف يَاء التصغير، فَيصير كَأَنَّك نسبت إِلَى (فعل) وَكَذَلِكَ قصى تَقول فى النّسَب إِلَيْهِ: قصوى / فعلى مَا ذكرت لَك فأجر هَذَا الْبَاب

هَذَا بَاب النّسَب إِلَى الْمُضَاف من الْأَسْمَاء

اعْلَم أَن الْإِضَافَة على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا: مَا يكون الأول مَعْرُوفا بالثانى؛ نَحْو قَوْلك: هَذِه دَار عبد الله، وَغُلَام زيد، فَإِن نسبت إِلَى شئ من هَذَا فَالْوَجْه أَن تنْسب إِلَى الثانى؛ لِأَن الأول إِنَّمَا صَار معرفَة بِهِ وَذَلِكَ قَوْلك فى ابْن الزبير: زبيرى، وفى غُلَام زيد: زيدى وَالْوَجْه الآخر فى الْإِضَافَة: أَن يكون الْمُضَاف وَقع علما، والمضاف إِلَيْهِ من تَمَامه، فالباب النّسَب إِلَى الأول، وَذَلِكَ قَوْلك فى عبد الْقَيْس: عبدى، وَكَذَلِكَ إِن نسبت إِلَى رجل من عبد الدَّار: عبدى، وَكَذَلِكَ إِن نسبت إِلَى أَبى عبد الله بن دارم وَقد تشقق الْعَرَب من الاسمين اسْما وَاحِدًا لاجتناب اللّبْس؛ وَذَلِكَ لِكَثْرَة مَا يَقع (عبد) فى أسماهم مُضَافا فَيَقُولُونَ فى النّسَب إِلَى عبد الْقَيْس: عبقسى، وَإِلَى عبد الدّرّ: عبدرى، وَإِلَى عبد شمس: عبشمى وَالْوَجْه مَا ذكرت لَك أَولا وَإِنَّمَا فعل هَذَا لعِلَّة اللّبْس

هَذَا بَاب الْإِضَافَة إِلَى الاسمين اللَّذين يجعلان اسْما وَاحِد

اعْلَم أَنَّك إِذا نسبت إِلَى اسْمَيْنِ قد جعلا اسْما وَاحِدًا فَإِنَّمَا النّسَب إِلَى الصَّدْر مِنْهُمَا وَذَلِكَ قَوْلك فى النّسَب إِلَى بعلبك: بعلى، وَإِلَى حَضرمَوْت: حضرى، وَإِلَى رام هُرْمُز: رامى وَقد يجوز أَن تشتق مِنْهُمَا اسْما يكون فِيهِ من حُرُوف الاسمين؛ كَمَا فعلت ذَلِك فى الْإِضَافَة وَالْوَجْه مَا بدأت بِهِ لَك وَذَلِكَ قَوْلك فى النّسَب إِلَى حَضرمَوْت: حضرمى؛ كَمَا قلت فى عبد الشَّمْس، وَعبد الدَّار: عبشمى، وعبدرى

هَذَا بَاب مَا يَقع فى النّسَب بِزِيَادَة لما فِيهِ من الْمَعْنى الزَّائِد على معنى النّسَب

وَذَلِكَ قَوْلك فى الرجل تنسبه إِلَى أته طَوِيل اللِّحْيَة: لحيانى، وفى طَوِيل الجمة: جمانى، وفى طَوِيل الرَّقَبَة: رقبانى، وفى كثير الشّعْر: شعرانى؛ فَإِنَّمَا زِدْت لما أَخْبَرتك بِهِ من الْمَعْنى فَإِن نسبت رجلا إِلَى رَقَبَة، أَو شعر، أَو جمة / قلت: جمى، وشعرى، ورقبى، لِأَنَّك تزيد فِيهِ مَا تزيد فى النّسَب إِلَى زيد، وَعَمْرو وَاعْلَم أَن أَشْيَاء قد نسب إِلَيْهَا على غير الْقيَاس للبس مرّة، وللاستثقال أُخْرَى، وللعلاقة أُخْرَى وَالنّسب إِلَيْهَا على الْقيَاس هُوَ الْبَاب فَمن تِلْكَ الْأَشْيَاء قَوْلهم فى النّسَب إِلَى زبينة: زبانى وَإِنَّمَا الْوَجْه زنبى؛ كَقَوْلِك فى حنيفَة: حنفى، وفى ربيعَة: ربعى، وَلَكنهُمْ أبدلوا الْألف من الْيَاء؛ كَمَا قَالُوا فى بقى: بقا، وفى رضى: رضَا وَالْبدل كثير فى الْكَلَام، وَهُوَ مشروح فى بَاب التصريف وَمن ذَلِك قَوْلهم فى النّسَب إِلَى الشَّام، واليمن: يمَان يَا فَتى، وشآم يَا فَتى، فَجعلُوا الْألف بَدَلا من إِحْدَى الياءين وَالْوَجْه يمنى، وشامى وَمن قَالَ: يمانى فَهُوَ كالنسب إِلَى مَنْسُوب، وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ وَقَالُوا فى النّسَب إِلَى تهَامَة: تهامى فَاعْلَم، وَمن أَرَادَ الْعِوَض غير، فَفتح التَّاء، وَجعل تهَامَة على وزن يمن فتقديره: تهم فَاعْلَم، وَيُقَال فى النّسَب إِلَيْهِ تهام فَاعْلَم ففتحة التَّاء تبين لَك أَن الِاسْم قد / غير عَن حَده وكل شئ سميته باسم من هَذِه، فنسبت إِلَيْهِ لم يكن إِلَّا على الْقيَاس أَلا ترى أَنَّك تَقول: تقية، وتكأة فتبدل التَّاء من الْوَاو، وَلَو بنيت من هَذَا شَيْئا اسْما لحذفت التَّاء وَردت الْوَاو؛ لِأَنَّهَا الأَصْل فالبدل يَقع لمعان فى أَشْيَاء ترد إِلَى أُصُولهَا، فَهَذَا مَا ذكرت لَك وَقد قَالُوا فى النّسَب إِلَى الْبَصْرَة: بصرى، فالكسر من أجل الْيَاء، وَالْوَجْه: بصرى، وَلَو سميت شَيْئا الْبَصْرَة فنسبت إِلَيْهِ لم تقل إِلَّا: بصرى وَهُوَ أَجود الْقَوْلَيْنِ فى النّسَب قبل التَّسْمِيَة وَكَذَلِكَ قَوْلهم فى الذى قد أَتَى عَلَيْهِ الدَّهْر: دهرى؛ ليفصلوا بَينه وَبَين من يَرْجُو الدَّهْر، ويخافه، وَالْقِيَاس: دهرى فى جَمِيعهَا فَكل مَا كَانَ على نَحْو مِمَّا ذكرت لَك فالتسمية ترده إِلَى الْقيَاس

هَذَا بَاب النّسَب فِيمَا كَانَ على أَرْبَعَة أحرف ورابعه ألف مَقْصُورَة

أما مَا كَانَت أَلفه أصلا، أَو مُلْحقَة بِالْأَصْلِ منصرفة فى النكرَة فَإِن الْوَجْه فِيهِ، وَالْحَد إِثْبَات الْألف، وَقبلهَا واوا؛ للتحرك الذى يلْزمهَا، وَذَلِكَ قَوْلك فى النّسَب إِلَى ملهى: ملهوى، وَإِلَى معزى: معزوى، وَإِلَى أرطى: أرطوى فَإِن كَانَت الْألف للتأنيث فَفِيهَا ثَلَاثَة أقاويل: أَجودهَا، وأحقها بِالِاخْتِيَارِ، وأكثرها، وأصحها، وأشكلها لمنهاج الْقيَاس حذف الْألف فَتَقول فى النّسَب إِلَى حُبْلَى: حُبْلَى، وَإِلَى دنيا: دني، وَكَذَلِكَ بشرى، وسكرى، ودفلى، وَمَا أشبه ذَلِك وَيجوز أَن تلْحق واوا زَائِدَة، لِأَنَّك إِذا فعلت ذَلِك فَإِنَّمَا تخرجه إِلَى عَلامَة التَّأْنِيث اللَّازِمَة لَهُ وَذَلِكَ قَوْلك: دنياوى، ودفلاوى حَتَّى يصير بِمَنْزِلَة حمراوى، وصحراوى فَهَذَا مَذْهَب وَلَيْسَ على الْحَد، وَلَكِنَّك وكدته؛ لتحَقّق منهاج التَّأْنِيث وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن تقلب الْألف واوا؛ لِأَن الْألف رَابِعَة، فقد صَارَت فى الْوَزْن بِمَنْزِلَة مَا الْألف من أَصله فَتَقول: حبلوى، ودفلوى فَمن قَالَ هَذَا فشبهه بملهى / ومعزى أجَاز فى النّسَب إِلَى مَا الْألف فِيهِ أَصْلِيَّة الْحَذف يشبهها بِأَلف التَّأْنِيث؛ كَمَا شبه الْألف بِهِ تَقول: ملهى، ومغزى فى النّسَب إِلَى ملهى، ومغزى وَهُوَ أردأ الْأَقَاوِيل؛ لِأَن الْفَصْل هَاهُنَا لَازم؛ إِذْ كَانَ أحد الْأَلفَيْنِ أصلا، والأخر زَائِدا فَإِن كَانَت الْألف خَامِسَة مَقْصُورَة فَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْحَذف منصرفة كَانَت أَو غير منصرفة وَذَلِكَ نَحْو: مرامى، وحبارى، وشكاعى تَقول: مرامى، وحبارى وَذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَت تحذف رَابِعَة إِذا كَانَت التَّأْنِيث، وَيجوز مثل ذَلِك فِيهَا إِذا كَانَت أَصْلِيَّة، فَلَمَّا زَاد الْعدَد لم يكن إِلَّا الْحَذف، وَكلما ازْدَادَ كَثْرَة كَانَ الْحَذف أَحْرَى وَكَذَلِكَ إِن كَانَ على أَرْبَعَة أحرف ثَلَاثَة مِنْهَا متحركة لم يكن إِلَّا الْحَذف، وَلم تكن الْألف إِلَّا التَّأْنِيث وَذَلِكَ نَحْو: جمزى لَا يكون فِيهَا مثل لُغَة من قَالَ: حبلوى؛ لِأَن الْحَرَكَة أخرجته عَن ذَلِك؛ كَمَا أخرجت قدما عَن أَن تَنْصَرِف / اسْم امْرَأَة؛ كَمَا تَنْصَرِف هِنْد، ودعد؛ لِأَنَّهَا زَادَت عَلَيْهَا حَرَكَة فَإِن كَانَ الِاسْم ممدودا لم يحذف مِنْهُ شئ، وانقلبت الْمدَّة واوا لِأَنَّهَا حرف حى فَلَا يحذف، وَلِأَنَّهَا للتأنيث تنْقَلب، وَلَا تكون كحرف الأَصْل وَذَلِكَ قَوْلك فى حَمْرَاء: حمراوى، وفى خنفساء: خنفساوى فَإِن كَانَ منصرفا وحروفه أصل فَالْوَجْه إِقْرَار الْهمزَة وَذَلِكَ قَوْلك فى النّسَب إِلَى قراء: قرائى فالهمزة أصل، وفى رِدَاء: ردائى فالهمزة منقلبة، وحالها كَحال تِلْكَ وَكَذَلِكَ الملحقة نَحْو: علْبَاء، وحرباء، وَقد يجوز الْقلب فى هَذَا المنصرف؛ نَحْو: علباوى، وحرباوى فَهُوَ فِي هَذَا الحيز أصلح؛ لِأَن الْهمزَة زَائِدَة وَيجوز أَيْضا فى رِدَاء، وَكسَاء وَهُوَ فيهمَا أَجود مِنْهُ فِي قراء لِأَن الْهمزَة فى رِدَاء، وَكسَاء منقلبة وَهُوَ فِيهِ أبعد أَن تَقول: قراوى

هَذَا بَاب النّسَب إِلَى الْجَمَاعَة

اعْلَم أَنَّك إِذا نسبت إِلَى جمَاعَة فَإِنَّمَا توقع النّسَب / على وَاحِدهَا وَذَلِكَ قَوْلك فى رجل ينْسب إِلَى الْفَرَائِض: فرضى؛ لِأَنَّك رَددته إِلَى فَرِيضَة، فَصَارَ كَقَوْلِك فى النّسَب إِلَى حنيفَة: حنفى فَهَذَا هُوَ الْبَاب فى النّسَب إِلَيْهَا وَالنّسب إِلَى مَسَاجِد: مسجدى، وَإِلَى أكلب: كلبى وَإِنَّمَا فعل ذَلِك؛ ليفصل بَينهَا وهى جمع وَبَينهَا إِذا كَانَت اسْما لشئ وَاحِد؛ لِأَنَّهَا إِذا سمى وَاحِد بشئ مِنْهَا كَانَ النّسَب على اللَّفْظ؛ لِأَنَّهُ قد صَار وَاحِدًا وَذَلِكَ قَوْلك فى رجل من بنى كلاب: كلابى فَإِن نسبته إِلَى الضباب قلت: ضبابى وَتقول: رجل معافرى (ومعافر بن أَخُو تَمِيم) وَتقول فى النّسَب إِلَى أكلب من خثعم: أكلبى، وَكَذَلِكَ هَذَا أجمع وَنَظِير ذَلِك قَوْلك فى النّسَب إِلَى الْمَدَائِن: مدائنى؛ لِأَنَّهَا اسْم لبلد وَاحِد وَتقول فى رجل من أَبنَاء سعد، أبناوى؛ لِأَنَّهُ قد صَار اسْما لَهُم، وَلَو قلت أبنائى كَانَ جيدا؛ كَمَا تَقول: كسائى وكساوى فَإِن نسبت إِلَيْهِ وَأَنت تقدر أَن كل وَاحِد مِنْهُم ابْن على حياله، ثمَّ تجمعهم / قلت: ابنى وبنوى أى ذَلِك قلته فصواب: لِأَنَّهُ النّسَب إِلَى (ابْن)

هَذَا بَاب النّسَب إِلَى كل اسْم على حرفين

اعْلَم أَنه مَا كَانَ من الْأَسْمَاء على حرفين فَإِن رد الْحَرْف الثَّالِث إِلَيْهِ فى الْجمع بِالتَّاءِ، أَو التَّثْنِيَة فالنسبة ترده لَا يكون إِلَّا ذَلِك وَذَلِكَ قَوْلك فى النّسَب إِلَى أُخْت: أخوى؛ لِقَوْلِك: أَخَوَات، وَإِلَى سنة: سنوى فِيمَن قَالَ: سنوات، وَمن قَالَ: سانهت، وسنيهة فى التحقير قَالَ: سنهى وفى النّسَب إِلَى أَب، وَأَخ: أبوى، وأخوى؛ لِقَوْلِك: أَبَوَانِ، وَأَخَوَانِ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْجمع لَا يكون غير مَا ذكرت لَك وَإِن لم ترد الْحَرْف الثَّالِث فِي تَثْنِيَة، وَلَا جمع بِالتَّاءِ فَأَنت فى النّسَب مُخَيّر: إِن شِئْت رَددته، وَإِن شت لم تردده وَذَلِكَ قَوْلك فى النّسَب إِلَى دم: دمى، ودموى، وفى النّسَب إِلَى يَد: يدى، ويدوى فى قَول سِيبَوَيْهٍ، فَأَما الْأَخْفَش فَيَقُول: يدى، ويديى، وَيَقُول: أصل (يَد) فعل، فَإِن رددت مَا ذهب رجعت بالحرف إِلَى أَصله فَهَذَا قَوْله فى كل هَذَا وسيبويه وَأَصْحَابه يَقُولُونَ: رددنا إِلَى حرف قد لزمَه / الْإِعْرَاب لجهد الِاسْم؛ فَلَا يحذف مَا كَانَ يلْزمه قبل الرَّد وسيبويه يزْعم أَن (دَمًا) (فعل) فى الأَصْل، وَهَذَا خطأ؛ لِأَنَّك تَقول: دمى يدمى فَهُوَ دم فمصدر هَذَا لَا يكون إِلَّا (فعل) ؛ كَمَا تَقول: فرق يفرق، والمصدر الْفرق، وَالِاسْم فرق، وَكَذَلِكَ الحذر، والبطر، وَجَمِيع هَذَا الْبَاب وَمن الدَّلِيل أَنه (فعل) أَن الشَّاعِر لما اضْطر جَاءَ بِهِ على (فعل) قَالَ:

(جرى الدميان بالْخبر الْيَقِين ... )

فَأَما (يَد) فَفعل سَاكِنة لَا اخْتِلَاف فى ذَلِك؛ لِأَن جمعهَا أيد (وأفعل) إِنَّمَا هُوَ جمع (فعل) ؛ نَحْو: أكلب، وأفلس، وأفرخ و (غَد) (فعل) ؛ لِأَن أَصله غدو وَحقّ هَذِه الْأَسْمَاء المحذوفة أَن يحكم عَلَيْهَا بِسُكُون الْأَوْسَط إِلَّا أَن تثبت الْحَرَكَة؛ لِأَن الْحَرَكَة زِيَادَة؛ فَلَا تثبت إِلَّا بِحجَّة؛ أَلا ترى أَن الشَّاعِر لما اضْطر إِلَى الرَّد رد على الإسكان فَقَالَ:

(إِن مَعَ الْيَوْم أَخَاهُ غدوا ... )

وَقَالَ الشَّاعِر:

(وَمَا النَّاس إِلَّا كالديار وَأَهْلهَا ... بهَا يَوْم حلوها وغدوا بِلَا وَقع)

/ وَإِنَّمَا كَانَت الْإِضَافَة رادة مَا رَجَعَ فى التَّثْنِيَة وَالْجمع بِالتَّاءِ وَمَا لم ترده تَثْنِيَة وَلَا جمع؛ لِأَن الْإِضَافَة أرد؛ وَذَلِكَ أَنَّهَا مُغيرَة أَوَاخِر الْأَسْمَاء لَا محَالة؛ لِأَن الْإِعْرَاب عَلَيْهَا يَقع، وَلِأَنَّهُ يلْزمهَا الْحَذف من قَوْلك: أسيدى، وأموى، وحنفى، وَنَحْو ذَلِك والتغيير فى مثل بصرى وَمَا ذكرنَا يدل على مَا بعده؛ فَلذَلِك كنت رادا فى الْإِضَافَة مَا يرجع فى تَثْنِيَة أَو جمع بِالتَّاءِ لَا محَالة، ومخيرا فِيمَا لم يرجع فى تَثْنِيَة وَلَا جمع وَاعْلَم أَن كل مَا كَانَ من بَنَات الحرفين فحذفت مِنْهُ حرفا مزيدا تجْعَل عدته ثَلَاثَة فَلَا بُد من الرَّد؛ لِأَنَّك لما حذفت مَا لَيْسَ مِنْهُ لزمك أَن ترد مَا هُوَ مِنْهُ؛ إِذْ كنت قد ترد فِيمَا لَا تحذف مِنْهُ شَيْئا؛ لِأَنَّهُ لَهُ فى الْحَقِيقَة وَذَلِكَ قَوْلك فى النّسَب إِلَى ابْن: ابنى إِذا اتبعت اللَّفْظ، فَإِن حذفت ألف الْوَصْل رددت مَوضِع اللَّام فَقلت: بنوى وَلَا تَقول فى أُخْت إِلَّا أخوى؛ لِأَن التَّاء تحذف كَمَا تحذف الْهَاء فى النّسَب؛ لِأَنَّهَا تِلْكَ فى الْحَقِيقَة وَذَلِكَ قَوْلك فى طَلْحَة: طلحى، وفى عمْرَة: عمرى، فَإِذا حذفت التَّاء من أُخْت لم تقل إِلَّا أخوى، وَكَذَلِكَ بنت: بنوى؛ لِأَن التَّاء تذْهب وَمن قَالَ: ابْنة / قَالَ: ابنى على قَوْلك: ابنى فى ابْن وَمن قَالَ فى ابْن: بنوى قَالَ فى مونثه: بنوى وَذَلِكَ أَن النّسَب إِلَى مونث كالنسب إِلَى مذكره تَقول فى النّسَب إِلَى ضَارب: ضاربى، وَكَذَلِكَ هُوَ إِلَى ضاربة

هَذَا بَاب مَا كَانَ على حرفين مِمَّا ذهب مِنْهُ مَوضِع الْفَاء

وَذَلِكَ قَوْلك: عدَّة، وزنة لِأَن الاصل كَانَ وعدة؛ لِأَنَّهُ ووزنه من وعدت، ووزنت، وَكَذَلِكَ رثَّة من قَوْلك: ورثته رثَّة، وَجدّة وكل مصدر على (فعله) مِمَّا فاؤه وَاو فَهَذِهِ سَبيله، وَقد مضى القَوْل فى حذف هَذِه الْوَاو فى مَوْضِعه فَإِن نسبت إِلَى شئ مِنْهُ لم تغيره؛ لبعده من يَاء النّسَب تَقول: عدى، وزنى فَإِن نسبت إِلَى شية فَلَا بُد من الرَّد؛ لِأَنَّهُ على حرفين أَحدهمَا حرف لين، وَلَا تكون الْأَسْمَاء على ذَلِك فَإِنَّمَا صلح قبل النّسَب من أجل هَاء التَّأْنِيث فَإِذا نسبت إِلَيْهِ حذفت الْهَاء وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ يَقُول فى النّسَب إِلَيْهِ: وشوى على أَصله؛ لِأَنَّهُ إِذا رد لم يُغير الْحَرْف عَن حركته هَذَا مذْهبه، وَمذهب الْخَلِيل على مَا تقدم من قَوْلنَا حَيْثُ ذكرنَا (يدا) وَقَوله فِيهَا: / يدوى فِيمَن رد، وغدوى فى غَد فِيمَن رد وَكَانَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش يَقُول فى النّسَب إِلَيْهَا: وشيى؛ لنه يَقُول: إِذا رددت مَا ذهب من الْحَرْف رَددته إِلَى أَصله، وَثبتت الْيَاء لسكون مَا قبلهَا؛ كَمَا تَقول فى النّسَب إِلَى ظبى: ظَبْي وَقد مضى ذكر الْقَوْلَيْنِ فى مَوْضِعه وَاعْلَم أَنه من رد فى الِاسْم من ذَوَات الحرفين الذى لَا يرجع مِنْهُ فِي تَثْنِيَة وَلَا جمع بِالتَّاءِ نَحْو: دموى، ويدوى فَإِنَّهُ لَا يرد فى عدَّة؛ لِأَن الذَّاهِب مِنْهُ لَيْسَ مِمَّا تغيره الْإِضَافَة وَكَذَلِكَ مَا ذهب مِنْهُ مَوضِع الْعين فَغير مَرْدُود، نَحْو: (مذ) لَو سميت بهَا رجلا لم تقل: منذى وَلَكِن مذى فَاعْلَم فقد شرحت لَك أَن يَاء الْإِضَافَة لَا يرد لَهَا مَا كَانَ على حرفين إِلَّا مَوضِع اللَّام؛ لِأَنَّهَا لَا تغير غير اللَّام تَقول: هَذَا زيد فَاعْلَم فَإِذا نسبت إِلَيْهِ قلت: زيدى، فَكسرت الدَّال من أجل الْيَاء، وَلم تقرها على الْإِعْرَاب؛ لِأَن الْإِعْرَاب فى الْيَاء، وَلَا يكون فى اسْم إعرابان فَأَما قَوْله:

(هما نفثا فى فى من فمويهما ... على النابح العاوى أَشد رجام)

فَإِنَّمَا (فَم) أَصله: فوه؛ لِأَنَّهُ من تفوهت بِكَذَا، وَجمعه أَفْوَاه على / الأَصْل، فَإِذا قلت: هَذَا فو زيد، فقد حذفت مَوضِع اللَّام، وَلَوْلَا الْإِضَافَة لم يصلح اسْم على حرفين أَحدهمَا حرف لين وَلَكِن تثبت فى الْإِضَافَة؛ لِأَنَّهَا تَمنعهُ التَّنْوِين وَكَذَلِكَ قَوْلك: هَذَا ذُو مَال، فَأَنت تَقول: رَأَيْت فازيد، ومررت بفى زيد، فَإِن أفردت لم يصلح اسْم على حرفين أَحدهمَا حرف لين؛ [لِأَن التَّنْوِين يذهب حرف اللين فَيبقى الِاسْم على حرف] فَتَقول فى الْإِفْرَاد (فَم) فَاعْلَم، فتبدل الْمِيم من الْوَاو؛ لِأَنَّهُمَا من مخرج وَاحِد وَإِنَّمَا الْمِيم وَالْبَاء وَالْوَاو من الشّفة، وَكَانَت الْمِيم أولى بِالْبَدَلِ من الْبَاء؛ لِأَن الْوَاو من الشّفة، ثمَّ تهوى إِلَى الْفَم؛ لما فِيهَا من الْمَدّ واللين، حَتَّى تَنْقَطِع عِنْد مخرج الْألف وَالْمِيم تهوى فى الْفَم حَتَّى تتصل بالخياشيم؛ لما فِيهَا من الغنة وَالْبَاء لَازِمَة لموضعها فَأَما قَوْله: (فمويهما) فَإِنَّهُ جعل الْوَاو بَدَلا من الْهَاء لخفائها للين وَأَن الْهَاء خُفْيَة فَمن قَالَ (فمان) قَالَ فى النّسَب: فمى، وفموى وَمن قَالَ (فموان) يجز فى النّسَب إِلَّا فموى

هَذَا بَاب النِّسْبَة إِلَى التَّثْنِيَة وَالْجمع

إعلم أَنَّك إِذا نسبت إِلَى مثنى حذفت مِنْهُ الْألف / وَالنُّون، وحذفهما لأمرين أَحدهمَا: أَنَّهُمَا زيدا مَعًا، وَقد مضى هَذَا فى بَاب عطشان وحمراء وَالْوَجْه الثانى: أَنه يَسْتَحِيل النّسَب إِلَيْهِ وَألف التَّثْنِيَة أَو ياؤها فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يجْتَمع فى الِاسْم رفعان، أَو نصبان، أَو خفضان فَإِن أضفت إِلَى جمع مُذَكّر فَهُوَ كَذَلِك تَقول فى النّسَب إِلَى الْمُسلمين أَو مُسلمين: مسلمى، وَإِلَى رجلَيْنِ: رجلى؛ كَمَا ينْسب إِلَى الْوَاحِد، وكما ذكرت لَك قبل الْجَمَاعَة؛ لتفصل بَينهَا وَبَين الْوَاحِد الْمُسَمّى بِجَمَاعَة وَتقول فى النّسَب إِلَى مسلمات: مسلمى، فتحذف الْألف وَالتَّاء؛ كَمَا حذفت الْألف وَالنُّون، وَالْوَاو وَالنُّون؛ وكما تحذف هَاء التَّأْنِيث إِذا قلت فى طَلْحَة: طلحى

هَذَا بَاب مَا يبْنى عَلَيْهِ الِاسْم لِمَعْنى الصِّنَاعَة لتدل من النّسَب على مَا تدل عَلَيْهِ الْيَاء

وَذَلِكَ قَوْلك لصَاحب الثِّيَاب: ثَوَاب، وَلِصَاحِب الْعطر: عطر، وَلِصَاحِب الْبَز: بزاز وَإِنَّمَا أصل هَذَا لتكرير الْفِعْل كَقَوْلِك /: هَذَا رجل ضراب، وَرجل قتال، أى: يكثر هَذَا مِنْهُ، وَكَذَلِكَ خياط، فَلَمَّا كَانَت الصِّنَاعَة كَثِيرَة المعاناة للصنف فعلوا بِهِ ذَلِك، وَإِن لم يكن مِنْهُ فعل؛ نَحْو: بزاز، وعطار فَإِن كَانَ ذَا شئ، أى: صَاحب شئ بنى على (فَاعل) ؛ كَمَا بنى الأول على (فعال) ، فَقلت: رجل فَارس، أى: صَاحب فرس، وَرجل دارع، ونابل، وناشب، أى: هَذَا آلَته قَالَ الشَّاعِر:

(وغررتنى، وَزَعَمت أَنَّك لِابْنِ بالصيف تامر ... )

فَأَما قَوْله:

(وَلَيْسَ بذى رمح فيطعننى بِهِ ... وَلَيْسَ بذى سيف وَلَيْسَ بِنِبَالٍ)

فَإِنَّهُ كَانَ حَقه أَن يَقُول: وَلَيْسَ بنابل، وَلكنه كثر ذَلِك مِنْهُ وَمَعَهُ وَاعْلَم أَن قَوْلهم: (عيشة راضية) ، وَرجل طاعم كاس إِنَّمَا هُوَ على ذَا مَعْنَاهُ: عيشة فِيهَا رضَا، وَرجل لَهُ طَعَام وَكِسْوَة وَكَذَلِكَ هم ناصب إِنَّمَا هُوَ: فِيهِ نصب وَكَذَلِكَ كل مؤنث نعت بِغَيْر هَاء؛ نَحْو: طامث، وحائض، ومئتم، وَطَالِق فَمَا كَانَ من هَذَا مُبينًا على فعل فَهُوَ كَقَوْلِك: ضربت / فهى ضاربة، وَجَلَست فهى جالسة قَالَ الله - عز وَجل -: {يَوْم ترونها تذهل كل مُرْضِعَة عَمَّا أرضعت} ، لِأَنَّهُ جَاءَ مُبينًا على (أرضعت) وَمَا كَانَ على غير فعل فعلى معنى النّسَب الذى ذكرت لَك وَذَلِكَ أَنَّك تُرِيدُ: لَهَا حيض، وَمَعَهَا طَلَاق وتأويله: هى ذَات كَذَا فَأَما قَول بعض النَّحْوِيين: إِنَّمَا تنْزع الْهَاء من كل مؤنث لَا يكون لَهُ مُذَكّر، فَيحْتَاج إِلَى الْفَصْل فَلَيْسَ بشئ؛ لِأَنَّك تَقول: رجل عَاقِر، وَامْرَأَة عَاقِر وناقة ضامر، وَبكر ضامر وَكَذَلِكَ امْرَأَة قتول، وَرجل قتول، وَامْرَأَة معطار، وَرجل معطار فَهَذَا على مَا وصفت لَك فَأَما قَوْلهم: بعير عاضه، وبعير حامض فَهُوَ على هَذَا إِنَّمَا مَعْنَاهُ: أَنه مُعْتَاد لأكل الحمض ولأكل العضاه فَوَقع النّسَب على معنى قَوْلك: هُوَ كَذَا، فَهَذَا بَابه

هَذَا بَاب الْمَحْذُوف والمزيد فِيهِ وَتَفْسِير مَا أوجب ذَلِك فيهمَا

فَمن الْمَحْذُوف مَا يكون حذفه قِيَاسا؛ لِأَن الْعلَّة جَارِيَة فِيهِ وَذَلِكَ مَا كَانَ من بَاب وعد، وَوزن، وَقد مضى قَوْلنَا فى ذَلِك وَمن ذَلِك / مَا كَانَ آخِره ألفا أَو يَاء أَو واوا من الْأَفْعَال فَإِن الْجَزْم يذهب هَذِه الْحُرُوف؛ لِأَن الْجَزْم حذف والأواخر، فَإِذا صادفت الْحَرْف متحركا حذفت الْحَرَكَة، وَإِن صادفته سَاكِنا كَانَ الْحَرْف هُوَ الْمَحْذُوف، وبقى مَا قبله على حركته وَذَلِكَ قَوْلك: لم يغز، وَلم يخْش، وَلم يرم، فَإِذا وصلت قلت: لم يخْش يَا فَتى، وَلم يرم يَا فَتى، وَلم يغز يَا فَتى تدع الْحَرَكَة على مَا كَانَت عَلَيْهِ، لِأَنَّك حذفت الْحَرْف للجزم فَلم يكن لَك على الْحَرَكَة سَبِيل؛ كَمَا أَنَّك لما حذفت الْحَرَكَة من يضْرب وَنَحْوه لم يكن لَك على الْحَرْف سَبِيل، فبقى كَهَيْئَته فَمَا كَانَ من حذف لعِلَّة تشمله فَذَلِك جَامع لبابه وَمن الْمَحْذُوف مَا يحذف اسْتِخْفَافًا من الشئ؛ لِأَنَّهُ لَا يكون أصلا فى بَابه، وَيكون الْحَرْف الذى فى آخِره من الْحُرُوف الَّتِى أمرهَا الْحَذف، أَو مضارعا لَهَا فَمن ذَلِك قَوْلهم: لم أبل، وَلم يَك، وَلَا أدر أما قَوْلهم: (لم يَك) فَإِن الْحَد (لم يكن) وَهُوَ الْوَجْه، أسكنت النُّون للجزم، فحذفت الْوَاو لالتقاء الساكنين؛ كَمَا تَقول: لم أقل، وَلم أبع فَأَما من قَالَ: لم أك فَإِنَّهُ لما رأى / النُّون سَاكِنة، وَكَانَت مضارعة للياء وَالْوَاو بِأَنَّهَا؛ تُدْغَم فيهمَا، وتزداد حَيْثُ تزدادان، فَتكون للصرف، كَمَا تَكُونَانِ للإعراب، وتبدل الْألف مِنْهُمَا، كَمَا تبدل مِنْهَا فى قَوْلك: اضربا، إِذا أردْت النُّون الْخَفِيفَة، وفى قَوْلك: رَأَيْت زيدا، وَتحل مَحل الْوَاو فى قَوْلك: بهرانى، وصنعانى، وتحذف النُّون الْخَفِيفَة؛ كَمَا تحذف الْيَاء وَالْوَاو لالتقاء الساكنين وَكَانَت تكون الأَصْل فِيمَا مضى وَمَا لم يَقع وَذَلِكَ قَوْلك: أَقَامَ زيد؟ فَتَقول: قد كَانَ ذَاك وَتقول: يقوم زيد، فَتَقول: يكون فَكَانَت الْعبارَة دون غَيرهَا من الْأَفْعَال فقد بَانَتْ بعلة لَيست فى غَيرهَا من أَنَّهَا عبارَة وترجمة، فحذفت لسكونها اسْتِخْفَافًا، فَإِن تحركت النُّون لم يجز حذفهَا تَقول: لم يَك زيد مُنْطَلقًا، وَلَا تَقول: لم يَك الرجل؛ لِأَنَّهَا تتحرك هَاهُنَا لالتقاء الساكنين إِذا قلت: لم يكن الرجل وَأما (لم أبله) فَإِنَّهُ كثر فى كَلَامهم، وَكَانَ الأَصْل فى كل مطرح، وَكَانَ يَقُول فى الْوَقْف: لم أبال، فيلتقى ساكنان: الْألف، وَاللَّام، فحذفت الْألف لالتقاء الساكنين؛ لِكَثْرَة هَذِه الْحُرُوف وَلَوْلَا كثرته لم يحذف؛ لِأَنَّهُ يلتقى ساكنان فى الْوَقْف / وَمِنْهُم من يَقُول: لم أبله؛ فيحذف الْألف؛ لِأَنَّهَا زَائِدَة لما ذكرت لَك من كَثْرَة هَذِه الْحُرُوف فَأَما قَوْلهم:

(ويها فدَاء لَك يَا فضاله ... أجره الرمْح وَلَا تهاله)

فَإِنَّهُ حرك اللَّام لالتقاء الساكنين؛ لِأَنَّهُ قد علم أَنه لابد من حذف، أَو تَحْرِيك، فَكَانَ الْبَاب هَاهُنَا الْحَذف، فَيَقُول: لَا تهل، وَلَكِن للقافية حرك؛ لِأَن الْحَد لَا تهال، فتسكن اللَّام للجزم، ثمَّ تحذف الْألف لالتقاء الساكنين فَهَذَا حرك اللَّام من أجل القافية حَرَكَة اعتلال، وحركها بِالْفَتْح؛ لفتح مَا قبلهَا وَلما مِنْهُ الْفَتْح وهى الْألف؛ كَمَا تَقول: عض يَا فَتى، وَانْطَلق يَا فَتى فِيمَن أسكن، وَأدْخل الْهَاء لبَيَان الْحَرَكَة وَقَوْلهمْ: (لَا أدر) ردى وَإِنَّمَا كَانَ يقف عَلَيْهِ، فوصله على وَقفه، وَقِيَاسه قِيَاس سبسبا، وكلكلا، وَنَحْوهمَا وَقد مضى القَوْل فى هَذَا مُفَسرًا فى مَوضِع الْوَقْف فَأَما مَا يُزَاد فى مثل قَوْلهم: أُمَّهَات وهى فى الْأَفْرَاد: أم، وَكَذَلِكَ قَوْلهم: يَا أمت، وَيَا أَبَت [فى النداء] فَإِن الْهَاء فى يَا أمت، وَيَا أَبَت بدل من يَاء الْإِضَافَة؛ / لِأَنَّهُ من قَالَ: يَا أَبى لَا تفعل، وَيَا أمى لَا تفعلى، لم يقل: يَا أم، وَيَا أَب، وَلَكِن يَقُول: يَا أَبَة لَا تفعل، فَيجْعَل الْهَاء بَدَلا من الْيَاء، ويلزمها الْكسر؛ لتدل على الْيَاء؛ لِأَن هَاء التَّأْنِيث لَا تكون سَاكِنة؛ لِأَنَّهَا كاسم ضم إِلَى اسْم فَأَما (أُمَّهَات) فالهاء زَائِدَة؛ لِأَنَّهَا من حُرُوف الزَّوَائِد تزاد لبَيَان الْحَرَكَة فى غير هَذَا الْموضع فزيدت وَلَو قلت: أمات لَكَانَ هَذَا على الأَصْل، وَلَكِن أَكثر مَا يسْتَعْمل (أُمَّهَات) فى الْإِنْس، و (أمات) فى الْبَهَائِم فَكَأَنَّهَا زيدت للْفرق، وَلَو وضع كل وَاحِدَة فى مَوضِع الْأُخْرَى لجَاز وَلَكِن الْوَجْه مَا ذكرت لَك وَالْآخر إِنَّمَا يجوز فى شعر ترده إِلَى الأَصْل فَتَقول: كل وَاحِدَة مِنْهُمَا أم فَمَا جَازَ من زِيَادَة فى هَذَا أَو حمل على الأَصْل فَهُوَ فى الآخر جَائِز قَالَ الشَّاعِر:

(فوال مَعْرُوف، وفعاله ... عقار مثنى أُمَّهَات الرباع)

وَاعْلَم أَن (لَا أدرى) ، و (لم يكن) و (لم أبال) يَا فَتى الْوَجْه، وَالْحَد وَالِاخْتِيَار: الْإِتْمَام؛ وَإِنَّمَا ذكرنَا الْحَذف لما فِيهِ من الْعِلَل فَأَما بَاب عدَّة وَزنه، فَحذف ذَلِك الْحَد وَالْقِيَاس والأسماء الَّتِى تنقص من الثَّلَاثَة لَا يجوز أَن ينقص مِنْهَا / شئ إِلَّا مَا كَانَت لامه يَاء أَو واوا؛ لِأَنَّهَا تعتل، أَو تكون من المضاعف، فتحذف للاستثقال، أَو يكون خفِيا، فيحذف لخفائه وحرف الخفاء هُوَ الْهَاء فَأَما مَا حذفت مِنْهُ الْيَاء وَالْوَاو فنحو: (يَد) ، وَأَصله: يدى والمحذوف يَاء يدلك على ذَلِك قَوْلهم: يديت إِلَيْهِ يدا وَتقول فى الْجمع: أيدى وَكَذَلِكَ (دم) من دميت فَأَما مَا حذفت الْهَاء مِنْهُ (فشفة) ؛ لِأَنَّهَا من شافعت وَكَذَلِكَ (سنة) فِيمَن قَالَ سنيهة، وسانهت، وَمن قَالَ: سنية جعل الْمَحْذُوف واوا من قَوْلك: سنوات فَاعْتبر هَذَا بِهَذَا الضَّرْب فَإِن قلت: (مذ) قد حذفت النُّون مِنْهُ؛ فَإِنَّمَا ذَلِك لمضارعتها حُرُوف اللين، وَقد ذكرنَا دُخُولهَا فى مداخلهن، وبيناه تبيينا وَاضحا، وَذكرنَا حُرُوف الزَّوَائِد، ومواقع زيادتهن، وبيناه تبيينا يغنى عَن إِعَادَته

هَذَا بَاب مَا يعرب من الْأَسْمَاء وَمَا يبْنى

اعْلَم أَن حق الْأَسْمَاء أَن تعرب جمع وَتصرف فَمَا امْتنع مِنْهَا / من الصّرْف فلمضارعته الْأَفْعَال؛ لِأَن الصّرْف إِنَّمَا هُوَ التَّنْوِين، وَالْأَفْعَال لَا تَنْوِين فِيهَا وَلَا خفض، فَمن ثمَّ لَا يخْفض مَا لَا ينْصَرف إِلَّا أَن تضيفه أَو تدخل عَلَيْهِ ألفا ولاما، فتذهب بذلك عَنهُ شبه الْأَفْعَال، فَتَردهُ إِلَى أَصله؛ لِأَن الذى كَانَ يُوجب فِيهِ ترك الصّرْف قد زَالَ وكل مَا لَا يعرب من الْأَسْمَاء فمضارع بِهِ الْحُرُوف؛ لِأَنَّهُ لَا إِعْرَاب فِيهَا وَسَنذكر من هَذِه الْأَسْمَاء جملَة تدل على جَمِيعهَا، وَنَذْكُر مَا ضارعت فِيهِ الْحُرُوف؛ لأَنا قد أحكمنا بَاب مَا ينْصَرف ومالا ينْصَرف فَمن تِلْكَ الْأَسْمَاء: " كم "، و " أَيْن " و " كَيفَ "، و " مَا "، و " مَتى "، وَهَذَا، وَهَؤُلَاء، وَجَمِيع المبهمة وَمِنْهَا: الذى والتى، وَمِنْهَا: " حَيْثُ " وَاعْلَم أَن الدَّلِيل على أَن مَا ذكرنَا أَسمَاء - وُقُوعهَا فى مَوَاضِع الْأَسْمَاء، وتأديتها مَا يُؤَدِّيه سَائِر الْأَسْمَاء أما (من) فَتكون فاعلة، ومفعولة، وَغير ذَلِك تَقول: جاءنى من فى الدَّار، وَضربت من فى الدَّار، وَضربت من عنْدك، ومررت بِمن أكرمك وموقعها فى الْكَلَام فى ثَلَاثَة مَوَاضِع: تكون خَبرا فَتكون معرفَة إِذا وصلت، ونكرة / إِذا نعتت، وَتَكون استفهاما، وَجَزَاء وَتقول فى الِاسْتِفْهَام: من ضربك؟ ؛ كَمَا تَقول: أَزِيد ضربك؟ وَتقول: من ضربت؟ ، وبمن مَرَرْت؟ كَمَا تَقول فى زيد وَكَذَلِكَ الْجَزَاء تَقول: من يأتك تأته ف " من " مَرْفُوعَة على تَقْدِير: إِن يأتك زيد تأته، وَتقول: من تعط يكرمك على تَقْدِير: زيدا تضرب، وَكَذَلِكَ بِمن تمرر أمرر بِهِ فَهَذَا قد أوضح لَك أَنَّهَا اسْم فَأَما مَا بنيت من أَجله، ومنعت الْإِعْرَاب لمضارعته - فَإِنَّهَا ضارعت فى الْجَزَاء (إِن) الَّتِى هى حرف الْجَزَاء، وفى الِاسْتِفْهَام تضارع الْألف و (هَل) فَأَما فى الْخَبَر فَلَا يجب أَن تعرب، لعلل مِنْهَا: وُقُوعهَا فى الِاسْتِفْهَام وَالْجَزَاء، وَمِنْهَا أَنَّهَا فى الْخَبَر لَا تتمّ إِلَّا بصلَة فَإِنَّمَا تَمامهَا صلتها، وَالْإِعْرَاب بأواخر الْأَسْمَاء وَمن هَذِه الْأَسْمَاء (أَيْن) ، و (كَيفَ) ، ومضارعتها لحروف الِاسْتِفْهَام وَالْجَزَاء قد وضحت لَك، وتحريك آخرهَا لالتقاء الساكنين، حركت بِالْفَتْح للياء الَّتِى قبل أواخرها فَكَذَلِك: (حَيْثُ) / فى قَول من فتح فَأَما من ضم آخرهَا فَإِنَّمَا أجراها مجْرى الغايات؛ إِذْ كَانَت غَايَة، وَتَفْسِير هَذَا فى مَوْضِعه من هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله وكل مبْنى مسكن آخِره إِن ولى حرفا متحركا؛ لِأَن الحركات إِنَّمَا هى فى الأَصْل للإعراب، فَإِن سكن مَا قبل آخِره فَلَا بُد من تَحْرِيك آخِره؛ لِئَلَّا يلتقى ساكنان فَهَذِهِ حَال المبينة إِلَّا مَا ضارع مِنْهَا المتمكنة، أَو جعل فى مَوضِع لعِلَّة بِمَنْزِلَة غير المتمكنة، وَقد ذَكرْنَاهُ فى الْكتاب وسنعيده فى هَذَا الْبَاب، لِأَنَّهُ مَوْضِعه وَمن المبينات (أمس) تَقول: مضى أمس بِمَا فِيهِ، ولقيتك أمس يَا فَتى وَإِنَّمَا بنى؛ لِأَنَّهُ اسْم لَا يخص يَوْمًا بِعَيْنِه، وَقد ضارع الْحُرُوف وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت: فعلت هَذَا أمس يَا فَتى فَإِنَّمَا تعنى الْيَوْم الذى يلى يَوْمك، فَإِذا انْتَقَلت، عَن يَوْمك انْتقل اسْم (أمس) عَن ذَلِك الْيَوْم؛ فَإِنَّمَا هى بِمَنْزِلَة (من) الَّتِى لابتداء الْغَايَة فِيمَا وَقعت عَلَيْهِ، وتنتقل من شئ إِلَى شئ، وَلَيْسَ حد الْأَسْمَاء إِلَّا لُزُوم مَا وضعت عَلَامَات عَلَيْهِ وَحَيْثُ زيد جَالس فَحَيْثُ انْتقل زيد / (فَحَيْثُ) منتقل مَعَه فَأَما كسر آخر (أمس) فلالتقاء الساكنين: الْمِيم، وَالسِّين وَإِنَّمَا كَانَ الْحَد الْكسر لما أذكرهُ لَك: وَهُوَ أَنه إِذا كَانَ السَّاكِن الذى تحركه فى الْفِعْل كَسرته؛ لِأَنَّك لَو فَتحته لالتبس بِالْفِعْلِ الْمَنْصُوب، وَلَو ضممته لالتبس بِالْفِعْلِ الْمَرْفُوع، فَإِذا كَسرته علم أَنه عَارض فى الْفِعْل؛ لِأَن الْكسر لَيْسَ من إعرابه وَإِن كَانَ السَّاكِن الذى تحركه فى اسْم كَسرته؛ لِأَنَّك لَو فَتحته لالتبس بالمنصوب غير المنصرف، وَإِن ضممت الْتبس بالمرفوع غير المنصرف، فَكَسرته لِئَلَّا يلتبس بالمخفوض؛ إِذْ كَانَ المخفوض المعرب يلْحقهُ التَّنْوِين لَا محَالة؛ فَلذَلِك كَانَ الْكسر اللَّازِم لالتقاء الساكنين فَأَما الغايات فمصروفة عَن وَجههَا؛ وَذَلِكَ أَنَّهَا مِمَّا تَقْدِيره الْإِضَافَة؛ [لِأَن الْإِضَافَة] تعرفها وَتحقّق أَوْقَاتهَا، فَإِذا حذفت مِنْهَا، وَتركت نياتها فِيهَا - كَانَت مُخَالفَة للباب معرفَة بِغَيْر إِضَافَة، فصرفت عَن وجوهها، وَكَانَ محلهَا من الْكَلَام أَن يكون نصبا أَو خفضا فَلَمَّا أزيلت عَن موَاضعهَا ألزمت الضَّم، وَكَانَ ذَلِك دَلِيلا على تحويلها، وَأَن موضعهَا معرفَة وَإِن كَانَت نكرَة أَو مُضَافَة، لَزِمَهَا الْإِعْرَاب / وَذَلِكَ قَوْلك: جِئْت قبلك، بعْدك، وَمن قبلك وَمن بعْدك، وَجئْت قبلا وبعدا؛ كَمَا تَقول أَولا وآخرا فَإِن أردْت قبل مَا تعلم فحذفت الْمُضَاف إِلَيْهِ قلت: جِئْت قبل وَبعد، وَجئْت من قبل وَمن بعد قَالَ الله عز وَجل: {لله الْأَمر من قبل وَمن بعد} وَقَالَ: {وَمن قبل مَا فرطتم فِي يُوسُف} وَقَالَ فى الْإِضَافَة: {وَالَّذين من قبلهم} و {من بعد أَن أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم} وَكَذَلِكَ جِئْت من علو، وصب عَلَيْهِم من فَوق، وَمن تَحت يَا فَتى إِذا أردْت الْمعرفَة وَكَذَلِكَ من دون يَا فَتى و (حَيْثُ) فِيمَن ضم وهى اللُّغَة الفاشية وَالْقِرَاءَة المختارة (سنتدرجهم من حَيْثُ لَا يعلمُونَ) فهى غَايَة، والذى يعرفهَا مَا وَقعت عَلَيْهِ من الِابْتِدَاء وَالْخَبَر وَإِنَّمَا حق هَذَا وبابه للظروف من الزَّمَان، و (حَيْثُ) ظرف من الْمَكَان وَلَكِن ظروف الزَّمَان دَلَائِل على الْأَفْعَال، وَالْأَفْعَال توضح مَعَانِيهَا وَلَو أفردت (حَيْثُ) لم يَصح مَعْنَاهَا فأضفتها إِلَى الْفِعْل وَالْفَاعِل، وَإِلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر؛ كَمَا تفعل بظروف الزَّمَان؛ لمضارعتها، ومشاركتها إِيَّاهَا بالإبهام؛ فَلذَلِك تَقول: قُمْت حَيْثُ قُمْت، / وَقمت حَيْثُ زيد قَائِم؛ كَمَا تَقول: قُمْت يَوْم قَامَ زيد، وَحين زيد أَمِير، والغايات كلهَا بِمَنْزِلَة مَا ذَكرْنَاهُ وَأما ظروف الزَّمَان فَإِنَّمَا كَانَت بِالْفِعْلِ أولى؛ لِأَنَّهَا إِنَّمَا بنيت لما مضى مِنْهُ، وَلما لم يَأْتِ تَقول: جِئْت وَذَهَبت، فَيعلم أَن هَذَا فِيمَا مضى من الدَّهْر، وَإِذا قلت: سأجئ وسأذهب، علم أَنه فِيمَا يسْتَقْبل من الدَّهْر، وَلَيْسَ للمكان مَا يَقع هَذَا الْموقع؛ لِأَنَّهُ ثَابت لَا يَزُول، ومرئى مُمَيّز: كزيد، وَعَمْرو وَالزَّمَان كالفعل: إِنَّمَا هُوَ مضى اللَّيْل وَالنَّهَار فَإِذا قلت: هَذَا يَوْم زيد فَمَعْنَاه: الذى فعل فِيهِ، أَو عرف فِيهِ، أَو حدث لَهُ فِيهِ حَادث، أَو حدث بِهِ فَإِذا قلت: هَذَا يَوْم يخرج زيد، فقد أضفته إِلَى هَذِه الْجُمْلَة، فاتصل بِالْفِعْلِ لما فِيهِ من شبهه، وَأتبعهُ الْفَاعِل؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْهُ وَهُوَ معرف؛ لِأَن قَوْلك: هَذَا يَوْم يخرج زيد: هَذَا يَوْم خُرُوج زيد فى الْمَعْنى، و {هَذَا يَوْم لَا ينطقون} : هَذَا يَوْم مَنعهم من النُّطْق واتصل بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَيْر، وَالْفِعْل وَالْفَاعِل؛ كَمَا يكون ذَلِك فى (إِذْ) و (إِذْ) يَقع بعْدهَا الْفِعْل وَالْفَاعِل، والابتداء وَالْخَبَر و (إِذا لَا يَقع بعْدهَا إِلَّا الْفِعْل، نَحْو: آتِيك / إِذا جَاءَ زيد وَكنت فى (إِذْ) تَقول: أَتَيْتُك إِذْ زيد أَمِير، وَأَتَيْتُك إِذْ جَاءَ زيد فَأَما جَوَاز الْوَجْهَيْنِ فى (إِذْ) ؛ فَلِأَن الِابْتِدَاء وَالْخَبَر كالفعل وَالْفَاعِل؛ لِأَنَّهُمَا جملتان فَأَما امْتنَاع الِابْتِدَاء وَالْخَبَر من (إِذا) فَلِأَن (إِذا) فى معنى الْجَزَاء، وَالْجَزَاء لَا يكون إِلَّا بِالْفِعْلِ أَلا ترَاهَا تحْتَاج إِلَى الْجَواب؛ كَمَا تحْتَاج حُرُوف الْجَزَاء تَقول: إِذا جَاءَ زيد فأعطه، وَإِذا جئتنى أكرمتك فَإِن قلت: أكرمك إِذا جئتنى: (فأكرمك) فى مَوضِع الْجَواب؛ كَمَا تَقول فى حُرُوف الْجَزَاء: أكرمك إِن جئتنى فَكل مَا كَانَ من أَسمَاء الزَّمَان فى معنى (إِذْ) فَهُوَ مُضَاف إِلَى مَا يُضَاف إِلَيْهِ (إِذْ) من الِابْتِدَاء وَالْخَبَر، وَالْفِعْل وَالْفَاعِل وَمَا كَانَ فى معنى (إِذا) وَهُوَ الذى لم يَأْتِ فَلَا يُضَاف إِلَّا إِلَى الْفِعْل إِذا كَانَ كَذَلِك تَقول: جئْتُك يَوْم زيد أَمِير، وَأَتَيْتُك يَوْم قَامَ زيد وَتقول فى الْمُسْتَقْبل: أَتَيْتُك يَوْم يقوم زيد، وَلَا يجوز: يَوْم زيد أَمِير لما ذكرت لَك قَالَ الله عز وَجل: {هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم} وَقَالَ: {هَذَا يَوْم لَا ينطقون} فَأَما (إِذا) الَّتِى تقع للمفاجأة فهى الَّتِى تسد مسد الْخَبَر، وَالِاسْم بعْدهَا مُبْتَدأ / وَذَلِكَ قَوْلك: جئْتُك فَإِذا زيد، وكلمتك فَإِذا أَخُوك وَتَأْويل هَذَا: جِئْت، ففاجأنى زيد، وكلمتك، ففاجأنى أَخُوك، وَهَذِه تغنى عَن الْفَاء، وَتَكون جَوَابا للجزاء؛ نَحْو: إِن تأتنى إِذا أَنا أفرح على حد قَوْلك: فَأَنا أفرح قَالَ الله عز وَجل: {وَإِنْ تُصِبهُمْ سَيََّةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيدِيْهِمْ إذَا هُمْ يَقنَطُونَ} [فَقَوله: {إِذا هم يقنطون} ] فى مَوضِع: يقنطوا وَقَوله: إِن تأتنى فلك دِرْهَم فى مَوضِع إِن تأتنى أعطك درهما؛ كَمَا أَن قَوْله عز وَجل: {سَوَاء عَلَيْكُم أدعوتموهم أم أَنْتُم صامتون} فى مَوضِع: (أم صممتم) فَمن جعل (حَيْثُ) مَضْمُومَة - وَهُوَ أَجود الْقَوْلَيْنِ - فَإِنَّمَا ألحقها بالغايات، نَحْو: من قبل، وَمن بعد، وَمن عل يَا فَتى، وابدأ بِهَذَا أول يَا فَتى، وَنَحْوه وَمن فتح فللياء الَّتِى قبل آخِره، وَأَنه ظرف بِمَنْزِلَة (أَيْن) و (كَيفَ) فَأَما قَوْلهم: يَا زيد وَمَا أشبهه فى النداء، فقد مَضَت الْعلَّة فِيهِ فى موضعهَا، والمبنيات كثير وَفِيمَا ذكرنَا دَلِيل على مَا تركنَا وَبَاب (حذام) ، وتراك، وحلاق، / وبداد، ونزال، قد ذَكرْنَاهُ فِيمَا يجرى ومالا يجرى فَأَما مَا كَانَ من سوى ذَلِك فى معنى الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ؛ نَحْو: صه، ومه، وإيه، وإيها، ومهلا يَا فَتى، وَمَا أشبه ذَلِك فَنحْن ذاكروه: أما (صه) ، و (مَه) ، و (قد) الَّتِى بِمَعْنى حسب، فمبنيات على السّكُون لحركة مَا قبل أواخرها، وَأَنَّهَا فى معنى (فعل) وَأما (إيه) يَا فَتى فحركت الْهَاء لالتقاء الساكنين، وَترك التَّنْوِين؛ لِأَن الْأَصْوَات إِذا كَانَت معرفَة لم تنون قَالَ الشَّاعِر:

(وقفنا فَقُلْنَا إيه عَن أم سَالم ... وَمَا بَال تكليم الرسوم البلاقع) وَلَو جعله نكرَة لقَالَ: إيه يَا فَتى؛ كَمَا يَقُول: إيها يَا فَتى: إِذا أَمرته بالكف، وويها: إِذا أغريته قَالَ الشَّاعِر:

(ويها فدَاء لكم أمى وَمَا ولدت ... حاموا على مجدكم واكفوا من اتكلا)

وَكَذَلِكَ قَوْلهم: قَالَ الْغُرَاب: غاق يَا فَتى، فَإِن جعلته نكرَة نونت، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مثله

هَذَا بَاب الِاسْم الذى تلْحقهُ صَوتا أعجميا

نَحْو: عمرويه، وحمدويه، وَمَا أشبهه، وَالِاخْتِلَاف فى هَيْهَات، ذية وذيت، وكية وَكَيْت وَاعْلَم أَن الِاسْم الأعجمي الذى يلْحق الصَّدْر مجْرَاه مجْرى الْأَصْوَات، فحقه أَن يكون مكسورا بِغَيْر تَنْوِين مَا كَانَ معرفَة فَإِن جعلته نكرَة نونته على لَفظه؛ كَمَا تفعل ذَلِك بالأصوات، نَحْو قَوْلك: إيه يَا فَتى فى الْمعرفَة، وإيه، إِذا أردْت النكرَة، وَقَالَ الْغُرَاب: غاق وغاق فى النكرَة وَتَأْويل ترك التَّنْوِين فِيهِ: أَنه قَالَ الشئ الذى كنت تعرفه بِهِ؛ والنكرة إِنَّمَا هُوَ قَالَ صَوتا هَذَا مِثَاله فَأَما الصَّدْر فَلَا يكون إِلَّا مَفْتُوحًا؛ كَقَوْلِك: حَضرمَوْت يَا فَتى، وَخَمْسَة عشر، وَمَا يفتح قبل هَاء التَّأْنِيث؛ نَحْو: حمدة، وَمَا أشبههَا وَذَلِكَ الِاسْم مَا كَانَ نَحْو: عمرويه، وحمدويه؛ كَمَا قَالَ الشَّاعِر:

(/ يَا عمرويه انْطلق الرفاق ... مَالك لَا تبكى وَلَا تشتاق) وَزعم سِيبَوَيْهٍ مَعَ التَّفْسِير الذى فسرناه أَن الْعَرَب إِذا ضمت عَرَبيا إِلَى عَرَبِيّ مِمَّا يلْزمه الْبناء ألزمته أخف الحركات، وهى الفتحة، فَقَالُوا: خَمْسَة عشر يَا فَتى، وَهُوَ جارى بَيت بَيت يَا فَتى، ولقيته كفة كفة، و (يَا ابْن أم لَا تَأْخُذ) وَإِذا بنوا أعجميا مَعَ مَا قبله حطوه عَن ذَلِك، فألزموه الْكسر، وَهَذَا مطرد فى كَلَامهم فَأَما (هَيْهَات) فتأويلها: فى الْبعد، وهى ظرف غير مُتَمَكن؛ لإبهامها، وَلِأَنَّهَا بمنزل الْأَصْوَات فَمنهمْ من يَجْعَلهَا وَاحِدًا كَقَوْلِك: (علقاة) فَيَقُول: (هَيْهَات هَيْهَات لما توعدون) فَمن قَالَ ذَلِك فالوقف عِنْده هيهاه وَترك التَّنْوِين للْبِنَاء وَمِنْهُم من يَجْعَلهَا جمعا كبيضات فَيَقُول: (هَيْهَات هَيْهَات لما توعدون وَإِذا وقف على هَذَا القَوْل وقف بِالتَّاءِ، والكسرة إِذا أردْت الْجمع للْبِنَاء كالفتحة إِذا أردْت الْوَاحِد وَمن جعلهَا نكرَة فى الْجَمِيع نون فَقَالَ: هَيْهَات يَا فَتى وَقَالَ / قوم: بل نون وهى معرفَة؛ لِأَن التَّنْوِين فى تَاء الْجمع فى مَوضِع النُّون من الْمُسلمين قَالَ: وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن مَعْنَاهُ فى الْبعد كمعناه، فَلَو جَازَ أَن تنكره وَهُوَ جمع لجَاز أَنْت نكره وَهُوَ وَاحِد، وَهَذَا قَول قوى وينشد هَذَا الْبَيْت على وَجْهَيْن، قَالَ:

(هَا أنذا آمل الْحَيَاة وَقد ... أدْرك عقلى ومولدى حجرا)

أَبَا امْرِئ الْقَيْس، هَل سَمِعت بِهِ؟ ... هَيْهَات هَيْهَات طَال ذَا عمرا)

بعض يفتح، وَبَعض يكسر فَأَما ذيت وذيت، وذية فَإِنَّمَا هى كنايات عَن الْخَبَر؛ كَمَا يكنى عَن الِاسْم الْمَعْرُوف بفلان، وَعَن الْعدَد بِأَن يَقُول: كَذَا وَكَذَا وَلم يوضع على الْإِفْرَاد؛ فَلذَلِك بنيت، وَالتَّاء متحركة بِالْفَتْح؛ لالتقاء الساكنين من حَيْثُ حركت آخر (أَيْن) ، و (كَيفَ) ، وَمَا أشبه ذَلِك وكل اسْمَيْنِ أزيلا فحكمهما إِذا بنيا كَذَلِك؛ نَحْو: لَقيته كفة كفة، وَبَيت بَيت فقد تجوز فيهمَا الْإِضَافَة وَترك / الْبناء للمعنى وَذَلِكَ أَن معنى كفة كفة: كفة لكفة، أى: قابلت صفحة صفحة فَيجوز أَن تَقول: لَقيته كفة كفة يَا فَتى وَكَذَلِكَ هُوَ جارى بَيت بَيت يَا فَتى؛ لِأَن الْمَعْنى: بَيته إِلَى بيتى فعلى مَا ذكرت لَك تصلح الْإِضَافَة، وتمتنع فَأَما (شغر بغر) فاسمان لَيْسَ فى أَحدهمَا معنى الْإِضَافَة إِلَى الآخر؛ فَلذَلِك لم يكن فيهمَا وَفِيمَا أشبههما إِلَّا الْبناء وَفِيمَا ذكرت لَك من المبنيات مَا يدل على جَمِيعهَا إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب الْأَسْمَاء وَاخْتِلَاف مخارجها

اعْلَم أَن الْأَسْمَاء تقع على ضروب: فَمِنْهَا مَا يَقع للفصل غير مُشْتَقّ، وَذَلِكَ نَحْو: حجر، وجبل، وكل مَا كَانَ مثل هَذَا فَهَذَا سَبيله، وَهُوَ نكرَة لَا يعرف ب لاسم مِنْهُ إِلَّا أَنه وَاحِد من جنس وَمن الْأَسْمَاء مَا يكون مشتقا نعتا، ومشتقا غير نعت فَأَما النَّعْت فَمثل: الطَّوِيل، والقصير، وَالصَّغِير، والعاقل، والأحمق، فَهَذِهِ كلهَا نعوت جَارِيَة على أفعالها: / لِأَن معنى الْجَاهِل: الْمَعْرُوف بِأَنَّهُ يجهل، والطويل: الْمَعْرُوف بِأَنَّهُ طَال فَكل مَا كَانَ من هَذَا فعلا لَهُ أَو فعلا فِيهِ فقد صَار حلية لَهُ والأسماء المشتقة غير النعوت مثل: حنفيه وَإِنَّمَا اشتقاقه من الحنيف، وَأَصله الْمُخَالف فى هَيئته يُقَال: رجل أحنف لما فى رجلَيْهِ، وَدين حنيف أى: مُخَالف لخطأ الْأَدْيَان وَلَو كَانَ على الْفِعْل فَكَانَ من تحنف لَكَانَ الْفَاعِل متحنفا وَكَذَلِكَ (مُضر) إِنَّمَا هُوَ مُشْتَقّ من قَوْلك: مُضر اللَّبن، إِذا حمض كَمَا أَن (عيلان) من الْعيلَة، و (قحطان) من الْقَحْط، وَلَيْسَت على أفعالها وَمن الْأَسْمَاء المبهمة، وهى الَّتِى تقع للْإِشَارَة، وَلَا تخص شَيْئا دون شئ، وهى: هَذَا وهذاك، وَأُولَئِكَ، وَهَؤُلَاء وَنَحْوه وَمن الْأَسْمَاء الْأَعْلَام، وَإِنَّمَا هى ألقاب محدثة؛ نَحْو: زيد، وَعَمْرو وَمن الْأَسْمَاء المضمرة، وهى الَّتِى لَا تكون إِلَّا بعد ذكر، نَحْو: الْهَاء فى بِهِ، وَالْوَاو فى فعلوا، وَالْألف فى فعلا فَأنْكر الأٍ سَمَاء قَول الْقَائِل: شئ؛ لِأَنَّهُ مُبْهَم فى الْأَشْيَاء كلهَا فَإِن قلت جسم فَهُوَ نكر، وَهُوَ أخص من شئ؛ / كَمَا أَن حَيَوَانا أخص من جسم، وإنسانا أخص من حَيَوَان، ورجلا أخص من إِنْسَان والمعرفة: مَا وضع على شئ دون مَا كَانَ مثله، نَحْو: زيد وَعبد الله فَإِن أشكل زيد من زيد فرقت بَينهمَا الصّفة وَقد ذكرنَا هَذَا مُفَسرًا فى بَاب الْمعرفَة والنكرة

هَذَا بَاب مخارج الْأَفْعَال وَاخْتِلَاف أحوالها وهى عشرَة أنحاء

فَمِنْهَا: الْفِعْل الحقيقى الذى لَا يتَعَدَّى الْفَاعِل إِلَى مفعول، وَهُوَ قَوْلك: قَامَ زيد، وَجلسَ عَمْرو، وَتكلم خَالِد فَكل هَذَا وَمَا كَانَ مثله غير مُتَعَدٍّ وكل فعل تعدى أَو لم يَتَعَدَّ فَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى اسْم الزَّمَان، وَاسم الْمَكَان والمصدر، وَالْحَال، وَذَلِكَ قَوْلك: قَامَ عبد الله ضَاحِكا يَوْم الْجُمُعَة عنْدك قيَاما حسنا؛ وَذَلِكَ أَن فِيهِ دَلِيلا على هَذِه الْأَشْيَاء فقولك: قَامَ زيد بِمَنْزِلَة قَوْلك: أحدث قيَاما، وَتعلم أَن ذَلِك فِيمَا مضى من الدَّهْر، وَأَن للْحَدَث مَكَانا، وَأَنه كَانَ على هَيْئَة وَكَذَلِكَ إِن قلت: قَامَ عبد الله ابْتِغَاء الْخَيْر، فَجئْت بِالْعِلَّةِ الَّتِى لَهَا وَقع الْقيام وكل مَا كَانَ / فعله على (فعل) فَغير مُتَعَدٍّ؛ لِأَنَّهُ لانتقال الْفَاعِل إِلَى حَال عَن حَال؛ فَلَا معنى للتعدى؛ وَذَلِكَ قَوْلك: كرم زيد، وَشرف عبد الله وَالتَّقْدِير: مَا كَانَ كَرِيمًا وَلَقَد كرم، وَمَا كَانَ شريفا وَلَقَد شرف فَهَذَا نَحْو من الْفِعْل وَنَحْو آخر لَا يتَعَدَّى الْفِعْل فِيهِ الْفَاعِل، وَهُوَ للْفَاعِل على وَجه الِاسْتِعَارَة وَيَقَع على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا: سقط الْحَائِط، وَطَالَ عبد الله، وَأَنت تعلم أَنَّهُمَا لم يفعلا على الْحَقِيقَة شَيْئا فَهَذَا ضرب وَالضَّرْب الثانى الذى يُسَمِّيه النحويون فعل المطاوعة وَذَلِكَ قَوْلك: كَسرته فانكسر، وشويته فانشوى، وقطعته فَانْقَطع، وَإِنَّمَا هَذَا وَمَا أشبهه على أَنَّك بلغت فِيهِ مَا أردْت، وانتهيت مِنْهُ إِلَى مَا أَحْبَبْت؛ لَا أَن لَهُ فعلا وَمن الْأَفْعَال مَا يتَعَدَّى الْفَاعِل إِلَى مفعول وَاحِد وَفعله وَاصل، مُؤثر، كَقَوْلِك: ضربت زيدا، وَكسرت الشئ يَا فَتى فَأَما الْمصدر، والحالات، والظروف - فَلَا يمْتَنع مِنْهَا فعل الْبَتَّةَ وَمن هَذِه المتعدية إِلَى مفعول مَا يكون غير وَاصل، نَحْو: ذكرت زيدا، وشتمت عمرا، وأضحكت / خَالِدا فَهَذَا نوع آخر وَمن الْأَفْعَال مَا يتَعَدَّى إِلَى مفعولين وَلَك أَن تقتصر على أَحدهمَا وَذَلِكَ قَوْلك: أَعْطَيْت زيدا درهما، وكسوت زيدا ثوبا، وألبست زيدا جُبَّة وَمِنْهَا مَا يتَعَدَّى إِلَى مفعولين وَلَيْسَ لَك أَن تقتصر على أَحدهمَا وَذَلِكَ نَحْو: ظَنَنْت زيدا أَخَاك، وحسبت زيدا ذَا الْحفاظ، وخلت عبد الله يقوم فى حَاجَتك وَالْفضل بَين هَذَا وَالْأول أَن الأول فعل حقيقى يَقع مفعولاه مُخْتَلفين تَقول: أَعْطَيْت زيدا، فتخبر أَنه كَانَ مِنْك عَطاء، وَإِن شِئْت أَن تذكره بعد ذكرته فَأَما قَوْلك: ظَنَنْت زيدا فَلَا يَسْتَقِيم؛ لِأَن الشَّك إِنَّمَا وَقع فى الْمَفْعُول الثانى فالثانى خبر عَن الأول، وَالتَّقْدِير: زيد منطلق فى ظنى، إِلَّا أَن تُرِيدُ بظننت: اتهمت فَهَذَا من غير هَذَا الْبَاب، وَكَذَلِكَ: إِذا أردْت بعلمت: عرفت فَهُوَ من بَاب مَا يتَعَدَّى إِلَى مفعول؛ كَمَا قَالَ عز وَجل: {لَا تَعْلَمُونَهُم الله يعلمهُمْ} إِنَّمَا هُوَ: لَا تعرفونهم الله يعرفهُمْ وَكَذَلِكَ: {وَلَقَد علمْتُم الَّذين اعتدوا مِنْكُم فِي السبت} / وَمن هَذِه الْأَفْعَال مَا يتَعَدَّى إِلَى ثَلَاثَة مفعولين، وَهُوَ من بَاب الْفِعْل المتعدى إِلَى مفعولين، وَلَكِنَّك جعلت الْفَاعِل فى ذَلِك الْفِعْل مَفْعُولا بِأَنَّهُ كَانَ يعلم، فَجعل غَيره أعلمهُ، فَيَقُول: أعلم الله زيدا عمرا خير النَّاس، ونبأنك عبد الله صَاحب ذَلِك فَمَا كَانَ من هَذَا فَهَذَا سَبيله وَمِنْهَا مَا يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاسم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول فِيهِ لشئ وَاحِد، وَلَيْسَت أفعالا حَقِيقِيَّة، وَلكنهَا فى وزن الْأَفْعَال، وَدخلت لمعان على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر كَمَا أَن مفعولي ظَنَنْت إِنَّمَا هما ابْتِدَاء وَخبر وَذَلِكَ قَوْلك: كَانَ زيد أَخَاك، وَأمسى عبد الله ظريفا يَا فَتى وَكَذَلِكَ لَيْسَ، وَمَا زَالَ، وَمَا دَامَ فَهَذِهِ ثَمَانِيَة أَفعَال متصرفة وَمِنْهَا فعل التَّعَجُّب وَهُوَ غير متصرف؛ لِأَنَّهُ وَقع لِمَعْنى، فَمَتَى صرف زَالَ الْمَعْنى وَكَذَلِكَ كل شئ دخله معنى من غير أَصله على لفظ فَهُوَ يلْزم ذَلِك اللَّفْظ لذَلِك الْمَعْنى، وَهُوَ قَوْلك: مَا أحسن زيدا؛ وَمَا أظرف أَخَاك وَقد مضى تَفْسِيره فى بَابه وَهُوَ فعل صَحِيح والعاشر: مَا أُجْرِىَ مجْرى الْفِعْل وَلَيْسَ بِفعل، وَلكنه يشبه الْفِعْل بِلَفْظ /، أَو معنى فَأَما مَا أشبه الْفِعْل فَدلَّ على مَعْنَاهُ مثل دلَالَته ف (مَا) النافية، وَمَا أشبههَا تَقول: مَا زيد مُنْطَلقًا؛ لِأَن الْمَعْنى: لَيْسَ زيد مُنْطَلقًا، وَمَا أشبهه فى اللَّفْظ، وَدخل على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر دُخُول (كَانَ) ، و (إِن) وأخواتهما وَقد ذكرنَا الْحجَج فِيهَا فى بَابهَا

هَذَا بَاب الصِّلَة والموصول فى مسَائِله فَأَما أُصُوله فقد ذَكرنَاهَا

تَقول: رَأَيْت الذى أَبوهُ منطلق ف (الذى) مرئى، و (أَبوهُ منطلق) صلته فَإِن قلت: رَأَيْت الذى اللَّذَان أبواهما منطلقان - لم يجز؛ لِأَن قَوْلك: أبواهما منطلقان صلَة للَّذين، واللذان فى صلَة الذى وهما ابْتِدَاء لَا خبر لَهُ فَلم تتمّ الصِّلَة فَإِن قلت: رَأَيْت الذى اللَّذَان أبواهما منطلقان فى الدَّار لم يجز أَيْضا وَإِن كنت قد جِئْت بِخَبَر لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي صلَة الَّذِي مَا يرجع إِلَيْهِ فَإِن قلت رَأَيْت الَّذِي اللَّذَان أَبوهُمَا منطلقان فِي دَاره أَو عِنْده أَو مَا أشِبه ذَلِك - فقد صحت الْمَسْأَلَة، وَصَارَ التَّقْدِير: رَأَيْت الذى أَخَوَاك عِنْده فَإِن قلت: / رَأَيْت الذى اللَّذَان أبواهما منطلقان إِلَيْهِ لم يجز، لِأَن (منطلقان) خبر الْأَبَوَيْنِ، و (إِلَيْهِ) مُتَّصِل بمنطلقين، فكأنك قلت: رَأَيْت الذى أَخَوَاهُ فَهَذَا ابْتِدَاء لَا خبر لَهُ فعلى هَذَا فقس فَإِن قلت: رَأَيْت اللَّذين الذى قاما إِلَيْهِ - فَهُوَ غير جَائِز؛ لِأَن قَوْلك: (الذى قاما إِلَيْهِ) ابْتِدَاء لَا خبر لَهُ وَتَصْحِيح الْمَسْأَلَة: رَأَيْت اللَّذين الذى قاما إِلَيْهِ أَخُوك فترجع الْألف فى (قاما) إِلَى اللَّذين وَالْهَاء فى (إِلَيْهِ) إِلَى الذى، و (أَخُوك) خبر الذى، فتمت صلَة اللَّذين، وَصَحَّ الْكَلَام وَلَو قلت: ظَنَنْت الذى الَّتِى تكرمه يضْربهَا - لم يجز، وَإِن تمت الصِّلَة؛ لِأَن (الَّتِى) ابْتِدَاء و (تكرمه) صلتها، و (يضْربهَا) خبر الِابْتِدَاء فقد تمّ الذى بصلته؛ وَإِنَّمَا فسد الْكَلَام؛ لِأَنَّك لم تأت بمفعول (ظَنَنْت) الثانى فَإِن أتيت بِهِ فَقلت (أَخَاك) أَو مَا أشبهه صَحَّ الْكَلَام وَتقول: ضرب اللَّذَان القائمان إِلَى زيد أخواهما الذى المكرمه عبد الله فتجعل (الذى) مَنْصُوبًا، وَإِن جعلته مَرْفُوعا نصبت اللَّذين / وَتقول: رَأَيْت الرَّاكِب الشاتمه فرسك وَالتَّقْدِير: رَأَيْت الرجل الذى ركب الرجل الذى شَتمه فرسك وَتقول: مَرَرْت بِالدَّار الهادمها المصلح دَاره عبد الله فقولك الهادمها فِي معنى الَّتِي هدمها الرجل الَّذِي أصلح دَاره عبد الله وَتقول: رَأَيْت الْحَامِل المطعمه طَعَامك غلامك أردْت: رَأَيْت الرجل الذى حمل الرجل الذى أطْعمهُ طَعَامك غلامك، فغلامك هُوَ الْحَامِل، وَالْهَاء فى (المطعمه) ترجع إِلَى الْألف وَاللَّام الأولى وَلَو قلت: وَافق ضربك صَاحب أَخُوك غلامك - كَانَ جيدا رفعت الضَّرْب بِأَنَّهُ الْمُوَافق غلامك، و (ضربك) تَقْدِيره: أَن ضربك، وَصَاحِبك هُوَ الْفَاعِل، وأخوك نعت أَو بدل فَهَذَا جيد وَإِنَّمَا يحْتَاج الْمصدر ألى الصِّلَة إِذا كَانَ فى معنى (أَن فعل) أَو يفعل فَأَما إِذا قلت: ضربت ضربا - فَلَيْسَ الْمصدر مِمَّا يحْتَاج إِلَى الصِّلَة فَإِذا قلت: أعجبنى ضرب زيد عمرا وَكَذَلِكَ إِن قلت ضرب زيد عَمْرو فَمَعْنَاه أَن ضرب زيدا عَمْرو - فَمَعْنَاه: أعجبنى أَن ضرب زيدا عمرا وَإِذا قلت: قيام الْقَائِم إِلَيْهِ زيد / معجب الشَّارِب مَاءَهُ الْآكِل طَعَامك - صَار مَعْنَاهُ: أَن قَامَ الذى قَامَ إِلَيْهِ زيد معجب الذى شرب مَاءَهُ الرجل الذى أكل طَعَامك وَتقول: أعجب حسن حذاء نعلك حذاؤها لَا بس نعل أَخِيك، وَإِن شِئْت قلت: لابسا نعل أَخِيك وَهَذِه مسَائِل يسيرَة صدرنا بهَا لتَكون سلما إِلَى مَا نذكرهُ بعْدهَا إِن شَاءَ الله من مسَائِل طَوِيلَة أَو قَصِيرَة معماة الاستخراج تَقول: أعجب الْمدْخل السجْن المدخله الضَّارِب الشاتم المكرم أَخَاهُ عبد الله زيدا أردْت: أعجب زيدا الْمدْخل السجْن المدخله الرجل الذى ضرب الرجل الذى شتم الرجل الذى أكْرم أَخَاهُ عبد الله إِن شِئْت نصبت (عبد الله) بِأَنَّهُ الْأَخ فبينته بِهِ، وَإِن شِئْت جعلته بَدَلا، وأبدلته من بعض المنصوبات الَّتِى لم تذكر أسماءها إِذا كَانَ إِلَى جَانِبه من الصِّلَة، فَإِن فصلت بَين مَا فى الصِّلَة وَبَين مَا تبدله مِنْهَا لم يجز، لِأَنَّك إِذا أبدلت شَيْئا مِمَّا فى الصِّلَة أَو نعت بِهِ مَا فى الصِّلَة صَار / فى الصِّلَة، وَلَا تفرق بَين الصِّلَة والموصول؛ لِأَنَّهُ اسْم وَاحِد لَو قلت: رَأَيْت الذى ضرب أَخَاك يُخَاطب زيدا عمرا، فَجعلت عمرا بَدَلا من الْأَخ، ويخاطب حَالا للذى أَو مَفْعُولا ثَانِيًا لرأيت وهى فى معنى علمت - لم يجز فَإِن جعلت (يُخَاطب زيدا) حَالا لأخيك دخل فى الصِّلَة، فأبدلت عمرا - فَهُوَ جيد حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ كُله فى الصِّلَة وَتقول: سر مَا إِن زيدا يُحِبهُ من هِنْد جَارِيَته فوصلت (مَا) وهى فى معنى الذى بإن، وَمَا عملت فِيهِ لِأَن (إِن) إِنَّمَا دخلت على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر، وَالْمعْنَى كَذَلِك، وَكَذَلِكَ أخواتها قَالَ الله عز وَجل: {وَآتَيْنَاهُ من الْكُنُوز مَا إِن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي الْقُوَّة} وَتقول على هَذَا: جاءنى الذى كَأَن زيدا أَخُوهُ، وَرَأَيْت الذى ليته عندنَا وَكَذَلِكَ كل شئ يكون جملَة تَقول: الذى إِن تأته يأتك زيد، وَرَأَيْت الذى من يَأْته يُكرمهُ فَإِن قلت: رَأَيْت الذى من يَأْتِيهِ يُكرمهُ - جَازَ تجْعَل (من) فى مَوضِع الذى، فكأنك قلت: رَأَيْت الذى زيد يُكرمهُ؛ لِأَن (من) صلتها: يَأْتِيهِ، وخبرها: يُكرمهُ فَأَما قَول الله / عز وَجل: {فمنكم من يبخل وَمن يبخل فَإِنَّمَا يبخل عَن نَفسه} فَإِن (من) الأولى فى معنى الذى، وَلَا يكون الْفِعْل بعْدهَا إِلَّا مَرْفُوعا فَأَما الثَّانِيَة فوجهها الْجَزْم بالجزاء، وَلَو رفع رَافع على معنى الذى كَانَ جيدا؛ لِأَن تصييرها على معنى الذى لَا يُخرجهَا من الْجَزَاء أَلا ترى أَنَّك تَقول: الذى يَأْتِيك فَلهُ دِرْهَم فلولا أَن الدِّرْهَم يجب بالإتيان لم يجز دُخُول الْفَاء؛ كَمَا لَا يجوز: زيد فَلهُ دِرْهَم، وَعبد الله فمنطلق وَقَالَ الله عز وَجل: {الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار سرا وَعَلَانِيَة فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم} {فقد علمت أَن الْأجر إِنَّمَا وَجب بِالْإِنْفَاقِ (فَإِذا قلت: الذى يَأْتِيك لَهُ دِرْهَم لم تجْعَل الدِّرْهَم لَهُ بالإتيان (فَإِذا كَانَت فى معنى الْجَزَاء جَازَ أَن تفرد لَهَا وَأَنت تُرِيدُ الْجَمَاعَة؛ كَمَا يكون (من} و (مَا) ، قَالَ الله عز وَجل: {وَالَّذِى جَاءَ بالصَّدْقِ وَصَدَّقَ بهِ} فَهَذَا لكل من فعل، وَلذَلِك قَالَ: {فأُلئك هُم المتَّقُون} فَهَذِهِ / أصُول، وَنَرْجِع إِلَى الْمسَائِل إِن شَاءَ الله تَقول: محبتك شَهْوَة زيد طَعَام عبد الله وَافَقت أَخَاك، أردْت فى ذَلِك: أَن أَحْبَبْت أَن اشْتهى زيد طَعَام عبد الله وَافَقت هَذِه الْمحبَّة أَخَاك وَلَو قلت: أعجبت إرادتك قيام زيد إِلَى المعجبه ضرب أَخِيه أَخَاك زيدا - كَانَ (زيد) مَفْعُولا بأعجيت، وَالْكَلَام مَاض على مَا كَانَ عَلَيْهِ مِمَّا شرحت لَك فالأسماء الموصولة المصادر إِذا كَانَت فى معنى: (أَن فعلت) ، وَالْألف وَاللَّام إِذا كَانَت فى معنى الذى، والتى، وَمن، وَمَا، وأى فى الْخَبَر، وألى الَّتِى فى معنى الَّذين فَأَما مَا كَانَ من النكرات؛ نَحْو: هَذَا ضَارب زيدا - فَلَيْسَ قَول من يَقُول من النَّحْوِيين إِن زيدا من صلَة الضَّارِب بشئ؛ لِأَن ضَارِبًا فى معنى (يضْرب) يتَقَدَّم زيد فِيهِ ويتأخر فَتَقول: هَذَا زيدا ضَارب، وزيدا عبد الله شاتم فَإِنَّمَا الصِّلَة والموصول كاسم وَاحِد لَا يتَقَدَّم بعضه بَعْضًا، فَهَذَا القَوْل الصَّحِيح الذى لَا يجوز فى الْقيَاس غَيره وَاعْلَم أَن الصِّلَة مُوضحَة للاسم؛ فَلذَلِك كَانَت فى / هَذِه الْأَسْمَاء المبهمة، وَمَا شاكلها فى الْمَعْنى؛ أَلا ترى أَنَّك لَو قلت: جاءنى الذى، أَو مَرَرْت بالذى لم يدللك ذَلِك على شئ حَتَّى تَقول: مَرَرْت بالذى قَامَ، أَو مَرَرْت بالذى من حَاله [كَذَا وكذأ] ، أَو بالذى أَبوهُ منطلق فَإِذا قلت: هَذَا وَمَا أشبهه وضعت الْيَد عَلَيْهِ فَإِذا قلت: أُرِيد أَن تقوم يَا فَتى، (فتقوم) من صلَة (أَن) حَتَّى تمّ مصدرا، فَصَارَ الْمَعْنى: أُرِيد قيامك، وَكَذَلِكَ يسرنى أَن تقوم يَا فَتى (تقوم) من صلَة (أَن) حَتَّى تمّ مصدرا، فَصَارَ الْمَعْنى: يسرنى قيامك قَالَ الله عز وَجل: {وَأَن يستعففن خير لَهُنَّ} ، {وَأَن تَصُومُوا خير لكم} فَهَذَا على مَا وصفت لَك وَكَذَلِكَ (أَن) الثَّقِيلَة تكون مَعَ صلتها مصدرا تَقول: بلغنى أَنكُمْ منطلقون، أى: بلغنى انطلاقكم وَكَذَلِكَ (مَا) بصلتها تكون مصدرا تَقول: سرنى مَا صنعت، أى: سرنى صنيعك فَأَما قَوْلهم: أَنا مُقيم مَا أَقمت، وجالس مَا جَلَست - فَهُوَ هَذَا الذى ذكرنَا من الْمصدر؛ أَلا ترى أَنَّك تَقول: آتِيك مقدم الْحَاج، وَأَتَيْتُك إمرة فلَان إِنَّمَا تُرِيدُ /: وَقت إمرة فلَان، وَوقت قدوم الْحَاج فَإِذا قلت: أقيم مَا أَقمت - فَإِنَّمَا تَقْدِيره: أقيم وَقت مقامك، وَمِقْدَار مقامك وَاعْلَم أَنَّك إِذا أدخلت شَيْئا فى الصِّلَة - فنعته وَفعله وَالْبدل مِنْهُ داخلات فى الصِّلَة وَلَو قلت: جاءنى الذى ضرب عبد الله زيدا الظريف يَوْم الْجُمُعَة قَائِما فى دَاره - لَكَانَ هَذَا أجمع فى صلَة الذى، ويعلق بهَا الْهَاء الَّتِى فى قَوْلك: دَاره، وَدخل الظريف فى الصِّلَة؛ لِأَنَّهُ نعت لزيد وَهُوَ فى الصِّلَة فعلى هَذَا تجرى هَذِه الْأَشْيَاء تَقول: رَأَيْت المطعمه المكرمه المعطيه درهما عبد الله فَهَذِهِ مَسْأَلَة صَحِيحَة، وتأويلها: رَأَيْت الرجل الذى أطْعمهُ الرجل الذى أكْرمه الرجل الذى أعطَاهُ درهما عبد الله فعبد الله هُوَ الْمُعْطى، والمعطى هُوَ المكرم، والمكرم هُوَ الْمطعم وَلَو قلت: طَعَاما طيبا عِنْد قَوْلك: رَأَيْت المطعمه أَو بعد عبد الله - جَازَ، فَإِن جعلته بَين شئ من هَذَا وَبَين صلته لم يجز أَن تفصل بَين الصِّلَة والموصول وَلَو قلت: رَأَيْت الْمُعْطى أَخَاك الشاتمه، درهما زيد / لم يجز؛ لِأَنَّك فصلت بَين زيد وَبَين شاتمه، وَقلت (درهما) بعد الشاتمه، ففصلت بالشاتمه بَينه وَبَين الْمُعْطى وَلَكِن رَأَيْت الْمُعْطى أَخَاك درهما الشاتمه زيد، إِذا نصبت الشاتمه بالنعت للمعطى، أَو جعلت (رَأَيْت) من رُؤْيَة الْقلب، فَجعلت الشاتمه مَفْعُولا ثَانِيًا فَإِن أردْت أَن ترفع الشاتم لِأَنَّهُ الْمُعْطى لم يكن بُد من أَن تجْعَل فِيهِ كِنَايَة ترجع إِلَى الْألف وَاللَّام فى الْمُعْطى فَتَقول: رَأَيْت الْمُعْطى أَخَاك درهما الشاتمه أَخُوهُ، تجْعَل الْهَاء من أَخِيه ترجع إِلَى الْألف وَاللَّام، فَتَصِير بِمَنْزِلَة قَوْلك: رَأَيْت الضَّارِب زيدا أَخُوهُ، فَإِنَّمَا رَأَيْت رجلا ضرب أَخُوهُ زيدا وَلنْ ترى أَنْت الضَّارِب؛ لِأَن الضَّارِب هُوَ الْأَخ، وَإِنَّمَا رَأَيْت وَاحِدًا الضَّارِب زيدا أَخُوهُ فعلى هَذَا قلت: رَأَيْت الْمُعْطى أَخَاك درهما الرجل الذى شَتمه أَخُوهُ؛ لِأَن الْمَعْنى: رَأَيْت الذى أعْطى الرجل الذى شَتمه أَخُوهُ أَخَاك درهما وَتقول: رَأَيْت الذى اللَّذَان الَّتِى قَامَت إِلَيْهِمَا عِنْده أَخَوَاك، فَهَذَا كَلَام جيد؛ لِأَن قَوْلك: اللَّذَان مُبْتَدأ / فى صلَة الذى، والتى مُبتَدأَة فى صلَة اللَّذين، وَقَامَت إِلَيْهِمَا صلَة الَّتِى، وَعِنْده ظرف دَاخل فى الصِّلَة [وَحقه أَن يُقَال: وَعِنْده خبر الَّتِى] وقولك: أَخَوَاك خبر اللَّذين فتمت صلَة الذى فَصَارَ تَقْدِير هَذَا: رَأَيْت الذى أَخَوَاهُ قائمان وَلَو قلت: جاءنى الذى الَّتِى اللَّتَان اللَّذَان الذى يحبهما عِنْدهمَا فى دارهما عِنْده جاريتك كَانَ جيدا؛ لِأَن الْكَلَام الذى فى صلَة الذى الْأَخير فَكل مَا زِدْت من هَذَا فَهَذَا قِيَاسه وَاعْلَم أَن (أَن) الْخَفِيفَة إِذا وصلت بِفعل لم يكن فى الْفِعْل رَاجع إِلَيْهَا وَكَذَلِكَ (أَن) الثَّقِيلَة؛ لِأَنَّهُمَا حرفان، وليسا باسمين وَإِنَّمَا يسْتَحق الْوَاحِد مِنْهُمَا أَن يكون اسْما بِمَا بعده، والذى و (من) و (أى) أَسمَاء، فَلَا بُد فى صلَاتهَا مِمَّا يرجع إِلَيْهَا؛ أَلا ترى أَنَّك تَقول: جاءنى اللَّذَان فى الدَّار، فَيعرف وَتقول: أَيهمْ يَأْتِيك تضربه، وأيهم يَأْتِيك فَاضْرب و (مَا) عِنْد سِيبَوَيْهٍ إِذا كَانَت وَالْفِعْل مصدرا بِمَنْزِلَة (أَن) / والأخفش يَرَاهَا بِمَنْزِلَة الذى مصدرا كَانَت أَو غير مصدر وسنشرح مَا ذكرنَا شرحا بَينا شافيا إِن شَاءَ الله وَتقول: أَن تأتينى خير لَك، فَلَيْسَ فى تأتينى ذكر لِأَن، وَلَو قلت: رَأَيْت الذى تقوم لم يجز؛ لِأَنَّك لم تردد إِلَى الذى شَيْئا وَهُوَ اسْم حَتَّى تَقول: رَأَيْت الذى تقوم إِلَيْهِ وَلَو قلت: بلغنى أَنَّك منطلق لم تردد إِلَى (أَن) شَيْئا وَلَو قلت: جاءنى من إِنَّك منطلق لم يجز حَتَّى تَقول: إِنَّك منطلق إِلَيْهِ أَو عِنْده فَهَذَا أَمر الْحُرُوف، وَهَذِه صِفَات الْأَسْمَاء فَأَما اخْتِلَاف الْأَخْفَش، وسيبويه فى (مَا) إِذا كَانَت وَالْفِعْل مصدرا فَإِن سِيبَوَيْهٍ كَانَ يَقُول: إِذا قلت: أعجبنى مَا صنعت فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك: أعجبنى أَن قُمْت فعلى هَذَا يلْزمه: أعجبنى مَا ضربت زيدا؛ كَمَا تَقول: أعجبنى أَن ضربت زيدا، وَكَانَ يَقُوله والأخفش يَقُول: أعجبنى مَا صنعت، أى: مَا صَنعته؛ كَمَا تَقول: أعجبنى الذى صَنعته، وَلَا يُجِيز: أعجبنى مَا قُمْت؛ لِأَنَّهُ لَا يتَعَدَّى، وَقد / خلط، فأجار مثله، وَالْقِيَاس وَالصَّوَاب قَول سِيبَوَيْهٍ فَإِن أردْت ب (مَا) معنى الذى، فَذَاك مَا لَيْسَ فِيهِ كَلَام؛ لِأَنَّهُ الْبَاب وَالْأَكْثَر، وَهُوَ الأَصْل، وَإِنَّمَا خُرُوجهَا إِلَى الْمصدر فرع

هَذَا بَاب مَا جرى مجْرى الْفِعْل وَلَيْسَ بِفعل وَلَا مصدر

وَلكنهَا أَسمَاء وضعت للْفِعْل تدل عَلَيْهِ، فأجريت مجْرَاه مَا كَانَت فى موَاضعهَا؛ وَلَا يجوز فِيهَا التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير؛ لِأَنَّهَا لَا تصرف تصرف الْفِعْل؛ كَمَا لم تصرف (إِن) تصرف الْفِعْل، فألزمت موضعا وَاحِدًا، وَذَلِكَ قَوْلك: صه ومه، فَهَذَا إِنَّمَا مَعْنَاهُ: أسكت، واكفف، فَلَيْسَ بمعتد، وَكَذَلِكَ: وَرَاك وَإِلَيْك، إِذا حذرته شَيْئا مُقبلا عَلَيْهِ، وأمرته أَن يتَأَخَّر، فَمَا كَانَ من هَذَا الْقَبِيل فَهُوَ غير مُتَعَدٍّ وَمِنْهَا مَا يتَعَدَّى وَهُوَ قَوْلك: عَلَيْك زيدا، ودونك زيدا، إِذا أغريته وَكَذَلِكَ: هَلُمَّ زيدا، إِذا أردْت: هَات زيدا فَهَذِهِ اللُّغَة الحجازية: / يَقع (هَلُمَّ) فِيهَا موقع مَا ذكرنَا من الْحُرُوف، فَيكون للْوَاحِد وللاثنين وَالْجمع على لفظ وَاحِد، كأخواتها المتقدمات قَالَ الله عز وَجل: {والقائلين لإخوانهم هَلُمَّ إِلَيْنَا} فَأَما بَنو تَمِيم فيجعلونها فعلا صَحِيحا، ويجعلون الْهَاء زَائِدَة، فَيَقُولُونَ: هَلُمَّ يَا رجل، وللاثنين: هلما، وللجماعة: هلموا، وللنساء: هلممن؛ لِأَن الْمَعْنى: الممن، وَالْهَاء زَائِدَة فَأَما قَول الله عز وَجل: {كتاب الله عَلَيْكُم} ، فَلم ينْتَصب (كتاب) بقوله (عَلَيْكُم) ، وَلَكِن لما قَالَ: {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} أعلم أَن هَذَا مَكْتُوب عَلَيْهِم، فنصب (كتاب الله) للمصدر؛ لِأَن هَذَا بدل من اللَّفْظ بِالْفِعْلِ؛ إِذْ كَانَ الأول فى معنى: كتب الله عَلَيْكُم، وَكتب عَلَيْكُم وَنَظِير هَذَا قَوْله: {وَترى الْجبَال تحسبها جامدة وَهِي تمر مر السَّحَاب صنع الله} ؛ لِأَنَّهُ قد أعلمك بقوله: {وَهِي تمر مر السَّحَاب} أَن ثمَّ فعلا، فنصب مَا بعده؛ لِأَنَّهُ قد جرى مجْرى: صنع الله وَكَذَلِكَ: {الَّذِى أَحسَنَ كُلَّ شيءٍ خَلْقَهُ} قَالَ الشَّاعِر: /

(مَا إِن يمس الأَرْض إِلَّا منْكب ... مِنْهُ وحرف السَّاق طى الْمحمل)

لِأَنَّهُ ذكر مَا يدل على أَنه طيان من الطى، فَكَانَ بَدَلا من قَوْله (طوى) ، وَكَذَلِكَ قَوْله:

(إّذا رأتنى سَقَطت أبصارها ... دأب بكار شايحت بكارها)

لِأَن قَوْله: (إِذا رأتنى) مَعْنَاهُ: كلما رأتنى، فقد خبر أَن ذَلِك دأبها؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ: تدأب دأب بكار؛ لِأَنَّهُ بدل مِنْهُ وَمثل هَذَا - إِلَّا أَن اللَّفْظ مُشْتَقّ من فعل الْمصدر، ولكنهما يشتبهان فى الدّلَالَة - قَول عز وَجل: {وتَبَتَّلْ إِلَيهِ تَبْتِيلاً}

على: وبتل إِلَيْهِ، وَلَو كَانَ على تبتل لَكَانَ تبتلا وَكَذَلِكَ: {وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نباتاً} لَو كَانَ على أنبت لَكَانَ إنباتا وَلَكِن الْمَعْنى - وَالله أعلم -: أَنه إِذا أنبتكم نبتم نباتا وَقَالَ الشَّاعِر: (وَخير الْأَمر مَا اسْتقْبلت مِنْهُ ... وَلَيْسَ بِأَن تتبعه اتبَاعا)

وَهَذَا كثير جدا وَمن الْحُرُوف الَّتِى تجرى مجْرى الْفِعْل مَا يكون / أَشد تمَكنا من غَيره، وَذَلِكَ أَنَّك تَقول للرجل - إِذا أردْت تباعده -: (إِلَيْك) فَيَقُول: (إِلَى) كَأَنَّك قلت: تبَاعد، فَقَالَ: أتباعد وَتقول: على زيدا، فَمَعْنَاه: أولنى زيدا، وَتقول: عَلَيْك زيدا، أى: خُذ زيدا فَإِن سَأَلَ سَائل عَن اختلافها قيل: هى بِمَنْزِلَة الْأَفْعَال الَّتِى مِنْهَا مَا يتَعَدَّى، وَمِنْهَا مَالا يتَعَدَّى، وَمِنْهَا مَا يتَعَدَّى إِلَى مفعولين وَمن هَذِه الْحُرُوف: (حيهل) فَإِنَّمَا هى اسمان جعلا اسْما وَاحِدًا، وَفِيه أقاويل: فأجودها: حيهل بعمر فَإِذا وقفت قلت: حيهلا فَجعلت الْألف لبَيَان الْحَرَكَة وَجَائِز أَن تَجْعَلهُ نكرَة فَتَقول حيهلا يَا فَتى، وَجَائِز أَن تثبت الْألف، وتجعله معرفَة، فَلَا تنون وَالْألف زِيَادَة، وَمَعْنَاهُ: قربه، وَتَقْدِيره فى العربيه: بَادر بِذكرِهِ، وَإِنَّمَا (حى) فى معنى: (هَلُمَّ) وَمن ذَلِك قَوْلهم: حى على الصَّلَاة قَالَ الشَّاعِر:

(وهيج الْقَوْم من دَار فظل لَهُم ... يَوْم كثير تناديه وحيهله)

/ وَقَالَ فِيمَا أثبت فِيهِ الْألف:

(بحيهلا يزجون كل مَطِيَّة ... أَمَام المطايا سَيرهَا متقاذف)

وَأدْخل الْبَاء عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اسْم فى مَوضِع الْمصدر وَمن أَسمَاء الْفِعْل (رويد) وَلها بَاب تفرد بِهِ نذكرهُ بعد هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله وَمن المصادر وَيْح، وويل، وويب، وَإِنَّمَا هى إِذا قلت: ويل لزيد فى مَوضِع: قبوح لزيد وَلَكِن لم يجز أَن يكون مِنْهَا أَفعَال لعِلَّة مشروحة فى التصريف وَكَذَلِكَ أفة وتفة، وَإِنَّمَا هى فى مَوضِع: نَتنًا ودفرا وَمِنْهَا: سُبْحَانَ الله، وريحانه، ومعاذ الله، وعمرك الله، وقعدك الله فى النداء

هَذَا بَاب تَفْسِير مَا ذكرنَا من هَذِه الْأَسْمَاء الْمَوْضُوعَة مَوضِع المصادر وَمَا أشبههَا من الْأَسْمَاء الْمَدْعُو بهَا من غير المصادر؛ نَحْو: تربا وجندلا، وَمَا أشبه ذَلِك

أما (رويد) زيدا، فاسم للْفِعْل، وَلَيْسَ بمصدر، وَبنى على الْفَتْح؛ لِأَنَّهُ غير متصرف / كَمَا فعلت بأخواته المبنيات، نَحْو: صه، ومه، وَلم يسكن آخِره؛ لِأَن قبله حرفا سَاكِنا، واخترت لَهُ الْفَتْح للياء الَّتِى قبله؛ كَمَا فعلت فى (أَيْن) ، و (كَيفَ) وَمَا أشبه ذَلِك قَالَ الشَّاعِر:

(رويد عليا جد مَا ثدى أمّهم ... إِلَيْنَا وَلَكِن ودهم متماين)

فَإِن قلت: أرودته كَانَ الْمصدر إروادا، وَتصرف تصرف جَمِيع المصادر، فَإِن حذفت الزَّوَائِد على هَذِه الشريطة صرفت (رويد) فَقلت: رويدا يَا فَتى وَإِن نعت بِهِ قلت: ضَعْهُ وضعا رويدا، وتفرده وتضيفه؛ لِأَنَّهُ كَسَائِر المصادر وَتقول: رويد زيد؛ كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {فَضرب الرّقاب} ، ورويدا زيدا؛ كَمَا تَقول: ضربا زيدا فى الْأَمر

فَأَما قَوْلك: رويدك زيدا - فَإِن الْكَاف زَائِدَة، وَإِنَّمَا زيدت للمخاطبة، وَلَيْسَت باسم وَإِنَّمَا هى بِمَنْزِلَة قَوْلك: النجاءك يَا فَتى، وأريتك زيدا مَا فعل؟ ، وكقولك: أبصرك زيدا إِنَّمَا الْكَاف زَائِدَة للمخاطبة، وَلَوْلَا ذَلِك لَكَانَ النجاءك محالا؛ لِأَنَّك لَا تضيف الِاسْم وَفِيه / الْألف وَاللَّام وَقَوله عز وَجل: {أَرَيتَكَ هَذَا الَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ} قد أوضح لَك أَن الْكَاف زَائِدَة وَلَو كَانَت فى رويدك عَلامَة للفاعلين لَكَانَ خطأ إِذا قلت: (رويدكم) ؛ لِأَن عَلامَة الفاعلين الْوَاو؛ كَقَوْلِك: أرودوا وَاعْلَم أَن هَذِه الْأَسْمَاء مَا كَانَ مِنْهَا مصدرا، أَو مَوْضُوعا مَوضِع الْمصدر - فَإِن فِيهِ الْفَاعِل مضمرا؛ لِأَنَّهُ كالفعل الْمَأْمُور بِهِ تَقول: رويدك أَنْت وَعبد الله زيدا، وَعَلَيْك أَنْت وَعبد الله أَخَاك فَإِن حذفت التوكيد قبح، وَإِعْرَابه الرّفْع على كل حَال؛ أَلا ترى أَنَّك لَو قلت: قُم وَعبد الله كَانَ جَائِزا على قبح حَتَّى تَقول: قُم أَنْت وَعبد الله، و (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُكَ فَقَاتِلاَ)

، و {اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} فَإِن طَال الْكَلَام حسن حذف التوكيد؛ كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {لَو شَاءَ الله مَا أشركنا وَلَا آبَاؤُنَا} وَقد مضى هَذَا مُفَسرًا فى مَوْضِعه وَكَذَلِكَ مَا نَعته بِالنَّفسِ فى الْمَرْفُوع إِنَّمَا يجرى على توكيد فَإِن لم تؤكد جَازَ على قبح وَهُوَ قَوْلك: قُم أَنْت نَفسك فَإِن قلت: قُم نَفسك جَازَ وَذَلِكَ قَوْلك: رويدك أَنْت نَفسك زيدا، وَعَلَيْك أَنْت نَفسك زيدا، ودونك أَنْت نَفسك زيدا، والحذف جَائِز قَبِيح إِذا قلت: رويدك نَفسك زيدا وَاعْلَم أَنَّك إِذا قلت: عَلَيْك زيدا ففى (عَلَيْك) اسمان: أَحدهمَا: الْمَرْفُوع الْفَاعِل، والاخر: هَذِه الْكَاف المخفوضة تَقول: عَلَيْكُم أَنفسكُم أَجْمَعُونَ زيدا، فتجعل قَوْلك (أَجْمَعُونَ) للْفَاعِل وَتجْعَل قَوْلك: (أَنفسكُم) للكاف وَإِن شِئْت أجريتهما جَمِيعًا على الْكَاف فخفضته، وَإِن شِئْت أكدت، ورفعتها لما ذكرت لَك من قبح مجْرى النَّفس فى الْمَرْفُوع إِلَّا بتوكيد، وَإِن شِئْت رفعت بِغَيْر توكيد على قبح وَإِن قلت: رويد نَفسك، أَو رويدك - جعلت النَّفس مفعولة بِمَنْزِلَة زيد، كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {عَلَيْكُم أَنفسكُم}

هَذَا بَاب إياك فى الْأَمر

اعْلَم أَن (إياك) اسْم المكنى عَنهُ فى النصب؛ كَمَا أَن (أَنْت) اسْمه فى الرّفْع، وهما منفصلان، لَا تَقول: إياك إِذا قدرت على الْكَاف فى رَأَيْتُك وَأَخَوَاتهَا؛ نَحْو: ضَربته، وضربنى وَكَذَلِكَ (أَنْت) لَا تقع / موقع التَّاء وَأَخَوَاتهَا فى ضربت وضربنا، وَزيد قَامَ يَا فَتى، فَيَقَع الضَّمِير فى النِّيَّة، وَقد مضى القَوْل فى هَذَا فَلَمَّا كَانَت (إياك) لَا تقع إِلَّا اسْما لمنصوب كَانَت بَدَلا من الْفِعْل، دَالَّة عَلَيْهِ، وَلم تقع هَذِه الْهَيْئَة إِلَّا فى الْأَمر؛ لِأَن الْأَمر كُله لَا يكون إِلَّا بِفعل وَذَلِكَ قَوْلك: إياك والأسد يَا فَتى وَإِنَّمَا التَّأْوِيل: اتَّقِ نَفسك والأسد و (إياك) مَنْصُوب بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ والأسد متقيان وَكَذَلِكَ: إياك والصبى، وَإِيَّاك ومكروه عبد الله، وَإِن أكدت رفعت إِن شِئْت، فَقلت: إياك أَنْت وَزيد؛ لِأَن مَعَ (إياك) ضميرا، وَهُوَ الضَّمِير الذى فى الْفِعْل الذى نصبها أَلا ترى أَن معنى (إياك) إِنَّمَا هُوَ: احذر، وَاتَّقِ، وَنَحْو ذَلِك، وَإِن شِئْت قلت: إياك أَنْت وزيدا، فَجعلت (أَنْت) توكيدا لذَلِك الْمُضمر، فَإِن قلت: إياك وَزيد فَهُوَ قَبِيح وَهُوَ على قبحه جَائِز كجرازه فى قُم وَزيد وَالْبَيْت يستوى فِيهِ الْوَجْهَانِ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ توكيد وَهُوَ قَوْله:

(إياك أَنْت وَعبد الْمَسِيح أَن تقربا قبْلَة الْمَسْجِد ... )

وَلَا يجوز أَن تَقول: إياك زيدا؛ كَمَا لَا يجوز أَن تَقول: زيدا اضْرِب عمرا / حَتَّى تَقول (وعمرا) وَأما قَوْله: إياك أَن تقرب الْأسد فجيد؛ لِأَن (أَن) تحذف مَعهَا اللَّام لطولها بالصلة تَقول: أكرمتك أَن اجتر مَوَدَّة زيد فَالْمَعْنى: إياك احذر من أجل كَذَا، فَهَذَا جَائِز، وَإِن أدخلت الْوَاو فجيد؛ لِأَن (أَن) وصلتها مصدر فَأَما (إياك الضَّرْب) فَلَا يجوز فى الْكَلَام؛ كَمَا لَا يجوز: إياك زيدا فَإِن اضْطر شَاعِر جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُشبههُ للضَّرُورَة بقوله: " أَن تقربا " وعَلى هَذَا:

(إياك إياك المراء فَإِنَّهُ ... إِلَى الشَّرّ دُعَاء وللشر جالب)

فأضمر بعد قَوْله: إياك فعلا آخر على كلامين؛ لِأَنَّهُ لما قَالَ: إياك أعلمهُ أَنه يزجره، فأضمر فعلا يُرِيد: اتَّقِ المراء يَا فَتى والفصل بَين الْمصدر نَحْو: الضَّرْب وَالْقَتْل، وَبَين (أَن يضْرب) ، و (أَن يقتل) فى الْمَعْنى - أَن الضَّرْب اسْم للْفِعْل يَقع على أَحْوَاله الثَّلَاثَة: الماضى، وَالْمَوْجُود، والمنتظر وقولك: أَن تفعل لَا يكون إِلَّا لما يأتى فَإِن قلت أَن فعلت، فَلَا يكون إِلَّا الماضى وَلَا يَقع للْحَال الْبَتَّةَ وَقِرَاءَة من قَرَأَ: {وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي} مَعْنَاهُ: المضى وَإِن قَرَأَ: (إِن وهبت نَفسهَا للنبى) فَمَعْنَاه: مَتى كَانَ ذَا؛ لِأَنَّهَا / (إِن) الَّتِى للجزاء والحذف مَعَ (أَن) وصلتها مُسْتَعْمل فى الْكَلَام لما ذكرت لَك من أَنَّهَا عِلّة لوُقُوع الشئ فعلى هَذَا يكون، وَهَذَا بَين وَاضح وَأما قَول الله عز وَجل: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيْدَيْنِ مِنْ رِجَاِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مَّمِنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكَّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} فَإِذا قَالَ قَائِل: قَوْله: (أَن تضل إِحْدَاهمَا) لما ذكر وَهُوَ لم يعدد الْإِشْهَاد؛ لِأَن تضل إِحْدَاهمَا فَالْجَوَاب فى ذَلِك: أَنه إِنَّمَا أعد الْإِشْهَاد للتذكير، وَلَكِن تقدّمت (أَن تضل) ؛ لتوقع سَبَب التَّذْكِرَة وَنَظِيره من الْكَلَام: أَعدَدْت هَذَا أَن يمِيل الْحَائِط فأدعمه، وَلم يعدده طلبا لِأَن يمِيل الْحَائِط، وَلكنه أخبر بعلة الدعم، فاستقصاء الْمَعْنى: إِنَّمَا هُوَ: أَعدَدْت هَذَا لِأَن إِن مَال الْحَائِط دعمته، فَإِن الأولى هى الثَّانِيَة وَقد يحذف الْفِعْل فى التكرير [وفى الْعَطف] وَذَلِكَ قَوْلك: رَأسك والحائط، وَرَأسه وَالسيف يَا فَتى فَإِنَّمَا حذف الْفِعْل للإطالة / والتكرير، وَدلّ على الْفِعْل الْمَحْذُوف بِمَا يُشَاهد من الْحَال وَمن أَمْثَال الْعَرَب: " رَأسك وَالسيف "، وَمن أمثالهم: " أهلك وَاللَّيْل " وَقد دلّ هَذَا على أَنه يُرِيد: بَادر أهلك وَاللَّيْل وَالْأول على أَنه: نح رأٍ سك من السَّيْف وَتَقْدِيره فى الْفِعْل: أتق رَأسك وَالسيف فَلَو أفردت لم يجز حذف الْفِعْل إِلَّا وَعَلِيهِ دَلِيل نَحْو: زيدا لَو قلت ذَلِك لم يدر مَا الْفِعْل الْمَحْذُوف؟ فَإِن رَأَيْت رجلا قد أَشَارَ بِسيف فَقلت: زيدا أَو ذكرت أَنه يضْرب أَو نَحْو ذَلِك [جَازَ؛ لِأَن الْمَعْنى: أوقع ضربك بزيد] فَإِن كَانَ مصدرا فقد دلّ على فعل، فَمن ذَلِك: ضربا ضربا، إِذا كنت تَأمر وَإِنَّمَا كَانَ الْحَذف فى الْأَمر جَائِزا؛ لِأَن الْأَمر لَا يكون إِلَّا بِفعل قَالَ الله عز وَجل: {فإمَّا منا بعد وَإِمَّا فدَاء} وَقَالَ: {فَإِذا لَقِيتُم الَّذين كفرُوا فَضرب الرّقاب} فالمصدر الْمَأْمُور بِهِ يكون نكرَة، وبالألف وَاللَّام، ومضافا كل ذَلِك مطرد فى الْأَمر، وكل شئ كَانَ فى معنىء الْمصدر فمجراه مجْرى الْمصدر، وسنبين ذَلِك إِن شَاءَ الله فَأَما قَوْلك: الْحَمد لله فى الْخَبَر، وسقيا / لزيد، ورعيا لَهُ - فَلهُ بَاب يفرد بِهِ إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب مَا جرى مجْرى المصادر وَلَيْسَ بمتصرف من فعل

فَمن ذَلِك: سُبْحَانَ الله، ومعاذ الله، وَقَوْلهمْ: أفة، وتفة، وويلا لزيد، وويحا لَهُ، وَسَلام على زيد، وويل لزيد، وويح لَهُ، وتربا لَهُ كل هَذَا مَعْنَاهُ فى النصب وَاحِد، وَمَعْنَاهُ فى الرّفْع وَاحِد وَمِنْه مَالا يلْزمه إِلَّا النصب، وَمِنْه مَالا يجوز فِيهِ إِلَّا الرّفْع لعلل نذكرها إِن شَاءَ الله وَمِنْه قَوْلك: مرْحَبًا، وَأهلا وسهلا، وويله، وعولة فَأَما قَوْلهم: سُبْحَانَ الله فتأويله: بَرَاءَة الله من السوء، وَهُوَ فى مَوضِع الْمصدر، وَلَيْسَ مِنْهُ فعل فَإِنَّمَا حَده الْإِضَافَة إِلَى الله - عز وَجل - وَهُوَ معرفَة وَتَقْدِيره - إِذا مثلته فعلا: تسبيحا لله فَإِن حذفت الْمُضَاف إِلَيْهِ من سُبْحَانَ لم ينْصَرف؛ لِأَنَّهُ معرفَة، وَإِنَّمَا نكرته بِالْإِضَافَة؛ ليَكُون معرفَة بالمضاف إِلَيْهِ فَأَما قَول الشَّاعِر:

(/ سُبْحَانَهُ ثمَّ سبحانا نَعُوذ بِهِ ... وَقَبلنَا سبح الجودى والجمد) [فى رِوَايَة: " نَعُوذ بِهِ "] فَإِنَّمَا نون مُضْطَرّا، وَلَو لم يضْطَر لَكَانَ كَقَوْل الآخر:

(أَقُول لما جاءنى فخره ... سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر)

فَهَذَا فى مَوضِع: بَرَاءَة مِنْهُ و (معَاذ الله) كَذَلِك لَا يكون إِلَّا مُضَافا وَتَقْدِيره تَقْدِير: عياذ الله، أى: عذت بِاللَّه عياذا فَهَذَا مَوضِع هَذَا وَمثل ذَلِك: حجرا، إِنَّمَا مَعْنَاهُ: حَرَامًا فَهُوَ فى مَوْضِعه لَو تَكَلَّمت بِهِ فَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل: {حجرا مَحْجُورا} أى: حَرَامًا محرما وَأما قَوْلهم: مرْحَبًا وَأهلا - فَهُوَ فى مَوضِع قَوْلهم: رَحبَتْ بلادك رحبا، وأهلت أَهلا، وَمَعْنَاهُ: الدُّعَاء يَقُول: صادفت هَذَا وَلَو قلت: حجر، ومرحب - لصلح، تُرِيدُ: أَمرك هَذَا وَأما (سُبْحَانَ) وَمَا كَانَ مثله مِمَّا لَا يكون إِلَّا مُضَافا - فَلَا يصلح فِيهِ إِلَّا النصب وَهَذَا الْبَيْت ينشد على وَجْهَيْن: على الرّفْع وَالنّصب وَهُوَ:

(وبالسهب مَيْمُون النقيبة قَوْله ... لملتمس الْمَعْرُوف: أهل ومرحب)

وَقَالَ الآخر:

(إِذا جِئْت بوابا لَهُ قَالَ: مرْحَبًا ... أَلا مرحب واديك غير مضيق)

/ فَأَما قَوْلهم: سَلاما، وَسَلام يَا فَتى - فَإِن مَعْنَاهُ: المبارأة والمتاركة فَمن قَالَ: لَا تكن من فلَان إِلَّا سَلام بِسَلام فَمَعْنَاه: لَا تكن إِلَّا وأمرك وَأمره المتاركة والمبارأة، وَإِنَّمَا رفعت، لِأَنَّك جعلته ابْتِدَاء وخبرا فى مَوضِع خبر (كَانَ) وَلَو نصبته كَانَ جيدا بَالغا فَمن ذَلِك قَوْله عز وَجل: {وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما} تأويلُه: المتاركة، أى: لَا خير بَيْننَا وَبَيْنكُم وَلَا شَرّ وَمن كَلَامهم: سُبْحَانَهُ الله، وريحانه فَتَأْوِيل (ريحَان) فى هَذَا الْموضع: الرزق وَتَقْدِيره فى المصادر: تسبيحا، واسترزاقا وتصديق هَذَا فى قَوْله عز وَجل: {وَالْحب ذُو العصف وَالريحَان} فَأَما قَوْلهم: ويل لزيد، وويح لزيد، وَتب لزيد، وويس لَهُ فَإِن أضفت لم يكن إِلَّا النصب فَقلت: ويحه، وويله فَإِنَّمَا ذَلِك لِأَن هَذِه مصَادر فَإِن أفردت فَلم تضف - فَأَنت مُخَيّر بَين النصب وَالرَّفْع تَقول: ويل لزيد، وويلا لزيد فَأَما النصب فعلى الدُّعَاء، وَأما الرّفْع فعلى قَوْلك: ثَبت ويل لَهُ؛ لِأَنَّهُ شئ مُسْتَقر فويل مُبْتَدأ، و (لَهُ) خَبره وَهَذَا الْبَيْت ينشد على وَجْهَيْن، وَهُوَ: /

(كسا اللؤم تيما خضرَة فى جلودها ... فويل لتيم من سرابيلها الْخضر) فَأَما قَوْله عز وَجل: {ويل لِلْمُطَفِّفِينَ} وَقَوله: {ويل يَوْمئِذٍ للمكذبين} فَإِنَّهُ لَا يكون فِيهِ إِلَّا الرّفْع؛ إِذْ كَانَ لَا يُقَال: دُعَاء عَلَيْهِم، وَلكنه إِخْبَار بِأَن هَذَا قد ثَبت لَهُم فَإِن أضفت فَقلت: ويله، وويحه - لم يكن إِلَّا نصبا؛ لِأَن وَجه الرّفْع قد بَطل بِأَنَّهُ لَا خبر لَهُ، فَكَذَا هَذِه الَّتِى فى معنى المصادر فَإِن كَانَ مصدرا صَحِيحا يجرى على فعله فَالْوَجْه النصب وَذَلِكَ قَوْلك: تَبًّا لزيد، وجوعا لزيد؛ لِأَن هَذَا من قَوْلك: جَاع يجوع، وَتب يتب كَذَلِك سقيا، ورعيا وَالرَّفْع يجوز على بعد؛ لِأَنَّك تبتدى بنكرة، وَتجْعَل مَا بعْدهَا خَبَرهَا فَأَما سَلام عَلَيْك فاسم فى معنى الْمصدر، وَلَو كَانَ على سلم لَكَانَ تَسْلِيمًا فَإِن كَانَت هَذِه المصادر معارف فَالْوَجْه الرّفْع، وَمَعْنَاهُ كمعنى الْمَنْصُوب، وَلَكِن يخْتَار الرّفْع؛ لِأَنَّهُ كالمعرفة وَحقّ الْمعرفَة الِابْتِدَاء وَذَلِكَ قَوْلك: {الْحَمد لله رب الْعَالمين} و {لعنة الله على الظَّالِمين} وَالنّصب / يجوز وَإِنَّمَا تنظر فى هَذِه المصادر إِلَى مَعَانِيهَا؛ فَإِن كَانَ الْموضع بعْدهَا أمرا أَو دُعَاء لم يكن إِلَّا نصبا وَإِن كَانَ لما قد اسْتَقر لم يكن إِلَّا رفعا وَإِن كَانَ يَقع لَهما جَمِيعًا كَانَ النصب وَالرَّفْع فمما يدعى بِهِ أَسمَاء لَيست من الْفِعْل، وَلكنهَا مفعولات وَذَلِكَ قَوْلك: تربا، وجندلا إِنَّمَا تُرِيدُ: أطْعمهُ الله، ولقاه الله، وَنَحْو ذَلِك فَإِن أخْبرت أَنه مِمَّا قد ثَبت رفعت قَالَ الشَّاعِر:

(لقد ألب الواشون ألبا لبينهم ... فترب لأفواه الوشاة وجندل)

فَأَما قَوْله: أفة وتفة فَإِنَّمَا تَقْدِيره من المصادر: نَتنًا، ودفرا فَإِن أفردت (أُفٍّ) بِغَيْر هَاء فَهُوَ مبْنى؛ لِأَنَّهُ فى مَوضِع الْمصدر وَلَيْسَ بمصدر، وَإِنَّمَا قوى حَيْثُ عطفت عَلَيْهِ؛ لِأَنَّك أجريته مجْرى الْأَسْمَاء المتمكنة فى الْعَطف فَإِذا أفردته بنى على الْفَتْح وَالْكَسْر وَالضَّم، وتنونه إِن جعلته نكرَة وفى كتاب الله عز وَجل -: {فَلَا تقل لَهما أُفٍّ وَلَا تنهرهما} وَقَالَ: {أُفٍّ لكم وَلما تَعْبدُونَ} كل هَذَا جَائِز جيد وَهَذِه المبنيات إِذا جعلت شَيْئا مِنْهَا نكرَة نونت، نَحْو: إيه يَا فَتى، وَقَالَ الْغُرَاب: غاق غاق يَا فَتى / كَذَا تَأْوِيلهَا وَاعْلَم أَن من المصادر الَّتِى لَا أَفعَال لَهَا تجرى عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يوضع مَوضِع المصادر مَا يكون مثنى لمبالغة وَذَلِكَ قَوْلك: لبيْك وَسَعْديك، وحنانيك - إِنَّمَا أَرَادَ: حنانا بعد حنان، أى: كلما كنت فى رَحْمَة مِنْك فلتكن مَوْصُولَة بِأُخْرَى وَتَأْويل حنانيك: إِنَّمَا هُوَ رَحْمَة بعد رَحْمَة يُقَال: تحن فلَان على فلَان: إِذا رَحمَه قَالَ الشَّاعِر:

(تَحَنن على هداك المليك ... فَإِن لكل مقَام مقَالا)

وَقَالَ الآخر:

(أَبَا مُنْذر أفنيت فَاسْتَبق بَعْضنَا ... حنانيك بعض الشَّرّ أَهْون من بعض)

فَهَذَا مِمَّا يجوز إِفْرَاده، فَإِذا أفردت فَأَنت مُخَيّر: إِن شِئْت نصبت بِالْفِعْلِ، وَإِن شِئْت ابتدأت فَإِذا ثنيت لم يكن إِلَّا مَنْصُوبًا؛ لِأَنَّهُ وضع مَوضِع مَالا يتَمَكَّن؛ نَحْو: لبيْك وَسَعْديك وَقَالَ الشَّاعِر فِيمَا أفرد فِيهِ:

(ويمنحها بَنو شمجى بن جرم ... معيزهم حنانك ذَا الحنان) / وَقَالَ الآخر، فَرفع: فَقَالَت: حنان مَا أَتَى بك هَهُنَا؟ ... أذو نسب أم أَنْت بالحى عَارِف)

والفصل بَين الرّفْع وَالنّصب أَن الناصب دَعَا لَهُ كَأَنَّهُ قَالَ: رحمتك يَا ذَا الرَّحْمَة وَقَوله:

(حنان مَا أَتَى بك هَاهُنَا؟ ... )

إِنَّمَا أَرَادَ: أمرنَا حنان؛ كَقَوْلِه عز وَجل: {مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتى وُعِدَ المتّقُونَ} فالتقدير: فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُم مثل الْجنَّة، ثمَّ قَالَ: فِيهَا، وفيهَا وَمن قَالَ: إِنَّمَا مَعْنَاهُ: صفة الْجنَّة فقد أَخطَأ؛ لِأَن (مثل) لَا يوضع فى مَوضِع صفة إِنَّمَا يُقَال: صفة زيد أَنه ظريف، وَأَنه عَاقل وَيُقَال: مثل زيد مثل فلَان وَإِنَّمَا الْمثل مَأْخُوذ من الْمِثَال والحذو، وَالصّفة تحلية ونعت فَأَما تَأْوِيل قَوْلهم: لبيْك فَإِنَّمَا يُقَال: ألب فلَان على الْأَمر: إِذا لزمَه ودام عَلَيْهِ فَمَعْنَاه: مداومة على إجابتك، ومحافظة على حَقك فَإِذا قَالَ العَبْد لرَبه: لبيْك فَمَعْنَاه: مُلَازمَة لطاعتك، ومحافظة على أَمرك وقولك: سعديك إِنَّمَا مَعْنَاهُ من قَوْلك: قد أسعد فلَان فلَانا على أمره، وساعده / عَلَيْهِ فَإِذا قَالَ: اللَّهُمَّ لبيْك وَسَعْديك، فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: اللَّهُمَّ مُلَازمَة لأمرك، ومساعدة لأولياك، ومتابعة على طَاعَتك فَلَو كَانَ الْبَاب وَاسِعًا لَكَانَ متصرفا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الضَّرْب من ضربت، ولكنهما مشتقان للْمُبَالَغَة من الْفِعْل كسبحان الله، ومعاذ الله؛ فَلذَلِك ألزما طَريقَة وَاحِدَة فَأَما (حنان) فمنفرد؛ لِأَنَّهُ من حننت، مثل قَوْلك: ذهبت ذَهَابًا، ويتصرف فى الْكَلَام فى غير الدُّعَاء (وَحَنَانًا من لدنا) وَتقول: تَحَنن على فَهَذَا وَجه مَا جَاءَ على فعله، وَمَا لم يَأْتِ عَلَيْهِ فعل فَأَما قَوْلهم: شكرانك لَا كُفْرَانك - فهما مصدران لحقتهما الزِّيَادَة وَإِنَّمَا التَّقْدِير: شكرا لَا كفرا وَلَكِن وَقعت الزِّيَادَة للْمُبَالَغَة وَاعْلَم أَن الْمصدر كَسَائِر الْأَسْمَاء إِلَّا أَنه اسْم للْفِعْل، فَإِذا نصبت فعلى إِضْمَار الْفِعْل فَمن المصادر مَا يكثر اسْتِعْمَاله، فَيكون بَدَلا من فعله وَمِنْهَا مَالا يكون لَهُ حق الِاسْم فَأَما مَا كثر اسْتِعْمَاله حَتَّى صَار بَدَلا من الْفِعْل فقولك: حمدا وشكرا، لَا كفرا، وعجبا إِنَّمَا أردْت: أَحْمد الله حمدا فلولا / الِاسْتِعْمَال الذى أبان عَن ضميرك لم يجز أَن تضمر؛ لِأَنَّهُ مَوضِع خبر وَإِنَّمَا يحسن الْإِضْمَار ويطرد فى مَوضِع الْأَمر؛ لِأَن الْأَمر لَا يكون إِلَّا بِفعل، نَحْو قَوْلك: ضربا زيدا إِنَّمَا أردْت: اضْرِب ضربا وَكَذَلِكَ ضرب زيد نصبت الضَّرْب باضرب، ثمَّ أضفته إِلَى زيد لما حذفت التَّنْوِين، كَمَا تَقول: هَذَا ضَارب زيدا غَدا وَالْأَصْل إِثْبَات التَّنْوِين، وحذفه استخفاف لعلم الْمُخَاطب أَلا ترى أَن الِاسْم الْمُضَاف إِلَى معرفَة على نِيَّة التَّنْوِين لَا يكون إِلَّا نكرَة؛ لِأَن التَّنْوِين فى النِّيَّة، نَحْو قَوْله عز وَجل: {هَذَا عَارض مُمْطِرنَا} و {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} هُوَ وصف للنكرة، وَتدْخل عَلَيْهِ (رب) كَمَا تدخل على النكرَة وَقد مضى تَفْسِير هَذَا فى بَابه قَالَ الشَّاعِر:

(يَا رب غابطنا لَو كَانَ يطلبكم ... لَاقَى مباعدة مِنْكُم وحرمانا)

يُرِيد: غابط لنا، وَمن ذَلِك قَوْله عز وَجل: {فَإِذا لَقِيتُم الَّذين كفرُوا فَضرب الرّقاب} وَإِنَّمَا التَّقْدِير - وَالله أعلم -: فضربا الرّقاب فَهَذَا يدل على مَا بعده، وَمَا يرد من جنسه ونظائره

هَذَا بَاب المصادر فى الِاسْتِفْهَام على جِهَة التَّقْدِير وعَلى الْمَسْأَلَة

وَذَلِكَ قَوْلك: أقياما وَقد قعد النَّاس لم تقل هَذَا سَائِلًا، وَلَكِن قلته موبخا مُنْكرا لما هُوَ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا دلَالَة الْحَال على ذَلِك لم يجز الْإِضْمَار؛ لِأَن الْفِعْل إِنَّمَا يضمر إِذا دلّ عَلَيْهِ دَال؛ كَمَا أَن الِاسْم لَا يضمر حَتَّى يذكر، وَإِنَّمَا رَأَيْته فى حَال قيام فى وَقت يجب فِيهِ غَيره، فَقلت لَهُ مُنْكرا وَمثله: أقعودا وَقد سَار النَّاس، كَمَا قَالَ:

(أطربا وَأَنت قنسرى ... )

فَإِنَّمَا قَالَ إِنْكَار على نَفسه الطَّرب وَهُوَ على غير حِينه وَكَذَلِكَ إِن خبرت على هَذَا الْمَعْنى فَقلت: قيَاما - علم الله - وَقد قعد النَّاس، وجلوسا وَالنَّاس يسسيرون وَإِن شِئْت وضعت اسْم الْفَاعِل فى مَوضِع الْمصدر فَقلت: أقائما وَقد قعد النَّاس فَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك؛ لِأَنَّهُ حَال وَالتَّقْدِير: أتثبت قَائِما، فَهَذَا يدلك على ذَلِك الْمَعْنى وَتقول فى بَاب مِنْهُ آخر: مَا أَنْت إِلَّا سيرا، وَمَا أَنْت إِلَّا ضربا، وَكَذَلِكَ: زيد سيرا، وَزيد أبدا قيَاما وَإِنَّمَا جَازَ الْإِضْمَار؛ لِأَن الْخَاطِب يعلم أَن هَذَا / لَا يكون إِلَّا بِالْفِعْلِ، وَأَن الْمصدر إِنَّمَا يدل على فعله، فكأنك قلت: زيد يسير سيرا، وَمَا أَنْت إِلَّا تقوم قيَاما، وَإِن شت قلت: زيد سير يَا فَتى فَهَذَا يجوز على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون: زيد صَاحب سير، فأقمت الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَام الْمُضَاف؛ لما يدل عَلَيْهِ؛ كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {واسأل الْقرْيَة الَّتِي كُنَّا فِيهَا} إِنَّمَا هُوَ: أهل الْقرْيَة؛ كَمَا قَالَ الشَّاعِر:

(ترفع مَا رتعت حَتَّى إِذا ادكرت ... فَإِنَّمَا هى إقبال وإدبار)

أى ذَات إقبال وإدبار، وَيكون على أَنه جعلهَا الإقبال والإدبار لِكَثْرَة ذَاك مِنْهَا وَكَذَلِكَ قَوْله عز وَجل: {وَلَكِن الْبر من آمن بِاللَّه} الْوَجْه: وَلَكِن الْبر بر من آمن بِاللَّه وَيجوز أَن يوضع الْبر فى مَوضِع الْبَار على مَا ذكرت لَك فَإِذا قلت: مَا أَنْت إِلَّا شرب الْإِبِل - فالتقدير: مَا أَنْت إِلَّا تشرب شرب الْإِبِل، وَالرَّفْع فى هَذَا أبعد؛ لِأَنَّهُ إِذا قَالَ: مَا أَنْت إِلَّا سير فَالْمَعْنى: مَا أَنْت إِلَّا صَاحب سير؛ لِأَن السّير لَهُ فَإِذا قَالَ: مَا أَنْت إِلَّا شرب الْإِبِل فَفِيهِ فعل؛ لِأَن الشّرْب لَيْسَ لَهُ وَإِنَّمَا التَّقْدِير: إِلَّا تشرب شربا مثل شرب الْإِبِل، فَإِذا أَرَادَ / الضَّمِير فى الرّفْع كثر، فَصَارَ الْمَعْنى: مَا أَنْت إِلَّا صَاحب شرب كشرب الْإِبِل، فَهَذَا ضَعِيف خَبِيث وَمثل الأول قَوْله:

(وَكَيف تواصل من أَصبَحت ... خلالته كأبى مرحب)

يُرِيد: كخلالة أَبى مرحب فَهَذَا كَقَوْلِه عز وَجل: {وَلَكِن الْبر من آمن بِاللَّه} وَمن ذَلِك قَول الشَّاعِر:

(وَقد خفت حَنى مَا تزيد مخافتى ... على وعل فى ذى الفقارة عَاقل) وَاعْلَم أَن المصادر لَا تمْتَنع من إِضْمَار أفعالها " ذَا ذكرت مَا يدل عَلَيْهَا، أَو كَانَ بالحضرة مَا يدل على ذَلِك وقياسها قِيَاس سَائِر الْأَسْمَاء فى رَفعهَا ونصبها وخفضها، إِلَّا أَنَّهَا تبدل من أفعالها أَلا ترى قَوْله عز وَجل: {فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء للسائلين} أَن قَوْله (أَرْبَعَة) قد دلّ على أَنَّهَا قد تمت فَكَأَنَّهُ قَالَ: اسْتَوَت اسْتِوَاء وَمثله: {الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَئْ خَلقَهُ} ؛ [لِأَن فعله خلَق] فَقَوله (أحسن) ؛ أى خلق حسنا خلقا، ثمَّ أَضَافَهُ وَمثل ذَلِك: {وعد الله} ؛ لِأَنَّهُ لما قَالَ: {ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله} علم أَن ذَلِك وعد مِنْهُ، / فَصَارَ بِمَنْزِلَة: وعدهم وَعدا، ثمَّ أَضَافَهُ وَكَذَلِكَ: {كتاب الله عَلَيْكُم} لما قَالَ: {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} أعلمهم أَن ذَلِك مَكْتُوب عَلَيْهِم، فَكَأَنَّهُ قَالَ: كتب الله ذَلِك وَمن زعم أَن قَوْله: {كتاب الله عَلَيْكُم} نصب بقوله: عَلَيْكُم كتاب الله - فَلَيْسَ يدرى مَا الْعَرَبيَّة؛ لِأَن الْأَسْمَاء الْمَوْضُوعَة مَوضِع الْأَفْعَال لَا تتصرف تصرف الْأَفْعَال، فتنصب مَا قبلهَا فَمن ذَلِك قَوْله:

(مَا إِن يمس الأَرْض إِلَّا منْكب ... مِنْهُ وحرف السَّاق طى الْحمل)

وَذَلِكَ أَنه دلّ بِهَذَا الْوَصْف على أَنه منطو فَأَرَادَ: طوى طى الْمحمل فَهَذِهِ أَوْصَاف تبدل من الْفِعْل، لدلالتها عَلَيْهِ

هَذَا بَاب مَا يكون من المصادر توكيدا

وَذَلِكَ قَوْلك: لَا إِلَه إِلَّا الله قولا حَقًا كَأَنَّك قلت: أَقُول قولا حَقًا؛ لِأَن قَوْلك لَا إِلَه إِلَّا الله هُوَ حق وَكَذَلِكَ لأضربنك قسما حَقًا لِأَنَّهُ بدل من قَوْلك: أقسم، وَكَذَلِكَ: لأقومن قسما / لِأَن قَوْلك: لأفومن فِيهِ لَام الْقسم وَمثله:

(إنى لأمنحك الصدود وإننى ... قسما إِلَيْك مَعَ الصدود لأميل)

فَإِن قَالَ قَائِل: ك قد تقع اللَّام فِيمَا لَا قسم فِيهِ قيل: تقع على تَقْدِير الْقسم؛ لِأَن قَوْلك: وَالله لَأَفْعَلَنَّ مُتَّصِل، وَلَو أقسم مقسم على فعل لم يَقع - لم يكن ليتصل بِهِ إِلَّا اللَّام وَالنُّون، فَإِنَّمَا حَقه الْقسم ذكر أَو حذف، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مثل الكعيت يعْنى البلبل، والجميل - إِنَّمَا هُوَ مصغر، وَإِن كَانَ تكبيره غير مُسْتَعْمل لعِلَّة قد ذَكرنَاهَا فى بَاب التصغير أَلا ترى أَنه يرد إِلَى الأَصْل فى جمعه، فَيجمع على تكبيره، وَذَلِكَ قَوْلك فى جمع كميت: كمت؛ كَمَا تَقول: أشقر وشقر؛ لِأَن الأَصْل أكمت، وَإِنَّمَا هُوَ مصغر تَصْغِير التَّرْخِيم وَكَذَلِكَ تَقول: كعنان، وجملان؛ لِأَن تكبيره: فعل؛ كَمَا تَقول فى النغر، والصرد، والجعل: جعلان، ونغران، وصردان فَمثل ذَلِك كرْسِي، وقمرى إِنَّمَا هُوَ فعل، وَالْيَاء يَاء النّسَب / وَإِن لم يسْتَعْمل غير مَنْسُوب، وَلَيْسَ فِيهِ نسب إِلَى أَرض وَلَا رجل وَلَا غير ذَلِك وَمن المصادر مَا يَقع فى مَوضِع الْحَال فيسد مسده، فَيكون حَالا، لِأَنَّهُ قد نَاب عَن اسْم الْفَاعِل، وأغنى غناءه، وَذَلِكَ قَوْلهم: قتلته صبرا إِنَّمَا تَأْوِيله: صَابِرًا أَو مصبرا، وَكَذَلِكَ: جِئْته مشيا؛ لِأَن الْمَعْنى: جِئْته مَاشِيا فالتقدير: أمشى مشيا، لِأَن المجئ على حالات، والمصدر قد دلّ على فعله من تِلْكَ الْحَال وَلَو قلت: جِئْته إِعْطَاء لم يجز؛ لِأَن الْإِعْطَاء لَيْسَ من المجئ، وَلَكِن جِئْته سعيا، فَهَذَا جيد؛ لِأَن المجئ يكون سعيا قَالَ الله عز وَجل: {ثمَّ ادعهن يأتينك سعيا} فَهَذَا اخْتِصَار يدل على مَا يرد مِمَّا يشاكلها، ويجرى مَعَ كل صنف مِنْهَا صفحة فارغة

هَذَا بَاب الْأَسْمَاء الَّتِى تُوضَع مَوضِع المصادر الَّتِى تكون حَالا

وَذَلِكَ قَوْلك: كَلمته فَاه إِلَى فى، وبايعته يدا بيد فَإِنَّمَا انتصب؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ: كَلمته مشافهة، وبايعته نَقْدا، فَوضع قَوْله: (فَاه إِلَى فى) / مَوضِع مشافهة، وَوضع قَوْله: (يدا بيد) فى مَوضِع نَقْدا فَلَو قلت: كَلمته فوه إِلَى فى لجَاز؛ لِأَنَّك تُرِيدُ: كَلمته وفوه إِلَى فى وَأما بايعته يدا بيد فَلَا يجوز غَيره؛ لِأَن الْمَعْنى: بايعته نَقْدا، أى: أخذت مِنْهُ، وَأعْطيت، وَلست تخبر أَنَّك بايعته وَيَد بيد؛ كَمَا أَنَّك كَلمته وفوه إِلَى فِيك وَلَكِن تَقول: بايعته يَده فَوق رَأسه، أردْت: وَيَده فَوق رَأسه، أى: وَهَذِه حَاله؛ لِأَن هَذَا لَيْسَ من نعت الْمُبَايعَة؛ كَمَا كَانَ قَوْلك: مشافهة ونقدا من نعت الْفِعْل، فَكَذَلِك بايعته وَيَده فى يدى وَاعْلَم أَن من المصادر مَا يدل على الْحَال وَإِن كَانَ معرفَة وَلَيْسَ بِحَال، وَلَكِن دلّ على مَوْضِعه، وَصلح للموافقة، فنصب، لِأَنَّهُ فى مَوضِع مَا لَا يكون إِلَّا نصبا وَذَلِكَ قَوْلك: أرسلها العراك وَفعل ذَلِك جهده وطاقته، لِأَنَّهُ فى مَوضِع: فعله مُجْتَهدا، وأرسلها معتركة؛ لِأَن الْمَعْنى: أرسلها وهى تعترك، وَلَيْسَ الْمَعْنى أرسلها؛ / لتعترك قَالَ الشَّاعِر:

(فأرسلها العراك وَلم يذدها ... وَلم يشفق على نغص الدخال) وَاعْلَم أَن هَذِه المنتصبات عَن المصادر فى مَوضِع الْأَحْوَال، وَلَيْسَت بأحوال، وَلكنهَا مُوَافقَة، وموضوعة فى مَوَاضِع غَيرهَا؛ لوقوعها مَعَه فى الْمَعْنى وَكَذَلِكَ: جاءنى الْقَوْم قاطبة، وطرا إِنَّمَا مَعْنَاهُ: جاءنى الْقَوْم جَمِيعًا، وَلَكِن وَقع (طَرَأَ) فى معنى الْمصدر؛ كَمَا تَقول: جاءنى الْقَوْم جَمِيعًا إِذا أَخَذته من قَوْلك: جمعُوا جمعا وَقد يكون الْجمع اسْما للْجَمَاعَة قَالَ الله عز وَجل: {سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} فَأَما قَوْلك: (طَرَأَ) فقد كَانَ يُونُس يزْعم أَنه اسْم نكرَة للْجَمَاعَة وَإِن لم يَقع إِلَّا حَالا وَيُقَال: طررت الْقَوْم، أى: مَرَرْت بهم جَمِيعًا وَقَالَ النحويون سوى يُونُس: إِنَّه فى مَوضِع الْمصدر الذى يكون حَالا

هَذَا بَاب الاسماء الْمَوْضُوعَة فى مَوَاضِع المصادر إِذا أُرِيد بهَا ذَلِك أَو أُرِيد بهَا التوكيد جرت على مَا قبلهَا مجْرى كلهم وأجمعين

وَذَلِكَ قَوْلك: مَرَرْت بزيد وَحده، ومررت بأخويك وَحدهمَا، ومررت بالقوم خمستهم، ومررت بهم ثَلَاثَتهمْ، وَأَتَاهُ الْقَوْم قضهم بقضيضهم أما قَوْلك: مَرَرْت بزيد وَحده فتأويله: أوحدته بمرورى إيحادا؛ كَقَوْلِك: أفردته بمرورى إفرادا وقولك: (وَحده) فى معنى الْمصدر، فَلَا سَبِيل إِلَى تَغْيِيره عَن النصب وَأما قَوْلك: مَرَرْت بالقوم خمستهم فَجَائِز أَن تجريه على الأول فَتَقول: مَرَرْت بالقوم خمستهم، وَمَا أشبه الْخَمْسَة من قَوْلك: ثَلَاثَتهمْ، وأربعتهم، وَالْمعْنَى مُخْتَلف لِأَنَّك إِذا قلت: مَرَرْت بالقوم خمستهم - فَمَعْنَاه: بهؤلاء تخميسا؛ كَقَوْلِك: مَرَرْت بِهِ وَحده؛ أى: لم أخلط مَعَه أحدا فَكَذَلِك قَوْلك فى الْجَمَاعَة إِنَّمَا هُوَ خصصتهم وَإِذا قلت: مَرَرْت بالقوم خمستهم - فَهُوَ على أَنه قد علم أَنهم خَمْسَة، فَإِنَّمَا أجْرى مجْرى / كل أَرَادَ: مَرَرْت بالقوم كلهم، أى: لم أبق من هَؤُلَاءِ الْخَمْسَة أحدا فَالْمَعْنى يحْتَمل أَن تكون قد مَرَرْت بغيرهم؛ كَمَا أَنَّك إِذا قلت: مَرَرْت بإخوتك كلهم جَازَ أَن تكون قد مَرَرْت بغيرهم أَيْضا وَأما قَوْلك: مَرَرْت بالقوم قضهم بقضيضهم فعلى هَذَا كَأَنَّك قلت: مَرَرْت بالقوم كلهم وجماعتهم وَمن قَالَ: قضهم بقضيضهم أَرَادَ: انقضاضا، أى: انقض أَوَّلهمْ على آخِرهم وَلَا يجوز مَرَرْت بزيد كُله؛) ؛ لِأَن (كلا) لَا يقوم فى هَذَا الْموضع، وَلَا يجوز: مَرَرْت بأخويك اثنيهما؛ لِأَن الِاثْنَيْنِ هما الْهَاء وَالْمِيم، والشئ لَا يُضَاف إِلَى نَفسه وَإِنَّمَا قلت: خمستهم؛ لِأَن (هم) لكل جمع، فاقتطعت من الْجمع شَيْئا، فأضفته إِلَى جَمِيعه، فَصَارَ مُخْتَصًّا بِهِ و (هما) لَا يكون إِلَّا تَثْنِيَة فَإِن قلت: فَأَنت تَقول: كِلَاهُمَا منطلق ف (كلا) لَا يكون إِلَّا لاثْنَيْنِ، فَلم أضفته إِلَى ضميرهما؟ فَالْجَوَاب فى ذَلِك: أَن (كلا) اسْم وَاحِد فِيهِ معنى التَّثْنِيَة، فَإِنَّمَا أضفت وَاحِدًا إِلَى اثْنَيْنِ أَلا ترى أَنَّك تَقول: الِاثْنَان منطلقان، وَكِلَاهُمَا منطلق، وكلانا كَفِيل ضَامِن عَن صَاحبه فَإِنَّمَا تَأْوِيله: كل وَاحِد / منا؛ كَمَا قَالَ الشَّاعِر:

(أكاشره وَأعلم أَن كِلَانَا ... على مَا سَاءَ صَاحبه حَرِيص) وَمَعَ هَذَا إِن التَّثْنِيَة إِنَّمَا تخرج عَن الْوَاحِد تَقول: رجل ورجلان، وَامْرَأَة امْرَأَتَانِ فَمن هَذَا الْوَجْه أَيْضا إِذا قلت للْوَاحِد: مَرَرْت بِهِ وَحده، قلت للاثنين: مَرَرْت بهما وَحدهمَا فَذا بَين جدا فَأَما قَوْلهم: هَذَا نَسِيج وَحده فَلَا معنى لَهُ إِلَّا الْإِضَافَة، لِأَنَّهُ يخبر أَنه لَيْسَ فى مِثَاله أحد، فَلَو لم يضف إِلَيْهِ لقَالَ: هَذَا نَسِيج إفرادا فالإضافة فى الْحَقِيقَة إِلَى الْمصدر وَكَذَلِكَ عيير وَحده، وجحيش وَحده وَلَو قَالَ: جحيش نَفسه وعيير نَفسه وَحدهَا لصلح؛ لِأَنَّهُ الرجل الذى يخْدم نَفسه وَحدهَا فَهَذَا بَين جدا وَكَانَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش لَا يُجِيز: اخْتصم أَخَوَاك كِلَاهُمَا، وَلَا اقتتل أَخَوَاك كِلَاهُمَا، وَيَقُول: (اخْتصم) لَا يكون إِلَّا من اثْنَيْنِ أَو أَكثر، وَإِنَّمَا أَقُول: جاءنى أَخَوَاك كِلَاهُمَا؛ لأعْلم السَّامع أَنه لم يَأْتِ وَاحِد، وَكَذَلِكَ: جاءنى إخْوَتك كلهم؛ لأعْلم أَنى لم أبق / مِنْهُم وَاحِدًا، فَقيل لَهُ: فَقل: اخْتصم أَخَوَاك كِلَاهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يلتبس بِمَا بعد التَّثْنِيَة، فَذهب إِلَى أَن (كِلَاهُمَا) يكثر بِهِ، وَلَا يقلل بِهِ وَهَذَا قَول كثير من النَّحْوِيين وَلَيْسَ كَمَا قَالَ إِذا حدد وَذَلِكَ أَن (كلا) عُمُوم؛ لِأَن الْأَعْدَاد قد يقْتَصر على الشئ مِنْهَا، فَيكون كلَاما، فَتَقول: جاءنى بَنو فلَان، فَيجوز أَن تعنى بَعْضًا دون الْكل فَإِذا قلت: كلهم دخلت لتدل على الْعُمُوم و (كلا) لَيْسَ كَذَلِك إِنَّمَا تقع على الِاثْنَيْنِ وَأَنت تُرِيدُ كل وَاحِد مِنْهُمَا فَهَذَا لَا يَقع إِلَّا على مَا وَصفنَا لِأَن جمَاعَة أَكثر من جمَاعَة، وَلَا يكون اثْنَان أَكثر عددا من اثْنَيْنِ فَتَقول: تَكْثِير أَو تقليل وَمن قَول الْأَخْفَش أَنه لَا يجوز: اسْتَوَى زيد وَعَمْرو كِلَاهُمَا: لِأَن الاسْتوَاء لَا يكون من وَاحِد، إِذا أَرَادَ: سَاوَى فلَان فلَانا، بل يدْخل فى بَاب اقتتل، واختصم، وَنَحْوه وَإِنَّمَا تستخرج هَذِه الْمسَائِل بالتفتيش وَالْقِيَاس وَاعْلَم أَن من الْأَسْمَاء أَسمَاء محتمله لَا تنفصل بأنفسها فَمَتَى مَا سمع مِنْهَا شئ علم أَن صَوَابه أَن يكون مَحْمُولا على غَيره، وَذَلِكَ قَوْلك: / جاءنى رجل آخر لَا يجوز هَذَا إِلَّا أَن تكون قد ذكرت قبله رجلا، فَتَقول: جاءنى فلَان وَرجل آخر، أَو يَقُول الْقَائِل: هَل جَاءَك فلَان؟ فَتَقول: جاءنى رجل آخر وَكَذَلِكَ: سَائِر كَذَا وَكَذَا لَا يكون إِلَّا مُضَافا إِلَى شَيْء قد ذكر بعضه تَقول: رَأَيْت الْأَمِير دون سَائِر الْأُمَرَاء، وجاءنى عبد الله وَتَأَخر عَنى سَائِر إخواتى، إِذا كَانَ عبد الله أَخَاك، فَإِن لم يكن أَخَاك لم تجز الْمَسْأَلَة إِذا لم يكن بَعْضًا أضفت السائر إِلَيْهِ وَلَو قلت: أتتنى جاريتك وَامْرَأَة أُخْرَى [كَانَ جَائِزا، وَلَو قلت: أتتنى جاريتك وَرجل آخر لم يجز، وَكَذَلِكَ لَو قلت: أتانى إخْوَتك، وَامْرَأَة أُخْرَى كَانَ] غير جَائِز فَإِن قلت: أتانى أَخُوك، وإنسان آخر جَازَ وَإِن عنيت بالإنسان امْرَأَة؛ لِأَن الْبَاب الذى ذكرتها بِهِ يجمعها وَكَذَلِكَ: جاءتنى جاريتك وإنسان آخر، وَأَنت تعنى بالإنسان رجلا فَهُوَ جيد بَالغ فَأَما قَوْله:

(صلى على عزة الرَّحْمَن وابنتها ... ليلى وَصلى على جاراتها الْأُخَر)

فَإِنَّهُ جعل ابْنَتهَا جَارة لَهَا، وَلَوْلَا ذَلِك لم يجز أَلا ترى إِلَى قَول الله عز وَجل: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} لما قدم من ذكر الْأَيَّام وَكَذَلِكَ: {مِتْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} فَهَذَا بَاب هَذَا وَكَانَ حد (آخر) أَن يكون مَعَه (من كَذَا، وَكَذَا) إِلَّا أَن / (أفعل) يَقع على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون نعتا قَائِما فى المنعوت، نَحْو: أَحْمَر، وأصفر، وأعور وَالْوَجْه الآخر: أَن يكون للتفضيل، نَحْو: هَذَا أفضل من زيد، وأكبر من عبد الله فَإِن أردْت هَذَا الْوَجْه لم يكن إِلَّا أَن تَقول: من كَذَا وَكَذَا، أَو بِالْألف وَاللَّام؛ نَحْو: هَذَا الْأَصْغَر، والأكبر فَأَما قَوْله فى الآذان: الله أكبر - فتأويله: كَبِير؛ كَمَا قَالَ عز وَجل: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه} فَإِنَّمَا تَأْوِيله: وَهُوَ عَلَيْهِ هَين؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَال: شئ أَهْون ليه من شئ وَنَظِير ذَلِك قَوْله (ولعمرك مَا أدرى - وإنى لأوجل - ... على أَيّنَا تعدو الْمنية أول)

أى: إنى لوجل فَأَما إِذا أردْت من كَذَا وَكَذَا فَلَا بُد من (مِنْهُ) أَو الْألف وَاللَّام؛ كَقَوْلِك: جاءنى زيد وَرجل آخر، إِنَّمَا مَعْنَاهُ: آخر مِنْهُ وَلَكِن علم أَن الآخر لَا يكون إِلَّا بعد مَذْكُور أَو بعد أول، فَلم يحْتَج إِلَى (مِنْهُ) وَالدَّلِيل على أَن الأَصْل هَذَا قَوْلهم فى مؤنثه: أُخْرَى؛ كَمَا تَقول: هَذَا أول مِنْك، وَهَذِه الأولى، والأوسط، وَالْوُسْطَى، والأكبر والكبرى فلولا أَن (آخر) قد اسْتغنى فِيهِ عَن ذكر (من كَذَا) لَكَانَ لَازِما؛ كَمَا يلْزم قَوْلك: / هَذَا أول من ذَاك؛ وَلذَلِك قلت فى أخر بِغَيْر الصّرْف؛ لِأَنَّهَا محدودة عَن وَجههَا؛ لِأَن الْبَاب لَا يسْتَعْمل إِلَّا بِالْألف وَاللَّام أومن كَذَا فَلَمَّا سقط (من كَذَا) سقط مَا يُعَاقِبهُ، فَلم يصرف قَالَ الله عز ذكره (وَأخر متشابهات) فَلم يصرف وَقَالَ: (فَعدَّة من أَيَّام أخر) ، فَلم يصرف فهذان دليلان بينان مَعَ الْمَعْنى الذى يجمعه وَاعْلَم أَن (أفعل) إِذا أردْت أَن تضعه مَوضِع الْفَاعِل فمطرد فَمن ذَلِك قَوْله:

(قبحتم يَا آل زيد نَفرا ... ألام قوم أصغرا وأكبرا)

يُرِيد: صَغِيرا وكبيرا فَهَذَا سَبِيل هَذَا الْبَاب

هَذَا بَاب مسَائِل (أفعل) مستقصاة بعد مَا ذكرنَا من أُصُوله

تَقول: مَرَرْت بِرَجُل خير مِنْك أَبوهُ، وجاءنى رجل خير مِنْك أَخُوهُ، وَرَأَيْت رجلا أفضل مِنْك أَخُوهُ يخْتَار فى هَذَا الرّفْع والانقطاع منا الأول؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ اسْم الْفَاعِل الذى يجرى على الْفِعْل؛ نَحْو: فَاعل وَمَا أشبه ذَلِك مِمَّا هُوَ اسْم الْفَاعِل، نَحْو: مَرَرْت بِرَجُل حسن أَبوهُ؛ لِأَنَّهُ اسْم من حسن يحسن، ومررت بِرَجُل كريم أَبوهُ / لِأَنَّهُ من كرم كضارب من ضرب و (أفضل) فِيهِ معنى الْفِعْل، فَإِن أجريته على الأول فبذلك الْمَعْنى، كَأَنَّك قلت: يفضله أَبوهُ وَإِن لم تجره فَلَمَّا ذكرت لَك، وَهُوَ الْبَاب فَإِن جرى على الأول أتبعته؛ لِأَنَّهُ نعت لَهُ خَاصَّة، وَذَلِكَ قَوْلك: مَرَرْت بِرَجُل خير مِنْك، ومررت بدرهم سَوَاء يَا فَتى، ومررت بِرَجُل سَوَاء درهمه فَإِن قلت: بِرَجُل سَوَاء هُوَ والعدم خفضت؛ لِأَن (سَوَاء) لَهُ خَاصَّة فعلى هَذَا يجرى هَذَا الْبَاب ثمَّ نذْكر الْمسَائِل، ونقول: مَا رَأَيْت رجلا أحسن عِنْده زيد من عَمْرو فجريت (أحسن) على الأول خلافًا لما ذكرت أَنه الْمُخْتَار، وَلم يجز هَاهُنَا غَيره؛ وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت: مَا رَأَيْت رجلا أحسن فى عينه الْكحل مِنْهُ فى عين زيد، فَأَرَدْت أَن ترفع (أحسن) كنت قد أضمرت قبل الذّكر، وَذَلِكَ لِأَن الْهَاء فى قَوْلك (مِنْهُ) إِنَّمَا هى الْكحل وَلَو قلت: مَا رَأَيْت رجلا أحسن فى عينه الْكحل مِنْهُ فى عين زيد - كنت قد فصلت بَين الْكحل وَمَا هُوَ لَهُ بِمَا لَيْسَ من الْكَلَام، وَوَضَعته فى / غير مَوْضِعه، فَإِن أخرت الْكحل، فَقلت: مَا رَأَيْت رجلا أحسن فى عينه مِنْهُ فى عين زيد الْكحل وَأَنت تقدر أَن (أحسن) هُوَ الِابْتِدَاء - كَانَ خطأ لما قدمت من ضمير الْكحل قبل ذكره وَإِن قدرت أَن يكون (الْكحل) هُوَ الِابْتِدَاء فجيد بَالغ، وتأخيره كتقديمه فكأنك قلت مَا رَأَيْت رجلا الْكحل فى عينه أحسن مِنْهُ فى عين زيد وَكَذَلِكَ لَو قلت: مَا من أَيَّام أحب إِلَى الله فِيهَا الصَّوْم مِنْهُ فى عشر ذى الْحجَّة [كَانَ هُوَ الْوَجْه إِلَّا أَن تقدم فَتَقول: مَا من أَيَّام الصَّوْم أحب إِلَى الله فِيهَا مِنْهُ فى عشر ذى الْحجَّة] أَو تُؤخر الصَّوْم، وَمَعْنَاهُ التَّقْدِيم، فَيكون كتأخيرك الْكحل فى الْمَسْأَلَة الأولى وَتقول: زيد أفضل مِنْهُ عبد الله، وَرَأَيْت زيدا أفضل مِنْهُ عبد الله أردْت: رَأَيْت زيدا عبد الله أفضل مِنْهُ، فتجعله ابْتِدَاء وخبرا فى مَوضِع الْمَفْعُول الثانى وَأما قَوْلهم: مَرَرْت بِرَجُل أَخبث مَا يكون أَخبث مِنْك أَخبث مَا تكون، ومررت بِرَجُل خير مَا يكون خير مِنْك خير مَا تكون فَهَذَا على إِضْمَار إِذْ كَانَ، وَإِذا كَانَ، وَاحْتمل / الضَّمِير؛ لِأَن الْمَعْنى يدل عَلَيْهِ وَالتَّقْدِير: مَرَرْت بِرَجُل خير مِنْك إِذا كَانَ خير مَا يكون إِذا كنت خير مَا تكون وَمثل هَذَا قَوْلك: هَذَا بسرا أطيب مِنْهُ تَمرا فَإِن أَوْمَأت إِلَيْهِ وَهُوَ بسر، تُرِيدُ: هَذَا إِذْ صَار بسرا أطيب مِنْهُ إِذا صَار تَمرا، وَإِن أَوْمَأت إِلَيْهِ وَهُوَ تمر قلت: هَذَا بسرا أطيب مِنْهُ تَمرا، أى هَذَا إِذْ كَانَ بسرا أطيب مِنْهُ إِذْ صَار تَمرا، فَإِنَّمَا على هَذَا يُوَجه؛ لِأَن الِانْتِقَال فِيهِ مَوْجُود فَإِن أَوْمَأت إِلَى عِنَب قلت: هَذَا عِنَب أطيب مِنْهُ بسر، وَلم يجز إِلَّا الرّفْع؛ لِأَنَّهُ لَا ينْتَقل فَتَقول: هَذَا عِنَب أطيب مِنْهُ بسر، تُرِيدُ: هَذَا عِنَب الْبُسْر أطيب مِنْهُ فَأَما هَذَا الْبَيْت فينشد على ضروب:

(الْحَرْب أول مَا تكون فنية ... تسْعَى بزينتها لكل جهول) مِنْهُم من ينشد: الْحَرْب أول مَا تكون فتية يَجْعَل (أول) ابْتِدَاء ثَانِيًا، وَيجْعَل الْحَال يسد مسد الْخَبَر وَهُوَ فتية / فَيكون هَذَا كَقَوْلِك: الْأَمِير أَخطب مَا يكون قَائِما، وَقد بَينا نصب هَذَا فى قَول سِيبَوَيْهٍ، ودللنا على مَوضِع الْغَلَط فى مذاهبهم وَمَا كَانَ الْأَخْفَش يخْتَار، وَهُوَ الذى لَا يجوز غَيره فَأَما تصييره (فتية) حَالا لأوّل، أول مُذَكّر، وفتية مُؤَنّثَة - فَلِأَن الْمَعْنى مُشْتَمل عَلَيْهَا فَخرج هَذَا مخرج قَول الله عز وَجل: {وَمِنْهُم من يَسْتَمِعُون إِلَيْك} ؛ لِأَن (مَنْ) وَإِن كَانَ موحد اللَّفْظ فَإِن مَعْنَاهُ هَاهُنَا الْجمع، وَكَذَلِكَ: {فَمَا مِنْكُم من أحد عَنهُ حاجزين} وَهَذَا كثير جدا وَمِنْه قَول الشَّاعِر:

(تعش فَإِن عاهدتنى لَا تخوننى ... نَكُنْ مثل من يَا ذِئْب يصطحبان)

أَرَادَ مثل اثْنَيْنِ وَمثل اللَّذين وَقَرَأَ الْقُرَّاء: {وَمَنْ تَقنُتْ مِنْكنَّ لله وَرَسُولِه وَتَعْمَل صَالِحاً} وَأما أَبُو عَمْرو فَقَرَأَ: {وَمن يقنت مِنْكُن لله وَرَسُوله وتعمل صَالحا} ، فَحمل مَا يلى على اللَّفْظ، وَمَا تبَاعد مِنْهَا على الْمَعْنى، وَنَظِير قَوْله عز وَجل: {بلَى من أسلم وَجهه لله وَهُوَ محسن فَلهُ أجره عِنْد ربه} فَهَذَا على لفظ (مَنْ) ، ثمَّ قَالَ: / {وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} على الْمَعْنى وَهَذَا كثير جدا وَمِنْهُم من ينشد: الْحَرْب أول مَا تكون فتية - يُرِيد: الْحَرْب فتية فى هَذَا الْوَقْت وَمِنْهُم من ينشد: الْحَرْب أول مَا تكون فتية على غير هَذَا التَّفْسِير الأول وَلَكِن على قَوْله: أول مَا تكون تسْعَى يزينتها فتية، فَقدم الْحَال وَمِنْهُم من ينشد: الْحَرْب أول مَا تكون فتية أَرَادَ: الْحَرْب فتية وهى أول مَا تكون وَمِنْهُم من ينشد: الْحَرْب أول مَا تكون فتية فخبر أَنَّهَا أول شئ فى هَذِه الْحَال فَهَذِهِ الْوُجُوه تدل على مَا بعْدهَا وَلَو قَالَ قَائِل: مَعْنَاهُ: أَنَّهَا أول مَا تكون إِذا كَانَت فتية، على قِيَاس: هَذَا بسرا أطيب مِنْهُ تَمرا - كَانَ مجيدا فَأَما قَوْلهم: الْبر أرخص مَا يكون قَفِيزا بدرهم، وَالزَّيْت أرخص مَا يكون منوين دِرْهَم فعلى هَذَا وَقَوْلهمْ: أرخص مَا يكون الْبر بستين، تَأْوِيله: الكربستين وَلَكنهُمْ حذفوا (الْكر) لعلمهم بِأَن التسعير عَلَيْهِ يَقع فَكل مَا كَانَ مَعْلُوما فى القَوْل جَارِيا عِنْد النَّاس فَحَذفهُ جَازَ / لعلم الْمُخَاطب فعلى هَذَا فَأَجره

هَذَا بَاب من التسعير

تَقول: أخذت هَذَا بدرهم فَصَاعِدا، وأخذته بِدِرْهَمَيْنِ فزائدا لم ترد: أَنَّك أَخَذته بدرهم وبصاعد، فَجَعَلتهمَا ثمنا، وَلَكِن التَّقْدِير: أَنَّك أَخَذته بدرهم، ثمَّ زِدْت صاعدا؛ فَمن ثمَّ دخلت الْفَاء، وَلَو أدخلت (ثمَّ) لَكَانَ جَائِزا؛ نَحْو: أَخَذته بدرهم ثمَّ صاعدا، وَلَكِن الْفَاء أَجود، لِأَن مَعْنَاهُ الِاتِّصَال، وَشَرحه على الْحَقِيقَة: أَخَذته بدرهم فَزَاد الثّمن صاعدا وَمن ذَلِك قَوْلك: بِعْت الشَّاء شَاة ودرهما إِنَّمَا تَأْوِيله على الْحَقِيقَة: بِعْت الشَّاء مسعرا شَاة بدرهم فَإِن قلت: لَك الشَّاء شَاة ودرها - كنت بِالْخِيَارِ: إِن شِئْت رفعت؛ لِأَن لَك ظرف فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك: عبد الله فى الدَّار قَائِم، وَقَائِمًا إِن قلت: (قَائِم) فَإِنَّمَا خبرت عَن قِيَامه وَإِن قلت (قَائِما) فَإِنَّمَا خبرت عَن كَونه فى هَذَا الْمحل، فاستغنى الْكَلَام بِهِ وَمن قَالَ: فى الدَّار عبد الله - وَهُوَ يُرِيد أَن يرفع الْقَائِم -، فَلَيْسَ بِكَلَام تَامّ؛ لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بِخَبَر وَإِنَّمَا (قَائِم) هُوَ الْخَبَر، ف (فى الدَّار) ظرف للقائم لَا لزيد وَإِذا كَانَ (فى الدَّار) خَبرا فَهُوَ لزيد لَا لقائم وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَتَقْدِير قَوْلك: الشَّاء شَاة ودرهما: وَجب لَك الشَّاء مسعرا شَاة بدرهم؛ كَمَا أَنه إِذا قَالَ: زيد فى الدَّار قَائِما - فَمَعْنَاه: اسْتَقر زيد فى الدَّار قَائِما، وَإِذا قَالَ: لَك الشَّاء شَاة وَدِرْهَم فَإِنَّمَا الْمَعْنى: الشَّاء شَاة بدرهم، ثمَّ خبر أَنه بِهَذَا السّعر، فعلى هَذَا يجرى هَذَا الْبَاب

هَذَا بَاب مَا يَقع فى التسعير من أَسمَاء الْجَوَاهِر الَّتِى لَا تكون نعوتا

تَقول: مَرَرْت ببر قفيز بدرهم؛ لِأَنَّك لَو قلت: مَرَرْت ببر قفيز كنت ناعتا بالجوهر وَهَذَا لَا يكون؛ لِأَن النعوت تحلية، والجواهر هى المنعوتات وَتقول: الْعجب من بر مَرَرْنَا بِهِ قَفِيزا بدرهم فَإِن قلت: فَكيف أجعله حَالا للمعرفة، وَلَا أجعله / صفة للنكرة؟ فَإِن فَإِن سِيبَوَيْهٍ اعتل فى ذَلِك بِأَن النَّعْت تحلية وَأَن الْحَال مفعول فِيهَا، وَهَذَا على مذْهبه صَحِيح بَين الصِّحَّة وَشَرحه وَإِن لم يذكرهُ سِيبَوَيْهٍ: إِنَّمَا هُوَ مَوْضُوع فى مَوضِع قَوْلك: مسعرا فالتقدير: لعجب من بر مَرَرْنَا بِهِ مسعرا على هَذِه الْحَال وَإِذا قَالَ: مَرَرْت ببر قفير بدرهم فتأويله: قفيز مِنْهُ بدرهم، وَلَوْلَا ذَلِك لم يجز أَن يتَّصل بِالْأولِ وَيكون فى مَوضِع نَعته وَلَا رَاجع إِلَيْهِ مِنْهُ وَإِنَّمَا هَذَا كَقَوْلِك: مَرَرْت بِرَجُل غُلَام لَهُ قَائِم وَقد أجَاز قوم كثير أَن ينعَت بِهِ فَيُقَال: هَذَا راقود خل، وَهَذَا خَاتم حَدِيد وسنشرح مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، ونبين فَسَاده على النَّعْت، وجوازه فى الإتباع لما قبله إِن شَاءَ الله وَيُقَال للذى أجَاز هَذَا على النَّعْت: إِن كنت سمعته من الْعَرَب مَرْفُوعا فَإِن رَفعه غير مَدْفُوع، وتأويله: الْبَدَل؛ لِأَن مَعْنَاهُ: خَاتم حَدِيد، وَخَاتم من حَدِيد فَيكون رَفعه على الْبَدَل / والإيضاح فَأَما ادعاؤك أَنه نعت، وَقد ذكرت أَن النَّعْت إِنَّمَا هُوَ تحلية، فقد نقضت مَا أَعْطَيْت، وَالْعلَّة أَنْت ذكرتها، وَإِنَّمَا حق هَذَا أَن تَقول: راقود خل، أَو راقود خلا عل التَّبْيِين فَهَذَا حق هَذَا فَإِن اعتل بقوله: مَرَرْت بِرَجُل فضَّة خَاتمه، ومررت بِرَجُل أَسد أَبوهُ، على قبحه فِيمَا ذكره وَبعده - فَإِن هَذَا فى قَوْلك: فضَّة خَاتمه غير جَائِز، إِلَّا أَن يُرِيد: شَبيه بِالْفِضَّةِ، وَيكون الْخَاتم غير فضَّة فَهَذَا مَا ذكرت لَك أَن النَّعْت تحلية وعَلى هَذَا: مَرَرْت بِرَجُل أَسد أَبوهُ؛ لِأَنَّهُ وَضعه فى مَوضِع شَدِيد أَبوهُ أَلا ترى أَن سِيبَوَيْهٍ لم يجز: مَرَرْت بدابه أَسد أَبوهَا إِذا أَرَادَ السَّبع بِعَيْنِه، فَإِذا أَرَادَ الشدَّة جَازَ عل مَا وصفت، وَلَيْسَ كجواز: مَرَرْت بِرَجُل قَائِم أَبوهُ، لِأَن لهَذَا اللَّفْظ وَالْمعْنَى، وَذَاكَ مَحْمُول على مَعْنَاهُ فَحق الْجَوَاهِر أَن تكون منعوته؛ ليعرف بَعْضهَا من بعض وَحقّ الْأَسْمَاء الْمَأْخُوذَة من الْأَفْعَال أَن تكون / نعوتا لما وصفت لَك فَإِن قلت: مَرَرْت ببر قفيز بدرهم - جَازَ على الْبَدَل، ويجيزه على النَّعْت من عبنا قَوْله، وأوضحنا فَسَاده فَإِن قيل: مَعْنَاهُ مسعر - فَحق هَذَا النصب؛ لِأَن التسعير يعْمل فِيهِ فعلى هَذَا فأجر هَذَا الْبَاب فَأَما قَوْلهم: هَذَا خَاتم حديدا على الْحَال فتأويله: أَنَّك نبهت لَهُ فى هَذِه الْحَال فَإِن قلت: الْحَال بَابهَا الِانْتِقَال؛ نَحْو: مَرَرْت بزيد قَائِما قيل: الْحَال على ضَرْبَيْنِ: فأحدهما: التنقل، وَالْآخر: الْحَال اللَّازِمَة وَإِنَّمَا هى مفعول فاللزوم يَقع لما فى اسْمهَا، لَا لما عمل فِيهَا فَمن اللَّازِم قَوْله عز وَجل: {فَكَانَ عاقبتهما أَنَّهُمَا فِي النَّار خَالِدين فِيهَا} فالخلود مَعْنَاهُ: الْبَقَاء وَكَذَلِكَ: {وَأَمّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا} فَهَذَا الِاسْم لَا لما عمل فِيهِ

هَذَا بَاب مَا يجوز لَك فِيهِ النَّعْت وَالْحَال وَلَا يكون مجازهما وَاحِدًا، وَلما تحمل كل وَاحِد مِنْهُمَا عَلَيْهِ

وَذَلِكَ قَوْلك: مَرَرْت بِامْرَأَة مَعهَا رجل قامة يَا فَتى، إِذا حملت ذَلِك على مَرَرْت بِامْرَأَة، وَإِن حَملته على الْهَاء فى (مَعهَا) قلت: رجل قَائِمَة وَالْمعْنَى - إِذا نصبت -: أَنَّك مَرَرْت بِهِ مَعهَا فى حَال قِيَامهَا، فَكَانَت الْمُقَارنَة فى هَذِه الْحَال وَمن ذَلِك: هَذِه دَابَّة تشتد مكسورا سرجها إِن حَملته على الضَّمِير فى تشتد، وَإِن حَملته على دَابَّة رفعت، فَيكون نعتا كَأَنَّك قلت: هَذِه دابه مكسور سرجها، وفى الْبَاب الاخر أَنَّهَا تشتد فى هَذِه الْحَال وَتقول: نَحن قوم ننطلق عَامِدين بلد كَذَا، وَكَذَا فتنصب (عَامِدين) لما فى قَوْلك (ننطلق) فَإِن أردْت أَن تجربه على قوم رفعت وَقد قرأوا هَذِه الْآيَة {ويُخْرَجُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً} ، أى يخرج لَهُ طَائِره كتابا وَمن هَذَا الْبَاب: مَرَرْت بِرَجُل مَعَه صقر صائد بِهِ، وصائدا بِهِ فَإِن قلت: مَرَرْت بِرَجُل مَعَه امْرَأَة ضاربته كَانَ جيدا، وأجود مِنْهُ أَن تَقول: مَرَرْت بِرَجُل مَعَه امْرَأَة ضاربته ضاربها هُوَ لَا يكون إِلَّا كَذَلِك؛ لِأَنَّك أجريت النَّعْت عَلَيْهَا، وَالْفِعْل لَهُ وَكَذَلِكَ لَو قلت: مَرَرْت بِرَجُل مَعَه امْرَأَة ضاربته هى لم يكن من إِظْهَار الْفَاعِل بُد؟ لِأَنَّهُ الْفِعْل جرى على غير من هُوَ لَهُ وَإِنَّمَا يكون هَذَا الْإِظْهَار فى اسْم الْفَاعِل؛ لِأَنَّهُ تبين فِيهِ الاضمار الْإِضْمَار، وَأَنه مَحْمُول على الْفِعْل فَإِن كَانَ فعلا لم تحتج فِيهِ إِلَى إِظْهَار تَقول: مَرَرْت يرجل مَعَه امْرأ يضْربهَا وَمَعَهُ امْرَأَة تضربه وَكَذَلِكَ تَقول: زيد هِنْد ضاربته؛ لِأَن الْفِعْل لَهَا فَإِن قلت: زيد هِنْد ضاربها - قلت (هُوَ) ، ويجرى على وَجْهَيْن: إِن شِئْت جعلت زيدا ابْتِدَاء، و (هندا) ابْتِدَاء ثَانِيًا، و (ضاربها) خبر عنن هِنْد، وَالْهَاء والراجعة إِلَيْهَا، و (هُوَ) إِظْهَار فَاعل، ورجوعه إِلَى زيد وَإِن شِئْت جعلت قَوْلك (ضاربها) ابْتِدَاء ثَالِثا، وَجعلت / هُوَ خَبره، وجعلتهما خَبرا عَن هِنْد، وَجعلت هندا وَمَا بعْدهَا خَبرا عَن زيد وَتقول: مَرَرْت بزيد وَهِنْد الضاربته، أى وَهِنْد الَّتِى تضربه، فموضعها مَوضِع الْحَال بِمَنْزِلَة قَوْلك: كلمت زيدا، وَعَمْرو عِنْده فتقدير الْوَاو: تَقْدِير (إِذْ) ؛ كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {يغشى طَائِفَة مِنْكُم وَطَائِفَة قد أهمتهم أنفسهم} أى: إِذْ طَائِفَة فى هَذِه الْحَال وَتقول: أَنْت زيد ضاربه أَنْت؛ لِأَنَّك ابتدأت (أَنْت) ، وَجعلت زيدا مُبْتَدأ بعده، وضاربة لَك، فَكَانَ مُبْتَدأ ثَالِثا، وَأَنت خَبره، وَإِن شِئْت كَانَ خَبرا عَن زيد، وَأَنت فَاعله وَلَو أدخلت على هَذَا (كَانَ) لم تغيره عَن لَفظه، إِلَّا أَنَّك تجْعَل (زيدا) مَرْفُوعا بكان وَلَو أدخلت عَلَيْهِ (ظَنَنْت) أَو (إِن) لنصبت زيدا، وَتركت سَائِر الْكَلَام على حَاله؛ لِأَنَّهُ قد عمل بعضه فى بعض فَصَارَ كَقَوْلِك: كَانَ زيد أَبوهُ منطلق، وَإِن زيدا أَبوهُ منطلق وَأعلم أَنَّك إِذا قلت: كَانَ زيد أَبوهُ منطلق / أَن أَبَاهُ ومنطلقا فى مَوضِع نصب، والجمل لَا يعْمل فِيهَا مَا قبلهَا، وَكَذَلِكَ: كَانَ زيد يقوم يَا فَتى؛ لِأَنَّهُ فعل وفاعل، فَهُوَ كالابتداء وَالْخَبَر، فَهَذَا مِمَّا يُؤَكد عنْدك أَن عوامل الْأَسْمَاء لَا تعْمل فى الْأَفْعَال وَلَا يجوز أَن تدخل بَين الشئ وَمَا يعْمل فِيهِ شَيْئا مِمَّا لَا يعْمل فِيهِ، نَحْو: أَنْت زيد ضاربه إِذا جعلت (ضاربه) جَارِيا على زيد، والمسائل كَثِيرَة، وَالْأَصْل مَا وفقتك عَلَيْهِ [فقس] تصب إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب المصادر الَّتِى تشركها أَسمَاء الفاعلين، وَلَا تكون وَاقعَة هَذَا الْموقع إِلَّا وَمَعَهَا دَلِيل من مُشَاهدَة، فهى مَنْصُوبَة على ذَلِك، خَبرا كَانَت أَو استفهاما

وَذَلِكَ قَوْلك: أقائما يَا فلَان وَقد قعد النَّاس، وَذَلِكَ أَنه رَآهُ فى حَال قيام، فوبخه بذلك فالتقدير: أتثبت قَائِما وَقد قعد النَّاس، وَلَيْسَ يخبر عَن قيام منقض، وَلَا عَن قيام تستأنفه وَكَذَلِكَ لَو قَالَ: أقياما وَقد قعد النَّاس، وأجلوسا وَالنَّاس يَسِيرُونَ، وَمثله: أتخلفا عَن زيد مَعَ بره بك وفضله وَمن ذَلِك قَول الشَّاعِر:

(أطربا وَأَنت قنسرى ... )

إِنَّمَا رأى نَفسه فى حَال طرب / مَعَ سنه، فوبخها بذلك وَلَو لم تستفهم لَقلت مُنْكرا: قَاعِدا علم الله - وَقد سَار النَّاس، قَائِما كَمَا يرى وَالنَّاس قعُود فَهَذَا لَا يكون إِلَّا لما تشاهد من الْحَال؛ فَلذَلِك اسْتَغْنَيْت عَن ذكر الْفِعْل وَاعْلَم أَن الْأَسْمَاء الَّتِى لم تُؤْخَذ من الْأَفْعَال تجرى هَذَا المجرى وَذَلِكَ أَن ترى الرجل فى حَال تلون وتنقل، فَتَقول: أتميميا مرّة، وقيسيا أُخْرَى، تُرِيدُ: أتتحول وتتلون، وأغناه عَن ذكر الْفِعْل مَا شَاهد من الْحَال وَكَذَلِكَ إِن لم تستفهم قلت: تميميا مرّة - علم الله - وقيسيا أُخْرَى وَمن ذَلِك قَول الشَّاعِر:

(أفى السّلم أعيارا جفَاء وغلظة ... وفى الْحَرْب أشباه النِّسَاء العوارك)

وَقَالَ الآخر:

(أفى الولائم أَوْلَادًا لوَاحِد ... وفى العيادة أَوْلَادًا العلات)

هَذَا بَاب مَا وَقع من المصادر توكيدا

وَذَلِكَ قَوْلك: هَذَا زيد حَقًا؛ لِأَنَّك لما قلت: هَذَا زيد فخبرت - إِنَّمَا / خبرت بِمَا هُوَ عنْدك حق، فاستغنيت عَن قَوْلك: أَحَق ذَاك، وَكَذَلِكَ هَذَا زيد الْحق لَا الْبَاطِل؛ لِأَن مَا قبله صَار بَدَلا من الْفِعْل وَلَو قلت: هَذَا زيد الْحق - لَكَانَ رَفعه على وَجْهَيْن، وَلَيْسَ على ذَلِك الْمَعْنى، وَلَكِن على أَن تجْعَل (زيدا) هُوَ الْحق، وعَلى أَنَّك قلت: هَذَا زيد، ثمَّ قلت: الْحق، تُرِيدُ: قولي هُوَ الْحق، لِأَن (هَذَا زيد) إِنَّمَا هُوَ (قَوْلك) وَقد قرئَ هَذَا الْحَرْف على وَجْهَيْن، وَهُوَ قَوْله عز وَجل: {ذَلِك عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الحَقَّ} ، و (قولُ الحَقَّ) وَتقول: هَذَا القَوْل لَا قَوْلك، أى: وَلَا أَقُول قَوْلك فَتَأْوِيل هَذَا: أَن قَوْلك بِمَنْزِلَة هَذَا القَوْل حَقًا، وَهَذَا القَوْل غير قيل بَاطِل؛ لِأَنَّهُ توكيد للْأولِ وَلَو قلت: هَذَا القَوْل لَا قولا لم يكن لهَذَا الْكَلَام معنى؛ لِأَنَّك إِنَّمَا تؤكد الأول بشئ تحقه، فَإِذا قلت: غير قيل بَاطِل، فقد أوجبت أَنه حق [فَإِذا قلت: لَا قَوْلك - فقد دللت على أَنه قَول بَاطِل، فعلى] هَذَا تؤكد وَمن ذَلِك: لَأَضرِبَن زيدا قسما حَقًا وَمن ذَلِك قَوْله:

(إنى لأمنحك الصدود وإننى ... قسما إِلَيْك مَعَ الصدود لأميل)

لما قَالَ: إنى لأمنحك الصدود، وإننى إِلَيْك لأميل - علم أَنه مقسم، فَكَانَ هَذَا بَدَلا من قَوْله: أقسم قسما وَاعْلَم أَن المصادر كَسَائِر الْأَسْمَاء، إِلَّا أَنَّهَا تدل على أفعالها فَأَما فى الْإِضْمَار والإظهار والإخبار عَنْهَا والاستفهام، فهى بِمَنْزِلَة غَيرهَا تَقول إِذا رَأَيْت رجلا فى ذكر ضرب: زيدا تُرِيدُ: زيدا اضْرِب، واستغنيت عَن قَوْلك: (إضرب) بِمَا كَانَ فِيهِ من الذّكر، فعلى هَذَا إِذا ذكر فعلا فَقَالَ: لَأَضرِبَن، قلت: نعم، ضربا شَدِيدا فَإِن لم يكن ذكر، وَلَا حَال دَالَّة - لم يكن من الْإِظْهَار بُد، إِلَّا أَن يكون مَوضِع أَمر، فتضمر، وَتصير الْمصدر بَدَلا من اللَّفْظ بِالْفِعْلِ، وَإِنَّمَا يكون ذَلِك فى الْأَمر والنهى خَاصَّة؛ لِأَنَّهُمَا لَا يكونَانِ إِلَّا بِفعل، فتأمر بِالْمَصْدَرِ نكرَة، وَمَعْرِفَة بِالْألف وَاللَّام وَالْإِضَافَة، وَلذَلِك مَوضِع آخر: وَهُوَ أَن يكون الْمصدر قد اسْتعْمل فى مَوضِع الْفِعْل حَتَّى علم مَا يُرَاد بِهِ / وَمن ذَلِك سقيا لزيد؛ لِأَن الدُّعَاء كالأمر، والنهى وَإِنَّمَا أردْت: سقى الله زيدا سقيا فَإِن قلت ذَلِك لم تحتج إِلَى قَوْلك: لزيد وَإِن قلت: سقيا قلت بعده: لفُلَان؛ لتبين مَا تعنى، وَإِن علم من تعنى فَإِن شِئْت أَن تحذفه حذفته وَمن ذَلِك قَوْله عز وَجل: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرَّقَابِ} إِنَّمَا هُوَ: فاضربوا الرّقاب ضربا، ثمَّ أضَاف وَكَذَلِكَ قَوْله - تبَارك وَتَعَالَى: {فإِمَّا مَنًّا بَعدُ وَإِمَّا فِدَاءً} إِنَّمَا تَقْدِيره: فإمَّا مننتم منا، وَإِمَّا فاديتم فدَاء وَكَذَلِكَ {وعْدَ اللهِ حَقًّا} و (صُنْعَ اللهِ) وَاعْلَم أَن من المصادر مصَادر تقع فى مَوضِع الْحَال، وتغنى غناءه، فَلَا يجوز أَن تكون معرفَة؛ لِأَن الْحَال لَا تكون معرفَة وَذَلِكَ قَوْلك: جئْتُك مشيا، وَقد أدّى عَن معنى قَوْلك: جئْتُك مَاشِيا، وَكَذَلِكَ قَوْله عز وَجل: {ثمَّ ادعهن يأتينك سعيا} وَمِنْه: قَتله صبرا وَإِنَّمَا الْفَصْل بَين الْمصدر وَبَين اسْم الْفَاعِل أَنَّك إِذا قلت: عجبت من ضرب زيد عمرا - أَن ضربا فى معنى: (أَن ضرب) فَيحْتَاج مَا / بعْدهَا إِلَى الْفَاعِل وَالْمَفْعُول فَإِذا قلت: عجبت من ضَارب عمرا - فقد جِئْت بالفاعل، وَإِنَّمَا بقى الْمَفْعُول، وَالْفَاعِل يحمل على الْمصدر؛ كَمَا حمل الْمصدر عَلَيْهِ تَقول: قُم قَائِما فَالْمَعْنى: قُم قيَاما فَمن ذَلِك قَوْله:

(على حلف لَا أشتم الدَّهْر مُسلما ... وَلَا خَارِجا من فِي زور كَلَام)

إِنَّمَا أَرَادَ: لَا أشتم، وَلَا يخرج من فى زور كَلَام؛ فَأَرَادَ: وَلَا خُرُوجًا فَوضع (خَارِجا) فى مَوْضِعه، وَهَذَا قَول عَامه النَّحْوِيين وَكَانَ عِيسَى بن عمر يَأْبَى مَا فسرنا وَيَقُول: إِنَّمَا قَالَ:

(ألم ترنى عَاهَدت ربى وإننى ... لبين رتاج قَائِما ومقام)

(على حلفة لَا أشتم الدَّهْر مُسلما ... وَلَا خَارِجا من فى زور كَلَام) يُرِيد: عَاهَدت ربى على أُمُور وَأَنا فى هَاتين الْحَالَتَيْنِ: لَا شاتما، وَلَا خَارِجا من فى مَكْرُوه

هَذَا بَاب مَا يكون حَالا وَفِيه الْألف وَاللَّام على خلاف مَا تجرى بِهِ الْحَال لَعَلَّ دخلت

وَذَلِكَ قَوْلك: ادخُلُوا الأول فَالْأول، وادخلوا رجلا رجلا تَأْوِيله: ادخُلُوا وَاحِدًا بعد وَاحِد فَأَما الأول فَإِنَّمَا انتصب على الْحَال وَفِيه الْألف وَاللَّام؛ لِأَنَّهُ على غير مَعْهُود، فجريا مجْرى سَائِر الزَّوَائِد أَلا ترى أَنَّك لَو قلت: الأول فَالْأول أتونا - لم يجز؛ لِأَنَّك لست تقصد إِلَى شئ بِعَيْنِه، وَلَو قلت: الرجل أتونا - كَانَ جيدا وَإِن شِئْت قلت: دخلُوا الأول فَالْأول على الْبَدَل كَأَنَّك قلت: دخل الأول فَالْأول وَكَذَلِكَ لَو قلت: دخلُوا رجل فَرجل، فأبدلت النكرَة من الْمعرفَة؛ كَمَا قَالَ الله " عز وَجل: {بالناصية نَاصِيَة كَاذِبَة خاطئة} فَإِذا قلت: ادخُلُوا الأول فَالْأول، فَلَا سَبِيل عِنْد أَكثر النَّحْوِيين إِلَى الرّفْع؛ لِأَن الْبَدَل لَا يكون من الْمُخَاطب؛ لِأَنَّك لَو قدرته بِحَذْف الضَّمِير لم يجز فَأَما عِيسَى بن عمر فَكَانَ يُجِيزهُ، وَيَقُول: مَعْنَاهُ: ليدْخل الأول فَالْأول، وَلَا أرَاهُ إِلَّا جَائِزا على الْمَعْنى؛ لِأَن قَوْلك: / (ادخل) إِنَّمَا هُوَ: (لتدخل) فى الْمَعْنى وَقَرَأَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (فَبِذَلِكَ فَلتَفْرَحُوا) فَإِذا قلت: ادخُلُوا الأول وَالْآخر، وَالصَّغِير، وَالْكَبِير - فالرفع؛ لِأَن مَعْنَاهُ: ادخُلُوا كلكُمْ فَهَذَا لَا يكون إِلَّا مَرْفُوعا، وَلَا يكون إِلَّا بِالْوَاو؛ لِأَن الْفَاء تجْعَل شَيْئا بعد شئ، وَالْوَاو تتصل على معنى قَوْلك: كلكُمْ أَلا ترى أَنَّك تَقول: مَرَرْت بزيد أَخِيك، وَصَاحِبك، فَتدخل الْوَاو على حد قَوْلك: زيد الْعَاقِل الْكَرِيم، وَكَذَلِكَ زيد الْعَاقِل، والكريم وَلَو قلت: الْعَاقِل فالكريم، أَو الْعَاقِل ثمَّ الْكَرِيم - لخبرت أَنه اسْتوْجبَ شَيْئا بعد شئ وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ يَقُول: جيد أَن تَقول: هَذَا خاتمك حديدا، وَهَذَا سرجك خَزًّا، وَلَا تَقول على النَّعْت: هَذَا خَاتم حَدِيد إِلَّا مستكرها - إِلَّا أَن تُرِيدُ الْبَدَل؛ وَذَلِكَ لِأَن حديدا وَفِضة وَمَا أشبه ذَلِك جَوَاهِر، قلا ينعَت بهَا؛ لِأَن النَّعْت تحلية وَإِنَّمَا يكون هَذَا نعتا مستكرها إِذا أردْت التَّمْثِيل وَتقول: هَذَا خَاتم مثل الْحَد، أى فى لَونه وصلابته، وَهَذَا رجل أَسد / أى: شَدِيد فَإِن أردْت السَّبع بِعَيْنِه لم تقل: مَرَرْت بِرَجُل أَسد أَبوهُ هَذَا خطأ، وَإِنَّمَا أجَاز سِيبَوَيْهٍ: هَذَا خاتمك حديدا، وَهُوَ يُرِيد الْجَوْهَر بِعَيْنِه؛ لِأَن الْحَال مفعول فِيهَا، والأسماء تكون مفعولة، وَلَا تكون نعوتا حَتَّى تكون تحلية وَهَذَا فى تَقْدِير الْعَرَبيَّة كَمَا قَالَ، وَلَكِن لَا أرى الْمَعْنى يَصح إِلَّا بِمَا اشتق من الْفِعْل، نَحْو: هَذَا زيد قَائِما؛ لِأَن الْمَعْنى أنبهك لَهُ فى حَال قيام وَإِذا قَالَ: هَذَا خاتمك حديدا، فالحديد لَازم فَلَيْسَ للْحَال هَاهُنَا مَوضِع بَين، وَلَا أرى نصب هَذَا إِلَّا على التَّبْيِين؛ لِأَن التَّبْيِين إِنَّمَا هُوَ بالأسماء فَهَذَا الذى أرَاهُ، وَقد قَالَ سِيبَوَيْهٍ مَا حكيت لَك لَو قلت: مَرَرْت بزيد رجلا صَالحا لصلحت الْحَال لِقَوْلِك (صَالحا) إِلَّا أَن يكون علم أَنَّك مَرَرْت بزيد وَهُوَ بَالغ فَتَقول: مَرَرْت رجلا، أى فى حَال بُلُوغه فقد دللتك بِهَذَا على معنى الْحَال وَمن الْحَالَات قَوْلك: مَا شَأْنك قَائِما / وَالتَّقْدِير: مَا أَمرك فى هَذِه الْحَال فَهَذَا التَّقْدِير وَالْمعْنَى: لم قُمْت؟ كَمَا أَنَّك تَقول: غفر الله لزيد، وَاللَّفْظ لفظ الْإِخْبَار، وَالْمعْنَى معنى الدُّعَاء، وقولك: يعلم الله لأقومن اللَّفْظ لفظ: (يذهب زيد) وَالْمعْنَى الْقسم وَمثل هَذَا مَالك قَائِما؟ وَالتَّقْدِير: أى شئ لَك فى حَال قيامك؟ وَالْمعْنَى: لم قُمْت؟ قَالَ الله جلّ ذكره: {فَمَا لَهُم عَن التَّذْكِرَة معرضين} وَالْمعْنَى - وَالله أعلم - مَا لَهُم يعرضون؟ أى: لم أَعرضُوا؟ وَلَو قلت: من زيد قَائِما؟ لم يجز؛ لِأَن قَوْلك: من زيد؟ سُؤال يقتضى أَن تعرف: أَيْن عَمْرو هُوَ أم ابْن خَالِد؟ التميمى هُوَ أم القيسى؟ فالسؤال قد وَقع عَن تَعْرِيف الذَّات، فَلَيْسَ للْحَال هَاهُنَا مَوضِع وَلَو قلت: زيد أَخُوك قَائِما وَأَنت تُرِيدُ النّسَب فَهُوَ محَال لِأَن النّسَب لَازم فَلَيْسَ لَهُ فى الْقيام معنى، ويستحيل فى تَقْدِير الْعَرَبيَّة مَعَ اسحالته فى الْمَعْنى؛ لِأَن الْفِعْل ينصب الْحَال وَلَو قلت: زيد أَخُوك قَائِما، تُرِيدُ الصداقة - لَكَانَ جيدا الْمَعْنى: يصادقك فى هَذِه الْحَال وكل شئ كَانَ فِيهِ فعل مُجَرّد أَو معنى فعل، فالحال فِيهِ صَحِيحَة؛ نَحْو: المَال لَك / قَائِما، أى: تملكه فى هَذِه الْحَال، وَكَذَلِكَ: المَال لَك يَوْم الْجُمُعَة، وَلَا يصلح: زيد أَخُوك يَوْم الْجُمُعَة إِذا كَانَ من النّسَب؛ لِأَنَّهُ لَا فعل فِيهِ وظروف الزَّمَان لَا تضمن الجثث وكل مَا كَانَ فعلا أَو فى معنى الْفِعْل فعله فى ظروف الزَّمَان كعمله فى الْحَال فَأَما قَوْلهم: اللَّيْلَة الْهلَال، فَمَعْنَاه: الْحُدُوث، وَلَوْلَا ذَلِك لم يجز؛ كَمَا لَا تَقول: اللَّيْلَة زيد وَتقول: خرجت من الدَّار فَإِذا زيد فَمَعْنَى (إِذْ) هَاهُنَا المفاجأة فَلَو قلت على هَذَا: خرجت فَإِذا زيد قَائِما كَانَ جيدا؛ لِأَن معنى فَإِذا، أى: فَإِذا زيد قد وافقنى

هَذَا بَاب المخاطبة

فَأول كلامك لما تسْأَل عَنهُ، وَآخره لمن تسأله، وَذَلِكَ قَوْلك - إِذا سَأَلت رجلا عَن رجل -: كَيفَ ذَاك الرجل؟ فتحت الْكَاف؛ لِأَنَّهَا للذى تكلم وقولك (ذَاك) إِنَّمَا زِدْت الْكَاف على (ذَا) ، وَكَانَت لما تومئ إِلَيْهِ بِالْقربِ فَإِن قلت (هَذَا) ف (هَا) للتّنْبِيه، و (ذَا) هى / الِاسْم، فَإِذا خاطبت زِدْت الْكَاف للذى تكَلمه وَدلّ الْكَلَام بوقوعها على أَن الذى تومئ إِلَيْهِ بعيد، وَكَذَلِكَ جَمِيع الْأَسْمَاء المبهمة إِذا أردْت التراخى زِدْت كافا للمخاطبة؛ لِأَنَّك تحْتَاج إِلَى أَن تنبه بهَا الْمُخَاطب على بعد مَا تومئ إِلَيْهِ فَإِن سَأَلت امْرأ عَن رجل قلت: كَيفَ ذَاك الرجل؟ تكسر الْكَاف؛ لِأَنَّهَا لمؤنث قَالَ الله عز وَجل: {قَالَ كَذَلِك الله يخلق مَا يَشَاء} وَتقول - إِذا سَأَلت رجلا عَن امْرَأَة -: كَيفَ تِلْكَ الْمَرْأَة؟ بِفَتْح الْكَاف؛ لِأَنَّهَا لمذكر فَإِن سَأَلت امْرَأَة عَن امْرَأَة قلت: كَيفَ تِلْكَ الْمَرْأَة، بِكَسْر الْكَاف من أجل المخاطبة فَإِن سَأَلت امْرَأتَيْنِ عَن رجلَيْنِ قلت: كَيفَ ذانكما الرّجلَانِ؟ وَإِن سَأَلت رجلَيْنِ عَن إمراتين قلت: كَيفَ تانكما الْمَرْأَتَانِ؟ [وَإِن سَأَلت رجلَيْنِ عَن امْرَأَة قلت: كَيفَ تلكما الْمَرْأَة؟ وَإِن سَأَلت] امْرَأتَيْنِ عَن رجل قلت: كَيفَ ذاكما الرجل؟ وَإِن شِئْت قلت: ذلكما، تدخل اللَّام زَائِدَة، فَمن قَالَ فى الرجل (ذَاك) قَالَ فى الِاثْنَيْنِ (ذَانك) وَمن قَالَ فى الرجل (ذَلِك) قَالَ فى الِاثْنَيْنِ (ذَانك) بتَشْديد النُّون / تبدل من اللَّام نونا، وتدغم إِحْدَى النونين فى الْأُخْرَى، كَمَا قَالَ عز وَجل: {فذانك برهانان من رَبك} وَإِن سَأَلت رجلا عَن نسَاء قلت: كَيفَ أولئكم النِّسَاء؟ وَإِن سَأَلت نسَاء عَن رجال قلت: كَيفَ أولئكن الرِّجَال؟ وَإِن سَأَلت نسَاء عَن رجل قلت بِغَيْر اللَّام: كَيفَ ذاكن الرجل؟ وباللام: كَيفَ ذلكن الرجل؟ كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {فذلكن الَّذِي لمتنني فِيهِ} وَقد يجوز أَن تجْعَل مُخَاطبَة الْجَمَاعَة عل لفظ الْجِنْس؛ إِذْ كَانَ يجوز أَن تخاطب وَاحِدًا عَن الْجَمَاعَة، فَيكون الْكَلَام لَهُ، وَالْمعْنَى يرجع إِلَيْهِم؛ كَمَا قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَعُولُوا} وَلم يقل (ذَلِكُم) ؛ لِأَن الْمُخَاطب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا ورد من هَذَا الْبَاب فقسه على مَا ذكرت لَك تصب إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب تَأْوِيل هَذِه الْكَاف الَّتِى تقع للمخاطبة إِذا اتَّصَلت بِالْفِعْلِ نَحْو: رويدك وأرأيتك زيدا مَا حَاله؟ ، وقولك: أبصرك زيدا

اعْلَم أَن هَذِه الْكَاف زَائِدَة زيدت لِمَعْنى المخاطبة وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّك إِذا قلت: أرأيتك زيدا فَإِنَّمَا هى أَرَأَيْت زيدا؛ لِأَن الْكَاف لَو كَانَت اسْما اسْتَحَالَ أَن تعدى (رَأَيْت) إِلَى مفعولين: الأول والثانى هُوَ الأول وَإِن أردْت رُؤْيَة الْعين لم يَتَعَدَّ إِلَّا إِلَى مفعول وَاحِد، وَمَعَ ذَلِك أَن فعل الرجل لَا يتَعَدَّى إِلَى نَفسه، فيتصل ضَمِيره إِلَّا فى بَاب ظَنَنْت وَعلمت، لما قد ذكرنَا فى مَوْضِعه فَأَما (ضربتنى) ، و (ضربتك) يَا رجل فَلَا يكون وَكَذَلِكَ (أبصرك) زيدا يَا فلَان، إِنَّمَا هُوَ: أبْصر زيدا، وَدخلت الْكَاف للإغراء توكيدا للمخاطبة وَكَذَلِكَ (رويد) يدلك أَنَّك إِذا قلت: رويدك زيدا، إِنَّمَا تُرِيدُ: أرود زيدا، وَالْكَاف للمخاطبة أَلا ترى أَنَّهَا لَو كَانَت اسْم الْفَاعِل كَانَ خطأ؛ لِأَن الْوَاحِد الْمَرْفُوع لَا تظهر علامته فى الْفِعْل وَإِن كَانَ الْفِعْل لاثْنَيْنِ أَو ثَلَاثَة قلت: رويدكما، ورويدكم فَلَو كَانَ اسْم الْفَاعِل لَكَانَ ألفا فى التَّثْنِيَة، وواوا فى الْجمع؛ كَمَا تَقول: اذْهَبَا، واذهبوا وَقد تَقول: رويد زيدا إِذا لم ترد أَن تبين / المخاطبة؛ كَمَا تَقول: أَرَأَيْت زيدا، وَأبْصر زيدا وَزعم سِيبَوَيْهٍ أَن تقولك: رويدك زيدا إِذا أدخلت الْكَاف كَقَوْلِك: يَا فلَان لمن هُوَ مقبل عَلَيْك توكيدا للتّنْبِيه وَلمن هُوَ غير مقبل عَلَيْك لتعطفه بالنداء فَكَذَلِك تنبه بالمخاطبة، وَتركهَا كتركك (يَا فلَان) اسْتغْنَاء بإقبالك عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا القَوْل بِغَيْر الْكَاف: رويد زيدا؛ لِأَن رويد فى مَوضِع الْمصدر وَهُوَ غير مُتَمَكن؛ لِأَن الْمصدر من أرودت إِنَّمَا هُوَ الإرواد وَمن أَرَادَ أَن يَجْعَل (رويد) مصدرا مَحْذُوف الزَّوَائِد جَازَ لَهُ ذَلِك فَقَالَ: رويدا زيدا فنظير الأول قَوْله:

(رويد عليا جد مَا ثدى أمّهم ... إِلَيْنَا وَلَكِن ودهم متماين)

وَمن جعله مصدرا صَحِيحا قَالَ: رويدا زيدا، ورويد زيد؛ كَمَا تَقول: (ضرب الرّقاب) وَإِن كَانَ نعتا فَهُوَ مَصْرُوف منون على كل حَال، وَذَلِكَ قَوْلك: ضَعْهُ وضعا رويدا؛ كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {فمهل الْكَافرين أمهلهم رويدا} وَإِنَّمَا صرفنَا هَذَا الْمصدر عِنْد مَا جرى من ذكره مَعَ كَاف المخاطبة

هَذَا بَاب مسَائِل من هَذِه المصادر الَّتِى جرت

/ اعْلَم أَنَّك إِذا قلت: رويدك وَعبد الله فَهُوَ جَائِز وَفِيه قبح حَتَّى تَقول: رويدك أَنْت وَعبد الله وَقد تقدم تَفْسِير هَذَا فى بَاب عطف الظَّاهِر على الْمُضمر فَإِن جعلت (رويد) متصرفة قلت: رويد عبد الله، وَزيد، وَلَا تَقول: رويدك، ورويد زيد إِذا جعلت (رويد) غير متصرفة وَالْكَاف للمخاطبة؛ لِأَن الْكَاف لَيست باسم، و (رويد) اسْم، وَلَا يَقع الْعَطف على اسْتِوَاء إِلَّا أَن تجْعَل الْكَلَام الثانى على غير معنى الْكَلَام الأول، فَذَلِك جَائِز مَتى أردته وكل جملَة بعْدهَا جملَة فعطفها عَلَيْهَا جَائِز وَإِن لم يكن مِنْهَا؛ نَحْو: جاءنى زيد، وَانْطَلق عبد الله، وأخوك قَائِم، وَإِن تأتنى آتِك فَهَذَا على ذَا وَلَو قلت: ضَعْهُ وضعا رويدا، لم تقع (رويد) المحذوفة التَّنْوِين هَذَا الْموضع؛ لِأَن تِلْكَ لَا تقع إِلَّا فى الْأَمر على معنى: أرود زيدا وَاعْلَم أَن الْكَاف فى قَوْلك: (النجاءك) إِنَّمَا هى للمخاطبة بِمَنْزِلَة كَاف رويدك وَالدَّلِيل على ذَلِك لحاقها مَعَ الْألف وَاللَّام، وَلَو كَانَت اسْما كَانَ هَذَا محالا؛ لِأَنَّك لَا تضيف مَا فِيهِ الْألف وللام فَهَذَا بَين جدا وفى هَذِه المصادر فى الْأَمر والنهى من الضَّمِير مَا فى الْفِعْل، تَقول: النجاءك نَفسك، والنجاءكم كلكُمْ / والخفض خطأ؛ لِأَن الْكَاف لَيست باسم فَأَما عَلَيْك، ودونك، وَمَا أشبه ذَلِك - فَإِن الْكَاف فى مَوضِع خفض وَله ضمير الْمَرْفُوع الذى يكون بِهِ فَاعِلا، وَإِن شِئْت أتبعته التوكيد مَرْفُوعا، وَإِن شِئْت كَانَ مخفوضا تَقول: عَلَيْك نَفسك زيدا، وَإِن شِئْت نَفسك، لِأَنَّك تُرِيدُ: أنظر نَفسك وَالدَّلِيل على أَن الْكَاف لَهَا مَوضِع أَن حُرُوف الْإِضَافَة لَا تعلق وَلَا تنفرد فهى وَاقعَة على الْأَسْمَاء وكل شئ كَانَ فى مَوضِع الْفِعْل وَلم يكن فعلا يجوز أَن تَأمر بِهِ غَائِبا، وَلَا يجوز أَن تَقول: على زيد عمرا، وَلَا يجوز أَن تقدم فِيهِ وَلَا تُؤخر، فَتَقول: زيدا عَلَيْك، وزيدا دُونك وَمن زعم أَن قَول الله عز وَجل: {كتاب الله عَلَيْكُم} إِنَّمَا نَصبه بعليكم فَهَذَا خطأ، وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَإِنَّمَا قَالُوا: عَلَيْهِ رجلا لَيْسَنِى، لِأَن هَذَا مثل، والأمثال تجرى فى الْكَلَام على الْأُصُول كثيرا

هَذَا بَاب مَا يحمل على الْمَعْنى، وَحمله على اللَّفْظ أَجود

اعْلَم أَن الشئ لَا يجوز أَن يحمل على الْمَعْنى إِلَّا بعد اسْتغْنَاء اللَّفْظ، وَذَلِكَ قَوْلك: مَا جاءنى غير زيد وَعَمْرو حمل (عَمْرو) على الْموضع؛ لِأَن معنى قَوْله: (غير زيد) إِنَّمَا هُوَ: إِلَّا زيد، فَحمل (عَمْرو) على هَذَا الْموضع وَكَذَلِكَ قَوْله: مَا جاءنى من أحد عَاقل رفعت الْعَاقِل، وَلَو خفضته كَانَ أحسن وَإِنَّمَا جَازَ الرّفْع؛ لِأَن الْمَعْنى: مَا جاءنى أحد وَمن ذَلِك قِرَاءَة بعض النَّاس: {زين لكثير من الْمُشْركين قتل أَوْلَادهم شركاؤهم} لما قَالَ: قتل أَوْلَادهم - تمّ الْكَلَام، فَقَالَ: شركاؤهم على الْمَعْنى؛ لِأَنَّهُ علم أَن لهَذَا التزيين مزينا فَالْمَعْنى: زينه شركاؤهم وَمثل ذَلِك قَول الشَّاعِر:

(ليبك يزِيد ضارع لخصومة ... ومختبط مِمَّا تطيح الطوائح)

لما قَالَ: (لبيْك يزِيد) علم أَن لَهُ باكيا فَكَأَنَّهُ قَالَ: ليبكه ضارع لخصومة وَمن هَذَا قَوْلهم:

(قد سَالم الْحَيَّات مِنْهُ القدما ... الأفعوان والشجاع الشجعما)

فنصب الأفعوان؛ لِأَنَّك تعلم أَن الْقدَم مسالمة؛ كَمَا أَنَّهَا مسالمة، فَكَأَنَّهُ قَالَ: قد سالمت الْقدَم الأفعوان والشجاع وَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل: {انْتَهوا خيرا لكم} زعم الْخَلِيل أَنه لما قَالَ: " انْتَهوا " علم أَنه يدفعهم عَن أَمر، ويغريهم بِأَمْر يزجرهم عَن خِلَافه، فَكَانَ التَّقْدِير: ائْتُوا خيرا لكم وَقد قَالَ قوم: إِنَّمَا هُوَ على قَوْله: يكن خيرا لكم وَهَذَا خطأ فى تَقْدِير الْعَرَبيَّة؛ لِأَنَّهُ يضمر الْجَواب وَلَا دَلِيل عَلَيْهِ، وَإِذا أضمر (ايتُوا) فقد جعل (انْتَهوا) بَدَلا مِنْهُ، وَكَذَلِكَ انته يَا فلَان أمرا قَاصِدا وَقد مر من ذكر الْمُضْمرَات مَا يغنى عَن إِعَادَته وَمن ذَلِك قَول الشَّاعِر:

(وجدنَا الصَّالِحين لَهُم جَزَاء ... وجنات وعينا سلسبيلا)

فنصبهما؛ لِأَن الوجدان فى الْمَعْنى وَاقع عَلَيْهِمَا وَمثل ذَلِك:

(لن ترَاهَا وَإِن تَأَمَّلت إِلَّا ... وَلها فى مفارق الرَّأْس طيبا) لِأَن الرُّؤْيَة قد اشْتَمَلت على الطّيب وَهَذَا الْبَيْت أبعد مَا مر؛ / لِأَنَّهُ ذكره من قبل الِاسْتِغْنَاء وَإِنَّمَا جَازَ نَصبه على رَأَيْت؛ لِأَن الْمَعْنى: لن ترَاهَا إِلَّا وَأَنت ترى لَهَا فى مفارق الرَّأْس طيبا فَهَذَا على الْإِضْمَار فَأَما قَوْله:

(تواهق رجلاها يَدَيْهِ وَرَأسه ... )

فَمن أنْشدهُ بِرَفْع الْيَدَيْنِ فقد أَخطَأ؛ لِأَن الْكَلَام لم يسْتَغْن، وَلَو جَازَ لجَاز: ضَارب عبد الله زيد؛ لِأَن من كل وَاحِد مِنْهُمَا ضربا

هَذَا بَاب أم، وأو

فَأَما (أم) فَلَا تكون إِلَّا استفهاما، وَتَقَع من الِاسْتِفْهَام فى موضِعين: أَحدهمَا: أَن تقع عديلة للألف على معنى (أى) ، وَذَلِكَ قَوْلك: أَزِيد فى الدَّار أم عَمْرو؟ وَكَذَلِكَ: أأعطيت زيدا أم حرمته؟ فَلَيْسَ جَوَاب هَذَا (لَا) ، وَلَا (نعم) ؛ كَمَا أَنه إِذا قَالَ: أَيهمَا لقِيت؟ أَو: أى الْأَمريْنِ فعلت؟ لم يكن جَوَاب هَذَا (لَا) وَلَا (نعم) ؛ لِأَن الْمُتَكَلّم مُدع أَن أحد الْأَمريْنِ قد وَقع، لَا يدرى أَيهمَا هُوَ فَالْجَوَاب أَن تَقول: زيد أَو عَمْرو فَإِن كَانَ الْأَمر على غير دَعْوَاهُ [فَالْجَوَاب] أَن تَقول: لم ألق وَاحِدًا، أَو كليهمَا فَمن ذَلِك قَول الله / عز وَجل: {أتخذناهم سخريا أم زاغت عَنْهُم الْأَبْصَار} وَقَوله: {أأنتم أَشد خلقا أم السَّمَاء بناها} وَمثله: {أهم خير أم قوم تبع} ، فَخرج هَذَا مخرج التَّوْقِيف والتوبيخ، ومخرجه من النَّاس يكون استفهاما، وَيكون توبيخا فَهَذَا أحد وجهيها وَيدخل فى بَاب التَّسْوِيَة مثل قَوْلك: سَوَاء على أذهبت أَو جِئْت، وَمَا أبالى أَقبلت أم أَدْبَرت، وليت شعرى أَزِيد فى الدَّار أم عَمْرو؟ فقولك: (سَوَاء على) تخبر أَن الْأَمريْنِ عنْدك وَاحِد، فأدخلت حُرُوف الِاسْتِفْهَام هَاهُنَا لإيجابها التَّسْوِيَة أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت: أَزِيد فى الدَّار أم عَمْرو، أَنَّهُمَا فى علمك مستويان، فَهَذِهِ مضارعة، وَلِهَذَا تَقول: قد علمت أَزِيد فى الدَّار أم عَمْرو؛ لأنمها قد اسْتَويَا عِنْد السَّامع؛ كَمَا اسْتَوَى الْأَوَّلَانِ فى علمك و (أى) دَاخله فى كل مَوضِع تدخل فِيهِ (أم) مَعَ الْألف تَقول: قد علمت أَيهمَا فى الدَّار؟ تُرِيدُ: أذا أم ذَا قَالَ الله عز وَجل: {فَلْينْظر أَيهَا أزكى طَعَاما} وَقَالَ: {لنعلم أَي الحزبين أحصى} ؛ لِأَن الْمَعْنى: أذا أم ذَا؟ وعَلى ذَلِك / قَول الشَّاعِر:

(سَوَاء عَلَيْهِ أى حِين أَتَيْته ... أساعة نحس جِئْته أم بِأَسْعَد)

فقس (أيا) بِالْألف وَأم؛ كَمَا تَقول: أى الرجلَيْن أفضل أَزِيد أم عَمْرو؟ وسنفرد بَابا للمسائل بعد فراغنا من الْأُصُول، فَهَذَا أحد موضعيها والموضع الثانى: أَن تكون مُنْقَطِعَة مِمَّا قبلهَا خَبرا كَانَ أَو استفهاما، وَذَلِكَ قَوْلك فِيمَا كَانَ خَبرا: إِن هَذَا لزيد أم عَمْرو يَا فَتى وَذَلِكَ أَنَّك نظرت إِلَى شخص، فتوهمته زيدا، فَقلت على مَا سبق إِلَيْك، ثمَّ أدركك الظَّن أَنه عَمْرو، فَانْصَرَفت عَن الأول، فَقلت: أم عَمْرو مستفهما فَإِنَّمَا هُوَ إضراب عَن الأول على معنى (بل) ، إِلَّا أَن مَا يَقع بعد (بل) يَقِين، وَمَا يَقع بعد (أم) مظنون مَشْكُوك فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّك تَقول: ضربت زيدا نَاسِيا أَو غالطا، ثمَّ تذكر أَو تنبه، فَتَقول: بل عمرا مستدركا مثبتا للثانى، تَارِكًا للْأولِ ف (بل) تخرج من غلط إِلَى استثبات، وَمن نِسْيَان إِلَى ذكر و (أم) مَعهَا ظن أَو اسْتِفْهَام، وإضرب / عَمَّا كَانَ قبله وَمن ذَلِك: هَل زيد منطلق أم عَمْرو يَا فَتى قَائِما أضْرب عَن سُؤَاله عَن انطلاق زيد، وَجعل السُّؤَال عَن عَمْرو فَهَذَا مجْرى هَذَا، وَلَيْسَ على منهاج قَوْلك: أَزِيد فى الدَّار أم عَمْرو وَأَنت تُرِيدُ: أَيهمَا فى الدَّار؟ لِأَن (أم) عديله الْألف، و (هَل) إِنَّمَا تقع مستأنفة أَلا ترى أَنَّك تَقول: أما زيد فى الدَّار على التَّقْرِير، وَتقول: يَا زيد، أسكوتا وَالنَّاس يَتَكَلَّمُونَ توبخه بذلك وَقد وَقع مِنْهُ السُّكُوت، وَلَا تقع (هَل) فى هَذَا الْموضع أَلا ترى إِلَى قَوْله:

(أطربا وَأَنت قنسرى ... )

وَإِنَّمَا هُوَ: أتطرب وَهُوَ حَال طرب؟ وَذَلِكَ لِأَن الْألف و (أم) حرفا الِاسْتِفْهَام اللَّذَان يستفهم بهما عَن جَمِيعه، وَلَا يخرجَانِ مِنْهُ، وَلَيْسَ كَذَا سَار حُرُوف الِاسْتِفْهَام؛ لِأَن كل حرف مِنْهَا لضرب لَا يتَعَدَّى ذَلِك إِلَى غَيره، أَلا ترى أَن (أَيْن) إِنَّمَا هى سُؤال عَن الْمَكَان لَا يَقع إِلَّا عَلَيْهِ و (مَتى) سُؤال عَن زمَان، و (كَيفَ) سُؤال عَن حَال، و (كم) / سُؤال عَن عدد و (هَل) تخرج من حد الْمَسْأَلَة فَتَصِير بِمَنْزِلَة (قد) نجو: قَوْله عز وَجل -: {هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر لم يكن شَيْئا مَذْكُورا} فالألف (وَأم) لَا ينقلان عَن الِاسْتِفْهَام؛ كَمَا تنقل هَذِه الْحُرُوف، فَتكون جَزَاء، وَيكون مَا كَانَ مِنْهَا يَقع للنَّاس وَغَيرهم، نَحْو: (من) ، و (مَا) ، و (أى) كَذَلِك، يكون فى معنى الذى وحرفا الِاسْتِفْهَام اللَّذَان لَا يفارقانه: الْألف و (أم) ، وهما يدخلَانِ على هَذِه الْحُرُوف كلهَا أَلا ترى أَن الْقَائِل يَقُول: هَل زيد فى الدَّار أم هَل عَمْرو هُنَاكَ؟ وَتقول: كَيفَ صنعت أم كَيفَ صنع أَخُوك؟ فَدخل هَذَانِ الحرفان على حُرُوف الِاسْتِفْهَام لتمكنهما وانتقالهما فَمن ذَلِك قَوْله:

(هَل مَا علمت وَمَا اسْتوْدعت مَكْتُوم ... أم حبلها إِذْ نأتك الْيَوْم مصروم)

(أم هَل كَبِير بَكَى لم يقْض عبرته ... إِثْر الْأَحِبَّة يَوْم الْبَين مشكوم) فَأدْخل (أم) على (هَل) ، وَقَالَ:

(سَائل فوارس بربوع بشدتنا ... أهل رأونا بسفح القف ذى الأكم)

/ وَقَالَ:

(كَيفَ الْقَرار بِبَطن مَكَّة بَعْدَمَا ... هم الَّذين تحب بالإنجاد)

(أم كَيفَ صبرك إِذْ ثويت معالجا ... سقما خلافهم وسقمك بادى)

وَتدْخل حُرُوف الِاسْتِفْهَام على (من) ، و (مَا) ، و (أى) إِذا صرن فى معنى الذى بصلاتهن، وَكَذَلِكَ (أم) ، كَقَوْل الله عز وَجل: {أم من يُجيب الْمُضْطَر إِذا دَعَاهُ} ، وَكَقَوْلِه: {أَفَمَن يلقى فِي النَّار خير أم من يَأْتِي آمنا يَوْم الْقِيَامَة} ، فقد أوضحت لَك حَالهمَا فَأَما قَول الله عز وَجل: {اآم تَنْزِيلُ الكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبَّ العَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} وَقَوله: {أَم تَسْأَلُهُمْ أَجْراً} ، وَمَا كَانَ مثله؛ نَحْو قَوْله عز وَجل: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخلُقُ بَنَاتٍ} فَإِن ذَلِك لَيْسَ على جِهَة الِاسْتِفْهَام؛ لِأَن المستخبر غير عَالم، إِنَّمَا يتَوَقَّع الْجَواب فَيعلم بِهِ وَالله - عز وَجل - منفى عَنهُ ذَلِك وَإِنَّمَا تخرج هَذِه الْحُرُوف فى الْقُرْآن مخرج التوبيخ والتقرير، وَلكنهَا لتكرير توبيخ بعد توبيخ عَلَيْهِم أَلا ترَاهُ يَقُول عز وَجل: {أَفَمَنْ يُلْقَى فى النَّارِ خَيْرٌ أَم مَن يَأْتى آمِنًا يَوْمَ القِيَامَةِ} / - وَقد علم المستمعون كَيفَ ذَلِك - ليزجرهم عَن ركُوب مَا يُؤدى إِلَى النَّار، كَقَوْلِك للرجل: السَّعَادَة أحب إِلَيْك أم الشَّقَاء؛ لتوقفه أَنه على خطأ وعَلى مَا يصيره إِلَى الشَّقَاء، وَمن ذَلِك قَوْله: {أَلَيْسَ فى جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتكَبَّرِينَ} كَمَا قَالَ:

(ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى الْعَالمين بطُون رَاح)

وَأَنت تعلم أَنه لم يستفهم، وَلَكِن قررهم بِأَنَّهُم كَذَلِك وَأَنه قد ثَبت لَهُم، فمجاز هَذِه الْآيَات - وَالله أعلم -: أيقولون افتراه؟ على التوبيخ لَهُم، وَأَنَّهُمْ قَالُوا، فنبه الرَّسُول وَالْمُسْلِمين على إفكهم، وَترك خَبرا إِلَى خبر لَا على جِهَة الإضراب، وَلَكِن جِهَة تَكْرِير خبر بعد خبر: كَمَا يَقع أَمر بعد زجر، وَأمر بعد أَمر للترغيب، والترهيب وَالله أعلم

هَذَا بَاب من مسال (أم) فى الْبَابَيْنِ الْمُتَقَدِّمين لنوضح كل بَاب على حياله، ونبينه من صَاحبه إِن شَاءَ الله

تَقول: أعندك / زيد أم عَمْرو، فَإِذا أردْت: أَيهمَا عنْدك - فَهَذَا عَرَبِيّ حسن، والأجود: أَزِيد عنْدك أم عَمْرو؛ لِأَنَّك عدلت زيدا بِعَمْرو، فأوقعت كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى جَانب حرف الِاسْتِفْهَام، وَجعلت الذى لَا تسْأَل عَنهُ بَينهمَا، وَهُوَ قَوْلك: عنْدك وَكَذَلِكَ: أزيدا ضربت أم عمرا، أَزِيد قَامَ أم عَمْرو وَلَو قلت: أَقَامَ زيد أم عَمْرو؟ وأزيد أم عَمْرو قَامَ؟ وأزيد أم عَمْرو عنْدك؟ ، وأزيدا أم عمرا ضربت؟ كَانَ ذَلِك جَائِزا حسنا، وَالْوَجْه مَا وصفت لَك، وكل هَذَا غير بعيد فَإِن أردْت أَن تجربه على استفهامين قلت: أَزِيد عنْدك، أم عنْدك عَمْرو يَا فَتى استفهم أَولا عَن زيد، ثمَّ أدْركهُ الشَّك فى عَمْرو، فَأَضْرب عَن زيد، وَرجع إِلَى عَمْرو، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَزِيد عنْدك بل أعندك عَمْرو؟ فَهَذَا تَمْثِيل ذَلِك، وَمثله قَول كثير:

(أَلَيْسَ أَبى بالنضر أم لَيْسَ والدى ... لكل نجيب من خزاعه أزهرا)

/ ترك اسْتِفْهَام الأول، وَمَال إِلَى الثانى، وَإِنَّمَا أخرجه مخرج التَّقْرِير فى اللَّفْظ، كالاستخبار و (أم) المنقطعة تقع بعد الِاسْتِفْهَام كموقعها بعد الْخَبَر، وَمن ذَلِك قَوْلك: أَزِيد فى الدَّار أم لَا؟ لَيْسَ معنى هَذَا: معنى (أَيهمَا) ، وَلَكِنَّك استفهمت على أَنَّك ظَنَنْت أَنه فى الدَّار، ثمَّ أدركك الشَّك فى أَنه لَيْسَ فِيهَا، فأضربت عَن السُّؤَال عَن كَونه فِيهَا، وَسَأَلت عَن إصغارها مِنْهُ فَأَما قَول ابْن أَبى ربيعَة:

(لعمرك مَا أدرى - وَإِن كنت داريا - ... بِسبع رمين الْجَمْر أم بثمان)

فَلَيْسَ على الإضراب، وَلكنه أَرَادَ: أبسبع؟ فاضطر، فَحذف الْألف، وَجعل (أم) دَلِيلا على إِرَادَته إِيَّاه؛ إِذْ كَانَ الْمَعْنى على ذَلِك، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:

(لعمرك مَا أدرى - وَإِن كنت داريا - ... شعيث ابْن سهم أم شعيث ابْن منقر)

يُرِيد اشيعت فَأَما قَول الأخطل:

(كذبتك عَيْنك أم رَأَيْت بواسط ... غلس الظلام من الربَاب خيالا)

/ فَيكون على ضَرْبَيْنِ: يجوز أَن يكون: أكذبتك عَيْنك، فَحذف الْألف وَيجوز أَن يكون ابْتَدَأَ (كذبتك عَيْنك) مخبرا، ثمَّ أدْركهُ الشَّك فى أَنه قد رأى، فاستقهم مستثبتا وَأما مَا حكى الله عَن فِرْعَوْن من قَوْله: ( {أَلَيْسَ لي ملك مصر وَهَذِه الْأَنْهَار تجْرِي من تحتي أَفلا تبصرون أم أَنا خير من هَذَا الَّذِي هُوَ مهين} - فَإِنَّمَا تَأْوِيله - وَالله أعلم -: أَنه قَالَ: أَفلا تبصرون أم أَنا خير؟ على أَنهم لَو قَالُوا لَهُ: أَنْت خير لكانوا عِنْده بصراء، فَكَأَنَّهُ قَالَ - وَالله أعلم -: أَفلا تبصرون أم تبصرون وَهَذِه (أم) المنقطعة؛ لِأَنَّهُ أدْركهُ الشَّك فى بصرهم، كالمسألة فى قَوْلك: أَزِيد فى الدَّار أم لَا، وَقد مضى تَفْسِير هَذَا فَهَذَا فى قَول جَمِيع النَّحْوِيين لَا تعلم بَينهم اخْتِلَافا فِيهِ فَأَما أَبُو زيد وَحده فَكَانَ يذهب إِلَى خلاف مذاهبهم، فَيَقُول: (أم) زَائِدَة، وَمَعْنَاهُ: أَفلا تبصرون أَنا خير، وَكَانَ يُفَسر هَذَا الْبَيْت: (يَا دهر أم مَا كَانَ مشيى رقصا ... بل قد تكون مشيتى توقصا)

/ يُرِيد: يَا دهر، مَا كَانَ مَشى رقصا وَهَذَا لَا يعرفهُ الْمُفَسِّرُونَ، وَلَا النحويون، لَا يعْرفُونَ (أم) زَائِدَة وَلَكِن إِذا عرض الشئ فى الْبَاب ذَكرْنَاهُ، وَبينا عَنهُ وَتقول: لَيْت شعرى أَزِيد فى الدَّار أم عَمْرو؟ وَمَا بالي: أَقمت أم قعدت، وَسَوَاء على: أذهبت أم جِئْت، وَقد ذكرنَا هَذَا قبل، وَلَكِن رددناه لاستقصاء تَفْسِيره؛ لِأَن هَذَا لَيْسَ باستفهام، وَلَا قَوْلك: قد علمت أَزِيد فى الدَّار أم عَمْرو إِنَّمَا هُوَ أَنَّك قد علمت أَن أَحدهمَا فى الدَّار لَا ندرى أَيهمَا هُوَ؟ فقد اسْتَويَا عنْدك، فَهَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِى وَصفنَا مستوية، وَإِن لم تكن استفهاما فالتسوية أجرت عَلَيْهِ هَذِه الْحُرُوف؛ إِذْ كَانَت لَا تكون إِلَّا للتسوية وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن (أيا) لَا تكون إِلَّا لهَذَا الْمَعْنى دَاخِلَة على جَمِيعهَا أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت: أَزِيد فى الدَّار أم عَمْرو فَمَعْنَاه: أَيهمَا فى الدَّار وَإِذا قلت: سَوَاء على أذهبت أم جِئْت - فَمَعْنَاه: سَوَاء على أى ذَلِك كَانَ، كَمَا تَقول: مَا أبالى: أَقمت أم قعدت، أى مَا أبالى أى ذَلِك كَانَ، وليت شعرى! أى ذَلِك كَانَ أَلا ترى أَنه / لَا يدْخل على الِاسْتِفْهَام من الْأَفْعَال إِلَّا مَا يجوز أَن يلغى؛ لِأَن الِاسْتِفْهَام لَا يعْمل فِيهِ مَا قبله، وَهَذِه الْأَفْعَال هى الَّتِى يجوز أَلا تعْمل خَاصَّة، وهى مَا كَانَ من الْعم وَالشَّكّ فعلى هَذَا: (لنعلم أى الحزبين) (وَلَقَد علمُوا لمن اشْتَرَاهُ) ؛ لِأَن هَذِه اللَّام نفصل مَا بعْدهَا وَمَا قبلهَا تَقول: علمت لزيد خير مِنْك وعَلى ذَلِك قَوْله: (لَا أبالى أنب بالحزن تَيْس ... أم لحانى بِظهْر غيب لئيم)

وَقَول الشَّاعِر:

(لَيْت شعرى وَأَيْنَ منى لَيْت ... أَعلَى الْعَهْد يلبن فبرام)

وَقَالَ الشَّاعِر:

(سَوَاء عَلَيْك الْيَوْم أنصاعت النَّوَى ... بخرقاء أم أنحى لَك السَّيْف ذابح)

وَنَظِير إدخالهم التَّسْوِيَة على الِاسْتِفْهَام لاشتمال التَّسْوِيَة عَلَيْهَا قَوْلك: اللَّهُمَّ اغْفِر لنا أيتها الْعِصَابَة، فأجروا حرف النداء على الْعِصَابَة وَلَيْسَت مدعوة؛ لِأَن فِيهَا الِاخْتِصَاص الذى فى النداء، وَإِنَّمَا حق النداء أنم تعطف بِهِ الْمُخَاطب عَلَيْك، ثمَّ / تخبره، أَو تَأمره، أَو تسأله، أَو غير ذَلِك مِمَّا توقعه إِلَيْهِ، فَهُوَ مُخْتَصّ من غَيره فى قَوْلك: يَا زيد، وَيَا رجال فَإِذا قلت: اللَّهُمَّ اغْفِر لنا أيتها الْعِصَابَة فَأَنت لم تدع الْعِصَابَة، وَلَكِنَّك اختصصتها من غَيرهَا؛ كَمَا تخْتَص الْمَدْعُو، فَجرى عَلَيْهَا اسْم النداء، أعنى (أيتها) ، لمساواتها إِيَّاه الِاخْتِصَاص؛ كَمَا أَنَّك إِذا قلت: مَا أدرى أَزِيد فى الدَّار أم عَمْرو، فقد اسْتَويَا عنْدك فى الْمعرفَة وَإِن لم يكن هَذَا مستفهما عَنهُ، وَلَكِن مَحَله من الِاسْتِفْهَام كمحل مَا ذكرت لَك من النداء وعَلى هَذَا تَقول: على الْمضَارب الوضيعة أَيهَا الرجل، وَلَا يجوز أَن تَقول: يَا أَيهَا الرجل، وَلَا يَا أيتها الْعِصَابَة؛ لِأَنَّك لَا تنبه إنْسَانا إِنَّمَا تخْتَص و (يَا) إِنَّمَا هى زجر وتنبيه وَتقول: أَزِيد فى الدَّار أم فى الْبَيْت عَمْرو لَا تُرِيدُ معنى (أَيهمَا) وَلَكِنَّك أضربت عَن الأول، واستفهمت عَن الثانى على مَا شرحت وكل مَا كَانَ من الْإِخْبَار، وَمن حُرُوف الِاسْتِفْهَام غير الْألف فَلَيْسَتْ تقع (أم) بعده / إِلَّا مستأنفة، وَتَكون مَعَ الْألف مستأنفة إِذْ أجريتها على مَا وصفت لَك [فَإِذا أردْت معنى (أَيهمَا) عدلتها بِالْألف، وَتدْخل عَلَيْهَا مَا كَانَ للتسوية على مَا وَصفنَا] وَكَانَ الْخَلِيل يُجِيز: لأضربنه أذهب أم مكث يُرِيد: لأضربنه أى ذَلِك كَانَ، وَإِنَّمَا عبارَة الْألف وَأم ب (أى) فَحَيْثُ صلحت (أى) ، صلحتا، وَكَانَ يُجِيز على هَذَا: كل حق لَهَا سميناه أم لم نُسَمِّيه، على معنى قَوْله: أى ذَلِك كَانَ، وَالْوَجْه فى هَذَا (أَو) ، وَتَفْسِيره فى بَابهَا إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب أَو

وحقها أَن تكون فى الشَّك وَالْيَقِين لأحد الشَّيْئَيْنِ، ثمَّ يَتَّسِع بهَا الْبَاب، فيدخلها الْمَعْنى الذى فى الْوَاو من الْإِشْرَاك على أَنَّهَا تخص مَالا تخصه الْوَاو فَأَما الذى يكون فِيهِ لأحد الْأَمريْنِ يَقِينا أَو شكا فقولك: ضربت زيدا أَو عمرا، علمت أَن الضَّرْب قد وَقع بِأَحَدِهِمَا، وَذهب عَنْك أَيهمَا هُوَ؟ وَكَذَلِكَ: جاءنى زيد أَو أَخُوك فَأَما الْيَقِين فقولك: رَأَيْت زيدا أَو عمرا، أى: قد جعلتك فى ذَلِك مُخَيّرا، وَكَذَلِكَ: لَأُعْطيَن زيدا أَو عمرا درهما لم تنس شَيْئا، وَلَكِنَّك جعلت نَفسك فِيهِ مخيرة وَالْبَاب الذى يَتَّسِع فِيهِ قَوْلك: ائْتِ زيدا أَو عمرا أَو خَالِدا، لم ترد: ائْتِ وَاحِدًا من هَؤُلَاءِ، وَلَكِنَّك أردْت: إِذا أتيت فَاتَ هَذَا الضَّرْب من النَّاس؛ كَقَوْلِك: إِذا ذكرت فاذكر زيدا أَو عمرا أَو خَالِدا فَإِذا نهيت عَن هَذَا قلت: لَا تأت زيدا أَو عمرا أَو خَالِدا، أى لَا تأت هَذَا الضَّرْب من النَّاس؛ كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفورا} والفصل بَين (أَو) وَبَين الْوَاو أَنَّك إِذا قلت: اضْرِب زيدا وعمرا، فَإِن ضرب أَحدهمَا فقد عصاك، وَإِذا قَالَ: (أَو) فَهُوَ مُطِيع لَك فى ضرب أَحدهمَا أَو كليهمَا وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ: لَا تأت زيدا وعمرا، فَأتى أَحدهمَا فَلَيْسَ بعاص، وَإِذا قَالَ: لَا تأت زيدا أَو عمرا فَلَيْسَ لَهُ أَن يأتى وَاحِدًا مِنْهُمَا، فتقديرها فى النهى: لَا تأت زيدا وَلَا عمرا، وتقديرها فى الْإِيجَاب: ائْتِ زيدا؛ وَإِن شت فَائت عمرا مَعَه وَتقول: لأضربنه / ذهب أَو مكث؛ أى: لأضربنه فى هَذِه الْحَال كَانَ أَو فى هَذِه الْحَال وعَلى هَذَا تَقول: وكل حق لَهَا دَاخل فِيهَا أَو خَارج مِنْهَا، وَإِن شت دَاخل فِيهَا وخارج مِنْهَا أما الْوَاو فعلى قَوْلك: كل حق لَهَا من الدَّاخِل، وَالْخَارِج وَأما (أَو) فعلى قَوْلك: إِن كَانَ ذَلِك الْحق دَاخِلا أَو كَانَ خَارِجا وَهَذَا الْبَيْت ينشد على وَجْهَيْن:

(إِذا مَا انْتهى علمى تناهيت عِنْده ... أَطَالَ فأملى أَو تناهى فأقصرا)

وينشد: أم تناهى أما (أَو) فعلى قَوْلك: إِن طَال، وَإِن قصر وَأما (أم) فعلى قَوْلك: أى ذَلِك كَانَ؟ وَالْألف فى (أَطَالَ) ألف اسْتِفْهَام، وَالْأَحْسَن فى هَذَا (أَو) ؛ لِأَن التَّقْدِير: إِن كَانَ كَذَا، وَإِن كَانَ كَذَا، وَكَذَلِكَ كل مَوضِع لَا يَقع فِيهِ اسْتِفْهَام على معنى أَيهمَا، وأيهم، ونسق بِهِ على هَذَا التَّقْدِير وكل مَوضِع يَقع فِيهِ (أى) كَائِنا مَا كَانَ - فألف الِاسْتِفْهَام و (أم) تدخلانه، وَإِن كَانَ الْأَحْسَن فيهمَا مَا قَصَصنَا وَتقول: مَا أدرى أزيدا / أَو عمرا ضربت أم خَالِدا لم ترد أَن تعدل بَين زيد، وَعَمْرو، وَلَكِنَّك جعلتهما جَمِيعًا عدلا لخَالِد فى التَّقْدِير، وَالْمعْنَى: مَا أدرى أحد هذَيْن ضربت أم خَالِدا وَتقول: قد علمت أربعى أم مضرى أَنْت أم تميمى كَأَنَّهُ قَالَ: قد علمت أم من أحد هذَيْن الشعبين أَنْت أم تميمى وعَلى هَذَا ينشد قَول صفي بنت عبد الْمطلب:

(كَيفَ رَأَيْت زبرا)

(أأقطا أم تَمرا)

(أم قرشيا صقرا) لم ترد أَن تجْعَل الأقط عدلا للتمر فَتَقول: أَهَذا، أم هَذَا وَلَكِن أردْت: أطعاما رَأَيْت أم قرشيا لَا يصلح فى الْمَعْنى إِلَّا هَذَا فَأَما قَول الله عز وَجل: {وأرسلناه إِلَى مائَة ألف أَو يزِيدُونَ} فَإِن قوما من النَّحْوِيين يجْعَلُونَ (أَو) فى هَذَا الْموضع بمنزل " بل " وَهَذَا فَاسد عندنَا من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن (أَو) لَو وَقعت فى هَذَا الْموضع موقع (بل) لجَاز أَن تقع فى غير هَذَا الْموضع، وَكنت تَقول: ضربت زيدا أَو عمرا، وَمَا ضربت زيدا أَو عمرا على غير / الشَّك، وَلَكِن على معنى (بل) فَهَذَا مَرْدُود عِنْد جَمِيعهم وَالْوَجْه الآخر: أَن (بل) لَا تأتى فى الْوَاجِب فى كَلَام وَاحِد إِلَّا للإضراب بعد غلط أَو نِسْيَان، وَهَذَا منفى عَن الله عز وَجل؛ لِأَنَّهُ الْقَائِل إِذا قَالَ: مَرَرْت بزيد غالطا فاستدرك، أَو نَاسِيا فَذكر، قَالَ: بل عَمْرو؛ ليضْرب عَن ذَلِك، وَيثبت ذَا وَتقول: عندى عشرَة بل خَمْسَة عشر على مثل هَذَا، فَإِن أَتَى بعد كَلَام قد سبق من غَيره فالخطأ إِنَّمَا لحق كَلَام الأول؛ كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا} فَعلم السَّامع أَنهم عنوا الْمَلَائِكَة بِمَا تقدم من قَوْله: {وَجعلُوا الْمَلَائِكَة الَّذين هم عباد الرَّحْمَن إِنَاثًا} وَقَالَ: {أم اتخذ مِمَّا يخلق بَنَات} وَقَالَ: {ويجعلون لله مَا يكْرهُونَ} وَقَالَ: {بل عباد مكرمون} ، أى: بل هَؤُلَاءِ الَّذين ذكرْتُمْ أَنهم ولد عباد مكرمون وَنَظِير ذَلِك أَن تَقول للرجل: قد جَاءَك زيد، فَيَقُول: بل عَمْرو وَلَكِن مجَاز هَذِه الْآيَة عندنَا مجَاز مَا ذكرنَا قبل فى قَوْلك: ائْتِ / زيدا أَو عمرا أَو خَالِدا، تُرِيدُ: ايت هَذَا الضَّرْب من النَّاس، فَكَأَنَّهُ قَالَ - وَالله أعلم -: إِلَى مائَة ألف أَو زِيَادَة وَهَذَا قَول كل من نثق بِعِلْمِهِ وَتقول: وكل حق لَهَا علمناه أَو جهلناه تُرِيدُ توكيد قَوْلك: كل حق لَهَا، فكأنك قلت: إِن كَانَ مَعْلُوما، أَو مَجْهُولا فقد دخل فى هَذَا البيع جَمِيع حُقُوقهَا وَلها فى الْفِعْل خَاصَّة أُخْرَى نذكرها فى إِعْرَاب الْأَفْعَال إِن شَاءَ الله وجملتها أَنَّك تَقول: زيد يقْعد أَو يقوم يَا فَتى، وَإِنَّمَا أكلم لَك زيدا، أَو أكلم عمرا تُرِيدُ: أفعل أحد هذَيْن؛ كَمَا قلت فى الِاسْم: لقِيت زيدا أَو عمرا، وَأَنا ألْقى زيدا أَو عمرا، أى: أحد هذَيْن وعَلى القَوْل الثانى: أَنا أمضى إِلَى زيد، أَو أقعد إِلَى عَمْرو، أَو أتحدث، أى: أفعل هَذَا الضَّرْب من الْأَفْعَال وعَلى هَذَا القَوْل الذى بدأت بِهِ قَول عز وَجل: {تقاتلونهم أَو يسلمُونَ} ، أَي: يَقع / أحد هذَيْن فَأَما الْخَاصَّة فى الْفِعْل فَأن تقع على معنى: إِلَّا أَن، وَحَتَّى، وَذَلِكَ قَوْلك: _ الزمه أَو يقضيك حَقك، وَاضْرِبْهُ أَو يَسْتَقِيم وفى قِرَاءَة أَبى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَو يُسْلِمُوا} ، أى: إِلَّا أَن يسلمُوا، وَحَتَّى يسلمُوا وَهَذَا تَفْسِير مستقصى فى بَابه إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب الْوَاو الَّتِى تدخل عَلَيْهَا ألف الِاسْتِفْهَام

وَذَلِكَ قَوْلك - إِذا قَالَ الْقَائِل: رَأَيْت زيدا عِنْد عَمْرو -: أَو هُوَ مِمَّن يجالسه؟ استفهمت على حد مَا كنت تعطف كَأَن قَائِلا قَالَ: وَهُوَ مِمَّن يجالسه، فَقَالَ: أَو هَذَا كَذَا؟ وَهَذِه الْألف لتمكنها تدخل على الْوَاو، وَلَيْسَ كَذَا سَائِر حُرُوف الِاسْتِفْهَام، إِنَّمَا الْوَاو تدخل عَلَيْهِنَّ فى قَوْلك: وَهل هُوَ عنْدك؟ فَتكون الْوَاو قبل (هَل) وَتقول: وَكَيف صنعت؟ وَمَتى تخرج؟ وَأَيْنَ عبد الله؟ وَكَذَلِكَ جَمِيعهَا إِلَّا الْألف وَلَا تدخل الْوَاو على (أم) ، وَلَا (أم) عَلَيْهَا؛ لِأَن (أم) للْعَطْف وَالْوَاو للْعَطْف وَنَظِير هَذِه الْوَاو، وَالْفَاء، / وَسَائِر حُرُوف الْعَطف قَول الله عز وَجل: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَن يَأْنِيهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ} {أَو أَمن أهل الْقرى أَن يَأْتِيهم بأسنا ضحى وهم يَلْعَبُونَ} فالواو هَا هُنَا بِمَنْزِلَة الْفَاء فى قَوْلك (فَأمنُوا مكر الله) وَإِنَّمَا مجَاز هَذِه الْآيَات - وَالله أعلم - إِيجَاب الشئ وَالتَّقْدِير كَمَا شرحت لَك أَولا وَهَذِه الْوَاو، وواو الْعَطف مجازهما وَاحِد فى الْإِعْرَاب وَتَكون فى الِاسْتِفْهَام والتقرير كَمَا ذكرنَا فى الْألف، وللتعجب، وللإنكار فَأَما الِاسْتِفْهَام الْمَحْض فنحو قَوْلك - إِذا قَالَ الرجل: رَأَيْت زيدا - فَتَقول: أويوصل إِلَيْهِ، فَأَنت مسترشد أَو مُنكر مَا قَالَ؟ فَيَقُول: أَو أَدْرَكته؟ تستبعد ذَلِك فَأَما التَّعَجُّب وَالْإِنْكَار فَقَوْل الْمُشْركين {أَِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَ آبَاؤنَا الأَوَّلُونَ} والتقرير مَا ذكرت لَك فى الْآيَات فى الْفَاء وَالْوَاو فِي قَوْله عز وَجل: {أَو أَمن أهل الْقرى}

هَذَا بَاب مَا يجرى وَمَا لَا يجْرِي بتفصيل أبوابه وَشرح مَعَانِيه وَاخْتِلَاف الْأَسْمَاء وَمَا الأَصْل فِيهَا؟

اعْلَم أَن التَّنْوِين فى الأَصْل للأسماء كلهَا عَلامَة فاصلة بَينهَا وَبَين غَيرهَا، وَأَنه لَيْسَ للسَّائِل أَن يسْأَل: لم انْصَرف الِاسْم؟ فَإِنَّمَا الْمَسْأَلَة عَمَّا لم ينْصَرف: مَا الْمَانِع لَهُ من الصّرْف؟ وَمَا الذى أزاله عَن منهاج مَا هُوَ اسْم مثله؛ إِذْ كَانَا فى الاسمية سَوَاء؟ ونفسر ذَلِك بِجَمِيعِ مَعَانِيه إِن شَاءَ الله اعْلَم أَن كل مَا لَا ينْصَرف مضارع بِهِ الْفِعْل، وَإِنَّمَا تَأْوِيل قَوْلنَا: لَا ينْصَرف، أى: لَا يدْخلهُ خفض وَلَا تَنْوِين لِأَن الْأَفْعَال لَا تنخفض وَلَا تنون؛ فَلَمَّا أشبههَا، جرى مجْراهَا فى ذَلِك وَشبهه بهَا يكون فى اللَّفْظ، وَيكون فى الْمَعْنى، بأى ذين أشبههَا وَجب أَن يتْرك صرفه؛ كَمَا أَنه مَا أشبه الْحُرُوف الَّتِى جَاءَت لِمَعْنى من الْأَسْمَاء فمتروك إعرابه؛ إِذْ كَانَت الْحُرُوف لَا إِعْرَاب فِيهَا وَهُوَ الذى يُسَمِّيه النحويون / المبنى فمما لَا ينْصَرف: كل اسْم فى أَوله زِيَاد من زَوَائِد الْأَفْعَال يكون بهَا على مِثَال الْفِعْل فَمن ذَلِك أكلب، وَأحمد، وإثمد، وإصبع؛ لِأَن مَا كَانَ من هَذَا على أفعل فَهُوَ بِمَنْزِلَة: أذهب وَأعلم، وَمَا كَانَ مِنْهَا على أفعل فَهُوَ بِمَنْزِلَة: أضْرب، وأجلس، وَمَا كَانَ مِنْهَا على مِثَال إثمد فَهُوَ بمنزل اضْرِب فى الْأَمر، وكل مَا لم نذْكر فى هَذَا الْبَاب فعلى هَذَا منهاجه فَمن ذَلِك تنضب، وتتفل؛ لِأَنَّهُمَا على مِثَال تقعد، وَتقتل وسنفسر مَا يلْحق هَذِه الْحُرُوف زَوَائِد وَمَا يكون مِنْهُ من نفس الْحَرْف إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب (أفعل)

اعْلَم أَن مَا كَانَ من (أفعل) نعتا فَغير منصرف فى معرفَة وَلَا نكرَة، وَذَلِكَ: أَحْمَر وأخضر، وأسود وَإِنَّمَا امْتنع هَذَا الضَّرْب من الصّرْف فى النكرَة؛ لِأَنَّهُ أشبه الْفِعْل من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه على وَزنه / والثانى: أَنه نعت؛ كَمَا أَن الْفِعْل نعت أَلا ترى أَنَّك تَقول: مَرَرْت بِرَجُل يقوم وَمَعَ هَذَا أَن النَّعْت تَابع للمنعوت كاتباع الْفِعْل الِاسْم فَإِن كَانَ اسْما انْصَرف فى النكرَة؛ لِأَن شبهه بِالْفِعْلِ من جِهَة وَاحِدَة، وَذَلِكَ نَحْو: أفكل، وَأحمد، تَقول: مَرَرْت بِأَحْمَد، وَأحمد آخر فَإِن قَالَ قَائِل: مَا بَال أَحْمد مُخَالفا لأحمر؟ قيل: من قبل أَن أَحْمد، وَمَا كَانَ مثله لَا يكون نعتا إِلَّا أَن يكون مَعَه (من كَذَا) فَإِن ألحقت بِهِ (من كَذَا) لم ينْصَرف فى معرفَة وَلَا نكرَة؛ لِأَنَّهُ قد صَار نعتا كأحمر وَذَلِكَ قَوْلك: مَرَرْت بِرَجُل أَحْمد من عبد الله، وَأكْرم من زيد وكل مَا سميت بِهِ من الْأَفْعَال لم ينْصَرف فِي الْمعرفَة، وَانْصَرف فى النكرَة، نَحْو: يزِيد، ويشكر، وَيضْرب، وَنَحْوه أَو كَانَ اسْما تَقول: مَرَرْت بِيَزِيد، وَيزِيد آخر فَإِن قَالَ قَائِل: مَا باله انْصَرف فى النكرَة، وَهُوَ فعل فى الأَصْل، وَقد ذكرت أَن مَالا ينْصَرف إِنَّمَا امْتنع بشبهه بِالْفِعْلِ، وأحمر / وَمَا كَانَ مثله لَا ينْصَرف فى معرفَة وَلَا نكرَة، وهى أَسمَاء؟ قيل لَهُ: إِن (أَحْمَر) أشبه الْفِعْل وَهُوَ نكرَة، فَلَمَّا سميت بِهِ كَانَ على تِلْكَ الْحَال، فَلَمَّا رَددته إِلَى النكرَة رَددته إِلَى حَال قد كَانَ فِيهَا لَا ينْصَرف؛ فَلذَلِك خَالفه هَذَا قَول النَّحْوِيين، وَلست أرَاهُ كَمَا قَالُوا أرى إِذا سمى بأحمر، وَمَا أشبهه، ثمَّ نكر لِأَن ينْصَرف؛ لِأَنَّهُ امْتنع من الصّرْف فى النكرَة؛ لِأَنَّهُ نعت، فَإِذا سمى بِهِ فقد أزيل عَنهُ بَاب النَّعْت، فَصَارَ بِمَنْزِلَة (أفعل) الذى لَا يكون نعتا، وَهَذَا قَول أَبى الْحسن الْأَخْفَش، وَلَا أرَاهُ يجوز فى الْقيَاس غَيره وكل مَا لَا ينْصَرف إِذا أدخلت فِيهِ ألفا وَلَا مَا، أَو أضفته انخفض فى مَوضِع الْخَفْض؛ لِأَنَّهَا أَسمَاء امْتنعت من التَّنْوِين والخفض؛ لشبهها بالفعال، فَلَمَّا أضيفت وَأدْخل عَلَيْهَا الْألف وَاللَّام باينت الْأَفْعَال، وَذهب شبهها بهَا؛ إِذْ دخل فِيهَا مَالا يكون فى الْفِعْل، فَرَجَعت إِلَى الاسمية الْخَالِصَة، وَذَلِكَ قَوْلك: مَرَرْت بالأحمر يَا فَتى، ومررت بأسودكم

هَذَا بَاب مَا يُسمى بِهِ من الْأَفْعَال وَمَا كَانَ على وَزنهَا

اعْلَم [أَنَّك] إِذا سميت رجلا بشئ من الْفِعْل لَيست فى أَوله زِيَادَة، وَله مِثَال فى الْأَسْمَاء، فَهُوَ منصرف فى الْمعرفَة، والنكرة فَمن ذَلِك: ضرب، وَمَا كَانَ مثله، وَكَذَلِكَ: علم، وكرم، وبابهما؛ لِأَن (ضرب) على مِثَال: جمل، وَحجر، (علم) على مِثَال: فَخذ، وكرم على مِثَال: رجل، وعضد وَكَذَلِكَ مَا كثر عدته، وَكَانَ فِيهِ هَذَا الشَّرْط الذى ذكرنَا فَمن ذَلِك: [دحرج؛ لِأَن مِثَاله] : جَعْفَر، وحوقل؛ لِأَن مِثَال كوثر، والملحق بِالْأَصْلِ بِمَنْزِلَة الأصلى فَإِن سميت بِفعل لم تسم فَاعله - لم تصرفه؛ لِأَنَّهُ على مِثَال لَيست عَلَيْهِ الْأَسْمَاء، وَذَلِكَ نَحْو: ضرب، ودحرج، وبوطر، إِلَّا أَن يكون مُعْتَلًّا أَو مدغما؛ فَإِنَّهُ إِن كَانَ / كَذَلِك خرج إِلَى بَاب الْأَسْمَاء، وَذَلِكَ نَحْو: قيل، وَبيع، ورد، وَمَا كَانَ مثلهَا؛ لِأَن (رُدَّ) بِمَنْزِلَة كرّ، وَبرد، وَنَحْوهمَا، وَقيل بِمَنْزِلَة فيل، وديك وَكَذَلِكَ إِن سميت بِمثل قطع، وَكسر - لم ينْصَرف فى المعرفه على؛ لِأَن الْأَسْمَاء لَا تكون على (فعل) فَإِن قلت: قد جَاءَ مثل (بقم) ، فَإِنَّهُ أعجمى وَلَيْسَت الْأَسْمَاء الأعجمية بأصول إِنَّمَا دَاخِلَة على الْعَرَبيَّة فَأَما قَوْلهم: (خضم) للعنبر بن عَمْرو بن تَمِيم - فَإِنَّمَا هُوَ لقب لِكَثْرَة أكلهم وخضم بعد إِنَّمَا هُوَ فعل وَلَو سميت رجلا ضَارب، أَو ضَارب من قَوْلهم: ضَارب زيدا إِذا أَمرته انْصَرف؛ لِأَن ضَارب بِمَنْزِلَة ضَارب الذى هُوَ اسْم، وضارب بِمَنْزِلَة خَاتم، فعلى هَذَا يجرى مَا ينْصَرف وَمَا لَا ينْصَرف فَأَما مَا كَانَ فِيهِ زِيَادَة من زَوَائِد الْأَفْعَال الْأَرْبَع: الْهمزَة، وَالْيَاء، وَالتَّاء، وَالنُّون، فَكَانَ بهَا على مِثَال الْفِعْل - فقد قُلْنَا فِيهِ، وسنقول فى شَرحه، وَمَا يحكم عَلَيْهِ مِنْهَا بِالزِّيَادَةِ، وَإِن لم يكن لَهُ فعل، وَمَا يحكم بِأَنَّهُ أصلى حَتَّى يتَبَيَّن أما مَا كَانَت الْهمزَة / فى أَوله، وَالْيَاء - فَحكمه أَن تَكُونَا فِيهِ زائدتين إِذا كَانَت حُرُوفه الثَّلَاثَة أَصْلِيَّة؛ لِأَنَّك لم تشتق من هَذَا شيا إِلَّا أوضح لَك أَنَّهُمَا فِيهِ زائدتان، فحكمت بِمَا شاهدت مِنْهُ على مَا غَابَ عَنْك وَذَلِكَ نَحْو: أفكل، وأيدع، ويرمع؛ لِأَنَّك لم تَرَهَا فى مثل أَحْمَر، وأصفر، وأخضر، وَلَا فِيمَا كَانَ لَهُ فعل إِلَّا زَائِد، وَكَذَلِكَ الْيَاء؛ لِأَنَّك لم تَرَهَا فى مثل اليعملة وَمَا كَانَ نَحْوهَا إِلَّا زَائِدَة؛ لِأَن أَحْمَر من الْحمر، وَكَذَلِكَ أَخْضَر، وأسود، ويعملة من الْعَمَل فَأَما (أولق) فَإِن فِيهِ حرفين من حُرُوف الزِّيَادَة: الْهمزَة وَالْوَاو، فَعِنْدَ ذَلِك تحْتَاج إِلَى اشتقاق؛ ليعلم أَيهمَا الزَّائِدَة؟ تَقول فِيهِ: ألق الرجل فَهُوَ مألوق، فقد وضح لَك أَن الْهمزَة أصل وَالْوَاو زَائِدَة؛ لِأَن الْهمزَة فى مَوضِع الْفَاء من الْفِعْل؛ فقد وضح لَك أَنَّهَا فوعل وَكَذَلِكَ (أيصر؛ لِأَن فِيهِ يَاء، وهمزة فكلاهما من الْحُرُوف الزَّوَائِد، فَجَمعه على إصار؛ فقد بَان لَك أَن / (أيصر) فيعل قَالَ الْأَعْشَى: (فَهَذَا يعد لَهُنَّ الخلى ... وَيجمع ذَا بَينهُنَّ الإصارا)

فَأَما النُّون وَالتَّاء، فَيحكم بِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا أصل حَتَّى يجِئ أَمر يبين زيادتها فَمن ذَلِك قَوْلك: نهشل، ونهسر الذِّئْب يدلك على أصليهما أَنَّك تَقول: نهشلت الْمَرْأَة ونهشل الرجل: إِذا أسنا، وَقد وضح لَك أَنه بِمَنْزِلَة دحرج؛ لِأَن النُّون أَصْلِيَّة وَكَذَلِكَ توأم إِنَّمَا هُوَ فوعل من أتأمت الْمَرْأَة كَمَا تَقول: أكرمت فَأَما (تَتْفُل) ، و (نرجس) فقد وضح لَك أَن فيهمَا زائدتين؛ لِأَنَّهُمَا على مِثَال لَا تكون الْأَسْمَاء عَلَيْهِ أَلا ترى أَنه لَيْسَ فى الْأَسْمَاء مثل جَعْفَر، وَلَا جَعْفَر؛ فقد وضح لَك أَن تتفلا مثل تقتل فَلَو سميت بِهِ رجلا لم تصرفه وَكَذَلِكَ نرجس بِمَنْزِلَة نضرب فَهَذَا حكمه فَأَما من قَالَ: تَتْفُل فَإِنَّهُ يصرف إِن سمى بِهِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ على مِثَال لَا يكون الْفِعْل عَلَيْهِ؛ لَيْسَ فى الْأَفْعَال تفعل أَلا ترى أَن الزِّيَادَة لَا تمنع الصّرْف / من الْأَسْمَاء إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا على وزن الْأَفْعَال فَمَا كَانَ فى أَوله زِيَادَة لَيْسَ هُوَ بهَا على وزن الْأَفْعَال فَهُوَ مَصْرُوف وَذَلِكَ نَحْو: يَرْبُوع، وتعضوض، وَطَرِيق أسلوب؛ لِأَن الْأَفْعَال لَا تكون عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إسكاف، وَفِيمَا قُلْنَا دَلِيل على مَا يرد عَلَيْك إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب مَا ينْصَرف ومالا ينْصَرف مِمَّا سميت بِهِ مذكرا من الْأَسْمَاء الْعَرَبيَّة

اعْلَم أَن كل مَالا ينْصَرف من مُذَكّر أَو مؤنث، عربى أَو عجمى، قلت حُرُوفه أَو كثرت فى الْمعرفَة - فَإِنَّهُ ينْصَرف فى النكرَة، إِلَّا خَمْسَة أَشْيَاء فَإِنَّهَا لَا تَنْصَرِف فى معرفَة، وَلَا نكر فَمِنْهَا: مَا كَانَ من (أفعل) صفة؛ نَحْو: أَخْضَر، وأحمر وَمَا كَانَ من (فعلان) الذى لَهُ (فعلى) ؛ نَحْو: سَكرَان، وسكرى، وعطشان وعطشى، وغضبان وغضبى، وَسَنذكر علته فى مَوْضِعه إِن شَاءَ الله وَمَا كَانَ فِيهِ ألف التَّأْنِيث مَقْصُورا كَانَ أَو ممدودا / فالمقصور؛ نَحْو: سكرى وغضبى والممدود؛ نَحْو: حَمْرَاء، وصفراء، وصحراء وَمَا كَانَ من الْجمع على مِثَال لَا يكون عَلَيْهِ الْوَاحِد؛ نَحْو: مَسَاجِد، وقناديل، ورسائل وَمَا كَانَ معدولا فى حَال النكرَة؛ نَحْو: مثنى، وَثَلَاث، وَربَاع فَإِذا سميت مذكرا باسم عربى فَهُوَ مَصْرُوف إِلَّا أَن يمنعهُ أحد هَذِه الْمَوَانِع الَّتِى وصفت، أَو مَا أذكرهُ لَك مِمَّا يُوجب ترك الصّرْف فى الْمعرفَة، إِلَّا المعدول فَإِن لَهُ حكما آخر إِذا سمى بِهِ نذكرهُ إِن شَاءَ الله فَمن ذَلِك أَن تسميه بمؤنث فِيهَا هَاء التَّأْنِيث فَإِنَّهُ لَا ينْصَرف فى الْمعرفَة، وينصرف فى النكرَة وَإِنَّمَا مَنعه من الصّرْف فى الْمعرفَة علم التَّأْنِيث الذى فِيهِ وَذَلِكَ نَحْو رجل سميته حمدة، أَو طَلْحَة، أَو نَحْو ذَلِك وَقد تقدم قَوْلنَا: إِن كل مَا كَانَ فِيهِ الْهَاء، مؤنثا كَانَ أَو مذكرا، عَرَبيا كَانَ أَو أعجميا لم ينْصَرف فى الْمعرفَة، وَانْصَرف فى النكرَة فَإِن قَالَ قَائِل: مَا باله ينْصَرف فى النكرَة وَمَا كَانَت فِيهِ ألف التَّأْنِيث لَا ينْصَرف فى معرفَة، وَلَا نكرَة؟ قيل: إِن الْفَصْل بَينهمَا أَن مَا كَانَ فِيهِ الْهَاء فَإِنَّمَا لحقته / بِنَاؤُه بِنَاء الْمُذكر؛ نَحْو قَوْلك: جَالس؛ كَمَا تَقول: جالسة، وقائم ثمَّ تَقول: قَائِمَة فَإِنَّمَا تخرج إِلَى التَّأْنِيث من التَّذْكِير، وَالْأَصْل التَّذْكِير وَمَا كَانَت فِيهِ الْألف فَإِنَّمَا هُوَ مَوْضُوع للتأنيث على غير تذكر خرج مِنْهُ فَامْتنعَ من الصّرْف فى الْمَوْضِعَيْنِ؛ لبعده من الأَصْل أَلا ترأن حَمْرَاء على غير بِنَاء أَحْمَر، وَكَذَلِكَ عطشى على غير بِنَاء عطشان وَمَا كَانَ مؤنثا لَا عَلامَة فِيهِ سميت بِهِ مذكرا، وَعدد حُرُوفه ثَلَاثَة أحرف فَإِنَّهُ ينْصَرف إِذا لم تكن فِيهِ هَاء التَّأْنِيث، تحركت حُرُوفه أَو سكن ثَانِيهَا وَذَلِكَ نَحْو: دعد، وشمس، وَقدم، وَقفا فِيمَن أنثها إِن سميت بشئ من هَذَا رجلا انْصَرف وَكَذَلِكَ كل مُذَكّر سوى الرجل فَإِن كَانَ على أَرْبَعَة أحرف فَصَاعِدا وَمَعْنَاهُ التَّأْنِيث لم ينْصَرف فى الْمعرفَة، وَانْصَرف فى النكرَة وَذَلِكَ نَحْو رجل سميته عقربا أَو عنَاقًا / أَو عقَابا فَإِنَّهُ ينْصَرف فى النكرَة، وَلَا ينْصَرف فى الْمعرفَة وَإِنَّمَا انْصَرف فى الثَّلَاثَة لخفته؛ لِأَن الثَّلَاثَة أقل أصُول الْأَسْمَاء وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الِاسْم أعجميا أَلا ترى أَن نوحًا، ولوطا مصروفان فى كتاب الله - تبَارك وَتَعَالَى - وهما اسمان أعجميان، وَأَن قَارون، وَفرْعَوْن غير مصروفين للعجمة، وَكَذَلِكَ إِسْحَق، وَيَعْقُوب، وَنَحْوهمَا، وَنَذْكُر هَذَا فى بَاب الأعجمية إِن شَاءَ الله فَأَما صَالح وَشُعَيْب، فاسمان عربيان، وَكَذَلِكَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ فَكل مَا اشتققته، فَرَأَيْت لَهُ فعلا، أَو كَانَت عَلَيْهِ دلَالَة بِأَنَّهُ عربى، وَلم يمنعهُ من الصّرْف تَأْنِيث، وَلَا عجمة، وَلَا زِيَاد من زَوَائِد الْفِعْل تكون بهَا على مِثَاله، وَلَا أَن يكون على مِثَال الافعال، وَلَا عدل - فَهُوَ مَصْرُوف فى الْمعرفَة، والنكرة

هَذَا بَاب مَا كَانَ من أٍ سَمَاء الْمُذكر أَو سمى بِهِ مَا هُوَ على ثَلَاثَة أحرف

اعْلَم أَن جَمِيع ذَلِك منصرف إِلَّا مَا استثنيناه مِمَّا فِيهِ هَاء التَّأْنِيث؛ نَحْو: شَاة، وشية أَو تكون فِيهِ زَائِدَة يكون بهَا على مِثَال الْفِعْل؛ نَحْو: يضع، ويزن أَو يكون معدولا نَحْو عمر وَزفر أَو يكون على مِثَال لَا يكون إِلَّا للأفعال نَحْو: ضرب، وَقتل فَأَما غير ذَلِك فمصروف

هَذَا بَاب مَا كَانَ من هَذِه الْأَسْمَاء على مِثَال فعل

وَإِنَّمَا ذَكرْنَاهُ لنبين المعدول مِنْهُ من غَيره فَأَما مَا كَانَ مِنْهُ نكرَة، وَيعرف بِالْألف وَاللَّام - فَهُوَ مَصْرُوف، وَاحِدًا كَانَ أَو جمعا فالواحد؛ نَحْو: صرد، ونغر، وَجعل، وينصرف فى الْمعرفَة والنكرة وَالْجمع، نَحْو: ثقب، وحفر، وَعمر: إِذا أردْت جمع عمْرَة، وَكَذَلِكَ إِن كَانَ نعتا نَحْو: سكع، وختع، وحطم كَمَا قَالَ:

(قد لفها اللَّيْل بسواق حطم ... )

ولبد (وَهُوَ الْكثير) من قَول / الله عز وَجل: {أهلكت مَالا لبدا} فَأَما مَا كَانَ مِنْهُ لم يَقع إِلَّا معرفَة؛ نَحْو: عمر، وَقثم، ولكع - فَإِنَّهُ غير مَصْرُوف فى الْمعرفَة؛ لِأَنَّهُ الْموضع الذى عدل فِيهِ أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول: هَذَا القثم، وَلَا هَذَا الْعُمر؛ كَمَا تَقول: هَذَا الْجعل، وَهَذَا النغر

هَذَا بَاب مَا كَانَ من فعل

وَاعْلَم أَنه مَا كَانَ على فعل غير معتل لم يكن إِلَّا فعلا، وَكَذَلِكَ كل بِنَاء من الْفِعْل مَعْنَاهُ فعل إِذا كَانَ غير معتل؛ نَحْو: دحرج، واستخرج، وضورب فَإِن سميت من هَذَا رجلا لم تصرفه فى الْمعرفَة؛ لِأَنَّهُ مِثَال لَا يكون للأسماء، وَإِنَّمَا هُوَ فِيهَا مدْخل فَإِن كَانَ من ذَوَات الْوَاو وَالْيَاء، أَو مِمَّا يلْزمه الْإِدْغَام، فَكَانَ ذَلِك مخرجا لَهُ إِلَى مِثَال الْأَسْمَاء - انْصَرف فى الْمعرفَة، لِأَن الْمَانِع لَهُ قد فَارقه، / وَذَلِكَ قَوْلك: قد قيل، وَبيع، ورد، وَشد إِذا أردْت مثل فعل؛ لِأَنَّهُ قد خرج إِلَى مِثَال فيل، وديك؛ كَمَا خرج المدغم إِلَى مِثَال الْبر، وَالْكر وَإِن كَانَ على مِثَال: أطيع، واستطيع، وقوول لم ينْصَرف فى الْمعرفَة، وَكَذَلِكَ: احمور فى هَذَا الْمَكَان؛ لِأَنَّهُ لم يخرج إِلَى مِثَال من أَمْثِلَة الْأَسْمَاء فَهَذَا جملَة هَذَا

هَذَا بَاب مَا اشتق للمذكر من الْفِعْل

فَمن ذَلِك مَا كَانَ اسْما للْفَاعِل؛ نَحْو: مُجَاهِد، وَمُقَاتِل، وضارب، ومكرم، ومستطيع، ومدحرج، فَكل هَذَا منصرف؛ لِأَنَّهُ لَا مَانع لَهُ من الصّرْف، وَكَذَلِكَ إِن كَانَ مَفْعُولا، نَحْو: مخرج، ومضروب، ومستطاع؛ لِأَنَّهَا أَسمَاء مُشْتَقَّة وَمَا كَانَ من الأعجمية معربا فَهَذَا سَبيله والمعرب مِنْهَا مَا كَانَ نكر فى بَابه؛ لِأَنَّك تعرفه بِالْألف وَاللَّام، فَإِذا كَانَ كَذَلِك كَانَ حكمه حكم الْعَرَبيَّة لَا يمنعهُ من الصّرْف إِلَّا مَا يمْنَعهَا فَمن ذَلِك: راقود، وجاموس، وفرند؛ لِأَنَّك تعرفه بِالْألف / وَاللَّام فَإِذا كَانَ معرفَة فى كَلَام الْعَجم فَغير منصرف لامتناعه بالتعريف الذى فِيهِ من إِدْخَال الْحُرُوف الْعَرَبيَّة عَلَيْهِ وَذَلِكَ نَحْو: إِسْحَق، وَيَعْقُوب، وَفرْعَوْن، وَقَارُون؛ لِأَنَّك لَا تَقول: الفرعون وَلَو سميته بِيَعْقُوب - تعنى ذكر القبج - لَا ينْصَرف؛ لِأَنَّهُ عربى على مِثَال يَرْبُوع والزوائد الَّتِى فى أَوله لَا تَمنعهُ من الصّرْف؛ لِأَنَّهَا لَا تبلغ بِهِ مِثَال الْفِعْل؛ لِأَن الْفِعْل لَا يكون على يفعول وَكَذَلِكَ (إِسْحَاق) إِذا أردْت بِهِ الْمصدر من قَوْلك: أسحقه الله إسحاقا، وتعرف هَذَا من ذَاك بِأَن إِسْحَاق وَيَعْقُوب الأعجمين على غير هَذِه الْحُرُوف، وَإِنَّمَا لاءمت هَذِه الْحُرُوف الْعَرَب وَنَظِير إِسْحَق فى الْقَصْد إِلَى العربى والعجمى مَا قلت لَك فى عمر من أَنَّك إِذا أردْت بِهِ جمع عمْرَة صرفته وَإِن أردْت بِهِ المعدول عَن عَامر امْتنع من الصّرْف وَإِن كَانَ الأعجمى قد أعرب وَلم يكن على مِثَال الْأَسْمَاء المنصرفة وَلَا غَيرهَا، صرف وَصَارَ كعربى لَا ثانى لَهُ؛ لِأَنَّهُ إِذا أعرب فَهُوَ كالعربية الْأَصْلِيَّة فَمن ذَلِك آجر / مَصْرُوف لدُخُوله فى التَّعْرِيف؛ إِذْ كَانَ نكرَة فَهُوَ بِمَنْزِلَة عربى مُنْفَرد ببنائه نَحْو: إبل، وإطل، وصعفوق فَأَما (بقم) فَلَا ينْصَرف فى الْمعرفَة وَإِن كَانَ قد أعرب؛ لِأَنَّهُ قد وَقع من أَمْثِلَة الْعَرَب على مَا لَا يكون إِلَّا فعلا، نَحْو: ضرب، وَقطع فَمَنعه الصّرْف مَا منع ضرب لَو سميت بِهِ رجلا وَكَذَلِكَ سَرَاوِيل لَا ينْصَرف عِنْد النَّحْوِيين فى معرفَة وَلَا نكرَة؛ لِأَنَّهَا وَقعت على مِثَال من الْعَرَبيَّة لَا يدْخلهُ الصّرْف، نَحْو: قناديل، ودهاليز فَكَانَت لما دَخلهَا الْإِعْرَاب كالعربية فَهَذَا جملَة القَوْل فى الأعجمى الْوَاقِع على الْجِنْس، والمخصوص بِهِ الْوَاحِد للعلامة

هَذَا بَاب الْجمع الْمَزِيد فِيهِ، وَغير الْمَزِيد

أما مَا من الْجمع على مِثَال مفاعل، ومفاعيل؛ نَحْو: مصاحف، ومحاريب، وَمَا كَانَ على هَذَا الْوَزْن؛ نَحْو: فعالل، وفواعل، / وأفاعل، وأفاعيل وكل مَا كَانَ مِمَّا كَانَ لم نذكرهُ على سُكُون هَذَا وحركته وعدده، فَغير منصرف فى معرفَة وَلَا نكرَة وَإِنَّمَا امْتنع من الصّرْف فيهمَا؛ لِأَنَّهُ على مِثَال لَا يكون عَلَيْهِ الْوَاحِد، وَالْوَاحد هُوَ الأَصْل، فَلَمَّا باينه هَذِه المباني، وتباعد هَذَا التباعد فى النكرَة - امْتنع من الصّرْف فِيهَا، وَإِذا امْتنع من الصّرْف فِيهَا فَهُوَ من الصّرْف فى الْمعرفَة أبعد ويدلك على ذَلِك قَول الله عز وَجل: {من محاريب وتماثيل} وَقَوله: {لهدمت صوامع وَبيع وصلوات ومساجد} كل هَذَا هَذِه علته فَإِن لحقته الْهَاء للتأنيث انْصَرف فى لنكرة على مَا وصفت لَك فى الْهَاء أَولا؛ لِأَن كلما مَا كَانَت فِيهِ فمصروف فى النكرَة، وممتنع من الصّرْف فى الْمعرفَة؛ لِأَن الْهَاء علم التَّأْنِيث، فقد خرجت بِمَا كَانَ من هَذَا الْجمع إِلَى بَاب طَلْحَة، وحمدة؛ وَذَلِكَ؛ نَحْو: صياقلة، وبطارقة فَإِن قَالَ قَائِل: فَمَا باله انْصَرف فى النكرَة، وَقد كَانَ قبل الْهَاء لَا ينْصَرف فِيهَا؟ فَالْجَوَاب فى ذَلِك: أَنه قد خرج إِلَى مِثَال / يكون للْوَاحِد أَلا ترى أَنَّك تَقول: رجل عباقية، وحمار حزابية، فالهاء أخرجته إِلَى هَذَا الْمِثَال؛ كَمَا أَن ياءى النّسَب يخرجانه إِلَى بَاب تميمى، وقيسى وَذَلِكَ قَوْلك: مدانى وَنَحْوه، ينْصَرف فى الْمعرفَة والنكرة؛ أَلا ترى أَن مدائنيا إِنَّمَا هُوَ للْوَاحِد، فبالياء خرج إِلَيْهِ؛ كَمَا أخرجته الْهَاء إِلَّا أَن مَا كَانَت فِيهِ الْهَاء لَا ينْصَرف فى الْمعرفَة من أجل التَّأْنِيث، وَمَا كَانَت فِيهِ الْيَاء النّسَب فمصروف فى الْمعرفَة، والنكرة فَأَما سرارى، وبخاتى، وكراسى فَغير مَصْرُوف فى معرفَة وَلَا نكرَة؛ لِأَن الْيَاء لَيست للنسب، وَإِنَّمَا هى الْيَاء الَّتِى كَانَت فى الْوَاحِد فى بُخْتِيَّة وكرسى فَأَما قَوْلك: حوالى، وحوارى فَهُوَ حوال، وحوار، فنسب إِلَيْهِ، فَإِنَّمَا على هَذَا تعْتَبر مَا وصفت لَك فَأَما قَوْلهم: رباع، ويمان فنذكره فى بَاب: مَا اعتل من هَذَا الْجمع إِن شَاءَ الله فَأَما مَا كَانَ من الْجمع على مِثَال (أَفعَال) ، و (فعول) /، نَحْو: أجمال، وفلوس فمنصرف فى الْمعرفَة والنكرة؛ لِأَنَّهُ على مِثَال يكون للْوَاحِد وَهُوَ جمع مضارع للْوَاحِد؛ لِأَنَّهُ لأدنى الْعدَد أعنى أفعالا وفعول وَإِن كَانَ لأكْثر الْعدَد فمضارعته للْوَاحِد؛ لِأَنَّهُ يجمع كَمَا يجمع الْوَاحِد فَأَما (أَفعَال) فَمَا يكون مِنْهُ على مِثَال الْوَاحِد قَوْلهم: برمة أعشار وحبل أرمام، وأقطاع، وثوب أكياش: متمزق، وَيجمع كَمَا يجمع الْوَاحِد وَذَلِكَ قَوْلك: أنعام وأناعيم، وأعراب وأعاريب وَمَا كَانَ على (فعول) للْوَاحِد فقولك: سدوس للطيلسان الْأَخْضَر وَمَا كَانَ من هَذَا مصدرا أَكثر من أَن يُحْصى؛ نَحْو: قعدت قعُودا، وَجَلَست جُلُوسًا، وَسكت سكُوتًا وَيجمع كَمَا يجمع الْوَاحِد، وَتقول: بيُوت وبيوتات فهما ينصرفان فى الْمعرفَة والنكرة على كل حَال أعنى أفعالا، وفعولا إِلَّا أَن تسمى بهما مؤنثا فيمنعهما التَّأْنِيث الصّرْف؛ لِأَن كل مؤنث، على ثَلَاثَة أحرف متحركات غير منصرف، / وَكلما زَاد فى عدد الْحُرُوف كَانَ ذَلِك أَو كد لترك صرفه، لهَذَا مَوضِع نذكرهُ فِيهِ إِن شَاءَ الله وَأما مَا كَانَ من الْجمع على مِثَال أفعل نَحْو أكلب وأكعب فَغير منصرف فِي الْمعرفَة وَإِنَّمَا مَنعه الصّرْف أَنه على مِثَال الْفِعْل نَحْو أعبد وأقتل وينصرفان فِي النكرَة كَمَا ذكرت لَك فِيمَا يكون على مِثَال الْفِعْل وَمَا كَانَ من الْجمع على مِثَال فعلان وفعلان نَحْو قضبان وظلمان فَغير منصرف فِي الْمعرفَة لزِيَادَة الْألف وَالنُّون وَخُرُوجه إِلَى بَاب عُثْمَان وسرحان وينصرفان فِي النكرَة لِأَن الْمُمْتَنع من الصّرْف فِي الْمعرفَة والنكرة من هَذَا الْبَاب فعلان الَّذِي لَهُ فعلى على مَا ذكرت لَك نَحْو غَضْبَان وسكران كَمَا أَن الْمُمْتَنع من بَاب مَا كَانَ على مِثَال أفعل من أَن يصرف فِي الْمعرفَة والنكرة فأفعل الَّذِي هُوَ نعت نَحْو أَحْمَر وأصفر وَمَا كَانَ من الْجمع على مِثَال فعال فمصروف وَذَلِكَ نَحْو كعاب وكلاب لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْوَاحِد نَحْو حمَار وَكتاب وَفِي هَذِه الْجُمْلَة دلَالَة على كل مَا يرد عَلَيْك من الْجمع إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب مَا كَانَ من جمع الْمُؤَنَّث بِالْألف وَالتَّاء

فَهَذَا الْجمع فى الْمُؤَنَّث نَظِير مَا كَانَ بِالْوَاو وَالنُّون فى الْمُذكر؛ لِأَنَّك فِيهِ تسلم بِنَاء الْوَاحِد كتسليمك إِيَّاه فى التَّثْنِيَة وَالتَّاء دَلِيل التَّأْنِيث، والضمة عل الرّفْع، واستوى خفضه ونصبه، كَمَا اسْتَوَى ذَلِك فى مُسلمين والتنوين فى مسلمات عوض من النُّون فى قَوْلك: مُسلمين فَإِن سميت بمسلمات رجلا أَو امْرَأَة لحقه التَّنْوِين؛ لِأَنَّهُ عوض فَلذَلِك كَانَ لَازِما وعَلى ذَلِك قَوْله عز وَجل: {فَإِذا أَفَضْتُم من عَرَفَات} و (عَرَفَات) معرفَة؛ لِأَنَّهُ اسْم مَوضِع بِعَيْنِه هَذَا فى قَول من قَالَ: هَؤُلَاءِ مُسلمُونَ، ومررت بمسلمين يَا فَتى، وكل مَا كَانَ على وزن الْمُسلمين فَالْوَجْه فِيهِ أَن يجرى هَذَا المجرى وَإِن لم يكن فى الأَصْل جمعا؛ كَمَا / أَن كرسيا وبختيا كالمنسوب وَإِن لم يكن فِيهِ معنى نسب إِلَى حى، وَلَا إِلَى أَرض، وَلَا غير ذَلِك فَمن ذَلِك عشرُون، وَثَلَاثُونَ قَالَ الله عز وَجل: {كلاَّ إِنَّ كِتابَ الأَبرَارِ لفِى عِلَّيَّينَ وَمَا أَدرَك مَا عِلَّيُّونَ} وَتقول على هَذَا: قنسرون، ومررت بِقِنِّسْرِينَ، وَهَذِه يبرون، ومررت بيبرين وَمن لم يقل هَذَا، وَقَالَ: قنسرين كَمَا ترى، وَجعل الْإِعْرَاب فى النُّون، وَقَالَ: هَذِه سنُون فَاعْلَم - فَإِنَّهُ يفعل مثل هَذَا بالمؤنث إِذا كَانَ وَاحِدًا، ويجيزه فى الْجمع؛ كَمَا تَقول: هَؤُلَاءِ مُسلمين فَاعْلَم، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:

(وماذا يدرى الشُّعَرَاء منى ... وَقد جَاوَزت حد الْأَرْبَعين) وَقَالَ الآخر:

(إنى أَبى أَبى ذُو مُحَافظَة ... وَابْن أَبى أَبى من أبيين)

وَقَالَ الله عز وَجل فِيمَا كَانَ وَاحِدًا: {وَلَا طَعَام إِلَّا من غسلين} فَمن رأى هَذَا قَالَ: هَذِه عَرَفَات مُبَارَكًا فِيهَا، وعَلى هَذَا ينشد / هَذَا الْبَيْت:

(تنورتها من أَذْرُعَات وَأَهْلهَا ... بِيَثْرِب أدنى دارها نظر عالى)

وَقَالَ الآخر:

(تخيرها أَخُو عانات دهرا ... ) وَالْوَجْه الْمُخْتَار فى الْجمع مَا بدأت بِهِ، وَأما الْوَاحِد؛ نَحْو: غسلين، وعليين - فالوجهان مقولان معتدلان

هَذَا بَاب مَا لحقته ألف وَنون زائدتان

أما مَا كَانَ من ذَلِك على (فعلان) الذى لَهُ (فعلى) فقد تقدم قَوْلنَا فِيهِ أَنه غير مَصْرُوف فى معرفَة وَلَا نكرَة وَإِنَّمَا امْتنع من ذَلِك؛ لِأَن النُّون اللاحقة بعد الْألف بِمَنْزِلَة الْألف اللاحقة بعد الْألف للتأنيث فى قَوْلك: حَمْرَاء وصفراء وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن الْوَزْن وَاحِد فى السّكُون، وَالْحَرَكَة، وَعدد الْحُرُوف، وَالزِّيَادَة وَأَن النُّون، وَالْألف تبدل كل وَاحِدَة مِنْهُمَا من صاحبتها فَأَما فَأَما بدل النُّون من الْألف فقولك فِي صنعاء وبهراء صنعاني وبهراني وَأما بدل الْألف مِنْهَا فقولك - إِذا أردْت / ضربت زيدا فوقفت - قلت: ضربت زيدا، وفى قَوْلك: اضربن زيدا و {لنسفعا بالناصية} إِذا وقفت قلت: اضربا زيدا، ولنسفعنا وَزعم الْخَلِيل أَن الدَّلِيل على ذَلِك: أَن كل مؤنث تلْحقهُ عَلامَة التَّأْنِيث بعد التَّذْكِير فَإِنَّمَا تلْحقهُ على لَفظه إِلَّا مَا كَانَ مضارعا لتأنيث أَو بَدَلا فى أَن عَلامَة التَّأْنِيث لَا تلْحقهُ على لَفظه؛ لِأَنَّهُ لَا يدْخل تَأْنِيث على تَأْنِيث، وَكَذَلِكَ لَا يدْخل على مَا كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول: حمراءة، وَلَا صفراءة فَكَذَلِك لَا تَقول: غضبانة، وَلَا سكرانة، وَإِنَّمَا تَقول: غَضبى، وسكرى فَإِن كَانَ (فعلان) لَيْسَ لَهُ (فعلى) ، أَو كَانَ على غير هَذَا الْوَزْن مِمَّا الْألف وَالنُّون فِيهِ زائدتان - انْصَرف فى النكرَة، وَلم ينْصَرف فى الْمعرفَة؛ نَحْو: عُثْمَان، وعريان، وسرحان وَإِنَّمَا امْتنع من الصّرْف من الْمعرفَة للزِّيَادَة الَّتِى فى آخِره؛ لِأَنَّهَا كالزيادة الَّتِى فى آخر سَكرَان وَانْصَرف فى النكرَة؛ لِأَنَّهُ لَيست مؤنثه (فعلى) ؛ لِأَنَّك تَقول: فى مؤنثه: عُرْيَان، وخمصانة، فقد وَجَبت فِيهِ حَقِيقَة التَّذْكِير / فمنزل هَذَا من بَاب غَضْبَان كمنزلة أفكل من بَاب أَحْمَر، وكمنزلة حبنطى من بَاب حُبْلَى وسكرى وسنذكرها بعقب هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله فَأَما حسان وسمان، وتبان فَأَنت فى هَذِه الْأَسْمَاء مُخَيّر: إِن أخذت ذَلِك من السّمن، والتبن، وَالْحسن، فَإِنَّمَا وَزنهَا (فعال) وَإِن أخذت حسان من الْحس، وسمان من السم، وتبان من التب - لم تصرفه فى الْمعرفَة لزِيَادَة الْألف وَالنُّون، وصرفته فى النكرَة فَأَما فينان فالنون فِيهِ أصل بِمَنْزِلَة الدَّال من حَمَّاد، وَذَلِكَ منصرف فى الْمعرفَة والنكرة؛ لِأَن مَعْنَاهُ: كثير الْفُنُون، كأفنان الشّجر، فَهُوَ منصرف على كل حَال، وَتَقْدِيره من الْفِعْل (فيعال) على وزن بيطار وَكَذَلِكَ مران لِأَنَّهُ فعال، وَمَعْنَاهُ: المرانة، أى: اللين فعلى هَذَا تصريف مَا ينْصَرف وَمَا لَا ينْصَرف من هَذَا الْبَاب فَأَما مَا كَانَت نونه زَائِدَة وَلَيْسَت فِيهَا ألف فمنصرف فى الْمعرفَة والنكرة؛ لِأَنَّهُ لَا يشبه (فعلان فعلى) المنقلبة / نونه من أَلفه فَمن ذَلِك: رعشن إِنَّمَا هُوَ من الارتعاش قَالَ:

(من كل رعشا وناج رعشن ... )

وَكَذَلِكَ سرحان لَو صغرته فَقلت سريحين لصرفت سريحينا فى الْمعرفَة والنكرة، وَمَا كَانَ مثله نَحْو - صغيرك سُلْطَانا، وضبعانا إِذا قلت: سليطين، وضبيعين وَكَذَلِكَ (ضيفن) النُّون زَائِد؛ لِأَنَّهُ الذى يجِئ مَعَ الضَّيْف، فتقدره: فعلن

هَذَا بَاب مَا كَانَت آخِره ألف مَقْصُورَة للتأنيث، وللإلحاق

أما مَا كَانَت أَلفه للتأنيث؛ نَحْو: حُبْلَى، وسكرى فقد تقدم قَوْلنَا فِيهِ أَنه لَا ينْصَرف فى معرف وَلَا نكرَة وَأما مَا كَانَت الْألف فِيهِ زَائِدَة للإلحاق فمصروف فى النكرَة؛ لِأَنَّهُ مُلْحق بالأصول، وممنوع من الصّرْف فى الْمعرفَة؛ لِأَن أَلفه زَائِدَة كزيادة مَا كَانَ للتأنيث، فموضعه من حُبْلَى وَأَخَوَاتهَا كموضع أفكل من أَحْمَر وكموضع عُثْمَان من عطشان فَمن ذَلِك / حبنطى إِنَّمَا هُوَ من حَبط بَطْنه، فالنون وَالْألف زائدتان؛ لتبلغ بهما بِنَاء سفرجل، وعَلى هَذَا تَقول للْمَرْأَة: حبنطاة وَلَو كَانَت الْألف للتأنيث لم تدخل عَلَيْهَا الْهَاء؛ لِأَنَّهُ لَا يدْخل تَأْنِيث على تَأْنِيث وَكَذَلِكَ أرطى مُلْحق بِجَعْفَر: ووزنه (فعلى) مُلْحق بفعلل، وعَلى ذَلِك تَقول فى الْوَاحِدَة: أَرْطَاة وَمثله معزى مُلْحق بهجرع، وَدِرْهَم فَأَما مَا كَانَ مثل ذفرى، وتترى الذى يكون فِيهِ الْأَمْرَانِ: الْإِلْحَاق والتأنيث، وَمَا كَانَ من بَابه فسنذكره فى مَوْضِعه إنْشَاء الله

هَذَا بَاب مَا كَانَ من أفعل نعتا يصلح فِيهِ التأويلان جَمِيعًا

فَمن ذَلِك أجدل، وأخيل الأجود فيهمَا أَن يَكُونَا اسْمَيْنِ؛ لِأَن الأجدل إِنَّمَا يدل على الصَّقْر بِعَيْنِه، والأخيل أَيْضا: اسْم طَائِر فَإِن قَالَ قَائِل: إِن (أجدل) إِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذ من الجدل وهى شدَّة الْخلق / وأخيل إِنَّمَا هُوَ هُوَ أفعل مَأْخُوذ من الخيلان، وَكَذَلِكَ أَفْعَى إِنَّمَا هُوَ (أفعل) مَأْخُوذ من النكادة قيل لَهُ: فَإِنَّهُ كَذَلِك، وَإِلَى هَذَا كَانَ يذهب من يرَاهُ نعتا، وَلَا يصرفهُ فى معرفَة وَلَا نكرَة، وَلَيْسَ بأجود الْقَوْلَيْنِ أجودهما: أَن تكون أَسمَاء منصرفة فى النكرَة؛ لِأَنَّهَا - وَإِن كَانَ أَصْلهَا مَا ذكرنَا - فَإِنَّمَا تدل على ذَات شئ بِعَيْنِه أَلا ترى أَن أجدل لَا يدل إِلَّا على الصَّقْر، تَقول: أجدل بِمَنْزِلَة قَوْلنَا: صقر وَمثل ذَلِك أخيل؛ لِأَنَّهُ يدل على طَار بِعَيْنِه وَهُوَ الذى يلْزم عندى فى أبغث لطائر فَأَما الْأسود - إِذا عنيت الْحَيَّة، والأدهم - إِذا أردْت الْقَيْد، والأرقم - إِذا عنيت الْحَيَّة - فنعوت غير منصرفة فى معرفَة وَلَا نكرَة؛ لِأَنَّهَا تحلية لكل مَا نعت بهَا غير دَالَّة على لون بِعَيْنِه فَأَما (أول) فَهُوَ يكون على ضَرْبَيْنِ: يكون اسْما، وَيكون نعتا مَوْصُولا بِهِ من كَذَا وَأما / كَونه نعتا فَقَوله: هَذَا رجل أول مِنْك، وجاءنى هَذَا أول من مجيئك، وجئتك أول من أمس وَأما كَونه اسْما فَقَوله: مَا تركت لَهُ أَولا وَلَا آخرا كَمَا تَقول: مَا تركت لَهُ قَدِيما وَلَا حَدِيثا وعَلى أى الْوَجْهَيْنِ سميت بِهِ رجلا انْصَرف فى النكرَة؛ لِأَنَّهُ على بَاب الْأَسْمَاء بِمَنْزِلَة أفكل، وعَلى بَاب النعوت بِمَنْزِلَة أَحْمَر فَأَما أرمل فَإِنَّهُ اسْم نعت بِهِ وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن مؤنثه على لَفظه تَقول للْمَرْأَة: أرملة، وَلَو كَانَ نعتا فى الأَصْل لَكَانَ مؤنثه فعلاء؛ كَمَا تَقول: أَحْمَر، وحمراء فَقَوْلهم: أرملة دَلِيل على أَنه اسْم وَكَذَلِكَ أَربع إِنَّمَا هُوَ اسْم للعدد وَإِن نعت بِهِ فى قَوْلك: هَؤُلَاءِ نسْوَة أَربع لَا اخْتِلَاف فى ذَلِك وَإِنَّمَا جَازَ أَن يَقع نعتا وَأَصله الِاسْم؛ لِأَن مَعْنَاهُ: معدودات؛ كَمَا تَقول: مَرَرْت بِرَجُل أَسد؛ لِأَنَّهُ مَعْنَاهُ: شَدِيد فَإِن قَالَ قَائِل: فالرجل لَيْسَ بأسد وَلَكِن مَعْنَاهُ: مثل أَسد، والأربع حَقِيقَة عدد قيل: إِنَّمَا يخرج هَذَا وَشبهه على تَأْوِيل الْفِعْل وَصِحَّته إِذا جَازَ فى التَّمْثِيل، وَمثل الشئ غَيره؛ إِذا / كَانَ الْمثل مُضَافا إِلَيْهِ وَلكنه الأول الذى هُوَ نَعته فالشئ الذى يخرج على أَنه الأول على غير حذف أَجود أَلا ترى أَن قَوْلك: زيد أَسد مَعْنَاهُ مثل أَسد، فقد حذفت الْمثل وَأَنت تريده وَلَوْلَا تقديرك الْمثل لم يكن كلَاما وقولك: جواريك أَربع حَقِيقَة على غير حذف، وَلَكِن لما أردْت النَّعْت قدرت تَقْدِير الْفِعْل؛ لِأَن النَّعْت تحلية؛ أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت: مَرَرْت بِرَجُل مثلك، فَإِنَّمَا أردْت مشبه لَك، وَلَوْلَا ذَلِك لم يكن نعتا وَكَانَ الْأَخْفَش لَا يصرف أرمل، وَيَزْعُم أَنه نعت فى الأَصْل، وَله احتجاج نذكرهُ فى مَوْضِعه إِن شَاءَ الله وَلَيْسَ على هَذَا القَوْل أحد من النَّحْوِيين علمناه فَأَما أجمع وأكتع، فمعرفة وَلَا يكون إِلَّا نعتا فَإِن سميت بِوَاحِد مِنْهُمَا رجلا صرفته فى النكرَة والفصل بَينه وَبَين أَحْمَر وَجَمِيع بَابه، أَن (أَحْمَر) كَانَ نعتا وَهُوَ نكرَة، فَلَمَّا سميت بِهِ إزداد ثقلا، و (أجمع) لم يكن نكرَة، إِنَّمَا هُوَ معرفَة ونعت، فَإِذا / سميت بِهِ صرفته فى النكرَة، إِنَّمَا هُوَ معرفَة ونعت، فَإِذا / سميت بِهِ صرفته فى النكرَة لِأَنَّك لست ترده إِلَى حَال كَانَ فِيهَا لَا ينْصَرف فَأَما أولق، وأيصر فَإِن فى كل وَاحِد مِنْهُمَا حرفين من حُرُوف الزِّيَادَة ففى (أولق) الْهمزَة وَالْوَاو، فَلَا بُد من الِاشْتِقَاق حَتَّى يعلم أَيهمَا الأَصْل؟ فَنَظَرت إِلَى أولق فَإِذا الْفِعْل مِنْهُ ألق الرجل فَهُوَ مألوق: إِذا أَصَابَهُ لمَم من الْجُنُون، فَعلمنَا أَن الْهمزَة أصل، وَأَن الْوَاو زَائِدَة؛ فتقديره: فوعل مثل كوثر فَهُوَ مَصْرُوف فى الْمعرفَة والنكرة وَكَذَلِكَ (أيصر) يجمع على فعال فَيُقَال فى جمعه: إصار فَتثبت الْهمزَة وَتسقط الْيَاء كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:

(فَهَذَا يعد لَهُنَّ الخلى ... وينقل ذَا بَينهُنَّ الإصار)

هَذَا بَاب تَسْمِيَة الْوَاحِد مؤنثا كَانَ أَو مذكرا بأسماء الْجمع

قد تقدم قَوْلنَا فى جمع التكسير إِنَّه بمنزل الْوَاحِد يمنعهُ من الصّرْف مَا يمْنَع الْوَاحِد، فَإِذا نقلت مِنْهُ شَيْئا، فسميت بِهِ مذكرا فَهُوَ على تِلْكَ الْحَال، وَذَلِكَ أَنَّك إِن سميت مذكرا أنمارا، أَو كلابا انْصَرف؛ كَمَا ذكرت لَك فى (أَفعَال) ؛ لِأَن هَذَا الْمِثَال ينْصَرف فى الْمعرفَة والنكرة فَإِن سميته أكلب، وأكعب - لم ينْصَرف فى الْمعرفَة لزِيَادَة الْهمزَة فى أَوله؛ لِأَنَّهَا على مِثَال أعبد، وأقتل وينصرف هَذَا الْمِثَال فى النكرَة؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بنعت، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنع من الصّرْف من هَذَا الْمِثَال فى النكرَة (أفعل) الذى يكون نعتا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقع شئ مِمَّا على وزن الْأَفْعَال نعتا إِلَّا مَا كَانَ على أفعل فَإِن سميته بغلمان لم ينْصَرف وَكَانَ كسرحان الذى هُوَ وَاحِد فَإِن سميته بقضبان فحاله كَحال عُثْمَان فى الِامْتِنَاع من الصّرْف فى الْمعرفَة، وَأَنه ينْصَرف فى النكرَة لِأَنَّهُ لَيْسَ شئ من هَذَا الْمِثَال يكون لَهُ (فعلى) إِلَّا مَا كَانَ على (فعلان) الذى هُوَ فى / السّكُون وَالْحَرَكَة، والزيادتين على مِثَال حَمْرَاء فَهَذَا يجمع هَذَا الضَّرْب من الْجمع فَأَما مَا كَانَت فِيهِ هَاء التَّأْنِيث، جمعا كَانَ أَو وَاحِدًا، نَحْو: طَلْحَة، ونسابة، وأجربة، وصياقلة - فقد أجملنا القَوْل فِيهِ أَنه لَا ينْصَرف فى الْمعرفَة، وينصرف فى النكرَة، وَاحِدًا كَانَ أَو جمعا، قَلِيل الْعدَد كَانَ أَو كثير، عَرَبيا كَانَ أَو أعجميا فَإِن سميت رجلا بمساجد، وقناديل فَإِن النَّحْوِيين أَجْمَعِينَ لَا يصرفون ذَلِك فى معرفَة وَلَا نكرَة؛ ويجعلون حَاله وَهُوَ اسْم لوَاحِد كحاله فى الْجمع وعَلى هَذَا لم يصرفوا سَرَاوِيل وَإِن كَانَت قد أعربت؛ لِأَنَّهَا وَقعت فى كَلَام الْعَرَب على مِثَال مَا لَا ينْصَرف فى معرفَة وَلَا نكرَة فَأَما العجمة فقد زَالَت عَنْهَا بِأَنَّهَا قد أعربت، إِلَّا أَبَا الْحسن الْأَخْفَش فَإِنَّهُ كَانَ إِذا سمى بشئ من هَذَا رجلا أَو امْرَأَة صرفه فى النكرَة، فَهَذَا عندى هُوَ الْقيَاس، وَكَانَ يَقُول إِذا مَنعه من الصّرْف أَنه مِثَال لَا يَقع عَلَيْهِ الْوَاحِد، فَلَمَّا نقلته فسميت بِهِ / الْوَاحِد خرج من ذَلِك الْمَانِع وَكَانَ يَقُول: الدَّلِيل على ذَلِك مَا يَقُول النحويون فى مدائنى وبابه أَنه مَصْرُوف فى الْمعرفَة والنكرة وصياقلة أَنه مَصْرُوف فى النكرَة مُمْتَنع بِالْهَاءِ من الصّرْف فى الْمعرفَة؛ لِأَنَّهُمَا قد خرجا إِلَى مِثَال الْوَاحِد قيل لَهُ: فَلم لم تصرف مَسَاجِد إِذا كَانَ اسْم الرجل فى الْمعرفَة؟ فَقَالَ: إِن بناءه قد بلغ بِهِ مِثَال [مَا] لَا ينْصَرف فى معرفَة وَلَا نكرَة، فَهُوَ عِنْده فى هَذَا الْمِثَال بِمَنْزِلَة الملحق بِالْألف مِمَّا فِيهِ ألف التَّأْنِيث، وبمنزلة أفكل وبابه، من أَحْمَر وبابه، وبمنزلة عُثْمَان وسرحان، من بَاب غَضْبَان وسكران فَأَما سَرَاوِيل فَكَانَ يَقُول فِيهَا: الْعَرَب يَجْعَلهَا بَعضهم وَاحِدًا، فهى عِنْده مصروفة فى النكرَة على هَذَا الْمَذْهَب وَمن الْعَرَب من يَرَاهَا جمعا وَاحِدهَا سروالة وينشدون: (عَلَيْهِ من اللؤم سروالة ... )

/ فَمن رَآهَا جمعا يُقَال لَهُ: إِنَّمَا هى اسْم لشئ وَاحِد، فَيَقُول: جَعَلُوهُ أَجزَاء؛ كَمَا تَقول: دخاريص الْقَمِيص وَالْوَاحد دخرصة فعلى هَذَا كَانَ يرى أَنَّهَا بِمَنْزِلَة قناديل؛ لِأَنَّهَا جمع لَا ينْصَرف فِي معرفَة وَلَا نكرَة، وَلَكِن إِن سمى بهَا صرفهَا فى النكرَة كَمَا وصفت لَك فى غَيرهَا وَاعْلَم أَن كل جمع لَيْسَ بَينه وَبَين واحده إِلَّا الْهَاء فَإِنَّهُ جَار على سنة الْوَاحِد وَإِن عنيت بِهِ جمع الشئ؛ لِأَنَّهُ جنس من أنثه فَلَيْسَ إِلَى الِاسْم يقْصد، وَلكنه يؤنثها على مَعْنَاهُ؛ كَمَا قَالَ عز وَجل: {تنْزع النَّاس كَأَنَّهُمْ أعجاز نخل منقعر} ؛ لِأَن النّخل جنس وَقَالَ {فترى الْقَوْم فِيهَا صرعى كَأَنَّهُمْ أعجاز نخل خاوية} ؛ لِأَنَّهُ جمع نَخْلَة فَهُوَ على الْمَعْنى جمَاعَة أَلا ترى أَن (الْقَوْم) اسْم مُذَكّر! وَقَالَ عز وَجل: {كذبت قبلهم قوم نوح} لِأَن التَّقْدِير - وَالله أعلم -: إِنَّمَا هُوَ جمَاعَة قوم نوح وَذَلِكَ الْجمع؛ نَحْو: حَصَاة وحصى، وقناة وقنا، وشعيرة وشعير، وكل مَا / كَانَ مثل هَذَا فَهَذَا مجازه وَمن الْجمع مَا يكون اسْما للْجمع، وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، فمجاز ذَلِك أَن يكون مؤنثا كالواحد الذى يعْنى بِهِ الشئ الْمُؤَنَّث، إِلَّا مَا كَانَ لجَماعَة الْآدَمِيّين، وَذَلِكَ نَحْو: غنم، وإبل فَإنَّك تَقول فى تصغيره: غنيمَة، وأبيلة؛ كَمَا تَقول فى تَصْغِير دَار: دويرة، وتصغير هِنْد: هنيدة وَأما مَا كَانَ من الْآدَمِيّين من ذَلِك فنحو: رَهْط وَنَفر وَقوم، لَا تَقول فى تَصْغِير شئ من ذَلِك إِلَّا كَمَا تَقول فى تَصْغِير الْوَاحِد الْمُذكر: قويم، ورهيط، ونفير فَإِن سميت بشئ من جَمِيع هَذَا الْمُؤَنَّث الذى لَيْسَ فِيهِ عَلامَة تَأْنِيث، وَلَا مَانع مِمَّا ذكرت رجلا - فَهُوَ مَصْرُوف فى الْمعرفَة والنكرة، وَذَلِكَ نَحْو: عنوق: جمع عنَاق / وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ جمعه لمؤنث أَو مُذَكّر، وَلم يمنعهُ من الصّرْف مَا يمْنَع الْوَاحِد فَهُوَ مَصْرُوف إِذا سميت بِهِ مذكرا فَإِن قَالَ قَائِل: فَكيف انْصَرف فى الْمعرفَة وَأَصله التَّأْنِيث؟ فَإِنَّمَا ذَلِك / لِأَن تأنيثه لَيْسَ بحقيقى، إِنَّمَا قلت: هى الْجمال، وهى الرِّجَال على معنى هى جمَاعه الرِّجَال، وَجَمَاعَة الْجمال أَلا ترى أَن الْمُؤَنَّث والمذكر يخرجَانِ إِلَى اسْم وَاحِد، فَتَقول: هى أينق؛ كَمَا تَقول: هى الْجمال؛ فَإِنَّمَا تُرِيدُ بهَا جَمِيعًا: جمَاعَة فَأَما الْوَاحِد فتأنيثه وتذكيره واقعان لَهُ والتأنيث، والتذكير فى الْوَاحِد على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا: حَقِيقَة، وَالْآخر: لفظ، فهما فى ترك الصّرْف سَوَاء، لِأَن الصّرْف إِنَّمَا هُوَ للفظ، وليسا فى الْإِخْبَار عَنْهُمَا سَوَاء فَأَما الحقيقى فَمَا كَانَ فى الرجل وَالْمَرْأَة، وَجَمِيع الْحَيَوَان؛ لِأَنَّك لَو سميت رجلا طلحه لخبرت عَنهُ كَمَا يخبر إِذا كَانَ اسْمه مذكرا وَلَو سميت امْرَأَة، أَو غَيرهَا من إناث الْحَيَوَان باسم مُذَكّر لخبرت عَنْهَا كَمَا كنت تخبر عَنْهَا وَاسْمهَا مؤنث وَذَلِكَ نَحْو امْرَأَة سميتها جعفرا فَتَقول: جاءنى جَعْفَر؛ كَمَا تَقول: جاءنى حمدة، وَلَا يجوز أَن تَقول: جاءنى؛ لِأَن التَّأْنِيث حَقِيقَة، / كَمَا لَا يجوز أَن تَقول: جاءنى طَلْحَة وَأَنت تعنى رجلا والتأنيث الثانى، والتذكير نَحْو قَوْلك: يَوْم، وَلَيْلَة، وبلد، وَدَار ومنزل، فَلَيْسَ فى هَذَا أَكثر من اللَّفْظ فَلَو قلت: قصر ليلتك، وَعمر دَارك لجَاز؛ لِأَن الدَّار والمنزل شئ وَاحِد لَيْسَ فى الدَّار حَقِيقَة تصرفها عَن ذَلِك، وَكَذَلِكَ الْبَلَد والبلدة، قَالَ الله عز وَجل: {فَمن جَاءَهُ موعظة من ربه} وَقَالَ {وَأخذ الَّذين ظلمُوا الصَّيْحَة} وَقَالَ فى تَأْنِيث الْجمع: {وَقَالَتْ نِسْوَةٌ فى المدِينَةِ} ؛ لِأَن الْإِخْبَار لَيْسَ عَن وَاحِد فَإِن قَالَ: قَامَ جواريك صلح، وَلَو قَالَ: قَامَ جاريتك لم يجز، وَكَذَلِكَ لَا يجوز: قَامَ مسلماتك، وجاراتك وَلَكِن قَامَت؛ لِأَن هَذَا جمع حقيقى لَا يُغير الْوَاحِد عَن بنائِهِ إِلَّا أَن يضْطَر شَاعِر كَمَا قَالَ:

(لقد ولد الأخيطل أم سوءٍ ... )

وَلَو قَالَ فى الشّعْر: قَامَ جاريتك لصلح، وَلَيْسَ بِحسن حَتَّى تذكر بَينهمَا كلَاما، فَتَقول: قَامَ يَوْم كَذَا وَكَذَا جاريتك، وَلَا يجوز مثل هَذَا عندنَا فى الْكَلَام وَهَذَا الْجمع إِنَّمَا هُوَ على حد التَّثْنِيَة فالألف وَالتَّاء فى الْمُؤَنَّث كالواو وَالنُّون فى الْمُذكر

هَذَا بَاب تَسْمِيَة الْمُؤَنَّث

اعْلَم أَن كل أُنْثَى سميتها باسم على ثَلَاثَة أحرف فَمَا زَاد فَغير مَصْرُوف، كَانَت فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث أَو لم تكن، مذكرا كَانَ الِاسْم أَو مؤنثا، وَذَلِكَ نَحْو امْرَأَة سميتها قدما أَو قمرا أَو فخذا أَو رجلا فَإِن سميتها بِثَلَاثَة أحرف أوسطها سَاكن، فَكَانَ ذَلِك الِاسْم مؤنثا أَو مُسْتَعْملا للتأنيث خَاصَّة، فَإِن شِئْت صرفته وَإِن شِئْت لم تصرفه إِذا لم يكن فى ذَلِك الِاسْم علم التَّأْنِيث نَحْو: شَاة، فَإِن ذَلِك قد تقدم قَوْلنَا فِيهِ وَذَلِكَ نَحْو امْرَأَة سميتها بشمس أَو قدم، فَهَذِهِ الْأَسْمَاء المؤنثة وَأما المستعملة للتأنيث فنحو: جمل، ودعد، وَهِنْد فَأَنت فى جَمِيع هَذَا بِالْخِيَارِ، وَترك الصّرْف أَقيس فَأَما من الصّرْف فَقَالَ: رَأَيْت دعدا، ورأتنى هِنْد، فَيَقُول: خفت هَذِه الْأَسْمَاء؛ لِأَنَّهَا على أقل الْأُصُول، فَكَانَ / مَا فِيهَا من الخفة معادلا ثقل التَّأْنِيث وَمن لم يصرف قَالَ: الْمَانِع من الصّرْف لما كثر عدته؛ نَحْو: عقرب وعناق، مَوْجُود فِيمَا قل عدده؛ كَمَا كَانَ مَا فِيهِ عَلامَة تَأْنِيث فى الْكثير الْعدَد والقليله سَوَاء فَإِن سميت مؤنثا باسم على هَذَا الْمِثَال أعجمى، فَإِنَّهُ لَا اخْتِلَاف فِيهِ أَنه لَا ينْصَرف [فى الْمعرفَة] وَذَلِكَ نَحْو امْرَأَة سميتها بخش، أَو بدل، أَو يجاز؛ لِأَنَّهُ جمع مَعَ التَّأْنِيث عجمة، فَاجْتمع فِيهِ مانعان فَإِن سميت مؤنثا بمذكر على هَذَا الْوَزْن عَرَبِيّ فَإِن فِيهِ اخْتِلَافا فَأَما سِيبَوَيْهٍ والخليل والأخفش والمازنى، فيرون أَن صرفه لَا يجوز؛ لِأَنَّهُ أخرج من بَابه إِلَى بَاب يثقل صرفه، فَكَانَ بمنزل المعدول وَذَلِكَ نَحْو امْرَأَة سميتها زيد أَو عمرا ويحتجون بِأَن مصر غير مصروفه فى الْقُرْآن؛ لِأَن اسْمهَا مُذَكّر عنيت بِهِ الْبَلدة وَذَلِكَ قَوْله عز وَجل: {أَلَيْسَ لي ملك مصر} / فَأَما قَوْله عز وَجل: {اهبطوا مصرا} فَلَيْسَ بِحجَّة عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مصر من الْأَمْصَار، وَلَيْسَ مصر بِعَينهَا هَكَذَا جَاءَ فى التَّفْسِير - وَالله أعلم وَأما عِيسَى بن عمر، وَيُونُس بن حبيب، وَأَبُو عمر الجرمى وَأَحْسبهُ قَول أَبى عَمْرو ابْن الْعلَا فَإِنَّهُم كَانُوا إِذا سموا مؤنثا بمذكر على مَا ذكرنَا رَأَوْا صرفه جَائِزا، وَيَقُولُونَ: نَحن نجيز صرف الْمُؤَنَّث إِذا سميناه بمؤنث على مَا ذكرنَا وَإِنَّمَا أخرجناه من ثقل إِلَى ثقل، فالذى إِحْدَى حالتيه حَال خفَّة أَحَق بِالصرْفِ؛ كَمَا أَنا لَو سمينا رجلا، أَو غَيره من الْمُذكر باسم مؤنث على ثَلَاثَة أحرف لَيْسَ لَهُ مَانع لم يكن إِلَّا الصّرْف وَذَلِكَ أَنَّك لَو سميت رجلا قدما أَو فخذا أَو عضدا، لم يكن فِيهِ إِلَّا الصّرْف؛ لخفة التَّذْكِير وَكَذَلِكَ لَو سميته باسم أعجمى على ثَلَاث أحرف متحركات جمع، أَو سَاكِنة الْحَرْف الْأَوْسَط لَكَانَ مصروفا لَا يجوز إِلَّا ذَلِك؛ / لِأَن الثَّلَاثَة أقل الْأُصُول، والتذكير أخف الْأَبْوَاب فَكل مُذَكّر بِثَلَاثَة أحرف فمصروف إِلَّا أَن تكون فِيهِ هَاء التَّأْنِيث؛ نَحْو: شَاة، وثبة فقد قُلْنَا فى الْهَاء، أَو تكون فِيهِ زِيَادَة فعل نَحْو: يعد، وَيَضَع، أَو يكون من المعدول: كعمر، وَقثم، أَو يكون على مَا لَا تكون عَلَيْهِ الْأَسْمَاء: نَحْو: ضرب، وَقتل، وَقد تقدم قَوْلنَا فى هَذَا فَأَما مَا كَانَ من الْمُذكر الْمُسَمّى باسم مؤنث على أَرْبَعَة أحرف فَصَاعِدا، أَو بأعجمى على هَذِه الْعدة فَغير منصرف فى الْمعرفَة؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا انْصَرف فِيمَا كَانَ من الْمُؤَنَّث على ثَلَاثَة أحرف مِمَّا ذكرت لَك؛ لِأَنَّهَا الْغَايَة فى قلَّة الْعدَد، فَلَمَّا خرج عِنْد ذَلِك الْحَد مَنعه ثقل الْمُؤَنَّث من الِانْصِرَاف والأعجمى الْمُذكر يجرى مجْرى العربى الْمُؤَنَّث فى جَمِيع مَا صرف فِيهِ أَلا ترى أَن نوحًا ولوطا اسمان أعجميان وهما مصرفان فى كتاب الله عز وَجل! فَأَما قَوْله عز وَجل: {وعادا وَثَمُود وَأَصْحَاب الرس} وَقَوله: {أَلا إِن ثَمُود كفرُوا رَبهم} {وَإِلَى ثَمُود أَخَاهُم صَالحا} فَإِن (ثَمُود) اسْم عربى، وَإِنَّمَا هُوَ فعول من الثمد فَمن جعله اسْما لأَب أوحى صرفه، وَمن جعله اسْما لقبيلة أَو جمَاعَة لم يصرفهُ ومكانهم من الْعَرَب مَعْرُوف؛ فَلذَلِك كَانَ لَهُم هَذَا الِاسْم وعَلى ذَلِك اسْم صَالح فَأَما الْأَسْمَاء المشتقة غير الْمُغيرَة فهى تبين لَك عَن أَنْفسهَا وَاعْلَم أَن الشَّاعِر إِذا اضْطر صرف مَالا ينْصَرف جَازَ لَهُ ذَلِك؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يرد الْأَسْمَاء إِلَى أُصُولهَا وَإِن اضْطر إِلَى ترك صرف مَا ينْصَرف لم يجز لَهُ ذَلِك؛ وَذَلِكَ لِأَن الضَّرُورَة لَا تجوز اللّحن، وَإِنَّمَا يجوز فِيهَا أَن ترد الشئ إِلَى مَا كَانَ لَهُ قبل دُخُول الْعلَّة، نَحْو قَوْلك فى " راد " إِذا اضطررت إِلَيْهِ: هَذَا رادد؛ لِأَنَّهُ فَاعل فى وزن ضَارب، فَلحقه الْإِدْغَام، كَمَا قَالَ:

(مهلا أعاذل قد جربت من خلقى ... أَنى أَجود لأقوام وَإِن ضننوا)

لِأَن (ضن) إِنَّمَا هُوَ ضنن، فَلحقه الْإِدْغَام وَذَلِكَ قَوْله:

(يشكو الوجى من أظلل وأظلل ... )

/ وعَلى هَذَا قَالَ الشَّاعِر:

(فلتأتينك قصائد وليركبن ... جَيش إِلَيْك قوادم الأكوار)

وَنَحْو ذَلِك أَلا ترى أَنه مَا كَانَ من ذَوَات الْيَاء فَإِن الرّفْع والخفض لَا يدخلانه؛ نَحْو: هَذَا قَاض فَاعْلَم، ومررت بقاض، فَلَمَّا احْتَاجَ إِلَيْهِ الشَّاعِر رده إِلَى أَصله فَقَالَ:

(لَا بَارك الله فى الغوانى هَل ... يصبحن إِلَّا لَهُنَّ مطلب)

وَقَالَ الشَّاعِر مثله:

(فيوما يجارين الْهوى غير ماضى ... وَيَوْما ترى مِنْهُنَّ غول تغول)

فعلى هَذَا إِجْرَاء مَالا يجرى لما وصفت لَك

هَذَا بَاب تَسْمِيَة السُّور والبلدان

أما قَوْلك: هَذِه هود، وَهَذِه نوح، فَأَنت مُخَيّر: إِن أردْت هَذِه سُورَة نوح، وَهَذِه سُورَة هود، فحذفت سُورَة على مِثَال مَا حذف من قَوْله عز وَجل: {واسأل الْقرْيَة} فمصروف تَقول: هَذِه هود، وَهَذِه نوح وَإِن جعلت وَاحِدًا مِنْهُمَا / اسْما للسورة لم تصرفه فى قَول من رأى أَلا يصرف زيدا إِذا كَانَ اسْما لامْرَأَة هَذَا فى هود خَاصَّة وَأما نوح فَإِنَّهُ اسْم أعجمى لَا ينْصَرف إِذا كَانَ اسْما لمؤنث، كَمَا ذكرت لَك قبل هَذَا فَأَما يُونُس، وَإِبْرَاهِيم فَغير مصروفين، للسورة جعلتهما أَو للرجلين؛ للعجمة ويدلك على ذَلِك أَنَّك إِذا قلت: هَذِه يُونُس أَنَّك تُرِيدُ: هَذِه سُورَة يُونُس، فحذفت؛ كَمَا أَنَّك تَقول: هَذِه الرَّحْمَن وَأما (حَامِيم) فَإِنَّهُ اسْم أعجمى لَا ينْصَرف، للسورة جعلته أَو للحرف؛ وَلَا يَقع مثله فى أَمْثِلَة الْعَرَب لَا يكون اسْم على فاعيل فَإِنَّمَا تَقْدِيره تَقْدِير: هابيل وَكَذَلِكَ طس وَيس فِيمَن جَعلهمَا اسْما؛ كَمَا قَالَ لما جعله اسْما للسورة:

(يذكرنى حَامِيم وَالرمْح شَاجر ... فَهَلا تَلا حَامِيم قبل التَّقَدُّم)

وَقَالَ الْكُمَيْت:

(وجدنَا لكم فى آل حَامِيم آيَة ... تأولها منا تقى ومعرب)

وَأما فواتح السُّور فعلى الْوَقْف؛ لِأَنَّهَا حُرُوف مقطعَة؛ فعلى / هَذَا تَقول: (اآم ذَلِك) و (حم~ وَالْكتاب) ؛ لِأَن حق الْحُرُوف فى التهجى التقطيع؛ كَمَا قَالَ: (أَقبلت من عِنْد زِيَاد كالخرف ... تخط رجلاى بِخَط مُخْتَلف)

(تكتبان فى الطَّرِيق لَام الف ... )

فَهَذَا مجَاز الْحُرُوف فَأَما (نون) فى قَوْلك: قَرَأت نونا يَا فَتى، فَأَنت مُخَيّر: إِن أردْت سُورَة نون، وَجَعَلته اسْما للسورة - جَازَ فِيهِ الصّرْف فِيمَن صرف هندا، وَتَدَع ذَلِك فى قَول من لم يصرفهَا وَكَذَلِكَ صَاد، وقاف وَهَذِه الْأَسْمَاء الَّتِى على ثَلَاثَة أحرف أوسطها سَاكن إِنَّمَا هى بِمَنْزِلَة امْرَأَة سميتها دَارا فَأَما الْبِلَاد فَإِنَّمَا تأنيثها على أسمائها، وتذكيرها على ذَلِك؛ تَقول: هَذَا بلد، وهى بَلْدَة، وَلَيْسَ بتأنيث الْحَقِيقَة، وتذكيره كَالرّجلِ وَالْمَرْأَة فَكل مَا عنيت بِهِ من هَذَا بَلَدا، وَلم يمنعهُ من الصّرْف مَا يمْنَع الرجل فاصرفه وكل مَا عنيت بِهِ من هَذَا بَلْدَة مَنعه من الصّرْف مَا يمْنَع الْمَرْأَة، وَصَرفه مَا يصرف اسْم الْمُؤَنَّث على أَن مِنْهَا مَا يغلب عَلَيْهِ أحد المذهبين / وَالْوَجْه الآخر فِيهِ جَائِز، وَالْأَصْل مَا ذكرت لَك وَذَلِكَ نَحْو: فلج، وَحجر، وقباء، وحراء فَأَما الْمَدِينَة، وَالْبَصْرَة، والكوفة، وَمَكَّة - فحرف التَّأْنِيث يمْنَعهَا وَأما بَغْدَاد وَنَحْوهَا، فالعجمه تمنعها وعمان، ودمشق فالأكثر فيهمَا التَّأْنِيث؛ يُرَاد البلدتان والتذكير جَازَ، يُرَاد: الْبلدَانِ كَمَا أَن واسطا الْأَغْلَب عَلَيْهِ التَّذْكِير؛ لِأَنَّهُ اسْم مَكَان وسط الْبَصْرَة والكوفة، فَإِنَّمَا هُوَ نعت سمى بِهِ وَمن أَرَادَ الْبَلدة لم يصرفهَا؛ وَجعلهَا كامرأة سميت ضَارِبًا أَلا ترى أَنه لما جعل حراء اسْما لبقعة لم يصرفهُ وَقَالَ:

(ستعلم أَيّنَا خير قَدِيما ... وأعظمنا بِبَطن حراء نَار)

فَأصل هَذَا مَا تقصد بِهِ إِلَيْهِ أَلا ترى أَنه يَقُول:

(من كَانَ ذَا شكّ فَهَذَا فلج ... مَاء رواء، وَطَرِيق نهج)

فَقَالَ: فَهَذَا، وَلم يقل: فَهَذِهِ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بَلَدا

هَذَا بَاب أَسمَاء الْأَحْيَاء والقبائل

فمجاز هَذَا مجَاز مَا ذكرنَا قبل فى الْبلدَانِ تَقول: هَذِه تَمِيم، وَهَذِه أَسد، إِذا أردْت هَذِه قَبيلَة تَمِيم، أَو جمَاعَة تَمِيم، فتصرف؛ لِأَنَّك تقصد قصد تَمِيم نَفسه وَكَذَلِكَ لَو قلت: أَنا أحب تميما، أَو أَنْت تهجو أسدا إِذا أردْت مَا ذكرنَا، أَو جعلت كل وَاحِد مِنْهُمَا اسْما للحى فَإِن جعلت شيا من ذَلِك اسْما للقبيلة لم تصرفه على مَا ذكرنَا قبل تَقول: هَذِه تَمِيم فَاعْلَم، وَهَذِه عَامر قد أَقبلت وعَلى هَذَا تَقول: هَذِه تَمِيم بنة مر، وَإِنَّمَا تُرِيدُ الْقَبِيلَة، كَمَا قَالَ:

(لَوْلَا فوارس تغلب بنة وَائِل ... نزل الْعَدو عَلَيْك كل مَكَان) وكما قَالَ الله عز وَجل: {كذبت قوم نوح الْمُرْسلين} ؛ لِأَن الْمَعْنى: الْجَمَاعَة، وعَلى هَذَا (كذبت عَاد) و (كذَّبَتْ ثَمُودُ بالنُّذُرِ) ؛ لِأَنَّهُ عَنى الْقَبِيلَة وَالْجَمَاعَة فَأَما مَا كَانَ من هَذَا اسْما لَا يَقع عَلَيْهِ بَنو كَذَا، فَإِن التَّذْكِير فِيهِ على وَجْهَيْن: على أَن تقصد قصد الحى، أَو تعمد للْأَب الذى سمى بِهِ / الْقَبِيل، وَذَلِكَ نَحْو: قُرَيْش، وَثَقِيف تَقول: جَاءَ قُرَيْش يَا فَتى، إِنَّمَا تُرِيدُ: حى قُرَيْش، وَجَمَاعَة قُرَيْش فهى بِمَنْزِلَة مَا قبلهَا إِلَّا فِيمَا ذكرنَا من أَنَّك لَا تَقول: بَنو قُرَيْش؛ كَمَا تَقول: بَنو تَمِيم؛ لِأَنَّهُ اسْم للْجَمَاعَة وَإِن كَانُوا إِنَّمَا سموا بذلك لرجل مِنْهُم وَقد اخْتلف النَّاس فى هَذِه التَّسْمِيَة لأى معنى وَقعت؟ إِلَّا أَن الثبت عندنَا أَنَّهَا إِنَّمَا وَقعت لقصى بن كلاب وَلذَلِك قَالَ اللهبى: (وبنا سميت قُرَيْش قُريْشًا ... )

وَثَقِيف كَذَلِك إِنَّمَا هُوَ تلقيب الْقَبِيلَة أَو الحى، الْمَقْصُود فى ذَلِك أَبوهَا قسى بن منسبه ابْن بكر بن هوَازن وَمن جعل هَذِه الْأَسْمَاء وَاقعَة على قبائل أَو جماعات، لم يصرفهُ، كَمَا قَالَ:

(غلب المساميح الْوَلِيد سماحة ... وَكفى قُرَيْش المعضلات وسادها)

وَجعله اسْما للقبيلة؛ كَمَا قَالَ الْأَعْشَى: (ولسنا إِذا عد الْحَصَى بأقله ... وَإِن معد الْيَوْم مود ذليلها)

جعل (معد) اسْما للقبيلة يدلك على ذَلِك قَوْله: / مود ذليلها على أَنه قد يجوز أَن يَقُول (مود ذليلها) - لَو أَرَادَ أَبَا الْقَبِيلَة لِأَنَّهُ يُرِيد: جمَاعَة معد، وَلَكِن ترك الصّرْف قد أعلمك أَنه يُرِيد الْقَبِيلَة، وَأَن ذليلها على ذَلِك جَاءَ فَإِذا قلت: ولد كلاب كَذَا، وَولد تَمِيم كَذَا - فالتذكير وَالصرْف لَا غير؛ لِأَنَّك الْآن إِنَّمَا تقصد الْآبَاء وَأما قَوْله: بَكَى الْخَزّ من عَوْف وَأنكر جلده ... وعجت عجيجا من جذام المطارف)

فَإِنَّهُ جعله اسْما للقبيلة وَأما قَوْلك: هَذِه رقاش يَا فَتى على مَذْهَب بنى تَمِيم، وَهَذِه رقاش فى قَول أهل الْحجاز، فَلهَذَا مَوضِع سنبينه فى عقب هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله ورقاش امْرَأَة، وَأَبُو الْقَبِيل عَمْرو بن شَيبَان بن ذهل بن ثَعْلَبَة وَكَذَلِكَ سلول، وسدوس فَلَيْسَ من هَذَا مصروفا إِلَّا فى النكرَة، وَإِنَّمَا ذَلِك بِمَنْزِلَة باهلة، وخندف وَإِن كَانَ فى باهلة عَلامَة التَّأْنِيث

هَذَا بَاب تَسْمِيَة الرِّجَال وَالنِّسَاء بأسماء السُّور والأحياء والبلدان

اعْلَم أَنَّك إِذا سميت رجلا باسم شئ من ذَلِك على ثَلَاث أحرف لَيْسَ فِيهِ مَانع مِمَّا قدمنَا ذكره فَهُوَ مَصْرُوف وَإِن وَقع فى الأَصْل مؤنثا، كَمَا ذكرت لَك فى رجل يُسمى هندا أَو مقدما أَو فخذا فَإِن سمى بش على أَرْبَعَة أحرف أَو أَكثر، وَكَانَ عَرَبيا مذكرا، فَهُوَ مَصْرُوف وَإِن كَانَ أعجميا أَو مؤنثا لم ينْصَرف وَذَلِكَ قَوْلك فى رجل يُسمى حَامِيم: هَذَا حَامِيم مُقبلا؛ لِأَنَّهُ أعجمى على مَا وصفت لَك فَإِن سميته صَالحا أَو شعيبا، وَذَلِكَ الِاسْم اسْم لسورة - انْصَرف؛ لِأَنَّهُ فى الأَصْل مُذَكّر، وَإِن علقته على مؤنث فَإِنَّمَا ذَلِك بِمَنْزِلَة غزال وسحاب، سميت بِوَاحِد مِنْهُمَا امْرَأَة، ثمَّ سميت بذلك الِاسْم رجلا فَإِنَّمَا ترده إِلَى أَصله وَإِنَّمَا ذكرنَا أَن هندا ودعدا وجملا أَسمَاء مُؤَنّثَة؛ لِأَنَّهَا وَقعت مُشْتَقَّة للتأنيث، فَكَانَت بِمَنْزِلَة مَا أَصله التَّأْنِيث / إِذْ كَانَ الْمُؤَنَّث الْمُخْتَص بهَا وَمن ثمَّ لَا يصرف عِنْد أَكثر النَّحْوِيين (أَسمَاء) بن خَارِجَة؛ لِأَن (أَسمَاء) قد اخْتصَّ بِهِ النِّسَاء حَتَّى كَأَن لم يكن جمعا قطّ، والأجود فِيهِ الصّرْف وَإِن ترك إِلَى حَالَته الَّتِى كَانَ فِيهَا جمعا للاسم، وعَلى ذَلِك صرف هَؤُلَاءِ النَّحْوِيين ذِرَاعا اسْم رجل؛ لِكَثْرَة تَسْمِيَته الرِّجَال بِهِ، وَأَنه وصف للمذكر فى قَوْلك: هَذَا حَائِط ذِرَاع، والأجود أَلا يصرف اسْم رجل؛ لِأَن الذِّرَاع فى الأَصْل مُؤَنّثَة فَإِن سميت السُّورَة أَو الرجل أَو غير ذَلِك بِفعل، أجريته مجْرى الْأَسْمَاء، وَذَلِكَ أَنَّك تَقول إِذا أضفت إِلَى (اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر) : قَرَأت سُورَة إقتربه؛ لِأَنَّك إِذا سميت بِفعل فِيهِ تَاء تَأْنِيث صَارَت فى الْوَقْف هَاء؛ لِأَنَّك نقلته إِلَى اسْم، فَصَارَ آخِره كآخر حمدة؛ لِأَنَّهُ فى الأَصْل مدرج بِالتَّاءِ، وَالتَّاء عَلامَة التَّأْنِيث، وَإِنَّمَا تبدل مِنْهَا فى الْوَقْف هَاء، وتقطع ألف الْوَصْل؛ / كَمَا أَنَّك لَو سميت رجلا بِقَوْلِك: (اضْرِب) فِي الْأَمر قطعت الْألف حَتَّى تصير كألفات الْأَسْمَاء فَتَقول: هَذَا إضرب قد جَاءَ، فتصيره بِمَنْزِلَة إثمد فعلى هَذَا قلت: هَذِه سُورَة إقتربه فَإِن وصلت قلت: هَذِه سُورَة اقْتَرَبت السَّاعَة؛ لِأَنَّهَا الْآن فعل رفعت بهَا السَّاعَة، وَسميت بهما جَمِيعًا؛ كَمَا أَنَّك لَو سميت رجلا: قَامَ زيد لَقلت: هَذَا قَامَ زيد؛ لِأَنَّك سميت بِفعل وفاعل وَلِهَذَا مَوضِع نذكرهُ فِيهِ على حِدته إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب مَا كَانَ من الْأَسْمَاء المعدولة على (فعال)

اعْلَم أَن الْأَسْمَاء [الَّتِى] تكون على هَذَا الْوَزْن على خَمْسَة أضْرب: فَأَرْبَعَة مِنْهَا معدول، وَضرب على وجهة فَذَلِك الضَّرْب هُوَ مَا كَانَ مذكرا، أَو مؤنثا غير مُشْتَقّ، وَيجمع ذَلِك أَن تكون مِمَّا أَصله النكرَة فَأَما الْمُذكر فنحو قَوْلك: ربَاب، وسحاب، وجمال وَأما الْمُؤَنَّث / فنحو قَوْلك: عنَاق، وأتان، وصناع فَمَا كَانَ من هَذَا مذكرا فمصروف إِذا سميت بِهِ رجلا، أَو غَيره من الْمُذكر وَمَا كَانَ مِنْهُ مؤنثا فَغير مَصْرُوف فى الْمعرفَة، ومصروف فى النكرَة، لمذكر كَانَ أَو لمؤنث وَأما مَا كَانَ معدولا فمجراه وَاحِد فى الْعدْل وَإِن اخْتلفت أَنْوَاعه فَمن ذَلِك مَا يَقع فى معنى الْفِعْل نَحْو قَوْلك: حذار يَا فَتى، ونظار يَا فَتى، وَمَعْنَاهُ: احذر، وَانْظُر فَهَذَا نوع وَمِنْه مَا يَقع فِي مَوضِع الْمصدر نَحْو قَوْلك: الْخَيل تعدو بداد يَا فَتى وَمَعْنَاهُ: بددا وَمثله: لَا مساس يَا فَتى، أى: لَا مماسة فَهَذَا نوع ثَان وَتَكون صفه غالبة حَالَة مَحل الِاسْم؛ كتسميتهم الْمنية حلاق يَا فَتى فَهَذَا نوع ثَالِث وَالنَّوْع الرَّابِع مَا كَانَ معدولا للنِّسَاء؛ نَحْو: حذام وقطام، إِلَّا أَن جملَة هَذَا أَنه لَا يكون شَيْء من هَذِه الْأَنْوَاع الْأَرْبَعَة إِلَّا مُؤَنّثَة معرفَة فَأَما مَا لم يكن كَذَلِك فَغير دَاخل فى هَذَا الْبَاب وَنحن بادئون فى تَفْسِيره / نوعا نوعا أما مَا كَانَ فى معنى الْأَمر فَإِنَّمَا كَانَ حَقه أَن يكون مَوْقُوفا؛ لِأَنَّهُ معدول عَن مصدر فعل مَوْقُوف مَوْضُوع فى موسعه، فَإِنَّمَا مجازه مجَاز المصادر، إِلَّا أَنَّهَا المصادر الَّتِى يُؤمر بهَا؛ نَحْو: ضربا زيدا؛ كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {فَإِذا لَقِيتُم الَّذين كفرُوا فَضرب الرّقاب} إِلَّا أَن الْمصدر مُقَدّر مؤنثا علما لهَذَا الْمَعْنى: وَذَلِكَ نَحْو قَوْله:

(تراكها من إبل تراكها)

إِنَّمَا الْمَعْنى: أتركها إِلَّا أَنه اسْم مؤنث مَوْقُوف الآخر محرك بِالْكَسْرِ، لالتقاء الساكنين؛ وحركته الْكسر لما أذكرهُ لَك إِن شَاءَ الله، وَمن ذَلِك قَوْله: (مناعها من إبل مناعها ... أَلا ترى الْمَوْت لَدَى أرباعها)

وَقَالَ آخر:

(حذار من أرماحنا حذار ... )

وَقَالَ آخر:

(نظاركى أركبه نظار ... )

ويدلك على تأنيثه قَول زُهَيْر:

(ولنعم حَشْو الدرْع أَنْت إِذا ... دعيت نزال ولج فى الذعر) / فَقَالَ: دعيت وَقَالَ زيد الْخَيل:

(وَقد علمت سَلامَة أَن سيفى ... كريه كلما دعيت نزال)

وَأما مَا كَانَ اسْما لمصدر غير مَأْمُور بِهِ فنحو قَوْله:

(وَذكرت من لبت المحلق شربة ... وَالْخَيْل تعدو بالصعيد بداد)

وَقَرَأَ الْقُرَّاء: (فَإِن لَك فى الْحَيَاة أَن تَقول لَا مساس فَإِن قَالَ قَائِل: مَا بالنا لَا نحد أَكثر المصادر إِلَّا مذكرا وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ معدول عَمَّا لَا نجد التَّأْنِيث فى لَفظه قيل لَهُ: قد وجدْتُم فى المصادر مؤنثا كثيرا، كَقَوْلِك: أردْت إِرَادَة، واستخرت استخار؛ وقاتلت مقاتلة وكل مصدر تُرِيدُ بِهِ الْمرة الْوَاحِد فَلَا بُد من دُخُول الْهَاء فِيهِ، نَحْو: جَلَست جلْسَة وَاحِد وَركبت ركبة، وَإِنَّمَا هَذَا معدول عَن مصدر مؤنث كنحو مَا ذكرت لَك وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن الْمُذكر من المصادر، وَغَيرهَا الذى هُوَ على هَذَا الْوَزْن مَصْرُوف متصرف؛ نَحْو: ذهبت ذَهَابًا، ولقيته لِقَاء / وَأَنه لما أَرَادَ المكسور قَالَ: دعيت نزال وَأما مَا كَانَ نعتا غَالِبا فَمِنْهُ قَوْله:

(لحقت حلاق بهم على أكسائهم ... ضرب الرّقاب، وَلَا يهم الْمغنم)

يُرِيد: الْمنية؛ كَمَا قَالَ مهلهل: (مَا أَرْجَى الْعَيْش بعد ندام ... كلهم قد سقوا بكأس حلاق)

وَإِنَّمَا هَذَا نعت غَالب نَظِير قَوْله:

(ونابغة الجعدى بالرمل بَيته ... عَلَيْهِ صفيح من تُرَاب منضد)

وَإِنَّمَا النَّابِغَة نعت فى الأَصْل، وَلكنه غلب حَتَّى صَار اسْما وَأما مَا كَانَ اسْما علما نَحْو: حذام، وقطام، ورقاش - فَإِن الْعَرَب تخْتَلف فِيهِ: فَأَما أهل الْحجاز فيجرونه مجْرى مَا ذكرنَا قبل؛ لِأَنَّهُ مؤنث معدول وَإِنَّمَا أَصله حاذمة، وراقشه، وقاطمة ففعال فى الْمُؤَنَّث نَظِير (فعل) فى الْمُذكر أَلا ترى أَنَّك تَقول للرجل: يَا فسق يَا لكع، وللمرأة: يَا فساق يَا لكاع فَلَمَّا كَانَ الْمُذكر معدولا عَمَّا ينْصَرف عدل إِلَى مَا لَا ينْصَرف وَلما كَانَ الْمُؤَنَّث معدولا / عَمَّا لَا ينْصَرف عدل إِلَى لَا يعرب؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بعد مَا لَا ينْصَرف إِذْ كَانَ نَاقِصا مِنْهُ التَّنْوِين إِلَّا مَا ينْزع مِنْهُ الْإِعْرَاب؛ لِأَن الْحَرَكَة والتنوين حق الْأَسْمَاء، فَإِذا أذهب الْعدْل التَّنْوِين لعِلَّة أذهب الْحَرَكَة لعلتين واختير لَهُ الْكسر؛ لِأَنَّهُ كَانَ معدولا عَمَّا فِيهِ علام التَّأْنِيث، فَعدل إِلَى مَا فِيهِ تِلْكَ الْعَلامَة؛ لِأَن الْكسر من عَلَامَات التَّأْنِيث أَلا ترى أَنَّك تَقول للمؤنث: إِنَّك فاعلة، وَأَنت فعلت، وَأَنت تفعلين؛ لِأَن الكسرة من نوع الْيَاء؛ فَلذَلِك ألزمته الكسرة فَإِن نكرت شيا من هَذَا أعربته وصرفته فَقلت رَأَيْت قطام وقطاما أُخْرَى وَلَو سميت بِهِ مذكرا أعربته وَلم تصرفه؛ لِأَنَّك لَا تصرف الْمُذكر إِذا سميته بمؤنث على أَرْبَعَة فَصَاعِدا فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة رجل سميته عقربا، وعناقا تَقول: هَذَا حذام قد جَاءَ، وقطام يَا فَتى، وَهَذَا حذام آخر وَإِنَّمَا فعلت ذَلِك؛ لِأَنَّهُ لم يلْزم الْكسر للتأنيث، وَلَو كَانَ للتأنيث لَكَانَ هَذَا فى عقرب وعناق، وَلكنه للمعنى، فَإِذا نقلته إِلَى الْمُذكر زَالَ الْمَانِع مِنْهُ، / وَجرى مجْرى مؤنث سميت بِهِ مذكرا مِمَّا لم يعدل وَأما بَنو تَمِيم فَلَا يكسرون اسْم امْرَأَة، وَلَكنهُمْ يجرونه مجْرى غَيره من الْمُؤَنَّث؛ لأَنهم لَا يذهبون بِهِ إِلَى الْعدْل، وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنهم إِذا أَرَادوا الْعدْل قَالُوا: يَا فساق أقبلى وَيَا خباث أقبلى، لِأَن هَذَا لَا يكون إِلَّا معدولا وَمَا كَانَ فى آخِره رَاء من هَذَا الْبَاب فَإِن بنى تَمِيم يتبعُون فِيهِ لُغَة أهل الْحجاز، وَذَلِكَ أَنهم يُرِيدُونَ إجناح الْألف، وَلَا يكون ذَلِك إِلَّا وَالرَّاء مَكْسُورَة وَهَذَا مُبين فى بَاب الإمالة فَتَقول للضبع: هَذِه جعار فَاعْلَم وَإِنَّمَا جعار نعت غَالب، فَصَارَ اسْما للضبع فَمن ذَلِك قَوْله:

(فَقلت لَهَا عيثى جعار وجرر ... بِلَحْم امْرِئ لم يشْهد الْيَوْم ناصره) وَمِنْهُم من يجرى الرَّاء مجْرى غَيرهَا، ويمضى على قِيَاسه الأول فَمن ذَلِك قَوْله:

(وَمر دهر على وبار ... فَهَلَكت عنْوَة وبار)

والقوافى مَرْفُوعَة وَمن المعدول: أخر، وسحر، وعدلهما / مُخْتَلف فَأَما (أخر) فلولا الْعدْل انصرفت؛ لِأَنَّهَا جمع أُخْرَى فَإِنَّمَا هى بِمَنْزِلَة الظُّلم، والنقب، والحفر، وَمثلهَا مِمَّا هُوَ على وَزنهَا: الْكُبْرَى وَالْكبر، وَالصُّغْرَى والصغر فباب فعلى فى الْجمع كباب فعلة نَحْو: الظُّلم وَالظُّلم، والغرفة والغرف وَإِنَّمَا اسْتَويَا فى الْجمع؛ لِاسْتِوَاء الْوَزْن، وَأَن آخر كل وَاحِد مِنْهُمَا عَلامَة التَّأْنِيث، فَإِنَّمَا عدلت أخر عَن الْألف وَاللَّام من حَيْثُ أذكرهُ لَك: وَذَلِكَ أَن (أفعل) الذى مَعَه من كَذَا وَكَذَا، لَا يكون إِلَّا مَوْصُولا بِمن، أَو تلْحقهُ الْألف وَاللَّام؛ نَحْو قَوْلك: هَذَا أفضل مِنْك، وَهَذَا الْأَفْضَل، وَهَذِه الفضلى، وَهَذِه الأولى، وَهَذِه الْكُبْرَى فتأنيث الأفعل الفعلى من هَذَا الْبَاب، فَكَانَ حد (آخر) أَن يكون مَعَه (من) نَحْو قَوْلك جاءنى زيد وَرجل آخر وَإِنَّمَا كَانَ أَصله آخر مِنْهُ؛ كَمَا تَقول: أكبر مِنْهُ، وأصغر مِنْهُ فَلَمَّا كَانَ لفظ آخر يغنى عَن (من) لما فِيهِ من الْبَيَان أَنه رجل مَعَه كَذَلِك: ضربت رجلا آخر، قد بيّنت أَنه لَيْسَ بِالْأولِ اسْتغْنَاء عَن (من) بِمَعْنَاهُ / فَكَانَ معدولا عَن الْألف وَاللَّام خَارِجا عَن بَابه، فَكَانَ مؤنثه كَذَلِك فَقلت: جاتنى امْرَأَة أُخْرَى، وَلَا يجوز جاءتنى امْرَأَة صغرى وَلَا كبرى، إِلَّا أَن يَقُول: الصُّغْرَى أَو الْكُبْرَى، أَو تَقول: أَصْغَر مِنْك أَو أكبر، فَلَمَّا جمعناها فَقُلْنَا (أخر) كَانَت معدولة عَن الْألف وَاللَّام؛ فَذَلِك الذى منعهَا الصّرْف قَالَ الله عز وَجل: {وَأخر متشابهات} وَقَالَ: {فَعِدَّةٌ مِن أُخَرَ} فَإِن سميت بِهِ رجلا فهى منصرفة فى قَول الْأَخْفَش وَمن قَالَ بِهِ لِأَنَّهُ يصرف أَحْمَر إِذا كَانَ نكرَة اسْم رجل؛ لِأَنَّهُ قد زَالَ عَنهُ الْوَصْف، وَكَذَلِكَ هَذَا قد زَالَ عَنهُ الْعدْل، وَصَارَ بِمَنْزِلَة أَصْغَر لَو يُسمى بِهِ رجلا وسيبويه يرى أَنه على عدله وَلكُل مَذْهَب قوى يطول الْكَلَام بشرحه، وَفِيمَا ذكرنَا كِفَايَة إِن شَاءَ الله فَأَما (سحر) فَإِنَّهُ معدول - إِذا أردْت بِهِ يَوْمك - عَن الْألف وَاللَّام؛ فَإِن أردْت سحرًا من الأسحار صرفته لِأَنَّهُ [غير] معدول أَلا ترى أَنَّك تَقول: جاءنى زيد لَيْلَة سحرًا، وَقمت مرّة سحرًا، وكل سحر طيب، فَهَذَا منصرف / فَتَقول إِذا أردْت تَعْرِيفه: هَذَا السحر خير لَك من أول اللَّيْل، وجئتك فى أَعلَى السحر وعَلى هَذَا قَوْله عز وَجل: {إِلَّا آل لوط نجيناهم بِسحر} فَأَما فى يَوْمك فَإِنَّهُ غلب عَلَيْهِ التَّعْرِيف بِغَيْر إِضَافَة؛ كَمَا غلب ابْن الزبير على وَاحِد من بنيه، وكما غلب الْوَصْف فى قَوْلك: النَّابِغَة فَصَارَ كالاسم اللَّازِم، فَلَمَّا كَانَ ذَلِك امْتنع من الصّرْف كَمَا امْتنع أخر فَقلت سير عَلَيْهِ سحر يَا فَتى وَلم يكن مُتَمَكنًا فترفعه، وتجربه مجْرى الْأَسْمَاء؛ كَمَا تَقول: سير عَلَيْهِ يَوْم الْجُمُعَة وسير عَلَيْهِ يَوْمَانِ فَامْتنعَ من التَّصَرُّف؛ كَمَا امْتنع من الصّرْف فَإِن عنيت الذى هُوَ نكرَة صرفته وصرفته وَإِن صغرت هَذَا الذى هُوَ معرفَة صرفته؛ لِأَن فعيلا لَا يكون معدولا، وَصَارَ كتصغير عمر؛ لِأَنَّهُ قد خرج من بَاب الْعدْل، وَلَكِنَّك لَا تصرفه فى الرّفْع، فَتَقول: سير عَلَيْهِ سحير يَا فَتى إِذا عنيت الْمعرفَة وَلم ينْصَرف إِذا كَانَ مكبرا معدولا فَإِن سميت بِهِ رجلا فَلَا / اخْتِلَاف فى صرفه فَيُقَال لسيبوبه: مَا بالك صرفت هَذَا اسْم رجل، وَلم تفعل مثل ذَلِك فى بَاب أخر؟ فَمن حجَّة من يحْتَج عَنهُ أَن يَقُول: إِن أخر على وزن المعدول، وَعدل فى بَاب النكرَة، فَلَمَّا امْتنع فى النكرَة كَانَ فى الْمعرفَة أولى وَأما أَنا فَلَا أرى الْأَمر فيهمَا إِلَّا وَاحِدًا، ينصرفان جَمِيعًا إِذا كَانَا لمذكر، وَترجع أخر إِذا فَارقه الْعدْل إِلَى بَاب صرد ونغر فَأَما غدو فَلَيْسَتْ من هَذَا الْبَاب؛ لِأَنَّهَا بنيت اسْما للْوَقْت علما على خلاف بنائها وهى نكرَة تَقول: هَذِه غَدَاة طيبَة، وجئتك غَدَاة يَوْم الْأَحَد فَإِذا أردْت الْوَقْت بِعَيْنِه قلت: جئْتُك الْيَوْم غدْوَة يَا فَتى، فهى ترفع وتنصب، وَلَا تصرف لِأَنَّهَا معرفَة فَأَما (بكرَة) فَفِيهَا قَولَانِ: قَالَ قوم: نصرفها؛ لأَنا إِذا أردنَا بهَا يَوْمًا بِعَيْنِه فهى نكرَة؛ لِأَن لَفظهَا فى هَذَا الْيَوْم وفى غَيره وَاحِد وَقَالَ قوم: لَا نصرفها؛ لِأَنَّهَا فى معنى غدْوَة؛ كَمَا أَنَّك تجرى كلهم مجْرى أَجْمَعِينَ فتجربه على الْمُضمر وَإِن كَانَ (كلهم) قد يكون اسْما وَإِن لم يكن جيدا نَحْو قَوْلك: رَأَيْت كلهم، / ومررت بكلهم وَلَكِن لما أشبهتها فى الْعُمُوم، وأجريت مجْراهَا على الْمُضمر، فَقلت: إِن قَوْمك فِي الدَّار كلهم، كَمَا تَقول: أَجْمَعُونَ: وكما فتحت " يذر " وَلَيْسَ فِيهَا حرف من حُرُوف الْحلق؛ لِأَنَّهَا فى معنى يدع وكلا الْقَوْلَيْنِ مَذْهَب، وَالْقَائِل فِيهَا مُخَيّر، أعنى فى جعل بكرَة إِذا أردْت يَوْمك - نكرَة إِن شِئْت، وَمَعْرِفَة إِن شِئْت وَمن المعدول قَوْلهم: مثنى، وَثَلَاث، وَربَاع، وَكَذَلِكَ مَا بعده وَإِن شت جعلت مَكَان مثنى ثَنَاء يَا فَتى حَتَّى يكون على وزن رباع وَثَلَاث وَكَذَلِكَ أحاد، وَإِن شِئْت قلت: موحد؛ كَمَا قلت مثنى قَالَ الله عز وَجل: {أولي أَجْنِحَة مثنى وَثَلَاث وَربَاع} وَقَالَ عز وَجل: {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع} وَقَالَ الشَّاعِر:

(منت لَك أَن تلاقينى المنايا ... أحاد أحاد فى شهر حَلَال)

وَقَالَ الآخر:

(ولكنما أهلى بواد أنيسه ... ذئاب تبغى النَّاس مثنى وموحد)

/ وَتَأْويل الْعدْل فى هَذَا: أَنه أَرَادَ وَاحِدًا وَاحِدًا، واثنين اثْنَيْنِ أَلا ترَاهُ يَقُول: (أولى أَجْنِحَة مثنى وَثَلَاث وَربَاع) وَالْعدْل يُوجب التكثير؛ كَمَا أَن يَا فسق مُبَالغَة فى قَوْلك: يَا فَاسق وَكَذَلِكَ يَا لكع، وَيَا لكاع وَأما قَوْلهم: الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء يُرِيدُونَ: الثَّالِث وَالرَّابِع فَلَيْسَ بمعدول؛ لِأَن الْمَعْنى وَاحِد، وَلَيْسَ فِيهِ تَكْثِير، وَلكنه مُشْتَقّ بِمَعْنى الْيَوْم كالعديل وَالْعدْل والعديل: مَا كَانَ من النَّاس، وَالْعدْل: مَا كَانَ من غير ذَلِك، وَالْمعْنَى فى المعادلة سَوَاء أَلا ترى أَن الْخَمِيس مَصْرُوف فهذان دليلان، وَكَذَلِكَ لُزُوم الْألف وَاللَّام لهَذِهِ الْأَيَّام؛ كَمَا يلْزم النَّجْم، والدبران؛ لِأَنَّهُمَا معرفَة وَقد أبان ذَلِك الْأَحَد والاثنان؛ لِأَنَّهُ على وَجهه وَقد فسرت لَك بَاب الْعدْل لتتناول الْقيَاس من قرب، وتميز بعضه من بعض إِن شَاءَ الله وَنَظِير الْعدْل والعديل قَوْلهم: امْرَأَة ثقال، ورزان وَتقول لما ثقل / وَزنه: ثقيل، ورزين إِنَّمَا تُرِيدُ فى الْمَرْأَة أَنَّهَا متوقرة لَازِمَة لموضعها؛ فعلى هَذَا بِنَاؤُه إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب الْأَمْثِلَة الَّتِى يمثل بهَا أوزان الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال

تَقول: كل (أفعل) فى الْكَلَام يكون نعتا فَغير مَصْرُوف، وَإِن كَانَ اسْما انْصَرف فَإِن قَالَ قَائِل: لم قلت، كل (أفعل) يكون وَصفا لَا ينْصَرف، وَأَنت قد صرفت (أفعلا) هَذِه الَّتِى ذكرت أَنَّهَا تكون وَصفا؟ قيل لَهُ: [أفعل] لَيْسَ وَصفا فى الْكَلَام مُسْتَعْملا وَإِنَّمَا هُوَ مِثَال يمثل بِهِ فَإِنَّمَا قلت: إِذا كَانَ هَذَا الْمِثَال وَصفا لم ينْصَرف، وَلَو كَانَ هَذَا شَيْئا قد علم وَصفا لم تصرفه، وَلم تقل: إِذا كَانَ وَصفا، وَلَكِن تَقول: لِأَنَّهُ وصف؛ كَمَا تَقول: كل آدم فى الْكَلَام لَا ينْصَرف؛ لِأَن (آدم) نعت مَفْهُوم / وعَلى هَذَا تَقول: كل أفعل فى الْكَلَام تُرِيدُ بِهِ الْفِعْل فَهُوَ مَفْتُوح؛ لِأَن (أفعلا) مِثَال، وَلَيْسَ بِفعل مَعْرُوف، وموقعه، بعد كل وَهُوَ مُفْرد يدلك على أَنه اسْم وَلَكِن لَو قلت: كل أفعل زيد مَفْتُوح، لم يكن إِلَّا هَكَذَا؛ لِأَنَّك قد رفعت بِهِ زيدا، فأخلصته فعلا، وَوَقعت (كل) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَامل ومعمول فِيهِ، فَهُوَ حِكَايَة وَنَظِير ذَلِك قَوْلك: هَذَا رجل أفعل فَاعْلَم؛ فَلَا تصرف (أفعل) ؛ لِأَنَّك وَضعته مَوضِع النَّعْت؛ كَمَا وضعت الأول مَوضِع الْفِعْل هَذَا قَول الْخَلِيل وسيبويه وَكَانَ المازنى يَقُول: هَذَا رجل أفعل، فَيصْرف أفعلا هَذَا، وَيَقُول: لِأَنَّهُ لَيْسَ بنعت مَعْلُوم وَأما أفعل زيد فَيَجْعَلهُ فعلا؛ لِأَنَّهُ قد رفع زيدا بِهِ، وَهُوَ مَذْهَب وَقَول الْخَلِيل وسيبوبه أقوى عندنَا فَإِذا قلت (أفعل) إِذا كَانَ نعتا لم ينْصَرف (أفعل) لِأَنَّهُ معرفَة وَإِنَّمَا بدأت بِهِ لذَلِك فكأنك قلت: هَذَا الْبناء إِذا كَانَ نعتا وَتقول: / كل فعلان لَهُ فعلى لَا ينْصَرف وَإِن لم تكن لَهُ فعلى فمصروف وَإِنَّمَا صرفت (فعلانا) هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بشئ مَعْرُوف لَهُ (فعلى) وَالْقَوْل فِيهِ القَوْل فى الأول وعَلى ذَلِك تَقول: فعلان إِذا كَانَت لَهُ فعلى لم ينْصَرف، فَلَا تصرف (فعلان) لِأَنَّهُ معرفَة؛ كَمَا قُلْنَا فِيمَا قبله وَتقول: كل فعنلى فى الْكَلَام فاصرفه؛ لِأَن هَذَا مِثَال مَا ينْصَرف فِي النكرَة و (كل) لَا يَقع بعْدهَا إِلَّا نكرَة، وَإِنَّمَا هُوَ مِثَال حبنطى، وسرندى، وسبندى، وَنَحْوه وَتقول: كل فعلى فى الْكَلَام، وفعلى فَلَا ينْصَرف؛ لِأَن الْألف للتأنيث، وَإِن شِئْت قلت: كل فعلى فى الْكَلَام وفعلى يَا فَتى، فتصرفه، لِأَن هَذَا الْمِثَال للإلحاق يكون وللتأنيث وَإِنَّمَا تَمنعهُ أَلفه لَا مَعْنَاهُ، فَإِن قدرتهما تَقْدِير الملحق انصرفتا، وَكَانَت كمعزى وأرطى فَإِن قدرتهما تَقْدِير التَّأْنِيث كَانَتَا كدفلى، وتترى تكون للأمرين جَمِيعًا، والأجود التَّأْنِيث وَتقول: كل (فعلى) فى الْكَلَام لَا ينْصَرف لِأَن هَذَا الْمِثَال لَا يكون إِلَّا للتأنيث / وَهُوَ بَاب حُبْلَى، وبهمى وَكَذَلِكَ كل فعلاء فى الْكَلَام لَا ينْصَرف هَذَا الْمِثَال لَا يكون إِلَّا للتأنيث نَحْو: حَمْرَاء، وصحراء وَتقول: كل فعلاء، وفعلاء فمصروف لِأَنَّهُ مِثَال لَا يكون إِلَّا مُلْحقًا مصروفا فى الْمعرفَة النكرَة وَذَلِكَ نَحْو علْبَاء، وحرباء وَأما فعلاء فنحو قَوْلك: قوباء فَاعْلَم: لِأَنَّهُ مُلْحق بفسطاط؛ كَمَا أَن علْبَاء مُلْحق بسرداح فَهَذَا يبين لَك جَمِيع هَذِه الْأَمْثِلَة إِن شَاءَ الله تمّ الْجُزْء الثَّالِث وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين ويتلوه فى الْجُزْء الرَّابِع من كتاب المقتضب: هَذَا بَاب إِيضَاح الملحق وتبيين الْفَصْل بَينهَا وَبَين غَيرهَا قابلت هَذَا الْجُزْء إِلَى آخِره وصححته فى سنة سبع وَأَرْبَعين وثلثمائة وَكتب الْحسن بن عبد الله السيرافى كتب المهلهل بن أَحْمد بِبَغْدَاد سنة سبع وَأَرْبَعين وثلثمائة

هَذَا بَاب إِيضَاح الملحقة وتبيين الْفَصْل بَينهَا وَبَين غَيرهَا

تَقول فِيمَا كَانَ على أَرْبَعَة أحرف كلهَا أصل نَحْو جَعْفَر وجلجل وقمطر وسبطر وجبرج وَدِرْهَم وَغير ذَلِك إِذا أردْت أَن تبلغ وَزنه مَا أَصله الثَّلَاثَة فَقلت فِي مثل جَعْفَر جدول فالواو زَائِدَة ألحقت الثَّلَاثَة بِبِنَاء الْأَرْبَعَة فَصَارَ جدول فِي وزن جَعْفَر وَإِنَّمَا هُوَ من الجدل فَهَذِهِ الْوَاو زَائِدَة ألحقته بِهَذَا الْمِثَال، فالواو مُلْحقَة

فَإِن قلت عَجُوز أَو رغيف أَو رِسَالَة فالياء وَالْوَاو وَالْألف زَوَائِد ولسن بملحقات لِأَنَّهُنَّ لم يبلغن بِالثَّلَاثَةِ مِثَالا من أَمْثِلَة الْأَرْبَعَة فَهَذَا الملحق وَمَا كَانَ مثله

وَمَا كَانَ من الزَّوَائِد لَا يبلغ بِالثَّلَاثَةِ مِثَالا من أَمْثِلَة الْأَرْبَعَة والخمسة وَلَا يبلغ الْأَرْبَعَة مِثَال الْخَمْسَة فَلَيْسَ بملحق

فسرحان مُلْحق بسرداح وَإِنَّمَا امْتنع من الصّرْف فِي الْمعرفَة لِأَن فِي آخِره الزائدتين اللَّتَيْنِ فِي آخر غَضْبَان وَقد أشبهه من هَذِه الْجِهَة وحبنطى مُلْحق بسفرجل بالنُّون وَالْألف وَإِنَّمَا مَنعه من الصّرْف فِي الْمعرفَة أَن آخِره كآخر حُبْلَى فِي الزِّيَادَة فأشبهها من هَذِه الْجِهَة وَلَكِن الزَّوَائِد يكن كزوائد حُبْلَى فَلذَلِك لم ينْصَرف فِي الْمعرفَة

فَإِن قلت مَا بَال حرباء وعلباء وقوباء ينصرفن فِي الْمعرفَة والنكرة والزائدتان فِي آخر كل وَاحِد مِنْهَا كالزائدتين فِي آخر حَمْرَاء هلا ترك صرفهن فِي الْمعرفَة كَمَا ترك صرف مَا ذكرنَا من الملحقات

فالفصل بَينهمَا أَن الْأَوَائِل الَّتِي وَصفنَا ألفاتها غير منقلبة وألفات هَذِه منقلبة من ياءات قد باينت ألفات التَّأْنِيث لِأَن تِلْكَ لَا تكون إِلَّا منقلبة من شَيْء فقد باينتها

وَالدَّلِيل على ذَلِك قَوْلهم درحاية إِنَّمَا هِيَ فعلاية فَلَو ذكرت قلت درحاء كَمَا ترى كَقَوْلِك سقاء وغزاء يَا فَتى

أَلا ترى أَن النَّحْوِيين لَا يجيزون ترخيم رجل فِي النداء يُسمى حبلوى فِي قَول من قَالَ يَا حَار فَرفع لِأَن الَّذِي يَقُول يَا حَار لَا يعْتد بِمَا ذهب ويجعله اسْما على حياله فَإِذا رخم حبلوى لزمَه أَن يَقُول يَا حُبْلَى أقبل لِأَن الْوَاو تنْقَلب ألفا لفتحة مَا قبلهَا وَمِثَال فعلى لَا يكون إِلَّا للتأنيث ومحال أَن تكون ألف التَّأْنِيث منقلبة فقد صَار مؤنثا مذكرا فِي حَال فَلهَذَا ذكرت لَك أَنه محَال

هَذَا بَاب جمع الْأَسْمَاء المؤنثة بعلامة التَّأْنِيث

إِذا وَقعت لمذكر أَو مؤنث فعلامات التَّأْنِيث الْألف فِيهَا مَقْصُورا كَانَ أَو ممدودا فالمقصور نَحْو سكرى وغضبى وحبلى

والممدود نَحْو حَمْرَاء وصفراء وصحراء

وَمَا كَانَ بِالْهَاءِ فِي الْوَقْف كحمدة وَطَلْحَة

فَمَا كَانَ من هَذَا اسْما لامْرَأَة فَغير مُمْتَنع من الْألف وَالتَّاء نَحْو حبليات وسكريات وحمراوات وصفراوات تبدل من الْألف الَّتِي هِيَ طرف وَاو كَمَا تفعل فِي التَّثْنِيَة إِذا قلت حمراوان

وَلَو كَانَت أصلا لَكَانَ الأجود أَن تبدل مِنْهَا همزَة كَمَا كَانَ فِي الْوَاحِد قبل أَن يثنى فَيكون مَا كَانَ مِنْهُ مبدلا من يَاء أَو وَاو بِمَنْزِلَة الْهمزَة الْأَصْلِيَّة فَتَقول فِي كسَاء كساءان وَفِي قراء قراءان فالهمزة فِي قراء أصل وَفِي كسَاء مبدلة وَكَذَلِكَ سقاء وَمَا كَانَ مثله يجوز فِي هَذَا أجمع بدل الْوَاو

وَأما مَا كَانَ مثل علْبَاء وحرباء فبدل الْوَاو فِيهِ أَجود لِأَن ألفيه زائدتان فهما يشبهان ألفي التَّأْنِيث من جِهَة الزِّيَادَة

وَأما مَا كَانَ مثل غزاء وسقاء فالإبدال فِيهِ جَائِز وَلَيْسَ كجوازه فِي الأول لِأَن الهمزتين مبدلتان من يَاء أَو وَاو وهما أصلان

وَأما مَا كَانَ مثل قراء فقد يجوز هَذَا فِيهِ على قبح لِأَن الْهمزَة أصل وَلَيْسَت بمبدلة من شَيْء وَالْأَصْل فِي هَذَا أجمع أَنه كل مَا كَانَ مذكرا من هَذَا الْبَاب فَالْوَجْه فِيهِ ثبات الْهمزَة فِي التَّثْنِيَة

وَمَا كَانَت ألفا للتأنيث لم يجز إِلَّا الْقلب إِلَى الْوَاو

وَمَا كَانَت فِيهِ هَاء التَّأْنِيث الَّتِي وَصفنَا فسميت بِهِ امْرَأَة أدخلت عَلَيْهَا فِي الْجمع الْألف وَالتَّاء فَتَقول حمدات وطلحات

أما تَحْرِيك وَسطه فللفصل بَين الِاسْم والنعت وَهَذَا يذكر مُفَسرًا فِي بَاب التصريف

وَأما حذف التَّاء الَّتِي كَانَت فِي الْوَاحِد فَلِأَن الْألف وَالتَّاء إِنَّمَا دخلتا فِي الْجمع للتأنيث فَلَا يدْخل تَأْنِيث على تَأْنِيث لِأَن هَذِه العلامات إِنَّمَا تدخل فِي الْمُذكر لتؤنثه فحذفت التَّاء الَّتِي فِي حمدة وَأَخَوَاتهَا لدُخُول الْألف وَالتَّاء اللَّتَيْنِ هما عَلامَة الْجمع

فَإِن سميت رجلا بِشَيْء فِيهِ ألف التَّأْنِيث فَأَرَدْت جمعه جمعته بِالْوَاو وَالنُّون فَقلت فِي حَمْرَاء اسْم رجل إِذا حمعته حمراوون وصفراوون وَفِيمَا كَانَ مثل حُبْلَى حبلون وسكرون

وَمَا كَانَ بِالْهَاءِ فَإنَّك تجمعه بِالْألف وَالتَّاء فَتَقول طلحات وحمدات على مَا قلت فِي الْمُؤَنَّث

وعَلى هَذَا قلت طَلْحَة الطلحات

والفصل بَينهمَا أَن مَا كَانَ فِيهِ ألف التَّأْنِيث مَقْصُورَة أَو ممدودة فَهِيَ لَازِمَة لَهُ لِأَنَّهَا لم تدخل على بِنَاء مُذَكّر

فَإِن قَالَ قَائِل كَيفَ يجوز دُخُول الْوَاو وَالنُّون على مَا فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث وهما علامتا التَّذْكِير أفيكون مؤنثا مذكرا فِي حَال؟ قيل لَهُ هَذَا محَال وَلَكِن الْألف لَا تثبت وَإِنَّمَا يثبت مَا هُوَ بدل مِنْهَا

أَلا ترى أَنَّك تَقول فِي جمع حُبْلَى حبليات فَلَو كَانَت الْألف ثَابِتَة لم يدْخل عَلَيْهَا علم التَّأْنِيث الَّذِي هُوَ للْجمع كَمَا لَا تَقول حمدتات وَلَكِنَّك تبدل من الْألف إِذا كَانَت ممدودة واوا فَإِنَّمَا تدخل عَلامَة التَّأْنِيث وعلامة التَّذْكِير على شَيْء لَا تَأْنِيث فِيهِ

فَأَما طَلْحَة فَلَو قلت فِي جمعهَا طلحتون للزمك أَن تكون أنثته وذكرته فِي حَال وَهَذَا هُوَ الْمحَال

فَإِن قلت أحذف التَّاء فَإِن هَذَا غير جَائِز وَإِنَّمَا جَازَ فِي الْجمع فِي الْمُؤَنَّث لِأَنَّك لما حذفتها جِئْت بِمَا قَامَ مقَامهَا فِي اللَّفْظ والتأنيث فعلى هَذَا يجْرِي جَمِيع مَا وَصفنَا فِي الْمُذكر والمؤنث

هَذَا بَاب مَا يحْكى من الْأَسْمَاء وَمَا يعرب

فَمن الْحِكَايَة أَن تسمى رجلا أَو امْرَأَة بِشَيْء قد عمل بعضه فِي بعض نَحْو تسميتهم تأبط شرا وذرى حبا وبرق نَحره

فَمَا كَانَ من ذَلِك فإعرابه فِي كل مَوضِع أَن يسلم على هَيْئَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ قد عمل بعضه فِي بعض فَتَقول رَأَيْت تأبط شرا وَجَاءَنِي تأبط شرا فَمن ذَلِك قَوْله

(كَذبْتُمْ وَبَيت الله لَا تنكحونها ... بنى شَاب قرناها تصر وتحلب)

وَقَوله أَيْضا

(إِنَّ لَهَا مُرَكَّنًا إِرْزَبّا ... كأَنَّهُ جَبْهةُ ذَرَّى جَبَّا) وَقَالَ الآخر

(وَجَدْنَا فِي كِتاب بني تميمٍ ... أَحَقُّ الْخَيْلِ بالرَّكْضِ المُعارُ)

فَلم يجز فِي هَذَا إِلَّا الْحِكَايَة لِأَنَّهُ لَا يدْخل عَامل على عَامل

ف أَحقُّ الْخَيل رفع بِالِابْتِدَاءِ والمعار خَبره فَهَذَا بِمَنْزِلَة الْفِعْل وَالْفَاعِل

وعَلى هَذَا ينشد هَذَا الْبَيْت لذى الرمة

(سمِعتُ الناسُ يَنْتَجِعُونَ غَيْثاً ... فقلتُ لصَيْدَحَ انْتَجِعي بلالاَ)

لِأَن التَّأْوِيل سَمِعت من يَقُول النَّاس ينتجعون غيثا فَحكى مَا قَالَ ذَاك فَقَالَ سَمِعت هَذَا الْكَلَام وعَلى هَذَا تَقول قَرَأت الْحَمد لله رب الْعَالمين لَا يجوز إِلَّا ذَلِك لِأَنَّهُ حكى كَيفَ قَرَأَ وكل عَامل ومعمول فِيهِ هَذَا سبيلهما وَتقول قَرَأت على خَاتمه الْحَمد لله وقرأت على فصه زيد منطق

وَتقول رَأَيْت على فصه الْأسد رابضا لِأَنَّك لم تَرَ هَذَا مَكْتُوبًا إِنَّمَا رَأَيْت صُورَة فأعملت فِيهَا الْفِعْل كَمَا تَقول رَأَيْت الْأسد يَا فَتى

فَأَما قَوْله عز وَجل {قَالُوا سَلاما قَالَ سَلام} فَإِن الْمُفَسّرين يَقُولُونَ فِي هَذَا قَوْلَيْنِ أَعنِي الْمَنْصُوب

أما الْمَرْفُوع فَلَا اخْتِلَاف فِي أَن مَعْنَاهُ وَالله أعلم قولي سَلام وأمرى سَلام كَمَا قَالَ {طَاعَة وَقَول مَعْرُوف} وكما قَالَ {وَقَالُوا مَجْنُون وازدجر} على الْحِكَايَة

وَأما الْمَنْصُوب فبإضمار فعل كَأَنَّهُمْ قَالُوا سلمنَا سَلاما

وَقَالَ بَعضهم لم يكن هَذَا هُوَ اللَّفْظ وَلكنه معنى مَا قَالُوا فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة قلت حَقًا

وَاعْلَم أَن هَذِه الْحِكَايَة لَا يجوز أَن تثنى وَتجمع لَا تُضَاف لِأَنَّهُ تَزُول مَعَانِيهَا باخْتلَاف ألفاظها أَلا ترى أَنَّك لَو رَأَيْت أَحَق الْخَيل بالركض المعار فِي مكانين مَكْتُوبًا لم يجز أَن تثنيه كَمَا تَقول رَأَيْت زيدين فَإِنَّمَا حق هَذِه الْأَسْمَاء التأدية

فَإِن سميت رجلا زيد الطَّوِيل والطويل خبر قلت رَأَيْت زيد الطَّوِيل ومررت بزيد الطَّوِيل

فَإِن جعلت الطَّوِيل نعتا صرفته فَقلت مَرَرْت بزيد الطَّوِيل وَرَأَيْت زيدا الطَّوِيل لِأَن الطَّوِيل تَابع وعَلى هَذَا الشَّرْط وَقع فِي التَّسْمِيَة

وَأما حَيْثُ كَانَ خَبرا فَإِنَّهُ وَقع مَرْفُوعا بالمبتدأ كَمَا كَانَ الْمُبْتَدَأ رفعا بِالِابْتِدَاءِ

وَلَو سميت رجلا عَاقِلَة لَبِيبَة لَكَانَ الْوَجْه فِيهِ أَن تَقول مَرَرْت بعاقلة لَبِيبَة وجاءتني عَاقِلَة لَبِيبَة لِأَنَّك سميت باسمين كِلَاهُمَا نكرَة فَجعلت الثَّانِي تَابعا للْأولِ كحالهما كَانَت فِي النكرَة

وَلَو سميت ب عَاقِلَة وَحدهَا لَكَانَ الأجود أَن تَقول هَذِه عَاقِلَة قد جَاءَت لِأَنَّهُ معرفَة فَيصير بِمَنْزِلَة حمدة غير منصرف والحكاية تجوز وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ لِأَنَّهُ على مِثَال الْأَسْمَاء وَأما تضربان إِذا سميت بِهِ رجلا قلت فِيهِ لقِيت تضربان حكيته وَلَك أَن تثنيه وتنصبه فَتَقول تضربين وَلَك أَن تلْحقهُ بعثمان فَتَقول كلمني تضربان فَإِذا صغرته قلت تضيربان لَا غير

وَشَيْطَان يكون فيعال من الشطن وَهُوَ الْحَبل الممتد فِي صلابة فتصرفه

وَيكون من شاط يشيط إِذا ذهب بَاطِلا فَلَا ينْصَرف

وإنسان فعلان من الْأنس

وطحان فعال من الطَّحْن وَيكون فعلان من الطح وَهُوَ الطحاء وَهُوَ الممتد من الأَرْض وعبدون إِذا فَتحته لم تجره وَإِذا ضممته أجريته وَلم تجره وَلَك أَن تحكيه فتجعله جمعا فَيكون فِي الرّفْع بِالْوَاو وَفِي النصب بِالْيَاءِ وَفِي الأول بِالْوَاو لَا غير

وَإِذا دَعَوْت رجلا اسْمه زيد منطلق قلت يَا زيد منطلق أقبل لَا تعْمل فِيهِ النداء كَمَا لم تعْمل غَيره

وَإِن سميته ب زيد الطَّوِيل فِيمَن جعل الطَّوِيل نعتا قلت يَا زيد الطَّوِيل أقبل تنصب لطوله كَمَا تنصب عشْرين رجلا وَهَذَا مُفَسّر فِي بَاب النداء

فَإِذا سميت رجلا وَزيد وَأَنت تُرِيدُ الْقسم قلت رَأَيْت وَزيد وَجَاءَنِي وَزيد لِأَن الْوَاو عاملة فِي زيد فَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَة الْبَاء أَلا ترى أَنَّك لَو سميت بزيد لَقلت جَاءَنِي بزيد

فَإِن كَانَت الْوَاو للنسق فَإِن حكمهَا أَن تقررها على مَا كَانَت عَلَيْهِ قبل أَن تحذف الَّذِي قبلهَا لِأَنَّك لَا تَقول فِي النسق وَزيد إِلَّا وَقَبله مَرْفُوع أَو مَنْصُوب أَو مخفوض فَأَي ذَلِك كَانَ فالواو جَارِيَة عَلَيْهِ غير مُغيرَة تَقول إِن كَانَ مَنْصُوبًا جَاءَنِي وزيدا ومررت بوزيدا وَكَذَلِكَ الرّفْع والخفض

بَاب الألقاب

إِذا لقبت مُفردا بمفرد أضفته إِلَيْهِ لَا يجوز إِلَّا ذَلِك فَتَقول هَذَا قيس قفة يَا فَتى وَهَذَا سعيد كرز

فَإِن لَقيته بمضاف جرى اللقب على الِاسْم كالنعت فَقلت هَذَا زيد وزن سَبْعَة وَهَذَا زيد حارس الدَّار

فَإِن لقبت مُضَافا بمفرد أَو مُضَافا بمضاف فَكَذَلِك تَقول هَذَا عبد الله وزن سَبْعَة وَهَذَا عبد الله كرز يَا فَتى

وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا كَهَذا لِأَن أصل الألقاب أَن تجرى على أصل التَّسْمِيَة وَلَيْسَ حق الرجل أَن يُسمى باسمين مفردين وَلَكِن مُفْرد ومضاف نَحْو قَوْلك زيد أَبُو فلَان أَو بمضافين نَحْو عبد الله أبي فلَان فعلى هَذَا تجْرِي الألقاب والكنية فِي الْمُفْرد كالاسم واللقب كَذَلِك لِأَن الْأَسْمَاء الَّتِي هِيَ أَعْلَام نَحْو زيد وَعبد الله إِنَّمَا هن ألقاب تفصل الْوَاحِد من جَمِيع جنسه

ولوقوع اللقب الْوَاحِد على اثْنَيْنِ احْتِيجَ إِلَى الصِّفَات

أَلا ترى أَنَّك تَقول جَاءَنِي زيد فَإِذا خفت أَن يلتبس عَلَيْهِ بزيد آخر تعرفه قلت الطَّوِيل وَنَحْوه لتفصل بَينهمَا

هَذَا بَاب مَا ينْتَقل بتصغيره

تَقول فِي رجل سميته ب مَسَاجِد إِذا صغرته مسيجد فتصرفه لِأَنَّهُ قد عَاد إِلَى مثل تَصْغِير جَعْفَر

وَكَذَلِكَ رجل يُسمى قناديل تَقول هَذَا قنيديل فَاعْلَم لِأَن الْمَانِع قد زَالَ عَنهُ

وَلَو سميته أجادل فصغرته لَقلت أجيدل قد جَاءَ لَا تصرفه لِأَنَّهُ تَصْغِير أفعل فالمانع للصرف فِيهِ

فَإِن قَالَ قَائِل إِنَّمَا منع أفعل من الصّرْف لِأَنَّهُ على مِثَال الْفِعْل نَحْو أذهب وَأعلم فَإِذا قلت أُحَيْمِر وأحيمد فقد زَالَ عَنهُ شبه الْفِعْل فَمَا بالك لَا ترده إِلَى الصّرْف كَمَا تصرف تتفلا لِأَن زَوَائِد الْفِعْل الْمُضَارع لَا تكون مَضْمُومَة وكما تصرف يربوعا لِأَن زِيَادَته لَا تبلغ بِهِ مِثَال الْأَفْعَال

قيل لَهُ إِنَّه قد صرف الْفِعْل مُصَغرًا فَكَمَا أشبه أَحْمَر أذهب أشبه أُحَيْمِر قَوْلهم مَا أميلح زيدا وَمَا أحيسنه وَالْمَانِع قَائِم بعد مَعَه

فجملة هَذَا أَنه كل مَا صغر فَخرج تصغيره من الْمَانِع فَهُوَ مَصْرُوف وَمَا كَانَت الْعلَّة قَائِمَة فِيهِ فَترك الصّرْف لَهُ لَازم

وَمن هَذَا الْبَاب مَا كَانَت فِيهِ هَاء التَّأْنِيث أَو ألف التَّأْنِيث الممدودة لِأَن الحكم أَن تصغر فتقر فِيهِ مَا تقر فِيهِ لَو لم تكن هَاء وَلَا ألف ممدودة وتحذف مَا تحذف لَو لم تَكُونَا فِيهِ ثمَّ يُؤْتى بهما وَكَذَلِكَ الْألف وَالنُّون الزائدتان وَذَلِكَ قَوْلك فِي خنفساء خنيفساء يَا فَتى صغرت خنفس كَمَا تصغر جَعْفَر ثمَّ أتيت بالألفين مُسلمين

وَكَذَلِكَ سفرجلة تَقول سفيرجة تحذف مِنْهَا مَا تحذف قبل الْهَاء ثمَّ تَأتي بِالْهَاءِ بعد لِأَنَّهَا كاسم ضم إِلَى اسْم

وَتقول فِي زعفران زعيفران فَلَو كنت معتدا بِهَذِهِ الزَّوَائِد كَانَ التصغير محالا لِأَنَّك لَا تصغر اسْما على خَمْسَة أحرف إِلَّا مَا كَانَ رابعه حرف لين وَهَذَا مُبين فِي بَاب التصغير وَإِنَّمَا ذكرنَا مِنْهُ هَاهُنَا مَا يدْخل فِي الْبَاب الَّذِي قصدنا لَهُ

هَذَا بَاب الاسمين اللَّذين يجعلان اسْما وَاحِدًا نَحْو حَضرمَوْت وبعلبك ومعديكرب

اعْلَم أَن كل اسْمَيْنِ جعلا اسْما وَاحِدًا على غير جِهَة الْإِضَافَة فَإِن حكمهَا أَن يكون آخر الِاسْم الأول مِنْهُمَا مَفْتُوحًا وَأَن يكون الْإِعْرَاب فِي الثَّانِي فَتَقول هَذَا حَضرمَوْت يَا فَتى وبعلبك فَاعْلَم وَكَذَلِكَ رامهرمز

وَلَا يصرف لِأَنَّهُمَا جعلا بِمَنْزِلَة الِاسْم الَّذِي فِيهِ هَاء التَّأْنِيث لِأَن الْهَاء ضمت إِلَى اسْم كَانَ مذكرا قبل لحاقها فَترك آخِره مَفْتُوحًا نَحْو حمدة وَطَلْحَة

أَلا ترى أَنَّك إِذا صغرت وَاحِدًا من هذَيْن النَّوْعَيْنِ قلت حميدة يَا فَتى وحضيرموت يَا فَتى فَسلمت الصَّدْر

وَالدَّلِيل على مَا وَصفنَا صرفك هذَيْن الاسمين فِي النكرَة وَهِي أصُول الْأَسْمَاء وعَلى هَذَا يجْرِي التَّرْخِيم تَقول إِذا ناديت يَا حضر أقبل كَمَا تَقول يَا حمد أقبل

فَأَما مَا كَانَ من هَذِه الْأَسْمَاء مُنْتَهى الِاسْم الأول مِنْهُ يَاء كَقَوْلِك قالى قلا وأيادي سبا وبادى بدا ومعديكرب فَإِن الياءات تسكن لِأَنَّهُنَّ فِي حَشْو الْأَسْمَاء وَلِأَن حكمهَا لَو كَانَت حُرُوف الْإِعْرَاب أَن تسكن فِي مَوضِع الْجَرّ وَالرَّفْع تَقول هَذَا قَاض فَاعْلَم ومررت بِالْقَاضِي فَاعْلَم

ويضطر الشَّاعِر إِلَى إسكانها فِي النصب فَيكون ذَلِك جَائِزا لَهُ إِذْ كَانَت تسكن فِي الْمَوْضِعَيْنِ نَحْو قَوْله

(رَدَّتْ عَلَيْهِ أَقاصِيهِ ولَبَّدَهُ ... ضَرْبُ الوَلِيدَةِ بالمِسْحاةِ فِي الثَّأَدْ)

وكما قَالَ (سَوَّى مساحِيهنَّ تقْطِيطَ الحُقَقْ)

وكما قَالَ

(كفَى بالنَّأْىِ مِنْ أسْماءَ كَاف ... وليسَ لِحُبِّهَا مَا عِشْتُ شَافى)

وَهَذَا كثير جدا فعلى هَذَا تَقول فِي الحشو بالإسكان

تَقول هَذَا معديكرب فَاعْلَم ومررت بمعديكرب وَفعلت هَذَا بَادِي بدا يَا فَتى وَنزلت قالى قلا وَإِن شِئْت أضفت فِي جَمِيع هَذَا الأول إِلَى الثَّانِي والأجود مَا قدمْنَاهُ فَقلت هَذَا حَضرمَوْت وبعلبك فَاعْلَم وينشد هَذَا الْبَيْت لامرئ الْقَيْس على وَجْهَيْن

(لقَدْ أَنْكَرتْني بعْلَبَكُّ وأَهْلُها)

وَبَعْضهمْ يَقُول بعلبك وَأَهْلهَا وَكَذَلِكَ بَيت رُؤْيَة ينشده بَعضهم

(أَحْضَرْتَ أًهْلَ حَضْرمَوْتَ مَوْتا)

وَبَعْضهمْ يَقُول حَضرمَوْت وَكَذَلِكَ بَيت جرير ينشده بَعضهم

(لقِيتُمْ بالجزِيرَةِ خَيْلَ قَيْس ... فقُلْتم مَارَسَرْجُس لَا قِتال) فَهَذَا الأجود وَبَعْضهمْ يُنْشده

(مارَ سرْجِسَ لَا قِتالا)

على الْإِضَافَة

وَإِنَّمَا كَانَ غير الْإِضَافَة أَجود لِأَن الْإِضَافَة إِنَّمَا حَقّهَا التَّمْلِيك نَحْو قَوْلك هَذَا غُلَام زيد وَمولى زيد فَيكون مَوْصُولا بزيد بِبَعْض مَا ذكرنَا أَو تضيف بَعْضًا إِلَى كل نَحْو قَوْلك هَذَا ثوب خَز وَخَاتم حَدِيد وَنَحْو ذَلِك وَأَنت إِذا قلت حَضرمَوْت فَلَيْسَ حضر شَيْئا تضيفه إِلَى موت على شَيْء من هَذِه الْجِهَات

وَإِنَّمَا صلحت فِيهِ الْإِضَافَة على بعد لِأَنَّهُ فِي وزن الْمُضَاف لِأَنَّك ضممت اسْما إِلَى اسْم كَمَا تفعل ذَلِك فِي الْإِضَافَة

فَأَما مَا مُنْتَهى أَوَائِله الياءات فِي الْإِضَافَة فَإِن حكمه أَن تسكن ياءاته فِي الرّفْع والخفض كَمَا أَن ذَلِك جَائِز فِيهِ فِي غير هَذَا الْموضع وتسكن الياءات فِي النصب أَيْضا لِأَنَّهُ مَنْقُول عَن مَوضِع كَانَ يجب هَذَا فِيهِ كَمَا قلت فِي جمع أَرض أرضون فحركت لتدل على أَنَّهَا تجمع بِالْألف وَالتَّاء فلزمها الْحَرَكَة لِأَنَّهَا اسْم غير نعت بِمَنْزِلَة تمرات وحصيات وَنَحْو ذَلِك فَتَقول رَأَيْت قالي قلا على هَذَا

وَلَو حرك محرك فِي الشّعْر مُضْطَرّا لجَاز فِيهِ فِيمَن رأى أَن يَجْعَلهَا اسْما وَاحِدًا

أنْشد هَذَا الْبَيْت

(سيُصْبِحُ فَوْقِي أَقْتُم الرِيش واقفاَ ... بقالْى قَلا أَوْ مِنْ وَرَاءِ دَبِيلِ) وَمن أضَاف فَجعل (قلا) اسْما لمذكر قَالَ بقالى قلا أَو من وَرَاء دبيل

وَإِن جعل (قلا) اسْما لمؤنث لم يصرفهُ وَكَانَ مَوْضِعه مَوضِع خفض

وَكَذَلِكَ أيادي سبا إِلَّا أَن هَذِه نكرَة وبادى بدا مثله

وينشد هَذَا الْبَيْت على وَجْهَيْن أما من أضَاف فَيَقُول:

(فيالكِ مِنْ دارٍ تَحَمَّلَ أَهْلُها ... أَيادِي سبًا بعدِي وَطَالَ احْتيالُها)

وَمن لم يضف وَأَرَادَ الْمعرفَة لم ينون وَهَذَا إِذا أُرِيد بِهِ الْمعرفَة مَوْضُوع فِي غير مَوْضِعه لِأَن الأول لَا يكون إِلَّا نكرَة لِأَنَّهُ فِي مَوضِع حَال وَلَيْسَ من بَاب قيد الأوابد فالتنوين عِنْدِي وَاجِب أردْت الْإِضَافَة أَو غَيرهَا لِأَنَّهُ لَا يكون إِلَّا حَالا وَكَذَلِكَ بَادِي بدا لِأَنَّهُ فِي مَوضِع قَوْلك أَولا

وَمِنْهُم من يَقُول بَادِي بُد فِي هَذَا الْموضع قَالَ أَبُو نخيلة

(وقَدْ عَلَتْني ذُرْأَةٌ بادِي بدِى ... ورَثْيةٌ تَنْهَضُ فِي تَشَدُّدِي)

ويروى كبرة صفحة فارغة بَاب

ثمَّ نقُول فِي خَمْسَة عشر وَمَا أشبههَا وعمرويه وبابه إِن شَاءَ الله

أما مَا كَانَ مثل خَمْسَة عشر مِمَّا يلْزم فِيهِ أَلا يكون معربا فبناؤه على الْفَتْح

أما فتح أَوله فعلى مَا ذكرت لَك من أَنه لَيْسَ مُنْتَهى الِاسْم وَأَنه كالدال من حمدة والحاء من طَلْحَة

وَأما فتح آخِره فللبناء واختير لَهُ الْفَتْح لِأَنَّهُ أخف الحركات وَهُوَ عَرَبِيّ ضممته إِلَى عَرَبِيّ

وَمن ذَلِك شغر بغر يَا فَتى إِنَّمَا مَعْنَاهُ الِافْتِرَاق تَقول جَاءَ الْقَوْم شغر بغر يَا فَتى

وَتقول هُوَ جاري بَيت بَيت ولقيته كفة كفة

وتساقطوا أخول أخول أَي شَيْئا بعد شَيْء

فَأَما خَمْسَة عشر فَإِن حَدهَا أَن تكون خَمْسَة وَعشرَة فَلَمَّا جعلت الاسمين اسْما وَاحِدًا حذفت وَاو الْعَطف وغيرا مغيرا لَهُ عَن جِهَته فألزمته الْبناء لذَلِك

وَأما هَذِه الْحُرُوف مثل شغر بغر وأخول أخول فبتلك الْمنزلَة لِأَنَّك جعلت الاسمين اسْما وَاحِدًا وَلَو أفردت أَحدهمَا من صَاحبه لم تُؤَد الْمَعْنى

وَأما بَيت بَيت وكفة كفة فكأنك إِذا قلت لَقيته كفة كفة قلت لَقيته كفاحا

وَإِذا قلت هُوَ جاري بَيت بَيت قلت هُوَ جاري دنوا وَإِن شِئْت أضفته وَهُوَ فِي هذَيْن الاسمين أَجود

وَذَلِكَ لِأَنَّك تضيف بَيْتا إِلَى بَيت فَمَعْنَى الْإِضَافَة فِيهِ صَحِيح

وَكَذَلِكَ كفة كفة إِنَّمَا هُوَ وَجها لوجه

أَلا تراك تَقول فِي هَذَا الْمَعْنى لَقيته كفة لكفة وكفة عَن كفة

فَمَا صَحَّ مَعْنَاهُ فبابه الْإِضَافَة وَإِن كَانَ على جِهَة اللَّام لم يجز إِلَّا الْإِضَافَة

أَلا ترى أَن قَوْلك هَذَا أَخُو زيد وَغُلَام زيد إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَعْنى أَخ لزيد وَغُلَام لزيد وَخَمْسَة عشر وبابها إِذا سميت بِشَيْء مِنْهَا رجلا جَازَ فِيهِ الْأَمْرَانِ

وَكَانَ الْأَخْفَش يُجِيز فِيهِ الْإِضَافَة وَهُوَ عدد ويعربه

فَأَما الْإِضَافَة فجيدة وَأما الْإِعْرَاب فِيهِ فرديء لِأَن مَا أعرب مُضَافا أعرب نكرَة فَترك الْإِعْرَاب لَهُ نكرَة مخرج لَهُ من الْإِعْرَاب مُضَافا

فَأَما قَوْله خَمْسَة عشر درهما فَلِأَنَّهُ عدد فِيهِ معنى التَّنْوِين نَحْو عشْرين وَمَا أشبههَا

فَإِذا قلت هَذِه خَمْسَة عشركم ذهب مِنْهُ معنى التَّنْوِين وَصَارَ فِي الْوَجْهَيْنِ بِمَنْزِلَة قَوْلك هَذِه عشرُون درهما وَهَذِه عشروك وعشرو عبد الله فَهُوَ بِالنِّيَّةِ هَكَذَا كَمَا تَقول هَؤُلَاءِ ضوارب زيد إِذا أردْت الْمَاضِي وَإِسْقَاط التَّنْوِين من الْمُسْتَقْبل وَهَؤُلَاء ضوارب زيدا إِذا أردْت معنى التَّنْوِين وَاعْلَم أَن معديكرب فِيهِ ثَلَاثَة أقاويل يَقُول بَعضهم معد يكرب على الْإِضَافَة وَيجْعَل بَعضهم كرب اسْما مؤنثا فَلَا يجريه فَيَقُول هَذَا معديكرب يَا فَتى

ويجعله بَعضهم اسْما وَاحِدًا كَمَا ذكرت لَك فَيَقُول معديكرب فَاعْلَم

وَأما قَوْلهم عمرويه وَمَا كَانَ مثله فَهُوَ بِمَنْزِلَة خَمْسَة عشر فِي الْبناء إِلَّا أَن آخِره مكسور فَأَما فَتْحة أَوله فكالفتحة هُنَاكَ

وَأما كسرة آخِره فَلِأَنَّهُ أعجمي فَبنى على الكسرة وَحط عَن حَال الْعَرَبِيّ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مثله فِي هَذَا الْمَعْنى

وتثنى وَتجمع فَتَقول فِيهِ اسْم رجل عمرويهان وعمرويهون لِأَن الْهَاء لَيست للتأنيث وَلَو كَانَت كَذَلِك لكَانَتْ فِي الأَصْل تَاء

هَذَا بَاب الشَّيْئَيْنِ المجعولين اسْما وَاحِدًا وَأَحَدهمَا حرف أَو كِلَاهُمَا

فَإِذا سميت رجلا أَو شَيْئا غَيره بحرفين أَحدهمَا مضموم إِلَى الآخر لم يكن فِي ذَلِك إِلَّا الْحِكَايَة تَقول فِي رجل سميته إِنَّمَا هَذَا إِنَّمَا قد جَاءَ وَكَذَلِكَ إِن سميته لعلما أَو لَعَلَّ وَحدهَا لِأَن عل ضمت إِلَيْهَا اللَّام

وَإِنَّمَا كَانَ هَكَذَا لِأَن أحد الحرفين ضم إِلَى الآخر فَإِن غيرته ذهب الْمَعْنى

وَلَو سميته ب إِن وَحدهَا أَو بعل أَو بِحرف غير ذَلِك وَاحِد لأعربته وغيرت لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْأَسْمَاء إِلَّا أَن تُرِيدُ الْحِكَايَة فَإِن أردْت ذَلِك جَازَ وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك هَذَا إِن فَاعْلَم وَكَذَلِكَ عل وَمَا كَانَ مثله

فَإِن سميته إِن زيدا فالحكاية لِأَن إِن بِمَنْزِلَة الْأَفْعَال فَالْقَوْل فِيهَا كالقول فِي تأبط شرا

وَنَظِير مَا قلت لَك فِي الْحَرْف إِذا كَانَ مُفردا قَوْله

(ليْتَ شِعْرِي وَأَيْنَ مِنِّيَ لَيْتُ ... إِنَّ لَيْتًا وإِنَّ ليْتاً لَوَّا عَناءُ) لما جعله اسْما أعربه وَمثله

(أَلاَ يَا لَيْتَني والمرْءُ مَيْتُ ... وَمَا يُغْنى مِنَ الحَدثانِ لَيْتُ)

فَإِن سميت رجلا من زيد وَعَن زيد فَإِن أَجود ذَلِك أَن تَقول هَذَا من زيد وَعَن زيد كَمَا تَقول يَد زيد

وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك هَكَذَا وَلم يكن كَالَّذي قبله لِأَن هَذِه الْحُرُوف حُرُوف إِضَافَة توصل مَا قبلهَا إِلَى مَا بعْدهَا تَقول الْغُلَام لزيد كَمَا تَقول غُلَام زيد وَتقول مَرَرْت بزيد كَمَا تَقول ضربت زيدا فالباء وَمَا بعْدهَا فِي مَوضِع نصب

فَأَنت لَو قلت فِي من وَهِي اسْم لم تكن إِلَّا معربة فأضفتها على ذَلِك فَكَانَ قَوْلك من زيد بِمَنْزِلَة قَوْلك فِي الْإِفْرَاد هَذَا من فَاعْلَم

وَإِن أردْت الْحِكَايَة جَازَ كَمَا كنت فِي الْأَفْعَال مُخَيّرا

فَإِن سميته عَم فِي الِاسْتِفْهَام فِي قَوْلك عَم تسْأَل ومم أَنْت فَأَرَدْت الْحِكَايَة جَازَ وَإِن أردْت الْإِعْرَاب قلت هَذَا عَن مَاء وَمن مَاء فأعربت وأضفت ومددت مَا لِأَنَّهَا اسْم مُتَمَكن

أَلا ترى أَنَّك لَا تسمي بحرفين أَحدهمَا حرف لين لِأَن التَّنْوِين يذهبه فَيبقى الِاسْم على حرف وَاحِد وَقد تقدم قَوْلنَا فِي هَذَا فَإِن سميت رجلا أما من قَوْلك أما زيد فمنطلق كَانَ اسْما بحياله معربا مَقْصُورا بِمَنْزِلَة علقى وَلَا تصرف لِأَن أَلفه للتأنيث

وَكَذَلِكَ إِلَّا بِمَنْزِلَة دفلى إِذا أردْت إِلَّا الَّتِي تقع فِي الِاسْتِثْنَاء

وَإِن أردْت إِلَّا الَّتِي تقع فِي المجازاة نَحْو قَول الله عز وَجل {إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله} لم تكن إِلَّا الْحِكَايَة لِأَنَّهَا إِن ضمت إِلَيْهَا لَا

وَكَذَلِكَ إِمَّا الَّتِي فِي الْجَزَاء فِي مثل قَوْله عز وَجل {فإمَّا تَرين من الْبشر أحدا} الْحِكَايَة لَا غير لِأَنَّهَا إِن وَمَا

وَمثل ذَلِك إِمَّا الَّتِي فِي معنى قَوْلك إِمَّا كنت مُنْطَلقًا انْطَلَقت

فَهَذَا يفصح لَك عَن جَمِيع مَا يَأْتِي من هَذَا الْبَاب

فَإِن سميت رجلا بِفعل نَحْو ضرب وَقتل وَلَا فَاعل فِيهِ فالإعراب وَالصرْف وَقد تقدم قَوْلنَا فِي هَذَا

وَإِن سميته بهما أَو بِشَيْء من الْفِعْل وَفِيه الْفَاعِل فالحكاية لَا غير

تَقول هَذَا ضرب قد جَاءَ لِأَن الْفَاعِل مضمرا بِمَنْزِلَتِهِ مظْهرا

أَلا ترى أَنَّك لَو سميته قَامَ زيد قلت هَذَا قَامَ زيد لَا غير

وَإِن سميته ضربا وَالْألف ضمير الفاعلين أَو ضربوا على هَذَا الشَّرْط حكيته

وَإِن سميته ضربا أَو ضربوا من قَوْلك ضربوا إخْوَتك زيدا أَو ضربا أَخَوَاك زيدا فَكَانَت الْألف وَالْوَاو عَلامَة لَا ضميرا قلت هَذَا ضَرْبَان قد جَاءَ وَهَذَا ضربون قد جَاءَ لِأَن النُّون فِي الِاثْنَيْنِ وَالْجمع من الْأَفْعَال كالضمة فِي الْوَاحِد

أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا يضْرب يَا فَتى وهما يضربان وهم يضْربُونَ فالنون فِي مَكَان الضمة من يضْرب

فَإِذا قلت لن تضرب يَا فَتى قلت لن تضربا وَلنْ تضربوا فعلى هَذَا قلت ضربا وضربوا كَمَا قلت فِي الْوَاحِد ضرب يَا فَتى

فَلَمَّا أدخلت فِي الْوَاحِد الْإِعْرَاب فَقلت هَذَا ضرب يَا فَتى أدخلت فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع النُّون إِلَّا أَنَّك تصرفه تصريف رجل سميته رجلَيْنِ فَيكون نَصبه وخفضه بِالْيَاءِ وَرَفعه بِالْألف فِي التَّثْنِيَة وبالواو فِي الْجمع ونفسر هَذَا فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ إِن شَاءَ الله

وَلَو سميته أولو من قَوْله عز وَجل أولو قُوَّة أَو ذَوُو من قَوْلك هَؤُلَاءِ ذَوُو مَال لَقلت جَاءَنِي ألون وذوون لِأَن النُّون نون الْجمع وَإِنَّمَا ذهبت للإضافة

هَذَا بَاب تَسْمِيَة الرِّجَال بالتثنية وَالْجمع من الْأَسْمَاء

إِذا سميت رجلا رجلَيْنِ فَإِن أحسن ذَلِك أَن تحكي خَاله الَّتِي كَانَت فِي التَّثْنِيَة فَتَقول هَذَا رجلَانِ قد جَاءَ وَرَأَيْت رجلَيْنِ وَتقول فِي هَذَا الْبَلَد هَذَا البحران يَا فَتى وأتيت الْبَحْرين وَإِنَّمَا اخْتَرْت ذَلِك لِأَن الْقَصْد إِنَّمَا كَانَ فِي التَّثْنِيَة

وَكَذَلِكَ إِن سميته بِقَوْلِك مُسلمُونَ قلت هَذَا مُسلمُونَ قد جَاءَ ومررت بمسلمين وَالْقَوْل فِي هَذَا القَوْل فِي التَّثْنِيَة

وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ جمعا بِالْألف وَالتَّاء تَقول هَذَا مسلمات ومررت بمسلمات لِأَن الْألف وَالتَّاء فِي الْمُؤَنَّث بِمَنْزِلَة الْوَاو وَالنُّون فِي الْمُذكر

وَإِن شِئْت قلت فِي التَّثْنِيَة هَذَا مسلمان قد جَاءَ فتجعله بِمَنْزِلَة زعفران وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لِأَن التَّثْنِيَة قد زَالَت عَنهُ وَالْألف وَالنُّون فِيهِ زائدتان فَصَارَ بِمَنْزِلَة قَوْلك غَضْبَان وعطشان وعريان وَكَأن الأول أَقيس لِأَن هَذَا بني فِي الأَصْل على فعلان وفعلان وَنَحْو ذَلِك وَهَذَا نقل عَن التَّثْنِيَة

وَمن قَالَ هَذَا رجلَانِ فَاعْلَم قَالَ فِي رجل يُسمى بِقَوْلِك مُسلمُونَ هَذَا مُسلمين فَاعْلَم فَجعل الْإِعْرَاب فِي النُّون كَمَا فعل هُنَاكَ وَلم يجز أَن تَقول هَذَا رجلَيْنِ قد جَاءَ لِأَن هَذَا مِثَال لَا تكون الْأَسْمَاء عَلَيْهِ وَمثل قَوْلك مُسلمين فَاعْلَم غسلين فَاعْلَم ويبرين وقنسرين وَنَحْو ذَلِك والأجود مَا ذكرت لَك وَالْوَجْه الآخر يجوز

أَلا ترى أَنه يجوز فِيهِ وَهُوَ جمع أَن تجريه مجْرى الْوَاحِد فَيصير إعرابه فِي آخِره فَتَقول هَذِه عشْرين فَاعْلَم وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ لي هَذَا قَالَ

(وماذَا يدَّرِي الشُّعَراءُ مِنِّي ... وقَدْ جَاوزْتُ حَدَّ الأَرْبَعِينِ)

وَجَاز ذَلِك لاخْتِلَاف الْجمع وَأَن إعرابه كإعراب الْوَاحِد إِلَّا مَا كَانَ على حد التَّثْنِيَة وَهُوَ هَذَا الَّذِي ذكرنَا

وَلم يجز أَن يكون إِعْرَاب الْمثنى كإعراب الْوَاحِد لِأَن التَّثْنِيَة لَا تَأتي مُخْتَلفَة وَقد دللنا على هَذَا فِي أول الْكتاب

وَمن قَالَ هَذَا مُسلمين كَمَا ترى قَالَ فِي مسلمات إِذا سمي بِهِ رجلا هَذَا مسلمات فَاعْلَم أجراها مجْرى الْوَاحِد فَلم يصرف لِأَن فِيهَا عَلامَة التَّأْنِيث وَتقول مَرَرْت بمسلمات يَا فَتى فَلَا تنون لِأَنَّهَا لَا تصرف وَلَا يجوز فتحهَا لِأَن الكسرة هَا هُنَا كالياء فِي مُسلمين

وعَلى هَذَا ينشدون بَيت امْرِئ الْقَيْس (تَنَّورْتُها مِنْ أَذْرِعاتِ وأَهلُها ... بِيثْرِبَ أَدْنى دَارِها نَظَرٌ عالى)

لِأَن أَذْرُعَات اسْم مَوضِع بِعَيْنِه والأجود مَا بدأنا بِهِ من إِثْبَات التَّنْوِين فِي أَذْرُعَات وَنَحْوهَا لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة النُّون فِي مُسلمين إِذا قلت هَؤُلَاءِ مُسلمُونَ ومررت بمسلمين

وَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {فَإِذا أَفَضْتُم من عَرَفَات} بِالتَّنْوِينِ

وَنَظِير هَذَا قَوْلهم هَذِه قنسرون ويبرون

فَمن ذهب إِلَى أَنَّهَا جمع فِي الأَصْل أَو شبهها بِهِ فيصيرها جمعا وَقد تقدم بَاب الْحِكَايَة وَالتَّسْمِيَة بِالْجمعِ يعتدل فِيهِ الْأَمْرَانِ قد جَاءَ الْقُرْآن بهما جَمِيعًا قَالَ الله عز وَجل {وَلَا طَعَام إِلَّا من غسلين} وَقَالَ {كلا إِن كتاب الْأَبْرَار لفي عليين وَمَا أَدْرَاك مَا عليون}

فَالْقِيَاس فِي جَمِيع هَذَا مَا ذكرت لَك

وَمن قَالَ هَذِه قنسرون وَهَذَا مُسلمُونَ فنسب إِلَى وَاحِد مِنْهُمَا رجلا أَو غَيره قَالَ مسلمى وقنسري بِحَذْف الْوَاو وَالنُّون لِأَنَّهُمَا زائدتان لمجئ يَاء النّسَب

وَمن قَالَ قنسرين ومسلمين فَاعْلَم وَجعل الْإِعْرَاب فِي النُّون قَالَ قنسريني ومسلميني فَاعْلَم

وَاعْلَم أَن من سمى رجلا بِقَوْلِك رجلَانِ أَو مُسلمُونَ فأجراه مجْرى التَّثْنِيَة وَالْجمع لم يجز أَن يثنيه وَلَا يجمعه فَيَقُول هَذَا مسلمانان وَلَا رَأَيْت مسلمينين لِأَنَّهُ يثبت فِي الِاسْم رفعان ونصبان وخفضان وَلَكِن من قَالَ مُسلمين فَاعْلَم ومسلمان فَاعْلَم جَازَ أَن يثنيه ويجمعه لِأَنَّهُ الْآن بِمَنْزِلَة زعفران وقنسرين فِيمَن جعل الْإِعْرَاب فِي نونها وَلَكِن أَذْرُعَات ومسلمات اسْم رجل يجوز أَن تثنيه وَأَن تجمعه لِأَنَّهُ لَا يجْتَمع فِيهِ شَيْء مِمَّا ذكرنَا فَتَقول هَذَانِ مسلماتان وَرَأَيْت مسلماتين وَهَؤُلَاء مسلمات فَاعْلَم بِحَذْف الْألف وَالتَّاء اللَّتَيْنِ كَانَتَا فِي الْوَاحِد وَتثبت مَكَانهَا ألفا وتاء للْجمع كَمَا فعلت فِي طَلْحَة حَيْثُ قلت طلحات فحذفت علم التَّأْنِيث من الْوَاحِد وأثبته فِي الْجمع لِأَنَّهُ لَا يدْخل تَأْنِيث على تَأْنِيث وَهَذَا مُحكم فِي بَاب الْجمع وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعه وَإِنَّمَا ذكرنَا مِنْهُ مَا احتجنا إِلَيْهِ فِيمَا قصدنا لَهُ

فَإِذا أردْت تَثْنِيَة قَوْلك مسلمان اسْم رجل فِيمَن حكى أَو مُسلمُونَ قلت هَذَا ذَوا مُسلمين وَهَؤُلَاء ذَوُو مُسلمين وَمَا أشبهه مثل أَن تَقول كل وَاحِد مِنْهُمَا يُسمى مُسلمين أَو كل وَاحِد مِنْهُمَا مسلمان حَتَّى تدل عَلَيْهِ بِهَذَا وَمَا أشبهه كَمَا ذكرت لَك من التقاء إعرابين فِي حرف

فَأَما مسلمات فتثنيه وتجمعه لِأَنَّهُ لَا يلْحق شَيْء مِمَّا ذكرنَا

وَالْفِعْل وَالْفَاعِل وَجَمِيع الحكايات إِذا كَانَت أَسمَاء لَا تثنيها لِئَلَّا تنْتَقض الْحِكَايَة وتزول دَلَائِل الْمعَانِي

هَذَا بَاب تَسْمِيَة الْحُرُوف والكلم

تَقول إِذا نظرت إِلَى مِيم أَو بَاء أَو تَاء أَو عير ذَلِك من الْحُرُوف إِذا جعلت الْمِيم وَمَا أشبههَا اسْما لحرف قلت هَذَا مِيم حسن وَهَذَا بَاء حسن يَا فَتى

وَإِن جَعلتهَا مُؤَنّثَة صلح ذَلِك فَقلت هَذِه مِيم وَهَذِه بَاء فَالَّذِي أَوْمَأت إِلَيْهِ مؤنث وَالِاسْم مؤنث قَالَ الشَّاعِر

(كَمَا بُيِّنَتْ كَافٌ تلُوحُ ومِيْمُها)

فأنث وَمن لم يصرف هندا اسْم امْرَأَة لم يصرف شَيْئا من هَذَا إِذا جعله اسْما للكلمة معرفَة وَإِن أجراه نكرَة على حد مجْرَاه فِي الْكَلَام صرفه

وَمِمَّا جَاءَ فِي التَّذْكِير قَوْله

(سِيْناً ومِيْمَيْنِ وباءً طاسِما)

وَلم يقل طاسمة

وَإِن جعلت الِاسْم مذكرا وَالَّذِي تومئ إِلَيْهِ مؤنثا على معنى قَوْلك اسْم الْكَلِمَة قلت هَذِه مِيم يَا فَتى وَلَا تصرف كَمَا لَا تصرف امْرَأَة سميتها زيدا وَمن رأى صرف ذَلِك صرف هَذَا فقد قُلْنَا فِي ذَلِك مَا يُغني عَن إِعَادَته

فإمَّا مَا كَانَ من الظروف وَالْأَفْعَال والحروف المشبهة بهَا وَغير ذَلِك من الْكَلم فَنحْن ذاكروه إِن شَاءَ الله

وَتقول إِذا نظرت إِلَى (خلف) مَكْتُوبَة فَأَرَدْت الْحَرْف قلت هَذَا خلف فَاعْلَم لِأَن خلفا مُذَكّر وتصغيره خليف

وَلَو كَانَ مؤنثا لحقته الْهَاء

أَلا ترَاهَا قد لحقت فِي الظروف مَا جَاوز الثَّلَاثَة للدلالة على التَّأْنِيث فَقلت فِي قُدَّام قديديمة وَفِي وَرَاء وريئة وتقديرها وريعة كَمَا قَالَ

(قُدَيْدِيمَةُ التجْريبِ والحِلْم إنَّني ... أَرَى غَفَلاتِ العيْشِ قَبْلَ التَّجارِبِ)

وكما قَالَ

(يَوم قديديمة الجوزاء مَسْمُوم ... )

فَإِن أردْت بالمكتوبة الْكَلِمَة فَجعلت خلفا اسْما لَهَا لم تصرف إِلَّا فِي قَول من رأى أَن يصرف زيدا اسْم امْرَأَة فَإِن سميت رجلا أَو حرفا كم فالإعراب وَالصرْف تَقول هَذَا كم فَاعْلَم وَرَأَيْت كَمَا

فَأَما مَتى فَلَا ينْصَرف اسْم كلمة بِوَجْه من الْوُجُوه وينصرف اسْم حرف لِأَنَّهُ مثل جمل وَقدم لَا ينصرفان اسْمَيْنِ لامرأتين فِي قَول من الْأَقَاوِيل الْبَتَّةَ

وحد مَتى وَهَذِه الظروف كلهَا أَن تكون مذكرات لِأَنَّهَا أَسمَاء الْأَمْكِنَة وأوقات إِلَّا مَا دخل عَلَيْهِ مِنْهَا حرف تَأْنِيث كالليلة والساعة والغداة والعشية كَمَا قلت لَك فِي قديديمة ووريئة

وَكَذَلِكَ ضرب إِن رَأَيْته قلت هَذَا ضرب مَكْتُوبًا فَاعْلَم إِذا جعلت الْمَكْتُوب حرفا

فَإِن جعلته اسْما مَكْتُوبًا لكلمة لم تصرف

وَضرب لَا يكون إِلَّا مذكرا لِأَن ضرب نعت كَمَا تنْعَت بضارب تَقول مَرَرْت بِرَجُل ضربنا ويضربنا كَمَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل ضَارب لنا وضاربنا وَأَنت تُرِيدُ النكرَة

وَكَذَلِكَ مَا ضارع الْفِعْل نَحْو إِن وليت وَلَعَلَّ لِأَنَّهَا مضارعة للأفعال الَّتِي قد صَحَّ تذكيرها

فَمَا جعلته مِنْهَا اسْما لحرف فمصروف وَمَا علقته على كلمة فَغير مَصْرُوف فِي الْمعرفَة إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا سَاكن الْوسط وَسميت بِهِ مؤنثا فَإِنَّهُ كزيد سميت بِهِ امْرَأَة

وَاعْلَم أَن الْأَفْعَال والحروف الَّتِي جَاءَت لِمَعْنى نَحْو إِن وليت وَلَعَلَّ وَلَو وَلَا حقهن أَن يكن معارف لما أذكرهُ لَك وَأما با وتا وَجَمِيع حُرُوف المعجم فبابهن أَن يكن نكرات وسنفسر ذَلِك بِمَا يُوضح أمره إِن شَاءَ الله

تَقول إِن وليت أَشْيَاء مَعْرُوفَة قد عرفت موَاضعهَا وَأثبت حقائقها وَلِهَذَا امْتنعت من دُخُول حُرُوف التَّعْرِيف عَلَيْهَا وَذَلِكَ أَنَّك إِذا رَأَيْت شَيْئا مِنْهَا مَكْتُوبًا لم تعبر عَنهُ بِالْألف وَاللَّام وَإِن كَانَت أَسمَاء

وَأما حُرُوف المعجم فَإِنَّهَا عِبَارَات تكون نكرَة بِغَيْر ألف وَلَام وَمَعْرِفَة بهما كَقَوْلِك الْألف وَالْبَاء وَالتَّاء

وَأما فِي التهجى فقولك با وتا وقف لَا يدْخلهُ إِعْرَاب لِأَن التهجى على الْوَقْف فَإِن جَعلتهَا أَسمَاء عطفت بَعْضهَا على بعض وَقلت ألف وباء وتاء تعرب وتمد لِأَنَّهُ لَا يكون اسْم على حرفين أَحدهمَا حرف لين

فَإِن كَانَ شَيْء من هَذَا قبل التَّسْمِيَة زِدْت على الْوَاو وَاو وعَلى الْيَاء يَاء وزدت إِلَى الْألف ألفا فتحركها فَتَصِير همزَة تَقول إِذا سميت رجلا فى هَذَا فى وَلَو هَذَا لَو فَاعْلَم كَمَا قَالَ

(إِنَّ لَوًّا وإِنًّ لَيْتاً عَنَاءُ ... )

وَإِن سميته لَا قلت هَذَا لاء فَاعْلَم وَكَذَلِكَ بَاء وتاء كَمَا قَالَ

(إِذا اجْتَمَعُوا على أَلِفٍ وبَاءٍ ... وتاءٍ هاج بينهمُ جِدالُ)

وكما قَالَ

(رَقٌّ تُبيَّن فيهِ اللاَّم والأَلِفُ ... )

هَذَا بَاب مَا كَانَ معرفَة بِجِنْسِهِ لَا بواحده وَلم جَازَ أَن يكون كَذَلِك؟

وَذَلِكَ قَوْلك للأسد أَبُو الْحَارِث وَأُسَامَة يَا فَتى وللدويبة أم حبين وَكَذَلِكَ للثعلب أَبُو الْحصين وللذئب أَبُو جعدة يَا فَتى غير مَصْرُوف لِأَنَّهُ معرفَة

وَمن ذَلِك قَوْلهم لضرب من الكمأة بَنَات أوبر يَا فَتى

ولضرب من الْحَيَّات ابْن قترة وَمن هَذَا قَوْلهم حمَار قبان وَابْن عرس وسام أبرص وَابْن آوى

فَهَذِهِ كلهَا معارف فَأَما مَا كَانَ مِنْهَا مُضَافا فقد تبين لَك أَنه معرفَة بترك صرف مَا أضيف إِلَيْهِ مِمَّا لَا ينْصَرف فِي الْمعرفَة

فَأَما غير ذَلِك فيبين لَك أَنَّهَا معارف امتناعها من الْألف وَاللَّام الَّتِي للتعريف

فَإِن قَالَ قَائِل كَيفَ صَارَت معارف وَاسم الْوَاحِد مِنْهَا يلْحق كل مَا كَانَ مثله؟

فَالْجَوَاب فِيهِ أَن هَذِه أَشْيَاء لَيست مُقِيمَة مَعَ النَّاس وَلَا مِمَّا يتخذون ويقتنون كالخيل وَالشَّاء وَنَحْو ذَلِك فيحتاجوا إِلَى الْفَصْل بَين بَعْضهَا وَبَعض وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَن يفصلوا بَين جنس وجنس وَلَو كَانَت مِمَّا يُقيم مَعَهم لفصلو بَين بَعْضهَا وَبَعض وَكَانَ مجْراهَا كمجرى النَّاس

أَلا ترى أَن ابْن مَخَاض وَابْن لبون وَابْن مَاء نكرات وَأَنَّك إِذا أردْت أَن تعرف شَيْئا مِنْهَا أدخلت فِيمَا أضفت إِلَيْهِ ألفا ولاما فَقلت هَذَا ابْن اللَّبُون وَنَحْو ذَلِك لتعرف شَيْئا من شَيْء كَمَا تفعل فِي الْخَيل وَالْكلاب وَنَحْوهَا قَالَ جرير

(وابْنُ الَّلبونِ إِذا مَا لُزَّفى قَرَنٍ ... لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ البُزْلِ القَنَاعِيسِ)

وَقَالَ أَيْضا

(وجَدْنَا نَهْشَلاً فَضَلَتْ فُقَيْماً ... كفضْلِ ابْنِ المخاضِ على الفصِيلِ)

وَقَالَ

(مُفَدَّمَةً قَزَّا كَأَنَّ رِقَابها ... رِقبُ بَناتِ الماءِ أَفْزَعَها الرعْدُ) وَقَالَ

(ورَدتُ اعْتِسافاً والثُّرَيَّا كأَنَّها ... على قِمَّةِ الرَّأسِ ابنُ ماءٍ مُحَلِّقِ)

فَجعل محلق نعتا لَهُ لِأَنَّهُ نكرَة

وَهَذَا يفتح لَك مَا يرد عَلَيْك من هَذَا الْبَاب فتقدير قَوْلك للأسد هَذَا أُسَامَة يَا فَتى أَي هَذَا الضَّرْب الَّذِي سَمِعت بِهِ أَو رَأَيْته من السبَاع وَكَذَلِكَ قَوْلك للضبع أم عَامر يَا فَتى وَهَذِه حضاجر وَهَذِه قثام يَا فَتى وَهَذِه جعار وَهَذِه جيأل

وللذكر هَذَا قثم كَمَا تَقول يَا فسق وَيَا فساق

وَاعْلَم أَنَّك إِذا قلت جَاءَنِي عُثْمَان وَعُثْمَان آخر فَجَعَلته نكرَة قلت فِي هَذَا أجمع مثل ذَلِك قلت هَذَا قثم وَقثم آخر كَمَا تَقول هَذِه جيأل وجيأل آخرى فَأَما قَوْله

(ولَقَدْ جَنَيْتُكَ أَكْمُؤا وعَساقِلاً ... ولقدْ نهيْتُكَ عَنْ بَنَاتِ الأَوْبِرِ) فَإِن دُخُول الْألف وَاللَّام على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون دخولهما كدخولهما فِي الْفضل وَالْعَبَّاس على مَا وصفت لَك لِأَن أوبر نعت نكرَة فِي الأَصْل

وَالْآخر على قَوْلك هَذَا ابْن عرس آخر تَجْعَلهُ نكرَة كَمَا تَقول هَذَا زيد من الزيدين أَي هَذَا وَاحِد مِمَّن لَهُ هَذَا الِاسْم فَأَنت وَإِن كنت لم تذكر قبله شَيْئا تَقول بعده آخر فَإِنَّمَا أردْت ضربا مِمَّا يَقع لَهُ هَذَا الِاسْم كَمَا قَالَ

(باعَدَ أُمَّ العَمْرٍ مِنْ أَسِيرها ... )

هَذَا بَاب الْمَفْعُول الَّذِي لَا يذكر فَاعله

وَهُوَ رفع نَحْو قَوْلك ضرب زيد وظلم عبد الله

وَإِنَّمَا كَانَ رفعا وحد الْمَفْعُول أَن يكون نصبا لِأَنَّك حذفت الْفَاعِل وَلَا بُد لكل فعل من فَاعل لِأَنَّهُ لَا يكون فعل وَلَا فَاعل فقد صَار الْفِعْل وَالْفَاعِل بِمَنْزِلَة شَيْء وَاحِد إِذْ كَانَ لَا يَسْتَغْنِي كل وَاحِد مِنْهُمَا عَن صَاحبه كالابتداء وَالْخَبَر

وَالْفِعْل قد يَقع مستغنيا عَن الْمَفْعُول الْبَتَّةَ حَتَّى لَا يكون فِيهِ مضمرا وَلَا مظْهرا وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك تكلم زيد وَقعد عَمْرو وَجلسَ خَالِد وَمَا أشبهه من الْأَفْعَال غير المتعدية وَلَا يكون مثل هَذَا فِي الْفَاعِل فَلَمَّا لم يكن للْفِعْل من الْفَاعِل بُد وَكنت هَاهُنَا قد حذفته أَقمت الْمَفْعُول مقَامه ليَصِح الْفِعْل بِمَا قَامَ مقَام فَاعله

فَإِن جِئْت بمفعول آخر بعد هَذَا الْمَفْعُول الَّذِي قَامَ مقَام الْفَاعِل فَهُوَ مَنْصُوب كَمَا يجب فِي الْمَفْعُول وَذَلِكَ قَوْلك أعطي زيد درهما وكسي أَخُوك ثوبا وَظن عبد الله أَخَاك

وَتقول ظَنَنْت زيدا فالتاء هَاهُنَا فِي موضعهَا إِذا كَانَت فَاعله نَحْو ضربت زيدا وَكَذَلِكَ ظنني زيد إِذا كَانَ ضميرك مَفْعُولا كَقَوْلِك ضَرَبَنِي زيد

وَتقول زيد ظن مُنْطَلقًا فضمير زيد فَاعل فِي ظن كَمَا تَقول زيد ضرب عمرا فتضمر زيدا فِي ضرب

وَتقول رفع إِلَى زيد دِرْهَم فيرفع دِرْهَم لِأَنَّك جررت زيدا فَقَامَ الدِّرْهَم مقَام الْفَاعِل فَإِن أظهرت زيدا غير مجرور قلت أعطي زيد درهما وكسي زيد ثوبا فَهَذَا الْكَلَام الْجيد

وَقد يجوز أَن تَقول أعطي زيدا دِرْهَم وكسي زيدا ثوب لما كَانَ الدِّرْهَم وَالثَّوْب مفعولين كزيد جَازَ أَن تقيمهما مقَام الْفَاعِل وتنصب زيدا لِأَنَّهُ مفعول فَهَذَا مجَاز وَالْأول الْوَجْه وَمن قَالَ هَذَا قَالَ أَدخل الْقَبْر زيدا وألبست الْجُبَّة أَخَاك

فَإِن قَالَ قَائِل هَل يجوز على هَذَا ضرب زيدا سَوط؟ قيل لَهُ لَا يجوز ذَلِك وَذَلِكَ أَن السَّوْط إِذا قلت ضربت زيدا سَوْطًا مصدر وَمَعْنَاهُ ضربت زيدا ضَرْبَة بِالسَّوْطِ

ويدلك على ذَلِك قَوْلك ضربت زيدا مائَة سَوط لست تَعْنِي أَنَّك ضَربته بِمِائَة سَوط وَلَكِنَّك تَعْنِي أَنَّك ضَربته مائَة ضَرْبَة بِسَوْط أَو بِأَكْثَرَ من ذَلِك من هَذَا الْجِنْس

وَأَنت إِذا قلت أَعْطَيْت زيدا مائَة دِرْهَم أَو كسوته ثَوْبَيْنِ فَإِنَّمَا أوصلت إِلَيْهِ هَذَا الْقدر بِعَيْنِه من الدَّرَاهِم وَالثيَاب فَلذَلِك لم يجز أَن تقيم الْمصدر مقَام الْفَاعِل إِذا كَانَ مَعَه مفعول على الْحَقِيقَة وَلكنه قد يجوز أَن تقيم المصادر والظروف من الْأَمْكِنَة والأزمنة مقَام الْفَاعِل إِذا دخل الْمَفْعُول من حرف الْجَرّ مَا يمنعهُ أَن يقوم مقَام الْفَاعِل وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك سير بزيد سير شَدِيد وَضرب بزيد عشرُون سَوْطًا الْمَعْنى بِسَبَب زيد وَمن أَجله وسير بزيد يَوْم الْجُمُعَة وَاخْتلف بِهِ شَهْرَان ومضي بِهِ فرسخان ومشي بِهِ ميلان أَقمت هَذِه الْأَشْيَاء مقَام الْفَاعِل وَقد يجوز نصبها فِي هَذَا الْموضع وَإِن كَانَ الْمَفْعُول مجرورا على مَا أصف لَك

فَمن ذَلِك أَنَّك إِذا قلت سير بزيد فرسخا أضمرت السّير لِأَن سير يدل على السّير فَلم تحتج إِلَى ذكره مَعَه كَمَا تَقول من كذب كَانَ شرا لَهُ تُرِيدُ كَانَ الْكَذِب شرا لَهُ فَلم تذكر الْكَذِب لِأَن كذب قد دلّ عَلَيْهِ وَنَظِيره قَول الله عز وَجل {وَلَا يَحسبن اللَّذين يَبْخلُونَ بِمَا آتَاهُم الله من فَضله هُوَ خيرا} فَلم يذكر الْبُخْل لذكره يَبْخلُونَ

وَجَاز أَن يكون الْمُضمر الطَّرِيق فَكَأَنَّهُ قَالَ سير عَلَيْهِ الطَّرِيق فرسخا فَحذف لعلم الْمُخَاطب بِمَا يَعْنِي

وَجَائِز أَن تقيم الْمَجْرُور مَعَ الْمصدر والظروف مقَام الْفَاعِل فَتَقول سير بزبد فرسخا فَلَا يمنعهُ حرف الْجَرّ من أَن يكون فَاعِلا كَمَا قَالَ مَا من أحد فأحد فَاعل وَإِن كَانَ مجرور بِمن وَكَذَلِكَ قَوْله {أَن ينزل عَلَيْكُم من خير من ربكُم} إِنَّمَا هُوَ خير من ربكُم فَمن لم تغير الْمَعْنى وَإِن غيرت اللَّفْظ فَهَذَا الَّذِي ذكرته مشبه بذلك فِي هَذَا الْموضع إِذا نصبت المصادر والظروف على موَاضعهَا فَلم تجعلها مفعولات على السعَة

فَإِن جَعلتهَا مفعولات على السعَة فَالْوَجْه فِيهَا الرّفْع لشغلك الْأَسْمَاء بحروف الْجَرّ وَاعْلَم أَنَّك إِذا قلت سير بزيد سيرا فَالْوَجْه النصب لِأَنَّك لم تفد بِقَوْلِك سيرا شَيْئا لم يكن فِي سير أَكثر من التوكيد فَإِن وَصفته فَقلت سيرا شَدِيدا أَو هينا فَالْوَجْه الرّفْع لِأَنَّك لما نَعته قربته من الْأَسْمَاء وَحدثت بِهِ فَائِدَة لم تكن فِي سير

والظروف بِهَذِهِ الْمنزلَة لَو قلت سير بزيد مَكَانا أَو يَوْمًا لَكَانَ الْوَجْه النصب

فَإِن قلت يَوْم كَذَا أَو يَوْمًا طيبا أَو مَكَانا بَعيدا اختير الرّفْع لما ذكرت لَك

وَاعْلَم أَن التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير والإظهار والإضمار فِي هَذَا الْبَاب مثله فِي الْفَاعِل يجوز فِيهِ مَا جَازَ فِي ذَلِك

تَقول أعطي زيد درهما وَأعْطِي درهما زيد ودرهما أعطي زيد وَزيد أعطي درهما تجريه مجْرى ذَلِك الْبَاب

وَتقول سير بالمعطى دِرْهَمَيْنِ فرسخان أَقمت الضَّمِير الَّذِي فِي الْمُعْطِي مقَام الْفَاعِل ونصبت الدرهمين وجررت الْمُعْطِي بِالْبَاء فارتفع الفرسخان

وَتقول أعطي الْمسير بِهِ فرسخان دِرْهَمَيْنِ رفعت الفرسخين لِقَوْلِك بِهِ

وَتقول أعطي الْمسير فرسخين دِرْهَمَيْنِ قَامَ الضَّمِير فِي الْمسير مقَام الْفَاعِل فَنصبت الفرسخين

وَتقول دفع الْمسير بِهِ فرسخان دِرْهَمَانِ لِأَنَّك أدخلت على كل وَاحِد مِنْهُمَا حرف الْجَرّ وَتقول ظن الْمُعْطِي دِرْهَمَيْنِ قَائِما

وَتقول أَخذ من الْمُعْطِي أَخُوهُ درهما دِينَار لِأَنَّك أدخلت من على الْمُعْطِي فَقَامَ الدِّينَار مقَام الْفَاعِل

وَتقول ذهب بالمسلوب ثَوْبه مرَّتَيْنِ يَوْمَانِ إِذا أَقمت الثَّوْب مقَام الْفَاعِل فَإِن جعلت فِي المسلوب ضميرا يقوم مقَام الْفَاعِل نصبت الثَّوْب وَسَائِر الْكَلَام على حَاله

فَإِن ثنيت على الْمَسْأَلَة الأولى قلت ذهب بالمسلوب ثوباهما مرَّتَيْنِ يَوْمَانِ

وعَلى الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة تَقول ذهب بالمسلوبين ثوبيهما وبالمسلوبين ثِيَابهمْ وبالمسلوبة ثوبها والمسلوبات ثيابهن

وعَلى القَوْل الأول بالمسلوب ثوبها فَفِي هَذَا دَلِيل على مَا يرد عَلَيْك إِن شَاءَ الله

وَيجوز مِنْهُ وَجه ثَالِث وَهُوَ أَن تضمر فِي المسلوب اسْما وَتجْعَل الثَّوْب بَدَلا مِنْهُ فَتَقول صفحة فارغة صفحة فارغة صفحة فارغة مَرَرْت بالمسلوب ثَوْبه وبالمسلوبين ثوباهما وبالمسلوبين أثوابهم لِأَنَّك لَو قلت سلب زيد ثَوْبه جَازَ رفع الثَّوْب على الْبَدَل من زيد وَجَاز نَصبه على أَنه مفعول ثَان

وَتقول أَدخل الْمدْخل الدَّار السجْن تقديرها الَّذِي أَدخل الدَّار أَدخل السجْن

فَإِن أردْت أَن تدخل حرف الْجَرّ لم تقل أَدخل وَلَكِن تَقول دخل بالمدخول بِهِ الدَّار السجْن وَدخل بالمدخول الدَّار السجْن وَأدْخل الْمَدْخُول بِهِ الدَّار السجْن لِأَن الْمَدْخُول قَامَ مقَام الْفَاعِل

وَتقول دخل بالمدخول الدَّار السجْن فَهَذَا على غير ذَلِك الْمَعْنى وَلَكِن هَذَا مَوْضِعه وَلَكِن ذكرنَا مِنْهُ شَيْئا لنصله بِمَا قبله ثمَّ نذكرهُ فِي مَوْضِعه مُبينًا إِن شَاءَ الله

فَمَعْنَى الْمَدْخُول الدَّار الَّذِي دخلت دَاره كَمَا تَقول الْمَضْرُوب الْوَجْه أَي الَّذِي ضرب وَجهه

وَيجوز نصب الدَّار فِي قَول من قَالَ الْحسن الْوَجْه وَتَفْسِيره فِي ذَلِك الْموضع

وَتقول قيل فِي زيد خير وَعلم من زيد خير وسير بزيد فرسخان وسير بِهِ يَوْمَانِ وسير بِهِ سير شَدِيد على مَا فسرت لَك من تصيير المصادر والظروف مفعولات

وَيجوز نصب هَذَا إِذا جعلت المصادر والظروف فِي موَاضعهَا وَلم تحمل شَيْئا مِنْهَا على الْمَفْعُول بِهِ وَقد بَينا تَفْسِير هَذَا فِيمَا مضى

وَلَو قلت ضرب هِنْد وشم جاريتك لم يصلح حَتَّى تَقول ضربت هِنْد وشتمت جاريتك لِأَن هندا وَالْجَارِيَة مؤنثات على الْحَقِيقَة فَلَا بُد من عَلامَة التَّأْنِيث

وَلَو كَانَ مؤنث الِاسْم لَا معنى لتأنيث وَلَا تذكير تَحْتَهُ كَالدَّارِ وَالنَّار وَمَا كَانَ غير ذَلِك مِمَّا لَيست لَهُ حَقِيقَة التَّأْنِيث لجَاز أَن تذكر الْفِعْل إِن شِئْت فَتَقول أطفئ نارك وَجِيء نساؤك لِأَن هَذَا إِنَّمَا هُوَ تَأْنِيث الْجمع كَمَا قَالَ الله جلّ ثَنَاؤُهُ {وَقَالَ نسْوَة فِي الْمَدِينَة} وَقَالَ {فَمن جَاءَهُ موعظة من ربه} {وَأخذ الَّذين ظلمُوا الصَّيْحَة}

وَتقول فِي قَول من قَالَ أَدخل الْقَبْر زيدا وَأعْطِي دِرْهَم عمرا وَمَا أشبهه أَدخل المدخلة السجْن الدَّار تقيم الدَّار والسجن مقَام الْفَاعِل

وَكَذَلِكَ تَقول ظن المعطاه دِرْهَم زيدا وَحسب المكسوته جُبَّة أَخَاك

ونقول فِي مسَائِل طوال يمْتَحن بهَا المتعلمون

علم الْمدْخل المدخلة السجْن زيد أَخُوهُ غُلَامه المظنون الْآخِذ دَرَاهِمه زيد نصبت المدخلة بالمدخل ونصبت السجْن لِأَنَّهُ مفعول وَرفعت زيدا بِأَنَّهُ أدخلهُ وَرفعت أَخَاهُ بِالِابْتِدَاءِ وَجعلت غُلَامه خَبره وهما جَمِيعًا فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي لعلم والمظنون صفة للغلام وَفِيه ضَمِيره والآخذ الْمَفْعُول الثَّانِي لمظنون وَهُوَ مَنْصُوب وَزيد هُوَ الْفَاعِل الَّذِي أَخذ وَالدَّرَاهِم مَنْصُوبَة بالآخذ صفحة فارغة صفحة فارغة صفحة فارغة صفحة فارغة صفحة فارغة وَتقول أعطي الْمَأْخُوذ مِنْهُ دِرْهَمَانِ المعطاه الْأَخْذ من زيد دِينَارا درهما

رفعت الْمَأْخُوذ بالمعطى وَرفعت الدرهمان لِأَنَّك شغلت الضَّمِير بِمن والمعطاه هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي لأعطي وَهُوَ دِرْهَم فكأنك قلت الدِّرْهَم المعاطاه الْآخِذ من زيد فَقَامَ الْآخِذ من زيد مقَام الْفَاعِل لِأَن الضَّمِير مفعول ثَان ودرهما بدل من المعطاه تَقول جعل للمعطى أَخُوهُ دِرْهَمَيْنِ لعَمْرو دِينَارَانِ صفحة فارغة تَقْدِيره جعل لعَمْرو دِينَارَانِ الَّذِي أعطي أَخُوهُ دِرْهَمَيْنِ

وَلَو قلت الدرهمين ظن الْمُعْطى مُنْطَلقًا كَانَ محالا سَوَاء إِذا أردْت ظن الْمُعْطى دِرْهَمَيْنِ مُنْطَلقًا لِأَن الدرهمين من صلَة الْمُعْطى فَإِذا قدمتها فقد بدأت بالصلة قبل الْمَوْصُول وَإِنَّمَا هُوَ تَمام اسْمه فكأنك جعلت دَال زيد قبل يائه أَو يائه من قبل زايه

وَتقول جعل الشَّارِب الشاربه ماءك لبنك شرابك لِأَن الْمَعْنى جعل الشَّرَاب الَّذِي شرب الرجل الَّذِي شرب ماءك لبنك أَي جعل هَذَا الشَّيْء الَّذِي شرب ماءك الشَّارِب لبنك وشرابك بدل من قَوْلك لبنك لِأَن اللَّبن هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي فِي جعل صفحة فارغة صفحة فارغة

هَذَا بَاب من إِعْمَال الأول وَالثَّانِي وهما الفعلان اللَّذَان يعْطف أَحدهمَا على الآخر

وَذَلِكَ قَوْلك ضربت وضربني زيد ومررت بِي عبد الله وَجَلَست وَجلسَ إِلَى أَخَوَاك وَقمت وَقَامَ إِلَى قَوْمك

فَهَذَا اللَّفْظ هُوَ الَّذِي يختاره البصريون وَهُوَ إِعْمَال الْفِعْل الآخر فِي اللَّفْظ

وَأما فِي الْمَعْنى فقد يعلم السَّامع أَن الأول قد عمل كَمَا عمل الثَّانِي فَحذف لعلم الْمُخَاطب

وَنَظِير ذَلِك فِي الْحَذف قَول الله عز وَجل {والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا وَالذَّاكِرَات} فقد يعلم المخاطبون أَن الذاكرات متعديات فِي الْمَعْنى وَكَذَلِكَ الحافظات لِأَن الْمَعْنى والحافظاتها والذاكراته

وَقَالَ الشَّاعِر فَحذف أَكثر من هَذَا (نَحْنُ بِمَا عِنْدَنا وأَنْتَ بِمَا ... عِنْدَكَ راضٍ والرأْيُ مُخْتَلِفُ)

أَرَادَ نَحن بِمَا عندنَا راضون وَأَنت بِمَا عندنَا رَاض فاجتزأ بِخَبَر الْوَاحِد عَن الْجَمِيع

وَإِنَّمَا اخْتَارُوا إِعْمَال الآخر لِأَنَّهُ أقرب من الأول أَلا ترى أَن الْوَجْه أَن تَقول خشنت بصدرك وَصدر زيد فتعمل الْبَاء لِأَنَّهَا أقرب

وَقد حملهمْ قرب الْعَامِل على أَن قَالَ بَعضهم هَذَا جُحر ضَب خرب وَإِنَّمَا الصّفة للجحر فَكيف بِمَا يَصح مَعْنَاهُ؟ وَلَو أعلمت الأول كَانَ جَائِزا حسنا

فمما جَاءَ من إِعْمَال الآخر فِي الشّعْر قَول الفرزدق

(وإِنَّ حَرامًا أَنْ أَسُبَّ مُقاعِسًا ... بآبائِي الشُّمِّ الكرامِ الخَضارِمِ)

(ولكنَّ نِصْفًا لَوْ سبَبْتُ وسَبَّني ... بنُو عَبْدِ شَمْسِ مِنْ مَنافِ وهَاشِم) وَقَالَ الآخر

(ولَقَدْ نَرَى تَغْنَى بِهِ سَيْفَانَةٌ ... تُصْبي الحليمَ ومِثلُها أَصْبَاهُ)

وَقَالَ

(وَكُمْتاً مُدْمَّاةً كأَنَّ مُتُونَها ... جَرَى فَوْقَهَا واسْتَشْعَرَتْ لَونَ مُذْهَبِ)

وَمن أعمل الأول قَالَ ضربت وضربني زيدا وَضربت وضرباني أخويك لِأَنَّهُ أَرَادَ ضربت زيدا وضربني وَضربت أخويك وضرباني

وعَلى هَذَا تَقول مَرَرْت وَمر بِي بزيد وقصدت وَقصد إِلَيّ إِلَى زيد تُرِيدُ قصدت إِلَى زيد وَقصد إِلَى ومررت بزيد وَمر بِي

وَمن ذَلِك قَول الشَّاعِر (فلوْ أَنَّ مَا أَسعَى لأَدْنى معِيشَةِ ... كَفاني ولمْ أَطْلُبْ قَليلٌ مِنَ المالِ)

فَجعل الْقَلِيل كَافِيا لَو طلبه أَو سعى لَهُ وَإِنَّمَا الْمَطْلُوب فِي الْحَقِيقَة الْملك وَعَلِيهِ معنى الشّعْر

وَقَالَ آخر

(فردَّ على الفُؤادِ هَوًى عَمِيداً ... وسُوئِلَ لَوْ يُبين لَنَا السُّؤالا) (وقَدْ نَغْنَى بهَا ونَرَى عُصُوراً ... بهَا يَقْتَدْنَنا الخُرُدَ الخِدالا)

مَعْنَاهُ ونرى الخرد الخدال يقتدننا وَلَو أَرَادَ إِعْمَال الآخر لقَالَ بهَا يقتادنا الخرد الخدال

فقد بيّنت لَك أصل هَذَا الْبَاب وسنزيد من الْمسَائِل مَا يزْدَاد بِهِ وضوحا إِن شَاءَ الله

تَقول إِذا سُئِلت كَيفَ تَقول قَامَ وَقعد أَخَوَاك على إِعْمَال الأول

فَإِن الْجَواب قَامَ وقعدا أَخَوَاك أردْت قَامَ أَخَوَاك وقعدا

فَإِن أعملت الثَّانِي قلت قاما وَقعد أَخَوَاك

فَإِن قيل لَك مَا بالك أضمرت فِي قاما الْأَخَوَيْنِ من قبل أَن تذكرهما والإضمار لَا يكون قبل الْمَذْكُور

فَإِنَّمَا جَازَ الْإِضْمَار هَاهُنَا من قبل أَن الْأَخَوَيْنِ ارتفعا بقعد فَخَلا قَامَ من الْفَاعِل ومحال أَن يَخْلُو فعل من فَاعل فأضمرت فِيهِ ليَصِح الْفِعْل على مَا ذكرت لَك من اتِّصَال الْفِعْل بالفاعل وأضمر على شريطة التَّفْسِير وَتَفْسِير الْمُضمر أَخَوَاك وَمَا يضمر على شريطة التَّفْسِير أَكثر من ذَلِك وسنذكره فِي أبوابه إِن شَاءَ الله إِن كَانَ المبدوء بِهِ مَفْعُولا لم تضمره لِأَن الْمَفْعُول يَسْتَغْنِي الْفِعْل عَنهُ كَمَا ذكرت لَك

فَمن ذَلِك ضربت فأوجعته زيدا إِذا أعملت الأول لِأَنَّك أردْت ضربت زيدا فأوجعته

فَإِن أعملت الثَّانِي قلت ضربت فأوجعت زيدا لِأَنَّك أردْت ضربت زيدا فأوجعت زيدا فَلم تضمر الْهَاء فِي ضربت لِأَنَّهَا مفعولة وَلَوْلَا أَن الْفِعْل لَا بُد لَهُ من الْفَاعِل مَا أضمرت فِي الْمَسْأَلَة الأولى

وَتقول ضرباني وَضربت أخويك إِذا أعلمت الآخر على مَا شرحت لَك وضربوني وَضربت قَوْمك

فَإِن أعملت الأول قلت ضَرَبَنِي وضربتهما أَخَوَاك وضربني وضربتهم قَوْمك

وَتقول ظَنَنْت زيدا مُنْطَلقًا فتعديه إِلَى مفعولين وَكَذَلِكَ جَمِيع بَابه من علمت وحسبت وَمَا أشبهه فَإِذا عطفت شَيْئا من هَذِه الْأَفْعَال قلت فِي إِعْمَال الأول ظن أَو علم إِيَّاه زيد مُنْطَلقًا لِأَنَّك أردْت ظن زيد مُنْطَلقًا أَو علم إِيَّاه فإياه ضمير منطلق وَفِي علم ضمير الَّذِي يقوم مقَام الْفَاعِل مَرْفُوع

وَإِن شِئْت قلت أَو علمه تجْعَل الْهَاء مَكَان إِيَّاه فِي هَذَا الْبَاب

وَتقول ظَنَنْت أَو قلت زيد منطلق إِذا أعملت الآخر لِأَن قلت إِنَّمَا يَقع بعْدهَا الْحِكَايَة إِذا كَانَت جملَة نَحْو الِابْتِدَاء وَالْخَبَر وَمَا أشبه ذَلِك فَإِن أعملت الأول قلت ظَنَنْت أَو قلت هُوَ هُوَ زيدا مُنْطَلقًا تجْعَل هُوَ ابْتِدَاء وَخَبره هُوَ الثَّانِي وهما ضمير زيد منطلق إِلَّا أَنَّك رفعتهما لِأَنَّهُمَا بعد قلت فَصَارَت حِكَايَة

أَلا ترى أَنَّك تَقول قَالَ زيد عَمْرو أَخُوك وَقلت قَامَ عبد الله

وَلَو كَانَ فعل لَا يَقع بعده الْحِكَايَة لم يجز أَن يكون إِلَى جَانب قَامَ

لَو قلت ضربت قَامَ زيد وَمَا أشبهه لم يجز فِي معنى وَلَا لفظ

نَحْو ذَلِك قَول الله عز وَجل {إِلَّا قَالُوا سَاحر أَو مَجْنُون} وَقَالَ {أم يَقُولُونَ شَاعِر نتربص بِهِ} و {وَقَالُوا مَجْنُون وازدجر} فَهَذَا كُله على الْحِكَايَة والابتداء هُوَ وَلكنهَا محذوفة فِي الْقُرْآن لعلم الْمُخَاطب

أما قَوْله {وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما} فَإِنَّمَا انتصب لِأَنَّهُ مصدر عمل فِيهِ فعله لَا القَوْل وَالْمعْنَى وَالله أعلم وَقَالُوا سلمنَا سَلاما وَتَفْسِيره تسلمنا مِنْكُم تسلما وبرئنا بَرَاءَة لأَنهم لم يؤمروا أَن يسلمُوا على الْمُشْركين إِذْ ذَاك وَالْآيَة مَكِّيَّة

ونظيرها لَا تكن من فلَان إِلَّا سَلاما بِسَلام أَي متاركا مبارئا

وَلَو قلت قلت حَقًا أَو قَالَ زيد بَاطِلا لأعملت القَوْل لِأَنَّك لم تحك شَيْئا إِنَّمَا أعملت القَوْل فِي تَرْجَمَة كَلَامه

أَلا ترى أَنه إِذا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله قيل لَهُ قلت حَقًا وَهُوَ لم يلفظ بِالْحَاء وَالْقَاف إِنَّمَا هَذَا معنى مَا قَالَ

وَمثل ذَلِك قَول الله {إِلَّا من أذن لَهُ الرَّحْمَن وَقَالَ صَوَابا}

هَذَا بَاب إِعْرَاب مَا يعرب من الْأَفْعَال وَذكر عواملها والإخبار عَمَّا بني مِنْهَا

اعْلَم أَن الْأَفْعَال أدوات للأسماء تعْمل فِيهَا كَمَا تعْمل فِيهَا الْحُرُوف الناصبة والجارة وَإِن كَانَت الْأَفْعَال أقوى فِي ذَلِك

وَكَانَ حَدهَا أَلا يعرب شَيْء مِنْهَا لِأَن الْإِعْرَاب لَا يكون إِلَّا بعامل فَإِذا جعلت لَهَا عوامل تعْمل فِيهَا لزمك أَن تجْعَل لعواملها عوامل وَكَذَلِكَ لعوامل عواملها إِلَى مَا لَا نِهَايَة

فَهَذَا كَانَ حَدهَا فِي الأَصْل

وَالْأَفْعَال ثَلَاثَة أضْرب فَضرب مِنْهَا يعرب لَعَلَّه سأذكرها لَك أوجبت لَهُ الْإِعْرَاب

وضربان لَا يعربان بل يجريان على مَا يجب فِي الْفِعْل قبل أَن تلْحق النَّوْع الثَّالِث الْعلَّة الَّتِي أوجبت لَهُ الْإِعْرَاب

فَأَما مَا كَانَ مَاضِيا من الْفِعْل فنحو ضرب يَا فَتى وَذهب وَانْطَلق وَحمد وَمكث وَمَا كَانَ مَعْنَاهُ فعل من غير هَذِه الْأَبْنِيَة فَهَذَا النَّوْع مَبْنِيّ على الْفَتْح

وَالضَّرْب الثَّانِي وَهُوَ المعرب مَا لحقته فِي أَوله زَائِدَة من الزَّوَائِد الْأَرْبَع الْهمزَة وَالْيَاء وَالنُّون وَالتَّاء وَذَلِكَ قَوْلك أفعل أَنا وَتفعل أَنْت أَو هِيَ ونفعل نَحن وَيفْعل هُوَ

وَإِنَّمَا أعربت هَذِه الْأَفْعَال بعد أَن كَانَ حَدهَا على مَا وصفت لَك لمضارعتها الْأَسْمَاء وَمعنى المضارعة أَنَّهَا تقع فِي مواقعها وَتُؤَدِّي مَعَانِيهَا فَمن ذَلِك قَوْلك زيد يضْرب فَيجوز أَن تُرِيدُ أَنه يضْرب فِيمَا يسْتَقْبل وَلم يَقع مِنْهُ ضرب فِي حَال خبرك كَمَا تَقول زيد ضَارب السَّاعَة وضارب غَدا قَالَ الله عز وَجل {وَإِن رَبك ليحكم بَينهم} أَي حَاكم فدخلتها اللَّام على معنى دُخُولهَا فِي الِاسْم

والأسماء تكون معرفَة ونكرة وَهَذِه الْأَفْعَال المعربة تقع لَا يعرف وَقتهَا مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْحَال وَمَا يكون مِنْهُ لما يسْتَقْبل

فَإِن أدخلت على الْأَسْمَاء الْألف وَاللَّام صَارَت معرفَة

وَإِن أدخلت على هَذِه الْأَفْعَال السِّين أَو سَوف صَارَت لما يسْتَقْبل وَخرجت من معنى الْحَال وَذَلِكَ قَوْلك سأضرب وسوف أضْرب فَلَمَّا وَقعت موقع الْأَسْمَاء فِي الْمَعْنى وَدخلت عَلَيْهَا الزَّوَائِد للفصل كَمَا دخلت الزَّوَائِد على الْأَسْمَاء أعربتها كَمَا تعرب الْأَسْمَاء

وَغَيرهَا من الْأَفْعَال لَا عِلّة فِيهِ مِمَّا يُوجب لَهُ الْإِعْرَاب

وَالنَّوْع الثَّالِث من الْأَفْعَال مَا كَانَ يَقع من الْأَمر للشَّاهِد الْمُخَاطب نَحْو اضْرِب واذهب وَانْطَلق فَهَذَا مَبْنِيّ على الْوَقْف

وَكَذَلِكَ كل فعل كَانَ فِي معنى افْعَل من غير هَذِه الْأَبْنِيَة

فَإِن قلت مَا بالك بنيت هَذَا على الْوَقْف وبنيت مَا كَانَ مَعْنَاهُ فعل على الْفَتْح هلا حركت ذَاك وأسكنت ذَاك

فالفصل بَينهمَا أَنَّك إِذا قلت ضرب وَمَا أشبههَا فقد تصف بهَا الْأَسْمَاء كَمَا تصف بالمضارعة نَحْو قَوْلك مَرَرْت بِرَجُل ضربنا وَتَقَع موقع المضارعة فِي الْجَزَاء نَحْو قَوْلك من أَتَانِي أَتَيْته وَإِن أَعْطَيْتنِي أكرمتك فقد وَقع فِي موقع من يأتيني آته وَإِن تعطني أكرمك

فَلَمَّا ضارعت المضارعة بنيت على الْحَرَكَة وَجعلت لَهَا مزية على مَا لم يَقع هَذَا الْموقع

أَلا ترى أَن كل مَا كَانَ مَعْنَاهُ افْعَل لم يُوصف بِهِ وَلم يَقع فِي موقع المضارعة فَلَمَّا لم يُجَاوز لم يزدْ على السّكُون وسنبين مَا يبْنى على الْحَرَكَة لتصرفه وَمَا يلْزمه السّكُون لامتناعه من التَّصَرُّف فِي مَوضِع المبنيات إِن شَاءَ الله

فإعراب الْمُضَارع الرّفْع وَالنّصب والجزم فالرفع بضمة حرف الْإِعْرَاب وَالنّصب بفتحته والجزم بِحَذْف الْحَرَكَة مِنْهُ

وَذَلِكَ قَوْلك فِي الرّفْع هُوَ يذهب يَا فَتى وَفِي النصب لن يذهب وَفِي الْجَزْم لم يذهب

فَإِذا ثنيت الْفَاعِل فِي الْفِعْل الْمُضَارع ألحقته ألفا ونونا فِي الرّفْع وَلم تكن هَذِه الْألف كالألف فِي تَثْنِيَة الِاسْم لِأَنَّهَا عَلامَة للإضمار والتثنية وَالنُّون عَلامَة الرّفْع

فَإِذا أردْت جزمه حذفت هَذِه النُّون وَالنّصب دَاخل هُنَا على الْجَزْم كَمَا دخل فِي تَثْنِيَة الِاسْم على الْجَرّ لِأَن الْجَزْم فِي الْفِعْل نَظِير الْجَرّ فِي الِاسْم

وَكَانَت النُّون مَكْسُورَة كحالها فِي الِاسْم وَالْعلَّة وَاحِدَة فيهمَا

وَذَلِكَ قَوْلك هما يضربان وَفِي الْجَزْم لم يضربا وَالنّصب لن يضربا

فَإِن جمعت لاسم فِي الْفِعْل ألحقته واوا ونونا فِي الرّفْع وَكَانَت الْوَاو عَلامَة الْإِضْمَار وَالْجمع كالألف فِي التَّثْنِيَة

وَكَانَت النُّون مَفْتُوحَة كحالها فِي الِاسْم فَإِن أردْت جزمه حذفت النُّون وَكَانَ النصب كالجزم كَمَا كَانَ النصب كالجر فِي جمع الْأَسْمَاء

وَذَلِكَ قَوْلك فِي الرّفْع هم يضْربُونَ وَفِي الْجَزْم لم يضْربُوا وَفِي النصب لن يضْربُوا

وَكَذَلِكَ الْمُؤَنَّث الْوَاحِدَة فِي المخاطبة تَقول أَنْت تضربين اثْبتْ النُّون فِي الرّفْع وحذفتها فِي الْجَزْم وَالنّصب كَمَا وصفت لَك من اجْتِمَاعهمَا فِي الْمَعْنى

وَفتحت النُّون لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَة الْأَسْمَاء الْمَجْمُوعَة فِي النصب والجر نَحْو مُسلمين وَالْعلَّة وَاحِدَة

فَإِن جمعت الْمُؤَنَّث ألحقت لعلامة الْجَزْم نونا فَقلت انتن تفعلن وَهن يفعلن فتحت هَذِه النُّون لِأَنَّهَا نون جمع وَلم تحذفها فِي الْجَزْم وَالنّصب لِأَنَّهَا عَلامَة إِضْمَار وَجمع

أَلا ترى أَنَّك لَو قلت يفعل فِي الْجَزْم لزالت عَلامَة الْجمع وَصَارَ كالواحد الْمُذكر

وَلَو قلت فِي التَّثْنِيَة أَو جمع الْمُذكر لم يقومُوا وَلم يقوما لعلم بِالْألف وبالواو الْمَعْنى وَلم تحتج إِلَى النُّون

فَهَذِهِ الْأَفْعَال مَرْفُوعَة لمضارعتها الْأَسْمَاء ووقوعها مواقعها وَلها عوامل تعْمل فِيهِ كَمَا كَانَ ذَلِك للأسماء

فَمن عواملها الَّتِي تنصبها أَن وَلنْ وكي وَاللَّام الْمَكْسُورَة وَحَتَّى وأو وَإِذن وَمَا كَانَ من الْجَواب بِالْفَاءِ وَالْوَاو فَإِنَّهُ يذكر فِي مَوْضِعه وَكَذَلِكَ إِذن وَحَتَّى

فَأَما أَن وَلنْ وكي وَإِذن فيعملن فِيهَا

وَأما سَائِر مَا ذكرنَا لَك فَإِنَّمَا ينْتَصب مَا يعدها من الْأَفْعَال بإضمار أَن وسنفسر مَا وَقع فِيهِ الضَّمِير بتمثيله فِي مَوْضِعه وحججه إِن شَاءَ الله

وَأما مَا يجزمها فَلم وَلما وَلَام الْأَمر نَحْو ليقمْ زيد وَلَا فِي النَّفْي نَحْو لَا يقم زيد وحروف المجازاة وَمَا صَار مَعْنَاهُ إِلَيْهَا من جَوَاب الْأَمر وَالنَّهْي والاستفهام وَنَحْو ذَلِك

فَهَذَا مَا يجزمها وينصبها

تَقول أردْت أَن تقوم يَا فَتى وَأَن تقوما وَأَن تقوموا وَأَن تقومي يَا امْرَأَة وَلنْ تضربا وجئتك كي تضرب زيدا

وَفِي الْجَزْم لم يقم وَلم يقوما وَلم تقومي يَا امْرَأَة وليقم عبد الله وَلَا يقْعد زيد إِذا أردْت الْأَمر وَالنَّهْي

هَذَا بَاب الْفِعْل الْمُتَعَدِّي إِلَى مفعول وَاسم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول فِيهِ لشَيْء وَاحِد

وَذَلِكَ الْفِعْل كَانَ وَصَارَ وَأصْبح وَأمسى وظل وَبَات وأضحى وَمَا دَامَ وَمَا زَالَ وَلَيْسَ وَمَا كَانَ فِي معناهن

وَهَذِه أَفعَال صَحِيحَة كضرب وَلَكنَّا أفردنا لَهَا بَابا إِذْ كَانَ فاعلها ومفعولها يرجعان إِلَى معنى وَاحِد

وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت كَانَ عبد الله أَخَاك فالأخ هُوَ عبد الله فِي الْمَعْنى

وَإِنَّمَا مجَاز هَذِه الْأَفْعَال ومجاز الْأَفْعَال الَّتِي تقع للْعلم وَالشَّكّ وَبَاب إِن مجَاز الِابْتِدَاء وَالْخَبَر

وَذَلِكَ أَنَّك تَقول ظَنَنْت زيدا أَخَاك فَإِنَّمَا أدخلت ظن على قَوْلك زيد أَخُوك وَكَذَلِكَ علمت وحسبت وَجَمِيع هَذَا الْبَاب وَكَذَلِكَ قَوْلك إِن زيدا منطلق وَلَكِن عبد الله أَخُوك

وَكَانَ بِهَذِهِ الْمنزلَة إِنَّمَا دخلت على قَوْلك زيد منطلق لتوجب أَن هَذَا فِيمَا مضى وَالْأَصْل الِابْتِدَاء وَالْخَبَر ثمَّ تلحقها معَان بِهَذِهِ الْحُرُوف وَكَانَ فعل متصرف يتَقَدَّم مَفْعُوله ويتأخر وَيكون معرفَة ونكرة أَي ذَلِك فعلت صلح وَذَلِكَ قَوْلك كَانَ زيد أَخَاك وَكَانَ أَخَاك زيد وأخاك كَانَ زيد وَكَذَلِكَ جَمِيع بَابهَا فِي الْمعرفَة والنكرة

وَتقول كَانَ الْقَائِم فِي الدَّار عبد الله وَكَانَ الَّذِي ضرب أَخَاهُ أَخَاك وَكَذَلِكَ لَيْسَ مُنْطَلقًا زيد

فَإِن قَالَ قَائِل أما كَانَ فقد علم أَنَّهَا فعل بِقَوْلِك كَانَ وَيكون وَهُوَ كَائِن وَكَذَلِكَ أصبح وَأمسى وَلَيْسَ لَا يُوجد فِيهَا هَذَا التَّصَرُّف فَمن أَيْن قُلْتُمْ إِنَّهَا فعل

قيل لَهُ لَيْسَ كل فعل متصرفا وَإِنَّمَا علينا أَن نوجدك أَنَّهَا فعل بِالدَّلِيلِ الَّذِي لَا يُوجد مثله إِلَّا فِي الْأَفْعَال ثمَّ نوجدك الْعلَّة الَّتِي منعتها من التَّصَرُّف

أما الدَّلِيل على أَنَّهَا فعل فوقوع الضَّمِير الَّذِي لَا يكون إِلَّا فِي الْأَفْعَال فِيهَا نَحْو لست مُنْطَلقًا وَلست ولستما ولستم ولستن وَلَيْسَت أمة الله ذَاهِبَة كَقَوْلِك ضربوا وَضَربا وَضربت فَهَذَا وَجه تصرفها

وَأما امتناعها من التَّصَرُّف فَإنَّك إِذا قلت ضرب وَكَانَ دللت على مَا مضى فَإِذا قلت يضْرب وَيكون دللت على مَا هُوَ فِيهِ وَمَا لم يَقع

وَأَنت إِذا قلت لَيْسَ زيد قَائِما غَدا أَو الْآن أردْت ذَلِك الْمَعْنى الَّذِي فِي يكون فَلَمَّا كَانَت تدل على مَا يدل عَلَيْهِ الْمُضَارع اسْتغنى عَن الْمُضَارع فِيهَا وَلذَلِك لم يبن بِنَاء الْأَفْعَال من بَنَات الْيَاء مثل بَاعَ وَسَنذكر علتها مَعَ أخواتها فِي الْفِعْل الَّذِي لَا يتَصَرَّف نَحْو نعم ويئس فِي بَاب التصريف وَإِنَّمَا هَذَا مَوضِع جمل ثمَّ نذْكر بعده الْمسَائِل

اعْلَم أَنه إِذا اجْتمع فِي هَذَا الْبَاب معرفَة ونكرة فَالَّذِي يَجْعَل اسْم كَانَ الْمعرفَة لِأَن الْمَعْنى على ذَلِك لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الِابْتِدَاء وَالْخَبَر كَمَا وصفت لَك

أَلا ترى أَنَّك لَو قلت كَانَ رجل قَائِما وَكَانَ إِنْسَان ظريفا لم تفد بِهَذَا معنى لِأَن هَذَا مِمَّا يعلم النَّاس أَنه قد كَانَ وَأَنه مِمَّا يكون وَإِنَّمَا وضع الْخَبَر للفائدة

فَإِذا قلت كَانَ عبد الله فقد ألقيت إِلَى السَّامع اسْما يعرفهُ فَهُوَ يتَوَقَّع مَا تخبره عَنهُ

وَكَذَلِكَ لَو قربت النكرَة من الْمعرفَة بِمَا تحملهَا من الْأَوْصَاف لجَاز أَن تخبر عَنْهَا وَكَانَ فِيهِ حِينَئِذٍ فَائِدَة نَحْو قَوْلك كَانَ رجل من بني فلَان فَارِسًا وَكَانَ رجل من أهل الْبَصْرَة شجاعا وَذَلِكَ لِأَن هَذَا يجوز أَلا يكون أَو يكون فَلَا يعلم فَلذَلِك ذكرنَا أَن الِاسْم الْمَعْرُوف هُوَ الَّذِي لَهُ هَذَا الْموضع

تَقول كَانَ مُنْطَلقًا عبد الله وَكَانَ مُنْطَلقًا الْيَوْم عبد الله وَكَانَ أَخَاك صاحبنا وَزيد كَانَ قَائِما غُلَامه

وَكَذَلِكَ أَخَوَات كَانَ فَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل (وَكَانَ حَقًا علينا نصر الْمُؤمنِينَ) وَقَالَ {أَكَانَ للنَّاس عجبا أَن أَوْحَينَا} لِأَن قَوْله {أَن أَوْحَينَا} إِنَّمَا هُوَ وحينا

فَإِن كَانَ الِاسْم وَالْخَبَر معرفتين فَأَنت فهيا بِالْخِيَارِ تَقول كَانَ أَخُوك المنطلق وَكَانَ أَخُوك المنطلق

وَتقول من كَانَ أَخَاك إِذا كَانَت من مَرْفُوعَة وَمن كَانَ أَخُوك إِذا كَانَت من مَنْصُوبَة

وَكَذَلِكَ من ضرب أَخَاك وَمن ضرب أَخُوك

والآيات كلهَا تقْرَأ على هَذَا {فَمَا كَانَ جَوَاب قومه إِلَّا أَن قَالُوا} و (مَا كَانَ حجتهم إِلَّا أَن قَالُوا) كَأَنَّهُ قَوْلهم وَإِن شِئْت رفعت الأول

وَهَذَا الْبَيْت ينشد على وَجْهَيْن

(فقَدْ شَهدَتْ قَيْسٌ فَما كانَ نَصْرُهَا ... قُتَيْبَةَ إِلاَّ عَضُّها بالأَباهِمِ)

فَإِن قلت فقد تَقول فِي النَّفْي مَا كَانَ أحد مثلك وَمَا كَانَ أحد مجترئا عَلَيْك فقد خبرت عَن النكرَة

فَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لِأَن أحدا فِي مَوضِع النَّاس فَإِنَّمَا أردْت أَن تعلمه أَنه لَيْسَ فِي النَّاس وَاحِد فَمَا فَوْقه يجترئ عَلَيْهِ فقد صَار فِيهِ معنى بِمَا دخله من هَذَا الْعُمُوم

وَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} فَلم يكن الْخَبَر إِلَّا نكرَة كَمَا وصفت لَك وَقَالَ الراجز

(لَتَقْرُبَنَّ قَرَبًا جُلْذِيًا ... مادامَ فِيهنَّ فَصِيلٌ حَيًا)

فقد أفادك معنى بقوله فِيهِنَّ وَلَو حذف فِيهِنَّ لَكَانَ هَاهُنَا معنى آخر وَهُوَ معنى الْأَبَد كَقَوْلِك لَا أُكَلِّمك مَا طَار طَائِر

وَاعْلَم أَن الشُّعَرَاء يضطرون فيجعلون الِاسْم نكرَة وَالْخَبَر معرفَة

وَإِنَّمَا حملهمْ على ذَلِك معرفتهم أَن الِاسْم وَالْخَبَر يرجعان إِلَى شَيْء وَاحِد فَمن ذَلِك قَول حسان بن ثَابت (كأَنَّ سُلافةَ مِنْ بيْتِ راسٍ ... يَكُونُ مِزَاجها عَسَلٌ وماءُ)

وَكَانَ الْمَازِني يروي يكون مزاجها عسلا وَمَاء يُرِيد وَفِيه مَاء قَالَ الفرزدق

(أَسَكْرَانُ كانَ ابْنَ المَراغَةِ إِذْ هَجاَ ... تَمِيمًا بجَوْفِ الشامِ أَمْ مُتساكِرُ) وَقَالَ الْقطَامِي

(قِفي قَبْلَ التَّفَرُقِ يَا ضُباعَا ... وَلَا يَكُ مَوْقِفٌ مِنْكِ الوَداعا)

وَقَالَ خِدَاش بن زُهَيْر

(فإنَّكَ لَا تُبالي بَعْدَ حَول ... أَظبْيٌ كَانَ أُمَّكَ أَم حِمارُ) ول (كَانَ) مَوضِع آخر لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْخَبَر وَذَلِكَ قَوْلك أَنا أعرفهُ مذ كَانَ زيد أَي مذ خلق وَتقول قد كَانَ الْأَمر أَي وَقع

فَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {إِلَّا أَن تكون تِجَارَة حَاضِرَة} فِيمَن رفع

قَالَ الشَّاعِر (فَدٌ ي لبني ذُهْلِ بْنِ شَيبانَ نافَتي ... إِذا كانَ يَوْمٌ ذُو كَوَاكِبَ أَشْهَبَ)

وَكَذَلِكَ أصبح وَأمسى تكون مرّة بِمَنْزِلَة (كَانَ) الَّتِي لَهَا خبر

وَمرَّة تكون بِمَنْزِلَة اسْتَيْقَظَ ونام فَإِنَّمَا هِيَ أَفعَال

وَقد يكون لفظ الْفِعْل وَاحِدًا وَله مَعْنيانِ أَو ثَلَاثَة معَان فَمن ذَلِك وجدت عَلَيْهِ من الموجدة وَوجدت تُرِيدُ وجدت الضَّالة وَيكون من وجدت فِي معنى علمت وَذَلِكَ وقولك وجدت زيدا كَرِيمًا

وَكَذَلِكَ رَأَيْت تكون من رُؤْيَة الْعين وَتَكون من الْعلم كَقَوْلِه عز وَجل {ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل} وَقَالَ الشَّاعِر

(رَأَيْتُ الله أَكْبَرَ كُلِّ شَيءٍ ... مُحافَظةً وأَكْثَرَهُمْ جُنُوداً)

وَهَذَا التَّصَرُّف فِي الْأَفْعَال أَكثر من أَن يُحْصى

وَلَكِن يُؤْتى مِنْهُ بِبَعْض مَا يسْتَدلّ بِهِ على سائره إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب من مسَائِل كَانَ وَأَخَوَاتهَا

تَقول كَانَ الْقَائِم إِلَيْهِ أَخُوهُ أَخَاك وَإِن شِئْت نصبت الأول وَرفعت الثَّانِي

وَتقول كَانَ ثَوْبك المزينه علمه عبد الله معجبا

وَتقول كَانَ غُلَامه زيد ضَارِبًا فَهُوَ على وَجه خطأ وعَلى وَجه صَوَاب فَأَما الْوَجْه الْفَاسِد فَأن تجْعَل زيدا مرتفعا بكان وَتجْعَل الْغُلَام منتصبا بضارب

فَتكون قد فصلت بَين كَانَ وَبَين إسمها وخبرها بالغلام وَلَيْسَ هُوَ لَهَا باسم وَلَا خبر إِنَّمَا هُوَ مفعول مفعولها وَكَذَلِكَ لَو قلت كَانَت زيدا الْحمى تَأْخُذ

وَالْوَجْه الَّذِي يَصح فِيهِ أَن تضمر فِي كَانَ الْخَبَر أَو الحَدِيث أَو مَا أشبهه على شريطة التَّفْسِير وَيكون مَا بعده تَفْسِيرا لَهُ فَيكون مثل الْهَاء الَّتِي تظهر فِي إِن إِلَّا أَنه ضمير مَرْفُوع فَلَا يظْهر فَيصير الَّذِي بعده مَرْفُوعا بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر فَتَقول على صِحَة الْمَسْأَلَة كَانَ غُلَامه زيد ضَارب فَمَا جَاءَ من الضَّمِير فِي هَذَا الْبَاب قَوْله

(فأَصْبَحُوا والنَّوَى عَالي مُعَرَّسِهِمْ ... وليْسَ كُلَّ النَّوَى يُلْقى المَساكِينُ)

أضمر فِي لَيْسَ وَقَالَ الآخر

(هِيَ الشِّفاءُ لِدَائي إِنْ ظَفِرْتُ بهَا ... وليْس مِنْهَا شِفاءُ الدَّاءِ مبْذُولُ)

وَقَالَ الفرزدق

(قَنافِذُ هَدَّاجُونَ حَوْلَ بُيُوتِهِمْ ... بِمَا كانَ إِيَّاهُمْ عَطِيَّةُ عَوَّدَا)

فَهَذَا وَجه مَا ذكرت لَك

وَتقول الْكَائِن أَخَاهُ غلامك كَانَ زيدا يضْرب كَمَا تَقول عَمْرو كَانَ زيدا يضْرب

وَلَو قلت غُلَامه كَانَ زيد يضْرب كَانَ جيدا أَن تنصب الْغُلَام بيضرب لِأَنَّهُ كل مَا جَازَ أَن يتَقَدَّم من الْأَخْبَار جَازَ تَقْدِيم مَفْعُوله وَكَذَلِكَ لَو قلت غُلَامه كَانَ زيد ضرب لَكَانَ جيدا لِأَن كَانَ بِمَنْزِلَة ضرب أَلا ترى أَنَّك تَقول ضَارِبًا أَخَاك ضربت ورجلا قَائِما أكرمت فَهَذَا بِمَنْزِلَة ذَلِك وَلَو رفعت الْغُلَام لَكَانَ غير جَائِز لِأَنَّهُ إِضْمَار قبل الذّكر

فَإِن قَالَ قَائِل فَأَنت إِذا نصبت فقد ذكرته قبل الِاسْم

قيل لَهُ إِذا قدم وَمَعْنَاهُ التَّأْخِير فَإِنَّمَا تَقْدِيره وَالنِّيَّة فِيهِ أَن يكون مُؤَخرا فَإِذا كَانَ فِي مَوْضِعه لم يجز أَن ينوى بِهِ غير مَوْضِعه

أَلا ترى أَنَّك تَقول ضرب غُلَامه زيد لِأَن الْغُلَام فِي الْمَعْنى مُؤخر وَالْفَاعِل فِي الْحَقِيقَة قبل الْمَفْعُول

وَلَو قلت ضرب غُلَامه زيدا كَانَ محالا لِأَن الْغُلَام فِي مَوْضِعه لَا يجوز أَن ينوى بِهِ غير ذَلِك الْموضع

وعَلى هَذَا الْمَعْنى تَقول فِي بَيته يُؤْتى الحكم لِأَن الظّرْف حَده أَن يكون بعد الْفَاعِل

وَمَا لم يسم فَاعله بِمَنْزِلَة الْفَاعِل وعَلى هَذَا تَقول ضَربته زيد وَفِي دَاره عبد الله لِأَن هَذَا إِخْبَار وحد المبتدإ أَن يكون قبلهمَا

وحد الظّرْف أَن يكون بعد الْمَفْعُول بِهِ وَمن ثمَّة جَازَ لقِيت فِي دَاره زيدا قَالَ الشَّاعِر

(إنْ تَلْقَ يَوْمًا علَى عِلاَّتِه هَرِمًا ... تَلْقَ السَّماحَةَ مِنْهُ والنَّدَى خُلقَا)

وَلَو قلت كَانَ الْكَائِن أَخَوَاهُ قَائِمين مُنْطَلقًا أَبَوَاهُ كَانَ جيدا أفردت الانطلاق بأبويه

وَيجوز فِي هَذِه الْمَسْأَلَة كَانَ الْكَائِن أَخَوَاهُ قائمان مُنْطَلقًا أَبَوَاهُ إِذا جعلت اسْمه مستكنا فِي الْكَائِن ف أَخَوَاهُ قائمان وَإِن كَانَ ابْتِدَاء وخبرا فموضعهما خبر كَأَنَّك قلت كَانَ الْكَائِن هُوَ أَخَوَاهُ قائمان مُنْطَلقًا أَبَوَاهُ يكون فِي الْكَائِن اسْمهَا وَلَو قلت منطلقان أَبَوَاهُ جَازَ لِأَنَّك أردْت كَانَ هَذَا الرجل أَبَوَاهُ منطلقان فَجعلت المنطلقين خَبرا مقدما

وَتقول كَانَ زيد هُوَ الْعَاقِل تجْعَل هُوَ ابْتِدَاء والعاقل خَبره وَإِن شِئْت قلت كَانَ زيد هُوَ الْعَاقِل يَا فَتى فتجعل هُوَ زَائِدَة فكأنك قلت كَانَ زيد الْعَاقِل

وَإِنَّمَا يكون هُوَ وهما وهم وَمَا أشبه ذَلِك زَوَائِد بَين المعرفتين أَو بَين الْمعرفَة وَمَا قاربها من النكرات نَحْو خير مِنْهُ وَمَا أشبهه مِمَّا لَا تدخله الْألف وَاللَّام وَإِنَّمَا زيدت فِي هَذَا الْموضع لِأَنَّهَا معرفَة فَلَا يجوز أَن تؤكد إِلَّا الْمعرفَة

وَلَا تكون زَائِدَة إِلَّا بَين اسْمَيْنِ لَا يسْتَغْنى أَحدهمَا عَن الآخر نَحْو اسْم كَانَ وخبرها أَو مفعولي ظَنَنْت وَعلمت وَمَا أشبه ذَلِك والابتداء وَالْخَبَر وَبَاب إِن

فمما جَاءَ من توكيدها فِي الْقُرْآن قَوْله {وَمَا ظلمناهم وَلَكِن كَانُوا هم الظَّالِمين} وَقَالَ {إِن لنا لأجرا إِن كُنَّا نَحن الغالبين} وَقَالَ {تَجِدُوهُ عِنْد الله هُوَ خير وَأعظم أجرا}

وَقد يجوز أَن تكون هَذِه الَّتِي بعد تَجِدُوهُ صفة للهاء المضمرة وسنذكرها فِي مَوضِع صِفَات الْمُضمر مشروحا إِن شَاءَ الله

وَقَرَأَ بَعضهم {وَلَكِن كَانُوا هم الظَّالِمُونَ} جعل هم ابْتِدَاء والظالمون خَبره

وينشد هَذَا الْبَيْت لقيس بن ذريح

(تَبْكي على لَيْلى وأَنْتَ تَرَكْتَهَا ... وَكُنْتَ علَيْها بالمَلا أَنْتَ أَقْدَرُ)

والقوافي مَرْفُوعَة

وَلَو قلت كَانَ زيد أَنْت خير مِنْهُ أَو كَانَ زيد أَنْت صَاحبه لم يجز إِلَّا الرّفْع لِأَن أَنْت لَو حذفته فسد الْكَلَام وَفِي الْمسَائِل الأول يصلح الْكَلَام بِحَذْف هَؤُلَاءِ الزَّوَائِد

أما قِرَاءَة أهل الْمَدِينَة {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هن أطهر لكم} فَهُوَ لحن فَاحش وَإِنَّمَا هِيَ قِرَاءَة ابْن مَرْوَان وَلم يكن لَهُ علم بِالْعَرَبِيَّةِ وَإِنَّمَا فسد لِأَن الأول غير مُحْتَاج إِلَى الثَّانِي

أَلا ترى أَنَّك تَقول هَؤُلَاءِ بَنَاتِي فيستغني الْكَلَام وَفِيمَا تقدم إِنَّمَا تَأتي قبل الِاسْتِغْنَاء لتوكيد المعرفتين وتدل على مَا يَجِيء بعْدهَا

هَذَا بَاب الأحرف الْخَمْسَة المشبهة بالأفعال

وَهِي إِن وَأَن وَلَكِن وَكَأن وليت وَلَعَلَّ

وَإِن وَأَن مجازهما وَاحِد فَلذَلِك عددناهما حرفا وَاحِدًا

وَالْفرق بَينهمَا يَقع فِي بَاب مُفْرد لَهما إِن شَاءَ الله

ف إِن إِنَّمَا مَعْنَاهَا الِابْتِدَاء لِأَنَّك إِذا قلت إِن زيدا منطلق كَانَ بِمَنْزِلَة قَوْلك زيد منطلق فِي الْمَعْنى وَإِن غيرت اللَّفْظ

وَكَذَلِكَ لَكِن ولكنهما دخلتا لما أخْبرك بِهِ

أما إِن فَتكون صلَة للقسم لِأَنَّك لَا تَقول وَالله زيد منطلق لانْقِطَاع الْمَحْلُوف عَلَيْهِ من الْقسم فَإِن قلت وَالله إِن زيدا منطلق اتَّصل بالقسم وَصَارَت إِن بِمَنْزِلَة اللَّام الَّتِي تدخل فِي قَوْلك وَالله لزيد خير مِنْك

وَلَكِن للاستدراك وَإِن كَانَت ثَقيلَة عاملة بمنزلتها وَهِي مُخَفّفَة كَمَا ذكرت لَك فِي بَاب الْعَطف وَإِنَّمَا يسْتَدرك بهَا بعد النَّفْي نَحْو قَوْلك مَا جَاءَنِي زيد لَكِن عَمْرو وَيَقُول الْقَائِل مَا ذهب زيد فَتَقول لَكِن عمرا قد ذهب وَيجوز فِي الثَّقِيلَة والخفيفة أَن تستدرك بهما بعد الْإِيجَاب مَا كَانَ مستغنياً نَحْو قَوْلك جَاءَ زيد فَأَقُول لَكِن عمرا لم يَأْتِ وَتكلم عَمْرو لَكِن خَالِد سكت

فَأَما الْخَفِيفَة إِذا كَانَت عاطفة اسْما على اسْم لم يجز أَن تستدرك بهَا إِلَّا بعد النَّفْي لَا يجوز أَن تَقول جَاءَنِي عَمْرو لَكِن زيد وَلَكِن مَا جَاءَنِي عَمْرو لَكِن زيد

فَإِن عطفت بهَا جملَة وَهِي الْكَلَام المستغنى جَازَ أَن يكون ذَلِك بعد الْإِيجَاب كَمَا ذكرت لَك تَقول قد جَاءَنِي زيد لَكِن عَمْرو لم يأتني

وَأما كَأَن فمعناها التَّشْبِيه تَقول كَأَن زيدا عَمْرو وَكَأن أَخَاك الْأسد

وَلَعَلَّ مَعْنَاهَا التوقع لمرجو أَو مخوف نَحْو لَعَلَّ زيدا يأتني وَلَعَلَّ الْعَدو يدركنا وليت مَعْنَاهَا التَّمَنِّي نَحْو لَيْت زيدا أَتَانَا

فَهَذِهِ الْحُرُوف مشبهة بالأفعال وَإِنَّمَا أشبهتها لِأَنَّهَا لَا تقع إِلَّا على الْأَسْمَاء وفيهَا الْمعَانِي من الترجي وَالتَّمَنِّي والتشبيه الَّتِي عباراتها الْأَفْعَال وَهِي فِي الْقُوَّة دون الْأَفْعَال وَلذَلِك بنيت أواخرها على الْفَتْح كبناء الْوَاجِب الْمَاضِي وَهِي تنصب الْأَسْمَاء وترفع الْأَخْبَار فتشبه من الْفِعْل مَا قدم مَفْعُوله نَحْو ضرب زيدا عَمْرو

وَلَا يجوز فِيهَا التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير لِأَنَّهَا لَا تتصرف فَيكون مِنْهَا يفعل وَلَا مَا يكون فِي الْفِعْل من الْأَمْثِلَة والمصادر فَلذَلِك لَزِمت طَريقَة إِذْ لم تبلغ أَن تكون فِي الْقُوَّة كَمَا شبهت بِهِ وَذَلِكَ قَوْلك إِن زيدا منطلق وَإِن أَخَاك قَائِم وَكَأن الْقَائِم أَخُوك وليت عبد الله صَاحبك

فَإِن اجْتمعت فِي هَذِه الْحُرُوف معرفَة ونكرة فَالَّذِي يخْتَار أَن يكون مِنْهُمَا اسْمهَا الْمعرفَة لِأَنَّهَا دخلت على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر وقصتها قصَّة كَانَ فِي ذَلِك

فَأَما التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير نَحْو إِن منطلق زيدا فَلَا يجوز لِأَنَّهَا حرف جامد لَا تَقول فِيهِ فعل وَلَا فَاعل كَمَا كنت تَقول فِي كَانَ يكون وَهُوَ كَائِن وَغير هَذَا من الْأَمْثِلَة وَلَكِن إِن كَانَ الَّذِي يَليهَا ظرفا فَكَانَ خَبرا أَو غير خبر جَازَ وَذَلِكَ إِن فِي الدَّار زيدا وَإِن فِي الدَّار زيدا قَائِم وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لِأَن الظروف لَيْسَ مِمَّا تعْمل فِيهِ إِن لوُقُوع غَيرهَا فِيهِ

وَإِن قَالَ قَائِل فَقل إِن يقوم زيدا لِأَن يقوم لَيْسَ مِمَّا تعْمل فِيهِ إِن فَإِن هَذَا محَال من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن إِن مشبهة بِالْفِعْلِ فَلَا يجوز أَن تلِي الْفِعْل كَمَا لَا يَلِي فعل فعلا وَلَيْسَ فِيهَا ضمير فَيكون بِمَنْزِلَة كَاد يقوم زيد لِأَن فِي كَاد ضميرا حَائِلا بَينهمَا وَبَين الْفِعْل

والجهة الْأُخْرَى أَن يقوم فِي مَوضِع قَائِم فَلَا يجوز أَن يفصل بهَا بَين إِن وَاسْمهَا كَمَا لَا يجوز أَن يفصل بقائم

فَإِن قَالَ قَائِل فَقل إِن قَامَ زيدا

قيل لَهُ هَذَا أبعد وَذَاكَ أَن مَوضِع الْإِخْبَار إِنَّمَا هُوَ للأسماء لِأَن الْخَبَر إِنَّمَا هُوَ الِابْتِدَاء فِي الْمَعْنى

وَإِنَّمَا دخلت قَامَ هَاهُنَا كَمَا دخلت على الصِّفَات فِي مثل قَوْلك مَرَرْت بِرَجُل قَائِم ومررت بِرَجُل صَالح فَتَقول مَرَرْت بِرَجُل قَامَ وبرجل صلح

وَتقول إِن زيدا الظريف عَاقل فَإِن حذفت عَاقِلا رفعت الظريف وَذَلِكَ أَن الْخَبَر لَا بُد مِنْهُ وَله وضع الْكَلَام وَالصّفة تبين وَتركهَا جَائِز وَتقول إِن زيدا منطلق وعمرا وَإِن شِئْت وَعَمْرو

فَأَما الرّفْع فَمن وَجْهَيْن وَالنّصب من وَجه وَاحِد وَهُوَ أَن تعطفه على الِاسْم الْمَنْصُوب كَمَا قَالَ

(إِنَّ الرَّبِيعَ الجَوْدَ والخَريفَا ... يَدَا أبي العَبَّاسِ والصُّيُوفا)

وَهَذَا على وَجه الْكَلَام وَمَجْرَاهُ لِأَنَّك إِذا عطفت شَيْئا على شَيْء كَانَ مثله

وَأحد وَجْهي الرّفْع وَهُوَ الأجود مِنْهُمَا أَن تحمله على مَوضِع إِن لِأَن موضعهَا الِابْتِدَاء فَإِذا قلت إِن زيدا منطلق فَمَعْنَاه زيد منطلق

وَمثل إِن فِي هَذَا الْبَاب لَكِن الثَّقِيلَة

وَنَظِير هَذَا قَوْلك لَيْسَ زيد بقائم وَلَا قَاعِدا على الْموضع وَمثله خشنت بصدره وَصدر زيد

وعَلى هَذَا قِرَاءَة من قَرَأَ {فَأَصدق وأكن من الصَّالِحين} حمله على مَوضِع الْفَاء وَلم يحملهُ على مَا عملت فِيهِ وقرئت هَذِه الْآيَة على وَجْهَيْن {إِن الله برِئ من الْمُشْركين وَرَسُوله} بِالنّصب وَالرَّفْع فِي الرَّسُول

وَمثل مَا يحمل على الْموضع قَوْله

(مُعاوِيَ إنَّنا بشرٌ فأَسْجِحْ ... فلَسْنَا بالجبال وَلَا الحديدا)

وَقَالَ الآخر

(أَلاَ حَيَّ نَدْمَانِى عُمَيْرَ بْنَ عامِرٍ ... إذَا مَا تَلاقَيْنَا مِنَ اليَوْمِ أَوْ غَدا)

وَالْوَجْه الآخر فِي الرّفْع إِن زيدا منطلق وَعَمْرو أَن يكون مَحْمُولا على الْمُضمر فِي منطلق وَهَذَا أبعد الْوَجْهَيْنِ إِلَّا أَن تؤكده فَيكون وَجها جيدا مُخْتَارًا نَحْو إِن زيدا منطلق هُوَ وَعَمْرو وَتقول إِن زيدا منطلق الظريف وَإِن زيدا يقوم الْعَاقِل الرّفْع وَالنّصب فِيمَا بعد الْخَبَر جائزان

فالرفع من وَجْهَيْن

أَحدهمَا أَن تَجْعَلهُ بَدَلا من الْمُضمر فِي الْخَبَر

وَالْوَجْه الآخر أَن تحمله على قطع وَابْتِدَاء

وَالنّصب من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن تتبعه زيدا وَالْآخر أَن تنصبه بِفعل مُضْمر على جِهَة الْمَدْح وَهَذَا الْفِعْل يذكر إضماره فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله

وَالْآيَة تقْرَأ على وَجْهَيْن {قل إِن رَبِّي يقذف بِالْحَقِّ علام الغيوب} بِالنّصب وَالرَّفْع

فَأَما كَأَن وليت وَلَعَلَّ إِذا قلت كَأَن زيدا منطلق وَعَمْرو وليت زيدا يقوم وَعبد الله فَكل مَا كَانَ جَائِزا فِي إِن وَلَكِن من رفع أَو نصب فَهُوَ جَائِز فِي هَذِه الأحرف إِلَّا الْحمل على مَوضِع الِابْتِدَاء فَإِن هَذِه الْحُرُوف خَارِجَة من معنى الِابْتِدَاء لِأَنَّك إِذا قلت لَيْت فَإِنَّمَا تتمنى وَكَأن للتشبيه وَلَعَلَّ للتوقع فقد زَالَ الِابْتِدَاء وَلم يجز الْحمل عَلَيْهِ

هَذَا بَاب من مسَائِل بَاب كَانَ وَبَاب إِن فِي الْجمع والتفرقة

تَقول إِن الْقَائِم أَبوهُ منطلقة جَارِيَته نصبت الْقَائِم ب إِن وَرفعت الْأَب بِفِعْلِهِ وَهُوَ الْقيَاس وَرفعت منطلقة لِأَنَّهَا خبر إِن وَرفعت الْجَارِيَة بالانطلاق وَيجوز أَن تكون الْجَارِيَة مَرْفُوعَة بِالِابْتِدَاءِ وخبرها منطلقة فَيكون التَّقْدِير إِن الْقَائِم أَبوهُ جَارِيَته منطلقة إِلَّا أَنَّك قدمت وأخرت

فَإِن جعلت هَذِه الْمَسْأَلَة فِي بَاب كَانَ قلت على القَوْل الأول كَانَ الْقَائِم أَبوهُ منطلقة جَارِيَته

وعَلى القَوْل الثَّانِي منطلقة جَارِيَته لِأَنَّك تُرِيدُ كَانَ الْقَائِم أَبوهُ جَارِيَته منطلقة

وَتقول إِن الْقَائِم وَأَخُوهُ قَاعد فَترفع الْأَخ بعطفك إِيَّاه على الْمُضمر فِي قَائِم فَهَذَا جَائِز وَالْوَجْه إِذا أردْت أَن تعطفه على مُضْمر مَرْفُوع أَن تؤكد ذَلِك الْمُضمر فَتَقول إِن الْقَائِم هُوَ وَأَخُوهُ قَاعد وَإِنَّمَا قلت قَاعد لِأَن الْأَخ لم يدْخل فِي إِن وَإِنَّمَا دخل فِي صلَة الْقَائِم فَصَارَ بِمَنْزِلَة قَوْلك إِن الَّذِي قَامَ مَعَ أَخِيه قَاعد

وَنَظِير هَذَا قَوْلك إِن الْمَتْرُوك هُوَ وَأَخُوهُ مريضين صَحِيح وَإِن المختصم هُوَ وَزيد جَالس وَلَو أردْت أَن تدخل فِي إِن الْأَخ لَقلت إِن الْمَتْرُوك مَرِيضا وأخاه صَحِيحَانِ وَإِن المخاصم عمرا وأخاه قائمان

فعلى هَذَا تَلْخِيص هَذِه الْمسَائِل وَإِنَّمَا حَالهَا فِي كَانَ وَإِن فِي الِاحْتِيَاج والاستغناء حَال الِابْتِدَاء

ونقول إِن زيدا كَانَ مُنْطَلقًا نصبت زيدا بإن وَجعلت ضَمِيره فِي كَانَ وَكَانَ وَمَا عملت فِيهِ فِي مَوضِع خبر إِن

وَإِن شِئْت رفعت مُنْطَلقًا فَيكون رَفعه على وَجْهَيْن

أَحدهمَا أَن تجْعَل كَانَ زَائِدَة مُؤَكدَة للْكَلَام نَحْو قَول الْعَرَب

ولدت فَاطِمَة بنت الخرشب الكملة من بني عبس لم يُوجد كَانَ مثلهم على إِلْغَاء كَانَ وَمثله قَول الفرزدق

(فَكيف إذَا رَأَيْتُ دِيارَ قَوْمٍ ... وجِيْرَانٍ لَنا كانُوا كِرامِ) والقوافي مجرورة وَتَأْويل هَذَا سُقُوط كَانَ على وجيران لنا كرام فِي قَول النَّحْوِيين أَجْمَعِينَ

وَهُوَ عِنْدِي على خلاف مَا قَالُوا من إِلْغَاء كَانَ وَذَلِكَ أَن خبر كَانَ لنا فتقديره وجيران كرام كَانُوا لنا

وَقَوله {كَيفَ نُكَلِّم من كَانَ فِي المهد صَبيا} إِنَّمَا معنى كَانَ هَاهُنَا التوكيد فَكَأَن التَّقْدِير وَالله أعلم كَيفَ نُكَلِّم من هُوَ فِي المهد صَبيا وَنصب صَبيا على الْحَال وَلَوْلَا ذَلِك لم يكن عِيسَى بَائِنا من النَّاس وَلَا دلّ الْكَلَام على أَنه تكلم فِي المهد لِأَنَّك تَقول للرجل كَانَ فلَان فِي المهد صَبيا فَهَذَا مَالا يَنْفَكّ مِنْهُ أحد أَنه قد كَانَ كَذَا ثمَّ انْتقل وَإِنَّمَا الْمَعْنى كَيفَ نكلمه وَهُوَ السَّاعَة كَذَا

وَالْوَجْه الآخر فِي جَوَاز الرّفْع فِي قَوْلك إِن زيدا كَانَ منطلق على أَن تضمر الْمَفْعُول فِي كَانَ وَهُوَ قَبِيح كَأَنَّك قلت إِن زيدا كَأَنَّهُ منطلق وقبحه من وَجْهَيْن أَحدهمَا حذف هَذِه الْهَاء كَقَوْلِك إِن زيدا ضرب عَمْرو وَلَيْسَ هَذَا من مَوَاضِع حذفهَا وَسَنذكر مَا حذفهَا فِيهِ أحسن من إِثْبَاتهَا وَمَا يجوز من الْحَذف وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله

وقبحها من الْجِهَة الْأُخْرَى أَنَّك تجْعَل مُنْطَلقًا هُوَ الِاسْم وَهُوَ نكرَة وَتجْعَل الْخَبَر الضَّمِير وَهُوَ معرفَة فَلَو كَانَ إِن زيدا كَانَ أَخُوك كَانَ أسهل وَهُوَ مَعَ ذَلِك قَبِيح لحذف الْهَاء

فَأَما قَوْلهم كأنني أَخُوك وَكنت زيدا فمحال إِن أردْت بِهِ الِانْتِقَال وَأَنت تَعْنِي أَخَاهُ فِي النّسَب وَلَكِن لَو قلت كنت أَخَاك أَي صديقك وَأَنا الْيَوْم عَدوك وَكنت زيدا وَأَنا السَّاعَة عَمْرو أَي غيرت اسمى كَانَ جَائِزا

وَجَائِز أَن تَقول كنت أَخَاك وَإِن كَانَ أَخَاهُ السَّاعَة تُرِيدُ أَن تعلمه مَا كَانَ وَلَا تخبر عَن وقته الَّذِي هُوَ فِيهِ لعلم الْمُخَاطب ذَاك وَلِأَن للْقَاتِل إِذا كَانَت الْأَخْبَار حَقًا أَن يخبر عَنْهَا بِمَا أَرَادَ وَيتْرك غَيره فَمن ذَلِك قَول الله {وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما} {وَكَانَ الله سميعا عليما} فَقَوْل النَّحْوِيين والمفسرين فِي هَذَا وَاحِد إِن مَعْنَاهُ وَالله أعلم أَنه خبرنَا بِمثل مَا يعرف من فَضله وَطوله وَرَحمته وغفرانه وَأَنه علام الغيوب قبل أَن نَكُون فَعلمنَا ذَلِك ودلنا عَلَيْهِ بِهَذَا وَغَيره

وَمثل ذَلِك قَوْله {وَالْأَمر يَوْمئِذٍ لله} وَنحن نعلم أَن الْأَمر أبدا لله وَتقول كَانَ الْقَائِم الْقَاعِد أَبَوَاهُ إِلَيْهِ منطلقة جَارِيَته

رفعت الْقَائِم بكان وَرفعت الْقَاعِد بالقائم وَرفعت أَبَوَيْهِ بالقاعد وَلَوْلَا قَوْلك إِلَيْهِ لم تجز الْمَسْأَلَة وَذَلِكَ أَن تقديرها كَانَ الَّذِي قَامَ الرجل الَّذِي قعد إِلَيْهِ أَبَوَاهُ فَلَا بُد من ضميرين يرجع أَحدهمَا إِلَى الْألف وَاللَّام فِي قَاعد وَالْآخر إِلَى الْألف وَاللَّام فِي الْقَائِم

وَتقول إِن الرَّاغِب فِيهِ أَبَوَاهُ كَانَ زيدا وَإِن زيدا كَانَ الرَّاغِب فِيهِ أَبَوَاهُ ضاربه

وَلَو قلت كَانَ عبد الله زيد يضْربهُ جعلت أَيهمَا شِئْت فَاعِلا

وَلَو قلت كَانَ عبد الله زيد ضاربه فَجعلت الضَّارِب زيدا كَانَ جيدا فَإِن جعلت الضَّارِب عبد الله قلت ضاربه هُوَ لِأَن ضَارِبًا اسْم فَإِذا جرى صفة أَو حَالا أَو خَبرا لغير من هُوَ لَهُ فَلَا بُد من إِظْهَار الْفَاعِل وَالْخَبَر فِيهِ

وَالْفِعْل يحْتَمل أَن يجْرِي على غير من هُوَ لَهُ لما يدْخلهُ من الضَّمِير الْمُبين عَمَّن هُوَ لَهُ

أَلا ترى أَنَّك تَقول زيد تكرمه فَيكون جيدا وَلَو قلت زيد مكرمه فتضعه فِي مَوضِع تكرمه لم يجز حَتَّى تَقول أَنْت وَكَذَلِكَ عبد الله زَائِره أَنا وَتَفْسِير هَذَا وإجراء الْمسَائِل مستقصى فِي بَاب الِابْتِدَاء إِن شَاءَ الله

وَتقول إِن أفضلهم الضَّارِب أَخَاهُ كَانَ زيدا صفحة فارغة صفحة فارغة بِنصب الضَّارِب فَفِي هَذَا وُجُوه إِن شِئْت أجريتها على هَذَا اللَّفْظ فَجعلت الضَّارِب نصبا صفة وَجعلت كَانَ وَمَا عملت فِيهِ الْخَبَر

وَإِن شِئْت رفعت الضَّارِب فَجَعَلته خَبرا وَجعلت زيدا بَدَلا مِنْهُ فَرَفَعته وَجعلت كَانَ زَائِدَة على مَا كنت شرحت لَك

وَإِن شِئْت رفعت زيدا على هَذِه الشريطة وَجَعَلته هُوَ الضَّارِب للْأَخ وكأنك قلت إِن أفضلهم الَّذِي ضرب أَخَاهُ زيد

وَإِن شِئْت رفعت الْأَخ ونصبت زيدا وترفع الضَّارِب

وَلَو قلت إِن أفضلهم الضَّارِب أَخَاهُ كَانَ زيدا ترفع الضَّارِب على أَن تجْعَل كَانَ صفة للْأَخ لم يجز لِأَن الْأَخ معرفَة وَالْأَفْعَال مَعَ فاعليها جمل وَإِنَّمَا تكون الْجمل صِفَات للنكرة وحالات للمعرفة لِأَن يفعل إِنَّمَا هُوَ مضارع فَاعل فَهُوَ نكرَة مثله أَلا ترى أَنَّك تَقول مَرَرْت بِرَجُل يضْرب زيدا كَمَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل ضَارب زيدا

وَتقول مَرَرْت بِعَبْد الله يَبْنِي دَاره فَيصير يَبْنِي فِي مَوضِع نصب لِأَنَّهُ حَال كَمَا تَقول مَرَرْت بِعَبْد الله بانيا دَاره

وَلَكِن لَو قلت فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِن أفضلهم الضَّارِب أَخا لَهُ كَانَ جيدا أَن تصفه بكان إِذا جعلته نكرَة

فَإِن قلت فأجر كَانَ بعد الْمعرفَة وأجعلها حَالا لَهَا فَإِن ذَلِك قَبِيح وَهُوَ على قبحه جَائِز فِي قَول الْأَخْفَش وَإِنَّمَا قبحه أَن الْحَال لما أَنْت فِيهِ وَفعل لما مضى فَلَا يَقع فِي معنى الْحَال أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت مَرَرْت بِرَجُل يَأْكُل قلت على هَذَا مَرَرْت بزيد يَأْكُل فَكَانَ مَعْنَاهُ مَرَرْت بزيد آكلا

وَإِذا قلت أكل فَلَيْسَ يجوز أَن تخبر بهَا عَن الْحَال كَمَا تَقول هُوَ يَأْكُل أَي هُوَ فِي حَال أكل فَلَمَّا لم يجز أَن يَقع وَهُوَ على مَعْنَاهُ فِي مَوضِع الْحَال امْتنع فِي هَذَا الْموضع

وَقد أجَاز قوم أَن يضعوا فعل فِي موضعهَا كَمَا تَقول إِن ضربتني ضربتك وَالْمعْنَى إِن تضربني أضربك

وَهَذَا التَّشْبِيه بعيد لِأَن الْحُرُوف إِذا دخلت حدثت مَعهَا معَان تزيل الْأَفْعَال عَن موَاضعهَا

أَلا ترى أَنَّك تَقول زيد يضْرب غَدا فَإِذا أدخلت لم قلت لم يضْرب أمس فبدخول لم صَارَت يضْرب فِي معنى الْمَاضِي وتأولوا هَذِه الْآيَة من الْقُرْآن على هَذَا القَوْل وَهِي قَوْله {أَو جاءوكم حصرت صُدُورهمْ}

وَلَيْسَ الْأَمر عندنَا كَمَا قَالُوا وَلَكِن مخرجها وَالله أعلم إِذا قُرِئت كَذَا الدُّعَاء كَمَا تَقول لعنُوا قطعت أَيْديهم وَهُوَ من الله إِيجَاب عَلَيْهِم فَأَما الْقِرَاءَة الصَّحِيحَة فَإِنَّمَا هِيَ {أَو جاءوكم حصرة صُدُورهمْ}

وَمثل هَذَا من الْجمل قَوْلك مَرَرْت بِرَجُل أَبوهُ منطلق وَلَو وضعت فِي مَوضِع رجل معرفَة لكَانَتْ الْجُمْلَة فِي مَوضِع حَال فعلى هَذَا تجْرِي الْجمل

وَإِذا كَانَ فِي الثَّانِيَة مَا يرجع إِلَى الأول جَازَ أَلا تعلقه بِهِ بِحرف الْعَطف وَإِن علقته بِهِ فجيد

وَإِذا كَانَ الثَّانِي لَا شَيْء فِيهِ يرجع إِلَى الأول فَلَا بُد من حرف الْعَطف وَذَلِكَ قَوْلك مَرَرْت بِرَجُل زيد خير مِنْهُ وَجَاءَنِي عبد الله أَبوهُ يكلمهُ

وَإِن شِئْت قلت وَزيد خير مِنْهُ وَأَبوهُ يكلمهُ بِالْوَاو وَهِي حرف عطف

فَأَما إِذا قلت مَرَرْت بزيد عَمْرو فِي الدَّار فَهُوَ محَال إِلَّا على قطع خبر واستئناف آخر فَإِن جعلته كلَاما وَاحِدًا قلت مَرَرْت بزيد وَعَمْرو فِي الدَّار

وَهَذِه الْوَاو الَّتِي يسميها النحويون وَاو الِابْتِدَاء وَمَعْنَاهَا إِذْ وَمثل ذَلِك قَوْله {يغشى طَائِفَة مِنْكُم وَطَائِفَة قد أهمتهم أنفسهم} وَالْمعْنَى وَالله أعلم إِذْ طَائِفَة فِي هَذِه الْحَال وَكَذَلِكَ قَول الْمُفَسّرين

هَذَا بَاب الْمسند والمسند إِلَيْهِ وهما مَا لَا يَسْتَغْنِي كل وَاحِد من صَاحبه

فَمن ذَلِك قَامَ زيد والابتداء وَخَبره وَمَا دخل عَلَيْهِ نَحْو كَانَ وَإِن وأفعال الشَّك وَالْعلم والمجازة

فالابتداء نَحْو قَوْلك زيد فَإِذا ذكرته فَإِنَّمَا تذكره للسامع ليتوقع مَا تخبره بِهِ عَنهُ فَإِذا قلت منطلق أَو مَا أشبهه صَحَّ معنى الْكَلَام وَكَانَت الْفَائِدَة للسامع فِي الْخَبَر لِأَنَّهُ قد كَانَ يعرف زيدا كَمَا تعرفه وَلَوْلَا ذَلِك لم تقل لَهُ زيد ولكنت قَائِلا لَهُ رجل يُقَال لَهُ زيد فَلَمَّا كَانَ يعرف زيدا ويجهل مَا تخبره بِهِ عَنهُ أفدته الْخَبَر فصح الْكَلَام لِأَن اللَّفْظَة الْوَاحِدَة من الِاسْم وَالْفِعْل لَا تفِيد شَيْئا وَإِذا قرنتها بِمَا يصلح حدث معنى وَاسْتغْنى الْكَلَام

فَأَما رفع الْمُبْتَدَأ فبالابتداء وَمعنى الِابْتِدَاء التَّنْبِيه والتعرية عَن العوامل غَيره وَهُوَ أول الْكَلَام وَإِنَّمَا يدْخل الْجَار والناصب والرافع سوى الِابْتِدَاء على الْمُبْتَدَأ

والابتداء والمبتدأ يرفعان الْخَبَر وسنبين هَذَا بالاحتجاج فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله فَإِذا قلت عبد الله أَخُوك وَعبد الله صَالح لم تبل أَكَانَ الْخَبَر معرفَة أَو نكرَة لكل لَفْظَة مِنْهُمَا مَعْنَاهَا

فَأَما الْمُبْتَدَأ فَلَا يكون إِلَّا معرفَة أَو مَا قَارب الْمعرفَة من النكرات

أَلا ترى أَنَّك لَو قلت رجل قَائِم أَو رجل ظريف لم تفد السَّامع شَيْئا لِأَن هَذَا لَا يستنكر أَن يكون مثله كثيرا وَقد فسرنا هَذَا فِي بَاب إِن وَبَاب كَانَ وَلَو قلت خير مِنْك جَاءَنِي أَو صَاحب لزيد عِنْدِي جَازَ وَإِن كَانَا نكرتين وَصَارَ فيهمَا فَائِدَة لتقريبك إيَّاهُمَا من المعارف

وَتقول منطلق زيد فَيجوز إِذا أردْت بمنطلق التَّأْخِير لِأَن زيدا هُوَ الْمُبْتَدَأ

وَتقول على هَذَا غُلَام لَك عبد الله وظريفان أَخَوَاك وَحسان قَوْمك

وَاعْلَم أَن خبر الْمُبْتَدَأ لَا يكون إِلَّا شَيْئا هُوَ الِابْتِدَاء فِي الْمَعْنى نَحْو زيد أَخُوك وَزيد قَائِم فَالْخَبَر هُوَ الِابْتِدَاء فِي الْمَعْنى أَو يكون الْخَبَر غير الأول فَيكون لَهُ فِيهِ ذكر فَإِن لم يكن على أحد هذَيْن الْوَجْهَيْنِ فَهُوَ محَال

وَنَظِير ذَلِك زيد يذهب غُلَامه وَزيد أَبوهُ قَائِم وَزيد قَامَ عَمْرو إِلَيْهِ وَلَو قلت زيد قَامَ عَمْرو لم يجز لِأَنَّك ذكرت اسْما وَلم تخبر عَنهُ بِشَيْء وَإِنَّمَا خبرت عَن غَيره

فَإِذا قلت عبد الله قَامَ فعبد الله رفع بِالِابْتِدَاءِ وَقَامَ فِي مَوضِع الْخَبَر وضميره الَّذِي فِي قَامَ فَاعل

فَإِن زعم زاعم أَنه إِنَّمَا يرفع عبد الله بِفِعْلِهِ فقد أحَال من جِهَات

مِنْهَا أَن قَامَ فعل وَلَا يرفع الْفِعْل فاعلين إِلَّا على جِهَة الْإِشْرَاك نَحْو قَامَ عبد الله وَزيد فَكيف يرفع عبد الله وضميره وَأَنت إِذا أظهرت هَذَا الضَّمِير بِأَن تجْعَل فِي مَوْضِعه غَيره بَان لَك وَذَلِكَ قَوْلك عبد الله قَامَ أَخُوهُ فَإِنَّمَا ضَمِيره فِي مَوضِع أَخِيه

وَمن فَسَاد قَوْلهم أَنَّك تَقول رَأَيْت عبد الله قَامَ فَيدْخل على الِابْتِدَاء مَا يُزِيلهُ وَيبقى الضَّمِير على حَاله

وَمن ذَلِك أَنَّك تَقول عبد الله هَل قَامَ فَيَقَع الْفِعْل بعد حرف الِاسْتِفْهَام ومحال أَن يعْمل مَا بعد حرف الِاسْتِفْهَام فِيمَا قبله

وَمن ذَلِك أَنَّك تَقول ذهب أَخَوَاك ثمَّ تَقول أَخَوَاك ذَهَبا فَلَو كَانَ الْفِعْل عَاملا كعمله مقدما لَكَانَ موحدا وَإِنَّمَا الْفِعْل فِي مَوضِع خبر الِابْتِدَاء رَافعا للضمير كَانَ أَو خَافِضًا أَو ناصبا فقولك عبد الله قَائِم بِمَنْزِلَة قَوْلك عبد الله ضَربته وزيدت مَرَرْت بِهِ وَلَو قلت على كَلَام مُتَقَدم عبد الله أَو منطلق أَو صَاحبك أَو مَا أشبه هَذَا لجَاز أَن تضمر الِابْتِدَاء إِذا تقدم من ذكره مَا يفهمهُ السَّامع

فَمن ذَلِك أَن ترى جمَاعَة يتوقعون الْهلَال فَقَالَ قَائِل مِنْهُم الْهلَال وَالله أَي هَذَا الْهلَال

وَكَذَلِكَ لَو كنت منتظرا رجلا فَقلت زيد جَازَ على مَا وصفت لَك

وَنَظِير هَذَا الْفِعْل الَّذِي يضمر إِذا علمت أَن السَّامع مستغن عَن ذكره نَحْو قَوْلك إِذا رَأَيْت رجلا فد سدد سَهْما فَسمِعت صَوتا القرطاس وَالله أَي أصَاب القرطاس أَو رَأَيْت قوما يتوقعون هلالا ثمَّ سَمِعت تَكْبِيرا قلت الْهلَال وَالله أَي رَأَوْا الْهلَال وَمثل هَذَا مَرَرْت بِرَجُل زيد لما قلت مَرَرْت بِرَجُل أردْت أَن تبين من هُوَ فكأنك قلت هُوَ زيد وعَلى هَذَا قَول الله عز وَجل {بشر من ذَلِكُم النَّار} وَتقول الْبر بِخَمْسِينَ وَالسمن منوان فتحذف الْكر وَالدِّرْهَم لعلم السَّامع فَإِنَّهُمَا اللَّذَان يسعر عَلَيْهِمَا

وَمِمَّا يحذف لعلم الْمُخَاطب بِمَا يقْصد لَهُ قَوْلهم لَا عَلَيْك إِنَّمَا يُرِيدُونَ لَا بَأْس عَلَيْك وَقَوْلهمْ لَيْسَ إِلَّا وَلَيْسَ غير إِنَّمَا يُرِيدُونَ لَيْسَ إِلَّا ذَلِك وَيَقُول الْقَائِل أما بَقِي لكم أحد فَإِن النَّاس ألب عَلَيْكُم فَتَقول إِن زيدا وَإِن عمرا أَي لنا قَالَ الْأَعْشَى

(إِنَّ محَلاًّ وإِنَّ مُرْتَحَلا ... وإِنَّ فِي السَّفْر إِذْ مَضَى مَهَلا)

ويروي إِذْ مضوا

والمعرفة والنكرة هَاهُنَا وَاحِد وَإِنَّمَا تحذف إِذا علم الْمُخَاطب مَا تعنى بِأَن تقدم لَهُ خَبرا أَو يجْرِي القَوْل على لِسَانه كَمَا وصفت لَك فَمن الْمعرفَة قَول الأخطل

(خَلاَ أَنَّ حيًّا مِنْ قُرَيْشٍ تَفَضَّلُوا ... على النَاسِ أَوْ أَنَّ الأَكارِم نَهْشَلا)

وَالْبَيْت آخر القصيدة

وَتقول النَّازِل فِي دَاره أَخَوَاك غلامك والضارب أَبَوَاهُ أَخَوَيْهِ عبد الله

وَلَو قلت أَنا الَّذِي قُمْت وَأَنت الَّذِي ذهبت لَكَانَ جَائِز وَلم يكن الْوَجْه وَإِنَّمَا وَجه الْكَلَام أَنا الَّذِي قَامَ وَأَنت الَّذِي ذهب ليَكُون الضَّمِير فِي الْفِعْل رَاجعا إِلَى الَّذِي

وَإِنَّمَا جَازَ بِالتَّاءِ إِذا كَانَ قبله أَنا وَأَنت لِأَنَّك تحمله على الْمَعْنى وَلَو قلت الَّذِي قُمْت أَنا لم يجز وَهَذَا قَبِيح وَإِنَّمَا امْتنع أَن تحمل على الْمَعْنى لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي جملَة الَّذِي مَا يرجع إِلَيْهِ

فمما جَاءَ من هَذَا الْمَعْنى قَول مهلهل

(وأَنَا الذِي قَتَّلْتُ بَكْرًا بالقَنَا ... وتَرَكْتُ تَغْلِبَ غَيْرَ ذَاتِ سَنام)

وَقَالَ أَبُو النَّجْم

(يَا أَيُّها الذَكَرُ الَّذِي قد سُؤتَني ... وفَضَحْتَني وطَردْتَ أُمَّ عِيالِيا)

فَإِنَّمَا يصلح هَذَا بالمقدمات الَّتِي وصفت لَك

وَتقول زيد فِي الدَّار قَائِم إِذا جعلت قَوْلك قَائِم مَبْنِيا على زيد فَإِن جعلت فِي الدَّار مَبْنِيا على زيد نصبت قَائِما على الْحَال

وَتقول زيد يَوْم الْجُمُعَة قَائِم لَا يكون إِلَّا ذَلِك لِأَن ظروف الزَّمَان لَا تضمن الجثث أَلا ترى أَنَّك تَقول زيد فِي الدَّار فيصلح وتفيد بِهِ معنى وَلَو قلت زيد يَوْم الْجُمُعَة لم يصلح لِأَن الزَّمَان لَا يَخْلُو مِنْهُ زيد وَلَا غَيره وَلَكِن إِذا كَانَ اسْم فِيهِ معنى الْفِعْل جَازَ أَن تكون أَسمَاء الزَّمَان ظروفا لَهُ نَحْو قَوْلك الْقِتَال يَوْم الْجُمُعَة ومقدم الْحَاج وَالْمحرم يَا فَتى لِأَنَّك تخبر أَنه فِي هَذَا الْوَقْت يَقع فها هُنَا فعل قد كَانَ يجوز أَن يَخْلُو مِنْهُ هَذَا الْوَقْت فعلى هَذَا تجْرِي الظروف من الْأَزْمِنَة والأمكنة فِي الْإِخْبَار

وَتقول عبد الله زيد الضاربة إِذا كَانَت الْألف وَاللَّام وَالْفِعْل لزيد فعبد الله ابْتِدَاء وَزيد ابْتِدَاء ثَان والضارب خبر عَن زيد وهما خبر عَن عبد الله وَالْهَاء الَّتِي فِي الضاربة رَاجِعَة إِلَى عبد الله صفحة فارغة فَإِن جعلت الْألف وَاللَّام وَالْفِعْل لعبد الله قلت عبد الله زيد الضاربة هُوَ تجْعَل الضَّارِب ابْتِدَاء ثَالِثا لِأَنَّهُ لَا يكون خبر عَن زيد لِأَنَّهُ غَيره وَتجْعَل هُوَ خبر الضاربة وَالْهَاء المنصوبة ترجع إِلَى زيد وهما جَمِيعًا خبر عَن زيد وَزيد وَمَا بعده خبر عَن عبد الله

فَإِن جعلت الْألف وَاللَّام لزيد وَالْفِعْل لعبد الله قلت عبد الله زيد الضاربة هُوَ فَهُوَ هَاهُنَا إِظْهَار الْفَاعِل لِأَن الْألف وَاللَّام لزيد فقد صَار خَبرا عَنهُ وَصَارَ الْفِعْل جَارِيا على على غير نَفسه فأظهرت الْفَاعِل كإظهارك إِيَّاه لَو كَانَ غير الأول نَحْو قَوْلك عبد الله هِنْد الضاربها أَبوهُ

فَهُوَ فِي مَوضِع أَبِيه هَذَا وَالْألف وَاللَّام فِي الضَّارِب فِي معنى الَّتِي لِأَنَّهَا لهِنْد

فَإِن كَانَت الْألف وَاللَّام لعبد الله وَالْفِعْل لزيد قلت عبد الله زيد الضاربة هُوَ هُوَ وَذَاكَ لِأَن الْألف وَاللَّام لعبد الله فقد صَار ابْتِدَاء ثَالِثا وَجرى الْفِعْل على غير من هُوَ لَهُ فَجعلت هُوَ الأولى إِظْهَار الْفَاعِل وَالثَّانيَِة خبر الِابْتِدَاء وسنأتي على بَقِيَّة هَذَا الْبَاب فِي بَاب الْألف وَاللَّام

هَذَا بَاب الْإِضَافَة

وَهِي فِي الْكَلَام على ضَرْبَيْنِ فَمن الْمُضَاف إِلَيْهِ مَا تضيف إِلَيْهِ بِحرف جر

وَمِنْهَا مَا تضيف إِلَيْهِ اسْما مثله

وَأما حُرُوف الْإِضَافَة الَّتِي تُضَاف بهَا الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال إِلَى مَا بعْدهَا فَمن وَإِلَى وَرب وَفِي وَالْكَاف الزَّائِدَة وَالْبَاء الزَّائِدَة وَاللَّام الزَّائِدَة فَهَذِهِ الْحُرُوف الصَّحِيحَة وَمَا كَانَ مثلهَا

فَأَما مَا وَضعه النحويون نَحْو على وَعَن وَقبل وَبعد وَبَين وَمَا كَانَ مثل ذَلِك فَإِنَّمَا هِيَ أَسمَاء وسنخبر عَن ذَلِك بِمَا يُوضحهُ إِن شَاءَ الله

أما من فمعناها ابْتِدَاء الْغَايَة وَتَكون للتَّبْعِيض وَتَكون زَائِدَة لتدل على أَن الَّذِي بعْدهَا وَاحِد فِي مَوضِع جَمِيع وَيكون دُخُولهَا كسقوطها

فَأَما ابْتِدَاء الْغَايَة فقولك سرت من الْبَصْرَة إِلَى الْكُوفَة فقد أعلمته أَن ابْتِدَاء السّير كَانَ من الْبَصْرَة

وَمثله مَا يجْرِي فِي الْكتب نَحْو من عبد الله إِلَى زيد إِنَّمَا الْمَعْنى أَن ابْتِدَاء الْكتاب من عبد الله وَكَذَلِكَ أخذت مِنْهُ درهما وَسمعت مِنْهُ حَدِيثا أَي هُوَ أول الحَدِيث وَأول مخرج الدِّرْهَم

وَأما الَّتِي تقع للتَّبْعِيض فنحو قَوْلك أخذت مَال زيد فَيَقَع هَذَا الْكَلَام على الْجَمِيع فَإِن قلت أخذت من مَاله وأكلت من طَعَامه أَو لبست من ثِيَابه دلّت من على الْبَعْض

وَأما الزَّائِدَة الَّتِي دُخُولهَا فِي الْكَلَام كسقوطها فقولك مَا جَاءَنِي من أحد وَمَا كلمت من أحد

وكقول الله عز وَجل {أَن ينزل عَلَيْكُم من خير من ربكُم} إِنَّمَا هُوَ خير وَلكنهَا توكيد وَمثل ذَلِك قَول الشَّاعِر

(جَزَيْتُكِ ضِعْفَ الوُدِّ لما اسْتَثبْتِهِ ... وَمَا إِنْ جزاكِ الضِّعْفَ مِنْ أَحَد قَبْلي)

فَهَذَا مَوضِع زيادتها إِلَّا أَنَّك دللت فِيهِ على أَنه للنكرات دون المعارف أَلا ترى أَنَّك تَقول مَا جَاءَنِي من رجل وَلَا تَقول مَا جَاءَنِي من زيد لِأَن رجلا فِي مَوضِع الْجَمِيع وَلَا يَقع الْمَعْرُوف هَذَا الْموقع لِأَنَّهُ شئ قد عَرفته بِعَيْنِه

أَلا ترى أَنَّك تَقول عشرُون درهما وَلَا تَقول عشرُون الدِّرْهَم لِأَن درهما فِي مَوضِع جَمِيع إِنَّمَا تُرِيدُ بِهِ من الدَّرَاهِم

وَكَذَلِكَ هَذَا أول رجل جَاءَنِي إِنَّمَا هُوَ أول الرِّجَال إِذا عدوا رجلا رجلا وكل رجل يَأْتِيك فَلهُ دِرْهَم فَهَذَا مَوضِع هَذَا

وَأما قَوْلهم أهلك النَّاس الدِّينَار وَالدِّرْهَم وَذهب النَّاس بالشاء وَالْبَعِير فَلَيْسَ من هَذَا الْبَاب إِنَّمَا هُوَ تَعْرِيف الْجِنْس أَلا ترى أَن الرجل يعطيك دِينَارا وَاحِدًا فَتَقول أَنا لَا أقبل مِنْك الدَّنَانِير

وَكَذَلِكَ لَو أَعْطَاك ثوبا قلت فلَان يبرني بالثياب إِنَّمَا تُرِيدُ الْوَاحِد من هَذَا الْجِنْس الْمَعْرُوف

وَنَظِير قَوْلك أهلك النَّاس الدِّينَار وَالدِّرْهَم وَأَنت تُرِيدُ الْجَمِيع قَول الله عز وَجل {إِن الْإِنْسَان لفي خسر} فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ وَالله أعلم النَّاس أَلا ترَاهُ قَالَ {إِلَّا الَّذين آمنُوا} وَلَا يسْتَثْنى من الشَّيْء إِلَّا بعضه

وَأما إِلَى فَإِنَّمَا هِيَ للمنتهى أَلا ترى أَنَّك تَقول ذهبت إِلَى زيد وسرت إِلَى عبد الله ووكلتك إِلَى الله

وَحَتَّى مثلهَا وَلَكِن تركنَا ذكرهَا هَا هُنَا لنفرد لَهَا بَابا

وَأما فِي فَإِنَّمَا هِيَ للوعاء نَحْو زيد فِي الدَّار واللص فِي الْحَبْس فَهَذَا أَصله

وَقد يَتَّسِع القَوْل فِي هَذِه الْحُرُوف وَإِن كَانَ مَا بدأنا بِهِ الأَصْل نَحْو قَوْلك زيد ينظر فِي الْعلم فصيرت الْعلم بِمَنْزِلَة المتضمن وَإِنَّمَا هَذَا كَقَوْلِك قد دخل عبد الله فِي الْعلم وَخرج مِمَّا يملك

وَمثل ذَلِك فِي يَد زيد الضَّيْعَة النفيسة وَإِنَّمَا قيل ذَلِك لِأَن مَا كَانَ محيطا بِهِ ملكه بِمَنْزِلَة مَا أحيطت بِهِ يَده

وَرب مَعْنَاهَا الشَّيْء يَقع قَلِيلا وَلَا يكون ذَلِك الشَّيْء إِلَّا منكورا لِأَنَّهُ وَاحِد يدل على أَكثر مِنْهُ كَمَا وصفت لَك وَلَا تكون رب إِلَّا فِي أول الْكَلَام لدُخُول هَذَا الْمَعْنى فِيهَا

وَذَلِكَ قَوْلك رب رجل قد جَاءَنِي وَرب إِنْسَان خير مِنْك

وَأما الْكَاف الزَّائِدَة فمعناها التَّشْبِيه نَحْو عبد الله كزيد وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مثل زيد وَمَا أَنْت كخالد

فَلذَلِك إِذا اضْطر الشَّاعِر جعلهَا بِمَنْزِلَة مثل وَأدْخل عَلَيْهَا الْحُرُوف كَمَا تدخل على الْأَسْمَاء فَمن ذَلِك قَوْله

(وصالياتٍ كَكَما يُؤَثْفَيْنْ ... )

فَدخلت الْكَاف على الْكَاف كَمَا تدخل على مثل فِي قَوْله عز وَجل {لَيْسَ كمثله شَيْء} وَقَالَ الآخر (فَصُيِّرُوا مِثْلَ كَعَصْفٍ مَأْكُولْ ... )

وَوَقعت فاعلة ومفعولة على هَذَا الْمَعْنى وَذَلِكَ قَوْله

(أَتَنْتَهُونَ ولَنْ يَنْهَى ذَوِي شَطَط ... كالطَّعْنِ يَذْهَبُ فِيهِ الزَّيْتُ والفُتُلُ)

فالكاف هَا هُنَا فِي معنى مثل إِنَّمَا أَرَادَ شَيْء مثل الطعْن وَقَالَ الأخطل

(قَلِيلُ غِرارِ النَّوْمِ حَتَّى تَقَلَّصُوا ... عَلى كالقَطَا الجُونِّى أَفْزَعَها الزَّجْرُ)

أَرَادَ مثل القطا

وَأما الْبَاء فَمَعْنَاه الإلصاق بالشَّيْء وَذَلِكَ قَوْلك مَرَرْت بزيد فالباء ألصقت مرورك بزيد وَكَذَلِكَ لصقت بِهِ وأشمت النَّاس بِهِ ومنذ فِي الْأَيَّام والليالي لابتداء الغايات بِمَنْزِلَة من فِي سَائِر الْأَسْمَاء وَذَلِكَ قَوْلك لم أره مُنْذُ يَوْمَيْنِ فالغاية فِي الرُّؤْيَة مِمَّا يَلِي أول الْيَوْمَيْنِ

وَاللَّام الزَّائِدَة مَعْنَاهَا الْملك وَالتَّحْقِيق

وَأما الْأَسْمَاء المضافة إِلَى الْأَسْمَاء بأنفسها فَتدخل على معنى اللَّام وَذَلِكَ قَوْلك المَال لزيد كَقَوْلِك مَال زيد وكمل تَقول هَذَا أَخ لزيد وجار لزيد وَصَاحب لَهُ فَهَذَا بِمَنْزِلَة قَوْله جَاره وَصَاحبه

فَلَا فصل بَينهمَا إِلَّا أَن اللَّام إِذا حَالَتْ بَين الاسمين لم يكن الأول معرفَة بِالثَّانِي من أجل الْحَائِل

فَإِذا أضفت الِاسْم إِلَى الِاسْم بعده بِغَيْر حرف كَانَ الأول نكرَة وَمَعْرِفَة بِالَّذِي بعده

فَإِذا أضفت اسْما مُفردا إِلَى اسْم مثله مُفْرد أَو مُضَاف صَار الثَّانِي من تَمام الأول وصارا جَمِيعًا اسْما وَاحِدًا وانجر الآخر بِإِضَافَة الأول إِلَيْهِ وَذَلِكَ قَوْلك هَذَا عبد الله وَهَذَا غُلَام زيد وَصَاحب عَمْرو

وَلَا تدخل فِي الأول ألفا وَلَا لاما وتحذف مِنْهُ التَّنْوِين

وَذَلِكَ أَن التَّنْوِين زَائِد فِي الِاسْم وَكَذَلِكَ الْإِضَافَة وَالْألف وَاللَّام فَلَا يحْتَمل الِاسْم زيادتين

أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا غُلَام فَاعْلَم فَإِن زَادَت الْألف وَاللَّام قلت هَذَا الْغُلَام يَا فَتى وَكَذَلِكَ إِن أدخلت الْإِضَافَة قلت هَذَا غُلَام زيد وَهَذِه ثَلَاثَة دَرَاهِم

فَإِن أردْت تَعْرِيف الأول عرفت الثَّانِي لِأَنَّهُ إِنَّمَا يكون الأول معرفَة بِمَا أضفته إِلَيْهِ أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا غُلَام رجل فَيكون نكرَة فَإِذا أردْت تَعْرِيفه قلت هَذَا غُلَام الرجل وَهَذَا صَاحب المَال

وَكَذَلِكَ هَذِه ثَلَاثَة الأثواب وَخَمْسَة الدَّرَاهِم وَمثل ذَلِك قَول الشَّاعِر

(وهَلْ يَرْجِعُ التسلِيمَ أَوْ يَدْفَعُ البُكا ... ثَلاثُ الأَثَافي والديارُ البَلاقِعُ)

ٍ فَإِذا ثنيت الْوَاحِد ثمَّ أردْت إِضَافَته حذفت النُّون من الِاثْنَيْنِ النُّون وَالْألف وَاللَّام فَقلت هَذَانِ غُلَاما زيد وصاحبا عَمْرو وحذفت الْألف وَاللَّام وَالنُّون كَمَا فعلت فِي الْوَاحِد وَكَذَلِكَ الْجمع نَحْو هَؤُلَاءِ مسلمو زيد وصالحو قَومهمْ

فَإِن كَانَ الِاسْم الَّذِي تضيفه مشتقا من الْفِعْل عَاملا فِيمَا بعده فَإِن الثَّانِي يدْخل فِي صلَة الأول وَذَلِكَ قَوْلك هَذَا ضَارب زيد وَهَذَانِ ضَارِبًا زيد وَهَؤُلَاء ضاربو زيد

فَإِن أدخلت الْألف وَاللَّام فِي الأول فَهُوَ الْجيد لِأَن مَعْنَاهَا معنى الَّذِي فَلذَلِك دخلتا

فَإِذا قلت فِي الْوَاحِد هَذَا الضَّارِب زيدا وَهُوَ الْقَاتِل الرجل فَمَعْنَاه الَّذِي ضرب زيدا وَالَّذِي قتل الرجل فتنصب مَا بعده لِأَن فِيهِ معنى الْفِعْل وَلَا معنى للأسماء غير المشتقة فِي ذَلِك

أَلا ترى أَنَّك لَو قلت هَذَا الْغُلَام زيدا كَانَ محالا

فَإِن ثنيت الِاسْم الْمُشْتَقّ من الْفِعْل لم تعاقب الْإِضَافَة الْألف وَاللَّام كَمَا لَا تعاقبها النُّون وَلَكِن تكون الْإِضَافَة معاقبة للنون وَذَلِكَ قَوْلك هَذَانِ الضاربان فَتثبت النُّون مَعَ الْألف وَاللَّام لِأَنَّهَا أقوى من التَّنْوِين وَذَلِكَ أَنَّهَا بدل من التَّنْوِين وَالْحَرَكَة فِي الْوَاحِد كَمَا قلت هَذَانِ الغلامان وَتقول هَذَانِ الضاربان زيدا والشاتمان عمرا والمكرمون أَخَاك والنازلون دَارك وَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {والمقيمين الصَّلَاة والمؤتون الزَّكَاة} وَقَالَ الْقطَامِي

(الضَّارِبُونَ عُمَيْراً عَنْ دِيارِهِمُ ... بالتَّلِّ يَوْمَ عُمَيْرٌ ظَالِمٌ عادِي)

فَإِذا أسقطت النُّون أضفت وجررت فَقلت هم الضاربو زيد وهما الشاتما عَمْرو كَمَا قَالَ الشَّاعِر

(الفَارِجُو بَابِ الأَمَيرِ المُبْهَمِ ... )

وَقَالَ الْأنْصَارِيّ وَأنْشد هَذَا الْبَيْت مَنْصُوبًا عَنهُ وَهُوَ

(الحافِظُو عَوْرَةَ العَشِيرَةِ لَا ... يَأْتِيهِمُ مِنْ وَرَائِنا نطَفُ)

فَهَذَا لم يرد الْإِضَافَة فَحذف النُّون بِغَيْر معنى فِيهِ وَلَو أَرَادَ غير ذَلِك لَكَانَ غير الْجَرّ خطأ وَلكنه حذف النُّون لطول الِاسْم إِذْ صَار مَا بعد الِاسْم صلَة لَهُ وَالدَّلِيل على ذَلِك حذفهم النُّون مِمَّا لم يشتق من فعل وَلَا تجوز فِيهِ الْإِضَافَة فيحذفون لطول الصِّلَة فَمن ذَلِك قَول الأخطل

(أَبَنِي كُلَيْبٍ إِنَّ عَمَّيَّ اللَّذَا ... قَتَلا المُلُوكَ وفكَّكَا الأَغْلالا)

فَحذف النُّون من الَّذين وَقَالَ الْأَشْهب بن رميلة

(إِنَّ الذِي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِماؤُهُمْ ... هُمُ القومُ كلُّ القَوْمِ يَا أُمَّ خَالِدِ)

فَإِن قَالَ قَائِل مَا بالك لَا تَقول فِي الِاسْم غير الْمُشْتَقّ إِذا ثنيته أَو جمعته بِالْإِضَافَة مَعَ الْألف وَاللَّام فَتَقول هما الغلاما زيد كَمَا تَقول هما الضاربا زيد؟ قيل لَهُ إِنَّمَا يَقع الْحَذف فِي الْمُشْتَقّ لِأَنَّهُ يجوز أَن تَقول هما الضاربان زيدا والضاربون عمرا وَلَا يكون هَذَا فِي الْغُلَام إِذا ثنيته فَلَمَّا كَفَفْت النُّون عاقبها مَا كَانَ مُسْتَعْملا بعْدهَا

وَمَا لم يشتق من الْفِعْل لَا معنى للاسم الثَّانِي بعد النُّون فِيهِ

أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول هَذَانِ الغلامان زيدا وَلَا هَؤُلَاءِ الصاحبون مُحَمَّدًا

هَذَا بَاب اسْم الْفَاعِل الَّذِي مَعَ الْفِعْل الْمُضَارع

وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك هَذَا ضَارب زيدا فَهَذَا الِاسْم إِن أردْت بِهِ معنى مَا مضى فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك غُلَام زيد

تَقول هَذَا ضَارب زيد أمس وهما ضَارِبًا زيد وهم ضاربو عبد الله وَهن ضاربات أَخِيك كل ذَلِك إِذا أردْت بِهِ معنى الْمَاضِي لم يجز فِيهِ إِلَّا هَذَا لِأَنَّهُ اسْم بِمَنْزِلَة قَوْلك غُلَام زيد وأخو عبد الله

أَلا ترى أَنَّك لَو قلت هَذَا غُلَام زيدا كَانَ محالا

فَكَذَلِك اسْم الْفَاعِل إِذا كَانَ مَاضِيا لَا تنونه لِأَنَّهُ اسْم وَلَيْسَت فِيهِ مضارعة الْفِعْل

وَلَا يجوز أَن تدخل عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام وتضيفه كَمَا لم يجز ذَلِك فِي الْغُلَام فَهُوَ كالأسماء الَّتِي لَا معنى للْفِعْل فِيهَا

وَتقول هَؤُلَاءِ حواج بَيت الله أمس ومررت بِرَجُل ضارباه الزيدان ومررت بِقوم ملازموهم إِخْوَتهم فتثني وَتجمع لِأَنَّهُ اسْم كَمَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل أَخَوَاهُ الزيدان وَأَصْحَابه إخْوَتك فَإِن جعلت اسْم الْفَاعِل فِي معنى مَا أَنْت فِيهِ وَلم يَنْقَطِع أَو مَا تَفْعَلهُ بعد وَلم يَقع جرى مجْرى الْفِعْل الْمُضَارع فِي عمله وَتَقْدِيره لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَذَلِكَ قَوْلك زيد أكل طَعَامك السَّاعَة إِذا كَانَ فِي حَال أكل وَزيد آكل طَعَاما غَدا كَمَا تَقول زيد يَأْكُل السَّاعَة إِذا كَانَ فِي حَال أكل وَزيد يَأْكُل غَدا

وَتقول على هَذَا أَخَوَاك آكلان طَعَاما وقومك ضاربون زيدا وأخواتك ضاربات عمرا

وَتقول مَرَرْت بِرَجُل ضَارب زيدا فتصفه بِهِ لِأَنَّهُ نكرَة مثله كَمَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل يضْرب زيدا

وَلَو قلت ذَلِك فِي اسْم الْفَاعِل إِذا أردْت مَا مضى لم يَقع ذَا الْموقع وَذَلِكَ أَنَّك لَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل ضَارب زيد إِلَّا على الْبَدَل كَمَا لَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل غُلَام زيد

وَتقول مَرَرْت بزيد ضَارِبًا عمرا إِذا أردْت الَّتِي تجرى مجْرى الْفِعْل فَإِن أردْت الْأُخْرَى قلت مَرَرْت بزيد ضَارب عَمْرو كَمَا تَقول مَرَرْت بزيد غُلَام عَمْرو

وَاعْلَم أَنه قد يجوز لَك أَن تحذف النُّون والتنوين من الَّتِي تجْرِي مجْرى الْفِعْل وَلَا يكون الِاسْم إِلَّا نكرَة وَإِن كَانَا مُضَافا إِلَى معرفَة لِأَنَّك إِنَّمَا تحذف النُّون اسْتِخْفَافًا فَلَمَّا ذهب النُّون عَاقبَتهَا الْإِضَافَة وَالْمعْنَى معنى ثبات النُّون فَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} فَلَو لم ترد التَّنْوِين لم يكن صفة لهدي وَهُوَ نكرَة وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {هَذَا عَارض مُمْطِرنَا} و {ثَانِي عطفه} لِأَنَّهُ نصب على الْحَال وَلَا تكون الْحَال إِلَّا نكرَة

وَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {إِنَّا مرسلو النَّاقة} فَإِنَّمَا هَذَا حِكَايَة قَول الله عز وَجل قبل إرسالها

وَكَذَلِكَ {إِلَّا آتِي الرَّحْمَن عبدا} و {كل نفس ذائقة الْمَوْت} وَمن نون قَالَ {آتٍ الرَّحْمَن عبدا} و {ذائقة الْمَوْت} كَمَا قَالَ عز وَجل {وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام} وَهَذَا هُوَ الأَصْل وَذَاكَ أخف وَأكْثر إِذْ لم يكن ناقضاً لِمَعْنى وَكِلَاهُمَا فِي الْجَوْدَة سَوَاء قَالَ جرير

(يَا رُبَّ غَابِطِنَا لَوْ كانَ يَطْلُبُكُمْ ... لاَقَى مُباعَدةً مِنْكُمْ وَحِرْمانا)

فَرب لَا تقع إِلَّا على نكرَة وَإِنَّمَا حذف التَّنْوِين اسْتِخْفَافًا وَهُوَ يُرِيد رب غابط لنا وَمثله (هَلْ أنْتَ بَاعِثُ دِينارٍ لحاجَتِنا ... أَوْ عبدَ ربٍّ أَخَا عَوْنِ بنِ مِخْراقِ)

أَرَادَ باعث دِينَارا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَفْهِمهُ عَمَّا سيقع

وَنصب الثَّانِي لِأَنَّهُ أعمل فِيهِ الْفِعْل كَأَنَّهُ قَالَ أَو باعث عبد رب وَلَو جَرّه على مَا قبله كَانَ عَرَبيا جيدا مثل النصب

وَذَلِكَ لِأَن من شَأْنهمْ أَن يحملوا الْمَعْطُوف على مَا عطف عَلَيْهِ نَحْو هَذَا ضَارب زيد وَعَمْرو غَدا وينصبون عمرا إِلَّا أَن الثَّانِي كلما تبَاعد من الأول قوي النصب واختير نَحْو قَوْلك هَذَا معطي زيد الدَّرَاهِم وعمرا الدَّنَانِير والجر جيد بَالغ

وَلَو قلت هَذَا معطي زيد الْيَوْم الدَّرَاهِم وَغدا عمرا الدَّنَانِير لم يصلح فِي عَمْرو إِلَّا النصب لِأَنَّك لم تعطف الِاسْم على مَا قبله وَإِنَّمَا أوقعت الْعَطف على الظّرْف فَلم يقو الْجَرّ

أَلا ترى أَنَّك تَقول مَرَرْت بزيد وَعَمْرو وَلَا تَقول مَرَرْت أمس بزيد وَالْيَوْم عَمْرو فَإِذا أعملته عمل الْفِعْل جَازَ لِأَن الناصب ينصب مَا تبَاعد مِنْهُ أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا ضَارب الْيَوْم زيدا وَغدا عمرا كَمَا تَقول هَذَا يضْرب الْيَوْم زيدا وَغدا عمرا

وَكَذَلِكَ تَقول هَذَا ضاربك وزيدا غَدا لما لم يجز أَن تعطف الظَّاهِر على الْمُضمر الْمَجْرُور حَملته على الْفِعْل كَقَوْل الله عز وَجل {إِنَّا منجوك وَأهْلك} كَأَنَّهُ قَالَ ومنجون أهلك وَلم تعطف على الْكَاف المجررة

وَمِمَّا تنشده الْعَرَب نصبا وجرا لاشتمال الْمَعْنى عَلَيْهِمَا جَمِيعًا قَول لبيد

(فإِنْ لمْ تَجِدْ مِنْ دُونِ عَدْنَانَ والِدًا ... ودُونَ معدٍّ فَلْتَزَعْكَ العَوَاذِلُ)

ينصبون دون ويجرونها وَقَالَ الفرزدق

(قُعُودٌ لَدَى الأَبْوابِ طُلاَّبُ حَاجَة ... عوانٍ مِن الحاجَاتِ أَوْ حَاجَةً بِكْرًا) وَقَالَ جرير

(جِيئُو بِمِثْلِ بني بَدْرٍ لِقَومِهِمُ ... أَوْ مِثْلَ أُسْرَةِ منْظورِ بنِ سَيَّارِ)

يجرونَ مثل وينصبونها فَمن جر فعلى الأول وَمن نصب فعلى أَو هاتوا مثل أسرة لِأَن هَذَا إِذا أضمر لم يخرج من معنى الأول وَمن قَالَ هَذَا قَالَ خشنت بصدرك وَصدر زيد على الْموضع وعَلى نَحْو من هَذَا أَجَازُوا مَرَرْت بزيد وعمرا لِأَن مَعْنَاهَا أتيت فَحَمله على الْمَعْنى إِذْ كَانَ قَوْلك بزيد بعد مَرَرْت فِي مَوضِع نصب وَقَالَ الشَّاعِر

(أَلاَ حَىَّ نَدْمَانِي عُمَيْرَ بْنَ عَامِرٍ ... إِذَا مَا تَلاقَيْنَا مِنَ اليَوْمِ أَوْ غَدا)

كَأَنَّهُ قَالَ أَو تلاقينا غَدا

وَاعْلَم أَن اسْم الْفَاعِل إِذا كَانَ لما مضى فَقلت هَذَا ضَارب زيد أمس وَعَمْرو وَهَذَا معطي الدَّرَاهِم أمس وَعَمْرو جَازَ لَك أَن تنصب عمرا على الْمَعْنى لبعده من الْجَار فكأنك قلت وَأعْطى عمرا فَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {وجاعل اللَّيْل سكنا وَالشَّمْس وَالْقَمَر حسبانا} على معنى وَجعل فنصب

هَذَا بَاب من مسَائِل الْفَاعِل

تَقول مَرَرْت بِرَجُل قَائِم أَبوهُ فَترفع الْأَب بِفِعْلِهِ وتجري قَائِما على رجل لِأَنَّهُ نكرَة وَصفته بنكرة فَصَارَ كَقَوْلِك مَرَرْت بِرَجُل يقوم أَبوهُ

فَإِن قَالَ قَائِل قد علمنَا أَن الْقيام للْأَب فَكيف يجوز أَن يجْرِي على رجل

قيل لَهُ لِأَن قَوْلك قَائِم أَبوهُ إِنَّمَا هُوَ صفة للرجل فِي الْحَقِيقَة

أَلا ترى أَنَّك قد حليت الرجل بِقِيَام أَبِيه كَمَا تحليه بِفِعْلِهِ وفصلت بِهَذِهِ الصّفة بَينه وَبَين رجل لم يقم أَبوهُ كَمَا أَنَّك إِذا قلت مَرَرْت بِرَجُل قَائِم فصلت بَينه وَبَين من لم يقم وَلَو قلت مَرَرْت بِرَجُل قَائِم أَبوهُ تُرِيدُ بقائم التَّأْخِير كَأَنَّك قلت مَرَرْت بِرَجُل أَبوهُ قَائِم ثمَّ قدمت على هَذِه الْجِهَة كَانَ جيدا وَكنت تَقول على هَذَا الشَّرْط مَرَرْت بِرَجُل قائمان أَبَوَاهُ لِأَنَّك تُرِيدُ أَبَوَاهُ قائمان

وعَلى القَوْل الأول وَهُوَ الأجود مَرَرْت بِرَجُل قَائِم أَبَوَاهُ وقائم آباؤه لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْفِعْل الْمُقدم

وَتقول مَرَرْت بزيد ضَارِبًا عمرا أَخَوَاهُ ومررت بجاريتك قَائِما إِلَيْهَا أَبَوَاك وَهَذَا رجل ملازمه إخْوَته أردْت ملازم لَهُ إخْوَته فطرحت التَّنْوِين اسْتِخْفَافًا على مَا وصفت لَك فِي الَّذِي قبله وَتقول زيدا عَمْرو ضَارب كَمَا تَقول زيدا عَمْرو يضْرب

وَلَو قلت زيدا عَمْرو الضَّارِب لم يجز لِأَن الْفِعْل صَار فِي الصِّلَة

وَلَو قلت عبد الله جاريتك أَبوهَا ضَارب كَانَ بَين النَّحْوِيين فِيهَا اخْتِلَاف وَذَلِكَ أَن بَعضهم يَقُول إِذا قلت عبد الله زيد ضَارب فَإِنَّمَا نصبت عبد الله بضارب الَّذِي هُوَ خبر زيد فكأنك قلت زيد يضْرب عبد الله وَزيد ضَارب عبد الله

فَإِذا قلت عبد الله جاريتك أَبوهَا ضَارب فالجارية ابْتِدَاء وأبوها ابْتِدَاء ثَان وضارب خبر أَبِيهَا وهما جَمِيعًا خبر الْجَارِيَة فقد تبَاعد آخر الْكَلَام من أَوله

وَلَيْسَ مَا قَالُوا فِي كَرَاهِيَة النصب بِشَيْء وَذَاكَ لِأَن ضَارِبًا يجْرِي مجْرى الْفِعْل فِي جَمِيع أَحْوَاله من الْعَمَل فالتقديم وَالتَّأْخِير فِي الْفِعْل وَمَا كَانَ خَبرا للْأولِ مُفردا أَو مَعَ غَيره فمجراهما وَاحِد

وَإِنَّمَا يكره الْفَصْل بَين الْعَامِل والمعمول فِيهِ بِمَا لَيْسَ مِنْهُ نَحْو قَوْلك كَانَت زيدا الْحمى تَأْخُذ فتنصب زيدا بتأخذ وَتَأْخُذ خبر كَانَ وتفصل بزيد بَين اسْم كَانَ وخبرها وَلَيْسَ زيد لَهَا باسم وَلَا خبر فَهَذَا الَّذِي لَا يجوز

أَو يكون الْعَامِل غير متصرف فَلَا يجْرِي مجْرى الْفِعْل نَحْو عِنْدِي عشرُون الْيَوْم درهما وَإِن منطلق زيدا وزيدا إِن منطلق فَهَذَا الَّذِي لَا يجوز

فَأَما إِذا كَانَ الْعَامِل متصرفا وَلم تفصل بَينه وَبَين الْمَعْمُول فِيهِ بِشَيْء لَيْسَ مِنْهُ وَلَا بِسَبَبِهِ فعمله فِيهِ كعمله إِذا وليه وَقد فسرنا مثل هَذَا فِيمَا مضى وَمثل ذَلِك من المصادر أعجبني الْيَوْم ضرب زيدا عمرا إِن جعلت الْيَوْم نصبا بأعجبني فَهُوَ جيد

وَإِن نصبته بِالضَّرْبِ كَانَ محالا وَذَلِكَ لِأَن الضَّرْب فِي معنى أَن فعل وَأَن يفعل فمحال أَن ينصب مَا قبله لِأَن مَا بعده فِي صلته وَلَا يعْمل إِلَّا فِيمَا كَانَ من تَمَامه فَيصير بعض الِاسْم وَلَا يقدم بعض الِاسْم على أَوله

فَإِن لم يكن فِي معنى أَن وصلتها أعملته عمل الْفِعْل إِذْ كَانَ نكرَة مثله فَقدمت فِيهِ وأخرت وَذَلِكَ قَوْلك ضربا زيدا وَإِن شِئْت قلت زيدا ضربا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي معنى أَن إِنَّمَا هُوَ أَمر

فقولك ضربا زيدا ينْتَصب بِالْأَمر كَأَنَّك قلت اضْرِب إِلَّا أَنه صَار بَدَلا من الْفِعْل لما حذفته

أَلا ترى أَن قَوْلك سقيا بِمَنْزِلَة سقاك الله ومرحبا بدل من قَوْلك رَحبَتْ بلادك فعلى هَذَا يجْرِي مَا وصفت لَك فِي الإعمال والتقديم وَالتَّأْخِير

هَذَا بَاب الصّفة المشبهة بالفاعل فِيمَا يعْمل فِيهِ

وَإِنَّمَا تعْمل فِيمَا كَانَ من سَببهَا وَذَلِكَ كَقَوْلِك هَذَا حسن الْوَجْه وَكثير المَال

اعْلَم أَن هَذِه الصّفة إِنَّمَا حَدهَا أَن تَقول هَذَا رجل حسن وَجهه وَكثير مَاله فَترفع مَا بعد حسن وَكثير بفعلهما لِأَن الْحسن إِنَّمَا هُوَ للْوَجْه وَالْكَثْرَة إِنَّمَا هِيَ لِلْمَالِ فَهَذَا بِمَنْزِلَة قَوْلك هَذَا رجل قَائِم أَبوهُ وقاعد أَخُوهُ وَيجوز أَن تَقول هَذَا رجل حسن الْوَجْه فَالْوَجْه لم يَجْعَل حسنا معرفَة وَإِن كَانَ مُضَافا إِلَيْهِ وَذَلِكَ لِأَن التَّنْوِين هُوَ الأَصْل وَمعنى هَذِه الْإِضَافَة الِانْفِصَال كَمَا كَانَ ذَلِك فِي قَوْله {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} و {هَذَا عَارض مُمْطِرنَا} لما كَانَ التَّقْدِير إِنَّمَا هُوَ التَّنْوِين ثَبت الِاسْم نكرَة وَصَارَ بِمَنْزِلَة مَا لَفَظُوا بتنوين

فَيجوز فِي هَذَا أوجه مِنْهَا الأَصْل نَحْو حسن وَجهه وَحسن الْوَجْه وَحسن وَجه وَحسن وَجها وَحسن الْوَجْه كل ذَلِك جَائِز وَمَعْنَاهُ وَاحِد فِي نكرته وأجود ذَلِك إِذا لم تقل حسن وَجهه حسن الْوَجْه وَذَلِكَ لِأَن وَجهه كَانَ معرفَة وَهُوَ الأَصْل فَكَانَ الْأَحْسَن أَن يوضع فِي مَوْضِعه معرفَة مثله

لَا تعرف الأول كَمَا كَانَ ذَلِك فِي وَجهه وَأَنه لَو عرفه لم يكن الأول معرفَة وَإِنَّمَا صَار وَجهه معرفَة لِأَنَّهُ علم وَأَنه لَا يَعْنِي من الْوُجُوه إِلَّا وَجهه

وَأما حسن الْوَجْه فَإِنَّهُ أخف فِي اللَّفْظ فحذفوا الْألف وَاللَّام تَخْفِيفًا فَمن ذَلِك قَوْلهم هُوَ حَدِيث عهد بالوجع وَأنْشد

(لاَحِقِ بَطْنٍ بِقَراً سَمِيْنِ) الأَصْل لَا حق بَطْنه وَقَالَ الآخر

(وَلَا سَيِّئ زِيٍّ إِذا مَا تَلَبَّسُوا ... إِلَى حاجةِ يَوْماً مُخَيَّسَةً بُزْلاً)

وَإِنَّمَا جَازَ حذف الْألف وَاللَّام لعلم السَّامع أَنَّك لَا تَعْنِي إِلَّا وَجهه وَأَن الأول لَا يكون بِهِ معرفَة أبدا وَمن قَالَ هُوَ حسن وَجها قَالَ هُوَ الْحسن الْوَجْه يَا فَتى وهما الحسنان الْوُجُوه فنصب لِأَنَّهُ أضمر الْفَاعِل فِي الأول فَجعل الثَّانِي بِمَنْزِلَة الْمَفْعُول بِهِ فَصَارَ كَقَوْلِك الضَّارِب الرجل وَالْقَائِل الْحق وَقَالَ الْحَارِث بن ظَالِم

(فَمَا قَوْمِي بِثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ ... وَلَا بِفَزَارَةَ الشُّعْرَى رِقَاباً)

ويروى الشّعْر الرقابا فَمن قَالَ ذَا يُشبههُ بالضارب الرجل

وَمن قَالَ الضَّارِب الرجل يَقُول تَشْبِيها بالْحسنِ الْوَجْه وَلَا يجوز الضَّارِب زيد كَمَا لَا تَقول الْحسن وَجه

وَإِنَّمَا يجوز إِذا كَانَ فِي الثَّانِي ألف وَلَام وَذَلِكَ لِأَنَّك تَقول هَذَا حسن الْوَجْه فَيكون نكرَة فَإِذا أردْت تعرفه أدخلت فِي الْحسن الْألف وَاللَّام وَلم تعاقبا الْإِضَافَة إِذْ كَانَت الْإِضَافَة هَا هُنَا على خلاف الْمُضَاف لِأَن هَا هُنَا نِيَّة التَّنْوِين فَلذَلِك لم تعرف الأول وَكَانَ كَقَوْلِك الْحسن وَجهه

فَإِذا قلت هُوَ الْحسن وَجها وَالطّيب خَبرا والحسان وُجُوهًا لم يكن إِلَّا النصب لِأَنَّك أبهمت الْحسن وأضمرت فِي الْحسن الْفَاعِل فانتصب مَا بعده لِأَنَّهُ تَمْيِيز إِذا كَانَ نكرَة ويستقيم أَن يكون انتصابه وَهُوَ نكرَة كانتصابه إِذا كَانَت الْألف وَاللَّام على التَّشْبِيه بالمفعول بِهِ وَذَلِكَ قَوْلك هُوَ الْحسن الْوَجْه كَمَا تَقول هُوَ الضَّارِب الرجل

أَلا ترى أَن الْحسن يجْرِي على مَا قبله مؤنثا كَانَ أَو مذكرا كَمَا يجْرِي الْفَاعِل فَتَقول مَرَرْت بِامْرَأَة حَسَنَة الْوَجْه ومررت بأخويك الحسنين الْوُجُوه فعلى هَذَا تميز إِذا حذفت الْألف وَاللَّام فَقلت مَرَرْت بأخويك الحسنين وُجُوهًا كَمَا قَالَ الله عز وَجل {هَل ننبئكم بالأخسرين أعمالا}

وَقَالَ رؤبة

(الحَزْنُ بَابا والعقُورُ كَلْباً)

فَهَذِهِ الْأَوْجه عَرَبِيَّة جَيِّدَة وَبَيت الْأَعْشَى ينشد جرا (الواهِبُ المائِةِ الهِجانِ وعبْدِها ... عُوذًا تَزَجِّى خَلْفَها أَطْفَالَها) فَإِن قَالَ قَائِل مَا بالك جررت عَبدهَا وَإِنَّمَا يُضَاف فِي هَذَا الْبَاب إِلَى مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام تَشْبِيها بالْحسنِ الْوَجْه وَأَنت لَا يجوز لَك أَن تَقول الْوَاهِب الْمِائَة والواهب عَبدهَا

فَإِنَّمَا جَازَ هَذَا فِي الْمَعْطُوف على تَقْدِير واهب عَبدهَا كَمَا جَازَ رب رجل وأخيه وَأَنت لَا تَقول رب أَخِيه وَلكنه على تَقْدِير وَأَخ لَهُ

وَمثل ذَلِك كل شَاة وسخلتها بدرهم وَأَنت لَا تَقول كل سخلتها وَلكنه على التَّقْدِير الَّذِي خبرتك بِهِ وأخرت الِاحْتِجَاج عَنهُ لنذكره فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله

وَاعْلَم أَن هَذِه الصّفة لَا يجوز أَن يتقدمها مفعولها وَذَلِكَ أَنَّهَا لَيست كالفاعل فِي الْحَقِيقَة

أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت زيد ضَارب عمرا وزيدا ضَارب عَمْرو وزيدا عَمْرو ضَارب أَن الثَّانِي عمل فِي الأول وَأَن ضَارِبًا صَار بِمَنْزِلَة يضْرب فِي الْمَعْنى

وَلَو قلت زيد الْحسن وَجها أَو الْحسن الْوَجْه لم يكن الْحسن عمل فِي الْوَجْه شَيْئا وَإِنَّمَا الْحسن فِي الْمَعْنى للْوَجْه فَمن ثمَّ لم يجز أَن تَقول وَجها زيد حسن وَلَا زيد وَجها حسن

وَلذَلِك لم يجز لهَذِهِ الصّفة أَن تعْمل إِلَّا فِيمَا كَانَ من سَببهَا

أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت زيد حسن وَجه أَو حسن الْوَجْه أَو الْحسن وَجها أَنَّك لَا تَعْنِي من الْوُجُوه إِلَّا وَجهه لِأَنَّهُ فِي الأَصْل زيد حسن وَجهه وَكَذَلِكَ كثير المَال وفاره العَبْد وجيد الدَّار يجرين مجْرى وَاحِدًا لَو قلت عمرا زيد الضَّارِب لم يجز وَلَيْسَ امْتِنَاعه من حَيْثُ امْتنعت الصّفة المشبهة وَلَكِن مَعْنَاهُ زيد الضَّارِب عمرا أَي الَّذِي ضرب عمرا فَلَمَّا قدمت عمرا على هَذِه الصّفة لم يجز لِأَنَّهُ بعض الِاسْم إِذْ كَانَ من صلته فَإِنَّمَا امْتنع من هَذَا الْوَجْه

فَإِن جعلت ضَارِبًا وقائلا وَمَا أشبه ذَلِك بغر ألف وَلَام جَازَ التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير والإظهار والإضمار وَجرى مجْرى يضْرب لما ذكرت لَك من المضارعة

هَذَا بَاب من الْمَفْعُول وَلَكنَّا عزلناه مِمَّا قبله لِأَنَّهُ مفعول فِيهِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه النَّحْوِيين الْحَال

اعْلَم أَنَّك إِذا قلت جَاءَنِي عبد الله وَقصد إِلَى زيد فَخفت أَن يعرف السَّامع اثْنَيْنِ أَو جمَاعَة اسْم كل وَاحِد مِنْهُم عبد الله أَو زيد قلت الطَّوِيل أَو الْعَاقِل أَو الرَّاكِب أَو مَا أشبه ذَلِك من الصِّفَات لتفصل بَين من تَعْنِي وَبَين من خفت أَن يلتبس بِهِ كَأَنَّك قلت جَاءَنِي زيد الْمَعْرُوف بالركوب أَو الْمَعْرُوف بالطول وَكَذَلِكَ جَاءَنِي زيد بن عَمْرو وَزيد النَّازِل مَوضِع كَذَا

فَإِن لم ترد هَذَا وَأَرَدْت الْإِخْبَار عَن الْحَال الَّتِي وَقع فِيهَا مَجِيئه قلت جَاءَنِي زيد رَاكِبًا أَو مَاشِيا فَجئْت بعده بنكرة لَا تكون نعتا لَهُ لِأَنَّهُ معرفَة وَذَلِكَ أَنَّك لم ترد جَاءَنِي زيد الْمَعْرُوف بالركوب وَالْمَشْي فَيكون تحلية بِمَا قد عرف وَإِنَّمَا أردْت مَجِيئه وَقع فِي هَذِه الْحَال

وَكَذَلِكَ رَأَيْت عبد الله جَالِسا ومررت بِعَبْد الله ضَاحِكا خبرت أَن رؤيتك إِيَّاه ومرورك بِهِ وَقعا فِي هَذِه الْحَال مِنْهُ

وَتقول زيد فِي الدَّار قَائِما فتنصب قَائِما بِمَعْنى الْفِعْل الَّذِي وَقع فِي الدَّار لِأَن الْمَعْنى اسْتَقر عبد الله فِي الدَّار وَلذَلِك انتصبت الظروف

أَلا ترى أَنَّك تَقول زيد خَلفك وَزيد دُونك فتنصب الدون وَالْخلف بِفعل زيد كَأَنَّك تَقول اسْتَقر زيد خَلفك وَثَبت دُونك ونفسر هَذَا فِي بَاب الظروف إِن شَاءَ الله فَإِن جعلت فِي الدَّار للْقِيَام وَلم تَجْعَلهُ لزيد قلت زيد فِي الدَّار قَائِم لِأَنَّك إِنَّمَا أردْت زيد قَائِم فِي الدَّار فَجعلت قَائِما خَبرا عَن زيد وَجعلت فِي الدَّار ظرفا لقائم

فَمن قَالَ هَذَا قَالَ إِن زيدا فِي الدَّار قَائِم

وَمن قَالَ الأول قَالَ إِن زيدا فِي الدَّار قَائِما فَيكون فِي الدَّار الْخَبَر ثمَّ خبر على أَيَّة حَال وَقع استقراره فِي الدَّار فَقَالَ قَائِما أَي على هَذِه الْحَال وَلما قَالَ قَائِم إِنَّمَا قَالَ فِي الدَّار ليخبر أَي مَوضِع وَقع قِيَامه

فنظير ذَلِك قَوْله جلّ وَعلا {إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات وعيون آخذين} وَقَوله عز وَجل {إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات ونعيم فاكهين}

وَذَلِكَ أَن قَوْله {فِي جنَّات} خبر إِن فنصب آخذين وفاكهين على الْحَال

وَلَو كَانَ الظّرْف هُوَ الْخَبَر لرفع الْخَبَر كَمَا قَالَ الله عز وَجل {وَفِي النَّار هم خَالدُونَ} لِأَن الْمَعْنى وهم خَالدُونَ فِي النَّار فَإِنَّمَا فِي النَّار ظرف للخلود وَتقول هَذَا زيد رَاكِبًا وَذَاكَ عبد الله قَائِما

فَإِن قَالَ قَائِل مَا الَّذِي ينصب الْحَال وَأَنت لم تذكر فعلا

قيل لَهُ هَذَا إِنَّمَا هُوَ تَنْبِيه كَأَنَّك قلت انتبه لَهُ رَاكِبًا

وَإِذا قلت ذَاك عبد الله قَائِما ذَاك للْإِشَارَة كَأَنَّك قلت أُشير لَك إِلَيْهِ رَاكِبًا فَلَا يجوز أَن يعْمل فِي الْحَال إِلَّا فعل أَو شَيْء فِي معنى الْفِعْل لِأَنَّهَا مفعول فِيهَا

وَفِي كتاب الله جلّ وَعلا {وَهَذَا بعلي شَيخا}

وَلَو قلت زيد أَخُوك قَائِما وَعبد الله أَبوك ضَاحِكا كَانَ غير جَائِز وَذَاكَ أَنه لَيْسَ هَا هُنَا فعل وَلَا معنى فعل وَلَا يَسْتَقِيم أَن يكون أَبَاهُ فِي حَال وَلَا يكون أَبَاهُ فِي حَال أُخْرَى وَلَكِنَّك إِن قلت زيد أَخُوك قَائِما فَأَرَدْت أخوة الصداقة جَازَ لِأَن فِيهِ معنى فعل كَأَنَّك قلت زيد يؤاخيك قَائِما فعلى هَذَا يَسْتَقِيم وَيمْتَنع

وَاعْلَم أَن الْحَال إِذا كَانَ الْعَامِل فِيهَا فعلا صَحِيحا جَازَ فِيهَا كل مَا يجوز فِي الْمَفْعُول بِهِ من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير إِلَّا أَنَّهَا لَا تكون إِلَّا نكرَة

وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك فِيهَا لِأَنَّهُ مفعولة فَكَانَت كَغَيْرِهَا مِمَّا ينْتَصب بِالْفِعْلِ تَقول جَاءَ رَاكِبًا زيد كَمَا تَقول ضرب زيدا عَمْرو وراكبا جَاءَ زيد كَمَا تَقول عمر ضرب زيد وَقَائِمًا زيدا رَأَيْت كَمَا تَقول الدِّرْهَم زيدا أَعْطَيْت وَضربت قَائِما زيدا

وَمن كَلَام الْعَرَب رَأَيْت زيدا مصعدا منحدرا وَرَأَيْت زيدا رَاكِبًا مَاشِيا إِذا كَانَ أَحَدكُمَا رَاكِبًا وَالْآخر مَاشِيا وأحدكما مصعدا وَالْآخر منحدرا

وَقَول الله عز وَجل عندنَا على تَقْدِيم الْحَال وَالله أعلم وَذَلِكَ {خشعا أَبْصَارهم يخرجُون من الأجداث} وَكَذَلِكَ هَذَا الْبَيْت

(مُزْبِداً يخْطِرُ مَا لَمْ يَرَنى ... وإِذَا يَخْلُو لَهُ لَحْمِي رَتَعْ)

وَلست تحْتَاج مَعَ مَا عرفتك من حَالهَا وإجرائها مجْرى الْمَفْعُول وَمَا لزم من ذَلِك من الِاحْتِجَاج إِلَى أَن نوضح لَك بِأَكْثَرَ مِنْهُ

وَقَالَ الشَّاعِر

(ضاحِكاً مَا قَبَّلْتُها حِينَ قَالُوا ... نَقَضُوا صِكَّهَا ورُدَّتْ علَيَّا)

وَتقول ضَارِبًا عمرا رَأَيْت زيدا وَأَنت تُرِيدُ رُؤْيَة الْعين وشاتما أَخَاهُ أقبل عبد الله

فَإِن كَانَ الْعَامِل غير فعل وَلَكِن شَيْء فِي مَعْنَاهُ لم تتقدم الْحَال على الْعَامِل لِأَن هَذَا شَيْء لَا يعْمل مثله فِي الْمَفْعُول وَذَلِكَ قَوْله زيد فِي الدَّار قَائِما وَلَا تقل زيد قَائِما فِي الدَّار وَتقول هَذَا قَائِما حسن وَلَا تقل قَائِما هَذَا حسن وَتقول مَرَرْت رَاكِبًا بزيد إِذا كَانَ رَاكِبًا لَك فَإِن أردْت أَن يكون لزيد لم لم يجز لِأَن الْعَامِل الْبَاء فعلى مَا ذكرت لَك يجْرِي هَذَا الْبَاب

فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا بالك تقدم الظروف وَهِي مفعول فِيهَا وَالْعَامِل معنى الْفِعْل وَلَا يجوز أَن يعْمل فِيهَا التَّنْبِيه كَمَا عمل فِي الْحَال وَكِلَاهُمَا مفعول فِيهِ فَمن أَيْن اخْتلفَا

قيل لَهُ الْفَصْل بَين الْحَال والظرف أَن الْحَال هِيَ الِاسْم الأول فَاعِلا كَانَ أَو مَفْعُولا أَو غير ذَلِك من الِابْتِدَاء وَخَبره والظرف مُتَضَمّن للْحَال وَغَيرهَا وَا يَقع شَيْء إِلَّا فِي زمَان وَمَكَان فالحال تقع فِي الظروف والظروف لَا يُقَال إِنَّهَا وَاقعَة فِي الْحَال

فَإِذا قلت يَوْم الْجُمُعَة زيد فِي الدَّار ف يَوْم الْجُمُعَة غير زيد وَقد عمل فِيهِ اسْتِقْرَار زيد

وَإِذا قلت جَاءَنِي زيد رَاكِبًا فالراكب هُوَ زيد وَكَذَلِكَ ضربت زيدا قَائِما وَزيد منطلق رَاكِبًا فالقائم والراكب وَمَا أشبه ذَلِك هُوَ زيد فَلَمَّا كَانَ إِيَّاه عمل فِيهِ مَا يعْمل فِي الْمَفْعُول بِهِ لِأَنَّهُ اسْم مثله

وَلما كَانَ الظّرْف متضمنا لهَذَا وَغَيره وَكَانَ غَيرهمَا فِي الْمَعْنى إِنَّمَا هُوَ اسْم زمَان أَو مَكَان لَا يَخْلُو من كَون فِيهَا واستقرار كَانَ الناصب لَهما الْمَعْنى الَّذِي جِيءَ بهما من أَجله فَإِن قيل لم لَا تَقول هَذَا زيد يَوْم الْجُمُعَة وَهَذَا زيد شهر رَمَضَان فتعمل التَّنْبِيه

قيل لَهُ إِذا كَانَ الظّرْف من الْمَكَان لم يمْتَنع من شَيْء من الْأَسْمَاء لِأَنَّهَا تفِيد فِيهِ معنى وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت زيد عنْدك أَو فِي دَارك أَو بِالْبَصْرَةِ فقد أفدت فِيهِ مَا قد كَانَ يجوز أَن يَخْلُو مِنْهُ

وَإِذا قلت زيد يَوْم الْجُمُعَة فَلَا معنى لهَذَا لِأَن يَوْم الْجُمُعَة لَا يَخْلُو زيد وَلَا غَيره مِنْهُ وَلَا حَيّ وَلَا ميت فَلَمَّا لم تكن فِيهِ فَائِدَة قَالَ النحويون لَا تكون ظروف الزَّمَان للجثث

وَإِنَّمَا امْتنع قَوْلك هَذَا زيد يَوْم الْجُمُعَة من الْجَوَاز وَإِن كَانَت هَا للتّنْبِيه وَذَا للْإِشَارَة وَلم يكن مثل قَوْلك الْقِتَال شهر رَمَضَان وَيَوْم الْجُمُعَة لِأَنَّك إِذا قلت الْقِتَال يَوْم الْجُمُعَة فقد خبرت بِشَيْء يكون فِي الْجُمُعَة قد كَانَ يجوز أَن يَخْلُو مِنْهُ

وَأَنت إِذا قلت هَذَا زيد فقد نبهت وأعلمت فِي أَي وَقت هُوَ فَلَا معنى لِقَوْلِك يَوْم الْجُمُعَة وَلَا لذكر وَقت لِأَن السَّامع فِي الْوَقْت وَأَنت سَوَاء

أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت أَنا آكل يَوْم الْجُمُعَة وَأَنت تخبر عَن أَنَّك تفعل هَذَا إِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة كَانَ جيدا

وَلَو قلت أَنا آكل يَوْم الْجُمُعَة تخبر عَمَّا أَنْت فِيهِ لم يكن لَهُ معنى فَإِن أردْت أَن تفِيد السَّامع أَن الْيَوْم يَوْم الْجُمُعَة قلت أَنا آكل وَهَذَا يَوْم الْجُمُعَة ليصير خَبرا بعد خبر

فتفهم هَذَا فَإِن معرفَة الْأُصُول إحكام الْبَاب وَإِذا صحت جرت عَلَيْهِ الْمسَائِل على الاسْتقَامَة إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب الْفِعْل الَّذِي يتَعَدَّى إِلَى مفعول وفاعله مُبْهَم وَلَا يتَصَرَّف تصرف غَيره من الْأَفْعَال

وَيلْزم طَريقَة وَاحِدَة لِأَن الْمَعْنى لزمَه على ذَلِك وَهُوَ بَاب التَّعَجُّب

وَذَلِكَ قَوْلك مَا أحسن زيدا وَمَا أكْرم عبد الله

ف مَا اسْم مُرْتَفع بِالِابْتِدَاءِ وَأحسن خَبره وَهُوَ فعل وزيدا مفعول بِهِ فتقديره شَيْء أحسن زيدا إِلَّا أَن معنى التَّعَجُّب دخله مَعَ مَا وَلَا يكون ذَلِك فِي شَيْء غير مَا

فَإِن قَالَ قَائِل هَل رَأَيْت مَا تكون اسْما بِغَيْر صلَة إِلَّا فِي الْجَزَاء والاستفهام

قيل لَهُ إِنَّمَا كَانَت فِي الْجَزَاء والاستفهام بِغَيْر صلَة إِذا قلت مجازيا مَا تصنع أصنع أَو مستفهما مَا تصنع يَا فَتى لِأَنَّك إِنَّمَا تستفهم عَمَّا تنكر وَلَو كنت تعرف كنت مخبرا لَا مستخبرا والصلة تعرفه

وَكَذَلِكَ الْجَزَاء إِذا قلت مَا تصنع أصنع لِأَنَّك أبهمته وَلم تقصد إِلَى شَيْء وَاحِد بِعَيْنِه فَالْمَعْنى من الْإِبْهَام الَّذِي يكون فِي الْجَزَاء والاستفهام كَذَلِك هُوَ التَّعَجُّب لِأَنَّك إِذا قلت مَا أحسن زيدا فقد أبهمت ذَاك فِيهِ وَلم تخصص وَمِمَّا جَاءَ من مَا بِغَيْر صلَة فِي غير الْجَزَاء والاستفهام لمشاركتها إيَّاهُمَا فِي الْإِبْهَام إِنِّي مِمَّا أَن أفعل فَالْمَعْنى إِنِّي من الْأَمر أَن أفعل

وَتقول إِنِّي مِمَّا أفعل على معنى رُبمَا أفعل كَمَا قَالَ

(وإِنَّا لَمِمَّا نَضْرِبُ الكَبْشَ ضَرْبَةً ... على رأسِهِ تُلْقى اللسانَ مِنَ الفَمِ) وَقَالَ الآخر

(أَلاَ غَنِّيا بالزاهِرِيَّةِ إِنَّني ... على النَّأى مِمَّا أَنْ أُلِمَّ بهَا ذِكْرا)

وَمن ذَلِك قَوْلهم دققته دقا نعما أَي نعم الدق

فَإِن قَالَ قَائِل فَإِذا قلت مَا أحسن زيدا فَكَانَ بِمَنْزِلَة شَيْء حسن زيدا فَكيف دخله معنى التَّعَجُّب وَلَيْسَ ذَلِك فِي قَوْلك شَيْء أحسن زيدا

قيل لَهُ قد يدْخل الْمَعْنى فِي اللَّفْظ وَلَا يدْخل فِي نَظِيره فَمن ذَلِك قَوْلهم علم الله لَأَفْعَلَنَّ لَفظه لفظ رزق الله وَمَعْنَاهُ الْقسم

وَمن ذَلِك قَوْلهم غفر الله لزيد لَفظه لفظ الْخَبَر وَمَعْنَاهُ الدُّعَاء

وَمن ذَلِك أَنَّك تَقول تالله لَأَفْعَلَنَّ فتقسم على معنى التَّعَجُّب وَلَا تدخل التَّاء على شَيْء من أَسمَاء الله غير هَذَا الِاسْم لِأَن الْمَعْنى الَّذِي يُوجب التَّعَجُّب إِنَّمَا وَقع هَا هُنَا

وكل مَا لزمَه شَيْء على معنى لم يتَصَرَّف لِأَنَّهُ إِن تصرف بَطل ذَلِك الْمَعْنى وَصَارَ بِمَنْزِلَة الْأَفْعَال الَّتِي تجْرِي على أُصُولهَا وَلم يدخلهَا من الْمَعْنى أَكثر من ذَلِك فَإِن قَالَ قَائِل أَرَأَيْت قَوْلك مَا أحسن زيدا أَلَيْسَ فِي التَّقْدِير والإعمال لَا فِي التَّعَجُّب بِمَنْزِلَة قَوْلك شَيْء حسن زيدا فَكيف تَقول هَذَا فِي قَوْلك مَا أعظم الله يَا فَتى وَمَا أكبر الله قيل لَهُ التَّقْدِير على مَا وصفت لَك وَالْمعْنَى شَيْء عظم الله يَا فَتى وَذَلِكَ الشَّيْء النَّاس الَّذين يصفونه بالعظمة كَقَوْلِك كَبرت كَبِيرا وعظمت عَظِيما

فَإِن قَالَ قَائِل فينتصب هَذَا من حَيْثُ انتصب زيد

قيل لَهُ لَا شَيْء من الْأَفْعَال ينْتَصب على معنى الآخر بِأَكْثَرَ من الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ

أَلا ترى أَنَّك تَقول شتمت زيدا وأكرمت عمرا فالفعل الناصب جنس وَاحِد وَالْمعْنَى مُخْتَلف وَلَيْسَ شَيْء يخبر بِهِ عَن الله عز وَجل إِلَّا على خلاف مَا تخبر بِهِ عَن غَيره فِي الْمَعْنى وجنس الْفِعْل وَاحِد فِي الإعمال

فَمن ذَلِك مَا أذكرهُ لَك ليدل على سائره إِن شَاءَ الله وَهُوَ نَحْو قَوْلك رحم الله النَّاس ورحم زيد عمرا فالرحمة من زيد رقة وتحنن وَالله عز وَجل يجل عَنْهَا

وَكَذَلِكَ علم الله وَهُوَ الْعَالم بِنَفسِهِ وَتقول علم زيد علما وَإِنَّمَا ذَلِك علم جعل فِيهِ وأدب اكْتَسبهُ وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا تخبر بِهِ

وَإِذا كَانَ زيد مَفْعُولا قلت لقِيت زيدا وَرَأَيْت عمرا وَتقول ذكرت الله فَإِنَّمَا تَعْنِي أَن ذكرك كَانَ لهَذَا الِاسْم وَكَذَلِكَ دَعَوْت الله

فمخارج الْأَفْعَال وَاحِدَة فِي الإعمال والمعاني تخْتَلف فعلى هَذَا يجْرِي التَّقْدِير فِيمَا ذكرت لَك

وَقد قَالَ قوم إِن أحسن صلَة ل (مَا) وَالْخَبَر مَحْذُوف

وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا وَذَلِكَ أَن الْأَخْبَار إِنَّمَا تحذف إِذا كَانَ فِي الْكَلَام مَا يدل عَلَيْهَا

وَإِنَّمَا هربوا من أَن يكون مَا وَحدهَا اسْما فتقديرهم الَّذِي حسن زيدا شَيْء وَالْقَوْل فِيهَا مَا بدأنا بِهِ من أَنَّهَا تجْرِي بِغَيْر صلَة لمضارعتها الِاسْتِفْهَام وَالْجَزَاء فِي الْإِبْهَام

فَإِذا قلت مَا أحسن زيدا لم يجز أَن تضع الْفِعْل الْمُضَارع هَا هُنَا فَتَقول مَا يحسن زيدا وَمَا محسن زيدا لِأَن معنى التَّعَجُّب إِنَّمَا دخله على هَيْئَة إِن زَالَ لَفظهَا زَالَ الْمَعْنى

أَلا ترى أَنَّك تَقول الْعُمر والعمر وَلَا يَقع فِي الْقسم إِلَّا مَفْتُوحًا لدُخُول الْمَعْنى على هَذِه الْهَيْئَة وَلَو قلت مَا أحسن عنْدك زيدا وَمَا أجمل الْيَوْم عبد الله لم يجز وَكَذَلِكَ لَو قلت مَا أحسن الْيَوْم وَجه زيد وَمَا أحسن أمس ثوب زيد لِأَن هَذَا الْفِعْل لما لم يتَصَرَّف لزم طَريقَة وَاحِدَة وَصَارَ حكمه كَحكم الْأَسْمَاء

وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّك تَقول أَقَامَ عبد الله زيدا فتنقلب الْوَاو ألفا لِأَنَّهُ فعل وَتقول فِي الِاسْم هَذَا أقوم من ذَا فَلَا يعل وَتقول فِي التَّعَجُّب مَا أقوم زيدا وَمَا أبيعه فَيكون هَذَا الْفِعْل لاحقا بالأسماء لما أَخْبَرتك بِهِ من قلَّة تصرفه

وَاعْلَم أَن بِنَاء فعل التَّعَجُّب إِنَّمَا يكون من بَنَات الثَّلَاثَة نَحْو ضرب وَعلم وَمكث وَذَلِكَ أَنَّك تَقول دخل زيد وأدخلته وَخرج وأخرجته فتلحقه الْهمزَة إِذا جعلته مَحْمُولا على فعل

وَكَذَلِكَ تَقول حسن زيد ثمَّ تَقول مَا أحْسنه لِأَنَّك تُرِيدُ شَيْء أحْسنه

فَإِن قيل فقد قلت مَا أعطَاهُ للدراهم وَأَوْلَاده بِالْمَعْرُوفِ وَإِنَّمَا هُوَ من أعطي وَأولى

فَهَذَا وَإِن كَانَ قد خرج إِلَى الْأَرْبَعَة فَإِنَّمَا أَصله الثَّلَاثَة والهمزة فِي أَوله زَائِدَة وعَلى هَذَا جَاءَ {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح لَوَاقِح} وَلَو كَانَ على لَفظه لَكَانَ ملاقح لِأَنَّهُ يُقَال ألقحت فَهِيَ ملقحة وَلكنه على حذف الزَّوَائِد وَمن ذَلِك قَوْله

(يَخْرُجْنَ مِنْ أَجْوازِ لَيْلٍ غاضِي ... )

وَإِنَّمَا هُوَ مغض وَاسْتعْمل بِحَذْف زِيَادَته وَمثل ذَلِك

(تَكْشِفُ عَنْ جَمَّاتِهِ دَلْوُ الدَّالْ ... ) يُرِيد المدلى

وَمن ذَلِك حذفك جَمِيع الزَّائِد إِذا احتجت إِلَى حذفهَا فِي تَصْغِير أَو جمع أَو اضْطر إِلَيْهِ شَاعِر كَمَا قَالَ العجاج

(ومَهْمَه هَالك مَنْ تَعَرَّجا ... )

إِنَّمَا هُوَ مهلك فِي بعض الْأَقَاوِيل

وَاعْلَم أَن مَا جَاوز الثَّلَاثَة بِغَيْر زِيَادَة لم يجز أَن يُقَال فِيهِ مَا أَفعلهُ وَذَلِكَ لِأَنَّك إِن بنيته هَذَا الْبناء حذفت من الأَصْل حرفا وَهَذَا مِمَّا لَا يجوز لِأَن مَعْنَاهُ إِنَّمَا كمل بِحُرُوفِهِ إِذْ كن كُلهنَّ أصولا وَإِنَّمَا يسْتَعْمل فِيمَا كَانَ من هَذَا الْقَبِيل مَا يدل عَلَيْهِ من فعل غَيره

وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت دحرج واحرنجم وَمَا أشبه ذَلِك من الْأَفْعَال من غير هَذَا الْجِنْس قلت مَا أَشد دحرجته وَمَا أَشد احرنجامه لِأَنَّك لَو أدخلت على هَذَا الْهمزَة لخرج من بِنَاء الْأَفْعَال وَلَا يجوز الْحَذف لما وصفت لَك وَكَذَلِكَ مَا كَانَ من الألوان والعيوب نَحْو الْأَعْوَر والأحمر لَا يُقَال مَا أحمره وَلَا مَا أعوره

وَإِنَّمَا امْتنع هَذَا لشيئين أَحدهمَا أَن أصل فعله أَن يكون افْعَل وافعال نَحْو أَحْمَر واحمار وَدخُول الْهمزَة على هَذَا محَال وَالْقَوْل الآخر قَول الْخَلِيل وَهُوَ أَن هَذَا شَيْء قد ثَبت وَاسْتقر فَلَيْسَ يجوز فِيهِ الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فَهُوَ وَإِن كَانَ مشتقاً من الْفِعْل بِمَنْزِلَة الْيَد وَالرجل لَا تَقوله كَمَا لَا تَقول مَا أيداه وَلَا مَا أرجله وَإِنَّمَا أَقُول مَا أَشد يَده فعلى هَذَا مَا أَشد حمرته وَمَا أَشد عوره وَكَذَلِكَ جَمِيع بَابهَا

وَمثل هَذَا قَوْله هَذَا أحسن من هَذَا وَهَذَا أضْرب من ذَا وَهَذَا أَشد عورا من ذَا وَأَشد حولا من ذَا لِأَن هَذَا والتعجب من بَاب وَاحِد

فَإِن قَالَ قَائِل فقد جَاءَ فِي الْقُرْآن {وَمن كَانَ فِي هَذِه أعمى فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى وأضل سَبِيلا}

قيل لَهُ فِي هَذَا جوابان كِلَاهُمَا مقنع أَحدهمَا أَن يكون من عمى الْقلب وَإِلَيْهِ ينْسب أَكثر الضلال لِأَنَّهُ حَقِيقَته كَمَا قَالَ {فَإِنَّهَا لَا تعمى الْأَبْصَار وَلَكِن تعمى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور} فعلى هَذَا تَقول مَا أعماه كَمَا تَقول مَا أحمقه

وَالْوَجْه الآخر أَن يكون من عمى الْعين فَيكون {فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى} لَا تُرِيدُ بِهِ بِهِ أعمى من كَذَا وَلكنه فِي الْآخِرَة أعمى كَمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ فِي الْآخِرَة أضلّ سَبِيلا وَتقول يَا هِنْد أحسن بزيد وَيَا رجلَانِ أحسن بزيد لِأَنَّك لست تَأْمُرهُمْ أَن يصنعوا شَيْئا وَإِنَّمَا الْمَعْنى مَا أحْسنه فَإِذا كَانَ من الألوان والعيوب قلت يَا هِنْد أشدد بحمرة زيد وَيَا رجال أشدد بحمرة زيد وَمن هَذَا الْبَاب قَول الله عز وَجل {أسمع بهم وَأبْصر}

وَلَا يُقَال لله عز وَجل تعجب وَلكنه خرج على كَلَام الْعباد أَي هَؤُلَاءِ مِمَّن يجب أَن يُقَال لَهُم مَا أسمعهم وأبصرهم فِي ذَلِك الْوَقْت

وَمثل هَذَا قَوْله {فقولا لَهُ قولا لينًا لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى} وَلَعَلَّ إِنَّمَا هِيَ للترجي وَلَا يُقَال ذَلِك لله وَلَكِن الْمَعْنى وَالله أعلم إذهبا أَنْتُمَا على رجائكما وقولا القَوْل الَّذِي ترجوان بِهِ ويرجو بِهِ المخلوقون تذكر من طالبوه

وَأما قَوْله {فَمَا أصبرهم على النَّار} فَلَيْسَ من هَذَا وَلكنه وَالله أعلم التَّقْرِير والتوبيخ وَتَقْدِيره أَي شَيْء أصبرهم على النَّار أَي دعاهم إِلَيْهَا واضطرهم إِلَيْهَا كَمَا تَقول صبرت زيدا على الْقَتْل وَنهى رَسُول الله

وَسلم أَن يصبر الرّوح وَمثل ذَلِك قَوْله

(قلتُ لَهُ أَصْبِرْها دائِناً ... أَمْثَالُ بِسطَامِ بنِ قَيْسٍ قَلِيلُ)

فَهَذِهِ مجازه وَلَا يُقَال لله عز وَجل لِأَنَّهُ إِنَّمَا يعجب من يرد عَلَيْهِ مَا لَا يُعلمهُ وَلَا يقدره فيتعجب كَيفَ وَقع مثله وعلام الغيوب يجل عَن هَذَا

ونقول فِي شَيْء من مسَائِل هَذَا الْبَاب

مَا أحسن وأجمل زيدا إِذا نصبت بأجمل فَإِن نصبته بِأَحْسَن قلت مَا أحسن وأجمله زيدا لِأَنَّك تُرِيدُ مَا أحسن زيدا وأجمله

وَتقول مَا أحسن مَا كَانَ زيد فَترفع زيد بكان وَتجْعَل مَا مَعَ الْفِعْل فِي معنى الْمصدر وتوقع التَّعَجُّب على مَا وَمَا بعْدهَا صلَة لَهَا فالتقدير مَا أحسن كَون زيد

وَقد يجوز وَهُوَ بعيد مَا أحسن مَا كَانَ زيدا تجْعَل مَا بِمَنْزِلَة الَّذِي فَيصير مَا أحسن الَّذِي كَانَ زيدا كَأَنَّهُ كَانَ اسْمه زيدا ثمَّ انْتقل عَنهُ وَإِنَّمَا قبح هَذَا لجعلهم مَا للآدميين وَإِنَّمَا هَذَا من مَوَاضِع من لِأَن مَا إِنَّمَا هِيَ لذات غير الْآدَمِيّين وصفات الْآدَمِيّين

أَلا ترى أَنَّك تَقول مَا عنْدك فَتَقول فرس أَو حمَار وَلَو قلت من عنْدك لقَالَ زيد أَو عَمْرو

وَالصِّفَات للآدميين الَّتِي تقع عَلَيْهَا مَا فَهِيَ نَحْو قَوْلك عِنْدِي زيد فَأَقُول وَمَا زيد فَيكون جَوَابه طَوِيل أَو قصير أَو شرِيف أَو وضيع

وَإِنَّمَا أجزناه على بعد لِأَن الصّفة قد تحل مَحل الْمَوْصُوف تَقول مَرَرْت بالعاقل وَجَاءَنِي الظريف

وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين فِي قَوْله عز وَجل {وَالسَّمَاء وَمَا بناها} قَالَ وَمن بناها

وَكَانَ أَبُو زيد يروي عَن الْعَرَب أَنَّهَا تَقول سُبْحَانَ مَا سبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ فعلى هَذَا أجزناه

وَتقول مَا أحسن مَا كَانَ زيد وأجمله وَمَا أحسن مَا كَانَت هِنْد وأجمله لِأَنَّك ترد إِلَى مَا وَلَو قلت وأجملها جَازَ على أَن تجْعَل ذَلِك لَهَا

وَإِذا قلت مَا أحسن زيدا فَرددت ذَلِك إِلَى نَفسك قلت مَا أحسنني لِأَن أحسن فعل فَظهر الْمَفْعُول بعده كَمَا يظْهر بعد ضرب وَلَو كَانَ اسْما لظهرت بعده يَاء وَاحِدَة إِذا أَرَادَ الْمُتَكَلّم نَفسه نَحْو قَوْلك هَذَا غلامي وَتقول فِي الِاسْتِفْهَام مَا أحسن زيد إِذا أردْت أَي أحسن من زيد

فَإِذا جعلت الْمَسْأَلَة مِنْك قلت مَا أحسني كَمَا تَقول من غلامي فَإِنَّمَا يجْرِي الْمُضمر مجْرى الظَّاهِر

أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت مَا أحسن زيد فَرددت ذَلِك إِلَى نَفسك قلت مَا أَحْسَنت

وَتقول مَا أحسن زيدا ورجلا مَعَه وَلَوْلَا قَوْلك مَعَه لم يكن للْكَلَام معنى وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت مَا أحسن رجلا فَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُفِيد بِهِ السَّامع شَيْئا لِأَنَّهُ لَا يستنكر أَن يكون فِي النَّاس من هُوَ كَذَا كثيرا

وَلَو قلت مَا أحسن رجلا من بني فلَان أَو رجلا رَأَيْته عنْدك حَتَّى تقويه بِشَيْء يُوجد فِيهِ معنى يخرج من بَاب الإشاعة لصلح

وَهَذَا بِمَنْزِلَة قَوْلك كَانَ رجل عَاقِلا وَإِن رجلا عَاقل يجوز فِيهِ مَا جَازَ فيهمَا وَيمْتَنع فِيهِ مَا يمْتَنع فيهمَا وَتقول مَا أحسن إنْسَانا قَامَ إِلَيْهِ زيد وَمَا أقبح بِالرجلِ أَن يفعل كَذَا فالرجل الْآن شَائِع وَلَيْسَ التَّعَجُّب مِنْهُ وَإِنَّمَا التَّعَجُّب من قَوْلك أَن يفعل كَذَا كنحو مَا أقبح بِالرجلِ أَن يشْتم النَّاس تَقْدِيره مَا أقبح شتم النَّاس بِمن فعله من الرِّجَال

وَلَو قلت مَا أحسن رجلا إِذا طلب مَا عِنْده أعطَاهُ كَانَ هَذَا الْكَلَام جَائِزا وَلم يكن أحسن وَإِن نصب رجلا وَاقعا عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ وَاقع على فعله وَإِنَّمَا جَازَ أَن يُوقع التَّعَجُّب عَلَيْهِ وَهُوَ يُرِيد فعله لِأَن فعله بِهِ كَانَ وَهُوَ الْمَحْمُود عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَة والمذموم كَقَوْلِك رَأَيْت زيدا يضْرب عمرا ثمَّ تَقول رَأَيْت ضرب زيد عمرا فالضرب لَا يرى وَإِنَّمَا رَأَيْت الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ وَرَأَيْت الْفَاعِل يَتَحَرَّك وَذَلِكَ المتحرك يدل على نوع الْحَرَكَة فَأَما الْحَرَكَة نَفسهَا فَلَا ترى لِأَن المرئي لَا يكون إِلَّا جسما ملونا

وَلَو قلت مَا أَكثر هِبتك الدَّنَانِير وإطعامك الْمَسَاكِين كنت قد أوقعت التَّعَجُّب بِالْفِعْلِ واتصل بِهِ التَّعَجُّب من كَثْرَة الْمَفْعُول وَهُوَ الطَّعَام وَالدَّنَانِير الَّتِي يَهَبهَا فكأنك قلت مَا أَكثر الدَّنَانِير الَّتِي تهبها وَالطَّعَام الَّذِي تطعمه وَإِن أردْت هَذَا التَّقْدِير

وَإِن أردْت أَن هِبته أَو طَعَامه يَفْعَلهَا كثيرا إِلَّا أَن ذَلِك يكون نزرا فِي كل مرّة جَازَ وَكَانَ وَجه الْكَلَام أَلا يَقع التَّعَجُّب على هَذَا لِأَن هَذَا شَبيه بالإلغاز لِأَن قصد التَّعَجُّب الْكَثْرَة فَإِذا تؤول على الْقلَّة فقد زَالَ معنى التَّعَجُّب وَلَكِن بعض الْأَشْيَاء يدل على بعض

أَلا ترى أَنَّك تَقول مَا جَاءَنِي غير زيد وتريد مَا جَاءَنِي إِلَّا زيد

وَقد يجوز أَلا يكون زيد جَاءَك غير زيد فَإِنَّمَا زعمت أَن غَيره لم يأتك فَجَائِز أَن يكون أَيْضا مَا جَاءَك إِلَّا أَنَّك أَمْسَكت عَن الْخَبَر فِيهِ وَلِهَذَا مسَائِل غامضة تَأتي فِي موضعهَا إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب مَا جرى فِي بعض اللُّغَات مجْرى الْفِعْل لوُقُوعه فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ حرف وَجَاء لِمَعْنى وَيجْرِي فِي غير تِلْكَ اللُّغَة مجْرى الْحُرُوف غير العوامل وَذَلِكَ الْحَرْف مَا النافية

تَقول مَا زيد قَائِما وَمَا هَذَا أَخَاك كَذَلِك يفعل أهل الْحجاز

وَذَلِكَ أَنهم رأوها فِي معنى لَيْسَ تقع مُبتَدأَة وتنفي مَا يكون فِي الْحَال وَمَا لم يَقع فَلَمَّا خلصت فِي معنى لَيْسَ ودلت على مَا تدل عَلَيْهِ وَلم يكن بَين نفييهما فصل الْبَتَّةَ حَتَّى صَارَت كل وَاحِدَة تغني عَن الْأُخْرَى أجروها مجْراهَا

فَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {مَا هَذَا بشرا} و {مَا هن أمهاتهم}

وَأما بَنو تَمِيم فَيَقُولُونَ مَا زيد منطلق يدعونها حرفا على حَالهَا بِمَنْزِلَة إِنَّمَا إِذا قلت إِنَّمَا زيد منطلق وَأهل الْحجاز إِذا أدخلُوا عَلَيْهَا مَا يُوجِبهَا أَو قدمُوا خَبَرهَا على اسْمهَا ردوهَا إِلَى أَصْلهَا فَقَالُوا مَا زيد إِلَّا منطلق وَمَا منطلق زيد لِأَنَّهَا حرف لَا يتَصَرَّف تصرف الْأَفْعَال فَلم يقو على نقض النَّفْي كَمَا لم يقو على تَقْدِيم الْخَبَر وَذَلِكَ لما خبرتك بِهِ فِي الْأَفْعَال والحروف وَأَن الشَّيْء إِنَّمَا يتَصَرَّف عمله كَمَا يتَصَرَّف هُوَ فِي نَفسه فَإِذا لزم طَريقَة وَاحِدَة لزم مَا يعْمل فِيهِ طَريقَة وَاحِدَة

وَتقول فِي قَول أهل الْحجاز مَا زيد مُنْطَلقًا أَبوهُ وَلَا خَارِجا أَبوهُ وَمَا زيد قَائِما إِلَيْهِ عبد الله لِأَنَّك تجْرِي عَلَيْهِ مَا كَانَ لشَيْء من سَببه كَمَا يجْرِي عَلَيْهِ مَا كَانَ لَهُ خَاصَّة

أَلا ترى أَنَّك تَقول مَرَرْت بِرَجُل قَائِم أَبوهُ كَمَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل قَائِم

وَتقول إِن شِئْت مَا زيد قَائِما وَلَا خَارج أَبوهُ جعلت أَبَاهُ بِمَنْزِلَة الْأَجْنَبِيّ فَصَارَ خَارج خَبرا مقدما كَأَنَّك قلت مَا زيد مُنْطَلقًا وَلَا أَبوهُ خَارج

وَتقول مَا زيد خَارِجا غُلَامه وَلَا منطلقة جَارِيَته يكون فِي الْعَطف على حَاله

فَأَما قَول بني تَمِيم فعلى أَنهم أدخلُوا مَا على المبتدإ وَقد عمل فِي خَبره كَمَا يعْمل الْفِعْل فِي فَاعله فَكَأَن قَوْلهم مَا زيد عَاقل بِمَنْزِلَة مَا قَامَ زيد لأَنهم أدخلوها على كَلَام قد عمل بعضه فِي بعض فَلم يُغير لِأَنَّهُ لَا يدْخل عَامل على عَامل

وَأما أهل الْحجاز فَإِنَّهُم لما رأوها فِي معنى لَيْسَ فِي جَمِيع مواقعها تغني كل وَاحِدَة مِنْهُمَا عَن صاحبتها أجروها مجْراهَا فِي الْعَمَل مادام الْكَلَام على وَجهه فَقَالُوا مَا زيد مُنْطَلقًا كَمَا يَقُولُونَ لَيْسَ زيد مُنْطَلقًا فَإِن أدخلُوا عَلَيْهَا مَا يُوجِبهَا أَو قدمُوا خَبَرهَا رجعت إِلَى أَنَّهَا حرف فَقَالُوا مَا منطلق زيد لِأَنَّهَا ترجع إِلَى أَن الْكَلَام ابْتِدَاء وَخبر فَصَارَ بِمَنْزِلَة قَوْلك قَائِم زيد وَأَنت تُرِيدُ زيد قَائِم لَا يكون التَّقْدِيم إِلَّا على ذَلِك لِأَن لَيْسَ فعل وَهَذِه لَيست بِفعل تَقول لست ولسنا وَلَيْسوا ولسن وَلَا يكون شَيْء من هَذِه الْإِضْمَار فِي مَا وَلَكِن لما أشبهت الْفِعْل جرت مجْرَاه مَا كَانَ على مجْرَاه وَفِي مَوْضِعه فَلَمَّا فَارَقت ذَلِك لم يجز النَّقْض فِيهَا وَالتَّصَرُّف لِأَنَّهَا فِي نَفسهَا غير متصرفة وَلَا مُحْتَملَة ضميرا

أَلا ترى أَنَّك تَقول إِن زيدا منطلق وَلَو قدمت الْخَبَر لم تقل إِن منطلق زيدا لِأَنَّك لَا تجْعَل الْحُرُوف غير المتصرفة كالأفعال المتصرفة وَلَو فعلت ذَلِك للزمك أَن تصرفها فِي أَنْفسهَا وَهَذَا محَال

فَأَما تَقْدِيم الْخَبَر فقولك مَا منطلق زيد وَمَا مسيء من أَعتب

فَإِنَّمَا قدمت على حد قَوْلك مَا زيد منطلق وَلَو أردْت التَّقْدِيم على قَوْلك مَا زيد مُنْطَلقًا لم يجز كَمَا لَا يجوز إِن منطلق زيدا

وَهَذَا قَول مغن فِي جَمِيع الْعَرَبيَّة كل مَا كَانَ متصرفا عمل فِي الْمُقدم والمؤخر وَإِن لم يكن متصرفا لم يُفَارق مَوْضِعه لِأَنَّهُ مدْخل على غَيره

وَأما نقض الْخَبَر فقولك مَا زيد إِلَّا منطلق لِأَنَّك نفيت عَنهُ كل شَيْء إِلَّا الانطلاق فَلم تصلح مَا أَن تكون عاملة فِي نقض النَّفْي كَمَا لم تعْمل فِي تَقْدِيم الْخَبَر

قَالَ الله عز وَجل {وَمَا أمرنَا إِلَّا وَاحِدَة كلمح} و {مَا هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ} وَقَالَ حَيْثُ كَانَت فِي موضعهَا {مَا هَذَا بشرا} و {مَا هن أمهاتهم}

فَهَذَا أَصْلهَا الَّذِي شرحنا وسنفرد بَابا للمسائل إِذْ كَانَت لَا تصح إِلَّا بعد الْفَرَاغ من الْأُصُول فَأَما قَول الفرزدق

(فأَصْبَحُوا قَدْ أعادَ الله نِعْمَتَهُمْ ... إذْ هُمْ قُريشٌ وإِذْ مَا مِثْلَهُمُ بشَرُ)

فالرفع الْوَجْه وَقد نَصبه بعض النَّحْوِيين وَذهب إِلَى أَنه خبر مقدم وَهَذَا خطأ فَاحش وَغلط بَين وَلَكِن نَصبه يجوز على أَن تَجْعَلهُ نعتا مقدما وتضمر الْخَبَر فتنصبه على الْحَال مثل قَوْلك فِيهَا قَائِما رجل وَذَلِكَ أَن النَّعْت لَا يكون قبل المنعوت وَالْحَال مفعول فِيهَا وَالْمَفْعُول يكون مقدما ومؤخرا وَقد فسرنا الْحَال بالعامل إِذا كَانَ فعلا وَإِذا كَانَ على معنى الْفِعْل بِمَا يسْتَغْنى عَن إِعَادَة القَوْل فِيهِ

هَذَا بَاب من مسَائِل مَا

تَقول مَا زيد مُنْطَلقًا وَلَا قَائِم عَمْرو رفعت قَائِما لِأَنَّهُ خبر مقدم فكأنك قلت وَمَا قَائِم عَمْرو

وَتقول مَا زيد مُنْطَلقًا وَلَا قَائِما أَبوهُ وَإِن شِئْت قلت وَلَا قَائِم أَبوهُ

أما النصب فلأنك أجريت على زيد الْخَبَر لِأَنَّهُ لما هُوَ من سَببه فَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا كَانَ لَهُ

أَلا ترى أَنَّك تَقول مَا زيد قَائِما أَبوهُ كَمَا تَقول مَا زيد قَائِما وَلَو قلت مَا زيد قَائِما عَمْرو كَانَ محالا

وَأما الرّفْع فعلى أَنَّك جعلته خَبرا للْأَب ثمَّ قَدمته على ذَلِك فكأنك قلت مَا زيد أَبوهُ قَائِم فَكَانَ بِمَنْزِلَة الْأَجْنَبِيّ فِي الِانْقِطَاع من الأول ومباينا للْأَجْنَبِيّ فِي وُقُوعه خبر الأول رفعت أَو نصبت

أما قَوْلنَا بِمَنْزِلَة الْأَجْنَبِيّ فَإنَّك إِذا قلت مَا زيد مُنْطَلقًا وَلَا قَائِم أَبوهُ فَهُوَ كَقَوْلِك وَلَا قَائِم عَمْرو لِأَنَّك عطفت جملَة على جملَة فَاسْتَوَى مَا لَهُ سَبَب وَمَا لَا سَبَب لَهُ

وَأما قَوْلنَا إِذا كَانَ خَبرا بَان من الْأَجْنَبِيّ رفعت أَو نصبت فَذَلِك قَوْلك مَا زيد مُنْطَلقًا أَبوهُ وَمَا زيد أَبوهُ منطلق لَا يجوز أَن يكون الْأَجْنَبِيّ فِي هَذَا الْموضع لَو قلت مَا زيد مُنْطَلقًا عَمْرو أَو مَا زيد عَمْرو منطلق كَانَ خطأ وَلم يكن للْكَلَام معنى لِأَنَّك ذكرت زيدا وَلم تصل بِهِ خَبرا

فَإِن قلت مَا زيد مُنْطَلقًا عَمْرو إِلَيْهِ أَو مَا زيد مُنْطَلقًا رجل يُحِبهُ أَو نَحْو ذَلِك من الرواجع إِلَيْهِ صَحَّ الْكَلَام وَصَحَّ مَعْنَاهُ وَهَذَا بَين جدا

وَتقول مَا أَبُو هِنْد قَائِما وَلَا منطلقة أمه على مَا وصفت لَك وَلَو قلت مَا أَبُو هِنْد قَائِما وَلَا منطلقة أمهَا كَانَ خطأ لِأَنَّك لم ترد إِلَى الْأَب شَيْئا وَهُوَ الَّذِي عَنهُ تخبر وَإِنَّمَا جِئْت بِالْهَاءِ لغيره

أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول مَا أَبُو هِنْد منطلقة أمهَا

فَأَما قَول الشَّاعِر

(فليْسَ بمعروفِ لنا أَنْ نَرُدَّها ... صِحاحاً وَلَا مُسْتَنْكَرٌ أَنْ تُعَقَّرَا)

فَإِن هَذَا الْبَيْت إِنَّمَا جَاءَ فِي لَيْسَ وَلَيْسَ تَقْدِيم الْخَبَر وتأخيره فِيهَا سَوَاء

وَلَكنَّا نشرحه على مَا يصلح مثله فِي مَا وَمَا يمْتَنع إِنَّمَا كَانَ فِي ذكر الْخَيل فَقَالَ فَلَيْسَ بِمَعْرُوف لنا أَن نردها أَي فَلَيْسَ بِمَعْرُوف لنا ردهَا ف (ردهَا) اسْم لَيْسَ وبمعروف لنا الْخَبَر ثمَّ قَالَ وَلَا مستنكر أَن تعقرا وتأويله وَلَا مستنكر عقرهَا فَهَذَا لَا يكون إِلَّا مُنْقَطِعًا عَن الأول لِأَن الْعقر مُضَاف إِلَى ضمير الْخَيل وَلَيْسَ يرجع إِلَى الرَّد وَالرَّدّ غير الْخَيل فَهَذَا بِمَنْزِلَة قَوْلك مَا أَبُو زَيْنَب قَائِما وَلَا ذَاهِبَة أمهَا لِأَن الْأُم ترجع إِلَى زَيْنَب لَا إِلَى من خبر عَنهُ وَهُوَ الْأَب

وَلَو قلت فِي لَيْسَ خَاصَّة وَلَا مستنكرا أَن تعقرا على الْموضع كَانَ حسنا لِأَن لَيْسَ يقدم فِيهَا الْخَبَر فكأنك قلت لَيْسَ بمنطلق عَمْرو وَلَا قَائِما بكر على قَوْلك وَلَيْسَ قَائِما بكر

وَأما الْخَفْض فَيمْتَنع لِأَنَّك تعطف بِحرف وَاحِد على عاملين وهما الْبَاء وَلَيْسَ فكأنك قلت زيد فِي الدَّار والحجرة عَمْرو فتعطف على فِي والمبتدأ

وَكَانَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش يُجِيزهُ وَقد قَرَأَ بعض الْقُرَّاء {وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار وَمَا أنزل الله من السَّمَاء من رزق فأحيا بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا وتصريف الرِّيَاح آيَات لقوم يعْقلُونَ} فعطف على إِن وعَلى فِي وَهَذَا عندنَا غير جَائِز وَمثل الْبَيْت الْمُتَقَدّم قَوْله

(هَوِّنْ عَلَيْكَ فإِنَّ الأُمُورَ ... بِكَفِّ الإِلهِ مَقادِيرُها)

(فليْسَ بآتيكَ منْهِيُّها ... وَلَا قاصرٌ عنكَ مأمُورُها)

لِأَن الْمَأْمُور رَاجع إِلَى الْأُمُور ومنهيها بَعْضهَا

فالرفع على مثل قَوْلك لَيْسَ زيد قَائِما وَلَا عَمْرو منطلق قطعته من الأول وعطفت جملَة على جملَة

وَالنّصب قد فسرناه على الْموضع

وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ يُجِيز الْجَرّ فِي هَذَا وَفِي الَّذِي قبله فَيَقُول وَلَا قَاصِر وَلَا مستنكر وَيذْهب إِلَى أَن الرَّد مُتَّصِل بِالْخَيْلِ وَأَن المنهى مُتَّصِل بالأمور فَإِذا رد إِلَى الْمنْهِي فَكَأَنَّهُ قد رد إِلَى الْأُمُور ويحتج بِهَذِهِ الأبيات الَّتِي أذكرها وَهِي قَول الشَّاعِر (وتشْرَقُ بالقوْلِ قَدْ أَذَعْتَهُ ... كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ القَنَاةِ مِنَ الدَّمِ)

فأنث لِأَن الصَّدْر من الْقَنَاة وَكَذَلِكَ قَوْله

(لَمَّا أَتَى خَبرُ الزُّبَيْرِ تَواضَعَتْ ... سُورُ المدِينَةِ والجِبالُ الخُشَّعُ)

وَمثله

(مشَيْنَ كَمَا اهتزَّتْ رِماحٌ تِسفَّهُتْ ... أَعالِيَهَا مَرُّ الرِّياحِ النَّواسِمِ) وَمثله

(إِذا مَرُّ السنينَ تعرَّقتْنَا ... كَفى الأَيتَام فَقْدَ أَبي اليتيمِ)

وَفِي كتاب الله عز وَجل {فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين} وَمثل هَذَا كثير جدا وَلَيْسَ القَوْل عِنْدِي كَمَا ذهب إِلَيْهِ وسنفصل بَين هَذَا وَبَين مَا ذكر إِن شَاءَ الله

أما قَوْله {فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين} فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه أَرَادَ بأعناقهم جماعاتهم من قَوْلك أَتَانِي عنق من النَّاس أَي جمَاعَة وَإِلَى هَذَا كَانَ يذهب بعض الْمُفَسّرين وَهُوَ رَأْي أبي زيد الْأنْصَارِيّ

وَأما مَا عَلَيْهِ جمَاعَة أهل النَّحْو وَأكْثر أهل التَّفْسِير فِيمَا أعلم فَإِنَّهُ أضَاف الْأَعْنَاق إِلَيْهِم يُرِيد الرّقاب ثمَّ جعل الْخَبَر عَنْهُم لِأَن خضوعهم بخضوع الْأَعْنَاق وَمن ذَلِك قَول النَّاس ذلت عنقِي لفُلَان وذلت رقبتي لَك قَالَ عمَارَة

(فَإِنِّي امْرُؤ من عصبَة خندفية ... أَبَت للأعادي أَن تذيخ رقابها)

جعل للأعادي تبيينا وَلم يدْخلهُ فِي صلَة أَن

وَأما قَوْله كَمَا شَرقَتْ صدر الْقَنَاة من الدَّم فَإِن صدر الْقَنَاة قناة وَكَذَلِكَ سور الْمَدِينَة لِأَنَّهَا إِنَّمَا مدنت بسورها

وَأما قَوْله

(طُولُ اللَّيالي أَسْرَعتْ فِي نَقْضِي ... ) فَإِن الطول غير منفكة اللَّيَالِي مِنْهُ فتقديره اللَّيَالِي أسرعت فِي نقضي

وَقَرِيب مِنْهُ قَوْله

(رأَتْ مرَّ السِّنِينْ أَخَذْنَ مِنِّي ... )

لِأَن السنين إِنَّمَا تعقل بمرورها وتصرفها

وَالَّذِي قَالَ خَارج من هَذَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يجوز أَن تخبر عَن الْمُضَاف إِذا ذكرت الْمُضَاف إِلَيْهِ إِذا كَانَ الأول بعضه أَو كَانَ الْمَعْنى مُشْتَمِلًا عَلَيْهِ فَأَما قَوْله

(فلَيْسَ بمعْرُوف لَنَا أَنْ نَرُدَّها ... )

فَإِن الرَّد غير الْخَيل والعقر رَاجع إِلَى الْخَيل فِي قَوْله

(وَلَا مُسْتَنْكِرٍ أَنْ تُعْقَّرَا ... )

فَلَيْسَ بمتَّصل بِشَيْء من الرَّد وَلَا دَاخل فِي الْمَعْنى فَأَما قَوْله

(فَلَيْسَ بآتِيك مِنْهِيُّها)

فَهُوَ أقرب قَلِيلا وَلَيْسَ مِنْهُ لِأَن الْمَأْمُور بَعْضهَا والمنهي بَعْضهَا وقربه أَنَّهُمَا قد أحاطا بالأمور

وَلَيْسَ يجوز الْخَفْض عندنَا إِلَّا على عاملين فِيمَن أجَازه وَقد ذكرنَا ذَلِك وَتقول مَا زيد قَائِما إِلَّا أَبوهُ أردْت مَا زيد قَائِما أحد إِلَّا أَبوهُ فَجَاز ذَلِك لِأَن أحدا منفي عَنهُ الْقيام وَكَذَلِكَ مَا زيد آكلا إِلَّا الْخبز أردْت مَا زيد آكلا شَيْئا إِلَّا الْخبز وَمَا زيد إِلَّا طَعَامك آكل رفعت آكلا لِأَنَّهُ وَقع مُوجبا فعلى هَذَا يجْرِي أصُول هَذَا الْبَاب ومسائله

هَذَا بَاب النداء

اعْلَم أَنَّك إِذا دَعَوْت مُضَافا نصبته وانتصابه على الْفِعْل الْمَتْرُوك إِظْهَاره وَذَلِكَ قَوْلك يَا عبد الله لِأَن يَا بدل من قَوْلك أَدْعُو عبد الله وَأُرِيد لَا أَنَّك تخبر أَنَّك تفعل وَلَكِن بهَا وَقع أَنَّك قد أوقعت فعلا فَإِذا قلت يَا عبد الله فقد وَقع دعاؤك بِعَبْد الله فانتصب على أَنه مفعول تعدى إِلَيْهِ فعلك

وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ نكرَة نَحْو يَا رجلا صَالحا وَيَا قوما منطلقين وَالْمعْنَى وَاحِد وعَلى هَذَا {يَا حسرة على الْعباد}

وَقَالَ الشَّاعِر

(أَدَاراً بِحُزْوَى هِجْتِ لِلْعَيْنِ عَبْرةً ... فَماءُ الهَوَى يَرْفَضُّ أَوْ يَتَرَقْرَقْ)

وَقَالَ الشَّاعِر

(لعلَّكَ يَا تَيْسا نَزَا فِي مَرِيرَةٍ ... تُعَذِّبُ لَيْلى أنْ تَراني أَزُورُها) وَقَالَ الآخر

(فيا راكِبِّا إِمَا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ ... نداماي مِنْ نَجْرَانَ أَنْ لَا تَلاقِيا)

وَأما الْمُضَاف فكقوله {يَا قَومنَا أجِيبُوا دَاعِي الله} وَمَا أشبهه

فَإِن كَانَ المنادى وَاحِدًا مُفردا معرفَة بني على الضَّم وَلم يلْحقهُ تَنْوِين وَإِنَّمَا فعل ذَلِك بِهِ لِخُرُوجِهِ عَن الْبَاب ومضارعته مَا لَا يكون معربا وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت يَا زيد وَيَا عَمْرو فقد أخرجته من بَابه لِأَن حد الْأَسْمَاء الظَّاهِرَة أَن تخبر بهَا وَاحِد عَن وَاحِد غَائِب والمخبر عَنهُ غَيرهَا فَتَقول قَالَ زيد فزيد غَيْرك وَغير الْمُخَاطب وَلَا تَقول قَالَ زيد وَأَنت تعنيه أَعنِي الْمُخَاطب فَلَمَّا قلت يَا زيد خاطبته بِهَذَا الِاسْم فأدخلته فِي بَاب مَا لَا يكون إِلَّا مَبْنِيا نَحْو أَنْت وَإِيَّاك وَالتَّاء فِي قُمْت وَالْكَاف فِي ضربتك ومررت بك فَلَمَّا أخرج من بَاب الْمعرفَة وَأدْخل فِي بَاب المبنية لزمَه مثل حكمهَا وبنيته على الضَّم لتخالف بِهِ جِهَة مَا كَانَ عَلَيْهِ معربا لِأَنَّهُ دخل فِي بَاب الغايات

أَلا ترى أَنَّك تَقول جِئْت قبلك وَمن قبلك فَلَمَّا صَار غَايَة لما أذكرهُ فِي مَوْضِعه قلت جِئْت قبل يَا فَتى وَجئْت من قبل قَالَ الله عز وَجل {لله الْأَمر من قبل وَمن بعد}

وَكَذَلِكَ تَقول جِئْت فِي أول النَّاس وَتقول ابدأ بِهَذَا أول يَا فَتى لما خرج من بَاب الْإِعْرَاب فَصَارَ غَايَة خُولِفَ بِهِ عَن جِهَته وَلِهَذَا مَوضِع يذكر فِيهِ مستقصى بحججه إِن شَاءَ الله

فَإِن قَالَ قَائِل فالمضاف والنكرة مخاطبان كَمَا كَانَ فِي الْمُفْرد الْمعرفَة وَقد كَانَ حَقّهمَا أَن يخبر عَنْهُمَا وَلَا يخاطبا

قيل لَهُ قد علمنَا أَن الْمُضَاف معرفَة بالمضاف إِلَيْهِ كَمَا كَانَ قبل النداء والنكرة فِي حَال النداء كَمَا كَانَ قبل ذَلِك

وَزيد وَمَا أشبهه فِي حَال النداء معرفَة بِالْإِشَارَةِ منتقل عَنهُ مَا كَانَ قبل ذَلِك فِيهِ من التَّعْرِيف

أَلا ترى أَنَّك تَقول إِذا أردْت الْمعرفَة يَا رجل أقبل

فَإِنَّمَا تَقْدِيره يَا أَيهَا الرجل أقبل وَلَيْسَ على معنى مَعْهُود وَلَكِن حدثت فِيهِ إِشَارَة النداء فَلذَلِك لم تدخل فِيهِ الْألف وَاللَّام وَصَارَ معرفَة بِمَا صَارَت بِهِ المبهمة معارف والمبهمة مثل هَذَا وَذَاكَ وَهَذِه وَتلك وَأُولَئِكَ وَذَاكَ وذاكن وذلكن إِلَّا أَنَّك إِذا ناديته فَهُوَ معرفَة بِالْإِشَارَةِ كَمَا كَانَت هَذِه الْأَسْمَاء غير أَنه مُخَاطب وَهِي مخبر عَنْهَا فَهَذَا يُوضح لَك أَمر الْوَاحِد الْمُفْرد

وَمَعَ ذَلِك أَن الْمُضَاف تَمنعهُ الْإِضَافَة من الْبناء كَمَا كَانَ ذَلِك فِي قبل وَبعد وأمس وَمَا أشبههن

تَقول ذهب أمس بِمَا فِيهِ وَقد ذهب أمسنا وَكَذَلِكَ تَقول جِئْت من قبل وَمن بعد يَا فَتى كَمَا قَالَ الله عز وَجل {وَمن قبل مَا فرطتم فِي يُوسُف} فَلَمَّا أضَاف قَالَ {من بعد أَن أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم} و {من بعد أَن نزع الشَّيْطَان بيني وَبَين إخوتي}

والفصل بَين قَوْلك يَا رجل أقبل إِن أردْت بِهِ الْمعرفَة وَبَين قَوْلك يَا رجلا أقبل إِذا أردْت النكرَة أَنَّك إِذا ضممت فَإِنَّمَا تُرِيدُ رجلا بِعَيْنِه تُشِير إِلَيْهِ دون سَائِر أمته

وَإِذا نصبت ونونت فَإِنَّمَا تَقْدِيره يَا وَاحِدًا مِمَّن لَهُ هَذَا الِاسْم فَكل من أجابك من الرِّجَال فَهُوَ الَّذِي عنيت كَقَوْلِك لَأَضرِبَن رجلا فَمن كَانَ لَهُ هَذَا الِاسْم بر بِهِ قسمك

وَلَو قلت لَأَضرِبَن الرجل لَك لم يكن إِلَّا وَاحِدًا مَعْلُوما بِعَيْنِه إِلَّا أَن هَذَا لَا يكون إِلَّا على مَعْهُود

فأعربت النكرَة لِأَنَّهَا فِي بَابهَا لم تخرجها مِنْهُ وَمَعَ هَذَا أَن التَّنْوِين الَّذِي فِيهِ مَانع من الْبناء كَمَا كَانَ ذَلِك فِي الْمُضَاف وَمن جعل قبل وَبعد نكرتين نون وأجراهما على وُجُوه الْإِعْرَاب وَقد قَرَأَ بعض الْقُرَّاء {لله الْأَمر من قبل وَمن بعد}

فَمن جَعلهمَا نكرتين فتقديره وَالله أعلم لله الْأَمر أَولا وآخرا

وَمن جَعلهمَا معرفتين فتقدير ذَلِك قبل مَا نعلم وَبعده وَقبل كل شَيْء وَبعده

تَقول يَا زيد وَعَمْرو أَقبلَا وَيَا هِنْد وَزيد أَقبلَا تجْرِي كل مُفْرد معرفَة وَإِن اخْتلفت أجناسه مجْرى وَاحِد لِأَن النداء يُخرجهُ إِلَى طَريقَة وَاحِدَة

فَإِن نعت مُفردا بمفرد فَأَنت فِي النَّعْت بِالْخِيَارِ إِن شِئْت رفعته وَإِن شِئْت نصبته

تَقول يَا زيد الْعَاقِل أقبل وَيَا عَمْرو الظريف هَلُمَّ وَإِن شِئْت قلت الْعَاقِل والظريف

أما الرّفْع فلأنك أتبعته مَرْفُوعا

فَإِن قَالَ فَهَذَا الْمَرْفُوع فِي مَوضِع مَنْصُوب فَلم لَا يكون بِمَنْزِلَة قَوْلك مَرَرْت بعثمان الظريف لم تتبعه لاسم لِأَن الِاسْم فِي مَوضِع مخفوض وَأَنه مَنعه أَنه لَا ينْصَرف فجرت صفته على مَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يكون عَلَيْهِ فالفصل بَينهمَا اطراد الْبناء فِي كل منادى مُفْرد حَتَّى يصير الْبناء عِلّة لرفعه وَإِن كَانَ ذَلِك الرّفْع غير إِعْرَاب وَلَيْسَ كل اسْم مَمْنُوعًا من الصّرْف فَمن ذَلِك قَوْله

(يَا حَكَمُ الوارِثُ عَنْ عَبْدِ الملِكْ ... )

فَهُوَ الْأَكْثَر فِي الْكَلَام

وَأما النصب فعلى الْموضع لِأَن مَوضِع زيد مَنْصُوب

فتقدير هَذَا إِذا رفعت تَقْدِير قَوْلك لَيْسَ زيد بقائم وَلَا قَاعد على اللَّفْظ وَإِن كَانَت الْبَاء زَائِدَة

وَتَقْدِير الْمَنْصُوب تَقْدِير قَوْلك لَيْسَ زيد بقائم وَلَا قَاعِدا حملت قَاعِدا على الْموضع إِلَّا أَن هَذَا مُعرب فِي مَوْضِعه وَزيد مَبْنِيّ فِي النداء وَلَكِنِّي مثلت لَك بِمَا اخْتلف وجهاه كاختلاف نعت زيد الْمُفْرد وَمِمَّا جَاءَ من نعت المنادى الْمُفْرد مَنْصُوبًا قَول جرير

(فَمَا كَعْبُ بْنُ مَامَةَ وابنُ سُعْدَى ... بأَجْوَدَ مِنْكَ يَا عُمرُ الجَوادَا) وَإِذا نعت مُفردا بمضاف لم يكن الْمُضَاف إِلَّا مَنْصُوبًا تَقول يَا زيد ذَا الجمة وَيَا زيد غُلَام عَمْرو

والفصل بَين هَذَا وَبَين الْمُفْرد أَنَّك إِذا نعت شَيْئا بِشَيْء فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ لَو كَانَ فِي مَوْضِعه فقولك مَرَرْت بزيد الظريف كَقَوْلِك مَرَرْت بالظريف وَكَذَلِكَ مَرَرْت بِعَمْرو الْعَاقِل

فَأَنت إِذا قلت يَا زيد الظريف فتقديره يَا ظريف على مَا حددت لَك

وقولك يَا زيد ذَا الجمة بِمَنْزِلَة يَا ذَا الجمة فَلذَلِك لم يكن الْمُضَاف إِذا كَانَ نعتا إِلَّا نصبا

أما الْمُضَاف المنادى فنعته لَا يكون إِلَّا نصبا مُفردا كَانَ أَو مُضَافا وَذَلِكَ قَوْلك يَا عبد الله الْعَاقِل لِأَنَّك إِن حَملته على اللَّفْظ فَهُوَ مَنْصُوب والموضع مَوضِع نصب

فَأَما قَوْله

(إِنَّي وأَسْطارٍ سُطِرْنَ سَطْرا ... لقائِلٌ يَا نصرُ نصرٌ نَصْرا)

فَإِن هَذَا الْبَيْت ينشد على ضروب فَمن قَالَ يَا نصر نصرا نصرا فَإِنَّهُ جعل المنصوبين تبيينا لمضموم وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه النحويون عطف الْبَيَان وَمَجْرَاهُ مجْرى الصّفة فأجراه على قَوْلك يَا زيد الظريف وَتَقْدِيره تَقْدِير قَوْلك يَا رجل زيدا أقبل جعلت زيدا بَيَانا للرجل على قَول من نصب الصّفة وينشد يَا نصر نصر نصرا جَعلهمَا تبيانا فَأجرى أَحدهمَا على اللَّفْظ وَالْآخر على الْموضع كَمَا تَقول يَا زيد الظريف الْعَاقِل وَلَو حمل الْعَاقِل على أَعنِي كَانَ جيدا

وَمِنْهُم من ينشد يَا نصر نصر نصرا يَجْعَل الثَّانِي بَدَلا من الأول وَينصب الثَّانِي على التَّبْيِين فَكَأَنَّهُ قَالَ يَا نصر نصرا

وَأما الْأَصْمَعِي فَزعم أَن هَذَا الشّعْر يَا نصر نصرا نصرا وَأَنه إِنَّمَا يُرِيد الْمصدر أَي انصرني نصرا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة هَذَا تَصْحِيف إِنَّمَا قَالَه لنصر بن سيار يَا نصر نصرا نصرا إغراء أَي عَلَيْك نصرا يغريه بِهِ اعْلَم أَن الْبَدَل فِي جَمِيع الْعَرَبيَّة يحل مَحل الْمُبدل مِنْهُ وَذَلِكَ قَوْلك مَرَرْت بِرَجُل زيد وبأخيك أبي عبد الله فكأنك قلت مَرَرْت بزيد ومررت بِأبي عبد الله فعلى هَذَا تَقول يَا زيد أَبَا عبد الله فتنصب أَبَا عبد الله نعتا كَانَ أَو بَدَلا لِأَنَّك إِذا أبدلته مِنْهُ فكأنك قلت يَا أَبَا عبد الله وَتقول يَا أخانا زيدا أقبل لِأَن الْبَيَان يجْرِي مجْرى النَّعْت فكأنك قلت يَا أخانا الظريف أقبل لَا يكون فِي الظريف إِلَّا النصب وَلَا فِي زيد إِذا كَانَ تبيينا

وَاعْلَم أَن الْمَعْطُوف على الشَّيْء يحل مَحَله لِأَنَّهُ شَرِيكه فِي الْعَامِل نَحْو مَرَرْت بزيد وَعَمْرو وَجَاءَنِي زيد وَعَمْرو

فعلى هَذَا تَقول يَا زيد وَعَمْرو أَقبلَا وَيَا زيد وَعبد الله أَقبلَا لِأَن عبد الله إِذا حل مَحل زيد فِي النداء لم يكن إِلَّا نصبا تَقول مَرَرْت بِعَمْرو وَمُحَمّد يَا فَتى لِأَن مُحَمَّدًا إِذا حل هَذَا الْمحل لم يكن إِلَّا مخفوضا منونا

وَتقول يَا عبد الله وَزيد أَقبلَا لَا يكون إِلَّا ذَلِك لما ذكرت لَك فَإِن عطفت اسْما فِيهِ ألف وَلَام على مُضَاف أَو مُنْفَرد فَإِن فِيهِ اخْتِلَافا أما الْخَلِيل وسيبويه والمازني فيختارون الرّفْع فَيَقُولُونَ يَا زيد والْحَارث أَقبلَا وَقَرَأَ الْأَعْرَج {يَا جبال أوبي مَعَه وَالطير}

وَأما أَبُو عَمْرو وَعِيسَى بن عمر وَيُونُس وَأَبُو عمر الْجرْمِي فيختارون النصب وَهِي قِرَاءَة الْعَامَّة

وَحجَّة من اخْتَار الرّفْع أَن يَقُول إِذا قلت يَا زيد والْحَارث فَإِنَّمَا أُرِيد يَا زيد وَيَا حَارِث فَيُقَال لَهُم فَقولُوا يَا الْحَارِث فَيَقُولُونَ هَذَا لَا يلْزمنَا لِأَن الْألف وَاللَّام لَا تقع إِلَى جَانب حرف النداء وَأَنْتُم إِذا نصبتموه لم توقعوه أَيْضا ذَلِك الْموقع فكلانا فِي هَذَا سَوَاء

وَإِنَّمَا جوزت لمفارقتها حرف الْإِشَارَة كَمَا تَقول كل شاه وسخلتها بدرهم وَرب رجل وأخيه وَلَا تَقول كل سخلتها وَلَا رب أَخِيه حَتَّى تقدم النكرَة

وَحجَّة الَّذين نصبوا أَنهم قَالُوا نرد الِاسْم بِالْألف وَاللَّام إِلَى الأَصْل كَمَا نرده بِالْإِضَافَة والتنوين إِلَى الأَصْل فيحتج عَلَيْهِم بالنعت الَّذِي فِيهِ الْألف وَاللَّام وكلا الْقَوْلَيْنِ حسن

وَالنّصب عِنْدِي حسن على قِرَاءَة النَّاس

مثل ذَلِك اخْتلَافهمْ فِي الِاسْم المنادى إِذا لحقه التَّنْوِين اضطرارا فِي الشّعْر فَإِن الْأَوَّلين يرَوْنَ رَفعه وَيَقُولُونَ هُوَ بِمَنْزِلَة مَرْفُوع لَا ينْصَرف فَلحقه التَّنْوِين على لَفظه

وَأَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء وَأَصْحَابه يلزمونه النصب وحجتهم فِي ذَلِك مَا ذكرت لَك وَيَقُولُونَ هُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك مَرَرْت بعثمان يَا فَتى فَمَتَى لحقه التَّنْوِين رَجَعَ إِلَى الْخَفْض فمما جَاءَ على ذَلِك قَول مهلهل

(رَفَعتْ رَأْسَهَا إِليَّ وقَالَتْ ... يَا عَدِيًّا لقَدْ وقَتْك الأَواقي)

وَالْأَحْسَن عِنْدِي النصب وَأَن يردهُ التَّنْوِين إِلَى أَصله كَمَا كَانَ ذَلِك فِي النكرَة والمضاف وَكَذَلِكَ بَيت الْأَحْوَص

(سلامُ اللهِ يَا مطَرُ عليْها ... وليسَ عليكَ يَا مَطَرُ السلامُ) وَقَالَ الآخر

(يَا عَدِيًّا لِقَلْبِكَ المُهْتَاجِ ... )

وَأما قَول الصلتان

(أَيَا شَاعِرًا لَا شَاعِر اليَوْمَ مِثْلَهُ ... جَرِيرٌ ولكنْ فِي كُلَيْبٍ تَواضُعُ)

فَكَانَ الْخَلِيل يزْعم أَن هَذَا لَيْسَ نِدَاء من أجل الْمَعْنى وَذَلِكَ أَنه لَو ناداه كَانَ قد نَادَى منكورا وَكَانَ كل من أَجَابَهُ مِمَّن لَهُ هَذَا الِاسْم فَهُوَ الَّذِي نَادَى كَقَوْلِك إِذا جَاءَ رجل فَأَعْلمنِي فَإِنَّمَا أخْبرته بِأَن يعلمك إِذا جَاءَ وَاحِد مِمَّن لَهُ هَذِه البنية قَالَ فَكيف يكون نكرَة وَهُوَ يقْصد إِلَى وَاحِد بِعَيْنِه فيفضله وَلَكِن مجازاه أَنه قَالَ يَا فنبه ثمَّ قَالَ عَلَيْكُم شَاعِرًا لَا شَاعِر الْيَوْم مثله وَفِيه معنى التَّعَجُّب كَأَنَّهُ قَالَ حَسبك بِهِ شَاعِرًا لما فِيهِ من معنى وَاللَّفْظ على مَا شرحت لَك

وَإِذا كَانَت الصّفة لَازِمَة تحل مَحل الصِّلَة فِي أَنه لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا لإبهام الْمَوْصُوف لم يكن إِلَّا رفعا لِأَنَّهَا وَمَا قبلهَا بِمَنْزِلَة الشَّيْء الْوَاحِد لِأَنَّك إِنَّمَا ذكرت مَا قبلهَا لتصل بِهِ إِلَى ندائها فَهِيَ الْمَدْعُو فِي الْمَعْنى وَذَلِكَ قَوْلك يَا أَيهَا الرجل أقبل أَي مدعُو وَالرجل نعت لَهَا وَهَا للتّنْبِيه لِأَن الْأَسْمَاء الَّتِي فِيهَا الْألف وَاللَّام صِفَات للمبهمة مبينَة عَنْهَا ونفسر ذَلِك مستقصي ثمَّ نعود إِلَى مَوْضِعه من النداء إِن شَاءَ الله

تَقول جَاءَنِي هَذَا الرجل فالرجل فِي غير هَذَا الْموضع لَا يذكر إِلَّا على مَعْهُود نَحْو قَوْلك جَاءَنِي الرجل فَمَعْنَاه الَّذِي عَرفته وَالَّذِي كَانَ بيني وَبَيْنك فِيهِ ذكر

فَإِذا قلت جَاءَنِي هَذَا الرجل لم يكن على مَعْهُود وَلَكِن مَعْنَاهُ الَّذِي ترى فَإِنَّمَا هَذَا اسْم مُبْهَم يَقع على كل مَا أَوْمَأت إِلَيْهِ بقربك وَإِنَّمَا توضحه بِمَا تنعته بِهِ ونعته الْأَسْمَاء الَّتِي فِيهَا الْألف وَاللَّام وَيجوز أَن تنعته بِالصِّفَاتِ الَّتِي فِيهَا الْألف وَاللَّام إِذا أَقمت الصّفة مقَام الْمَوْصُوف فَتَقول مَرَرْت بِهَذَا الطَّوِيل إِذا أَشرت إِلَيْهِ فَعلم مَا تَعْنِي بالطويل

وأصل النَّعْت بِهَذِهِ الْأَسْمَاء كَمَا وصفت لَك

فَإِذا قلت يَا أَيهَا الرجل لم يصلح فِي الرجل إِلَّا الرّفْع لِأَنَّهُ المنادى فِي الْحَقِيقَة وَأي مُبْهَم متوصل بِهِ إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ يَا هَذَا الرجل إِذا جعلت هَذَا سَببا إِلَى نِدَاء الرجل فَإِذا أردْت أَن تقف على هَذَا كَمَا تقف على زيد فتنادي تَقول يَا هَذَا ثمَّ تنعته كنت فِي النَّعْت مُخَيّرا كَمَا كنت فِي نعت زيد

والفصل بَيت أَي وَبَين هَذَا أَن هَذَا اسْم للْإِشَارَة فَهُوَ يَكْتَفِي بِمَا فِيهِ من الْإِيمَاء

وَأي مجازها مجَاز مَا وَمن تكون اسْما فِي الْخَبَر بصلَة وَتَكون استفهاما ومجازاة فَتَقول أَيهمْ فِي الدَّار كَمَا تَقول من فِي الدَّار وَمَا عنْدك إِلَّا أَن أيا يسْأَل بهَا عَن شَيْء من شَيْء تَقول أَي الْقَوْم زيد؟ فزيد وَاحِد مِنْهُم وَأي بنيك أحب إِلَيْك

وَمن لَا تكون إِلَّا لما يعقل تَقول من فِي الدَّار فَالْجَوَاب زيد أَو عَمْرو وَمَا أشبه ذَلِك وَلَيْسَ جَوَابه أَن تَقول فرس أَو حمَار أَو طَعَام أَو شراب

وَلَو قلت أَي الالة عنْدك أَو أَي الظّهْر عنْدك؟ أجبْت عَن هَذَا على مِقْدَار الْمَسْأَلَة

وَمَا تقع على كل شَيْء وحقيقتها أَن يسْأَل بهَا عَن ذَوَات غير الْآدَمِيّين وَعَن صِفَات الْآدَمِيّين

تَقول مَا عنْدك فتجيب عَن كل شَيْء مَا خلا من يعقل فَأَما وُقُوعهَا على صِفَات الْآدَمِيّين فَأن تَقول مَا زيد فَيَقُول لَك طَوِيل أَو شرِيف أَو نَحْو ذَلِك

فَإِذا أَقمت الصّفة مقَام الْمَوْصُوف أوقعتها على من يعقل وَإِقَامَة الصّفة مقَام الْمَوْصُوف كَقَوْلِك مَرَرْت بظريف ومررت بعاقل فَإِنَّمَا حد هَذَا أَن يكون تَابعا للاسم وأقمته مقَامه

فمما وَقع مَا فِيهِ على الْآدَمِيّين قَول الله {وَالَّذين هم لفروجهم حافظون إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم فَإِنَّهُم غير ملومين}

وَقَالَ قوم مَا وصلتها مصدر فَمَعْنَاه أَو ملك أَيْمَانهم وَهَذَا أَقيس فِي الْعَرَبيَّة وَقَالَ الله عز وَجل {وَالسَّمَاء وَمَا بناها} فَقَالَ قوم إِنَّمَا هُوَ وَالسَّمَاء وبنائها وَقَالَ قوم مَعْنَاهُ وَمن بناها على مَا قيل فِيمَا قبله

فَأَما وُقُوع هَذِه الْأَسْمَاء فِي الْجَزَاء وَفِي معنى الَّذِي فَبين وَاضح نَحْو من يأتني آته و {وَمَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا} و {أيا مَا تدعوا فَلهُ الْأَسْمَاء الْحسنى} فَلذَلِك أخرنا شَرحه حَتَّى نذكرهُ فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله

فَأَما قَوْله

(يَا أَيُّها الجاهِلُ ذُو التَّنَزِّي ... ) وَيَا أَيهَا الرِّجَال ذُو المَال فَإِن الَّذِي يخْتَار الرّفْع وَذَلِكَ لِأَن الرجل مَرْفُوع غير مَبْنِيّ وَذُو التنزي نعت لَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك جَاءَنِي الرجل ذُو المَال

وَالنّصب يجوز على أَن تَجْعَلهُ بَدَلا من أَي فكأنك قلت يَا أَيهَا الرجل يَا ذَا التنزي

وَتقول يَا زيد الْعَاقِل ذُو المَال إِن جعلت ذَا المَال من نعت الْعَاقِل

فَإِن جعلته من نعت زيد أَو بَدَلا من زيد فالنصب

وَتَقْدِيره إِذا كَانَ نعتا يَا زيد ذَا المَال وَإِذا كَانَ بَدَلا فتقديره يَا ذَا المَال

وَأما قَوْله يَا أَيهَا الرجل ذُو الجمة فَلَا يجوز أَن يكون ذُو الجمة من نعت أَي لَا تَقول يَا أَيهَا ذَا الجمة وَذَلِكَ لِأَن المبهمة معارف بأنفسها فَلَا تكون نعوتها معارف بغَيْرهَا لِأَن النَّعْت هُوَ المنعوت فِي الْحَقِيقَة لَا تَقول مَرَرْت بِهَذَا ذِي المَال على النَّعْت كَمَا تَقول بِهَذَا الرجل وَرَأَيْت غُلَام هَذَا الرجل

وَنَظِير مَا ذكرت لَك قَوْله

(أَلا أَيُهذا المنزلُ الدارِسُ الَّذِي ... كأَنَّكَ لَمْ يَعْهَدْ بِكَ الحيَّ عاهِدُ) تجْعَل هَذَا نعتا لأي لِأَنَّهُ مُبْهَم مثله فَهَذَا مَا ذكرت لَك من أَن نعت الشَّيْء على منهاجه

وَتقول يَا هَذَا الطَّوِيل أقبل فِي قَول من قَالَ يَا زيد الطَّوِيل

وَمن قَالَ يَا زيد الطَّوِيل قَالَ يَا هَذَا الطَّوِيل وَلَيْسَ بنعت لهَذَا وَلكنه عطف عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي يُسمى عطف الْبَيَان أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت جَاءَنِي زيد فَخفت أَن يلتبس الزيدان على السَّامع أَو الزيود قلت الطَّوِيل وَمَا أشبهه لتفصل بَينه وَبَين غَيره وَلَا تذكر إِلَّا مَا يَخُصُّهُ مِمَّن لَهُ مثل اسْمه

وَإِذا قلت جَاءَنِي هَذَا فقد أَوْمَأت لَهُ إِلَى وَاحِد بحضرتك وبحضرتك أَشْيَاء كَثِيرَة فَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن تبين لَهُ عَن الْجِنْس الَّذِي أَوْمَأت إِلَيْهِ ليفصل ذَلِك من جَمِيع مَا بحضرتك مِمَّا يرَاهُ فَأَنت هُنَاكَ إِنَّمَا تخص لَهُ شَيْئا من شَيْء مِمَّا يعرفهُ بِقَلْبِه وَأَنت هَا هُنَا إِنَّمَا تبين لَهُ وَاحِد من جمَاعَة تلحقها عينه

فَأَما الطَّوِيل وَمَا أشبهه فَإِنَّمَا حَده أم يكون تَابعا لما يلْحق المبهمة من الْجَوَاهِر تَقول جَاءَنِي هَذَا الرجل الطَّوِيل واشتريت هَذَا الْحمار الفاره يَا هَذَا

وَاعْلَم أَن كل مَوضِع يَقع فِيهِ الْمُضَاف مَنْصُوبًا فِي النداء فَهُوَ الْموضع الَّذِي يَقع فِيهِ الْمُفْرد مضموما غير منون وكل مَوضِع يرْتَفع فِيهِ الْمُضَاف فَهُوَ الْموضع الَّذِي يَقع فِيهِ الْمُفْرد منونا

تَقول يَا أَيهَا الرجل زيد على قَوْلك يَا أَيهَا الرجل ذُو المَال لِأَن زيدا تَبْيِين للرجل كَمَا كَانَ ذُو المَال نعتا للرجل وَإِنَّمَا منعنَا أَن نقُول زيد نعت لِأَن النَّعْت تحلية وَلَيْسَت الْأَسْمَاء الْأَعْلَام مِمَّا يحلى بهَا وَلكنه تَبْيِين لأي وَشرح

وَتقول يَا أَيهَا الرجل زيد أقبل على الْبَدَل من أَي كَمَا تَقول يَا أَيهَا الرجل ذَا الجمة فالبدل من الشَّيْء يحل مَحَله فكأنك قلت يَا زيد وَيَا ذَا الجمة

وَتقول يَا أَيهَا الرجل الضَّارِب زيدا كَمَا تَقول يَا أَيهَا الرجل الظريف وَكَذَلِكَ يَا أَيهَا الرجل الْحسن الْوَجْه وَيَا زيد الْحسن الْوَجْه ترفع لِأَنَّهُ مُفْرد وَإِن كنت قد خفضت الْوَجْه لِأَن تَقْدِيره يَا زيد الْحسن وَجهه وَيَا زيد الْحسن لِأَنَّك نَعته بالْحسنِ ثمَّ بلغت بِهِ موضعا مِنْهُ أَو بِسَبَبِهِ فَهُوَ يجْرِي فِي كل ذَلِك مجْرى الظريف

فَإِن قَالَ قَائِل فَنحْن نجده فِي اللَّفْظ مُضَافا تَقول هَذَا الْحسن الْوَجْه كَمَا تَقول هَذَا صَاحب الدَّار يَا فَتى

قيل لَهُ الْفَصْل بَين هَذَا وَذَاكَ أَنَّك تَقول هَذَا حسن وَجهه فَترفع الْوَجْه بِأَن الْفِعْل لَهُ فَإِذا أدخلت الْألف وَاللَّام قلت هَذَا الْحسن وَجهه فتقديره هَذَا الَّذِي حسن وَجهه كَمَا تَقول هَذَا الْقَائِم أَبوهُ فَلَا معنى للإضافة هَا هُنَا

فَإِذا قلت هَذَا الْحسن الْوَجْه فَإِنَّمَا هُوَ مَنْقُول من هَذَا كَمَا ينْقل النصب من قَوْلك الْحسن وَجها فَلَيْسَ بِخَارِج من معنى الَّذِي وعَلى هَذَا ينشد هَذَا الْبَيْت

(يَا صاحِ يَا ذَا الضامِرُ العَنْسِ ... والرَّحْلِ والأَقْتَابِ والحِلْسِ)

يُرِيد الَّذِي ضمرت عنسه وَسَنذكر حَال هَذِه الْأَسْمَاء إِذا كَانَت مناداة وَمَا يصلح أَن يعرف مِنْهَا وينكر إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب الْأَسْمَاء الَّتِي يلْحقهَا مَا يلْحق الْأَسْمَاء المضافة من النصب لما يضم إِلَيْهِ

تَقول يَا خيرا من زيد أقبل وَيَا حسنا وَجهه وَيَا عشْرين رجلا وَيَا ضَارِبًا زيدا وَيَا قَائِما فِي الدَّار وَيَا ضَارِبًا رجلا

أما كَون هَذِه الْأَسْمَاء نكرات فقد قُلْنَا فِي النكرات وَكَيف يجب فِيهَا النصب

وَإِنَّمَا نذْكر هَذِه الْأَسْمَاء إِذا كَانَت معارف وَإِنَّمَا تكون معارف على ضَرْبَيْنِ إِمَّا سميت بِهِ رجلا وَإِمَّا دعوتها فِي موَاضعهَا على حد قَوْلك يَا رجل أقبل تُرِيدُ يَا أَيهَا الرجل أقبل وَأي ذَلِك فلفظها وَاحِد مَنْصُوب

أما قَوْلك يَا ضَارِبًا زيدا فَإِنَّمَا أردْت يَا أَيهَا الضَّارِب فَلَمَّا حذفت الْألف وَاللَّام لحق التَّنْوِين للمعاقبة فَرده إِلَى الأَصْل لِأَنَّك لم تنون مُضْطَرّا كَمَا قَالَ

(سَلامُ اللهِ يَا مَطَرٌ عَلَيْهَا ... وليسَ عليكَ يَا مَطَرُ السَّلامُ)

فَيكون دُخُول التَّنْوِين هَا هُنَا كدخوله على اسْم مَرْفُوع لَا ينْصَرف وَلكنه دخل لِأَن مَا بعده من تَمام الِاسْم الَّذِي قبله فَصَارَ التَّنْوِين كحرف فِي وسط الِاسْم فَلم يكن إِلَّا النصب بِمَا دخل الِاسْم من التَّنْوِين والتمام

وَكَذَلِكَ إِن سميت رجلا ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ لَقلت يَا ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ أقبل وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة قَوْلك للْجَمَاعَة يَا ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ أَقبلُوا لِأَنَّك أردْت يَا أَيهَا الثَّلَاثَة وَيَا أَيهَا الثَّلَاثُونَ

وَلَو قلت يَا ثَلَاثَة وَالثَّلَاثِينَ لجَاز الرّفْع وَالنّصب مثل يَا زيد والْحَارث والْحَارث وَلَكِنَّك أردْت يَا من يُقَال لَهُ ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ فَكل مَا لحق هَذِه الْأَسْمَاء من تَنْوِين أَو اسْم يضم إِلَيْهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْإِضَافَة

وَكَذَلِكَ لَو سميت رجلا بِقَوْلِك زيد وَعَمْرو لَقلت يَا زيدا وعمرا أقبل

وَلَو سميته طَلْحَة وزيدا قلت يَا طَلْحَة وزيدا أقبل فَإِن أردْت بطلحة الْوَاحِدَة من الطلح قلت يَا طَلْحَة وزيدا أقبل لِأَنَّك سميته بهما منكورة وَلم تكن جَمِيع الِاسْم فَيصير معرفَة إِنَّمَا هِيَ من حَشْو الِاسْم كَمَا كَانَت فِيمَا نقلتها عَنهُ

فَأَما قَوْلك يَا زيد منطلق إِذا سميته بِقَوْلِك زيد منطلق فَلَا يجوز غَيره لِأَن زيدا مُبْتَدأ ومنطلق خَبره فقد عمل زيد فِي منطلق عمل الْفِعْل وَلَا يجوز أَن يدْخل عَامل على عَامل وَلَكِنَّك تحكيه كَمَا أَنَّك لَو سميت رجلا قَامَ زيد لَقلت يَا قَامَ زيد وَجَاءَنِي قَامَ زيد كَمَا قَالَ

(كَذَبْتُمْ وبَيْتِ اللهِ لَا تَأخُذُونَها ... بني شِابَ قَرْنَاها تَصُرُّ وتَحْلُبُ)

والفصل بَين هَذَا وَبَين مَا قبله أَن قَوْلك زيد منطلق كَلَام تَامّ وقولك طَلْحَة وَزيد وضارب رجلا وَخير مِنْك بِمَنْزِلَة قَوْلك زيد يحْتَاج إِلَى خبر أَو فعل حَتَّى يتم

وقولك يَا خيرا من زيد إِذا أردْت الْمعرفَة على معنى يَا رجل يكون على ضَرْبَيْنِ إِن شِئْت قلت يَا خيرا من زيد فنونت وَأَنت تُرِيدُ الْألف وَاللَّام كَمَا كَانَ ذَلِك فِيمَا قبله

وَإِن شِئْت قلت يَا خير أقبل وَذَلِكَ لِأَن قَوْلك زيد أفضل من عَمْرو من وَمَا بعْدهَا تعاقبان الْألف وَاللَّام كَمَا تفعل الْإِضَافَة فَمن لم يقل هَذَا خير من زيد قَالَ هَذَا الْأَخير قد جَاءَ وَهَذَا الْأَفْضَل وَمَا أشبهه وَمن لم يقل يَا أفضل من زيد قَالَ يَا أفضل أقبل على معنى يَا أَيهَا الْأَفْضَل فعلى هَذَا يجْرِي أفعل الَّذِي مَعَه من كَذَا

وقولك يَا حسن الْوَجْه إِذا لم ترد النكرَة إِنَّمَا مَعْنَاهُ يَا أَيهَا الْحسن فَهُوَ وَإِن كَانَ مُضَافا فِي تَقْدِير يَا حسنا وَجهه إِذا أردْت يَا أَيهَا الْحسن وَجهه كَمَا وصفت لَك فِي بَابه فِي أول الْكتاب

هَذَا بَاب الاسمين اللَّذين لَفْظهمَا وَاحِد وَالْآخر مِنْهُمَا مُضَاف

وَذَلِكَ قَوْلك يَا زيد عَمْرو وَيَا تيم تيم عدي

فالأجود فِي هَذَا أَن تَقول يَا تيم تيم عدي فَترفع الأول لِأَنَّهُ مُفْرد وتنصب الثَّانِي لِأَنَّهُ مُضَاف وَإِن شِئْت كَانَ بَدَلا من الأول وَإِن شِئْت كَانَ عطفا عَلَيْهِ عطف الْبَيَان فَهَذَا أحسن الْوَجْهَيْنِ

وَالْوَجْه الآخر أَن تَقول يَا تيم تيم عدي وَيَا زيد زيد عَمْرو

وَذَلِكَ لِأَنَّك أردْت بِالْأولِ يَا زيد عَمْرو فإمَّا أقحمت الثَّانِي تَأْكِيدًا للْأولِ وَإِمَّا حذفت من الأول الْمُضَاف اسْتغْنَاء بِإِضَافَة الثَّانِي فَكَأَنَّهُ فِي التَّقْدِير يَا تيم عدي يَا تيم عدي كَمَا قَالَ

(إِلاَّ عُلالَةَ أَو بُداهَةَ ... قارِحٍ نَهْدِ الجُزَارَهْ)

أَرَادَ إِلَّا علالة قارح أَو بداهة قارح فَحذف الأول لبَيَان ذَلِك فِي الثَّانِي فَيكون الْكَلَام على هَذَا مَرَرْت بِخَير وَأفضل من ثمَّ وَقَالَ الفرزدق (يَا منّ رأى عارِضاً أُكَفْكِفُه ... بَيْنَ ذِرَاعيْ وجَبْهةِ الأَسَدِ)

أَرَادَ بَين ذراعي الْأسد وجبهة الْأسد

وينشدون هَذَا الْبَيْت لجرير على الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْله

(يَا تيمُ تَيْمَ عدِيٍّ لَا أَبَا لَكُمُ ... لَا يُلْقِينَّكُمُ فِي سَوْأَةٍ عُمَرُ)

الأجود يَا تيم تيم عدي لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَة فِيهِ وَلَا حذف وَلَا إِزَالَة شَيْء عَن مَوْضِعه وَكَذَلِكَ

(يَا زَيْدُ زَيْدَ اليَعْمَلاتِ الذُّبَّل ... تَطَاوَلَ اللَّيْلُ عليكَ فانْزِلِ)

هَذَا بابء تَابِعَة اللَّذين يجعلان بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد

وَإِنَّمَا الثَّانِي فِي الْحَقِيقَة نعت للْأولِ ولكنهما جعلا بِمَنْزِلَة الْأَسْمَاء الَّتِي يتبع آخر حرف مِنْهَا مَا قبله

وَتلك الْأَسْمَاء نَحْو قَوْلك أَخُوك فتضم الْخَاء من أجل الْوَاو فِي الرّفْع وتفتح فِي النصب وتكسر فِي الْخَفْض إتباعا لما بعْدهَا وَكَذَلِكَ ذُو مَال

وامرؤ يَا فَتى تَقول هَذَا امْرُؤ ومررت بامرئ وَرَأَيْت امْرأ فَتكون الرَّاء تَابِعَة للهمزة

وَذَلِكَ قَوْلك يَا زيد بن عَمْرو فَجعلت زيدا وابنا بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد وأضفته إِلَى مَا بعده

والأجود أَن تَقول يَا زيد بن عَمْرو على النَّعْت وَالْبدل

وَإِنَّمَا يجوز أَن تَقول يَا زيد بن عَمْرو إِذا ذكرت اسْمه الْغَالِب وأضفته إِلَى اسْم أَبِيه أَو كنيته لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكّ من ذَلِك فَهُوَ بِمَنْزِلَة اسْمه الَّذِي هُوَ لَهُ

فَإِن قلت ابْن أخينا وَيَا زيد ابْن ذِي المَال لم يكن إِلَّا كَقَوْلِك يَا زيد ذَا الجمة وَكَذَلِكَ يَا رجل ابْن عبد الله كَأَنَّك قلت يَا رجل يَا ابْن عبد الله وعَلى هَذَا ينشد هَذَا الْبَيْت

(يَا حَكَمَ بْنَ المُنْذِرِ بْنِ الجارُودْ ... )

وَلَو أنْشد يَا حكم بن الْمُنْذر كَانَ أَجود على مَا وَصفنَا فِي صدر الْبَاب

هَذَا بَاب الْحُرُوف الَّتِي تنبه بهَا الْمَدْعُو وَهِي يَا وأيا وهيا وَأي وَألف الِاسْتِفْهَام

فَهَذِهِ الْحُرُوف سوى الْألف تكون لمد الصَّوْت

وَتَقَع وَا فِي الندبة وَفِيمَا مددت بِهِ صَوْتك كَمَا تمده بالندبة وَإِنَّمَا أَصْلهَا للندبة

وَقد تبتدئ الِاسْم منادى بِغَيْر حرف من هَذِه الْحُرُوف وَذَلِكَ قَوْله

(حارُ بنَ عمْر أَلاَ أَحْلامَ تَزْجُرُكُمْ ... عَنَّا وَأَنْتُمْ مِنَ الجُوفِ الجمَاخِير) وَقَالَ الله جلّ وَعز {رب قد آتيتني من الْملك وعلمتني من تَأْوِيل الْأَحَادِيث فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض}

فَأَما الْألف فكقوله

(أَحارُ بْنَ عَمْرو كأَنِّي خَمْر ... ويَعْدُو عَلى المَرْءِ مَا يَأْتمِرْ)

وكقول الآخر

(أَحارُ أَرَى بَرْقًا أُرِيكَ وَمِيْضَهُ ... كَلَمْعِ اليَدَيْنِ فِي حَبِيٍّ مُكَلَّلِ) وَهَذِه الْحُرُوف فَاشِية فِي النداء فَإِذا كَانَ صَاحبهَا قَرِيبا مِنْك أَو بَعيدا ناديته ب (يَا) تَقول يَا زيد وَيَا أَبَا فلَان

وَأما أيا وهيا فَلَا يكونَانِ إِلَّا للنائم والمستثقل والمتراخى عَنْك لِأَنَّهُمَا لمد الصَّوْت

وَاعْلَم أَن للنداء أسماً يخص بهَا فَمِنْهَا قَوْلهم يَا هَناه أقبل وَلَا يكون ذَلِك فِي غير النداء لِأَنَّهُ كِنَايَة للنداء الصفحة فارغة وَكَذَلِكَ يَا نومان وَيَا فستق وَيَا لكاع

وَهَذِه كلهَا معارف

وَزعم سِيبَوَيْهٍ أَنه لَا يُجِيز نعت شَيْء مِنْهَا لَا تَقول يَا لكاع الخبيثة أقبلى لِأَنَّهَا عَلَامَات بِمَنْزِلَة الْأَصْوَات

وَمِنْهَا قَوْلهم يَا فل أقبل وَلَيْسَ بترخيم فلَان وَلَو كَانَ كَذَلِك لَقلت يَا فلَان أقبل وَمِمَّا يزِيدهُ إيضاحاً أَنَّك تَقول يَا فلة أقبلي

وَقد يضْطَر الشَّاعِر فيستعمل هَذَا فِي غير النداء لِأَنَّهَا فِي النداء معارف فينقلها على ذَلِك وَذَلِكَ قَوْلك

(فِي لَجَّة أَمْسك فُلاناً عَنْ فُلِ)

وَقَالَ الآخر

(أُجَوِّلُ مَا أُجَوِّلُ ثُمَّ آوى ... إِلَى بَيْت قَعِيْدتُه لَكاعِ) وَزعم أَن مثله اللَّهُمَّ إِنَّمَا الْمِيم الْمُشَدّدَة فِي آخِره عوض عَن يَا الَّتِي للتّنْبِيه وَالْهَاء مَضْمُومَة لِأَنَّهُ نِدَاء

وَلَا يجوز عِنْده وَصفه وَلَا أرَاهُ كَمَا قَالَ لِأَنَّهَا إِذا كَانَت بَدَلا من يَا فكأنك قلت يَا الله ثمَّ تصفه كَمَا تصفه فِي هَذَا الْموضع

فَمن ذَلِك قَوْله {قل اللَّهُمَّ فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة}

وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ يزْعم أَنه نِدَاء آخر كَأَنَّهُ قَالَ يَا فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض)

وَاعْلَم أَن الِاسْم لَا يُنَادي وَفِيه الْألف وَاللَّام لِأَنَّك إِذا ناديته فقد صَار معرفَة بِالْإِشَارَةِ بِمَنْزِلَة هَذَا وَذَاكَ وَلَا يدْخل تَعْرِيف على تَعْرِيف فَمن ثمَّ لَا تَقول يَا الرجل تعال

وَأما قَوْلهم يَا ألله اغْفِر فَإِنَّمَا دعى وَفِيه الْألف وَاللَّام لِأَنَّهُمَا كَأحد حُرُوفه أَلا ترى أَنَّهُمَا غير بائنتين مِنْهُ وليستا فِيهِ بمنزلتهما فِي الرجل لِأَنَّك فِي الرجل تثبتهما وتحذفهما وهما فِي اسْم الله ثابتتان وَهُوَ اسْم علم

وَزعم سِيبَوَيْهٍ أَن أصل هَذَا إلاه وَأَن الْألف وَاللَّام بدل من همزَة إِلَه فقد صَارا بِمَنْزِلَة مَا هُوَ من نفس الْحَرْف إِذْ كَانَا بَدَلا مِنْهُ وَإِنَّمَا إثباتهم الْألف فِي قَوْلهم يَا ألله فَكَمَا ثَبت مَعَ ألف الِاسْتِفْهَام فِي قَوْلك آلرجل قَالَ ذَاك وَهَذَا يبين فِي مَوضِع ألفات الْقطع والوصل إِن شَاءَ الله

وَلَيْسَ هَذَا الِاسْم بِمَنْزِلَة الَّذِي وَالَّتِي لِأَنَّهُمَا نعت بَائِن من الِاسْم

وَقد اضْطر الشَّاعِر فَنَادَى بِالَّتِي إِذْ كَانَت الْألف وَاللَّام لَا تنفصلان مِنْهَا وَشبه ذَلِك بِقَوْلِك يَا ألله اغْفِر لي فَقَالَ

(مِنَ أجْلِكِ يَا الَّتِي تَيَّمْتِ قَلْبي ... وأَنْتِ بخِيلةٌ بالوُدِّ عَنِّي) كَمَا اضْطر فَأدْخل يَا فِي اللَّهُمَّ لما كَانَ الْعِوَض فِي آخر الِاسْم فَقَالَ

(إنِّي إِذا مَا حَدثٌ أَلَمَّا ... دَعَوْتُ يَا اللَّهمَّ يَا اللَّهُمَّا) وَأما هَذَا الْبَيْت الَّذِي ينشده بعض النَّحْوِيين

(فيا الغُلامانِ اللَّذان فَرّا ... إِيَّاكُما أَنْ تَكْسِبانا شَرَّا)

فَإِن إنشاده على هَذَا غير جَائِز وَإِنَّمَا صَوَابه فيا غلامان اللَّذَان فرا كَمَا تَقول يَا رجل الْعَاقِل أقبل

وَأما قَوْلهم يَا صَاح أقبل فَإِنَّمَا رخموه لكثرته فِي الْكَلَام كَمَا رخموا مَا فِيهِ هَاء التَّأْنِيث إِذْ قَالُوا يَا نخل مَا أحسنك يُرِيد يَا نَخْلَة فرخم قَالَ الشَّاعِر (صاحِ هَلْ أَبْصَرتَ بالخَيْتَيْنِ مِنْ أَسْماءَ نَارا ... )

يُرِيد صَاحب فأسقط النداء ورخم النكرَة

هَذَا بَاب الْمُضَاف إِلَى الْمُضمر فِي النداء

اعْلَم أَن إِضَافَة المنادى إِلَى الْكَاف الَّتِي تقع على الْمُخَاطب محَال

وَذَلِكَ لِأَنَّك إِذا قلت يَا غلامك أقبل فقد نقضت مُخَاطبَة المنادى بمخاطبتك الْكَاف

فَإِن أضفت إِلَى الْهَاء صلح على مَعْهُود كَقَوْل الْقَائِل إِذْ ذكر زيدا يَا أَخَاهُ أقبل وَيَا أَبَاهُ وَنَحْو ذَلِك وَكَذَلِكَ يَا أخانا وَيَا أَبَانَا

فَأَما فِي الندبة فَيجوز يَا غلامك وَيَا أَخَاك لِأَن الْمَنْدُوب غير مُخَاطب وَإِنَّمَا هُوَ متفجع عَلَيْهِ وَهَذَا يحكم فِي بَاب الندبة إِن شَاءَ الله

فَإِن أضفت المنادى إِلَى نَفسك فَفِي ذَلِك أقاويل أَجودهَا حذف الْيَاء وَذَلِكَ كَقَوْلِك يَا غُلَام أقبل وَيَا قوم لَا تَفعلُوا وَيَا جاريت أقبلي قَالَ الله عز وَجل {يَا قوم لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا} وَقَالَ {يَا عبَادي فاتقون} وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ فِي الْقُرْآن من ذَا كَقَوْلِه {رب لَا تذر على الأَرْض} و {رب إِنِّي أسكنت من ذريتي}

وَإِنَّمَا كَانَ حذفهَا الْوَجْه لِأَنَّهَا زِيَادَة فِي الِاسْم غير مُنْفَصِلَة مِنْهُ معاقبة للتنوين حَالَة فِي مَحَله فَكَانَ حذفهَا هَا هُنَا كحذف التَّنْوِين من قَوْلك يَا زيد وَيَا عَمْرو وَكَانَت أَحْرَى بذلك إِذْ كَانَت تذْهب فِي الْموضع الَّذِي يثبت فِيهِ التَّنْوِين وَذَلِكَ إِذا التقى ساكنان وَهِي أَحدهمَا تَقول جَاءَنِي غلامي الْعَاقِل وَجَاءَنِي زيد الْعَاقِل فَتحَرك التَّنْوِين لالتقاء الساكنين وتحذف الْيَاء لالتقاء الساكنين وَمَعَ ذَا فَإِن الْيَاء والكسرة تستثقلان والكسرة تدل على الْيَاء فَإِذا حذفتها دلّت عَلَيْهَا كسرتها وأوضحت لَك الْمَعْنى فَهَذَا القَوْل الْمُخْتَار وَالْقَوْل الثَّانِي أَن تثبتها فَتَقول يَا غلامي أقبل وَيَا صَاحِبي هَلُمَّ وَقد قرئَ {يَا عبَادي فاتقون}

وَحجَّة من أثبتها أَنَّهَا اسْم بِمَنْزِلَة زيد فقولك يَا غلامي بِمَنْزِلَة يَا غُلَام زيد فَلَمَّا كَانَت اسْما والمنادى غَيرهَا ثبتَتْ وَمَعَ هَذَا أَنه من قَالَ يَا غُلَام فِي الْوَصْل فَإِنَّمَا يقف على الْمِيم سَاكِنة فيلتبس الْمُفْرد بالمضاف وَإِن رام الْحَرَكَة فَإِن ذَلِك دَلِيل غير بَين لِأَنَّهُ عمل كالإيماء فَمن ذَلِك قَوْله

(فكنتَ إِذْ كُنْتَ إِلهى وَحْدَكَا ... لَمْ يَكُ شَيءٌ ياَ إِلهي قَبْلَكا)

وَالْوَجْه الثَّالِث أَن تثبت الْيَاء متحركة تَقول يَا غلامي أقبل وَيَا صَاحِبي هَلُمَّ فَتثبت الْيَاء على أَصْلهَا وَأَصلهَا الْحَرَكَة

وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّهَا اسْم على حرف وَلَا يكون اسْم على حرف إِلَّا وَذَلِكَ الْحَرْف متحرك لِئَلَّا يسكن وَهُوَ على أقل مَا يكون عَلَيْهِ الْكَلم فيختل أَلا ترى أَن الْكَاف متحركة من ضربتك ومررت بك وَقمت وَقمت يَا فَتى وَقمت يَا امْرَأَة التَّاء متحركة لِأَنَّهَا اسْم

فَأَما الْألف فِي ضربا ويضربان وَالْوَاو فِي ضربوا ويضربون وَالْيَاء فِي تضربين فَتلك فِي درج الْكَلَام وَلَيْسَت فِي وضع هَذِه الَّتِي تقع موقع الظَّاهِرَة لِأَنَّهَا جعلت بحذاء الحركات الَّتِي يعرب بهَا كالضمة والفتحة والكسرة

أَلا ترى أَن قَوْلك قُمْت التَّاء فِي مَوضِع زيد إِذا قلت قَامَ زيد وَكَذَلِكَ ضربتك الْكَاف فِي مَوضِع زيدا إِذا قلت ضربت زيدا وَكَذَلِكَ هَذِه الْيَاء

وَإِنَّمَا كَانَت حركتها الفتحة لِأَن هَذِه الْيَاء تكسر مَا قبلهَا تَقول هَذَا غلامي وَرَأَيْت غلامي فتكسر الْمَرْفُوع والمنصوب

وَالْيَاء المكسور مَا قبلهَا لَا يدخلهَا خفض وَلَا رفع لثقل ذَلِك نَحْو يَاء القَاضِي ويدخلها الْفَتْح فِي قَوْلك رَأَيْت القَاضِي فَلذَلِك بنيت هَذِه الْيَاء على الْفَتْح

وَإِنَّمَا جَازَ إسكانها فِي قَوْلك هَذَا غلامي وَزيد ضَرَبَنِي لِأَن مَا قبلهَا مَعهَا بِمَنْزِلَة شَيْء وَاحِد فَكَانَ عوضا مِمَّا يحذف مِنْهَا والحركات مستثقلة فِي حُرُوف الْمَدّ واللين فَلذَلِك أسكنت اسْتِخْفَافًا

فمما حركت فِيهِ على الأَصْل قَول الله عز وَجل {ياليتني لم أوت كِتَابيه وَلم أدر مَا حسابيه} حركت الْيَاء على الأَصْل وألحقت الْهَاء لبَيَان الْحَرَكَة فِي الْوَقْف

فَإِن وصلت حذفتها لِأَن حَرَكَة الْيَاء تظهر فِي ماليه وسلطانيه وَمَا كَانَ مثل هَذَا إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك {فبهداهم اقتده} فَإِن وصلت حذفت

وَكَذَلِكَ يقْرَأ {لكم دينكُمْ ولي دين} على الإسكان وَالْحَرَكَة

فَإِن كَانَ مَا قبل هَذِه الْيَاء سَاكِنا فالحركة فِيهَا لَا غير لِئَلَّا يلتقي ساكنان وَذَلِكَ قَوْلك هَذِه عشرى يَا فَتى وَهَذِه رحاي فَاعْلَم و {يَا بني لَا تدْخلُوا من بَاب وَاحِد} حذفت النُّون للإضافة وأدغمت الْيَاء الَّتِي كَانَت فِي يَاء الْإِضَافَة فحركت يَاء الْإِضَافَة لِئَلَّا يلتقي ساكنان على أَصلهمَا وَكَذَلِكَ قَوْلك {هِيَ عصاي أتوكأ عَلَيْهَا} لَا يكون إِلَّا ذَلِك لما ذكرت لَك من سُكُون مَا قبلهَا

وَأما قَوْله {يَا بني إِنَّهَا إِن تَكُ} فَإِنَّمَا أضَاف قَوْله بني فَاعْلَم الْيَاء ثَقيلَة فتصرف فِي الْكَلَام لِأَن الْوَاو وَالْيَاء إِذا سكن مَا قبل كل وَاحِد مِنْهُمَا جَريا مجْرى غير المعتل نَحْو دلو وظبي ومغزو ومرمى لَا يكون ذَلِك إِلَّا معربا

هَذَا بَاب مَالا يجوز فِيهِ إِلَّا إِثْبَات الْيَاء

وَذَلِكَ إِذا أضفت اسْما إِلَى اسْم مُضَاف إِلَيْك نَحْو قَوْلك يَا غُلَام غلامي وَيَا صَاحب صَاحِبي وَيَا ضَارب أخي وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك كَذَلِك لِأَنَّك إِنَّمَا حذفت الأول كحذفك التَّنْوِين من زيد فَكَانَ يَا غُلَام بِمَنْزِلَة يَا زيد فَإِذا قلت يَا غُلَام زيد لم يكن فِي زيد إِلَّا إِثْبَات النُّون لِأَنَّهُ لَيْسَ بمنادى فَكَذَلِك يَا غُلَام غلامي

قَالَ الشَّاعِر

(يَا ابْن أُمِّي ويَا شُقَيِّقَ نَفْسِي ... أَنْتَ خَلَّيْتني لِدهْرٍ شَدِيدِ)

وَقَالَ آخر

(يَا ابْنَ أُمِّي ولَوْ شَهِدْتُكَ إذْ تَدْعُو ... تميما وأَنْتَ غَيْرُ مُجابِ) فَهَذَا حكم جَمِيع هَذَا الْبَاب وَمَجْرَاهُ أَن تثبت الْيَاء فِي كل مَوضِع يثبت فِيهِ التَّنْوِين فِي زيد وَنَحْوه

وَأما قَوْلهم يَا ابْن أم وَيَا ابْن عَم فَإِنَّهُم جعلوهما اسْما وَاحِدًا بِمَنْزِلَة خَمْسَة عشر وَإِنَّمَا فعلوا ذَلِك لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال

أَلا ترى أَن الرجل مِنْهُم يَقُول لمن لَا يعرف وَلمن لَا رحم بَينه وَبَينه يَا ابْن عَم وبا ابْن أم حَتَّى صَار كلَاما شَائِعا مخرجا عَمَّن هُوَ لَهُ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِك خفف فَجعل اسْما وَاحِدًا قَالَ الله عز وَجل {يَا ابْن أم لَا تَأْخُذ بلحيتي وَلَا برأسي} وَلم يكن ذَلِك فِي غير هَذَا إِذْ لم يكن فِيهِ من الِاسْتِعْمَال مَا فِي هَذَا

وَقد قَالُوا يَا ابْن أم لَا تفعل وَذَلِكَ أَنه لما جَعلهمَا اسْما وَاحِدًا صَارَت بِمَنْزِلَة زيد ثمَّ أَضَافَهُ كَمَا تضيف زيدا فَتَقول يَا زيد لَا تفعل

وَمن أثبت الْيَاء فِي زيد أثبتها هَا هُنَا إِلَّا أَن الأجود إِذا أَثْبَتَت الْيَاء أَن يكون إِثْبَاتهَا كإثبات الْيَاء فِي قَوْلك يَا غُلَام غلامي فتجعل ابْنا مُضَافا إِلَى مُضَاف إِلَى الْيَاء

وَالْوَجْه الآخر جَائِز على مَا وصفت لَك

وَأما قَول رؤبة

(إِمَّا تَريْني اليَوْمَ أُمَّ حَمْزِ ... قاربْتُ بَعْدَ عَنَقى وجَمْزى) فَلَيْسَ من هَذَا وَلكنه قدر حَمْزَة أَولا مرخما على قَوْلك يَا حَار فَجعله اسْما على حياله فأضاف إِلَيْهِ كَمَا تضيف إِلَى زيد

وَجُمْلَة هَذَا الْبَاب على مَا صدرنا بِهِ

وَهَذَانِ الاسمان أعنى يَا ابْن أم وَيَا ابْن عَم دخلتهما الْعلَّة الَّتِي دخلت فِي قَوْلك هُوَ جاري بَيت بَيت ولقيته كفة كفة وَهَذَا يشْرَح فِي بَاب مَا يجْرِي ومالا يجْرِي

وإجراؤهما على أصل الْبَاب فِي الْجَوْدَة على مَا ذكرت لَك قَالَ الشَّاعِر

(يَا ابْنَةَ عَمِّي لَا تَلُومِي واهْجعِي ... )

وَبَعْضهمْ ينشد يَا ابْنة عَمَّا

فيبدل من الكسرة فَتْحة وَمن الْيَاء ألفا لِأَن الْيَاء والكسرة مستثقلتان وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع لبس

وكل مُضَاف إِلَى يائك فِي النداء يجوز فِيهِ قلب هَذِه الْيَاء ألفا لِأَنَّهُ لَا لبس فِيهِ وَهُوَ أخف وَبَاب النداء بَاب تَغْيِير أَلا ترى أَنهم يحذفون فِيهِ تَنْوِين زيد وَيدخل فِيهِ وَمثل يَا تيم تيم عدي مثل يَا بؤس للحرب وَيصْلح فِيهِ التَّرْخِيم

وَنَظِير قلبهم هَذِه الْيَاء ألفا مَا قَالُوا فِي مداري وعذاري وبابه إِذا لم يخَافُوا التباسا وَلم يَقُولُوا مثل ذَلِك فِي قَاض لِأَن فِي الْكَلَام مثل فَاعل فكرهوا الالتباس

هَذَا بَاب لَام الْمَدْعُو المستغاث بِهِ وَلَام الْمَدْعُو إِلَيْهِ

فَإِذا دَعَوْت شَيْئا على جِهَة الاستغاثة فَاللَّام مَعَه مَفْتُوحَة تَقول يَا للنَّاس وَيَا لله وَفِي الحَدِيث لما طعن العلج أَو العَبْد عمر رَحمَه الله صَاح يَا لله للْمُسلمين

فَإِن دَعَوْت إِلَى شَيْء فَاللَّام مَعَه مَكْسُورَة تَقول يَا للعجب وَمَعْنَاهُ يَا قوم تَعَالَوْا إِلَى الْعجب فالتقدير يَا قوم للعجب أَدْعُو وَنحن مفسرو هَاتين لم اختلفتا

أما قَوْلهم يَا للعجب وَيَا للْمَاء فَإِنَّمَا كسرو اللَّام كَمَا كسروا مَعَ كل ظَاهر نَحْو قَوْلك للْمَاء أَدْعُو ولزيد الدَّار ولعَبْد الله الثَّوْب

وَأما الْمَفْتُوحَة الَّتِي للمستغاث فَإِنَّمَا فتحت على الأَصْل ليفرق بَينهَا وَبَين هَذِه الَّتِي وَصفنَا وَكَانَ التَّغْيِير لَهَا ألزم لِأَن هَذِه الْأُخْرَى فِي موضعهَا الَّذِي تلْحق هَذِه اللَّام لَهُ وَتلك إِنَّمَا هِيَ بدل من قَوْلك يَا زيداه إِذا مددت الصَّوْت تستغيث بِهِ فيا لزيد بِمَنْزِلَة يَا زيداه إِذا كَانَ غير مَنْدُوب

فَأَما قَوْلنَا فتحت على الأَصْل فَلِأَن أصل هَذِه اللَّام الْفَتْح تَقول هَذَا لَهُ وَهَذَا لَك

وَإِنَّمَا كسرت مَعَ الظَّاهِر فِرَارًا من اللّبْس لِأَنَّك لَو قلت إِنَّك لهَذَا وَأَنت تُرِيدُ لهَذَا لم يدر السَّامع أَتُرِيدُ لَام الْملك أم اللَّام الَّتِي للتوكيد وَكَذَلِكَ يلزمك فِي الْوَقْف فِي جَمِيع الْأَسْمَاء إِذا قلت فِي مَوضِع إِن هَذَا لزيد إِذا هَذَا لزيد لم يدر السَّامع أَتُرِيدُ أَن هَذَا زيد أم هَذَا لَهُ فَلذَلِك كسرت اللَّام فَأَما فِي المكنى فَهِيَ على أَصْلهَا تَقول إِن هَذَا لَك

فَإِن أردْت لَام التوكيد قلت إِن هَذَا لأَنْت لِأَن الِاسْم الَّذِي وضع للرفع لَيْسَ فِي لفظ الِاسْم الَّذِي وضع للخفض

وَتقول يَا للرِّجَال وللنساء تكسر اللَّام فِي النِّسَاء لِأَنَّك إِنَّمَا فتحتها فِي الأول فرار من اللّبْس فَلَمَّا عطفت عَلَيْهِ الثَّانِي علم أَنه يُرَاد بِهِ مَا أُرِيد بِمَا قبله فأجريتها مجْراهَا فِي الظَّاهِر أَلا ترى أَن من يَقُول إِذا قلت لَهُ رَأَيْت زيدا من زيدا إِنَّمَا أَرَادَ أَن يَحْكِي مَا قلت ليعلم أَنه إِنَّمَا يسْأَل عَن زيد الَّذِي ذكرته فَإِن قَالَ وَمن زيد رفع لِأَنَّهُ لما أَدخل الْوَاو أعلمك أَنه يعْطف على كلامك فاستغنى عَن الْحِكَايَة

فمما قيل فِي ذَلِك قَوْله

(يَبْكِيكَ نَاءٍ بعيدُ الدارِ مُغْتَرِبٌ ... يَا لَلْكُهول ولِلشُبَّان لِلْعَجَبِ)

فَهَذَا نَظِير مَا وصفت لَك لم فِي الْعَطف

فَأَما مَا جَاءَ فِي فتح لَام المستغاث بِهِ وَكسر لَام الْمَدْعُو لَهُ فَأكْثر من أَن يُحْصى مِنْهُ مَا أذكرهُ قَالَ الْحَارِث بن خَالِد

(يَا لَلرِّجالِ لِيومِ الأَرْبِعَاءْ أَمَا ... ينْفَكُّ يبْعَثُ لي بَعْد النُّهَى طَرَباً) وَقَالَ آخر

(يَا لَقومٍ مَنْ للنُّهَى والمَساعي ... يَا لَقومي منْ للنَدى والسْماحِ)

(يَا لَعَطَّافِنا ويَا لَرِياحِ ... وأَبى الحَشْرَجِ الفَتى الوَضَّاحِ)

هَذَا بَاب مَا يجوز أَن تحذف مِنْهُ عَلامَة النداء وَمَا لَا يجوز ذَلِك فِيهِ

تَقول زيد أقبل وَتقول من لَا يزَال محسنا تعال وَغُلَام زيد هَلُمَّ رب اغْفِر لنا كَمَا قَالَ جلّ وَعز {رب قد آتيتني من الْملك} وَقَالَ عز وَجل {فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض}

فجملة هَذَا أَن كل شَيْء من الْمعرفَة يجوز أَن يكون نعتا لشَيْء فدعوته أَن حذف يَا مِنْهُ غير جَائِز لِأَنَّهُ لَا يجمع عَلَيْهِ أَن يحذف مِنْهُ الْمَوْصُوف وعلامة النداء وَذَلِكَ أَنه لَا يجوز أَن تَقول رجل أقبل وَلَا غُلَام تعال وَلَا هَذَا هَلُمَّ وَأَنت تُرِيدُ النداء وَذَلِكَ أَنه لَا يجوز أَن تَقول رجل أقبل لِأَن هَذِه نعوت أَي تَقول يَا أَيهَا الرجل وَيَا أَيهَا الْغُلَام وَيَا أيهذا لِأَن أيا مُبْهَم والمبهمة إِنَّمَا تنْعَت بِمَا كَانَ فِيهِ الْألف وَاللَّام أَو بِمَا كَانَ مُبْهما مثلهَا وَهَذَا يُفَسر فِي بَاب الْمعرفَة والنكرة إِن شَاءَ الله

قَالَ الشَّاعِر

(ألاَ أَيُّهذَا المنْزلُ الدارسُ الَّذِي ... كأَنَّك لَمْ يَعْهَدْ بِكَ الحَيَّ عاهِدُ)

وَقَالَ

(أَلاَ أَيُّهَذَا الباخَعُ الوَجْدُ نَفْسَه ... لِشيءٍ نَحَتْهُ عَنْ يَدَيْهِ المَقادِرُ)

وَقَالَ الْأَعْشَى

(أَلاَ أَيُّهَذَا السائِلي أيد يَمَّمَتْ ... فإِنَّ لَهَا فِي أَهْلِ يَثْربَ مَوْعِدَا)

فَهَذَا تَقْدِير يَا أَيهَا إِلَّا أَن يضْطَر شَاعِر فَإِن اضْطر كَانَ لَهُ أَن يحذف مِنْهَا عَلامَة النداء وَأحسن ذَلِك مَا كَانَت فِيهِ هَاء التَّأْنِيث لما يلْزمهَا من التَّغْيِير على أَن جَوَازه فِي الْجَمِيع لَا يكون إِلَّا ضَرُورَة وَقَالَ الشَّاعِر وَهُوَ العجاج

(جارِيَ لَا تَسْتَنْكِري عَذِيرِي) وَقَالُوا فِي مثل من الْأَمْثَال والأمثال يستجار فِيهَا مَا يستجاز فِي الشّعْر لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال لَهَا افتد مخنوق وَأصْبح ليل وأطرق كرا يُرِيدُونَ ترخيم الكروان فِيمَن قَالَ يَا حَار وَكَذَلِكَ قَوْلك

(صاحِ هَلْ أَبْصَرْتَ بالخَبْتَتَيْن مِنْ أَسْماءَ نَارا ... )

وَتقول حافر زَمْزَم أقبل لِأَن هَذَا لَا يكون من نعت أَي

وَكَذَلِكَ أَمِير الْمُؤمنِينَ أَعْطِنِي كَمَا قَالَ

(أَمِيرَ المؤْمِنينَ جَمَعْتَ دِيناً ... وحِلْماً فَاضِلاُ لذَوِي الحُلُومِ)

والنكرة أَصْلهَا لَا يجوز هَذَا فِيهَا وَلَا يجوز أَن تَقول رجلا أقبل وَلَا رجلا من أهل الْبَصْرَة أقبل لِأَنَّهَا شائعة فتحتاج إِلَى أَن يلْزمهَا الدَّلِيل على النداء وَإِلَّا فَالْكَلَام ملتبس

هَذَا بَاب مَا يلْزمه التَّغْيِير فِي النداء وَهُوَ فِي الْكَلَام على غير ذَلِك

فَمن ذَلِك قَوْلهم يَا أَبَت لَا تفعل وَيَا أمت لَا تفعلي فَهَذِهِ الْهَاء إِنَّمَا دخلت بَدَلا من يَاء الْإِضَافَة وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّك إِن جِئْت بِالْيَاءِ حذفتها فَقلت يَا أبي لَا تفعل وَيَا أُمِّي لَا تفعلي

فَأَما الكسرة الَّتِي فِيهَا فدلالة على الْإِضَافَة

وَكَانَت الْهَاء دَاخِلَة على الْأُم لِأَنَّهَا مُؤَنّثَة وعَلى الْأَب كَمَا دخلت فِي رِوَايَة وعلامة للْمُبَالَغَة وَلِأَن الشَّيْئَيْنِ إِذا جَريا مجْرى وَاحِدًا سوى بَين لَفْظهمَا أَلا ترى أَنَّك تَقول فعل أبواي وَهَذَانِ أَبَوَاك تَعْنِي الْأَب وَالأُم وَإِنَّمَا أخرجته مخرج قَوْلك أَب وأبة كَمَا تَقول صَاحب وصاحبة لِأَن كل جَار على الْفِعْل من الْأَسْمَاء فتأنيثه جَار على تذكيره وَمَا كَانَ من غير فعل أَو كَانَ على غير بِنَاء الْفِعْل نَحْو أَحْمَر وعطشان وَمَا أشبه ذَلِك اخْتلف تأنيثه وتذكيره لِأَن الْفِعْل تلْحقهُ الزِّيَادَة للتأنيث فَيكون الِاسْم عَلَيْهِ كَذَلِك تَقول ضرب فَإِن عنيت الْمُؤَنَّث قلت ضربت فعلى هَذَا تَقول ضَارب ضاربة

وَمَا كَانَ من قَوْلك أَحْمَر فالاسم مِنْهُ محمر فَأَما قَوْلك أَحْمَر فمشتق وَلَيْسَ بجار على الْفِعْل فَهَذَا الَّذِي وصفت لَك

وَتقول يَا أم لَا تفعلي وَيَا أَب لَا تفعل إِذا لم ترد قَول من يثبت الْيَاء أَو يعوض مِنْهَا الْهَاء الَّتِي هِيَ تَاء فِي الْوَصْل فَإِن جِئْت بِالتَّاءِ ووقفت عَلَيْهَا كَانَت بِمَنْزِلَة قَوْلك يَا عمَّة وَيَا خَالَة وَيجوز التَّرْخِيم فِيهَا كَمَا جَازَ فِي حمدة وَنَحْوهَا لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت بَدَلا فَإِنَّمَا هِيَ عَلامَة تَأْنِيث فِي وَصلهَا ووقفها سَوَاء

وَقد قرئَ {رب احكم بِالْحَقِّ} فَتَقول إِذا رخمت يَا أم لَا تفعلي فِيمَن قَالَ يَا حَار وترفع فِيمَن قَالَ يَا حَار

وَالْعلم بانها بدل من يَاء الْإِضَافَة كَالْعلمِ بذلك إِذا أثبتها لِأَن قَوْلك يَا أم غير مُسْتَعْمل إِلَّا مُضَافا لِأَنَّهَا من الْأَسْمَاء المضمنة فَإِذا لم تكن مَوْصُولَة بِظَاهِر وَلَا مُضْمر لَهُ عَلامَة الْغَائِب فَهِيَ للمتكلم فَأَما الْمُخَاطب فمحال أَن تكون لَهُ فِي الدُّعَاء لَا تَقول يَا أمك أقبلي لِأَن المخاطبة لَا تجمع اثْنَيْنِ إِلَّا على جِهَة الْإِشْرَاك

والترخيم دَاخل على المعارف لِأَنَّهَا مثبتة مَقْصُود إِلَيْهَا مَبْنِيَّة من غَيرهَا والنكرات شائعة غير مَعْلُوم وَاحِدهَا

هَذَا بَاب المبهمة وصفاتها

اعْلَم أَنَّك إِذا قلت يَا هَذَا الرجل فَإِنَّمَا أبنت المنادى بذكرك الرجل وَلَيْسَ الرجل على مَعْهُود

فَإِن قلت يَا هَذَا ذَا الجمة لم يصلح أَن يكون ذَا الجمة نعتا لِأَن المبهمة لَا تنْعَت بالمضاف لِأَن الْمُضَاف إِنَّمَا هُوَ معرفَة بِمَا بعده والمبهمة لَا يجوز أَن تُضَاف إِلَى شَيْء لِأَنَّهَا لَا تكون إِلَّا معارف بِالْإِشَارَةِ الَّتِي فِيهَا فَلم تكن نعوتها إِلَّا مثلهَا وَلَكِن يجوز هَذَا على وَجْهَيْن على أَن يكون ذَا الجمة نِدَاء ثَانِيًا فَيكون التَّقْدِير يَا هَذَا يَا ذَا الجمة

وعَلى أَن يكون مَنْصُوبًا بأعنى

فَإِن قلت يَا هَذَا الطَّوِيل جَازَ أَن يكون الطَّوِيل عطفا على هَذَا مُبينًا لَهُ وَيجوز أَن يكون نعتا وَلَيْسَ بِوَجْه الْكَلَام وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يُوضح هَذَا باسم فِيهِ ألف وَلَام لَا بنعت لِأَن هَذَا مُبْهَم فَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يُفَسر بِمَا يقْصد إِلَيْهِ

وَتقول يَا هَذَانِ زيد وَعَمْرو وَإِن شِئْت قلت زيدا وعمرا وَإِن شِئْت قلت زيد وَعَمْرو

أما الرّفْع بِغَيْر تَنْوِين فعلى الْبَدَل كَأَنَّك قلت يَا زيد وَيَا عَمْرو

وَأما الرّفْع بتنوين فعلى عطف الْبَيَان على اللَّفْظ

وَأما قَوْلك زيدا وعمرا فعلى عطف الْبَيَان على الْموضع وَلَو قلت يَا هَذَا وَهَذَا الطَّوِيل والقصير لم يجز أَن يكون الطَّوِيل والقصير نعتا لِأَن المبهمة وَمَا بعْدهَا كالشيء الْوَاحِد

أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت يَا هَذَا الرجل أَنَّك إِنَّمَا توسلت بِهَذَا إِلَى دُعَاء الرجل فَصَارَ الْمَعْنى أَنَّك تُرِيدُ بِهِ الرجل الَّذِي أرى فالرجل على غير مَعْهُود فَإِذا قلت يَا هَذَا وَهَذَا خرج الطَّوِيل والقصير من الِاتِّصَال بِهَذَا وَهَذَا وَلكنه يصلح على عطف الْبَيَان وعَلى أعنى إِذا نصبت وَفِي الْعَطف تنصب إِن شِئْت وترفع إِن شِئْت وَلَكِن إِن قلت يَا هَذَانِ الرّجلَانِ وَيَا هَذَانِ الطويلان كَانَ نعتا بِمَنْزِلَة يَا هَذَا الرجل

فَأَما أَي فِي قَوْلك يَا أَيهَا الرجل فَلَا يجوز الْوَقْف على أَي كَمَا وقفت على هَذَا فَأَنت فِي هَذَا مُخَيّر إِن شِئْت أَن تَقول يَا هَذَا الرجل جَازَ وَذَلِكَ لِأَنَّك تَقول يَا هَذَا وتقف فَإِذا وقفت عَلَيْهِ كنت فِي النَّعْت مُخَيّرا كَمَا كَانَ ذَلِك فِي قَوْلك يَا زيد

فَإِن كنت تقدر هَذَا تَقْدِير أَي فِي أَنَّهَا توسل إِلَى نِدَاء الرجل لم يجز إِلَّا الرّفْع لِأَنَّك قدرتها تَقْدِير أَي وَإِنَّمَا حلت هَذَا الْمحل لِأَنَّهَا إِذا لم تكن استفهاما أَو جَزَاء لم تكن اسْما إِلَّا بصلَة فَإِنَّمَا حذفت مِنْهَا الصِّلَة فِي النداء لِأَن النَّعْت قَامَ مقَامهَا فَإِذا قلت يَا أَيهَا الرجل كَانَت أَي وَالرجل بِمَنْزِلَة شَيْء وَاحِد

أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول يَا أَي وتسكت كَمَا تَقول يَا هَذَا وتقف لِأَن هَذَا مجْراهَا فِي الْكَلَام أَن تَتَكَلَّم بهَا وَحدهَا وَأي لَيْسَ كَذَلِك

فعلى هَذَا تَقول يَا هَذَا ذَا الجمة فتبدل مِنْهَا لِأَنَّهَا تَامَّة أَو تسْتَأْنف نِدَاء بعْدهَا فَأَما يَا أَيهَا ذَا الجمة فَلَا يصلح لِأَن أيا لَا يُوقف عَلَيْهَا فتبدل مِنْهَا وَلذَلِك امْتنع يَا أَيهَا الرجل لِأَنَّهَا وَأي بِمَنْزِلَة الشَّيْء الْوَاحِد

فَإِن قلت يَا أَيهَا الرجل ذُو المَال فَجعلت ذَا المَال من نعت الرجل لم يكن فِيهِ إِلَّا الرّفْع على مَا وصفت لَك

وَإِن جعلته من نعت أَي فخطأ لِأَنَّك لَا تَقول يَا أَيهَا ذَا المَال وَإِن جعلته بَدَلا من أَي نصبت

هَذَا بَاب الندبة

وَهُوَ يجْرِي فِي الْكَلَام على ضَرْبَيْنِ أما من أَرَادَ أَن يفصلها من النداء وَألْحق فِي آخرهَا ألفا وَألْحق الْألف فِي الْوَقْف هَاء لخفاء الْألف فتبينها بِالْهَاءِ كَمَا تبين بهَا الْحَرَكَة فَإِن وصل حذفهَا

وَالْوَجْه الآخر أَن تجْرِي مجْرى النداء الْبَتَّةَ وعلامته يَا ووا وَلَا يجوز أَن تحذف مِنْهَا الْعَلامَة لِأَن الندبة لإِظْهَار التفجع وَمد الصَّوْت

وَاعْلَم أَنَّك لَا تندب نكرَة وَلَا مُبْهما وَلَا نعتا لَا تَقول يَا هذاه وَلَا يَا رِجْلَاهُ إِذا جعلت رجلا نكرَة وَلَا يَا زيد الظريفاه لِأَن الندبة عذر للتفجع وَبهَا يخبر الْمُتَكَلّم أَنه قد ناله أَمر عَظِيم وَوَقع فِي خطب جسيم

أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول وامن لَا يعنيني أمره وَلَا وامن لَا أعرفهُ وَذَلِكَ قَوْلك وازيداه فَإِن أتبعته النَّعْت قلت وازيد الظريف سَقَطت الْهَاء لِأَنَّك قد أتبعته كلَاما

وَأَنت فِي الظريف مُخَيّر إِن شِئْت رفعت وَإِن شِئْت نصبت لِأَنَّهُ نعت للمنادى

وَتقول واغلام زيداه واعبد اللهاه لِأَن مَا قبل الْألف لَا يكون إِلَّا مَفْتُوحًا وَسقط التَّنْوِين من زيد لِأَن ألف الندبة زِيَادَة فِي الِاسْم والتنوين زِيَادَة فعاقبت التَّنْوِين

فَأَما من أجْرى الْمَنْدُوب مجْرى المنادى فَإِنَّهُ يَقُول واغلام زيد لِأَنَّهُ إِذا لم يكن أَحدهمَا كَانَ الآخر وَكَذَلِكَ كل متعاقبين

وَتقول وازيدا واعمراه تلْحق الْهَاء بعد الَّذِي تقف عَلَيْهِ لما ذكرت لَك

هَذَا بَاب مَا كَانَ من الْمَنْدُوب مُضَافا إِلَيْك

فَفِي ذَلِك أقاويل أما من قَالَ فِي النداء يَا غُلَام أقبل فَإِنَّهُ يَقُول فِي الندبة يَا غلاماه وَذَلِكَ لِأَن الْألف لحقت هَذِه الْمِيم الْمَكْسُورَة فأبدلت من كسرتها فَتْحة للألف كَمَا أَنَّك أبدلت من ضمة زيد فَتْحة فِي قَوْلك يَا زيداه

وَمن رأى أَن يثبت الْيَاء سَاكِنة فَيَقُول يَا غلامي أقبل فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ قَالَ واغلامياه فحرك لالتقاء الساكنين وَأثبت الْيَاء لِأَنَّهَا عَلامَة وَكَانَت فتحتها هَا هُنَا مستخفة كفتحة الْيَاء فِي القَاضِي وَنَحْوه للنصب

وَإِن شَاءَ حذفهَا لالتقاء الساكنين كَمَا تَقول جَاءَ غُلَام الْعَاقِل وَمن رأى أَن يثبها متحركة قَالَ واغلامياه لَيْسَ غير فَإِن أضفته إِلَى مُضَاف وندبت قلت فِي قَول من جعل للندبة عَلامَة واغلام غلامياه لَا يكون إِلَّا ذَلِك وَكَذَلِكَ وَانْقِطَاع ظهرياه لَا بُد من إِثْبَات الْيَاء كَمَا ذكرت لَك فِي النداء لِأَنَّهُ الْموضع الَّذِي ثَبت فِيهِ التَّنْوِين فِي زيد وَإِنَّمَا حذفت الْيَاء فِي النداء لِأَنَّهَا شبهت بِالتَّنْوِينِ فِي زيد وَهِي مَعَ ذَلِك يجوز ثباتها

فَإِذا كَانَ مَوضِع يثبت فِيهِ التَّنْوِين لم يكن إِلَّا إِثْبَاتهَا

وَمن لم ير أَن يَجْعَل للندبة عَلامَة قَالَ يَا غُلَام غلامي وَيَا غلامي وَإِن شَاءَ قَالَ يَا غُلَام وَهُوَ الْوَجْه لِأَنَّهُ من لم يَجْعَل للندبة عَلامَة جعلهَا بِمَنْزِلَة النداء الصَّحِيح

وَهَذَا الْبَيْت ينشد على وَجْهَيْن

(بكاءَ ثَكْلَى فقدتْ حَمِيما ... فَهِيَ تَرَثَّى بأَبى وابنيما)

فَلم يَجْعَل للندبة عَلامَة وَبَعْضهمْ ينشد فَهِيَ ترثى بأبا وابنيما

وَأما قَوْله

(تبْكِيهُمُ دَهْمَاءُ مُعْوِلةٌ ... وتَقُولُ سُعْدَى وارَزِيَّتِيَهْ)

فَإِنَّهُ لم يَجْعَل للندبة عَلامَة وأجرى مجْرى قَول من دَعَا وحرك الْيَاء فَقَالَ واغلامي أقبل فَأثْبت الْهَاء لبَيَان الْحَرَكَة فَإِن كَانَ مَا قبل يَاء الْإِضَافَة سَاكِنا فَلَا بُد من حَرَكَة الْيَاء وَلَا يجوز حذفهَا كَمَا قلت يَا غُلَام أقبل لِأَن هَذَا يدل على ذهَاب يائه الكسرة وَلَو حذفت الْيَاء وَقبلهَا سَاكن لم يكن عَلَيْهَا دَلِيل وَذَلِكَ إِذا لم تجْعَل للندبة عَلامَة وأضفت قَاضِيا إِلَى نَفسك قلت يَا قَاضِي وَيَا غلامي وَيَا مُسْلِمِي

فَإِن جعلت للندبة عَلامَة قلت يَا قاضياه وَيَا مسلمياه وَيَا عشرياه

هَذَا بَاب مَا تكون ألف الندبة تَابِعَة فِيهِ لغَيْرهَا فِرَارًا من اللّبْس بَين الْمُذكر والمؤنث وَبَين الِاثْنَيْنِ وَالْجمع

وَذَلِكَ قَوْلك إِذا ندبت غُلَاما لامْرَأَة وَأَنت تخاطب الْمَرْأَة واغلامكيه واذهاب غلامكيه لِأَنَّك تَقول للمذكر واغلامكاه وواذهاب غلامكاه وَانْقِطَاع ظهرهيه فِيمَن قَالَ مَرَرْت بظهرهي يَا فَتى

وَمن قَالَ مَرَرْت بظهرهو يَا فَتى قَالَ وَا انْقِطَاع ظهرهوه لِأَنَّهُ يَقُول فِي الْمُؤَنَّث وَانْقِطَاع ظهرهاه

وَتقول فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع كَذَلِك

فَإِن ندبت غُلَاما لجَماعَة قلت واغلامكموه وواذهاب غلامكموه لِأَنَّك تَقول للاثنين واذهاب غلامكماه وَفِي كل هَذَا قد حذفت من الِاثْنَيْنِ وَالْجمع الْألف وَالْوَاو لالتقاء الساكنين

وَتقول واذهاب غلامهموه فِي قَول من قَالَ مَرَرْت بغلامهموه وَمن قَالَ مَرَرْت بغلامهمي يَا فَتى قَالَ واذهاب غلامهميه وَهَذِه الْهَاء وَالْمِيم وَالْهَاء لعلامة الْمُضمر الَّذِي يَقع فِي رَأَيْته ومررت بِهِ تبين فِي مواضعهن إِن شَاءَ الله وَكَانَ يُونُس يُجِيز أَن يلقِي عَلامَة الندبة على النَّعْت فَيَقُول وازيد الظريفاه وازيداه أَنْت الْفَارِس البطلاه

وَهَذَا عِنْد جَمِيع النَّحْوِيين خطأ لِأَن الْعَلامَة إِنَّمَا تلْحق مَا لحقه تَنْبِيه النداء لمد الصَّوْت والنعت خَارج من ذَا

وَلَو قلت وامن حفر زمزماه وَا أَمِير المؤمنيناه كَانَ جيدا لِأَنَّك قد ندبت معروفين وَلَو قلت وَا أميراه لم يجز لِأَنَّك لم تدل على الْمَنْدُوب وَكَذَلِكَ لَو قلت واهذاه لم يجز لِأَنَّك إِنَّمَا ندبت اسْما مَعْرُوفا بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ وَلنْ تدل عَلَيْهِ بِإِضَافَة وَإِنَّمَا تتفجع لَهُ باسم أَو إِضَافَة تجمع عَلَيْهِ أَو بِشَيْء من أَسْمَائِهِ يعرف بِهِ يكون عذرا للتفجع كَقَوْلِك واسيد العرباه إِذا كَانَ الْمَنْدُوب مَعْرُوفا بذلك

هَذَا بَاب الْمعرفَة والنكرة

وأصل الْأَسْمَاء النكرَة وَذَلِكَ لِأَن الِاسْم الْمُنكر هُوَ الْوَاقِع على كل شَيْء من أمته لَا يخص وَاحِد من الْجِنْس دون سائره وَذَلِكَ نَحْو رجل وَفرس وحائط وَأَرْض وكل مَا كَانَ دَاخِلا بالبنية فِي اسْم صَاحبه فَغير مُمَيّز مِنْهُ إِذْ كَانَ الِاسْم قد جَمعهمَا

والمعرفة تدخل على أضْرب جِمَاعهَا خَمْسَة أَشْيَاء

فَمن الْمعرفَة الِاسْم الْخَاص نَحْو زيد وَعَمْرو لِأَنَّك إِنَّمَا سميته بِهَذِهِ الْعَلامَة ليعرف بهَا من غَيره فَإِذا قلت جَاءَنِي زيد علم أَنَّك لقِيت بِهِ وَاحِدًا مِمَّن كَانَ دَاخِلا فِي الْجِنْس ليبان من سَائِر ذَلِك الْجِنْس

فَإِن عرف السَّامع رجلَيْنِ أَو رجَالًا كل وَاحِد مِنْهُم يُقَال لَهُ زيد فصلت بَين بَعضهم وَبَعض بالنعت فَقلت الطَّوِيل والقصير لتميز وَاحِد مِمَّن تعرفه فتعلمه أَنه الْمَقْصُود إِلَيْهِ مِنْهُم

فَإِن كَانَ هُنَاكَ طويلان أبنت أَحدهمَا من صَاحبه بِمَا لَا يُشَارِكهُ صَاحبه فِيهِ وَهَذَا نوع من التَّعْرِيف وَنَوع آخر وَهُوَ مَا أدخلت عَلَيْهِ ألفا ولاما من هَذِه الْأَسْمَاء الْمُشْتَركَة وَذَلِكَ قَوْلك جَاءَنِي الرجل وَلَقِيت الْغُلَام لِأَن مَعْنَاهُ الرجل الَّذِي تعلم والغلام الَّذِي قد عرفت

وَمَا أضفته إِلَى معرفَة فَهُوَ معرفَة نَحْو قَوْلك غُلَام زيد وَصَاحب الرجل وَإِنَّمَا صَار معرفَة بإضافتك إِلَيْهِ إِلَى مَعْرُوف

وَمن الْمعرفَة الْأَسْمَاء المبهمة وَإِنَّمَا كَانَت كَذَلِك لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو من أحد أَمريْن إِمَّا كَانَت للْإِشَارَة نَحْو هَذَا وَذَاكَ وَتلك وَأُولَئِكَ وَهَؤُلَاء أما مَا كَانَ مِمَّا يدنو مِنْك من الْمُذكر فَإنَّك تَقول فِيهِ هَذَا وَالْأَصْل ذَا وَهَا للتّنْبِيه

وَتقول للْأُنْثَى ذه وته وتا

فَإِن ألحقت التَّنْبِيه قلت هَذِه وهاتا وهاته كَمَا قَالَ

(ونَبَّأْتُمَاني أَنَّمَا المَوْتُ بالقُرَى ... فَكَيْفَ وهاتَا هضْبةٌ وقَلِيبُ)

وكما قَالَ الآخر

(ولَيْسَ لَعَيْشِنا هَذَ مَهاهٌ ... ولَيْسَتْ دَارُنا هاتَا بِدَارِ) وَمَا كَانَ من هَذَا متراخيا عَنْك من الْمُذكر فَهُوَ ذَاك وَذَلِكَ وَالْكَاف لَا مَوضِع لَهَا وَهَذَا يذكر فِي بَابه

وَمَا كَانَ من الْمُؤَنَّث فَهُوَ تِلْكَ وتيك وهاتيك وهاتاك

فَإِن ثنيت أَو جمعت قلت هَذَانِ وَفِي الْمُؤَنَّث هَاتَانِ

وَمن قَالَ فِي الْوَاحِدَة هَذِه لم يجز أَن يثني إِلَّا على قَوْلك هاتا لِئَلَّا يلتبس الْمُذكر بالمؤنث

وَتقول فِي الْجمع الْحَاضِر هَؤُلَاءِ وأولاء وهؤلا وأولا يمد جَمِيعًا وَيقصر وَالْمدّ أَجود نَحْو قَوْله عز وَجل {هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ تدعون} وَكَقَوْلِه {هَؤُلَاءِ قَومنَا اتَّخذُوا من دونه} وَالْقصر يجوز وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع تَفْسِيره

قَالَ الْأَعْشَى

(هاؤلا ثُمَّ هؤلا كُلاًّ اعطيتَ نِعالا مَحْذُوَّةً بمثَالِ ... )

وَهَا فِي جَمِيع هَذَا زَائِدَة والمتراخي تَقول فِيهِ أُولَئِكَ وَمن قصر هَؤُلَاءِ قَالَ أولاك لِأَن الْكَاف إِنَّمَا تلْحق للمخاطبة على مَا كَانَ للحاضر لتَكون فصلا بَينهمَا

وَإِنَّمَا صَارَت هَذِه معارف بِمَا فِيهَا من الْإِشَارَة

وَمن الْمعرفَة الْمُضمر نَحْو الْهَاء فِي ضَربته ومررت بِهِ وَالْكَاف فِي ضربتك ومررت بك وَالتَّاء فِي قُمْت وَقمت وَقمت يَا امْرَأَة

والمضمر الْمُنْفَصِل نَحْو هُوَ وَأَنت وإياه وَإِيَّاك

وَمَا لحقته التَّثْنِيَة من جَمِيع مَا وَصفنَا نَحْو مَرَرْت بكما ومررت بهما ومررت بهَا وضربتها وضربتهما وَكَذَلِكَ مَرَرْت بهم وضربتهم

والمنفصل فِي قَوْلهم هُوَ وهما وَإِيَّاك وإياكما وَإِيَّاكُم وإياه وإياهما وَإِيَّاهَا وإياهم وَإِيَّاهَا وإياهن

ومررت بهَا ومررت بهما وبهن

والمضمر الَّذِي لَا عَلامَة لَهُ نَحْو قَوْلك زيد قَامَ وَهِنْد قَامَت وَهُوَ الَّذِي يظْهر الْألف فِي تثنيته فَتَقول قاما وقامتا وَالْوَاو فِي قَامُوا الرِّجَال وَالنُّون فِي قمن النِّسَاء وَالْيَاء فِي قَوْلك أَنْت تقومين وَمَا أشبه هَذَا

وَإِنَّمَا صَار الضَّمِير معرفَة لِأَنَّك لَا تضمره إِلَّا بعد مَا يعرفهُ السَّامع وَذَلِكَ أَنَّك لَا تَقول مَرَرْت بِهِ وَلَا ضَربته وَلَا ذهب وَلَا شَيْئا من ذَلِك حَتَّى تعرفه وَتَدْرِي إِلَى من يرجع هَذَا الضَّمِير وَهَذِه المعارف بَعْضهَا أعرف من بعض وَنحن مميزو ذَلِك إِن شَاءَ الله كَمَا أَن النكرَة بَعْضهَا أنكر من بعض

فالشيء أَعم مَا تَكَلَّمت بِهِ والجسم أخص مِنْهُ وَالْحَيَوَان أخص من الْجِسْم وَالْإِنْسَان أخص من الْحَيَوَان وَالرجل أخص من الْإِنْسَان وَرجل ظريف أخص من رجل

وَاعْتبر هَذَا بِوَاحِدَة بأنك تَقول كل رجل إِنْسَان وَلَا تَقول كل إِنْسَان رجل

وَتقول كل إِنْسَان حَيَوَان وَلَا تَقول كل حَيَوَان إِنْسَان وَمَا كَانَ من النكرات لَا تدخله الْألف وَاللَّام فَهُوَ أقرب إِلَى المعارف نَحْو قَوْلك هَذَا خير مِنْك وَأفضل من زيد وَسَنذكر هَذَا مُبينًا إِن شَاءَ الله

فعلى قدر هَذَا المعارف وَكلما كَانَ الشَّيْء أخص فَهُوَ أعرف

فأخص المعارف بعد مَا لَا يَقع عَلَيْهِ القَوْل إِضْمَار الْمُتَكَلّم نَحْو أَنا وَالتَّاء فِي فعلت وَالْيَاء فِي غلامي وضربتني لِأَنَّهُ لَا يشركهُ فِي هَذَا أحد فَيكون لبسا وَقد يكون بِحَضْرَتِهِ اثْنَان أَو أَكثر فَلَا يدْرِي أَيهمَا الْمُخَاطب؟

فالمضمرة لَا تنْعَت لِأَنَّهَا لَا تكون إِلَّا بعد معرفَة لَا يشوبها لبس

وَمَا كَانَ من الْأَسْمَاء علما فَهُوَ ينعَت بِثَلَاثَة أَشْيَاء ينعَت بِمَا فِيهِ الْألف وَاللَّام نَحْو الظريف والعاقل تَقول مَرَرْت بزيد الْعَاقِل وَرَأَيْت زيدا الْكَرِيم

وَبِمَا كَانَ مُضَافا نَحْو قَوْلك مَرَرْت بزيد أَخِيك وَبِعَبْد الله ذِي المَال وبالأسماء المبهمة نَحْو رَأَيْت زيدا هَذَا ومررت بعمروا ذَاك وَمَا كَانَ مُضَافا إِلَى غير مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام فَكَذَلِك نَعته تَقول مَرَرْت بأخيك الطَّوِيل وَجَاءَنِي غُلَام زيد الْعَاقِل ومررت بأخيك ذِي المَال وَرَأَيْت أَخَاك ذَا الجمة وَجَاءَنِي أَخُوك هَذَا

وَمَا كَانَ من المبهمة فبابه أَن ينعَت بالأسماء الَّتِي فِيهَا الْألف وَاللَّام ثمَّ بالنعوت الَّتِي فِيهَا الْألف وَاللَّام إِذا جَعلتهَا كالأسماء وَلَا يجوز أَن تنْعَت بالمضاف لعِلَّة نذكرها وَذَلِكَ قَوْلك مَرَرْت بِهَذَا الرجل وَرَأَيْت هَذَا الْفرس يَا هَذَا فالفرس وَمَا قبله بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد وَإِن كَانَ نعتا لَهُ لِأَنَّك إِذا أَوْمَأت وَجب أَن تبين فالبيان كاللازم لَهُ

وَتقول مَرَرْت بِهَذَا الظريف إِذا جعلت الظريف كالاسم لَهُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَنْبَغِي أَن تبين عَن النَّوْع الَّذِي تقصده لِأَن هَذَا يَقع على كل مَا أَوْمَأت إِلَيْهِ

وَلَا يجوز أَن تنعتها بِمَا أضيف إِلَى الْألف وَاللَّام لِأَن النَّعْت فِيهَا بِمَنْزِلَة شَيْء وَاحِد مَعهَا فَلَمَّا كَانَت هِيَ لَا تُضَاف لِأَنَّهَا معرفَة بِالْإِشَارَةِ لَا يفارقها التَّعْرِيف لم يجز أَن تُضَاف لِأَن الْمُضَاف إِنَّمَا يقدر نكرَة حَتَّى يعرفهُ أَو يُنكره مَا بعده

فَلذَلِك لَا تَقول جَاءَنِي هَذَا ذُو المَال وَرَأَيْت ذَاك غُلَام الرجل إِلَّا على الْبَدَل أَو تجْعَل رَأَيْت من رُؤْيَة الْقلب فتعديها إِلَى مفعولين

وَأما الْأَسْمَاء الَّتِي فِيهَا الْألف وَاللَّام فتنعت بِمَا كَانَ فِيهِ الْألف وَاللَّام وَبِمَا أضيف إِلَى مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام وَذَلِكَ قَوْلك مَرَرْت بِالرجلِ النَّبِيل وَبِالرجلِ ذِي المَال

والمضمر لَا يُوصف بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بتحلية وَلَا نسب

وَلَا يُوصف لِأَنَّهُ لَا يضمر حَتَّى يعرف وَلِأَن الظَّاهِر لَا يكون نعتا لَهُ كَمَا لَا ينعَت بِهِ وَلكنه يُؤَكد ويبدل مِنْهُ

وَزعم سِيبَوَيْهٍ أَن الشَّيْء لَا يُوصف إِلَّا بِمَا هُوَ دونه فِي التَّعْرِيف فَإِذا قلت هَذَا فقد عَرفته الْمُخَاطب بِعَيْنِه وَقَلبه وَإِذا قلت الرجل أَو الظريف فَإِنَّمَا تعرفه شَيْئا بِقَلْبِه دون عينه

وَأما الْأَسْمَاء الَّتِي هِيَ أَعْلَام نَحْو زيد وَعَمْرو فَلَا ينعَت بهَا لِأَنَّهَا لَيست بتحلية وَلَا نسب وَلَا يكون النَّعْت إِلَّا بِوَاحِد مِنْهُمَا أَو بِمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ

وَنحن مفسرون ذَلِك حرفا حرفا فِي هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله إِذا قلت مَرَرْت بِرَجُل عَاقل أَو طَوِيل فَمن الْفِعْل أَخَذته فحليته بِهِ

فَإِذا قلت مَرَرْت بِرَجُل مثلك أَو حَسبك من رجل أَو مَرَرْت بِرَجُل أَيّمَا رجل فَمَعْنَى مثلك إِنَّمَا هُوَ يشبهك وَأَيّمَا رجل مَعْنَاهُ كَامِل وقولك حَسبك إِنَّمَا مَعْنَاهُ يَكْفِيك يُقَال أحسبني الْأَمر أَي كفاني وَقَوله عز وَجل {عَطاء حسابا} أَي كَافِيا

فَهَذَا مَا كَانَ من التحلية الَّتِي لَا تكون إِلَّا عَن فعل وَمَا ضارع ذَلِك فراجع إِلَى مَعْنَاهُ

وَأما النّسَب فقولك مَرَرْت بِرَجُل تميمي وقيسي وَكَذَلِكَ نسب الْقَرَابَة نَحْو مَرَرْت بزيد أَخِيك وبزيد بن عبد الله

هَذَا بَاب مجْرى نعت النكرَة عَلَيْهَا

وَذَلِكَ قَوْلك مَرَرْت بِرَجُل ظريف فَوجه هَذَا الْخَفْض لِأَنَّك جعلته وَصفا لما قبله كَمَا أجريت نعت الْمعرفَة عَلَيْهَا

وَإِن نصبت على الْحَال جَازَ وَهَذَا يُفَسر فِي بَاب الْحَال إِن شَاءَ الله

وَتقول مَرَرْت بِرَجُل ذِي مَال فقولك ذِي مَال نكرَة لِأَن ذَا مُضَافَة إِلَى مَال وَمَال نكرَة

ومررت بِرَجُل مثلك

فَإِن قَالَ قَائِل كَيفَ يكون الْمثل نكرَة وَهُوَ مُضَاف إِلَى معرفَة هلا كَانَ كَقَوْلِك مَرَرْت بِعَبْد الله أَخِيك فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن الْأُخوة مخطورة وقولك مثلك مُبْهَم مُطلق يجوز أَن يكون مثلك فِي أنكما رجلَانِ أَو فِي أنكما أسمران وَكَذَلِكَ كل مَا تشابهتما بِهِ فالتقدير فِي ذَلِك التَّنْوِين كَأَنَّهُ يَقُول مَرَرْت بِرَجُل شَبيه بك وبرجل مثل لَك

فَإِن أردْت بمثلك الإجراء على أَمر مُتَقَدم حَتَّى يصير مَعْنَاهُ الْمَعْرُوف بشبهك لم يكن إِلَّا معرفَة فَتَقول على هَذَا مَرَرْت بزيد مثلك كَمَا تَقول مَرَرْت بزيد أَخِيك ومررت بزيد الْمَعْرُوف بشبهك وَمثل ذَلِك فِي الْوَجْهَيْنِ مَرَرْت بِرَجُل شبهك ومررت بِرَجُل نَحْوك

فَأَما مَرَرْت بِرَجُل غَيْرك فَلَا يكون إِلَّا نكرَة لِأَنَّهُ مُبْهَم فِي النَّاس أَجْمَعِينَ فَإِنَّمَا يَصح هَذَا وَيفْسد بِمَعْنَاهُ

فَأَما شبيهك فَلَا يكون إِلَّا معرفَة لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من شابهك فَمَعْنَاه مَا مضى كَقَوْلِك مَرَرْت بزيد جليسك فَإِن أردْت النكرَة قلت مَرَرْت بِرَجُل شَبيه بك كَمَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل جليس لَك

فَأَما حَسبك وهدك وشرعك وكفيك فَكلهَا نكرات لِأَن مَعْنَاهَا يَكْفِي وَقد يجوز أَن تَقول مَرَرْت بِرَجُل هدك من رجل تَجْعَلهُ فعلا ومررت بِامْرَأَة هدتك من امْرَأَة وَتقول على هَذَا مَرَرْت بِرَجُل كَفاك من رجل ومررت بِامْرَأَة كفتك من امْرَأَة

وَاعْلَم أَن كل مُضَاف تُرِيدُ بِهِ معنى التَّنْوِين وتحذف التَّنْوِين للمعاقبة مِنْهُ فَهُوَ بَاقٍ على نكرته لِأَن الْمَعْنى معنى التَّنْوِين فَلذَلِك تَقول مَرَرْت بِرَجُل حسن الْوَجْه لِأَن مَعْنَاهُ حسن وَجهه وَكَذَلِكَ مَرَرْت بِرَجُل ضَارب زيد إِذا أردْت بِهِ مَا أَنْت فِيهِ أَو مَا لم يَقع لِأَن مَعْنَاهُ ضَارب زيدا

وَكَذَلِكَ هَذِه المضافات الَّتِي لَا تخص نَحْو مثلك وشبهك وَغَيْرك لِأَنَّك تُرِيدُ هُوَ مثل لَك وَنَحْو لَك وَنَحْو مِنْك

فَأَما غَيْرك إِذا قلت مَرَرْت بِرَجُل غَيْرك فَإِنَّمَا هُوَ مَرَرْت بِرَجُل لَيْسَ بك فَهَذَا شَائِع فِي كل من عدا الْمُخَاطب

ف رب تدخل على كل نكرَة لِأَنَّهَا لَا تخص شَيْئا فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَن الشَّيْء يَقع وَلكنه قَلِيل فَمن ذَلِك قَوْله

(يَا رُبَّ مِثْلِكِ فِي النساءِ غَرِيرةٍ ... بَيْضَاءَ قَدْ مَتَّعْتُهَا بِطلاقِ)

وَقَوله

(يَا رُبَّ غابِطِنا لَوْ كَانَ يَطْلُبُكُمْ ... لَاقَى مُباعَدةً مِنْكُمْ وحِرْماناً) يُرِيد غابط لنا لِأَنَّهُ لَو عَنى وَاحِدًا بِعَيْنِه لم يكن للْكَلَام معنى كَمَا لَا تَقول رب عبد الله وَلَا رب غُلَام أَخِيك

وَتقول مَرَرْت برجلَيْن صالحين فتجري النَّعْت على المنعوت وَقد بيّنت لَك جَوَاز الْحَال ونستقصيه فِي بَابه إِن شَاءَ الله

وَتقول مَرَرْت برجلَيْن مُسلم وَكَافِر وَمُسلم وَكَافِر كِلَاهُمَا جيد بَالغ

وَكَذَلِكَ مَرَرْت برجلَيْن رجل مُسلم وَرجل كَافِر وَإِن شِئْت قلت رجل مُسلم وَرجل كَافِر

أما الْخَفْض فعلى النَّعْت ورددت الِاسْم توكيدا

وَأما الرّفْع فعلى التَّبْعِيض وَتَقْدِيره أَحدهمَا مُسلم وَالْآخر كَافِر وَالْآيَة تقْرَأ على وَجْهَيْن وَهُوَ قَول الله عز وَجل {قد كَانَ لكم آيَة فِي فئتين التقتا فِئَة تقَاتل فِي سَبِيل الله وَأُخْرَى كَافِرَة} بِالرَّفْع والخفض

وَكَذَلِكَ قَول الشَّاعِر

(فكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْنِ رِجْلٌ صَحِيحَةٌ ... ورِجْلٌ رَمى فِيهَا الزَّمانُ فَشَلَّتِ) ينشد رفعا وخفضا وَقَالَ آخر

(وكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْنِ رجْلٌ صَحِيحةٌ ... ورجْلٌ رَمَاهَا صائِبُ الحَدثانِ)

وَقَالَ آخر

(بكَيْتُ وَمَا بُكا رجل حَزِين ... على رَبْعيْن مِسْلوبٍ وبَالي) وَتقول مَرَرْت بِثَلَاثَة رجال قيام يَا فَتى لَا يكون إِلَّا الْخَفْض إِلَّا على مَا يجوز من الْحَال

فَإِن قلت مَرَرْت بِثَلَاثَة رجال صريع وجريح يَا فَتى لم يجز إِلَّا الرّفْع لِأَنَّك لم تأت على عدتهمْ فَإِنَّمَا التَّقْدِير مِنْهُم كَذَا وَمِنْهُم كَذَا لَا يكون إِلَّا كَذَلِك

وَلَو قلت مَرَرْت بِثَلَاثَة قَائِم وقاعد ونائم لَكَانَ جيدا لِأَنَّك أحطت بِعدَّتِهِمْ وَالرَّفْع جيد بَالغ لِأَنَّك إِذا أتيت على الْعدة صلح التَّبْعِيض والنعت وَإِن لم تأت عَلَيْهَا لم يكن إِلَّا التَّبْعِيض

وَتقول مَرَرْت بِرَجُل وَامْرَأَة وحمار قيام فرقت الِاسْم وجمعت النَّعْت كَمَا فرقت هُنَاكَ النَّعْت وَالِاسْم مَجْمُوع وَلَو أردْت هَا هُنَا التَّبْعِيض لم يجز لِأَن قيَاما لَفْظَة وَاحِدَة فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْخَفْض إِلَّا جَوَاز الْحَال

وَتقول مَرَرْت بِرَجُل مثلك غَيْرك ف غير هَا هُنَا توكيد

لِأَن غيرا يتَكَلَّم بهَا على وَجْهَيْن أَحدهمَا للفائدة وَالْآخر للتوكيد

فَإِذا قَالَ مَرَرْت بِرَجُل غير زيد فقد أفادك أَن الرجل الَّذِي مَرَرْت بِهِ سوى زيد وَكَذَلِكَ مَرَرْت بِرَجُل غَيْرك كَأَنَّهُ قَالَ مَرَرْت بِرَجُل آخر لِئَلَّا يتَوَهَّم السَّامع أَنه بِعَيْنِه

فَإِذا قَالَ مَرَرْت بِرَجُل مثلك فقد أعلمهُ أَنه غَيره فَإِن أتبعه غيرا فَإِنَّمَا هُوَ توكيد وَتَشْديد للْكَلَام

وَهَذِه النكرات كلهَا تقع حالات وتبيينا وتجري فِي جَمِيع مجاري النكرَة

تَقول عِنْدِي عشرُون مثلك وَمِائَة مثلك وَعِشْرُونَ غَيْرك

فَأَما عشرُون أَيّمَا رجل فَلَا يجوز وَإِنَّمَا امْتنع من أَنَّك لَا تقيم الصّفة مقَام الْمَوْصُوف حَتَّى تتمكن فِي بَابهَا نَحْو مَرَرْت بظريف ومررت بعاقل لِأَنَّهَا أَسمَاء جَارِيَة على الْفِعْل وَأَيّمَا رجل إِنَّمَا مَعْنَاهُ كَامِل فَلَيْسَ بمأخوذ من فعل

وَمَا زَائِدَة فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مرت بِرَجُل أَي رجل

فعلى هَذَا تقع الصِّفَات موقع الْمَوْصُوف وتمتنع وَالْمَرْفُوع والمنصوب كالمخفوض

والمعرفة يجْرِي نعتها كمجرى نعت النكرَة تَقول مَرَرْت بِعَبْد الله الْعَاقِل وبأخويك الكريمين وبأخويك الْكَرِيم واللئيم على أَنَّك تُرِيدُ أَحدهمَا الْكَرِيم وَأَحَدهمَا اللَّئِيم

وَإِن شِئْت خفضت على النَّعْت وَكَذَلِكَ كَانَ إخْوَتك كريم ولئيم أَي مِنْهُم كَذَا وَمِنْهُم كَذَا إِذا لم ترد الْجِنْس

وَكَانَ إخْوَتك قَائِما وَقَاعِدا ونائماً وترفع إِن شِئْت

وَكَذَلِكَ بِالْألف وَاللَّام إِلَّا أَن مَا كَانَ من هَذَا بِالْألف وَاللَّام فَهُوَ شَيْء مَعْرُوف

تَقول كَانَ زيد الْقَائِم أَي كَانَ زيد ذَلِك الَّذِي رَأَيْته قَائِما

وَإِن قلت كَانَ زيد قَائِما لم تقصد إِلَى وَاحِد رَأَيْته قبل قَائِما

وَاعْلَم أَن الْبَدَل فِي الْكَلَام يكون على أَرْبَعَة أضْرب فَضرب من ذَلِك أَن تبدل الِاسْم من الِاسْم إِذا كَانَا لشَيْء وَاحِد معرفتين كَانَا أَو معرفَة ونكرة أَو مضمرا ومظهرا أَو مضمرين أَو مظهرين وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك مَرَرْت بأخيك زيد أبدلت زيدا من الْأَخ نحيت الْأَخ وَجَعَلته فِي مَوْضِعه فِي الْعَامِل فَصَارَ مثل قَوْلك مَرَرْت بزيد وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَة تَبْيِين وَلَكِن قيل بدل لِأَن الَّذِي عمل فِي الَّذِي قبله قد صَار يعْمل فِيهِ بِأَن فرغ لَهُ

وَلم يجز أَن يكون نعتا لِأَن زيدا لَيْسَ مِمَّا ينعَت بِهِ

فَإِن قلت مَرَرْت بزيد أَخِيك جَازَ فِي الْأَخ أَن يكون بَدَلا وَأَن يكون نعتا والنعت أحسن لِأَنَّهُ مِمَّا ينعَت بِهِ وَالْبدل جيد بَالغ لِأَنَّهُ هُوَ الأول فَهَذَا شَأْن المعرفتين

فَأَما الْمعرفَة والنكرة فَإِن أبدلت معرفَة من نكرَة قلت مَرَرْت بِرَجُل زيد ومررت بِذِي مَال أَخِيك قَالَ الله عز وَجل {وَإنَّك لتهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم صِرَاط الله} فَهَذَا بدل الْمعرفَة من النكرَة وَفِي المعرفتين قَوْله {اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم}

وَفِي بدل النكرَة من الْمعرفَة قَوْله مَرَرْت بزيد صَاحب مَال ومررت بِالرجلِ رجل صَالح قَالَ الله عز وَجل {كلا لَئِن لم تَنْتَهِ لنسفعا بالناصية نَاصِيَة} فَأَما الْمُضمر والمظهر فكقولك زيد مَرَرْت بِهِ أَخِيك وَتقول رَأَيْت زيدا إِيَّاه وأخوك رَأَيْته زيدا والمضمران رَأَيْتُك إِيَّاه فَهَذَا ضرب من الْبَدَل

وَالضَّرْب الآخر أَن تبدل بعض الشَّيْء مِنْهُ لتعلم مَا قصدت لَهُ وتبينه للسامع وَذَلِكَ قَوْلهم ضربت زيدا رَأسه أردْت أَن تبين مَوضِع الضَّرْب مِنْهُ فَصَارَ كَقَوْلِك ضربت رَأس زيد

وَمِنْه جَاءَنِي قَوْمك أَكْثَرهم بيّنت من جَاءَك مِنْهُم قَالَ الله عز وَجل {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} من فِي مَوضِع خفض لِأَنَّهُ على من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا

وَمن ذَلِك إِلَّا أَنه أُعِيد مَعَه حرف الْخَفْض {قَالَ الْمَلأ الَّذين استكبروا من قومه للَّذين استضعفوا لمن آمن مِنْهُم} كَانَ أَيْضا جيدا كالآية الَّتِي ذكرنَا قبل فهذان ضَرْبَان

وَالضَّرْب الثَّالِث أَن يكون الْمَعْنى محيطا بِغَيْر الأول الَّذِي سبق لَهُ الذّكر لالتباسه بِمَا بعده فتبدل مِنْهُ الثَّانِي الْمَقْصُود فِي الْحَقِيقَة وَذَلِكَ قَوْلك مَالِي بهم علم أَمرهم فَأَمرهمْ غَيرهم وَإِنَّمَا أَرَادَ مَالِي بأمرهم علم فَقَالَ مَالِي بهم علم وَهُوَ يُرِيد أَمرهم وَمثل ذَلِك أَسأَلك عَن عبد الله متصرفه فِي تِجَارَته لِأَن الْمَسْأَلَة عَن ذَلِك قَالَ الله عز وَجل {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} لِأَن الْمَسْأَلَة عَن الْقِتَال وَلم يسْأَلُوا أَي الشَّهْر الْحَرَام

وَقَالَ {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود النَّار ذَات الْوقُود} لأَنهم أَصْحَاب النَّار الَّتِي أوقدوها فِي الْأُخْدُود وَقَالَ الْأَعْشَى

(لقَدْ كانَ فِي حَوْلِ ثواءٍ ثَوَيْتُهُ ... تَقَضِّي لُبانَاتٍ وَيَسْأَمَ سائِمُ)

لِأَنَّهُ أَرَادَ ثواءه حولا

فَهَذِهِ ثَلَاثَة أوجه تكون فِي الْقُرْآن وَفِي الشّعْر وَفِي كل كَلَام مُسْتَقِيم

وَوجه رَابِع لَا يكون مثله فِي قُرْآن وَلَا شعر وَلَا كَلَام مُسْتَقِيم وَإِنَّمَا يَأْتِي فِي لفظ النَّاسِي أَو الغالط وَذَلِكَ قَوْلك رَأَيْت زيدا دَاره وَكلمت زيدا عمرا ومررت بِرَجُل حمَار أَرَادَ أَن يَقُول مَرَرْت بِحِمَار فنسي ثمَّ ذكر فنحي الرجل وأوصل الْمُرُور إِلَى مَا قصد إِلَيْهِ أَو غلط ثمَّ استدرك

فَهَذِهِ أَرْبَعَة أوجه فِي الْبَدَل

وَلَو قَالَ فِي هَذَا الْموضع مَرَرْت بِرَجُل بل حمَار وَلَقِيت زيدا بل عمرا كَانَ كَذَلِك إِلَّا أَن بل وَلَا بل من حُرُوف الْإِشْرَاك وَقد ذكرنَا أحوالها فِيمَا تقدم

وَاعْلَم أَن المعارف تُوصَف بالمعارف فَإِن وَقع بعْدهَا شَيْء نكرَة وَالْعَامِل فعل أَو شَيْء فِي مَعْنَاهُ انتصبت النكرَة على الْحَال وَنحن واصفو ذَلِك فِي الْبَاب الَّذِي يَلِي هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب الْحَالَات والتبيين وَتَفْسِير مَعْنَاهُمَا

اعْلَم أَنه لَا ينْتَصب شَيْء إِلَّا على أَنه مفعول أَو مشبه بالمفعول فِي لفظ أَو معنى وَالْمَفْعُول على ضروب فَمن ذَلِك الْمصدر وَهُوَ اسْم الْفِعْل وَهُوَ مفعول صَحِيح لِأَن الْإِنْسَان يفعل وَاسم فعله ذَلِك الْمصدر

تَقول ضربت ضربا وَقمت قيَاما فَأَنت فعلت الضَّرْب وَالْقِيَام وَلَو قلت ضربت وَقمت لدللت على أَنَّك فعلت الضَّرْب وَالْقِيَام وَكَذَلِكَ كل فعل تعدى أَو لم يَتَعَدَّ

فَإِذا قلت ضربت زيدا أَو كلمت عمرا فَأَنت لم تفعل زيدا وَلَا عمرا إِنَّمَا فعلت الضَّرْب وَالْكَلَام فأوقعت الضَّرْب بزيد وأوصلت الْكَلَام إِلَى عَمْرو فزيد وَعَمْرو مفعول بهما لِأَنَّك فعلت فعلا أوقعته بهما وأوصلته إِلَيْهِمَا

فَإِن قلت سرت يَوْم الْجُمُعَة وَجَلَست مَكَان زيد فَإِنَّمَا فعلت السّير وَالْجُلُوس فِي هَذَا الزَّمَان وَهَذَا الْمَكَان فالزمان وَالْمَكَان مفعول فيهمَا

والفصل بَينهمَا وَبَين زيد أَنَّك أوصلت إِلَى زيد شَيْئا وَلم تعْمل فِي الزَّمَان شَيْئا إِنَّمَا عملت عملا احتوى عَلَيْهِ الزَّمَان وَالْمَكَان

تَقول ضربت زيدا يَوْم الْجُمُعَة فِي الدَّار فَأَنت لم تصنع بِالدَّار وَالْيَوْم شَيْئا وَلَكِن لَو قلت هدمت الدَّار وبنيت الدَّار لكَانَتْ مفعولة بِمَنْزِلَة زيد لِأَنَّك فعلت فعلا أوصلته إِلَيْهَا

وَكَذَلِكَ الْحَال هِيَ مفعول فِيهَا تَقول جَاءَنِي زيد الطَّوِيل فالطويل نعت وَكَذَلِكَ مَرَرْت بأخيك الْكَرِيم إِنَّمَا مَعْنَاهُ بأخيك الْمَوْصُوف بِالْكَرمِ الْمَعْرُوف بِهِ فَإِذا قلت جَاءَنِي زيد مَاشِيا لم يكن نعتا لِأَنَّك لَو قلت جَاءَنِي زيد الْمَاشِي لَكَانَ مَعْنَاهُ الْمَعْرُوف بِالْمَشْيِ وَكَانَ جَارِيا على زيد لِأَنَّهُ تحلية لَهُ وتبيين أَنه زيد الْمَعْرُوف بِهَذِهِ السمة ليفصل مِمَّن اسْمه مثل اسْمه بِهَذَا الْوَصْف

فَإِذا قلت جَاءَنِي زيد مَاشِيا لم ترد أَنه يعرف بِأَنَّهُ ماش وَلَكِن خبرت بِأَن مَجِيئه وَقع فِي هَذِه الْحَال وَلم يدلل كلامك على مَا هُوَ فِيهِ قبل هَذِه الْحَالة أَو بعْدهَا

فالحال مفعول فِيهَا إِنَّمَا خبرت أَن مَجِيئه وَقع فِي حَال مَشى وَكَذَلِكَ مَرَرْت بزيد ضَاحِكا وصادفت أَخَاك رَاكِبًا

فالحال لَا يعْمل فِيهَا إِلَّا الْفِعْل أَو شَيْء يكون بَدَلا مِنْهُ دَالا عَلَيْهِ وسنبين جَمِيع ذَلِك إِن شَاءَ الله

فَإِذا كَانَ الْعَامِل فِي الْحَال فعلا صلح تَقْدِيمهَا وتأخيرها لتصرف الْعَامِل فِيهَا فَقلت جَاءَ زيد رَاكِبًا وراكبا جَاءَ زيد وَجَاء رَاكِبًا زيد قَالَ الله عز وَجل {خشعا أَبْصَارهم يخرجُون من الأجداث} وَكَذَلِكَ قَائِما لقِيت زيدا وَقَائِمًا أَعْطَيْت زيدا درهما وذاهبا إِلَيْك رَأَيْت زيدا

وَإِن كَانَ الْعَامِل غير فعل لم تكن الْحَال إِلَّا بعده وَذَلِكَ قَوْلك زيد فِي الدَّار قَائِما وَفِي الدَّار قَائِما زيد وَفِي الدَّار زيد قَائِما

إِذا كَانَ قَائِما بعد قَوْلك فِي الدَّار انتصب وَلَا يصلح قَائِما فِي الدَّار زيد وَلَا زيد قَائِما فِي الدَّار وَلَا قَائِما زيد فِي الدَّار لما أخرت الْعَامِل وَلم يكن فعلا لم يتَصَرَّف تصرف الْفِعْل فينصب مَا قبله وَهَذَا إِذا جعلت فِي الدَّار خَبرا فَقلت زيد فِي الدَّار وَفِي الدَّار زيد فاستغنى زيد بِخَبَرِهِ قلت قَائِما وَنَحْوه لتدل على أَيَّة حَال اسْتَقر

فَإِن جعلت قَائِما هُوَ الْخَبَر رفعته وَكَانَ قَوْلك فِي الدَّار فضلَة مُسْتَغْنى عَنْهَا لِأَنَّك إِنَّمَا قلت زيد قَائِم فاستغنى زيد بِخَبَرِهِ ثمَّ خبرت أَيْن مَحل قِيَامه فَقلت فِي الدَّار وَنَحْوه وكل مَا كَانَ فِي الِابْتِدَاء من هَذَا فَكَذَلِك مجْرَاه فِي بَاب إِن وَأَخَوَاتهَا وظننت وَأَخَوَاتهَا وَكَانَ وَأَخَوَاتهَا

إِلَّا أَنه مَا كَانَ من ذَلِك فعلا أَو دخله معنى تصلح عَلَيْهِ الْحَال وتنصبه عَلَيْهِ إِذا أردْت ذَلِك نَحْو ظَنَنْت زيدا قَائِما أَخَاك لِأَنَّك إِنَّمَا ظننته فِي حَال قِيَامه وَكَأن زيدا قَائِما أَخُوك لِأَنَّهُ أشبهه فِي حَال قِيَامه وَلَو قلت إِن زيدا قَائِما فِي الدَّار لم يجز لِأَنَّك لَا تنصبه بِقَوْلِك فِي الدَّار وَهُوَ قبله وَلم يحدث معنى مَعَ إِن يجب بِهِ نصب الْحَال لِأَن هَذِه العوامل كلهَا دَاخِلَة على الِابْتِدَاء قَالَ الله عز وَجل {إِن أَصْحَاب الْجنَّة الْيَوْم فِي شغل فاكهون} فَجعل قَوْله {فاكهون} الْخَبَر و {فِي شغل} تَبْيِين كَقَوْلِك فِي الدَّار وَقَالَ {إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات وعيون آخذين} وَقَالَ {إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات ونعيم فاكهين} على مَا وَصفنَا

وَتقول زيد بك مَأْخُوذ وَزيد عَلَيْك نَازل وَزيد فِيك رَاغِب وَزيد بك كَفِيل وَزيد إِلَيْك مائل وَزيد عَنْك مُحدث لَا يكون فِي جَمِيع ذَلِك إِلَّا الرّفْع لِأَنَّهُ لَا يكون شَيْء مِمَّا اذكرنا ظرفا لزيد لَو قلت زيد فِيك أَو زيد عَنْك أَو زيد بك لم يصلح لِأَن بك إِنَّمَا هِيَ ظرف لمأخوذ وَعَلَيْك ظرف لنازل فَاعْتبر مَا ورد عَلَيْك من هَذَا وَشبهه بِمَا ذكرت لَك

وَتقول زيد علينا أَمِير وأميرا لِأَنَّك لَو قلت زيد علينا وَأَنت تُرِيدُ الْإِمَارَة كَانَ مُسْتَقِيمًا

وَتقول زيد فِي الدَّار أَبوهُ قَائِما على أَن تجْعَل قَائِما حَالا لِأَبِيهِ وَإِن شِئْت رفعت فَإِن جعلته حَالا لزيد لم يستقم لِأَن زيدا لَيْسَ لَهُ فِي الظّرْف ضمير وَلَا يَسْتَقِيم زيد قَائِما فِي الدَّار أَبوهُ بِوَجْه من الْوُجُوه لِأَن الْحَال قبل الْعَامِل وَلَيْسَ بِفعل

وَتقول مَرَرْت رَاكِبًا بزيد إِذا جعلت الْحَال لَك فَإِن جَعلتهَا لزيد لم يَسْتَقِيم لِأَن الْعَامِل فِي زيد الْبَاء وَلَكِن لَو قلت ضربت قَائِما زيدا كَانَ جيدا لأيكما جعلت الْحَال وَكَذَلِكَ رَأَيْت راكبة هندا

فَإِن قلت هَذَا ابْن عمي دنيا وَهَذِه الدَّرَاهِم وزن سَبْعَة وَهَذَا الثَّوْب نسج الْيمن وَهَذَا الدِّرْهَم ضرب الْأَمِير نصبت ذَلِك كُله وَلَيْسَ نَصبه على الْحَال لَو كَانَ كَذَلِك لامتنع قَوْلك نسج الْيمن وَضرب الْأَمِير لِأَن الْمعرفَة لَا تكون حَالا وَلكنهَا مصَادر على قَوْلك ضرب ضربا ونسج نسجا

وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الَّذِي قبله نكرَة قلت هَذَا دِرْهَم وزن سَبْعَة وَهَذَا ثوب نسج الْيمن وَهَذَا دِرْهَم ضرب الْأَمِير

وَإِن شِئْت رفعت فَقلت هَذَا دِرْهَم وزن سَبْعَة وَهَذَا دِرْهَم ضرب الْأَمِير فنعته بِالْمَصْدَرِ لِأَن الْمصدر مفعول فكأنك قلت هَذَا دِرْهَم مَضْرُوب للأمير وَهَذَا ثوب منسوج بِالْيمن

فَإِن قلت هَذَا دِرْهَم ضرب الْأَمِير لم يجز أَن يكون نعتا لِأَن النكرَة لَا تنْعَت بالمعرفة وَلَكِن بيّنت كَأَنَّك جعلته جَوَابا لما قلت هَذَا ثوب وَهَذَا دِرْهَم قيل مَا هُوَ فَقلت ضرب الْأَمِير على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر

وعَلى هَذَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل زيد وَقَالَ {بشر من ذَلِكُم النَّار} وقرئت الْآيَة على وَجْهَيْن {فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء للسائلين} على الْمصدر فَكَأَنَّهُ قَالَ اسْتِوَاء وَقَرَأَ بَعضهم {أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء} على معنى مستويات وَقَالَ جلّ وَعز {قل أَرَأَيْتُم إِن أصبح ماؤكم غورا} فَالْمَعْنى وَالله أعلم غائرا فَوضع الْمصدر مَوضِع الِاسْم وَقَالَت الخنساء

(تَرْتَعُ مَا عَقَلَتْ حتَّى إِذا ادّكَرَتْ ... فإِنَّما هِيَ إِقْبالٌ وإِدْبارُ)

فالمصدر فِي كل هَذَا فِي مَوضِع الِاسْم وَقَالَ لَقِيط بن زُرَارَة

(شَتَّانَ هَذَا والعِناقُ والنَّوْمْ ... والمشْرَبُ البارِدُ والظِّلُّ الدَّوْمْ)

يُرِيد الدَّائِم

فَأَما قَوْلهم هُوَ عَرَبِيّ مَحْضا وَهُوَ صميم قلبا وَهُوَ عَرَبِيّ حسبَة وَهُوَ شرِيف جدا فَإِنَّهَا مصَادر مُؤَكدَة لما قبلهَا والأجود هُوَ عَرَبِيّ مَحْض وعربي قلب لِأَن هَذِه أَسمَاء وَإِن كَانَت تكون على هَذَا اللَّفْظ مصَادر لِأَن الْمصدر ينعَت بِهِ وَالِاسْم لَا يكون إِلَّا نعتا من هَذَا الضَّرْب إِلَّا أَن تَجْعَلهُ حَالا للنكرة

وَأما هُوَ أَعْرَابِي قح فَلَا يكون إِلَّا رفعا لِأَنَّهُ لَيْسَ بمصدر

فَإِذا قلت هُوَ عَرَبِيّ حسبَة فَمَعْنَاه اكْتِفَاء يُقَال أَعْطَانِي فأحسبني أَي كفاني قَالَ الله عز وَجل {عَطاء حسابا} أَي كَافِيا

هَذَا بَاب تَبْيِين الْحَال فِي العوامل الَّتِي فِي معنى الْأَفْعَال وَلَيْسَت بِأَفْعَال وَمَا يمْتَنع من أَن تجْرِي مَعَه الْحَال

تَقول هَذَا لَك كَافِيا فتنصب الْحَال لما فِي الْكَلَام من معنى الْفِعْل لِأَن معنى لَك معنى تملكه

فَإِن أردْت أَن تلْغي لَك قلت هَذَا لَك كَاف يَا فَتى تُرِيدُ هَذَا كَاف لَك فتجعل كَافِيا خبر الِابْتِدَاء وَتجْعَل لَك ظرفا للكفاية

وَالْآيَة تقْرَأ على وَجْهَيْن {قل هِيَ للَّذين آمنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة} وخالصة على مَا ذكرنَا

وَتقول هَذَا عبد الله قَائِما فتنصب قَائِما لِأَن قَوْلك هَا للتّنْبِيه فَالْمَعْنى انتبه لَهُ قَائِما وَقَالَ الله عز وَجل {هَذِه نَاقَة الله لكم آيَة} و {هَذَا بعلي شَيخا} فَإِن قلت هَذَا زيد قَائِم صلح من أَرْبَعَة أوجه مِنْهَا أَنَّك لما قلت هَذَا زيد اسْتغنى الْكَلَام بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره فَجعلت قَوْلك قَائِم خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف كَأَنَّك قلت هُوَ قَائِم أَو هَذَا قَائِم فَهَذَا وَجه

وَيجوز أَن تجْعَل زيدا بَدَلا من هَذَا أَو تبيينا لَهُ فَيصير الْمَعْنى زيد قَائِم

وَيجوز أَن تجْعَل زيدا وَقَائِمًا كليهمَا الْخَبَر فتخبر بِأَنَّهُ قد جمع ذَا وَذَا كَمَا تَقول هَذَا حُلْو حامض تخبر أَنه قد جمع الطعمين وَلَا تُرِيدُ أَن تنقض الْحَلَاوَة بالحموضة

فَهَذِهِ أَرْبَعَة أوجه فِي الرّفْع

تَقول زيد فِي الدَّار قَائِما إِذا جعلت فِي الدَّار الْخَبَر فَمَعْنَاه اسْتَقر

فَإِن قلت زيد أَبوك قَائِم فَلَا معنى لنصب قَائِم إِذا أردْت بأبيك النّسَب لِأَنَّهُ لَيْسَ هَا هُنَا فعل وَلَا معنى فعل فلست تخبر أَنه أَبوك فِي حَال دون حَال

فَإِن أردْت معنى التبني جَازَ النصب فَقلت زيد أَبوك قَائِما أَي يتبناك فِي هَذِه الْحَال وَلَا تبال بِأَيِّهِمَا كَانَ الْقيام وَالْمَسْأَلَة الأولى تَقول فِيهَا زيد أَبوك قَائِم تجْعَل الْأَب نعتا لزيد أَو بَدَلا مِنْهُ

وَكَذَلِكَ أَخُوك إِذا أردْت النّسَب كَانَ كَالْأَبِ

وَإِن أردْت الصداقة دخل معنى الْفِعْل وَصلح النصب

وَإِن جعلت الْأَخ نعتا أَو بَدَلا كَانَ الرّفْع فِي قَائِم لَا غير فعلى هَذَا وَمَا أشبهه تصلح الْحَال وتمتنع

هَذَا بَاب مَا كَانَت الْحَال فِيهِ مُؤَكدَة لما قبلهَا وَذَلِكَ مَا لم يكن مأخوذا من الْفِعْل

تَقول زيد أَبوك حَقًا وَهُوَ زيد مَعْرُوفا وَأَنا عبد الله أمرا وَاضحا وَذَلِكَ لِأَن هَذِه الْحَالَات إِنَّمَا تؤكد مَا قبلهَا لِأَنَّك إِذا قلت هُوَ زيد وَأَنا عبد الله فَإِنَّمَا تخبر بخبرين فَإِذا قلت مَعْرُوفا أَو بَينا فَإِنَّمَا الْمَعْنى أَنى قد بيّنت لَك هَذَا وأوضحته وَفِيه الْإِخْبَار لِأَنَّهُ عَلَيْهِ يدل وَلَو قلت أَنا عبد الله مُنْطَلقًا لم يجز لِأَن المنطلق لَا يؤكدني

أَلا ترى أَنَّك لَو قلت أَنا عبد الله مُنْطَلقًا لَكَانَ الْمَعْنى فَاسِدا لِأَن هَذَا الِاسْم لَا يكون لي فِي حَال الانطلاق ويفارقني فِي غَيره وَلَكِن يجوز أَن تَقول أَنا عبد الله مُصَغرًا نَفسك لِرَبِّك ثمَّ تَقول آكلا كَمَا يَأْكُل العبيد وشاربا كَمَا يشرب العبيد لِأَن هَذَا يُؤَكد مَا صدرت بِهِ

وَكَذَلِكَ لَو قلت مفتخرا أَو موعدا أَنا عبد الله شجاعا بطلا وَهُوَ زيد كَرِيمًا حَلِيمًا أَي فاعرفه بِمَا كنت تعرفه بِهِ كَانَ جيدا

وَهَذَا بَاب إِنَّمَا يصلحه ويفسده مَعْنَاهُ فَكل مَا صلح بِهِ الْمَعْنى فَهُوَ جيد وكل مَا فسد بِهِ الْمَعْنى فمردود

هَذَا بَاب مَا يكون من المصادر حَالا لموافقته الْحَال

وَذَلِكَ قَوْلك جَاءَ زيد مشيا إِنَّمَا مَعْنَاهُ مَاشِيا لِأَن تَقْدِيره جَاءَ زيد يمشي مشيا وَكَذَلِكَ جَاءَ زيد عدوا وركضا وقتلته صبرا لما دخله من الْمَعْنى كَمَا أَن الْحَال قد تكون فِي معنى الْمصدر فَتحمل عَلَيْهِ وَذَلِكَ قَوْلك قُم قَائِما إِنَّمَا الْمَعْنى قُم قيَاما

وَتقول هَنِيئًا مريئا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ هَنَّأَك هناء ومرأك مراء وَلكنه لما كَانَ حَالا كَانَ تَقْدِيره وَجب ذَلِك لَك هَنِيئًا وَثَبت لَك هَنِيئًا وَمثله قَول الفرزدق

(أَلَم تَرَني عَاهَدْتُ رَبِّي وإننى ... لَبَيْنَ رِتَاجٍ قَائِما ومَقامِ)

(على حَلْفَة لَا أَشْتُمُ الدَّهْر مُسْلِماً ... وَلَا خَارِجاً مِنْ فيَّ زُورُ كَلامِ)

وَإِنَّمَا التَّقْدِير لَا أشتم شتما وَلَا أخرج خُرُوجًا لِأَنَّهُ على ذَلِك أقسم فَهَذَا وَجه صَحِيح يَصح عَلَيْهِ معنى هَذَا الشّعْر

وَأما عِيسَى بن عمر فَإِنَّهُ كَانَ يَجْعَل خَارِجا حَالا وَلَا يذكر مَا عَاهَدَ عَلَيْهِ وَلكنه يَقُول عَاهَدت رَبِّي وَأَنا غير خَارج من فِي زور كَلَام

هَذَا بَاب اشْتِرَاك الْمعرفَة والنكرة

تَقول هَذَا رجل وَعبد الله منطلق إِذا جعلت المنطلق صفة لرجل فَإِن جعلته صفة لعبد الله قلت هَذَا رجل وَعبد الله مُنْطَلقًا كَأَنَّك قلت هَذَا رجل وَهَذَا عبد الله مُنْطَلقًا

فَإِن جعلت الشَّيْء لَهما جَمِيعًا قلت هَذَا رجل وَعبد الله منطلقين لَا يكون إِلَّا ذَلِك لِأَنَّك لَو قلت مُنْطَلقًا لَو يجز لِأَنَّك لَا تَقول على معنى الْحَال هَذَا عبد الله منطلق وَيجوز أَن تَقول هَذَا رجل مُنْطَلقًا فالحال يجوز لَهما والنعت لَا يصلح من أجل عبد الله

وَتقول هَذَانِ رجلَانِ وَعبد الله منطلقان وَهَذَانِ رجلَانِ وَعبد الله مُنْطَلقًا

فَإِن جمعتهم قلت هَذَا رجلَانِ وَعبد الله منطلقين على مَا ذكرت لَك

وَتقول عِنْدِي عبد الله ومررت بِرَجُل قَائِمين فتنصب وَلَيْسَ النصب هَا هُنَا على الْحَال لاخْتِلَاف الْمَعْنيين وَكَذَلِكَ لَو كَانَا معرفتين أَو نكرتين

تَقول هَذَا عبد الله وَجَاءَنِي زيد فارسين إِنَّمَا تنصب على أَعنِي

وَلَو قلت فارسان جَازَ على قَوْلك هما لاخْتِلَاف العاملين وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ يُجِيز جَاءَ عبد الله وَذهب زيد العاقلان على النَّعْت لِأَنَّهُمَا ارتفعا بِالْفِعْلِ فَيَقُول رفعهما من جِهَة وَاحِدَة وَكَذَلِكَ هَذَا زيد وَذَاكَ عبد الله العاقلان لِأَنَّهُمَا خبر ابتدء

وَلَيْسَ القَوْل عِنْدِي كَمَا قَالَ لِأَن النَّعْت إِنَّمَا يرْتَفع بِمَا يرْتَفع بِهِ المنعوت فَإِذا قلت جَاءَ زيد وَذهب عَمْرو العاقلان لم يجز أَن يرْتَفع بفعلين فَإِن رفعتهما بجاء وَحدهَا فَهُوَ محَال لِأَن عبد الله إِنَّمَا يرْتَفع بِذَهَب وَكَذَلِكَ لَو رفعتهما بِذَهَب لم يكن لزيد فِيهَا نصيب

وَإِذا قلت هَذَا زيد فَإِنَّمَا يرْتَفع وَمَعْنَاهُ الْإِشَارَة إِلَى مَا قرب مِنْك وَذَاكَ لما بعد فقد اخْتلفَا فِي الْمَعْنى

وَكَذَلِكَ لَو قلت مَرَرْت بِغُلَام زيد العاقلين تُرِيدُ أَن تنْعَت الْغُلَام وزيدا لم يجز لِأَن زيدا من تَمام اسْم الْغُلَام وَهَذَا قَول الْخَلِيل وَلَا يجوز غَيره

وكل مَا كَانَ فِي النَّعْت فَكَذَلِك مجْرَاه فِي الْحَال فالنصب فِيمَا كَانَ كَذَلِك على أعنى وَالرَّفْع على هما أَو هم والمعرفة والنكرة فِي ذَلِك سَوَاء فَأَما قَوْله

(إنَّ بهَا أَكْتَلَ أَوْ رِزاما ... خُوَيْرِبَيْنِ يَنْفُقَان الهَامَا)

فَإِنَّهُ إِنَّمَا ذكر وَاحِدًا لقَوْله أَو فَلَو أَرَادَ الْحَال لقَالَ خويربا وَلكنه على أعنى وَلَو رَفعه على هما لَكَانَ جيدا وَتقول هَذَا رجل مَعَ عبد الله قَائِمين على الْحَال لِأَنَّك إِذا قلت مَعَ فقد أشركتهما فِي شَيْء وَاحِد كَمَا تَقول هَذَا عبد الله وَزيد

وَتقول هَذَا رجل مَعَ رجل قَائِمين على الْحَال لِأَن الْوَصْف لَا يصلح لاخْتِلَاف إعرابهما فَصَارَ الْحَال لَا يجوز هَا هُنَا غَيره

وَهَذَا مِمَّا إِذا وقفت على مَعْنَاهُ جرت لَك أَلْفَاظه على حَقِيقَتهَا إِن شَاءَ الله

هَذَا بَاب دُخُول الْحَال فِيمَا عملت فِيهِ كَانَ وَأَخَوَاتهَا وَمَا أشبههَا من بَاب العوامل

اعْلَم أَن بَاب كَانَ وَبَاب علمت وظننت دَاخِلَة كلهَا على الِابْتِدَاء وَخَبره فَكل مَا صلح فِي الِابْتِدَاء صلح فِي هَذِه الْأَبْوَاب وَمَا امْتنع هُنَاكَ امْتنع هُنَا

تَقول كَانَ زيد فِي الدَّار قَائِما فَإِن شِئْت نصبت وَإِن شِئْت جعلت فِي الدَّار الْخَبَر ونصبت قَائِما على الْحَال

وَتقول إِن زيدا فِي الدَّار قَائِما على الْحَال وعَلى القَوْل الآخر إِن زيدا فِي الدَّار قَائِم

وَكَذَلِكَ ظَنَنْت زيدا فِي الدَّار قَائِما

وَإِن كررت الظّرْف فَكَذَلِك تَقول إِن زيدا فِي الدَّار قَائِم فِيهَا وَكَانَ زيد فِي الدَّار قَائِما فِيهَا

وَإِن شِئْت قلت إِن زيدا فِي الدَّار قَائِما فِيهَا يجْرِي مجْرَاه قبل التَّثْنِيَة قَالَ الله جلّ وَعز {فَكَانَ عاقبتهما أَنَّهُمَا فِي النَّار خَالِدين فِيهَا} وَقَالَ {وَأما الَّذين سعدوا فَفِي الْجنَّة خَالِدين فِيهَا} فَكَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة هَذَا فِي الِابْتِدَاء صفحة فارغة

هَذَا بَاب الْمعرفَة الدَّاخِلَة على الْأَجْنَاس

اعْلَم أَن الْأَشْيَاء الَّتِي لَا تستصحب فتحتاج إِلَى الْفَصْل بَين بَعْضهَا وَبَعض تلحقها ألقاب تميز جِنْسهَا من جنس غَيرهَا

وَذَلِكَ قَوْلك هَذِه أم حبين وَهَذَا سَام أبرص وَأَبُو بريص وَهَذَا أَبُو جخادب لضرب من الجنادب

وَكَذَلِكَ هَذَا أَبُو الْحَارِث للأسد وَهَذَا أُسَامَة وَهَذَا ثعالة للثعلب

وَهَذِه بَنَات أوبر لضرب من الكمأة وَهَذَا ابْن قترة لضرب من الْحَيَّات وَهَذِه أم عَامر وحضاجر وجيأل وَنَحْو ذَلِك للضبع وَهَذَا حمَار قبان وَهَذَا ابْن عرس وَابْن آوى فَهَذِهِ الْأَشْيَاء معارف وَهَذِه الْأَسْمَاء مَوْضُوعَة عَلَيْهَا كزيد وَعَمْرو وَلَيْسَ مَعْنَاهَا معنى زيد وَعَمْرو لِأَنَّك إِذا قلت زيد فقد فصلت بِهَذَا الِاسْم الرجل مِمَّن هُوَ مثله فَإِذا قلت هَذَا سَام أبرص وَابْن عرس فلست تفصل بِهِ وَاحِدًا من هَذَا النَّوْع من صَاحبه لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يتَّخذ فتقصد إِلَى تَعْرِيف بعضه من بعض كَمَا تفعل بِالْخَيْلِ وَالشَّاء وَالْكلاب ولكنما مَعْنَاهُ هَذَا الضَّرْب من السبَاع وَهَذَا الضَّرْب من الْأَجْنَاس الَّتِي رَأَيْتهَا وَسمعت بهَا

وَزعم سِيبَوَيْهٍ أَن قَوْلك أَسد ثمَّ تَقول الْأسد بِمَنْزِلَة رجل وَالرجل وَأُسَامَة وَأَبُو الْحَارِث بِمَنْزِلَة زيد وَأبي عَمْرو وَأَن ابْن عرس بِمَنْزِلَة رجل كَانَ اسْمه كنيته لَا أَسمَاء لَهُ غَيرهَا وَكَذَلِكَ تَقْدِير هَذَا وَمَعْنَاهُ مَا ذكرت لَك

يدلك على أَنه معرفَة أَن آوى غير مَصْرُوف وَأَنَّك لَا تدخل فِي عرس ألفا ولاما وَلَا تصرف قترة وَأُسَامَة وقبان وَلَو كن نكرات لانصرفن

فَأَما ابْن لبون وَابْن مَخَاض فنكرة لِأَنَّهُ مِمَّا يتَّخذ النَّاس فَهُوَ نكرَة إِذا لم تعرف مَا تضيف إِلَيْهِ فَإِن أردْت تَعْرِيفه عرفت مَا تضيفه إِلَيْهِ كَمَا قَالَ

(وابْنُ اللَّبُونِ إِذا مَا لُزَّ فِي قَرَنٍ ... لمْ يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ البُزْلِ القَناعِيسِ)

وَقَالَ

(وَجَدْنا نَهْشَلاً فَضَلَتْ فُقَيْمًا ... كفَضْلِ ابْنِ المَخاضِ على الفَصِيلِ)

وَكَذَلِكَ ابْن مَاء إِن أردْت أَن تعرفه عرفت المَاء فَقلت هَذَا ابْن المَاء يَا فَتى كَمَا قَالَ

(مُفَدَّمةً قَزَّا كأَنَّ عُيُونَها ... عُيُونُ بَناتِ الماءِ أَفْزَعَها الرَّعْدُ)

وَقَالَ آخر

(ورَدْتُ اعْتِسافاً والثُرَيَّا كأَنَّها ... على قِمَّةِ الرأسِ ابْنُ ماءٍ مُحلِّقُ) فنعته بالنكرة لِأَنَّهُ نكرَة

فأخبار هَذَا كأخبار رجل وَنَحْوه وأخبار الْأَوَائِل كأخبار زيد وَعَمْرو وَنَحْوهمَا

تَقول هَذَا ابْن عرس مُقبلا وَهَذَا سَام أبرص مُقبلا وَيجوز فِيهِ الرّفْع من حَيْثُ جَازَ فِي زيد

وَيجوز أَن تَقول هَذَا ابْن عرس مقبل كَمَا تَقول هَذَا زيد مقبل إِذا أردْت زيدا من الزيدين نَحْو جَاءَنِي زيد وَزيد آخر وَجَاءَنِي عُثْمَان وَعُثْمَان آخر

فَإِذا أردْت أَن تنكر ابْن عرس جعلت عرسا نكرَة وَكَذَلِكَ نظراؤه تَقول هَذَا حمَار قبان آخر وَهَذَا أُسَامَة آخر

هَذَا بَاب مَا كَانَ من الْأَسْمَاء نعتا للمبهمة

وَذَلِكَ مَا كَانَ من الْأَسْمَاء فِيهِ الْألف وَاللَّام

نقُول هَذَا الرجل مقبل من خَمْسَة أوجه فَأَرْبَعَة مثل الَّذِي ذكرنَا فِي زيد وَنَحْوه

وَالْوَجْه الْخَامِس أَن تجْعَل الِاسْم نعتا للمبهم فَتَقول هَذَا الرجل زيد تجْعَل الرجل نعتا فَيكون بِمَنْزِلَة هَذَا زيد كَمَا تَقول زيد الطَّوِيل قَائِم قَالَ الشَّاعِر

(تَوَهَّمْتُ آياتٍ لَهَا فَعَرَفْتُها ... لِسِتَّةِ أَعْوامٍ وذَا العَامُ سَابعُ)

وَإِن جعلت الِاسْم خَبرا فالنصب تَقول هَذَا الرجل قَائِما كَقَوْلِك هَذَا زيد قَائِما

هَذَا بَاب تَثْنِيَة الْأَسْمَاء الَّتِي هِيَ أَعْلَام خَاصَّة

اعْلَم أَنَّك إِذا ثنيت مِنْهَا شَيْئا أَو جمعته صَار نكرَة وَذَلِكَ قَوْلك هَذَانِ زَيْدَانَ وَهَؤُلَاء زيدون

وَإِنَّمَا صَار نكرَة وَإِن كَانَ الْوَاحِد معرفَة لِأَنَّك حَيْثُ قلت هَذَانِ زَيْدَانَ أخرجته مخرج اثْنَيْنِ من جمَاعَة كلهم زيد كَأَنَّك قلت هَذَانِ زَيْدَانَ من الزيدين

أَلا ترى أَنَّك لم تسم وَاحِدًا مِنْهُمَا زيدين وَلَا سميتهم جَمِيعًا بزيدين وَلَكِنَّك ثنيت زيدا وزيدا فَجَعَلتهمَا بِمَنْزِلَة رجلَيْنِ

فَإِن أردْت تعريفهما قلت هَذَانِ الزيدان لِأَنَّك جعلتهما من أمة كل وَاحِد مِنْهُم زيد نكرَة فَصَارَ بِمَنْزِلَة قَوْلك رجلَيْنِ وَالرّجلَيْنِ

وَكَذَلِكَ قَوْلك الْعمرَان وَمَضَت سنة العمرين إِنَّمَا جعلتهما من أمة كل وَاحِد مِنْهُم عمر فعرفتهما بِالْألف وَاللَّام وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْلك أبانان للجبلين لِأَنَّك سميتها جَمِيعًا بِهَذَا الِاسْم كَمَا تسمى الْوَاحِد بِالِاسْمِ الْعلم

وَجَاز هَذَا فِي الْأَمَاكِن لِأَنَّك توميء إِلَيْهَا إِيمَاء وَاحِدًا لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا لَا يُفَارق صَاحبه

وَلَا يكون مثل هَذَا الأناسي لِأَن الْوَاحِد يُفَارق صَاحبه فتخبر عَنهُ على حياله وَيَزُول ويتصرف

وَمثل أبانين عرفاتقول هَؤُلَاءِ عَرَفَات مُبَارَكًا فِيهَا لِأَن عَرَفَات اسْم مَوَاضِع وَلَيْسَت مِمَّا يَزُول أَو يُفَارق مِنْهُ شَيْء شَيْئا

فَأَما قَوْلهم النَّجْم إِذا أردْت الثريا فَإِنَّهُ معرفَة بِالْألف وَاللَّام عجعول بهما علما فَإِن فارقتاه رَجَعَ إِلَى أَنه نجم من النُّجُوم وَالدَّلِيل على أَنه علم وَأَنه على غير مجَاز قَوْلك الرجل أَنَّك تَأتي بِهِ على غير مَعْهُود فتعلم أَنَّك تَعْنِي الثريا وَلَو قلت لغيره رَأَيْت النَّجْم الَّذِي تعلم فِي أول وهلة على هَذَا الْوَجْه لَكَانَ على مَعْهُود كَالرّجلِ

وَكَذَلِكَ الدبران لِأَنَّهُ مُشْتَقّ من أَنه يدبر النَّجْم الَّذِي يَلِيهِ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة الغريين اللَّذين بِالْكُوفَةِ

كل وَاحِد من هذَيْن الاسمين معرفَة بِالْألف وَاللَّام فَإِن فارقتاه رَجَعَ نكرَة

فَإِن قَالَ قَائِل فَلم لَا يكون الدبران معرفَة بِهَذَا الِاشْتِقَاق الَّذِي هُوَ لَهُ وَلَيْسَ يُقَال لغيره لِأَنَّهُ لَا يُقَال لكل شَيْء دبر شَيْئا دبران

قيل هَذَا مُشْتَقّ كالعدل والعديل فالعدل للمتاع والعديل لَا يكون إِلَّا للنَّاس وَكِلَاهُمَا نكرَة

وَيُقَال أَصَابَهُ دبران الشوق ودبران الْمَرَض لما يَأْتِي بعد

وَكَذَلِكَ الثريا إِنَّمَا هُوَ تَصْغِير ثروى وَهِي فعلى من الْكَثْرَة فَهَذَا يتهيأ فِي كل شَيْء يُقَال رجل ثروان وَامْرَأَة ثروى فَأَما قَوْله (لنا قمَران والنجومُ الطوالِعُ ... )

يُرِيد الشَّمْس وَالْقَمَر فَإِنَّهُ جعل ذَلِك نكرَة وعرفه بِالْألف وَاللَّام كَمَا جَازَ أَن يسميها قمرين وَهَذَا على التَّمْثِيل كشيء يُسمى بِهِ الرجل لجماله وبهائه

وَكَذَلِكَ قَول الشَّاعِر

(جزاني الزَّهْدَمان جَزاءَ سُوْءٍ ... وكنتُ المرْءَ أُجْزَى بالكَرامهْ)

لِأَنَّهُ جَعلهمَا من أمة كل وَاحِد مِنْهُمَا زَهْدَم على مَا وصفت لَك فِي زيد وَإِنَّمَا هما زَهْدَم وكردم فجمعهما على اسْم كَمَا جمع الشَّمْس وَالْقَمَر على الْقَمَر

وَكَذَلِكَ الْعمرَان إِنَّمَا هما أَبُو بكر وَعمر إِلَّا أَنه رد ذَلِك إِلَى مثل حكم الزيدين إِذا جَمعهمَا على اسْم وَاحِد

وَأَنت إِذا قلت هَذَا زيد مقبل تُرِيدُ هَذَا وَاحِد مِمَّن لَهُ هَذَا الِاسْم وَلَا تقصد إِلَى علم بِعَيْنِه كَانَ ذَلِك على منهاج مَا ذكرنَا فِي التَّثْنِيَة

فَأَما الْمُضَاف من الْأَسْمَاء الْأَعْلَام فَإِنَّهُ لَا يكون فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع إِلَّا معرفَة تَقول هَذَا عبد الله وَهَذَانِ عبدا الله وَهَؤُلَاء عبدو الله وَعبيد الله وَعباد الله ولأدنى الْعدَد أعبد الله لِأَن هَذَا تعرفه بِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى معرفَة فَالَّذِي يعرفهُ مَعَه كَذَلِك هَذَا غُلَام زيد وَهَذَانِ غُلَاما زيد

وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ كنية تَقول هَذَا أَبُو زيد وَهَذَانِ أَبَوا زيد لِأَنَّك تُرِيدُ هَذَانِ المعروفان بِهَذَا الِاسْم وصاحبا هَذِه الكنية وَهَؤُلَاء أَبُو زيد وآباء زيد لَا يكون إِلَّا ذَلِك

وَمثله هَذَانِ ابْنا عَم وَهَذَانِ ابْنا خَالَة أَي كل وَاحِد مِنْهُمَا مُضَاف إِلَى هَذِه الْقَرَابَة

فَإِن أردْت أَلا تخبر عَن الكنية نَفسهَا وَلَكِن تخبر أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا أَو مِنْهُم لَهُ ابْن يُقَال لَهُ زيد قلت هَذَانِ أَبَوا الزيدين وَهَؤُلَاء آبَاء الزيدين تخبر أَنهم آبَاء هَؤُلَاءِ الْقَوْم كَقَوْلِك هَاتَانِ دَارا الرجلَيْن ومنزلا أخويك

والفصل بَين هَذَا وَالْأول أَنَّك تومئ فِي هَذَا الْموضع إِلَى شَخْصَيْنِ أَو إِلَى شخوص تضيف إِلَيْهَا

وَأَنت فِي الأول إِنَّمَا تقصد إِلَى كنية يعرف بهَا وَاحِد أَو اثْنَان أَو ثَلَاثَة وَلَا تومئ إِلَى شخص هَذَا الِاسْم لَهُ

فعلى هذَيْن الْمَعْنيين مجْرى هَذَا

هَذَا بَاب الظروف من الْأَمْكِنَة والأزمنة وَمَعْرِفَة قسمهَا وتمكنها وَامْتِنَاع مَا يمْتَنع مِنْهَا من التَّصَرُّف وَيُقَال من الصّرْف

وَاعْلَم أَن الظروف متضمنة للأشياء فَمَا كَانَ مِنْهَا مَعَه فعل أَو شَيْء فِي معنى الْفِعْل فمجراه مجْرى الْمَفْعُول فَإِن أطلقت الْفِعْل عَلَيْهِ نصبته وَإِن جعلته لَهُ أَو شغلته عَنهُ رفعته ونصبه إِذا انتصب على أَنه مفعول فِيهِ

وَذَلِكَ قَوْلك سرت يَوْم الْجُمُعَة وَجَلَست خلف زيد وَدون عبد الله وَقُدَّام أَخِيك فَهَذِهِ كلهَا مفعول فِيهَا بأنك جَلَست فِي هَذِه الْمَوَاضِع وسرت فِي هَذَا الْحِين

فَإِن شغلت الْفِعْل قلت يَوْم الْجُمُعَة سرت فِيهِ ومكانكم قُمْت فِيهِ كَمَا تَقول عبد الله تَكَلَّمت فِيهِ وَزيد شفعت فِيهِ وأخوك مَرَرْت بِهِ

من رأى نصب هَذَا نصب الظروف بِمَا سَنذكرُهُ بعد هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله

وَذَلِكَ أَن قَوْلك زيد مَرَرْت بِهِ ابْتِدَاء وَخبر ومررت بِهِ فِي مَوضِع قَوْلك منطلق إِذا قلت زيد منطلٌ

وَكَذَلِكَ مَكَانكُمْ قُمْت فِيهِ وَيَوْم الْجُمُعَة سرت فِيهِ بِمَنْزِلَة قَوْلك يَوْم الْجُمُعَة مبارك ومكانكم حسن

وَإِذا كَانَ الْفِعْل لَهُ فَكَذَلِك تَقول مضى يَوْم الْجُمُعَة وَحسن مَكَانكُمْ لِأَنَّهَا أَسمَاء كزيد وَعَمْرو وَإِن كَانَت مَوَاضِع للأشياء

فَأَما مَا تكون فِي معنى الْفِعْل فينتصب بِهِ فنحو قَوْلك المَال لَك يَوْم الْجُمُعَة لِأَن مَعْنَاهُ تملك وَزيد فِي الدَّار يَوْمنَا هَذَا لِأَن مَعْنَاهُ الِاسْتِقْرَار وَزيد صديق عبد الله الْيَوْم لِأَن مَعْنَاهُ أَنه يؤاخيه فِي هَذَا الْيَوْم

وَاعْلَم أَن الظروف من الْمَكَان تقع للأسماء وَالْأَفْعَال

فَأَما وُقُوعهَا للأسماء فَلِأَن فِيهَا معنى الِاسْتِقْرَار

تَقول زيد خَلفك وَزيد أمامك وَعبد الله عنْدكُمْ لِأَن فِيهِ معنى اسْتَقر عبد الله عنْدك

فَأَما الظروف من الزَّمَان فَإِنَّهَا لَا تَتَضَمَّن الجثث لِأَن الِاسْتِقْرَار فِيهَا لَا معنى لَهُ

أَلا ترى أَنَّك تَقول زيد عنْدك يَوْم الْجُمُعَة لِأَن مَعْنَاهُ زيد اسْتَقر عنْدك فِي هَذَا الْيَوْم وَلَو قلت زيد يَوْم الْجُمُعَة لم يستقم لِأَن يَوْم الْجُمُعَة لَا يخاو مِنْهُ زيد وَلَا غَيره فَلَا فَائِدَة فِيهِ وَلَكِن الْقِتَال يَوْم الْجُمُعَة واجتماعكم يَوْم الْجُمُعَة واجتماعكم يَوْم كَذَا وموعدكم الْيَوْم يَا فَتى لِأَنَّهَا أَشْيَاء تكون فِي هَذِه الْأَوْقَات وَقد كَانَ يجوز أَن تَخْلُو مِنْهَا

وَلَو قلت زيد أَخُوك يَوْم الْجُمُعَة وَأَنت تُرِيدُ النّسَب لم يجز لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ معنى فعل فَلَا يكون لَهُ وَجه فَائِدَة وَلَكِن إِن قلت زيد أَخُوك يَوْم الْجُمُعَة تُرِيدُ بِهِ الصداقة كَانَ جيدا لِأَنَّك قلت يؤاخيك فِي هَذَا الْيَوْم فعلى هَذَا تجْرِي هَذِه الْأَشْيَاء

وَاعْلَم أَن هَذِه الظروف المتمكنة يجوز أَن تجعلها أَسمَاء فَتَقول يَوْم الْجُمُعَة قمته فِي مَوضِع قُمْت فِيهِ والفرسخ سرته ومكانكم جلسته وَإِنَّمَا هَذَا اتساع وَالْأَصْل مَا بدأنا بِهِ لِأَنَّهَا مفعول فِيهَا وَلَيْسَت مَفْعُولا بهَا وَإِنَّمَا هَذَا على حذف حرف الْإِضَافَة

أَلا ترى أَن قَوْلك مَرَرْت بزيد لَو حذفت الْبَاء قلت مَرَرْت زيدا إِلَّا أَنه فعل لَا يصل إِلَّا بِحرف إِضَافَة وعَلى هَذَا قَول الله عز وَجل {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا} إِنَّمَا هُوَ وَالله أعلم من قومه فَلَمَّا حذف حرف الْإِضَافَة وصل الْفِعْل فَعمل وَقَالَ الشَّاعِر

(مِنَّا الَّذِي اخْتِيرَ الرجالَ سَماحةً ... وَجُوداً إِذا هَبَّ الرِياحُ الزعازِعُ) يُرِيد من الرِّجَال وَقَالَ الآخر

(أَمَرْتُكَ الخيْرَ فافْعَل مَا أُمِرْتَ بِه ... فقدْ تركتك ذَا مَال وَذَا نَشَب)

يُرِيد بِالْخَيرِ وَقَالَ

(أَستَغْفِرُ اللهَ ذَنْبًا لستُ مُحْصِيَهُ ... رَبَّ العِبادِ إِليه الوَجْهُ والعَمَلُ)

يُرِيد من ذَنْب فَهَذَا على هَذَا

فمما جَاءَ مثل مَا وصفت لَك فِي الظروف قَوْله

(ويومٍ شِهدْناه سُلَيْماً وعامِراً ... قَلِيلا سِوَى الطَّعْنِ النِّهالِ نَوافِلُهْ)

يُرِيد شَهِدنَا فِيهِ

فَأَما قَول الله عز وَجل

(بل مكر اللَّيْل وَالنَّهَار فَإِن تَأْوِيله وَالله أعلم بل مكركم فِي اللَّيْل وَالنَّهَار فأضيف الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول كَمَا تَقول رَأَيْت بِنَاء دَارك جيدا فأضفت الْبناء إِلَى الدَّار وَإِنَّمَا الْبناء فعل الْبَانِي

وَكَذَلِكَ مَا أحسن خياطَة ثَوْبك وَالْفِعْل إِنَّمَا هُوَ الْفَاعِل وَجَازَت إِضَافَته إِلَى الْمَفْعُول لِأَنَّهُ فِيهِ يحل وَالْمَفْعُول فِيهِ كالمفعول بِهِ قَالَ الشَّاعِر

(لقَدْ لُمْتِني يَا أُمَّ غَيْلانَ فِي السُّرَى ... ونِمْتِ وَمَا لَيْلُ المطيِّ بنائِمِ)

وَالْمعْنَى بنائم الْمطِي فِيهِ وَمثله

(فنامَ لَيْلى وتَقَضَّى هَمِّي ... )

ويروى وتجلى وَقَالَ

(أَمَّا النَّهارُ فَفِي قَيْدٍ وسِلْسِلَةٍ ... واللَّيلُ فِي جَوْفِ مَنْحُوتٍ مِنَ السَّاج) فَهَذِهِ الظروف من الزَّمَان وَالْمَكَان مَا كَانَ يَقع مِنْهَا معرفَة ونكرة ويتصرف فَهُوَ كزيد وَعَمْرو يجوز أَن تَجْعَلهُ فَاعِلا ومفعولا مصححا وعَلى السعَة

فَأَما الْمُصَحح فنحو قَوْلك شهِدت يَوْم الْجُمُعَة ووافيت يَوْم السبت وَيَوْم الْأَحَد وقاسيت يَوْمًا طَويلا

وَأما على السعَة فقولك يَوْم الْجُمُعَة ضَربته زيدا تُرِيدُ ضربت فِيهِ زيدا فأوصلت الْفِعْل إِلَيْهِ

فَإِن أجريته إِذا جعلته مَفْعُولا مجْرى مالم يسم فَاعله قلت سير بزيد يَوْمَانِ وسير على فرسك ليلتان أَقمت ذَلِك مقَام الْفَاعِل كَمَا تَقول دخل بزيد الدَّار

وَمَا أجريته من هَذِه الْأَسْمَاء ظرفا انتصب فِي هَذَا الْموضع بِأَنَّهُ مفعول فِيهِ فَقلت سير بزيد يَوْمَيْنِ لِأَنَّك أردْت أَن السّير وَقع فِي يَوْمَيْنِ وأقمت بزيد مقَام الْفَاعِل وَإِن كَانَ مَعَه حرف خفض لِأَن قَوْلك سير بزيد بِمَنْزِلَة قَوْلك ضرب زيد وَلِهَذَا مَوضِع نذكرهُ فِيهِ سوى هَذَا إِن شَاءَ الله

مَا كَانَ من هَذَا من أَسمَاء الْمَكَان فَذَلِك مجْرَاه تَقول سير بزيد فرسخان وسير زيد خَلفك وسير بزيد أمامك وسير بزيد الْمَكَان الَّذِي تعلم

وَاعْلَم أَن من هَذِه الظروف ظروفاً لَا يجوز أَن يكون الْعَمَل إِلَّا فِي جَمِيعهَا وَإِنَّمَا ذَلِك على مِقْدَار الْقَصْد إِلَيْهِ

فمما لَا يكون الْعَمَل فِي بعضه دون بعض قَوْلك صمت يَوْمًا لَا يكون الصَّوْم إِلَّا منتظما لليوم لِأَنَّهُ حكم الصَّوْم وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَمْسَكت عَن الطَّعَام وَالشرَاب يَوْمًا وَكَذَلِكَ سرت فرسخا وميلا لِأَنَّك موقت وَإِنَّمَا تُرِيدُ أَن تخبر بمبلغ سيرك

وَتقول لقِيت زيدا يَوْم الْجُمُعَة فَيكون اللِّقَاء فِي بعض الْيَوْم لِأَنَّك لست بموقت إِنَّمَا أَنْت مؤرخ

وَلَو قيل لَك كم يَوْمًا لقِيت زيدا فَقلت شهرا لجرى جَوَابا ل (كم) لِأَن مَعْنَاهُ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَإِنَّمَا كم سُؤال عَن عدد

وَإِن قيل مَتى لقِيت زيدا فَقلت شهرا لم يجز لِأَن اللِّقَاء لَا يكون إِلَّا فِي بعض شهر وَإِنَّمَا قَالَ لَك مَتى لتوفت لَهُ فتعرفه فَإِنَّمَا جَوَاب ذَلِك يَوْم الْجُمُعَة أَو شهر رَمَضَان أَو مَا أشبه ذَلِك

وَأَيْنَ فِي الْمَكَان بِمَنْزِلَة مَتى فِي الزَّمَان وَكم دَاخِلَة على كل عدد كَمَا أَن كَيفَ مَسْأَلَة عَن كل حَال

فَأَما الظروف الَّتِي لَا تتمكن فنحو ذَات مرّة وبعيدات بَين وسحر إِذا أردْت سحر يَوْمك وبكرا وَكَذَلِكَ عَشِيَّة وعتمة وَذَا صباح وكل مَا كَانَ من معنى عَشِيَّة وضحوة وَكَذَلِكَ أمس

وَمن الْمَكَان نَحْو عِنْد وَحَيْثُ وكل مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا مِمَّا لَا يخص موضعا وَهَذِه جمل يُؤْتى على تفصيلها إِن شَاءَ الله فَمثل خلف وأمام وَقُدَّام يجوز أَن تقع أَسمَاء غير ظروف وَذَلِكَ فِيهَا قَلِيل لما أذكرهُ وَمثل الْيَوْم وَاللَّيْلَة والفرسخ والميل والنحو والناحية

وَمَا كَانَ اسْما ليَوْم نَحْو الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء فَأكْثر تَصرفا فِي الْأَسْمَاء لما أذكرهُ لَك إِن شَاءَ الله

علم أَن كل فعل تعدى أَو لم يَتَعَدَّ فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ إِلَى ثَلَاثَة أَشْيَاء إِلَى الْمصدر لِأَنَّهُ مِنْهُ مُشْتَقّ وَعَلِيهِ يدل وَذَلِكَ قَوْلك قُمْت قيَاما وَقَعَدت قعُودا لِأَنَّك إِذا قلت قُمْت قيَاما فَإِنَّمَا ذكرت أَنَّك قد فعلت الْقيام فَهُوَ لَازم للْفِعْل

وَإِذا قلت قُمْت لم تدل على مفعول فَلذَلِك لم يَتَعَدَّ

أَلا ترى أَنَّك تَقول ضربت فتدل على أَن لفعلك من قد وَقع بِهِ فَلذَلِك تعدى إِلَى مفعول فالفعل لَا يتَعَدَّى إِلَّا بِمَا فِيهِ من الدّلَالَة عَلَيْهِ فَكل فعل لَا يَخْلُو من مصدره

ويلي الْمصدر الزَّمَان فَكل فعل يتَعَدَّى إِلَى الزَّمَان وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت قُمْت دللت على أَن فعلك فِيمَا مضى من الدَّهْر

وَإِذا قلت أقوم وسأقوم دللت على أَنَّك ستفعل فِيمَا يسْتَقْبل من الدَّهْر فالفعل إِنَّمَا هُوَ مَبْنِيّ للدهر بأمثلته ف (فعل) لما مضى مِنْهُ وَيفْعل يكون لما أَنْت فِيهِ وَلما لم يَقع من الدَّهْر فَلذَلِك تَقول سرت يَوْمًا وسأسير يَوْم الْجُمُعَة لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكّ مِنْهُ

وَالْمَكَان لَا يَخْلُو فعل مِنْهُ وَهُوَ أبعد الثَّلَاثَة لِأَن الْفِعْل لَيْسَ بمبني من لَفظه وَلَا للمكان مَاض ومستقبل فَيكون الْفِعْل لما مضى مِنْهُ وَلما لم يمض وَلَكِنَّك إِذا قلت فعلت أَو أفعل علم أَن للْحَدَث مَكَانا كَمَا علم أَنه فِي زمَان

فَإِن كَانَ الْمَكَان مِمَّا لَا يَخْلُو الْحَدث مِنْهُ حصره حصر الزَّمَان وتعدى الْفِعْل إِلَيْهِ

وَإِن كَانَ الْمَكَان مَخْصُوصًا لم يَتَعَدَّ إِلَيْهِ إِلَّا كَمَا يتَعَدَّى إِلَى زيد وَعمر

فَأَما الْمَكَان الَّذِي لَا يَنْفَكّ الْحَدث مِنْهُ فنحو جَلَست مَجْلِسا وَقمت مَكَان صَالحا لِأَنَّهُ لَا يقوم إِلَّا فِي مَكَان وَإِنَّمَا نَعته بعد أَن أعمل فِيهِ الْفِعْل وَلَا يجلس إِلَّا فِي مجْلِس

وَكَذَلِكَ سرت فرسخا لِأَن السّير لَا يَخْلُو من أَن يكون فرسخا أَو بعضه

وَجَلَست خَلفك لَا يَنْفَكّ مِنْهُ شَيْء أَن يكون خلف وَاحِد وَإِنَّمَا أَضَافَهُ بعد أَن كَانَ مُطلقًا وَكَذَلِكَ قُمْت أمامك وَنَحْوه

فَإِن قَالَ جَلَست الدَّار يَا فَتى أَو قُمْت الْمَسْجِد أَو قُمْت الْبَيْت لم يجز لِأَن هَذِه مَوَاضِع مَخْصُوصَة لَيْسَ فِي الْفِعْل عَلَيْهَا دَلِيل فكا مَا كَانَ فِي الْجُمْلَة مِمَّا يدل عَلَيْهِ الْفِعْل فَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَيْهِ وَمَا امْتنع من ذَلِك فَهُوَ مُمْتَنع مِنْهُ

فَأَما دخلت الْبَيْت فَإِن الْبَيْت مفعول تَقول الْبَيْت دَخلته فَإِن قلت فقد أَقُول دخلت فِيهِ قيل هَذَا كَقَوْلِك عبد الله نصحت لَهُ ونصحته وخشنت صَدره وخشنت بصدره فتعديه إِن شِئْت بِحرف وَإِن شِئْت أوصلت الْفِعْل كَمَا تَقول نبأت زيدا يَقُول ذَاك ونبأت عَن زيد فَيكون نبأت زيدا مثل أعلمت زيدا ونبأت عَن زيد مثل خبرت عَن زيد أَلا ترى أَن دخلت إِنَّمَا هُوَ عمل فعلته وأوصلته إِلَى الدَّار لَا يمْتَنع مِنْهُ مَا كَانَ مثل الدَّار تَقول دخلت الْمَسْجِد وَدخلت الْبَيْت قَالَ الله عز وَجل {لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله} فَهُوَ فِي التَّعَدِّي كَقَوْلِك عمرت الدَّار وهدمت الدَّار وأصلحت الدَّار لِأَنَّهُ فعل وصل مِنْك إِلَيْهَا مثل ضربت زيدا

فعلى هَذَا تجْرِي هَذِه الْأَفْعَال فِي الْمَخْصُوص والمبهم

فَأَما مَا لَا يتَمَكَّن من ظروف الْمَكَان وَالزَّمَان فسأصف لَك حروفا تدل على الْعلَّة فِيمَا جرى مجْراهَا لتتناول الْقيَاس من قرب إِن شَاءَ الله

فَأَما عِنْد فَالَّذِي منعهَا من التَّمَكُّن أَنَّهَا لَا تخص موضعا وَلَا تكون إِلَّا مُضَافَة فَإِذا قلت جَلَست عِنْد زيد فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْموضع الَّذِي فِيهِ زيد فَحَيْثُ انْتقل زيد فَذَلِك الْموضع يُقَال لَهُ عِنْد زيد فَهِيَ بِمَنْزِلَة حَيْثُ فِي أَنَّهَا لَا تخص موضعا إِلَّا أَن حَيْثُ توضح بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر وبالفعل وَالْفَاعِل لعِلَّة نذكرها إِن شَاءَ الله وَهَذِه تُضَاف إِلَى مَا بعْدهَا وَلَا يجوز أَن تدخل عَلَيْهَا من حُرُوف الْإِضَافَة إِلَّا من تَقول جِئْت من عِنْد زيد وَلَا يجوز أَن تَقول ذهبت إِلَى عِنْد زيد لِأَن الْمُنْتَهى غَايَة مَعْرُوفَة وَلَيْسَ عِنْد موضعا مَعْرُوفا

وَمن للابتداء وَلَيْسَت للمستقر فَهَذَا أصل عِنْد وَإِن اتسعت واتساعها نَحْو قَوْلك أَنْت عِنْدِي منطلق لِأَن عِنْد للحضرة وَإِنَّمَا أَرَادَ فِيمَا يحضرني فِي نَفسِي

وَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْلك على زيد ثوب فَإِنَّمَا يُرِيد أَنه قد علاهُ ثمَّ تَقول عَلَيْهِ دين تُرِيدُ أَنه قد علاهُ وقهره

وكقولك زيد فِي الدَّار أَي يحل فِيهَا ثمَّ تَقول فِي زيد خصْلَة حَسَنَة فَجَعَلته كالوعاء لَهَا

فلقلة تمكن عِنْد لَا يجوز أَن تجْرِي مجْرى الْأَسْمَاء غير الظروف لَو قلت سير بزيد عنْدك كَمَا تَقول سير بزيد أمامك لم يجز وَلَا تَقول إِن عنْدك حسن كَمَا تَقول إِن مَكَانك حسن

وَكَذَلِكَ لدن لِأَن مَعْنَاهَا معنى عِنْد فَكل مَا كَانَ غير مُتَمَكن فِي بَابه فَغير مخرج مِنْهُ على جِهَة الاتساع إِلَى بَاب آخر أَلا ترى أَن خلف وأمام وَقُدَّام وَنَحْو ذَلِك يتصرفن لِأَن الْأَشْيَاء لَا تَخْلُو مِنْهَا وَلَيْسَ الْوَجْه مَعَ ذَلِك رَفعهَا حَتَّى تضيفها فَتَقول خلف كَذَا وأمام كَذَا حَتَّى تعرف الشَّيْء بِالْإِضَافَة

وَلَو قلت سير بزيد خلف للدَّار أَو أَمَام للدَّار جَازَ على بعد لِأَنَّهُ نكرَة وَإِن كَانَت اللَّام توجب معنى الْإِضَافَة وَلَكِنَّك إِذا قلت خلف لَهَا جعلته مُبْهما ثمَّ علقته بهَا كَقَوْلِك هَذَا غُلَام لزيد فقد علمنَا أَنه فِي ملك زيد وَلَيْسَ الْمَعْرُوف بِهِ فَإِذا قلت غُلَام زيد فَهُوَ مثل أَخُو زيد أَي الْمَعْرُوف بِهِ كَمَا قَالَ لبيد بن ربيعَة

(فَغَدَتْ كِلا الفَرْجيْنِ تَحَسبُ أَنَّه ... مَوْلَى المَخَافَة خَلْفُهَا وأَمَامُها)

والأجود فِي هَذَا أَلا يجْرِي إِلَّا ظرفا لإبهامه وَإِن كَانَ مُضَافا

فَإِذا قلت خَلفك وَاسع فالرفع لَا غير لِأَنَّهُ لَيْسَ بظرف وَإِنَّمَا خبرت عَن الْخلف كَمَا تَقول زيد منطلق

وَكَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة يَوْم مبارك وَإِنَّمَا الظروف أَسمَاء الْأَمْكِنَة والأزمنة فَإِن وَقع فِيهَا فعل نصبها كَمَا ينصب زيدا إِذا وَقع بِهِ إِلَّا أَن زيدا مفعول بِهِ وَهَذِه مفعول فِيهَا

وَتقول وسط رَأسك دهن يَا فَتى لِأَنَّك خبرت أَنه اسْتَقر فِي ذَلِك الْموضع فأسكنت السِّين ونصبت لِأَنَّهُ ظرف وَتقول وسط رَأسك صلب لِأَنَّهُ اسْم غير ظرف وَتقول ضربت وَسطه لِأَنَّهُ الْمَفْعُول بِهِ بِعَيْنِه

وَتقول حفرت وسط الدَّار بِئْرا إِذا جعلت الْوسط كُله بِئْرا كَقَوْلِك خرب وسط الدَّار

وكل مَا كَانَ مَعَه حرف خفض فقد خرج من معنى الظّرْف وَصَارَ اسْما صَحَّ كَقَوْلِك سرت فِي وسط الدَّار لِأَن التضمن ل فِي. وَتقول قُمْت فِي وسط الدَّار كَمَا تَقول قُمْت فِي حَاجَة زيد فَتحَرك السِّين من وسط لِأَنَّهَا هُنَا لَيست بظرف

وَتقول فِيمَا كَانَ من الْأَمَاكِن مُرْسلا أَنْت مني عدوة الْفرس وَأَنت مني دَعْوَة الرجل لِأَنَّهُ أَرَادَ بيني وَبَيْنك وَلم يرد أَنْت فِي هَذَا الْمَكَان فَإِنَّمَا يُنبئ عَن هَذَا مَعْنَاهُ

وَتقول موعدك بَاب الْأَمِير إِذا جعلته هُوَ الْموعد وتنصب إِذا أردْت أَن تَجْعَلهُ ظرفا كَأَنَّك قلت موعدك حَضْرَة بَاب الْأَمِير أَي فِي ذَلِك الْموضع لِأَنَّك إِذا أردْت حَضْرَة كَانَت شَيْئا عَاما وَكَذَلِكَ مَا كَانَ من المصادر حينا فَإِن تَقْدِيره حذف الْمُضَاف إِلَيْهِ وَذَلِكَ قَوْلك موعدك مقدم الْحَاج وخفوق النَّجْم وَكَانَ ذَلِك خلَافَة فلَان فَالْمَعْنى فِي كل ذَلِك وَقت خفوق النَّجْم وزمن مقدم الْحَاج وزمن خلَافَة فلَان وعَلى هَذَا قَالَ الشَّاعِر

(وَمَا هِي إِلَّا فِي إِزارٍ وَعِلْقَةٍ ... مُعارَ ابْنِ هَمَّامٍ عَلى حَيِّ خَثْعما)

أَي فِي هَذَا الْوَقْت

فَأَما قَوْلهم هُوَ مني مقْعد الْقَابِلَة ومنزلة الْوَلَد فَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يقرب مَا بَينهمَا

وَإِذا قَالَ هُوَ مني منَاط الثريا فَإِنَّمَا معنى هَذَا أبعد الْبعد

قَالَ الشَّاعِر

(وإِنَّ بَني حَرْبٍ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمُ ... مَناطَ الثُريَّا قَدْ تَعَلَّتْ نُجُومُها) فجملة هَذَا الْبَاب أَنه كل مَا تصرف جَازَ أَن يَجْعَل اسْما وَيكون فَاعِلا ومفعولا وكل مَا امْتنع من ذَلِك لم يزِيدُوا بِهِ على الظّرْف

وَأما قَوْله

(فَوَرَدْنَ والعيُّوقُ مَقْعَدَ رَابيءِ الضُّرَباءِ خَلْفَ النَّجْمِ لَا يتَتَلَّعُ)

فَإِنَّمَا أَرَادَ التَّقْرِيب وَأَرَادَ مقْعد رابيء الضرباء من الضرباء وَأما قَوْله

(عَزْمْتُ عَلى إقامةِ ذِي صباح ... لِشيءٍ مَا يُسَوَّدُ مَنْ يسودُ)

فَإِنَّمَا اضْطر فأجراه اسْما وَلَو جَازَ مثله فِي الضَّرُورَة لجَاز سير بِهِ ذُو صباح وَأما قَوْلنَا فِي حَيْثُ إِنَّهَا لَا تتمكن فَإِنَّهَا تحْتَاج إِلَى تَفْسِير على حيالها

فَذَلِك لِأَن حَيْثُ فِي الْأَمْكِنَة بِمَنْزِلَة حِين فِي الْأَزْمِنَة تجْرِي مجْراهَا وتحتاج إِلَى مَا يوضحها كَمَا يكون ذَلِك فِي الْحِين إِلَّا أَن حِين فِي بَابهَا وَهَذِه مدخلة عَلَيْهَا فَلذَلِك بنيت وَذَلِكَ قَوْلك قُمْت حَيْثُ زيد قَائِم وَقمت حَيْثُ قَامَ زيد وَلَا يجوز قُمْت حَيْثُ زيد كَمَا تَقول قُمْت فِي مَكَان زيد وَإِنَّمَا يوضحها مَا يُوضح الْأَزْمِنَة أَلا ترى أَنَّك تَقول آتِيك إِذا قَامَ زيد وجئتك إِذا قَامَ زيد وَحين قَامَ زيد وجئتك حِين زيد أَمِير وَيَوْم عبد الله منطلق فَهَذَا تَأْوِيل بنائها

هَذَا بَاب إِضَافَة الْأَزْمِنَة إِلَى الْجمل

اعْلَم أَنه مَا كَانَ من الْأَزْمِنَة فِي معنى إِذْ فَإِنَّهُ يُضَاف إِلَى الْفِعْل وَالْفَاعِل وَإِلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر كَمَا يكون ذَلِك فِي إِذْ

وَذَلِكَ قَوْلك جئْتُك إِذْ قَامَ زيد وجئتك إِذْ زيد فِي الدَّار

فعلى هَذَا تَقول جئْتُك يَوْم زيد فِي الدَّار وجئتك حِين قَامَ زيد

وَإِن كَانَ الظّرْف فِي معنى إِذا لم يجز أَن يُضَاف إِلَّا إِلَى الْأَفْعَال كَمَا كَانَ ذَلِك فِي إِذا

أَلا ترى أَنَّك تَقول آتِيك إِذا قَامَ زيد وَإِذا طلعت الشَّمْس وَلَا يجوز آتِيك إِذا زيد منطلق لِأَن إِذا فِيهَا معنى الْجَزَاء وَلَا يكون الْجَزَاء إِلَّا بِالْفِعْلِ

تَقول إِذا أَعْطَيْتنِي أكرمتك وَإِذا قدم زيد أَتَيْتُك وَقَول الله عز وَجل {إِذا السَّمَاء انفطرت} و {إِذا السَّمَاء انشقت} مَعْنَاهُ إِذا انشقت السَّمَاء وَلَوْلَا هَذَا الْفِعْل لم يصلح أَن يَقع بعد إِذا لما فِيهَا من معنى الْجَزَاء فعلى هَذَا تَقول آتِيك يَوْم يقوم زيد وَلَا يجوز آتِيك يَوْم زيد منطلق لما ذكرت لَك قَالَ الله عز وَجل {هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم} وَقَالَ {هَذَا يَوْم لَا ينطقون}

فَأَما إِذْ فَإِنَّمَا يَقع بعْدهَا الْجمل لِأَنَّهُ لَا معنى للجزاء فِيهَا لِأَنَّهَا مَاضِيَة لَا تحْتَاج إِلَى الْجَواب تَقول جئْتُك إِذْ قَامَ زيد وَكَانَ هَذَا إِذْ زيد أَمِير كَمَا تَقول هَذَا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة

فَإِذا كَانَ بعْدهَا فعل مَاض قبح أَن يفرق بَينهَا وَبَينه

تَقول جئْتُك إِذْ يقوم زيد فَإِنَّمَا وضعت يقوم فِي مَوضِع قَائِم لمضارعته إِيَّاه وَقَامَ لَا يضارع الْأَسْمَاء وَإِذ إِنَّمَا تُضَاف إِلَى فعل وفاعل أَو ابْتِدَاء وَخبر

فَإِذا أضيفت إِلَى الْفِعْل قدم وَإِذا أضيفت إِلَى الِابْتِدَاء قدم وَلم يكن الْخَبَر إِلَّا اسْما أَو فعلا مِمَّا يضارع الْأَسْمَاء

وَمِمَّا لَا يجوز أَن يكون ظرفا نَاحيَة الدَّار وجوف الدَّار لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْيَد وَالرجل فَكَمَا لَا تَقول زيد الدَّار لَا تَقول زيد جَوف الدَّار حَتَّى تَقول فِي جوفها فَإِن قلت زيد نَاحيَة من الدَّار أَو زيد نَاحيَة عَن الدَّار لَا تُرِيدُ بَعْضهَا حسن ذَلِك

وَمِمَّا لَا يكون إِلَّا ظرفا ويقبح أَن يكون اسْما سوى وَسَوَاء ممدودة بِمَعْنى سوى وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت عِنْدِي رجل سوى زيد فَمَعْنَاه عِنْدِي رجل مَكَان زيد أَي يَد مسده ويغني غناءه

وَقد اضْطر الشَّاعِر فَجعله اسْما لِأَن مَعْنَاهُ معنى غير فَحَمله عَلَيْهِ وَذَلِكَ قَوْله

(تَجانَفُ عَنْ جُلِّ اليّمامةِ نَاقَتي ... وَمَا قَصَدَتْ مِنْ أَهْلِهِ لِسَوائِكا) وَقَالَ آخر

(وَلَا يَنْطِقُ الفَحْشَاءَ مَنْ كانَ مِنْهُمُ ... إِذا جَلَسُوا مِنَّا وَلَا مِنْ سَوائِنَا)

وَإِنَّمَا اضْطر فحملها على مَعْنَاهَا كَمَا أَن الشَّاعِر حَيْثُ اضْطر إِلَى الْكَاف الَّتِي للتشبيه أَن يَجْعَلهَا اسْما أجراها مجْرى مثل لِأَن الْمَعْنى وَاحِد نَحْو قَوْلك زيد كعمرو إِنَّمَا مَعْنَاهُ مثل عَمْرو فَلَمَّا اضْطر قَالَ

(وصَالِياتٍ كَكَما يُؤثْفَيْن ... )

يُرِيد كَمثل مَا

وَقَالَ آخر

(فَصُيِّرُوا مِثْلَ كَعَصْفٍ مَأْكُولْ)

وأَمَّا قولُه

(وأَنْتَ مَكانُك مِنْ وائِلٍ ... مِكانُ القُرادِ مِنِ اسْتِ الجَمَلْ) فَإِنَّهُ لم يَجْعَل أَحدهمَا ظرفا للْآخر وَإِنَّمَا شبه مَكَانا بمَكَان كَقَوْلِك مَكَانك مثل مَكَان زيد

وَتقول آتِيك يَوْم الْجُمُعَة غدْوَة نصبت يَوْم الْجُمُعَة لِأَنَّهُ ظرف ونصبت غدْوَة على الْبَدَل لِأَنَّك أردْت أَن تعرفه فِي أَي وَقت كَمَا تَقول ضربت زيدا رَأسه أردْت أَن تبين مَوضِع الضَّرْب

وَتقول سير بزيد يَوْم الْجُمُعَة غدْوَة على الْبَدَل

وَإِن شِئْت نصبت الْيَوْم فَجَعَلته ظرفا لِقَوْلِك غدْوَة لِأَن الْغَدَاة فِي الْيَوْم

وَإِن شِئْت رفعت الْيَوْم فأقمته مقَام الْفَاعِل ثمَّ أضمرت فعلا فَنصبت بِهِ غدْوَة لِأَن الْمَعْنى على ذَلِك فَلَمَّا قَامَ الأول مقَام الْفَاعِل كَانَ التَّقْدِير سَارُوا غدْوَة يَا فَتى

فَأَما قَوْلهم اللَّيْلَة الْهلَال وَلَا يجوز اللَّيْلَة زيد لِأَن ظرف الزَّمَان لَا تَتَضَمَّن الجثث وَإِنَّمَا استقام هَذَا لِأَن فِيهِ معنى الْحُدُوث إِنَّمَا يُرِيد اللَّيْلَة يحدث الْهلَال فللمعنى صلح

وَلَو قلت اللَّيْلَة الْهلَال كَانَ جيدا تُرِيدُ اللَّيْلَة لَيْلَة الْهلَال فَلَمَّا حذفت لَيْلَة أَقمت الْهلَال مقَامهَا مثل قَول الله عز وَجل {واسأل الْقرْيَة} تُرِيدُ أهل الْقرْيَة

وَكَذَلِكَ زيد عَمْرو وَأَرَدْت مثل عَمْرو فَلَمَّا حذفت مثلا قَامَ عَمْرو مقَامه

هَذَا بَاب من الْإِخْبَار نبين مَا يسْتَعْمل من هَذِه الظروف أَسمَاء وَمَا لَا يكون إِلَّا ظرفا لقلَّة تصرفه

ونبدأ قبل ذَلِك بِشَيْء عَن الْإِخْبَار عَن الْأَسْمَاء غير الظروف لتستدل بذلك على الظروف إِذا وَردت عَلَيْك إِن شَاءَ الله

تَقول قَامَ زيد فَإِن قيل لَك أخبر عَن زيد فَإِنَّمَا يُقَال لَك اجْعَل زيدا خَبرا وَاجعَل هَذَا الْفِعْل فِي صلَة الِاسْم الَّذِي زيد خَبره فَإِن خبرت عَنهُ ب (الَّذِي) قلت الَّذِي قَامَ زيد

وَإِن أخْبرت عَنهُ بِالْألف وَاللَّام اللَّتَيْنِ فِي معنى الَّذِي قلت الْقَائِم زيد فَإِن قلت ضرب زيد عمرا فَأخْبرت عَن زيد قلت الَّذِي ضرب عمرا زيد جعلت فِي ضرب ضميرا فِي مَوضِع زيد فَاعِلا وَجعلت زيدا خبر الِابْتِدَاء

وَإِن قلته بِالْألف وَاللَّام فَكَذَلِك تَقول الضَّارِب عمرا زيد

وَإِن قيل لَك أخبر عَن عَمْرو قلت الضاربة زيد عَمْرو جعلت الْهَاء المنصوبة فِي مَوضِع عَمْرو وَجعلت عمرا خبر الِابْتِدَاء لِأَنَّك عَنهُ تخبر

والظروف تجْرِي هَذَا المجرى تَقول الْقِتَال يَوْم الْجُمُعَة فَإِن أخْبرت عَن الْقِتَال وضعت مَكَانَهُ ضميرا يكون يَوْم الْجُمُعَة ظرفا لَهُ وَجَعَلته خبر الِابْتِدَاء وَلَا يكون بِالَّذِي لِأَن الْألف وَاللَّام إِنَّمَا تلحقان الْفِعْل لِأَنَّك تبني من الْفِعْل فَاعِلا ثمَّ تدخلهما عَلَيْهِ

وَذَلِكَ قَوْلك الَّذِي هُوَ يَوْم الْجُمُعَة الْقِتَال كَانَ الْقِتَال ابْتِدَاء فَجعلت هُوَ فِي مَوْضِعه

فَإِن أخْبرت عَن يَوْم الْجُمُعَة قلت الَّذِي الْقِتَال فِيهِ يَوْم الْجُمُعَة تكنى عَن يَوْم الْجُمُعَة إِذا كَانَ ظرفا بِقَوْلِك فِيهِ

وَكَذَلِكَ إِذا قلت زيد خَلفك فَقيل لَك أخبر عَن الْخلف قلت الَّذِي فِيهِ زيد خَلفك وَالَّذِي فِيهِ زيد أمامك

وَمن جعله مَفْعُولا على السعَة قَالَ يَوْم الْجُمُعَة صمته وخلفك قمته تُرِيدُ فِيهِ أجراه مجْرى زيد وَعَمْرو فَقَالَ فِي قَوْله قُمْت يَوْم الْجُمُعَة إِذا أخبر عَن الْيَوْم الْقَائِمَة أَنا يَوْم الْجُمُعَة والجالسة أَنا خَلفك

هَذَا لما كَانَ مِنْهَا متصرف فَأَما مَا لَا يتَصَرَّف فنحو عِنْد وَسوى وَذَات مرّة وبعيدات بَين وسحر وبكرا إِذا أردْت سحر يَوْمك وبكرة وَعَشِيَّة وعتمة وصباح مسَاء فَلَا يجوز الْإِخْبَار عَن شَيْء مِنْهَا لِأَنَّك إِذا جعلت شَيْئا مِنْهَا خبر ابْتِدَاء أردْت أَن ترفعه وَالرَّفْع فِيهَا محَال لِأَنَّهَا لَا تكون أَسمَاء غير ظروف لِأَنَّك تَقول مَكَان وَاسع وَلَا تَقول عنْدك وَاسع وَلَا ذَات مرّة خير من مرَّتَيْنِ لفساد ذَلِك فِي الْمَعْنى

وَلَو قيل لَك أخبر عَن عِنْد فِي قَوْلك جَلَست عنْدك لَقلت الْجَالِس فِيهِ أَنا عنْدك وَهَذَا لَا يجوز لما ذكرت لَك فِي صدر الْكتاب

هَذَا بَاب مَا كَانَ من أَسمَاء الْأَوْقَات غير متصرف نَحْو سحر إِذا أردْت بِهِ سحر يَوْمك وبكرا وَمَا كَانَ مثلهمَا فِي قلَّة التَّمَكُّن

أما غدْوَة وبكرة فاسمان متمكنان معرفَة لَا ينصرفان من أجل التَّأْنِيث تَقول سير عَلَيْهِ بكرَة يَا فَتى وغدوة إِذا أَقمت بكرَة مقَام الْفَاعِل وَإِن أردْت نَصبه على الظّرْف فَكَذَلِك تَقول سير عَلَيْهِ بكرَة يَا فَتى وغدوة يَا فَتى

وَإِنَّمَا صَارا معرفَة لِأَنَّك بنيت غدْوَة اسْما لوقت بِعَيْنِه وبكرة فِي مَعْنَاهَا

أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذِه غَدَاة طيبَة وجئتك غَدَاة طيبه وَلَا تَقول على هَذَا الْوَجْه جئْتُك غدْوَة طيبَة وَلَكِن تَقول آتِيك يَوْم الْجُمُعَة غدْوَة يَا فتي

فَإِن ذكرت صرفت فَقلت سير عَلَيْهِ غدْوَة من الغدوات وبكرة من الْبكر نَحْو قَوْلك رَأَيْت عثمانا آخر وَجَاءَنِي زيد من الزيدين

قَالَ الله عز وَجل {وَلَهُم رزقهم فِيهَا بكرَة وعشيا} وَقَرَأَ بَعضهم {بالغدوة والعشي} فَأدْخل الْألف وَاللَّام على غدْوَة وَأما ضحى وضحى تَصْغِير ضحى وَعَشِيَّة وعشة وعشاء وبصر وظلام وصباح مسَاء فَإِن أردْت من النكرات فهن متصرفات تَقول سير عَلَيْهِ عَشِيَّة من العشايا وضحوة من الضحوات وتنصب إِن شِئْت على الظّرْف

وَكَذَلِكَ سير بِهِ عتمة وعشاء

فَإِن عنيت الْيَوْم الَّذِي أَنْت فِيهِ وَاللَّيْلَة الَّتِي أَنْت فِيهَا لم ترفع من ذَلِك شَيْئا وتنون لِأَنَّهُنَّ نكرات وَتقول سير عَلَيْهِ عَشِيَّة وعشاء وعتمة وَمَسَاء

وَإِنَّمَا قل تصرفه لِأَنَّك وَضعته وَهُوَ نكرَة فِي مَوضِع الْمعرفَة إِذا عنيت بِهِ يَوْمك وليلتك فَإِن صيرته نكرَة رَددته إِلَى بَابه وَأَصله فتصرف

وَأما سحر فمعدول لَا ينْصَرف وَإِنَّمَا عدل عَن الْألف وَاللَّام كأخر وَهَذَا يُفَسر فِيمَا ينْصَرف وَمَال اينصرف

وَكَذَلِكَ إِن صغرته فَقلت سيربه سحيرا صرفته لِأَن فعيلا لَا يكون معدولا وَلَكِن ترفعه بِمَا ذكرت من قلَّة تمكنه

فَإِن نكرته انْصَرف وَجرى على الْوُجُوه لِأَنَّهُ فِي بَابه فَقلت سير عَلَيْهِ سحر أَي سحر من الأسحار وَيجوز نَصبه على الظّرْف قَالَ الله عز وَجل {إِلَّا آل لوط نجيناهم بِسحر} فَهَذَا جملَة هَذَا الْبَاب

هَذَا بَاب لَا الَّتِي للنَّفْي

اعْلَم أَن لَا إِذا وَقعت على نكرَة نصبتها بِغَيْر تَنْوِين وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك لما أذكرة لَك إِنَّمَا وضعت الْأَخْبَار جوابات للاستفهام إِذا قلت لَا رجل فِي الدَّار لم تقصد إِلَى رجل بِعَيْنِه وَإِنَّمَا نفيت عَن الدَّار صَغِير هَذَا الْجِنْس وكبيرة فَهَذَا جَوَاب قَوْلك هَل من رجل فِي الدَّار لِأَنَّهُ يسْأَل عَن قَلِيل هَذَا الْجِنْس وَكَثِيره

أَلا ترى أَن الْمعرفَة لَا تقع هَا هُنَا لِأَنَّهَا لَا تدل على الْجِنْس وَلَا يَقع الْوَاحِد مِنْهَا فِي مَوضِع الْجَمِيع فَلَو قلت هَل من زيد كَانَ خلفا فَلَمَّا كَانَت لَا كَذَلِك كَانَ دُخُولهَا على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر كدخول إِن وَأَخَوَاتهَا عَلَيْهِمَا فأعملت عمل إِن

فَأَما ترك التَّنْوِين فَإِنَّمَا هُوَ لِأَنَّهَا جعلت وَمَا عملت فِيهِ بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد كخمسة عشر فَإِن قيل أَيكُون الْحَرْف مَعَ الِاسْم اسْما وَاحِدًا

قيل هَذَا مَوْجُود مَعْرُوف تَقول قد علمت أَن زيدا منطلق ف أَن حرف وَهِي وَمَا عملت فِيهِ اسْم وَاحِد وَالْمعْنَى علمت انطلاق زيد وَكَذَلِكَ بَلغنِي أَن زيدا منطلق فَالْمَعْنى بَلغنِي انطلاق زيد

كَذَلِك أَن الْخَفِيفَة مَعَ الْفِعْل إِذا قلت أُرِيد أَن تقوم يَا فَتى إِنَّمَا هُوَ أُرِيد قيامك وَكَذَلِكَ يسرني أَن تقوم مَعْنَاهُ يسرني قيامك

ف لَا وَالِاسْم الَّذِي بعْدهَا المنكور بِمَنْزِلَة قَوْلك يَا ابْن أم جعل اسْما وَاحِدًا كَمَا جعل خَمْسَة عشر وَالثَّانِي فِي مَوضِع خفض بِالْإِضَافَة وَكَذَلِكَ لَا رجل فِي الدَّار رجل فِي مَوضِع نصب منون إِلَّا أَنَّهُمَا جعلا اسْما وَاحِدًا بِمَنْزِلَة مَا ذكرت لَك

وَالدَّلِيل على أَن لَا وَمَا عملت فِيهِ اسْم قَوْلهم غضِبت من لَا شَيْء يَا فَتى وَجئْت بِلَا مَال كَقَوْلِه

(حنَّتْ قَلُوصِي حِينَ لاَ حِينَ مَحنّ) جعلهم اسْما وَاحِدًا

وَلَا يجوز أَن يكون هَذَا النَّفْي إِلَّا عَاما من ذَلِك قَول الله عز وَجل {لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله} وَقَالَ {لَا ريب فِيهِ} وَقَالَ {لَا ملْجأ من الله إِلَّا إِلَيْهِ}

فَإِن قدرت دُخُولهَا على شَيْء قد عمل فِيهِ غَيرهَا لم تعْمل شَيْئا وَكَانَ الْكَلَام كَمَا كَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّك أدخلت النَّفْي على مَا كَانَ مُوجبا وَذَلِكَ قَوْلك أَزِيد فِي الدَّار أم عَمْرو فَتَقول لَا زيد فِي الدَّار وَلَا عَمْرو

وَكَذَلِكَ تَقول أرجل فِي الدَّار أم امْرَأَة فَالْجَوَاب لَا رجل فِي الدَّار وَلَا امْرَأَة لَا تبالى معرفَة كَانَت أم نكرَة

وعَلى هَذَا قِرَاءَة بَعضهم {لَا خوف عَلَيْهِم} وَمن قَرَأَ لَا خوف عَلَيْهِم فعلى مَا ذكرت لَك

وَأما قَوْله {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} فَلَا يكون هم إِلَّا رفعا لِأَن لَا لَا تعْمل فِي المعارف وسأبين لَك هَذَا أَن شَاءَ الله

وَكَذَلِكَ إِن جَعلتهَا جَوَابا لِقَوْلِك رجل فِي الدَّار أَو أهل رجل فِي الدَّار قلت لَا رجل فِي الدَّار

وَهَذَا أقل لأقاويل لِأَنَّهَا لَا تخلص لمعْرِفَة دون نكرَة وَلَا نكرَة دون معرفَة إِذْ كَانَ التكرير وَالْبناء أغلب فالتكرير لَا زيد فِي الدَّار وَلَا عَمْرو وَلَا رجل فِي الدَّار وَلَا امْرَأَة

وَالْبناء لَا رجل فِي الدَّار وَلَا امْرَأَة على جَوَاب من قَالَ هَل من رجل أَو امْرَأَة فِي الدَّار

فمما جَاءَ على قَوْله لَا رجل فِي الدَّار قَوْله

(وأَنْتَ امْرُؤٌ مِنَّا خُلِقْتَ لَغيْرنَا ... حَياتُك لَا نَفْعٌ ومَوْتُكَ فَاجعُ)

وَقَوله

(مَنْ صَدَّ عَنْ نِيرانِها ... فأَنا ابْنُ قَيْسٍ لَا بَراحُ)

فَإِن كَانَت معرفَة لم تكن إِلَّا رفعا لِأَن لَا لَا تعْمل فِي معرفَة وَذَلِكَ قَوْلك لَا زيد فِي الدَّار إِنَّمَا هُوَ جَوَاب أَزِيد فِي الدَّار فَمن ذَلِك قَوْله

(قضَتْ وطَراً واسْتَرْجعتْ ثُمَّ آذَنتْ ... رَكائِبُهَا أَنْ لَا إِلَيْنَا رُجُوعُها)

وَاعْلَم أَن لَا إِن فصلت بَينهَا وَبَين النكرَة لم يجز أَن تجعلها مَعهَا اسْما وَاحِدًا لِأَن الِاسْم لَا يفصل بَين بعضه وَبَعض

فَتَقول لَا فِي الدَّار أحد وَلَا فِي بَيْتك رجل وَقَوله عز وَجل {لَا فِيهَا غول} لَا يجوز غَيره لِأَن لَا وَإِن لم تجعلها اسْما وَاحِدًا مَعَ مَا بعْدهَا لَا تعْمل لِضعْفِهَا إِلَّا فِيمَا يَليهَا

أَلا ترى أَنَّهَا تدخل على الْكَلَام فَلَا تغيره وَلَو كَانَت كَإِن وَأَخَوَاتهَا لأزالت الِابْتِدَاء وَلَا تعْمل إِلَّا فِي نكرَة الْبَتَّةَ وَلَو كَانَت كَغَيْرِهَا من العوامل لعملت فِي الْمعرفَة كَمَا تعْمل فِي النكرَة

فَإِن قلت فَمَا قَوْله

(أَرَى الحَاجاتِ عِنْدَ أَبِي خُبيْب ... نَكِدْنَ وَلَا أُميَّةَ فِي البلادِ)

فقد عملت فِي أُميَّة وَكَذَلِكَ قَوْله

(لَا هَيْثَمَ اللَّيْلَةَ للمَطِيِّ) فَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَن الشَّاعِر إِنَّمَا أَرَادَ لَا أَمْثَال أُميَّة وَلَا من يسد مسدها وَالْمعْنَى وَلَا ذَا فضل فَدخلت أُميَّة فِي هَؤُلَاءِ المنكورين

وَكَذَلِكَ لَا هَيْثَم اللَّيْلَة أَي لَا مجْرى وَلَا سائق كسوق هَيْثَم

وَمثل ذَلِك قَوْلهم فِي الْمثل قَضِيَّة وَلَا أَبَا حسن لَهَا أَي قَضِيَّة وَلَا عَالم بهَا فَدخل عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِيمَن يطْلب لهَذِهِ الْمَسْأَلَة

هَذَا بَاب مَا تعْمل فِيهِ لَا وَلَيْسَ باسم مَعهَا

تَقول لَا مثل زيد لَك وَلَا غُلَام رجل لَك وَلَا مَاء سَمَاء فِي دَارك

وَإِنَّمَا امْتنع هَذَا من أَن يكون اسْما وَاحِدًا مَعَ لَا لِأَنَّهُ مُضَاف والمضاف لَا يكون مَعَ مَا قبله اسْما أَلا ترى أَنَّك لَا تَجِد اسْمَيْنِ جعلا اسْما وَاحِدًا وهما مُضَاف إِنَّمَا يكونَانِ مفردين كحضرموت وبعلبك وَخَمْسَة عشر وَبَيت بَيت

أَلا ترى أَن قَوْله يَا ابْن أم لما جعل أم مَعَ ابْن اسْما وَاحِدًا حذفت يَاء الْإِضَافَة فَلذَلِك امْتنع هَذَا من أَن يكون مَعَ مَا قبله اسْما وَاحِدًا وعملت فِيهِ لَا فنصبته

وَكَذَلِكَ قَول ذِي الرمة

(هِيَ الدارُ إِذْمَيٌّ لأَهْلِكَ جِيرَةٌ ... لَيالَي لَا أَمْثَالَهن لياليا)

فأمثالهن نصب ب لَا وَلَيْسَ مَعهَا بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد وَمِمَّا لَا يكون مَعهَا اسْما وَاحِدًا مَا وصل بِغَيْرِهِ نَحْو قَوْلك لَا خيرا من زيد لَك وَلَا آمُر بِالْمَعْرُوفِ لَك تثبت التَّنْوِين لِأَنَّهُ لَيْسَ مُنْتَهى الِاسْم لِأَن مَا بعده من تَمَامه فَصَارَ بِمَنْزِلَة حرف من حُرُوف الِاسْم

وَلَو قلت لَا خير عِنْد زيد وَلَا آمُر عِنْده لم يكن إِلَّا بِحَذْف التَّنْوِين لِأَنَّك لم تصله بِمَا يكمله اسْما وَلكنه اسْم تَامّ فَجَعَلته مَعَ لَا اسْما وَاحِدًا

وَتقول لَا آمُر يَوْم الْجُمُعَة لَك إِذا نفيت جَمِيع الآمرين وَزَعَمت أَنهم لَيْسُوا لَهُ يَوْم الْجُمُعَة

فَإِن أردْت أَن تَنْفِي آمرا يَوْم الْجُمُعَة قلت لَا آمرا يَوْم الْجُمُعَة لَك

جعلت يَوْم الْجُمُعَة من تَمام الِاسْم فَصَارَ بِمَنْزِلَة قَوْلك لَا آمرا مَعْرُوفا لَك فَهَذَا يبين مَا يرد من مثل هَذَا وَكَانَ الْخَلِيل وسيبويه يزعمان أَنَّك إِذا قلت لَا غلامين لَك أَن غلامين مَعَ لَا اسْم وَاحِد وَتثبت النُّون كَمَا تثبت مَعَ الْألف وَاللَّام وَفِي تَثْنِيَة مَا لَا ينْصَرف وَجمعه نَحْو قَوْلك هَذَانِ أَحْمَرَانِ وَهَذَانِ المسلمان فالتنوين لَا يثبت فِي وَاحِد من الْمَوْضِعَيْنِ فرقوا بَين النُّون والتنوين وَاعْتَلُّوا بِمَا ذكرت لَك وَلَيْسَ القَوْل عِنْدِي كَذَلِك لِأَن الْأَسْمَاء الْمُثَنَّاة والمجموعة بِالْوَاو وَالنُّون لَا تكون مَعَ مَا قبلهَا اسْما وَاحِدًا لم يُوجد ذَلِك كَمَا لم يُوجد الْمُضَاف وَلَا الْمَوْصُول مَعَ مَا قبله بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد

هَذَا بَاب مَا ينعَت من الْمَنْفِيّ

اعْلَم أَنَّك إِذا نعت اسْما منفيا فَأَنت فِي نَعته بِالْخِيَارِ إِن شِئْت نونته فَقلت لَا مَاء بَارِدًا لَك وَلَا رجل ظريفا عنْدك وَهُوَ أَقيس الْوَجْهَيْنِ وَأحسن

وَإِن شِئْت جعلت الْمَنْفِيّ ونعته اسْما وَاحِدًا فَقلت لَا رجل ظريف عنْدك وَلَا مَاء بَارِد لَك

فَأَما مَا لم يرد أَن يَجعله اسْما فحجته أَن النَّعْت مُنْفَصِل من المنعوت مُسْتَغْنى عَنهُ فَإِنَّمَا جَاءَ بِهِ بعد أَن مضى الِاسْم على حَاله وَلَو لم يَأْتِ بِهِ لم تحتج إِلَيْهِ

وَحجَّة من رأى أَن يَجعله مَعَ المنعوت اسْما وَاحِدًا أَنه يَقُول لما كَانَ مَوضِع يصلح فِيهِ بِنَاء الاسمين اسْما وَاحِدًا كَانَ بِنَاء اسْم مَعَ اسْم أَكثر من بِنَاء اسْم مَعَ حرف وكل قد ذهب مذهبا إِن قلت لَا رجل ظريفاً عاقلاُ فَأَنت فِي النَّعْت الأول بِالْخِيَارِ فَأَما الثَّانِي فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا التَّنْوِين لِأَنَّهُ لَا يكون ثَلَاثَة أَشْيَاء اسْما وَاحِدًا

وَكَذَلِكَ الْمَعْطُوف لَو قلت لَا رجل وَغُلَامًا عنْدك لم يصلح فِي الْغُلَام إِلَّا التَّنْوِين من أجل وَاو الْعَطف لِأَنَّهُ لَا يكون فِي الْأَسْمَاء مثل حَضرمَوْت اسْما وَاحِدًا إِذا كَانَت بَينهمَا وَاو الْعَطف فعلى هَذَا يجْرِي هَذَا الْبَاب

هَذَا بَاب مَا كَانَ نَعته على الْموضع وَمَا كَانَ مكررا فِيهِ الِاسْم الْوَاحِد

اعْلَم أَن النَّعْت على اللَّفْظ والتكرير بِمَنْزِلَة وَاحِدَة وَذَلِكَ قَوْلك فِي النَّعْت لَا رجل ظريف لَك وَلَا رجل ظريفا لَك على مَا ذكرت لَك والتكرير على ذَلِك يجْرِي تَقول لَا مَاء مَاء بَارِدًا يَا فَتى وَإِن شِئْت قلت لَا مَاء مَاء بَارِد

فَإِن جعلت النَّعْت على الْموضع قلت لَا مَاء مَاء بَارِدًا

وَإِن شِئْت جعلت الاسمين اسْما وَاحِدًا قلت لَا مَاء مَاء بَارِد وَجعلت مَاء الأول وَالثَّانِي اسْما وَاحِدًا وَجعلت بَارِدًا نعتا على الْموضع لِأَن مَاء وَمَا عملت فِيهِ فِي مَوضِع اسْم مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف كَأَنَّهُ أَرَادَ لَا مَاء لنا وبارد نعت على الْموضع والنعت على اللَّفْظ أحسن

فمما جَاءَ نعتا على الْموضع وَهُوَ هَا هُنَا أحسن قَول الله عز وَجل (مَا لكم من إِلَه غَيره) إِن شِئْت كَانَ غَيره اسْتثِْنَاء وَإِن شِئْت كَانَ نعتا على الْموضع

وَإِنَّمَا كَانَ هُوَ الْوَجْه لِأَن من زَائِدَة لم تحدث فِي الْمَعْنى شَيْئا وَلَا لَيست كَذَلِك لِأَنَّهَا أزالت مَا كَانَ مُوجبا فَصَارَ بهَا منفيا فَمن ذَلِك قَوْله

(ورَدَّ جاَزِرُهُمْ حَرْفاً مُصَرَّمَةً ... وَلَا كَرَيمَ مِنَ الوِلْدانِ مصْبوحُ) والعطف يجْرِي هَذَا المجرى فَمن جعل الْمَعْطُوف على الْموضع قَالَ لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه حمل الثَّانِي على الْموضع

وَنَظِير هَذَا قَوْله

(فلسنا بالجبال وَلَا الحديدا)

حمل الثَّانِي على الْموضع كَأَنَّهُ قَالَ فلسنا الْجبَال ولسنا الحديدا

وَمثله قَول الله عز وَجل {فَأَصدق وأكن} لَوْلَا الْفَاء كَانَ أصدق مَجْزُومًا كَمَا أَنه لَوْلَا الْبَاء لكَانَتْ الْجبَال مَنْصُوبَة لِأَنَّهُ خبر لَيْسَ

وَمثله قَوْلك إِن زيدا منطلق وَعَمْرو وَقَول الله عز وَجل {أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله}

فالأجود فِي الثَّانِي أَن تحمل على الْموضع لِأَن إِن دخلت على مَا لَو لم تدخل عَلَيْهِ لَكَانَ مُبْتَدأ وَلم تغير الْمَعْنى بِدُخُولِهَا

فعلى هَذَا تَقول لَا رجل فِي الدَّار وَلَا امْرَأَة وَمثله قَوْله

(هَذَا لَعَمْرُكُمُ الصَّغَارُ بِعَيْنِهِ ... لاَ أُمَّ لِي إنْ كَانَ ذَاك وَلَا أبُ) وَالْحمل على اللَّفْظ أَجود كَقَوْلِه

(لَا أَبَ وابْناً مِثْل مَرْوانَ وابْنِهِ ... إِذا هُوَ بالمجْدِ ارْتَدَى وتَأَزَّرا)

هَذَا بَاب مَا يَقع مُضَافا بعد اللَّام

كَمَا وَقع فِي النداء فِي قَوْلك يَا بؤس للحرب إِذا كَانَت اللَّام تؤكد الْإِضَافَة كَمَا يؤكدها الِاسْم إِذا كرر كَقَوْلِك ياتيم تيم عدي

وَذَلِكَ قَوْلك لَا أبالك وَلَا مُسْلِمِي لَك

أما قَوْلك لَا أَبَا لَك فَإِنَّمَا تثبت اللَّام لِأَنَّك تُرِيدُ الْإِضَافَة وَلَوْلَا ذَلِك لحذفتها أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا أَب لزيد ومررت بأب لزيد فَيكون على حرفين

فَإِن قلت هَذَا أَبوك رددت وَكَذَلِكَ رَأَيْت أَبَاك ومررت بأبيك إِنَّمَا رددت للإضافة

فَإِن أردْت الْإِفْرَاد قلت لَا أَب لزيد جعلت لزيد خَبرا أَو أضمرت الْخَبَر وَجَعَلته تبيينا

فَإِن قلت لَا أَبَا لَهُ فالتقدير لَا أَبَاهُ وَدخلت اللَّام لتوكيد الْإِضَافَة كدخولها فِي يَا بؤس للحرب وَكَذَلِكَ الأَصْل فِي هَذَا كَقَوْلِه (أبِالمَوْتِ الَّذِي لَا بُدَّ أَنِّي ... مُلاقٍ لَا أَباكِ تُخَوِّفِينِي)

وَقَالَ الآخر

(فَقَدْ مَاتَ شَمَّاخٌ وماتَ مُزَرَّدٌ ... وأَيُّ كَرِيمٍ لَا أَباكَ يُخَلَّدُ) وعَلى هَذَا تَقول لَا مُسْلِمِي لَك وَلَا مُسْلِمِي لَك

فَإِن قلت لَا مُسلمين فِي دَارك وَلَا مُسلمين عنْدك لم يكن من إِثْبَات النُّون بُد لِأَن فِي وَعند وَسَائِر حُرُوف الْإِضَافَة لَا تدخل على معنى اللَّام لِأَن دُخُول اللَّام بِمَنْزِلَة سُقُوطهَا

أَلا ترى أَن قَوْلك هَذَا غلامك بِمَنْزِلَة قَوْلك هَذَا غُلَام لَك

وَتقول لَا مُسلمين هذَيْن الْيَوْمَيْنِ لَك وَلَا مُسلمين الْيَوْم لَك لِأَنَّهُ لَا يفصل بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ إِلَّا أَن يضْطَر شَاعِر فيفصل بالظروف وَمَا أشبههَا لِأَن الظّرْف لَا يفصل بَين الْعَامِل والمعمول فِيهِ تَقول إِن فِي الدَّار زيدا وَإِن الْيَوْم زيدا قَائِم

فمما جَاءَ فِي الشّعْر فصل بَينه وَبَين مَا عمل فِيهِ قَوْله

(كأَنَّ أَصْوَاتَ مِنْ إِيغَالِهِنَّ بِنا ... أَواخِرِ المَيْسِ أَصْواتُ الفَواريجِ) وَقَالَ آخر

(كَمَا خطَّ الكِتابُ بِكَفِّ يَوْماً ... يَهُودِيٍّ يُقارِبُ أَوْ يُزِيلُ)

وَنَظِير الظّرْف فِي ذَلِك الْمصدر وَمَا كَانَ مثله من حَشْو الْكَلَام كَقَوْلِه

(أَشَمُّ كأَنَّهُ رَجُلٌ عَبُوسٌ ... مُعاوِدُ جُرْأَةً وَقْتِ الهَوادي)

أَرَادَ معاود وَقت الهوادي جرْأَة

وَقَالَ آخر

(لَمَّا رَأَتْ ساتِيْدَمَا اسْتَعْبَرَتْ ... لِلهِ دَرُّ اليَوْمَ مَنْ لامَها) صفحة فارغة

هَذَا بَاب مَا لَا يجوز أَن يحمل من الْمَنْفِيّ على الْموضع

تَقول لَا غُلَام لَك وَلَا الْعَبَّاس وَلَا غُلَام لَك وَلَا زيد وَلَا غُلَام لَك وَزيد لم يجز أَن يحمل زيد على لَا وَلَكِن ترفعه على الْموضع لِأَن لَا وَمَا عملت فِيهِ فِي مَوضِع رفع لِأَن لَا لَا تعْمل فِي معرفَة

وَمثله كل رجل فِي الدَّار وَزيد فَلهُ دِرْهَم وكل رجل فِي الدَّار وَعبد الله لأكرمنهم لِأَنَّهُ لَا يجوز كل عبد الله فعطف على كل نَفسهَا كَمَا لَا يجوز لَا عبد الله فِي الدَّار فعلى هَذَا يجْرِي مَا ذكرت لَك

هَذَا بَاب مَا إِذا دخلت عَلَيْهِ لَا لم تغيره عَن حَاله لِأَنَّهُ قد عمل فِيهِ الْفِعْل فَلم يجز أَن يعْمل فِي حرف عاملان

وَذَلِكَ قَوْلك لَا سقيا وَلَا رعيا وَلَا مرْحَبًا وَلَا أَهلا وَلَا كَرَامَة وَلَا مَسَرَّة لِأَن الْكَلَام كَانَ قبل دُخُول لَا أفعل هَذَا وكرامة ومسرة أَي وأكرمك وأسرك فَإِنَّمَا نَصبه الْفِعْل فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ لَا لم تغيره

وَكَذَلِكَ لَا سَلام عَلَيْك وَهُوَ ابْتِدَاء وَخَبره وَمَعْنَاهُ الدُّعَاء على ذَلِك قَالَ الشَّاعِر

(وَنُبِّئْتُ جَوَّاباً وسَكْناً يَسُبُّنِي ... وعَمْرو بْنَ عفْرا لَا سَلاَمٌ عَلَى عَمْرِو)

هَذَا بَاب لَا إِذا دَخلهَا ألف الِاسْتِفْهَام أَو معنى التَّمَنِّي

أما كَونهَا للاستفهام فعلى حَالهَا قبل أَن يحدث فِيهَا علامته تَقول أَلا رجل فِي الدَّار على قَول من قَالَ لَا رجل فِي الدَّار

وَمن قَالَ لَا رجل فِي الدَّار وَلَا امْرَأَة قَالَ أَلا رجل فِي الدَّار وَلَا امْرَأَة وَمن قَالَ لَا رجل ظريفا فِي الدَّار قَالَ أَلا رجل ظريفا وَمن لم ينون ظريفا قبل الِاسْتِفْهَام لم ينونه هَاهُنَا

وَقد تجْعَل لَا بِمَنْزِلَة لَيْسَ لاجتماعها فِي الْمَعْنى وَلَا تعْمل إِلَّا فِي النكرَة فَتَقول لَا رجل أفضل مِنْك

وَلَا تفصل بَينهَا وَبَين مَا تعْمل فِيهِ لِأَنَّهَا تجْرِي رَافِعَة مجْراهَا ناصبة فعلى هَذَا تستفهم عَنْهَا

فَإِن دَخلهَا معنى التَّمَنِّي فالنصب لَا غير فِي قَول سِيبَوَيْهٍ والخليل وَغَيرهمَا إِلَّا الْمَازِني وَحده

تَقول أَلا مَاء أشربه أَلا مَاء وَعَسَلًا تنون عسلا كَمَا كَانَ فِي قَوْلك لَا رجل وَغُلَامًا فِي الدَّار وَتقول أَلا مَاء بَارِد إِن شِئْت وَإِن شِئْت نونت بَارِدًا وَإِن شِئْت لم تنون كَقَوْلِك لَا رجل ظريفا وَإِن شِئْت نونت ظريفا وَإِن شِئْت لم تنون

وَمن قَالَ لَا رجل وَامْرَأَة لم يقل هُنَا إِلَّا بِالنّصب

واحتجاج النَّحْوِيين أَنه لما دخله معنى التَّمَنِّي زَالَ عَنهُ الِابْتِدَاء وموضعه نصب كَقَوْلِك اللَّهُمَّ غُلَاما أَي هَب لي غُلَاما

وكقولهم إِن زيدا فِي الدَّار وَعَمْرو حمل عَمْرو على الْموضع فَإِن قَالُوا لَيْت زيدا فِي الدَّار وعمرا لم يكن مَوضِع عَمْرو الِابْتِدَاء لِأَن إِن تدخل على معنى الِابْتِدَاء وليت تدخل لِلتَّمَنِّي فلهَا معنى سوى ذَلِك فَلذَلِك لم يكن فِي لَيْت وَلَعَلَّ وَكَأن مَا فِي إِن وَلَكِن من الْحمل على مَوضِع الِابْتِدَاء لِأَن لَهُنَّ مَعَاني غير الِابْتِدَاء فَكَأَن للتشبيه وليت لِلتَّمَنِّي وَلَعَلَّ للتوقع

وَكَانَ الْمَازِني يجْرِي هَذَا مَعَ التَّمَنِّي مجْرَاه قبل وَيَقُول يكون اللَّفْظ على مَا كَانَ عَلَيْهِ وَإِن دخله خلاف مَعْنَاهُ أَلا ترى أَن قَوْلك غفر الله لزيد مَعْنَاهُ الدُّعَاء وَلَفظه لفظ ضرب فَلم يُغير لما دخله من الْمَعْنى وَكَذَلِكَ قَوْلك علم الله لَأَفْعَلَنَّ لَفظه لفظ رزق الله وَمَعْنَاهُ الْقسم فَلم يُغَيِّرهُ

وَكَذَلِكَ حَسبك رفع بِالِابْتِدَاءِ وَمَعْنَاهُ النَّهْي

وَمن قَوْله أَلا رجل أفضل مِنْك ترفع أفضل لِأَنَّهُ خبر الِابْتِدَاء كَمَا كَانَ فِي النَّفْي وَكَذَا يلْزمه

وَالْآخرُونَ ينصبونه وَلَا يكون لَهُ خبر صفحة فارغة صفحة فارغة صفحة فارغة

هَذَا بَاب مسَائِل لَا فِي الْعَطف من الْمعرفَة والنكرة

اعْلَم أَنَّك لَا تعطف اسْما على اسْم وَلَا فعلا على فعل فِي مَوضِع من الْعَرَبيَّة إِلَّا كَانَ مثله تَقول مَرَرْت بزيد وَعَمْرو وَرَأَيْت زيدا وعمرا وَأَنا آتِيك وأكرمك وَلَا تذْهب فتندم أَي لَا تذْهب وَلَا تندم وَلم يرد الْجَواب

وَتقول لَا رجل وَغُلَامًا عطفت غُلَاما على رجل وَحقّ الرجل أَن ينون وَلَكِن الْبناء مَنعه من ذَلِك كَمَا تَقول مَرَرْت بعثمان وَزيد فموضع عُثْمَان خفض غير أَنه لَا ينْصَرف فَجرى المنصرف على مَوْضِعه

فَإِن قلت لَا رجل وَلَا غُلَام فِي الدَّار وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَإِنَّمَا عطفت الثَّانِي على لَا وَمَا عملت فِيهِ لِأَنَّهَا وَالَّذِي عملت فِيهِ فِي مَوضِع اسْم مَرْفُوع مُبْتَدأ وَلَا بُد للمبتدأ من خبر مُضْمر أَو مظهر

وَنَظِير ذَلِك كل ظريف رجل فِي الدَّار إِن جعلت ظريفا نعتا للرجل وَإِن جعلته لكل رفعت فَقلت كل رجل ظريف فِي الدَّار

وَتقول كل رجل وَغُلَام عنْدك فَإِن حملت الْغُلَام على كل رفعت وَصَارَ وَاحِدًا لِأَن مَا بعد كل إِذا كَانَ وَاحِدًا نكرَة فَهُوَ فِي معنى جمَاعَة إِذا أفردوا وَاحِدًا وَاحِدًا يدلك على ذَلِك قَوْلهم جَاءَنِي كل اثْنَيْنِ فِي الدَّار لِأَن مَعْنَاهُ إِذا جعلُوا اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ

وَتقول لَا رجل فِي الدَّار وَلَا غُلَام يَا فَتى إِن جعلت لَا الثَّانِيَة للنَّفْي كَقَوْلِك لَيْسَ رجل فِي الدَّار وَلَيْسَ غُلَام وَإِن جعلت لَا للْعَطْف مثل مَا مَرَرْت بزيد وَلَا عَمْرو وَقلت لَا رجل فِي الدَّار وَلَا غُلَاما إِن عطفته على رجل وَإِن عطفته على لَا رفعت

وَتقول لَا أَخا لَك وَلَا أَبَا لزيد إِن كَانَت لَا للنَّفْي

وَإِن كَانَت للْعَطْف قلت وَلَا أَبَا لزيد لَا يجوز غير ذَلِك لِأَن اللَّام دخلت على الْمَنْفِيّ لَا فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ كَمَا دخلت فِي النداء وَلم تدخل فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ لِأَنَّك تَقول يَا بؤس للحرب وَلَا تَقول يَا بؤس زيد وبؤس للحرب لِأَن النداء يحْتَمل مَا لَا يحْتَملهُ الْمَعْطُوف وَكَذَلِكَ الْمَنْفِيّ تَقول يَا زيد والْحَارث رفعا ونصبا وَلَو ولى الْحَارِث حرف النداء لم يجز إِلَّا أَن تحذف مِنْهُ الْألف وَاللَّام لِأَن الْإِشَارَة تَعْرِيف فَلَا يدْخل الْألف وَاللَّام على شَيْء معرف بِغَيْرِهِمَا

أَلا ترى أَن تَقْدِير من قَالَ الْحَارِث وَالْعَبَّاس إِنَّمَا يَحْكِي حَالهمَا نكرَة وهما وصف لِأَنَّهُ يُرِيد الشَّيْء بِعَيْنِه وَلَا تَقول على هَذَا جَاءَنِي الْعُمر إِلَّا أَن تسميه بِجمع عمْرَة فتحكي تِلْكَ الْحَال

وَالنَّفْي بِمَنْزِلَة النداء فِيمَا يحْتَمل تَقول لَا رجل فِي الدَّار وَلَا تَقول وَغُلَام فِي الدَّار حَتَّى تنون الْغُلَام على مَا وصفت لَك

وَتقول لَا رجلَيْنِ مُسلمين لَك لابد من إِثْبَات النُّون لِأَن مُسلمين نعت وَلَيْسَ بالمعتمد عَلَيْهِ بِالنَّفْيِ وَإِنَّمَا يحذف من الْمَنْفِيّ لَا من نَعته كَمَا تَقول فِي النداء يَا رجل الظريف أقبل فَإِنَّمَا تحذفان من المنادى وَلَا تحذفان من وَصفه لما ذكرت لَك

هَذَا بَاب الِاسْتِثْنَاء

وَالِاسْتِثْنَاء على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون الْكَلَام مَحْمُولا على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل دُخُول الِاسْتِثْنَاء

وَذَلِكَ قَوْلك مَا جَاءَنِي إِلَّا زيد وَمَا ضربت إِلَّا زيد وَمَا مَرَرْت إِلَّا بزيد فَإِنَّمَا يجْرِي هَذَا على قَوْلك جَاءَنِي زيد وَرَأَيْت زيدا ومررت بزيد وَتَكون الْأَسْمَاء مَحْمُولَة على أفعالها

وَإِنَّمَا احتجت إِلَى النَّفْي وَالِاسْتِثْنَاء لِأَنَّك إِذا قلت جَاءَنِي زيد فقد يجوز أَن يكون مَعَه غَيره فَإِذا قلت مَا جَاءَنِي إِلَّا زيد نفيت الْمَجِيء كُله إِلَّا مَجِيئه وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا ذكرنَا

وَالْوَجْه الآخر أَن يكون الْفِعْل أَو غَيره من العوامل مَشْغُولًا ثمَّ تَأتي بالمستثنى بعد فَإِذا كَانَ كَذَلِك فالنصب وَاقع على كل مُسْتَثْنى وَذَلِكَ قَوْلك جَاءَنِي الْقَوْم إِلَّا زيد ومررت بالقوم إِلَّا زيدا وعَلى هَذَا مجْرى النَّفْي وَإِن كَانَ الْجُود فِيهِ غَيره نَحْو مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد وَمَا مَرَرْت بِأحد إِلَّا زيد وَذَلِكَ لِأَنَّك لما قلت جَاءَنِي الْقَوْم وَقع عِنْد السَّامع أَن زيدا فيهم فَلَمَّا قلت إِلَّا زيدا كَانَت إِلَّا بَدَلا من قَوْلك أَعنِي زيدا وَاسْتثنى فِيمَن جَاءَنِي زيدا فَكَانَت بَدَلا من الْفِعْل وَهِي حرف الِاسْتِثْنَاء الْأَصْلِيّ وحروف الِاسْتِثْنَاء غَيرهَا مَا أذكرهُ لَك أما مَا كَانَ من ذَلِك اسْما فَغير وَسوى وَسَوَاء

وَمَا كَانَ حرفا سوى إِلَّا فحاشا وخلا

وَمَا كَانَ فعلا فحاشا وخلا وَإِن وافقا لفظ الْحُرُوف وَعدا وَلَا يكون صفحة فارغة صفحة فارغة

هَذَا بَاب الْمُسْتَثْنى من الْمَنْفِيّ

تَقول مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد وَإِلَّا زيدا وَأما النصب فعلى مَا فسرت لَك وَأما الرّفْع فَهُوَ الْوَجْه لما أذكرهُ لَك إِن شَاءَ الله

تَقول مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد فتجعل زيد بَدَلا من أحد فَيصير التَّقْدِير مَا جَاءَنِي إِلَّا زيد لِأَن الْبَدَل يحل مَحل الْمُبدل مِنْهُ

أَلا ترى أَن قَوْلك مَرَرْت بأخيك زيد إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك مَرَرْت بزيد لِأَنَّك لما رفعت الْأَخ قَامَ زيد مقَامه فعلى هَذَا قلت مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا بَال زيد مُوجبا وَأحد كَانَ منفيا أَلا حل مَحَله قيل قد حل مَحَله فِي الْعَامِل وَإِلَّا لَهَا مَعْنَاهَا

وَلَو قلت جَاءَنِي إخْوَتك إِلَّا زيدا لم يجز إِلَّا النصب لِأَنَّك لَو حذفت الْإِخْوَة بَطل الْكَلَام وَذَلِكَ أَنه كَانَ يكون جَاءَنِي إِلَّا زيد فَلَا يَقع الِاسْتِثْنَاء على شَيْء فَمن ثمَّ بَطل لفظ إِلَّا من النصب لفساد الْبَدَل

فَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُم} لِأَنَّك لَو قدرته إِلَى حذف الضَّمِير وَهُوَ الْوَاو فِي فَعَلُوهُ لَكَانَ مَا فعله إِلَّا قَلِيل مِنْهُم

وَقَالَ فِي الْإِيجَاب {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم} وَقَالَ {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيس}

وَأما قَوْله عز وَجل {وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد إِلَّا امْرَأَتك} وامرأتك فالوجهان جائزان جيدان

فَمن قَالَ إِلَّا امْرَأَتك فَهُوَ مُسْتَثْنى من يلْتَفت وَكَأَنَّهُ قَالَ وَلَا يلْتَفت إِلَّا امْرَأَتك وَيجوز النصب على غير هَذَا الْوَجْه وَلَيْسَ بالجيد على مَا أَعطيتك فِي أول الْبَاب جودة النصب على قَوْله فَأسر بأهلك إِلَّا امْرَأَتك فَلَا يجوز إِلَّا النصب على هَذَا القَوْل لفساد الْبَدَل لَو قيل أسر إِلَّا بامرأتك لم يجز فَإِنَّمَا بَاب الِاسْتِثْنَاء إِذا اسْتغنى الْفِعْل بفاعله أَو الِابْتِدَاء بِخَبَرِهِ النصب إِلَّا أَن يصلح الْبَدَل فَيكون أَجود وَالنّصب على حَاله فِي الْجَوَاز وَإِنَّمَا كَانَ الْبَدَل أَجود لِأَنَّهُ فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَالنّصب بِالِاسْتِثْنَاءِ إِنَّمَا هُوَ للمعنى لَا للفظ

وَبَيَان ذَلِك أَنَّك إِذا قلت جَاءَنِي إخْوَتك إِلَّا زيدا وَزيد أحد إخْوَتك أوقعت عِنْد السَّامع من قبل الِاسْتِثْنَاء أَنه فِيمَن جَاءَ فَإِذا قلت إِلَّا زيدا فَإِنَّمَا وَقعت فِي مَوضِع لَا أَعنِي زيدا مِنْهُم أَو أستثني زيدا مِنْهُم فَهَذَا معنى

وَإِذا قلت مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد فَإِنَّمَا رفعت وَإِنَّمَا نحيت أحدا عَن الْفِعْل وأحللت زيدا بعد الِاسْتِثْنَاء مَحَله فَصَارَ التَّقْدِير مَا جَاءَنِي إِلَّا زيد فَكل مَوضِع صلح فِيهِ الْبَدَل فَهُوَ الْوَجْه وَإِذا لم يصلح الْبَدَل لم يكن إِلَّا النصب كَمَا يجوز فِيمَا صلح فِيهِ الْبَدَل النصب على الِاسْتِثْنَاء

هَذَا بَاب مَا لَا يجوز فِيهِ الْبَدَل

وَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاء الْمُقدم نَحْو مَا جَاءَنِي إِلَّا زيدا أحد وَمَا مَرَرْت إِلَّا زيدا بِأحد

وَإِنَّمَا امْتنع الْبَدَل لِأَنَّهُ لَيْسَ قبل زيد مَا تبدله مِنْهُ فَصَارَ الْوَجْه الَّذِي كَانَ يصلح على الْمجَاز لَا يجوز هَا هُنَا غَيره

وَذَلِكَ أَنَّك كنت تَقول مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد وتجيز مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيدا فَلَمَّا قدمت الْمُسْتَثْنى بَطل وَجه الْبَدَل فَلم يبْق إِلَّا الْوَجْه الثَّانِي

وَمِثَال هَذَا قَوْلك جَاءَنِي رجل ظريف فتجعل ظريفا نعتا لرجل وَيجوز جَاءَنِي رجل ظريفا على الْحَال فَإِذا قلت جاني ظريفا رجل بَطل الْوَجْه الْجيد لِأَن رجلا لَا يكون نعتا فَصَارَ الَّذِي كَانَ هُنَاكَ مجَازًا لَا يجوز غَيره فَمن ذَلِك قَوْله

(الناسُ أَلْبٌ عَلَيْنا فِيكَ لَيْسَ لَنا ... إِلاَّ السُّيوفَ وأَطْرافَ القَنَا وَزَرُ) وَقَالَ

(وَمَا لِيَ آلَ أَحمَدَ شِيعَةٌ ... ومالِيَ إِلاَّ مَشْعَبَ الحقِّ مَشْعبُ)

وَتقول من لي إِلَّا أَبَاك صديق إِذا أردْت أَن تجْعَل صديق خَبرا ل من كَأَنَّك قلت من صديق لي فَإِن أردْت غير هَذَا الْوَجْه قلت من لي إِلَّا أَبوك صديقا جعلت من ابْتِدَاء وقولك أَبوك خَبره وَجعلت صديقا حَالا

وَإِن شِئْت قلت من لي إِلَّا أَبوك صديق جعلت الْأَب بَدَلا من من فَصَارَ التَّقْدِير أَبوك لي صديق لِأَن من اسْم مستفهم عَنهُ فتقديره أحد إِلَّا أَبوك لي صديق فَإِذا أبدل طرح أحدا وَجعل أَبَاك بَدَلا مِنْهُ فَصَارَ تَقْدِيره مَالِي إِلَّا أَبوك صديق وَتقول فِي بَاب مِنْهُ وَهُوَ أَن تُؤخر صفة الأول تَقول مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد خير مِنْك التَّقْدِير مَا جَاءَنِي أحد خير مِنْك إِلَّا زيد

فَأَنت فِي هَذَا مُخَيّر إِن شِئْت نصبت زيدا لِأَن الأول بِمَنْزِلَة الْمُتَأَخر لتأخر نَعته فَلم تقدم الْمُسْتَثْنى لتبدله من شَيْء لم يتم إِذا كَانَ لَا يعرف إِلَّا بوصفه فقد صَار صفة بِمَنْزِلَة مَا هُوَ مَوْصُول بِهِ

أَلا ترى أَنَّك لَو قلت رَأَيْت زيدا الْأَحْمَر وَهُوَ لَا يعرف إِلَّا بِهَذَا النَّعْت لم يكن قَوْلك رَأَيْت زيدا مغنيا

وَأما من أبدل مِنْهُ فَيَقُول الْوَصْف تَابع مُسْتَغْنى عَنهُ وَإِنَّمَا أبدل من الْمَوْصُوف لَا من من وَصفه وَلَيْسَ الْمُبدل مِنْهُ بِمَنْزِلَة مَا لَيْسَ فِي الْكَلَام إِنَّمَا أبدلت للتبيين وَلم تقل إِنَّه نعت لِأَنَّهُ جَوْهَر لَا ينعَت بِهِ

وَلَو كَانَ الْبَدَل يبطل الْمُبدل مِنْهُ لم يجز أَن تَقول زيد مَرَرْت بِهِ أبي عبد الله لِأَنَّك لَو لم تَعْتَد بِالْهَاءِ فَقلت زيد مَرَرْت بِأبي عبد الله كَانَ خلفا لِأَنَّك جعلت زيدا ابْتِدَاء وَلم ترد إِلَيْهِ شَيْئا فالمبدل مِنْهُ مُثبت فِي الْكَلَام

وَإِنَّمَا سمي الْبَدَل بَدَلا لدُخُوله لما عمل فِيهِ مَا قبله على غير جِهَة الشّركَة

وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ يخْتَار مَا مَرَرْت بِأحد إِلَّا زيد خير مِنْك لِأَن الْبَدَل إِنَّمَا هُوَ من الِاسْم لَا من نَعته والنعت فضلَة يجوز حذفهَا

وَكَانَ الْمَازِني يخْتَار النصب وَيَقُول إِذا أبدلت من الشَّيْء فقد اطرحته من لَفْظِي وَإِن كَانَ فِي الْمَعْنى مَوْجُودا فَكيف أَنعَت مَا قد سقط وَالْقِيَاس عِنْدِي قَول سِيبَوَيْهٍ لِأَن الْكَلَام إِنَّمَا يُرَاد لمعناه

وَالْمعْنَى الصَّحِيح أَن الْبَدَل والمبدل مِنْهُ موجودان مَعًا لم يوضعا على أَن يسْقط أَحدهمَا إِلَّا فِي بدل الْغَلَط فَإِن الْمُبدل مِنْهُ بِمَنْزِلَة مَا لَيْسَ فِي الْكَلَام

وَتقول مَا مِنْهُم أحد اتَّخذت عِنْده يدا إِلَّا زيد كريم على الْبَدَل من أحد وَإِن شِئْت خفضت زيدا فأبدلته من الْهَاء الَّتِي فِي عِنْده لِأَن الْمَعْنى مَا اتَّخذت يدا عِنْد أحد مِنْهُم كريم إِلَّا عِنْد زيد فَهَذَا يدلك على جَمِيع الْبَدَل

هَذَا بَاب مَالا يكون الْمُسْتَثْنى فِيهِ إِلَّا نصبا

وَذَلِكَ قَوْلك جَاءَنِي إخْوَتك إِلَّا زيدا ومررت بإخوتك إِلَّا زيدا وَلَا يكون الْبَدَل هَا هُنَا لما ذكرت لَك

أَلا ترى أَنَّك لَو طرحت الْإِخْوَة من الْكَلَام لتبدل زيدا مِنْهُم لفسد لَو قلت جَاءَنِي إِلَّا زيدا كَانَ محالا وَكَذَلِكَ مَرَرْت إِلَّا بزيد محَال

هَذَا بَاب مَا يصلح فِيهِ الْبَدَل على وَجْهَيْن

تَقول مَا ظَنَنْت أحدا يَقُول ذَاك إِلَّا زيدا وَإِن شِئْت قلت إِلَّا زيدا

أما النصب فعلى الْبَدَل من أحد وَإِن شِئْت فعلى أصل الِاسْتِثْنَاء

وَأما الرّفْع فعلى أَن تبدله من الْمُضمر فِي يَقُول لِأَن مَعْنَاهُ مَا أَظُنهُ يَقُول ذَاك أحد إِلَّا زيد فَالَّذِي أضمرته فِي يَقُول منفي عَنهُ القَوْل

وَمثله قَول الشَّاعِر

(فِي ليلةٍ لَا نَرى بهَا أَحَداً ... يَحْكًى عَلَيْنَا إلاَّ كَواكِبُها) أبدل الْكَوَاكِب من الْمُضمر فِي يَحْكِي وَلَو أبدله من أحد كَانَ أَجود لِأَن أحدا منفي فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَالَّذِي فِي الْفِعْل بعده منفي فِي الْمَعْنى

وَمثل ذَلِك مَا علمت أحدا دخل الدَّار إِلَّا زيدا وَإِلَّا زيد إِن شِئْت على مَا تقدم من قَوْلنَا

فَأَما مَا ضربت أحدا يَقُول ذَاك إِلَّا زيدا فالنصب لَا غير لِأَنَّك لم تنف القَوْل

إِنَّمَا ذكرت أَن القَوْل وَاقع وَلَكِنَّك لم تضرب مِمَّن قَالَ إِلَّا زيدا

والفصل بَين علمت وظننت وبابهما وَبَين سَائِر الْأَفْعَال أَن علمت وبابها لَيست أفعالا واصلة مِنْك إِلَى غَيْرك وَإِنَّمَا هِيَ إِخْبَار بِمَا هجس فس نَفسك من يَقِين أَو شكّ فَإِذا قلت علمت زيدا قَائِما فَإِنَّمَا أثبت الْقيام فِي علمك وَلم توصل إِلَى ذَات زيد شَيْئا

وَإِذا قلت مَا علمت زيدا قَائِما فَإِنَّمَا أخْبرت أَنه لم يَقع فِي علمك

وَضربت وبابها أَفعَال واصلة إِلَى الذَّات مكتفية بمفعولاتها فَمَا كَانَ بعْدهَا فَلهُ مَعْنَاهُ وَكَذَلِكَ أَعْطَيْت وبابها نَحْو أَعْطَيْت زيدا درهما وكسوت زيدا ثوبا إِنَّمَا هِيَ هِيَ أَفعَال حَقِيقِيَّة وَدفع كَانَ مِنْك إِلَى زيد وَنقل لمفعول إِلَى مفعول بِهِ فالدرهم وَالثَّوْب منقولان وَزيد مَنْقُول إِلَيْهِ

فَإِذا قلت مَا أَعْطَيْت أحدا درهما إِلَّا دِينَارا أبدلت الدِّينَار مِمَّا قبله لِأَن درهما فِي معنى الْجَمِيع كَأَنَّهُ قَالَ مَا أَعْطَيْت أحدا شَيْئا

وَمِمَّا يدلك على أَنَّهُمَا مفعولان بَائِن أَحدهمَا من صَاحبه أَنَّك لَو حذفت الْفِعْل لتعتبر لم يَقع أحد المفعولين بِصَاحِبِهِ لَو قلت فِي قَوْلك أَعْطَيْت زيدا درهما وكسوت زيدا ثوبا زيد دِرْهَم أَو زيد ثوب كَانَ محالا

وَبَاب كَانَ وَإِن وَعلمت دَاخل على ابْتِدَاء وَخبر

وَذَاكَ أَنَّك لَو حذفت كَانَ من قَوْلك كَانَ زيد مُنْطَلقًا أَو إِن من هَذَا أَو علمت لَكَانَ الْكَلَام الْبَاقِي زيد منطلق

وَإِنَّمَا هَذِه الْأَفْعَال والعوامل دَاخِلَة على ابْتِدَاء وَخبر

وَتقول مَا أَعْطَيْت أحدا يَقُول ذَاك درهما إِلَّا زيدا وَرفع زيد خطأ لما ذكرت لَك

وَتقول مَا مِنْهُم أحد إِلَّا قد قَالَ ذَاك إِلَّا زيدا لَا يصلح فِيهِ إِلَّا النصب وَذَاكَ لِأَن الِاسْتِثْنَاء إِنَّمَا وَقع من القَوْل لِأَن التَّقْدِير كلهم قَالَ ذَاك إِلَّا زيدا

وَتقول أقل رجل رَأَيْته إِلَّا زيد إِذا أردْت النَّفْي بِأَقَلّ كَأَنَّك قلت مَا رجل رَأَيْته إِلَّا زيد وَالتَّقْدِير مَا رجل مرئي إِلَّا زيد وَإِن أردْت أَنَّك قد رَأَيْت قوما رُؤْيَة قَليلَة نصبت زيدا لِأَنَّهُ مُسْتَثْنى من مُوجب وَأَن يكون أقل فِي مَوضِع نفي أَكثر وَكَذَلِكَ كل رجل رَأَيْته يصلح فِيهِ الْوَجْهَانِ وَتقول مَا علمت أَن أحدا يَقُول ذَاك إِلَّا زيدا لِأَن الْمَعْنى مَا علمت إِلَّا أَن أحدا إِلَّا زيدا يَقُول ذَاك

ف زيد من أحد الَّذِي عملت فِيهِ إِن وَلَو جعلت إِلَّا تلِي أَن لم يصلح لِأَن الْحُرُوف لاى تقوى قُوَّة الْأَفْعَال

تَقول مَا جَاءَنِي إِلَّا زيد قَوْمك وَمَا جَاءَنِي إِلَّا زيدا أحد وَلَا يجوز مَا علمت أَن إِلَّا زيدا أحدا فِي الدَّار

فَهَذَا يبين لَك حَال الْمُوجب والمنفي فِي الِاسْتِثْنَاء

وَمَا الحجازية بِمَنْزِلَة إِن فِي الْعَمَل وَإِن اخْتلف عملاهما

واستواؤهما فِي أَنَّهُمَا حرفان ليسَا بِفعل

تَقول مَا الْقَوْم فِيهَا إِلَّا زيد لِأَن فِيهَا مُسْتَقر وَتَقْدِيره لَيْسَ الْقَوْم فِيهَا إِلَّا أَن لَيْسَ يجوز أَن تنصب بهَا مَا بعد إِلَّا لِأَنَّهَا فعل فَتقدم خَبَرهَا وتؤخره وَقد مضى هَذَا التَّفْسِير فِي بَاب مَا وَبَاب لَيْسَ

وَلَو قلت مَا إِلَّا زيدا فِيهَا أحد لم يجز لِأَن مَا لَيست بِفعل

وَتقول لَيْسَ إِلَّا زيدا فِيهَا أحد لِأَن لَيْسَ فعل

وَأما قَول الله عز وَجل {وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء إِلَّا أنفسهم} فَإِن {أنفسهم} بدل من شُهَدَاء لِأَن لَهُم الْخَبَر

وَلَو نصبت أنفسهم وَرفعت شُهَدَاء لصلح وَلم يكن أَجود الْوُجُوه لِأَن شُهَدَاء نكرَة وَلَكِن لَو نصبت الشُّهَدَاء وَرفعت أنفسهم كَانَ جيدا وَقد بيّنت هَذَا فِي بَاب كَانَ وَمِمَّا يستوى فِيهِ الْأَمْرَانِ قَول الله عز وَجل {فَمَا كَانَ جَوَاب قومه إِلَّا أَن قَالُوا} ف أَن قَالُوا مَرْفُوع إِذا نصبت الْجَواب وَهُوَ مَنْصُوب إِذا رفعت الْجَواب لِأَنَّهُمَا معرفتان وَالْأَحْسَن أَن ترفع مَا بعد إِلَّا لِأَنَّهُ مُوجب وَالْوَجْه الآخر حسن جميل

فَأَما قَوْله جلّ ذكره {مَا كَانَ حجتهم إِلَّا أَن قَالُوا} فَالْوَجْه نصب حجتهم لِأَنَّهُ ذكر الْفِعْل

وَالْوَجْه الآخر أعنى رفع حجتهم جيد لِأَن الْحجَّة هِيَ القَوْل فِي الْمَعْنى

هَذَا بَاب مَا تقع فِيهِ إِلَّا وَمَا بعْدهَا نعتا بِمَنْزِلَة غير وَمَا أضيفت إِلَيْهِ

وَذَلِكَ قَوْلك لَو كَانَ مَعنا رجل إِلَّا زيد لهلكنا قَالَ الله عز وَجل {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} الْمَعْنى وَالله أعلم لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة غير الله وَلَو كَانَ مَعنا رجل غير زيد قَالَ الشَّاعِر (أُنِيخَتْ فأَلْقَتْ بَلْدَةً فوْقَ بَلْدَةٍ ... قَلِيلٌ بهَا الأَصْواتُ إِلاَّ بُغَامُها)

كَأَنَّهُ قَالَ قَلِيل بهَا الْأَصْوَات غير بغامها ف إِلَّا فِي مَوضِع غير

وَمثل ذَلِك قَوْله

(وكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ ... لعَمْرُ أَبيك إِلاَّ الفَرْقَدانِ)

كَأَنَّهُ قَالَ وكل أَخ غير الفرقدين مُفَارقَة أَخُوهُ وَقد تقع غير فِي مَوضِع إِلَّا كَمَا وَقعت إِلَّا فِي مَوضِع غير

وَقَالَ الآخر

(وإِذا أُوليتَ قَرْضاً فاجْزِهِ ... إِنَّما يَجْزِي الفَتى غَيْرُ الجَمَلْ)

فَغير هَذِه فِي مَوضِع إِلَّا وَتقول على هَذَا جَاءَنِي الْقَوْم إِلَّا زيد وَلَا يكون إِلَّا نعتا إِلَّا لما ينعَت بِغَيْر وَذَلِكَ النكرَة والمعرفة بِالْألف وَاللَّام على غير مَعْهُود نَحْو مَا يحسن بِالرجلِ مثلك أَن يفعل ذَاك وَقد أَمر بِالرجلِ غَيْرك فيكرمني

هَذَا بَاب مَا يَقع فِي الِاسْتِثْنَاء من غير نوع الْمَذْكُور قبله

وَذَلِكَ قَوْلك مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا حمارا وَمَا فِي الْقَوْم أحد إِلَّا دَابَّة

فَوجه هَذَا وَحده النصب وَذَلِكَ لِأَن الثَّانِي لَيْسَ من نوع الأول فيبدل مِنْهُ فتنصبه بِأَصْل الِاسْتِثْنَاء على معنى وَلَكِن وَاللَّفْظ النصب لما ذكرت لَك فِي صدر الْبَاب

فَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {وَمَا لأحد عِنْده من نعْمَة تجزى إِلَّا ابْتِغَاء وَجه ربه الْأَعْلَى}

وَمن ذَلِك {لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله إِلَّا من رحم} فالعاصم الْفَاعِل وَمن رحم مَعْصُوم فَهَذَا خَاصَّة لَا يكون فِيهِ إِلَّا النصب وَأما الأول فقد يجوز فِيهِ الرّفْع وَهُوَ قَول بني تَمِيم

وَتَفْسِير رَفعه على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنَّك إِذا قلت مَا جَاءَنِي رجل إِلَّا حمَار فكأنك قلت مَا جَاءَنِي إِلَّا حمَار وَذكرت رجلا وَمَا أشبهه توكيدا فَكَأَنَّهُ فِي التَّقْدِير مَا جَاءَنِي شَيْء رجل وَلَا غَيره إِلَّا حمَار

وَالْوَجْه الآخر أَن تجْعَل الْحمار يقوم مقَام من جَاءَنِي من الرِّجَال على التَّمْثِيل كَمَا تَقول عتابك السَّيْف وتحيتك الضَّرْب كَمَا قَالَ

(وخَيْل قَدْ دَلَفْتُ لَهَا بِخَيْلٍ ... تَحِيَّةُ بَيْنَهمْ ضَرْبٌ وجِيعُ)

وَقَالَ الآخر

(ليسَ بيني وبَيْنَ قَيْسٍ عِتابٌ ... غَيْرُ طَعْنِ الكُلَى وضَرْبِ الرِّقابِ)

وَبَنُو تَمِيم تقْرَأ هَذِه الْآيَة {إِلَّا ابْتِغَاء وَجه ربه الْأَعْلَى} ويقرءون {مَا لَهُم بِهِ من علم إِلَّا اتِّبَاع الظَّن} يجْعَلُونَ اتِّبَاع الظَّن علمهمْ وَالْوَجْه النصب على مَا ذكرت لَك وَهُوَ الْقيَاس اللَّازِم وَوجه الرّفْع مَا بَيناهُ كَمَا قَالَ

(وبَلْدةٍ لَيس بهَا أَنِيْسُ ... إِلاَّ اليَعافِيرُ وإِلاَّ العِيسُ)

فَجعل اليعاقير أنيس ذَلِك الْمَكَان وينشد بَنو تَمِيم قَول النَّابِغَة

(وقَفْتُ فِيهَا أُصَيْلاَلاً أُسائِلُها ... عَيَّتْ جَواباً وَمَا بالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ)

(إلاَّ أَوارِيَّ لأْباً مَا أُبَيِّنُها ... والنُّؤْى كالحَوْضِ بالمظلومة الجَلَدِ)

وَالْوَجْه النصب وَهُوَ إنشاد أَكثر النَّاس صفحة فارغة وَقَوله جلّ وَعز {فلولا كَانَ من الْقُرُون من قبلكُمْ أولو بَقِيَّة ينهون عَن الْفساد فِي الأَرْض إِلَّا قَلِيلا مِمَّن أنجينا} من هَذَا الْبَاب لِأَن لَوْلَا فِي معنى هلا والنحويون يجيزون الرّفْع فِي مثل هَذَا من الْكَلَام وَلَا يجيزونه فِي الْقُرْآن لِئَلَّا يُغير خطّ الْمُصحف

وَرَفعه على الْوَصْف كَمَا ذكرت لَك فِي الْبَاب الَّذِي قبله

فَأَما قَول الشَّاعِر

(مَنْ كانَ أَسْرَعَ فِي تَفَرُّقِ فَالِجٍ ... فلَبُونُهُ جَرِبَتْ مَعاً وأَغَدّتِ)

(إلاَّ كناشِرةَ الَّذِي ضَيَّعتُمُ ... كالغُصْنِ فِي غُلَوائِه المتَنبِّتِ) فَإِنَّمَا الْكَاف زَائِدَة وَهُوَ اسْتثِْنَاء لَيْسَ من الأول وَلَو حذفت الْكَاف لَكَانَ الْموضع نصبا وَمثل ذَلِك

(لَوْلَا ابْنُ حارِثَةَ الأَميرُ لقَدْ ... أَغْضَيْتُ مِنْ شَتْمِي عَلى رغْمِي)

(إِلاَّ كمُعْرِض المحسِّر بَكْرَه ... عَمْداً يُسَبِّبُني عَلى ظُلْمِ) وَكَذَا قَوْله

(إِلاَّ كخارجَةَ المُكَلِّفِ نَفْسهُ ... وابْنيْ قَبِيصَةَ أَن أُغِيبَ ويَشْهَدَا)

الْكَاف زَائِدَة مُؤَكدَة كتوكيدها فِي قَول الله جلّ وَعز {لَيْسَ كمثله شَيْء} وَمثل ذَلِك قَوْله

(لَواحِقُ الأَقْرابِ فِيهَا كالمقَقْ)

أَي فِيهَا مقق وَهُوَ الطول وَالْكَاف زَائِدَة صفحة فارغة

هَذَا بَاب مَا لَا يكون الِاسْتِثْنَاء فِيهِ إِذا أبدل إِلَّا على الْموضع لِامْتِنَاع اللَّفْظ مِنْهُ

وَذَلِكَ قَوْلك ماجاءني من أحد إِلَّا زيد على الْبَدَل لِأَن من زَائِدَة وَإِنَّمَا تزاد فِي النَّفْي وَلَا تقع فِي الْإِيجَاب زَائِدَة لِأَن الْمَنْفِيّ المنكور يَقع واحده فِي معنى الْجَمِيع فَتدخل من لإبانة هَذَا الْمَعْنى وَذَلِكَ قَوْلك مَا جَاءَنِي رجل فَيجوز أَن تَعْنِي رجلا وَاحِدًا وَتَقَع الْمعرفَة فِي هَذَا الْموضع تَقول مَا جَاءَنِي عبد الله فَإِذا قلت مَا جَاءَنِي من رجل لم يَقع ذَلِك إِلَّا للْجِنْس كُله وَلَو وضعت فِي مَوضِع هَذَا المنكور مَعْرُوفا لم يجز لَو قلت مَا جَاءَنِي من عبد الله كَانَ محالا لِأَنَّهُ مَعْرُوف بِعَيْنِه فَلَا يشيع فِي الْجِنْس

فَإِذا قلت جَاءَنِي لم تقع من هَا هُنَا زَائِدَة لِأَن معنى الْجَمِيع هَا هُنَا مُمْتَنع لإحاطته بِالنَّاسِ أَجْمَعِينَ كَمَا كَانَ هُنَاكَ نفيا لجميعهم

فَإِذا قلت مَا جَاءَنِي من رجل إِلَّا زيد كَانَ خلفا أَن تَقول إِلَّا زيد لِأَنَّك لَو أبدلته من رجل على اللَّفْظ قلت مَا جَاءَنِي إِلَّا من زيد فَلذَلِك قلت مَا جَاءَنِي من أحد إِلَّا زيد لِأَن من وَمَا بعْدهَا فِي مَوضِع رفع وَلَوْلَا ذَلِك لَكَانَ يَخْلُو الْفِعْل من فَاعل

وَكَذَلِكَ مَا رَأَيْت من أحد إِلَّا زيدا وَلَيْسَ زيد بِشَيْء إِلَّا شَيْئا لَا يعبأ بِهِ وَلَو قلت إِلَّا شَيْء لم يصلح لِأَن التَّقْدِير لست إِلَّا بِشَيْء وَهَذَا محَال لِأَن الْيَاء إِنَّمَا تزاد فِي غير الْوَاجِب توكيدا تَقول مَا زيد بقائم وَلَيْسَ زيد بمنطلق

وعَلى هَذَا ينشد هَذَا الشّعْر وَلَيْسَ يجوز غَيره

(أَبني لُبَيْنَى لَسْتُمُ بِيدٍ ... إلاَّ يَداً ليستْ لَهَا عَضُدُ)

وَتقول على هَذَا مَا زيد بِشَيْء إِلَّا شَيْء لَا يعبأ بِهِ فكأنك قلت مَا زيد إِلَّا شَيْء لَا يعبا بِهِ فَهَذَا وَجه هَذَا الْبَاب

هَذَا بَاب الِاسْتِثْنَاء بِغَيْر

اعْلَم أَن كل مَوضِع جَازَ أَن تستثني فِيهِ ب (إِلَّا) جَازَ الِاسْتِثْنَاء فِيهِ بِغَيْر

وَغير اسْم يَقع على خلاف الَّذِي يُضَاف إِلَيْهِ ويدخله معنى الِاسْتِثْنَاء لمضارعته إِلَّا

وكل مَوضِع وَقع الِاسْم فِيهِ بعد إِلَّا على ضرب من الْإِعْرَاب كَانَ ذَلِك حَالا فِي غير إِلَّا أَن يكون نعتا فَيجْرِي على المنعوت الَّذِي قبلهَا وَذَلِكَ قَوْلك جَاءَنِي الْقَوْم غير زيد لِأَنَّك كنت تَقول جَاءَنِي الْقَوْم إِلَّا زيدا

وَتقول هَذَا دِرْهَم غير قِيرَاط كَقَوْلِك هَذَا دِرْهَم إِلَّا قيراطا

وَتقول هَذَا دِرْهَم غير جيد لِأَن غيرا نعت أَلا ترى أَنه لَا يَسْتَقِيم هَذَا دِرْهَم إِلَّا جيد فَأَما الْموضع الَّذِي يرْتَفع فِيهِ فَتَقول مَا جَاءَنِي أحد غير زيد على الْوَصْف وعَلى الْبَدَل فالبدل كَقَوْلِك مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد

وَتقول لقِيت الْقَوْم غير زيد على النَّعْت إِذا كَانَ الْقَوْم على غير مَعْهُود وعَلى الْبَدَل

وَالْوَجْه إِذا لم يكن مَا قبل غير نكرَة مَحْضَة أَلا يكون نعتا

فَأَما قَول الله عز وَجل {غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} فَإِن غيرا تكون على ضروب تكون نعتا للَّذين لِأَنَّهَا مُضَافَة إِلَى معرفَة

وَتَكون حَالا فتنصب لِأَن غيرا وَأَخَوَاتهَا يكن نكرات وَهن مضافات لَا معارف هَذَا الْوَجْه فِيهِنَّ جمع وَهُوَ فِي غير خَاصَّة وَاجِب لما تقدم ذكره

وَيكون بَدَلا فَكَأَنَّهُ قَالَ صِرَاط غير المغضوب عَلَيْهِم وَيكون نصبا على اسْتثِْنَاء لَيْسَ من الأول وَهُوَ جَاءَنِي الصالحون إِلَّا الطالحين

هَذَا بَاب تَكْرِير الِاسْتِثْنَاء بِغَيْر عطف

تَقول مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا عمرا وَإِن شِئْت قلت إِلَّا زيدا إِلَّا عَمْرو فَالْمَعْنى فيهمَا جَمِيعًا وَاحِد وَإِن اخْتلف الْإِعْرَاب لِأَنَّك إِذا شغلت الْفِعْل بِأَحَدِهِمَا انتصب الآخر بِالِاسْتِثْنَاءِ وَلم يصلح الْبَدَل لِأَن الْمَرْفُوع مِنْهُمَا مُوجب

وَتقول مَا جَاءَنِي إِلَّا زيدا إِلَّا عمرا أحد لِأَن التَّقْدِير مَا جَاءَنِي إِلَّا زيدا أحد إِلَّا عَمْرو فَلَمَّا قدمت عمرا صَار كَقَوْلِك مَا جَاءَنِي إِلَّا عمرا أحد لِأَنَّك لَو أَخَّرته كَانَ الْوَجْه مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا عَمْرو وَتقول مَا جَاءَنِي إِلَّا زيدا غير عَمْرو أحد لِأَن غير عَمْرو بِمَنْزِلَة قَوْلك إِلَّا عمرا وَمن ذَلِك قَوْله

(فماليَ إلاَّ اللهَ لَا شيءَ غيرُه ... وَمَالِي إلاَّ اللهَ غيرَك ناصرُ)

كَأَنَّهُ قَالَ إِلَّا إياك وَهَذَا الْبَيْت ينشد على غير وَجه وَهُوَ قَول الشَّاعِر

(مَا بِالْمَدِينَةِ دارٌ غيرُ وَاحِدَة ... دارُ الخليفةِ إلاَّ دارَ مَرْوانا)

تجْعَل غير نعتا يخبر أَنَّهَا غير وَاحِدَة بل هِيَ أدؤر وَدَار الْخَلِيفَة تَبْيِين وتكرير وَإِلَّا دَار مَرْوَان بدل وَإِن شِئْت جعلت دَار مَرْوَان مَنْصُوبَة بِالِاسْتِثْنَاءِ على قَوْلك مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيدا

وَإِن شِئْت قلت مَا لمدينة دَار غير وَاحِدَة إِلَّا دَار مَرْوَان فتنصب غيرا لِأَنَّهُ اسْتثِْنَاء وَإِن شِئْت رفعت غيرا ونصبت دَار مَرْوَان أَيهمَا شِئْت جعلته بَدَلا ونصبت الآخر

هَذَا بَاب الْجمع بَين إِلَّا وَغير وَالْحمل على الْمَعْنى إِن شِئْت

تَقول مَا جَاءَنِي غير زيد وَإِلَّا عَمْرو لِأَن التَّقْدِير مَا يُفَسر فِي وَضعه إِن شَاءَ الله

وَأما عدا وخلا فهما فعلان ينْتَصب مَا بعدهمَا وَذَلِكَ قَوْلك جَاءَنِي الْقَوْم عدا زيدا لِأَنَّهُ لما قَالَ جَاءَ الْقَوْم وَقع عِنْد السَّامع أَن بَعضهم زيدا فَقَالَ عدا زيدا أَي جَاوز بَعضهم زيدا

فَهَذِهِ تَقْدِيره إِلَّا أَن عدا فِيهَا معنى الِاسْتِثْنَاء وَكَذَلِكَ خلا

فَمَعْنَى عدا جَاوز من قَوْلك لَا يعدونك هَذَا أَي لَا يجاوزنك

وخلا من قَوْلهم خلا يَخْلُو

وَقد تكون خلا حرف خفض فَتَقول جَاءَنِي الْقَوْم خلا زيد مثل سوى زيد

فَإِن قلت فَكيف يكون حرف خفض وفعلا على لفظ وَاحِد فَإِن ذَلِك كثير مِنْهُ حاشا وَقد مضى تَفْسِيرهَا

وَمثل ذَلِك على تكون حرف خفض على حد قَوْلك على زيد دِرْهَم وَتَكون فعلا نَحْو قَوْلك علا زيد الدَّابَّة وعَلى زيد ثوب وَعلا زيدا ثوب وَالْمعْنَى قريب فَإِذا قلت مَا عدا وَمَا خلا لم يكن إِلَّا النصب وَذَاكَ لِأَن مَا اسْم فَلَا توصل إِلَّا بِالْفِعْلِ نَحْو بَلغنِي مَا صنعت أَي صنيعك إِذا أردْت بهَا الْمصدر فَصلتهَا الْفِعْل لَا غير وَكَأَنَّهُ قَالَ مجاوزتهم زيدا إِلَّا أَن فِي عدا وخلا معنى الِاسْتِثْنَاء

هَذَا بَاب الِاسْتِثْنَاء بليس وَلَا يكون

اعْلَم أَنَّهُمَا لَا يكونَانِ اسْتثِْنَاء إِلَّا وَفِيهِمَا ضمير كَمَا وصفت لَك فِي عدا وخلا وَذَلِكَ قَوْلك جَاءَنِي الْقَوْم لَا يكون زيدا وَجَاءَنِي الْقَوْم لَيْسَ زيدا كَأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ بَعضهم وَلَا يكون بَعضهم

وَكَذَلِكَ أَتَانِي النِّسَاء لَا يكون فُلَانَة يُرِيد لَا يكون بَعضهنَّ إِلَّا أَن هَذَا فِي معنى الِاسْتِثْنَاء وَإِن جعلته وَصفا فجيد وَكَانَ الجرمى يختاره وَهُوَ قَوْلك أَتَانِي الْقَوْم لَيْسُوا إخْوَتك وأتتني امْرَأَة لَا تكون فُلَانَة

هَذَا بَاب مَا حذف من الْمُسْتَثْنى تَخْفِيفًا واجتزئ بِعلم الْمُخَاطب

وَذَلِكَ قَوْلك عِنْدِي دِرْهَم لَيْسَ غير أردْت لَيْسَ غير ذَلِك فحذفت وضممت كَمَا ضممت قبل وَبعد لِأَنَّهُ غَايَة