المسائل السروية
[مقدمة التحقيق] بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
تسمية الكتاب: لعلّ من أهم ما يواجه المحقق و هو يمخر بحور التحقيق في كتاب ما هو تسمية الكتاب، و ما يطرأ عليها من اختلاف: بعضه من جرّاء التصحيف و التحريف.
و بعضه من تصرّف النسّاخ تفصيلا أو إيجازا، فربّما أضاف أحدهم إليه كلمة او كلمات، و ربّما حذف، كما يراه أكثر تعبيرا عن المحتوى، أو كما يستسيغه ذوقه الأدبي أو الفنّي أحيانا.
و بعضه ناتج عن كون التسمية إنّما جاءت أصلا من اجتهاد المتأخّرين بعد أن فقدت الورقة الأولى من الكتاب و التي تحمل اسمه، أو تآكلت.
و أمام هذا المعترك على المحقّق أن ينتخب التسمية الصحيحة، مؤيّدا اختياره بالأدلّة و القرائن، و التي مهما تعدّدت فسيبقى البحث في أقدم النسخ و أصحّها هو أوّلها و أجدرها بالاعتناء.
و لو اضطرّ إلى اللجوء إلى الذوق الأدبي و الفنّي فعليه أن يجتهد في معرفة ذوق المؤلّف و اختياره، ثمّ ينتخب من العناوين ما يناسبه، فالكتاب إنّما هو لمؤلّفه، و ليس هو من صنع المحقّق.
٤ و من هنا يكون للمحقّق إبحاران متزامنان في آن: إبحار مع الكتاب، يغوص في أعماقه، و يكشف خفاياه، و إبحار مع المؤلّف نفسه، يصحبه صحبة حقيقيّة، فلا يفارقه و لا يجفوه، و لا يصدّ عنه. فإنّه بقدر ما يكون المؤلّف مخفيّا علينا ستكون أيدينا مع كتابه جذّاء، و حصيلة جهودنا خداج. حتّى إذا بلغت رحلتنا معه غايتها وجدناها رحلة ليست ممتعة، و وجد شاهدوها من قرّاء و نقّاد آثار الجفاء شاخصة سافرة لا يسترها نقاب.
و هذه لعمري واحدة من أدقّ خصال التحقيق، و مع هذا فهي من أقلّها حظّا و أضيعها نصيبا!
و لم ينج كتابنا هذا من مشكلة الاختلاف في التسمية، فقد ذكروا له أسماء شتّى، و نسبوها نسبا مختلفة أيضا، أحصيناها كما يلي:
١- الاختلاف في التسمية: عرّف هذا الكتاب بعناوين خمسة، هي:
اوّلا: أجوبة المسائل السرويّة:
ورد هذا العنوان في صدر النسخة الخطّية التي رمزنا لها بالرمز «أ» و سيأتي التعريف بها.
و هكذا عرّفه أيضا العلّامة الحرّ العامليّ (١١٠٤ ه) في موسوعته الكبيرة المسمّاة (إثبات الهداة) (١).
ثانيا: الأسئلة السرويّة:
هكذا عرّفه الشيخ الطهرانيّ في معجمه الكبير (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) في باب الألف (٢). و ذكره في مواضع أخرى بأسماء أخرى ستأتي.
____________
(١) إثبات الهداة ١: ٥٨، ٣: ٩٩.
(٢) الذريعة ٢: ٨٣ ت/ ٣٣٠.
٥ ثالثا: جوابات المسائل السرويّة:
هكذا ذكره الشيخ الطهرانيّ في (الذريعة) في باب الجيم (١).
رابعا: رسالة في أجوبة المسائل السرويّة:
هكذا جاء في النسخة المطبوعة في النجف الأشرف.
خامسا: المسائل السرويّة: عرّفه بهذا الاسم ابن شهرآشوب في (معالم العلماء) (٢)، و الشيخ الطهرانيّ في باب الميم من (الذريعة) (٣)، و جاء أيضا في صدر النسخة الخطّية التي رمزنا لها بالرمز «ج» و سيأتي بيانها.
و بين هذه الأسماء الخمسة يوجد قاسم مشترك، و هو (المسائل السرويّة).
و لا شكّ انّ هذه التسمية إنّما جاءت من النسبة إلى السائل بنحو من النسب، كما سيأتي بيانه في الفقرة اللاحقة بإذن اللّه تعالى.
و الذي ظهر لي من التتبع أنّ العلم الذي كان يتولّى الإجابة عن المسائل هو الذي ينسبها إلى السائل، و يكتفي بهذه النسبة عن ذكر عنوان آخر للكتاب.
و صريحة في هذا كلمة الشريف المرتضى في ختام جوابه عن المسائل الواردة إليه من الشيخ إبراهيم بن الحسن الأباني، الساكن بطرابلس (٤)، إذ قال: «نجزت المسائل الطرابلسيّات» (٥).
و مثله ما جاء عن شيخ الطائفة في تسمية هذا الصنف من الكتب، فعدّ لنفسه في احصاء كتبه: كتاب (المسائل الحائريّة) (٦)، و هذا الكتاب إنّما تضمّن أجوبته (قدّس سرّه) عن المسائل التي وردت إليه من أبي الفرج ابن الرملي نزيل
____________
(١) الذريعة ٥: ٢٢٢ ت/ ١٠٦٠.
(٢) معالم العلماء: ١١٣، ١١٥.
(٣) الذريعة ٢٠: ٣٥١ ت/ ٣٣٧٠.
(٤) انظر: طبقات أعلام الشيعة (النابس في القرن الخامس): ١.
(٥) رسائل الشريف المرتضى- الطرابلسيات الثالثة- ١: ٤٤٣.
(٦) الفهرست للطوسيّ: ١٦١.
٦ الحائر (١)، فنسبتها إليه ظاهرة.
و هكذا صنع- الشيخ الطوسيّ- في تسمية كتب الشيخ المفيد حيث ترجم له في (الفهرست) فقال: له كتب- منها-: (المسائل الصاغانيّة) و (المسائل الجرجانيّة) و (المسائل المازندرانية) (٢).
و هكذا عرّفها أيضا العلّامة ابن شهرآشوب في (معالم العلماء) و عدّ منها:
(المسائل السروية) (٣).
و (المسائل المازندرانية) هي المسائل التي وردت إليه من مدينة مازندران كما أشار إليها هو في كتابه هذا (٤).
و أمّا (المسائل الصاغانيّة) فقد صرّح بنسبتها إلى مدينة صاغان الشيخ الطهرانيّ في (الذريعة) (٥)، و هكذا قل مع نظائرها.
و أمّا كلمة (أجوبة) أو (جواب) أو (جوابات) فهي من وضع المتأخّرين تمييزا للكتاب المتضمّن للمسائل و أجوبتها.
و الذي رأيناه بعد هذا هو المحافظة على القالب الأصيل تمشّيا مع ذوق المؤلّف و معاصريه (رضوان اللّه عليهم)، و ما كان متداولا عندهم معروفا لديهم، ليبقى هذا الكتاب معروفا بعنوان: (المسائل السرويّة).
٢- الاختلاف في النسبة: من أين جاءت تسميتها ب (السرويّة)؟
____________
(١) الرسائل العشر لشيخ الطائفة: ٢٨٦، ٢٩١، و فيه: (الحائرة) بدلا من الحائر، و في نسخة بدل:
(الحيرة).
(٢) الفهرست: ١٥٨.
(٣) معالم العلماء: ١١٣- ١١٥.
(٤) في أثناء جوابه عن المسألة الثامنة.
(٥) الذريعة ٥: ٢٢٥ ت/ ١٠٧١ و صاغان: قرية بمرو. معجم البلدان ٣: ٣٨٩.
٧ من ملاحظة النسخ المتعدّدة لهذا الكتاب، و المصادر التي عرّفت به، وقفنا على ثلاثة آراء في أصل هذه النسبة:
الأول: ما تصدّر النسخة المطبوعة، و نصّه: رسالة في أجوبة المسائل السرويّة التي وردت من سيّد فاضل في سارويه.
و على هذا فقد جاءت هذه التسمية نسبة إلى مدينة سارويه التي يقطنها السائل.
و لم أجد في معاجم البلدان مدينة بهذا الاسم، و لم أجد ما يشهد له في النسخ الخطّية، و لا في معاجم الكتب و المؤلّفين.
الثاني: أنّها نسبة إلى (سارية) و هو اسم الرجل الذي بعث بهذه الأسئلة إلى الشيخ المفيد، حيث جاء في أوّل النسخة التي رمزنا لها بالرمز «ج» ما نصّه: المسائل السرويّة الواردة من الشريف السيّد الفاضل سارية.
و لم يعرف سارية هذا من هو.
و الصحيح أنّ هذه الكلمة قد جاءت مصحّفة عمّا في النسخ الأخرى، كما يأتي في الرأي الثالث.
الثالث: أنّ هذه التسمية جاءت نسبة إلى مدينة (سارية) التي ينتسب إليها الشيخ الفاضل باعث هذه المسائل. فجاء في صدر النسخة التي رمزنا لها «أ» ما نصّه:
اجوبة المسائل السرويّة الواردة من الشريف الفاضل بسارية.
و جاء في (الذريعة): الأسئلة السرويّة- جوابات المسائل السرويّة- الواردة من السيّد الفاضل الشريف بسارية إلى الشيخ المفيد (١).
____________
(١) الذريعة ٢: ٨٣ ت/ ٣٣٠، ٥: ٢٢٢/ ١٠٦٠.
٨ هذا، مع أنّ النسخة المعتمدة في (الذريعة) هي غير نسختنا المذكورة بدليل الاختلاف الوارد في أواخرهما، حيث ذكر الشيخ الطهرانيّ أنّ آخر النسخة التي رآها قول المؤلّف: «قد أمليت في هذا المعنى كتابا سمّيته (الموضّح في الوعد و الوعيد) ...».
و الذي جاء في نسختنا المذكورة قوله: «و قد أمليت في هذا المعنى كتابا سمّيته (الوعد و الوعيد) ...».
من هنا تبيّن لنا أن اسم مدينة (سارية) قد تكرّر في أكثر من نسخة، و هو الموافق للمألوف من تسميتهم جواباتهم بالنسبة إلى اسم المدينة التي تردهم منها الأسئلة كما تقدّم في الفقرة السابقة- في ذكر الاختلاف بالتسمية-.
أمّا مدينة (سارية) فهي من المدن المعروفة، و لها ذكر كثير في معاجم البلدان، و قد خرج منها أعلام مشهورون في مختلف أبواب العلوم الإسلاميّة، و ممّا قيل في تعريفها:
١- قال الإدريسيّ: من مدن طبرستان- و هو الاسم الاقدم لمقاطعة مازندران-: آمل، و ناتل (١)، و كلار، و ميلة، و ما مطير، و سارية ... (٢) و قال:
سارية مدينة متحضّرة صغيرة (٣).
٢- قال ابن خرداذبه: الجربيّ بلاد الشمال ربع المملكة، و فيه طبرستان، و الرويان، و آمل، و سارية، و شالوس ... و ملكهم يسمّى جيل جيلان خراسان، قال محمّد بن عبد الملك:
قد خضب الفيل كعادته* * * لجيل جيلان خراسان
و الفيل لا تخضب أعضاؤه* * * إلّا لذي شأن من الشأن (٤)
____________
(١) كذا، و الصواب: بابل.
(٢) نزهة المشتاق ٢: ٦٧٨.
(٣) نزهة المشتاق ٢: ٦٨٦.
(٤) المسالك و الممالك: ١٠٥.
٩ ٣- قال صفيّ الدين البغداديّ: (سارية) مدينة بطبرستان، بينها و بين البحر ثلاثة فراسخ (١).
٤- قال أبو الفرج الكاتب البغداديّ: طبرستان، و هي أقصى نحو الشمال و مدنها: آمل و سارية (٢).
٥- قال المقدسي البشاري: أمّا طبرستان فمن مدنها: سالوس، ميلة، ما مطير، ترنجى، سارية ... (٣).
٦- قال ياقوت الحمويّ: (سارية) بعد الألف راء، ثمّ ياء مثنّاة من تحت مفتوحة، بلفظ السارية: و هي الأسطوانة، و هي مدينة بطبرستان ... ثمّ قال:
قال البلاذريّ: و بها منزل العامل في أيّام الطاهريّة، و كان العامل قبل ذلك في آمل، و جعلها أيضا الحسن بن زيد و محمّد بن زيد العلويّان دار مقامهما، و بين سارية و البحر ثلاثة فراسخ، و بين سارية و آمل ثمانية عشر فرسخا (٤).
و لا يبعد كون (سارية) هذه هي المدينة المعروفة اليوم باسم (ساري)، و هي من أكبر و أهم و أجمل مدن شمال إيران، و كذا قال ياقوت أيضا في ترجمة (ساري)، قال: هي سارية المذكورة قبل (٥).
هذه هي مدينة (سارية) في معاجم البلدان، و أمّا في التاريخ فلها ذكر كثير قبل الإسلام و بعده (٦).
____________
(١) مراصد الاطّلاع ٢: ٦٨٢.
(٢) الخراج و صنعة الكتابة: ٦٤.
(٣) أحسن التقاسيم: ٢٧٢.
(٤) معجم البلدان ٣: ١٧٠.
(٥) معجم البلدان ٣: ١٧١.
(٦) انظر: الكامل في التاريخ ٦: ٤٩٦، ٤٩٨، ٤٩٩، ٥٠٢، ٥٠٣ و ٧: ١٣٢، ١٦٣، ٢٦٨، ٣٣٥، ٣٣٤ و ٨: ١٣٢، ١٨٩، ١٩٠، ٣٨٩، ٥٤٢ و ٩: ٤٩٧، و ١١: ٢٦١.
١٠ النسبة إليها: قال ياقوت النسبة إليها: ساريّ.
و قال: قال محمّد بن طاهر المقدسيّ: ينسب إلى سارية من طبرستان:
سرويّ، و منهم: أبو الحسين محمّد بن صالح بن عبد اللّه السرويّ (١).
و اضطرب السمعاني في هذه النسبة، حيث قال في ترجمة (الساريّ): هذه النسبة إلى سارية، و هي بلدة من بلاد مازندران، أقمت بها عشرة أيّام، و كنت أظنّ أنّ النسبة إليها (السرويّ)، حتّى رأيت في كتاب (الإكمال) لابن ماكولا:
الساريّ جماعة من طبرستان (٢).
ثمّ قال في ترجمة (السرويّ): هذه النسبة قد ذكرتها في ترجمة (الساريّ)، و قلت بأنّ النسبة الصحيحة إلى سارية مازندران: (السرويّ) (٣).
و لكنّه عاد فأكّد هذه النسبة في ترجمة (السرويّ) بسكون الراء، فقال:
قيل: إن هذه النسبة إلى سارية مازندران، و الصحيح أنّ النسبة إليها بتحريك الراء- سرويّ- و هذه النسبة بتسكينها إلى (سرو)، و هي مدينة ببلاد أردبيل (٤).
و من متابعة كتب الرجال ظهر لنا أنّ هذه النسبة (سروي) بفتح الراء هي المعتمدة عندهم، كما هو ظاهر في تراجم الأعلام المنسوبين إلى (سارية)، و منهم:
١- إبراهيم بن محمّد بن موسى السروي، شيخ الشافعيّة (٣٦٠- ٤٥٨ ه) (٥).
٢- محمّد بن صالح السرويّ، أبو الحسين، المحدّث، روى عن بندار و أبي
____________
(١) معجم البلدان ٣: ١٧٠- ١٧١.
(٢) الأنساب ٣: ١٩٧.
(٣) الأنساب ٣: ٢٤٩.
(٤) الأنساب ٣: ٢٥٠.
(٥) سير أعلام النبلاء ١٨: ١٤٧.
١١ كريب و طبقتهما (١).
٣- علي بن إسماعيل بن علي الفقاعي السرويّ، المولود سنة ٤٧٥ ه (٢).
٤- محمّد بن عليّ بن شهرآشوب السرويّ المازندراني، من كبار علماء الإماميّة (٤٨٨- ٥٨٨ ه) (٣). و غيرهم كثير.
و الصحيح أن هذه النسبة على غير القياس، كما قيل في البادية: البدويّ، و في العالية: العلويّ.
نتيجة البحث: أمكننا ممّا تقدّم أن نقطع بأنّ الاسم الصحيح لهذا الكتاب هو: (المسائل السرويّة)، و أنّ هذه التسمية جاءت نسبة إلى مدينة (سارية) من مدن مازندران، التي ينتسب إليها السائل.
هذا الكتاب: ليس مثيرا قولنا إنّه كتاب نفيس، فلم يترك أوحد زمانه الذي فجّ بحور العلوم إلّا النفيس.
و في هذا الكتاب يكشف العلم الفذّ الهمام الشيخ المفيد كثيرا ممّا يلبس على أذهان المتعلّمين و حتّى الخواصّ ناهيك عن سواد الناس.
فقد أجاب فيه عن أسئلة وردت في أبواب شتّى شملت علوم القرآن، و الفقه، و الحديث، و العقائد، و الكلام، فحمّل أجوبته لباب العلوم، و تعامل معها بصدر رحيب و همّة عالية، ففصّل حيث لزم التفصيل، و أوجز حيثما يكتفى بالإيجاز، و أحال الى كتب اخرى من تآليفه قد فصّل فيها الكلام فيما أوجزه هنا،
____________
(١) معجم البلدان ٣: ١٧١، و فيه روى عنه، و الصحيح ما اثبتناه.
(٢) الأنساب ٣: ٢٥٠.
(٣) طبقات أعلام الشيعة- الثقات و العيون في سادس القرون-: ٢٧٣.
١٢ فشقّت إجاباتها طريقها حتّى استوت في قمّة ما قيل و ما يقال في أبوابها.
و مضى رائد فنون الكلام هنا على منهجه في سائر كتبه يطرح بعد كلّ جواب ما يتعلّق به من أوجه الاستفهام المحتملة، مبرزا لها بعنوان (فصل)، فيذكر في بعضها حوارا مباشرا جرى بينه و بين مناظر له، و أحيانا يفترض وجود المحاور، و يضع أحيانا أخرى أسئلة من شأنها أن تأتي على جوانب الموضوع ثمّ يجيب على كلّ ذلك بعبارة مركّزة وجيزة جامعة.
كما برزت هنا أيضا منهجيّته القويمة في البحث و الاستنباط، متمسّكا بالصحيح الثابت رادّا كلّ ما سواه و إن صدر عن أجلّاء عظام كالشيخ الصدوق و ابن الجنيد، غير مبال بكثرة الروايات ما لم تثبت صحّة أسانيدها، فيعتمد الرواية الواحدة الصحيحة الإسناد تاركا الركام الممتدّ من الروايات الضعيفة أو الموضوعة، فهو الغوّاص الماهر الذي ينتقي الدرّة الصافية غير مكترث بما تعجّ به البحار و ما يطفو عليها.
كلّ هذه الخصائص تبرز جليّة في هذا الكتاب الذي تضمّن الإجابة عن إحدى عشرة مسألة، كانت كما يلي:
المسألة الأولى: في المتعة و الرجعة (١).
المسألة الثانية: في الأشباح و الذرّ و الأرواح (٢).
المسألة الثالثة: في ماهيّة الروح (٣).
المسألة الرابعة: في ماهيّة الإنسان (٤).
المسألة الخامسة: في عذاب القبر (٥).
____________
(١) نقلها العلّامة المجلسي في بحار الأنوار ٥٣: ١٣٦- ١٣٨.
(٢) هي في بحار الأنوار ٥: ٢٦١- ٢٦٧.
(٣) في بحار الأنوار ٦١: ٨٧- ٨٨.
(٤) في بحار الأنوار ٦١: ٨٨- ٨٩.
(٥) في بحار الأنوار ٦: ٢٧٢.
١٣ المسألة السادسة: في حياة الشهداء (١).
المسألة السابعة: حكم من قال بالجبر و جوّز الرؤية.
المسألة الثامنة: الاختلاف في ظواهر الروايات.
المسألة التاسعة: في صيانة القرآن من التحريف (٢).
المسألة العاشرة: في تزويج أمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين و بنات الرسول (٣).
المسألة الحادية عشرة: في أصحاب الكبائر.
و قد زادنا هذا الكتاب فائدة أخرى إذ عرّف الشيخ المفيد (قدّس سرّه) في أثنائه بعدد من كتب له صنّفها في المسائل موضع البحث، و هذه الكتب هي:
١- التمهيد (٤): و ذكر أنّه فصّل فيه الكلام في بحث الاختلافات الواردة في ظواهر بعض الروايات المنسوبة إلى المعصومين (عليهم السلام)، و بيّن فيه سبل معرفة الحقّ من ذلك، و طريق التعامل مع هذه الروايات. و هو بحث عميق عظيم الفائدة.
٢- المسائل الفارسيّة.
٣- المسائل المازندرانيّة.
٤- المسائل النيسابوريّة.
٥- المسائل الموصليّة (٥): و أجاب في هذه الكتب الأربعة عن مسائل تتعلّق بالاختلافات الظاهرة بين بعض الروايات أيضا.
٦- مصابيح النور في علامات أوائل الشهور (٦): ذكر أنّه قد ضمّنه الردود
____________
(١) في بحار الأنوار ٦: ٢٧٣- ٢٧٤.
(٢) في بحار الأنوار ٩٢: ٧٤- ٧٥.
(٣) في بحار الأنوار ٤٢: ١٠٧.
(٤) ذكره في أثناء جوابه عن المسألة الثامنة.
(٥) الكتب الأربعة (٢- ٥) ذكرها في أثناء جوابه عن المسألة الثامنة أيضا.
(٦) ذكره في أثناء جوابه عن المسألة الثامنة أيضا.
١٤ على الشيخ ابن الجنيد و طريقته في استخدام القياس و التعامل مع الروايات المتناقضة في الظاهر.
٧- الموضّح في الوعد و الوعيد (١): تضمّن تفصيل الكلام في استحقاق الثواب و العقاب و حكم مرتكبي الذنوب من أهل التوحيد، و الردّ على اقوال المعتزلة و نقض قولهم بالحبط.
نسخ الكتاب: تيسّر لنا أربع نسخ مخطوطة لهذا الكتاب، أضفنا إليها النسخة المطبوعة في النجف الأشرف لتكون خامسة.
و مع هذا العدد من النسخ كنّا نواجه مشكلتين:
الأولى: أنّها جميعا متأخّرة كثيرا عن عصر المؤلّف، باستثناء واحدة منها ذكر فيها أنّها كتبت على نسخة مؤرّخة في سنة ٦٧٦ ه. أي بعد وفاة المؤلّف ب ٢٦٣ سنة
و الثانية: كثرة السقوطات و الأخطاء و التصحيفات التي لم تنج منها النسخة المطبوعة أيضا، بل هي في غير موضع أشدّ ضعفا، و من أمثلة هذه المواضع ما وجدناه في كلمة (الحياة) التي تكتب في المخطوطات (الحيوة) بالواو، فإذا رقّ الواو قليلا في المخطوطة وجدت الكلمة قد أصحبت في المطبوعة (الحيرة)!.
و كانت هذه النسخ كما يلي:
١- النسخة المودعة في مكتبة السيّد المرعشيّ النجفيّ، ضمن المجموعة (٢٥٥)، برقم (١٧٧ پ- ١٩٠ پ).
وافق الفراغ منها ضاحي نهار يوم السبت، خمس و عشرين من شهر ربيع الأوّل سنة ١٠٥٦ ه.
____________
(١) ذكره في نهاية الكتاب، آخر جواب المسألة الحادية عشرة.
١٥ أوراقها ١٤ ورقة، و مسطرتها ٢٣ سطرا.
سقط من هذه النسخة المسألتان الثالثة و الرابعة مع أجوبتهما، و بعض المسألة الثامنة.
أوّلها: (الحمد للّه ربّ العالمين و العاقبة للمتّقين ... و بعد فقد وصلني المدرج المنطوي على المسائل من جهة السّيد الشريف الفاضل أطال اللّه عمره ...).
و آخرها: (و قد أمليت في هذا المعنى كتابا سمّيته (الوعد و الوعيد) إن وصل إلى السيّد الشريف الفاضل الخطير أدام اللّه رفعته أغناه عن غيره من الكتب في المعنى إن شاء اللّه تعالى).
و رمزنا لها بالرمز «أ».
٢- نسخة مكتبة السيّد المرعشيّ النجفيّ المودعة ضمن المجموعة (٧٦١٥).
كتبت بخط جميل بتاريخ ١٢٨١ ه نقلا عن نسخة نفيسة مكتوبة في سنة ٦٧٦ ه.
أوراقها ١٦ ورقة، مسطرتها ٢٣ سطرا.
و هي أوضح النسخ، غير أنّها لم تخل من السقط، حيث سقطت منها عدّة كلمات متفرّقة، ترك محلّ بعضها بياض، و بعضها الآخر لم تترك فيه إشارة إلى محلّ السقط، كما سقط منها أيضا: بعض جواب المسألة السادسة، و المسألة السابعة مع جوابها، و المسألة الثامنة مع بداية جوابها.
و أوّلها: «الحمد للّه ربّ العالمين و العاقبة للمتّقين ... و بعد فقد وصل المدرج المنطوي على المسائل الواردة من السيّد الشريف الفاضل أطال اللّه في عزّ الدين و الدنيا و أدام تأييده و نعمته».
و آخرها: «و قد أمليت في هذا المعنى كتابا سمّيته (الموضح في الوعد و الوعيد) إن وصل إلى السيّد الشريف الفاضل الخطير أدام اللّه رفعته أغناه عن
١٦ غيره من الكتاب- كذا- في المعنى إن شاء اللّه تعالى».
و رمزنا لها بالرمز «ب».
٣- نسخة مكتبة السيّد المرعشيّ النجفيّ المودعة ضمن المجموعة (٣٦٩٤). مسطرتها ٢٤ سطرا.
كان الفراغ من كتابتها مع المجموعة يوم الخميس ١٧ ربيع الثاني، سنة ١٠٥٦ ه، بيد عبد الحميد بن محمّد مقيم خطيب عبد العظيمي.
كتبت بخطّ رديء، لكنّها أتمّ النسخ و أكملها.
اوّلها: «الحمد للّه ربّ العالمين و العاقبة للمتّقين ... و بعد فقد وصل المدرج المنطوي على المسائل الواردة من جهة السّيد الشريف الفاضل أطال اللّه عمره ...».
و آخرها: «و قد أمليت في هذا المعنى كتابا سميته (الموضح في الوعد و الوعيد) إن وصل إلى السيّد الشريف الفاضل الخطير ادام اللّه ادام اللّه- كذا- رفعته أغناه عن غيره من الكتب في المعنى إن شاء اللّه».
و رمزنا لها بالرمز «ج».
٤- نسخة منقولة عن نسخة مكتبة آستان قدس رضوي.
كتبت بخط رديء، كثيرة الأخطاء، فيها توافق كبير مع النسخة «ب» و خصوصا في مواضع سقط الكلمة و الكلمتين، غير أنّها حوت جميع المسائل مع أجوبتها.
أوّلها: (الحمد للّه ربّ العالمين و العاقبة للمتّقين ... و بعد فقد وصل المدرج المنطوي على المسائل الواردة من جهة السيّد الشريف الفاضل أطال اللّه في عزّ الدين و الدنيا مدّته).
و آخرها: (و قد أمليت في هذا المعنى كتابا سمّيته «الموضح في الوعد و الوعيد» إن وصل إلى السيّد الشريف الفاضل الخطير ادام اللّه تعالى) انتهى إلى هنا مع نهاية الورقة الأخيرة فالظاهر أنّ تتمّتها في ورقة أخرى مفقودة أو لم تصوّر
١٧ على النسخة.
رمزنا لها بالرمز «د».
٥- و النسخة المطبوعة في النجف الأشرف، ثمّ طبع ضمن «عدّة رسائل للشيخ المفيد» اوفسيت مكتبة المفيد في قم المشرّفة.
كلّ ما كان فيها من العمل هو نقل المخطوطة إلى أحرف الطباعة، و لم تظهر عليها آثار جهد مبذول في تقويم النصوص أو تخريجها أو ضبطها.
فيها اخطاء طباعية و تصحيفات كثيرة.
و فيها شبه كبير مع النسخة «أ» غير أنّها أتمّ منها كثيرا و إن سقطت منها كلمات متفرّقة.
رمزنا لها بالرمز «م».
نسخ أخرى: لهذا الكتاب عدّة نسخ اخرى لم نحصل عليها، منها:
ما ذكره الشيخ الطهرانيّ بقوله: توجد نسخة منها بخط الشيخ شرف الدين المازندراني، كتابتها حدود سنة ١٠٥٥ ه في مكتبة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء في النجف الأشرف.
و أخرى في مكتبة راجه السيّد محمّد مهدي في نواحي فيضآباد (١).
و في فهرس مكتبة مسجد أعظم في قم المشرّفة وجدت نسخة برقم (ش ٦١٤)، أوراقها ١٣ ورقة، تاريخها ١٢٦٠ ه.
منهجنا في التحقيق: منهجان في التحقيق يسودان الآن، و لكلّ منهما أنصاره و أتباعه:
____________
(١) الذريعة ٢: ٨٣.
١٨ الأوّل يرى أنّ التحقيق يقتصر على إخراج النصّ مصحّحا، سليما من التصحيف و التحريف، و حسب، فلا مبرّر بعد هذا لأيّ جهد إضافيّ يبذله المحقّق في جوانب خارجة عن تقويم النصّ.
و يرى الثاني- على خلاف الأوّل- أنّ تقويم النّص ليس سوى جزء واحد من العمل التحقيقيّ لا بدّ أن ترافقه جهود مكثّفة في الجوانب التي تتّصل مباشرة بنصّ الكتاب، من قبيل مقابلة نصوص الكتاب مع النصوص المماثلة في المصادر المعتمدة، و تخريج النصوص، و شرح مبهماتها، و ضبط مفرداتها، ليأتي العمل متكاملا متّحد الأجزاء.
و المنهج الأوّل إن كان يوفّر على المحقق جهدا و عناء كبيرين، و يوفّر عليه من الوقت ما لا يدركه إلّا العاملون في التحقيق، فهو للأسف لا يخدم الكتاب كثيرا.
فالنصّ و إن صحّح و ضبط إلّا أنّه قد لا يخلو من خطأ ما لم يقابل مع غيره من المصادر المعتمدة الموثوقة.
و القارئ- و إن سهلت عليه قراءة المطبوع- غير أنّ تخريج النصوص و شرح المبهمات و ترجمة المهمّ الغامض من الأعلام و المدن لها الدور الأهمّ في فهم النصّ و تقبّله، و خصوصا إذا تنبّهنا إلى حقيقة أنّ ليس كلّ القرّاء علماء.
و لكنّ المنهج الثاني هو الآخر لا يخلو من آفة، و إن لم تكن فيه نفسه كمنهج، و إنّما جاءته من بعض من ركبه و هو لا يحسن العوم فيه.
فترى منهم من شأنه أن يعبّئ في الهوامش كلّ ما امتدت إليه يده، فيحمّلها كلاما ثقيلا مملا بلا أدنى مبرّر، يشرح أيسر الألفاظ، و يسهب في تفصيل ما لا تجد ضرورة لذكره أصلا، و يطيل في ترجمة أشهر البلدان و الأعلام، ناسيا أنّه سيترك ثقله هذا كلّه على صدر القارئ، متسبّبا في ضجره و نفرته من تتّبع الكتاب، و ربّما حتّى من تصفّح أوراقه!
و منهم من اتّخذ هذا المنهج طريقا لإفراغ آرائه الشخصيّة لا غير، فهو يعلّق على الأحاديث و الأخبار فيبطل منها ما يخالف هواه و إن كان صحيحا ثابتا متّفقا
١٩ عليه، و يصحّح المنكر الباطل إن وافق هواه! و هذا منحى خطير لا تخفى خطورته.
و منهم من ذهب إلى أبعد من هذا، فأخذ يتصرّف في النصوص، فيضيف إليها من تأويله ما يغيّر في مفادها، أو ربّما حذف منها ما لا يروق له نشره!
و لو أحسنّا الظنّ و قلنا إنّه اعتمد نسخة ناقصة، فإنّه يبقى عليه ما لا يغفر له إهماله، و هو أن يشير إلى مواضع النقص في نسخته.
هذا، بينما تجد صنفا آخر قد ذهب على العكس من سابقيه، فهو يجاري المصنّف في كلّ آرائه، يخرّج نصوصه و يسند أقواله و هو يظنّ أنّه بهذا إنّما يبرز قوّة الكاتب و الكتاب، معتقدا أنّ وظيفته تكمن في هذه الخصلة!
و بين يديّ نماذج كثيرة من كلّ ما ذكرته إلّا أنّ ذكرها لا يخلو من تجريح بأصحابها، و ليس التجريح غايتنا، و إنّما تصويب المسار ما أمكن ذلك.
و نحن إذ اعتمدنا المنهج الثاني في التحقيق فقد التزمنا أصوله، و لم نتعدّ حدوده، و لم نصرع لنزعة الانحياز إلى الكاتب و الكتاب أو عليهما، بل مارسنا عملا تحقيقيّا علميّا بحتا، راجين من ورائه ما عند اللّه تعالى، فكان عملنا في هذا الكتاب وفق الفقرات التالية:
١- مقابلة النسخ الخمس مع بعضها، و اعتماد اللفظ الأصوب و الأنسب من بينها، مع الإشارة إلى مواضع الاختلاف المهمة أو ذات الوجه المحتمل و إن بعد، تاركا ما سوى ذلك من تصحيفات ظاهرة و أخطاء لغويّة و إملائية.
٢- مقابلة النصوص التي اعتمدها المؤلّف مع مصادرها، و تثبيت الاختلافات في الهامش.
٣- شرح موجز للمفردات المبهمة.
٤- ترجمة موجزة وافية للأعلام و المدن الواردة في المتن، تاركا المشهور منها.
٥- تخريج الآيات القرآنية و ضبطها، و تمييزها بقوسين مزهّرين.
٦- تخريج الأحاديث الشريفة من مصادرها، و خصوصا المصادر المتقدّمة على عصر المؤلّف، كما ذكرنا بعض المصادر المتأخّرة عنه كشواهد في مواضع
٢٠ الحاجة. و ميّزنا الأحاديث الشريفة بالقوسين الصغيرين «».
٧- تابعنا الأحاديث التي اعتمدها المؤلّف بذكر درجة كل حديث معتمدين أوثق المصادر في هذا الباب، و إذا ما اعتمد المؤلّف حديثا في إسناده ضعف مع وجود حديث حسن أو صحيح في موضوعه يصحّ الاعتماد عليه أشرنا إليه إشارة كافية.
٨- تخريج الأخبار، و الأحداث و الوقائع من أهم المصادر المعتمدة.
٩- عدم الاقتصار على مصادر الشيعة الإماميّة في التخريج، بل اعتمدنا أيضا أهم المصادر المعتبرة في السنن و التفسير و السير و الكلام عند أهل السنّة إتماما للفائدة، و تثبيتا للمعنى و تأليفا بين قلوب المسلمين.
١٠- ضبط المفردات ضبطا شاملا، ناظرين إلى أهميّة تقويم اللسان على اللفظ العربي القويم، مع ما يضفيه ضبط المفردات من جماليّة إلى الكتاب.
١١- كشفا لبعض الإبهام أمام القارئ في هذا الكتاب وضعنا عنوانا لكلّ مسألة و لكلّ فصل من فصول الجواب، و ميّزناه بالمعقوفتين [].
١٢- ألحقنا الكتاب فهرسين: أحدهما يشمل مواضيع الكتاب و فصوله، و تضمّن الآخر أسماء المصادر التي اعتمدناها في المقدّمة و في التحقيق.
و اللّه ولي التوفيق.
صائب عبد الحميد
١٥ ذي القعدة ١٤١٢
٢١ {*empty#}صفحة فارغة (مطابق للمطبوع){#empty*}
٢٢ {*empty#}صفحة فارغة (مطابق للمطبوع){#empty*}
٢٣ {*empty#}صفحة فارغة (مطابق للمطبوع){#empty*}
٢٤ {*empty#}صفحة فارغة (مطابق للمطبوع){#empty*}
٢٥ {*empty#}صفحة فارغة (مطابق للمطبوع){#empty*}
٢٦ {*empty#}صفحة فارغة (مطابق للمطبوع){#empty*}
٢٧ {*empty#}صفحة فارغة (مطابق للمطبوع){#empty*}
٢٨ {*empty#}صفحة فارغة (مطابق للمطبوع){#empty*}
٢٩ [المقدمة] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و به نستعين الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ و صلى الله على محمد خاتم النبيين و على أهل بيته الطاهرين.
و بعد فقد وصلني (١) المدرج المنطوي على المسائل الواردة (٢) من جهة السيد الشريف الفاضل أطال الله (٣) في عز الدين و الدنيا مدته (٤) و أدام تأييده و نعمته (٥) و وقفت (٦) على جميعها و ضاق المدرج عن إثبات أجوبتها فأمليت (٧) ذلك في كتاب مفرد يأتي على المعنى إن شاء الله تعالى
____________
(١) في «ب» و «ج» و «د»: وصل.
(٢) «الواردة» ليس في «أ» و «م».
(٣) في «أ» و «ج» و «م»: أطال اللّه عمره.
(٤) «مدّته» ليس في «ب».
(٥) «و أدام تأييده و نعمته» ليس في «م».
(٦) في «أ» و وقعت، و في «ب» و «ج»: و وفقت.
(٧) في «د»: قابلت.
٣٠ المسألة الأولى في المتعة و الرجعة ما قول الشيخ المفيد أطال الله بقاءه و أدام (١) تأييده و علاه و حرس معالم الدين بحياطة (٢) مهجته (٣) و أقر عيون الشيعة بنضارة أيامه فيما يروى عن مولانا جعفر بن محمد الصادق (ع) في الرجعة.
و ما معنى
قوله (ع)
ليس منا من لم يقل بمتعتنا و يؤمن برجعتنا
(٤) أ هي حشر في الدنيا مخصوص للمؤمنين أو لغيرهم (٥) من الظلمة الجائرين (٦) قبل (٧) يوم القيامة.
الجواب و بالله التوفيق إن المتعة التي ذكرها الصادق (ع) هي النكاح المؤجل الذي
____________
(١) «أدام» ليس في «م».
(٢) في «د»: لحياطة.
(٣) في «أ»: و حرس مهجته.
(٤) من لا يحضره الفقيه- كتاب النكاح، باب المتعة ح/ ١. و نصّه: «ليس منّا من لم يؤمن بكرّتنا، و يستحلّ متعتنا».
(٥) في «ب» و «ج» و «د»: للمؤمن أو لغيره.
(٦) في «أ»: الجبارين.
(٧) «قبل» ليس في «م».
٣١ كان (١) رسول الله ص أباحها لأمته في حياته و نزل القرآن بإباحتها أيضا (٢) فتأكد (٣) ذلك بإجماع الكتاب و السنة فيه (٤).
حيث يقول الله عز و جل وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً (٥).
فلم تزل على الإباحة بين المسلمين لا يتنازعون فيها حتى رأى عمر بن الخطاب النهي عنها فحظرها و شدد في حظرها و توعد (٦) على فعلها (٧) فتبعه الجمهور على ذلك و خالفهم جماعة من الصحابة و التابعين فأقاموا على
____________
(١) «ذكرها الصادق ... الذي كان» ليس في «أ».
(٢) في «أ»: أيضا بها، و في «ب»: بها.
(٣) في «م»: فيؤكد.
(٤) «فيه» ليس في «ب» و «ج» و «د».
(٥) النساء ٤: ٢٤.
(٦) «و توعّد» ليس في «د».
(٧) عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: تمتّعنا مع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) و مع أبي بكر، فلمّا ولي عمر خطب الناس فقال: إنّهما كانتا متعتان على عهد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) و أنا أنهى عنهما و اعاقب عليهما: إحداهما متعة النساء، و لا أقدر على رجل تزوّج امرأة إلى أجل الا غيّبته بالحجارة، و الأخرى متعة الحجّ.
السنن الكبرى ٧: ٢٠٦، تفسير الرازيّ ١٠: ٥٢- ٥٣، الدّر المنثور ٢: ٤٨٧.
و انظر أيضا: صحيح البخاريّ- كتاب التفسير ح/ ٤٣، ١٣٧، صحيح مسلم- كتاب النكاح ح/ ١١- ١٧، سنن الترمذي ٣: ١٨٥ ح/ ٨٢٢- ٨٢٤، مسند أحمد ١: ٥٢، المستدرك على الصحيحين ٢: ٣٠٥، تفسير الطبريّ ٥: ٩، كنز العمّال ١٦ ح/ ٤٥٧١٥، ٤٥٧١٧، ٤٥٧٢٢، ٤٥٧٢٣، ٤٥٧٢٨، ٤٥٧٣٢، الدّر المنثور ٢: ٤٨٢- ٤٨٧، ٣: ١٤٠.
٣٢ تحليلها إلى أن مضوا لسبيلهم (١).
و اختص بإباحتها جماعة (٢) أئمة الهدى من آل محمد (ع) فلذلك أضافها الصادق (ع) إلى نفسه (٣) بقوله متعتنا (٤).
و أما
قوله (ع) (٥)
من لم يقل برجعتنا فليس منا
فإنما أراد بذلك ما يختصه (٦) من القول به في أن الله تعالى يحيي (٧) قوما من أمة محمد ص بعد موتهم قبل (٨) يوم القيامة و هذا مذهب يختص به آل محمد ص. و قد أخبر الله عز و جل في ذكر الحشر الأكبر يوم القيامة (٩) وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (١٠).
____________
(١) ذكر منهم: أمير المؤمنين (عليه السلام)، و ابن عبّاس، و ابيّ بن كعب، و عمران بن حصين، و سعيد بن جبير، و روي عن عبد اللّه بن عمر في متعة الحجّ أيضا.
انظر: صحيح البخاريّ- كتاب التفسير ح/ ٤٣، سنن الترمذي ٣: ١٨٥/ ٨٢٤، تفسير الطبريّ ٥: ٩، تفسير الرازيّ ١٠: ٥٠- ٥٢.
(٢) «جماعة» ليس في «ج»، و زاد في «م»: من الصحابة و التابعين و.
(٣) «إلى نفسه» ليس في «أ» و «م».
(٤) للشيخ المفيد رسالة مستقلّة في المتعة، أخرج منها المجلسي في البحار ٤٣ حديثا.
بحار الأنوار ١٠٣: ٣٠٥- ٣١١.
(٥) «فلذلك أضافها ... قوله (عليه السلام)» ليس في «ج».
(٦) في «أ» و «م»: اختصّه.
(٧) في «ب» و «ج» و «د»: يحشر.
(٨) «بعد موتهم» ليس في «ب» و «د». و «قبل» ليس في «ب» و «د» و «م».
(٩) «و هذا مذهب ... يوم القيامة» ليس في «ب» و «د».
(١٠) الكهف ١٨: ٤٧.
٣٣ و قال سبحانه في حشر الرجعة قبل يوم القيامة (١) وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (٢) فأخبر أن الحشر حشران عام و خاص.
و قال سبحانه مخبرا (٣) عمن يحشر من الظالمين أنه يقول (٤) يوم الحشر الأكبر رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (٥).
و للعامة في هذه الآية تأويل مردود و هو (٦) أن المعنى بقوله رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ أنه خلقهم أمواتا ثم أماتهم بعد الحياة (٧).
و هذا باطل لا يجري (٨) على لسان العرب لأن الفعل لا يدخل إلا على ما (٩) كان بغير (١٠) الصفة (١١) التي انطوى اللفظ على معناها و من خلقه
____________
(١) «و هذا مذهب ... حشر الرجعة قبل يوم القيامة» ليس في «ج».
(٢) النمل ٢٧: ٨٣.
(٣) في «أ» و «م»: يخبر.
(٤) زاد في «أ» و «م»: في القيامة.
(٥) غافر ٤٠: ١١.
(٦) في «ب» و «ج» و «د»: و هو أن قالوا.
(٧) أراد قولهم: إنّه خلقهم أمواتا في أصلاب آبائهم، ثمّ أحياهم الحياة الدنيا، ثمّ أماتهم، ثمّ أحياهم في البعث.
انظر: تفسير الطبريّ ١: ١٤٥، ٢٤: ٢١، معالم التنزيل للبغوي ١: ٦٠، تفسير القرطبيّ ١: ٢٤٩، ١٥: ٢٩٧.
(٨) في «أ» و «ب» و «ج» و «د»: لا يستمرّ.
(٩) في «ب» و «ج» و «د»: من.
(١٠) في «د»: يغيّر.
(١١) «الصفة» ليس في «ج».
٣٤ الله مواتا (١) لا يقال إنه (٢) أماته (٣) و إنما يقال ذلك فيمن (٤) طرأ عليه الموت بعد الحياة.
كذلك (٥) لا يقال أحيا (٦) الله ميتا إلا أن يكون قد كان قبل إحيائه ميتا (٧) و هذا بين لمن تأمله (٨).
و قد زعم بعضهم أن المراد بقوله رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ الموتة التي تكون (٩) بعد حياتهم في القبور للمساءلة فتكون الأولى قبل الإقبار (١٠) و الثانية بعده (١١).
و هذا أيضا باطل من وجه آخر و هو أن الحياة للمساءلة ليست للتكليف فيندم الإنسان على ما فاته في حاله (١٢) و ندم القوم على ما (١٣) فاتهم في حياتهم المرتين (١٤) يدل على أنه لم يرد حياة المساءلة لكنه أراد حياة
____________
(١) في «ب» و «د»: امواتا، و في «م»: ميتا.
(٢) «أنّه» ليس في «ب» و «ج» و «د»، و في «م»: له.
(٣) في «أ»: ميت.
(٤) في «د»: فيما.
(٥) في «م»: و لذلك.
(٦) في «أ» و «م»: جعله.
(٧) في «م»: إلّا بعد ما كان حيّا.
(٨) «لمن تأمّله» ليس في «أ» و «م».
(٩) «تكون» ليس في «ج».
(١٠) في «أ» و «م»: الإحياء.
(١١) ذكره القرطبيّ في تفسيره الآية (٢٨) من سورة البقرة ١: ٢٤٩.
(١٢) في «أ» و «م»: حياته.
(١٣) في «أ»: لما.
(١٤) في «م»: مرّتين.
٣٥ الرجعة التي تكون لتكليفهم و الندم (١) على تفريطهم فلا يفعلون (٢) ذلك فيندمون يوم العرض على ما فاتهم من ذلك
فصل في من يرجع من الأمم و الرجعة عندنا تختص بمن محض الإيمان و محض (٣) الكفر دون ما سوى هذين الفريقين (٤) فإذا أراد (٥) الله تعالى على ما (٦) ذكرناه أوهم الشيطان أعداء الله عز و جل إنما ردوا إلى الدنيا لطغيانهم على الله فيزدادوا عتوا فينتقم الله تعالى منهم بأوليائه المؤمنين و يجعل لهم الكرة عليهم فلا يبقى منهم أحد إلا و هو (٧) مغموم بالعذاب و النقمة و العقاب (٨) و تصفو الأرض من الطغاة و يكون الدين لله تعالى.
و الرجعة إنما هي لممحضي الإيمان من أهل الملة و ممحضي النفاق منهم دون من سلف من الأمم الخالية
____________
(١) في «ب» و «ج» و «د» و «م»: لتكليفهم الندم.
(٢) في «م»: فلم يفعلوا.
(٣) في «أ» و «م»: يمحض، في الموضعين. و محض الإيمان: أخلصه.
(٤) تفسير القمّيّ ٢: ١٣١، منتخب البصائر- عنه البحار ٥٣: ٣٩.
(٥) في «ج» و «م»: فأراد.
(٦) في «أ»: من.
(٧) في «ب» و «ج»: من هو.
(٨) «و العقاب» ليس في «أ»، و «المساءلة لكنّه أراد ... و العقاب» سقط من «د».
٣٦ فصل شبهة في الرجعة و قد قال قوم من المخالفين لنا كيف (١) يعود كفار الملة بعد الموت إلى طغيانهم و قد عاينوا عذاب الله تعالى في البرزخ و تيقنوا بذلك أنهم مبطلون.
فقلت لهم (٢) ليس ذلك بأعجب من الكفار الذين يشاهدون في البرزخ ما يحل بهم من العذاب (٣) و يعلمونه ضرورة بعد المدافعة (٤) لهم و الاحتجاج عليهم بضلالهم في الدنيا (٥) فيقولون حينئذ يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦) فقال الله عز و جل بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٧).
فلم يبق للمخالف بعد هذا الاحتجاج شبهة يتعلق بها فيما ذكرناه و المنة لله
____________
(١) «كيف» ليس في «ب» و «د».
(٢) في «أ» و «م»: له.
(٣) زاد في «م»: فيها.
(٤) في «أ» و «د» و «م»: الموافقة.
(٥) «في الدنيا» ليس في «م».
(٦) الأنعام ٦: ٢٧.
(٧) الأنعام ٦: ٢٨.
٣٧ المسألة الثانية في الأشباح و الذر و الأرواح ما (١) قوله أدام الله تأييده في معنى الأخبار المروية عن الأئمة الهادية (ع) في الأشباح و خلق الله تعالى الأرواح قبل خلقه (٢) آدم (ع) بألفي (٣) عام و إخراج الذرية من صلبه على صور الذر.
و معنى
قول رسول الله ص
الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف
(٤) . الجواب و بالله التوفيق إن الأخبار بذكر الأشباح تختلف ألفاظها و تتباين معانيها و قد بنت الغلاة عليها أباطيل كثيرة و صنفوا فيها كتبا لغوا فيها و هذوا (٥) فيما أثبتوه منه في معانيها و أضافوا ما حوته الكتب إلى جماعة من
____________
(١) «ما» ليس في «د».
(٢) «خلقه» ليس في «ب» و «ج» و «د».
(٣) في «ج»: بألف.
(٤) علل الشرائع: ٨٤- باب ٧٩ ح/ ٢، مسند أحمد ٢: ٢٩٥.
(٥) في «م»: و هزءوا. و هذى هذيانا: تكلّم بكلام غير معقول.
٣٨ شيوخ (١) أهل الحق و تخرصوا (٢) الباطل بإضافتها (٣) إليهم من جملتها كتاب سموه كتاب الأشباح و الأظلة و نسبوا تأليفه (٤) إلى محمد بن سنان (٥).
و لسنا (٦) نعلم صحة ما ذكروه في هذا الباب عنه فإن (٧) كان صحيحا فإن ابن سنان قد (٨) طعن (٩) عليه و هو متهم بالغلو (١٠).
فإن صدقوا في إضافة هذا الكتاب إليه فهو ضال بضلاله (١١) عن الحق و إن كذبوا فقد تحملوا أوزار ذلك.
____________
(١) «شيوخ» ليس في «أ».
(٢) تخرّص: تكذّب بالباطل.
(٣) «ما حوته الكتب ... بإضافتها» ليس في «ج».
(٤) في «ب» و «ج» و «د»: نسبوه في تأليفه.
(٥) هو أبو جعفر الزاهري، من ولد زاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعيّ، توفّي أبوه و هو طفل، فكفله جدّه سنان فنسب إليه، له كتب منها: (كتاب الأظلّة)، توفّي سنة ٢٢٠ ه.
رجال النجاشيّ: ٣٢٨- ترجمة ٨٨٨.
(٦) في «ب»: و إنّا.
(٧) في «ج»: و أنّه. و في «ب» و «د»: و إن.
(٨) «و لسنا نعلم ... فإن ابن سنان قد» ليس في «أ».
(٩) في «أ»: مطعونا.
(١٠) قال الفضل ابن شاذان: لا أحلّ لكم أن ترووا أحاديث محمّد بن سنان. و قال النجاشيّ:
هو رجل ضعيف جدّا لا يعوّل عليه، و لا يلتفت إلى ما تفرّد به. و قال الشيخ الطوسيّ:
طعن عليه و ضعّف، و كتبه فيها تخليط و غلوّ. و قال ابن داود: روي عنه أنّه قال عند موته:
لا ترووا عنّي ممّا حدّثت شيئا فإنّما هي كتب اشتريتها من السوق. قال: و الغالب على حديثه الفساد.
رجال النجاشيّ: ٣٢٨ ت/ ٨٨٨، الفهرست للطوسيّ: ١٤٣ ت/ ٦٠٩، كتاب الرجال لابن داود: القسم الثاني: ٢٧٣ ت/ ٤٥٥، جامع الرواة ٢: ١٢٣، معجم رجال الحديث ١٦: ١٥١ ت/ ١٠٩١١.
(١١) في «ب» و «د»: ضلال أضلّل. و في «ج»: ضلال الضلالة.
٣٩ و الصحيح من (١) حديث الأشباح
الرواية التي جاءت عن الثقات
بأن آدم (ع) رأى على العرش أشباحا يلمع
(٢) نورها فسأل الله تعالى عنها فأوحى
(٣) إليه أنها أشباح رسول الله و أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين
(٤) ص و أعلمه أن لو لا الأشباح التي رآها
(٥) ما
(٦) خلقه و لا خلق سماء و لا أرضا
(٧) . و الوجه فيما أظهره الله تعالى من الأشباح و الصور لآدم (ع) أن دله (٨) على تعظيمهم و تبجيلهم و جعل ذلك إجلالا لهم و مقدمة لما (٩) يفترضه (١٠) من طاعتهم و دليلا على أن مصالح الدين و الدنيا لا تتم إلا بهم.
و لم يكونوا في تلك الحال صورا محياة (١١) و لا أرواحا ناطقة لكنها كانت صورا (١٢) على مثل صورهم في البشرية تدل (١٣) على ما يكونون عليه في
____________
(١) في «م»: في.
(٢) في «أ»: بلغ.
(٣) في «أ» و «ب» و «م»: فأوحى اللّه تعالى.
(٤) «و فاطمة» ليس في «ج». و في «أ» و «ب» و «د»: و الحسن و الحسين و فاطمة.
(٥) في «م»: يراها.
(٦) «ما» ليس في «د».
(٧) قصص الأنبياء للراوندي: ٤٤/ ١٠، ٤٥/ ١١.
(٨) في «أ» و «م»: ليدلّه، و في «ج»: أن دلّت.
(٩) في «د» بما.
(١٠) في «م»: يفرضه.
(١١) في «أ»: محية، و في «ب» و «د»: مجيبة.
(١٢) «صورا» ليس في «ب» و «ج» و «د».
(١٣) في النسخ: يدل.
٤٠ المستقبل من الهيئة و النور الذي جعله عليهم يدل (١) على نور الدين بهم و ضياء الحق بحججهم.
و قد روي أن أسماءهم كانت مكتوبة إذ ذاك على العرش و أن آدم (ع) (٢) لما تاب إلى (٣) الله عز و جل و ناجاه بقبول (٤) توبته سأله بحقهم عليه و محلهم عنده (٥) فأجابه.
و هذا غير منكر في العقول و لا مضاد للشرع المنقول و قد رواه الصالحون (٦) الثقات المأمونون و سلم لروايته طائفة (٧) الحق و لا طريق (٨) إلى إنكاره (٩) و الله ولي التوفيق
____________
(١) في «أ» و «م»: دليلا.
(٢) «مكتوبة ... آدم (عليه السلام)» ليس في «أ».
(٣) (إلى) ليس في «أ» و «ب» و «د».
(٤) في «أ»: من قبول.
(٥) في «أ»: و محلّه عندهم.
(٦) «الصالحون» ليس في «م».
(٧) في «ب»: طابقة.
(٨) في «أ» و «م»: فلا طريق.
(٩) أمالي الصدوق: المجلس ١٨: ٧٠/ ٢، معاني الأخبار: ١٢٥/ ١، ٢، تفسير فرات الكوفيّ: ٥٧/ ١٦، تفسير العيّاشيّ ١: ٤١/ ٢٨، المناقب لابن المغازلي: ٦٣/ ٨٩، الدرّ المنثور ١: ١٤٧، ينابيع المودّة ١: ٩٧.
٤١ فصل البشارة بالنبي و الأئمة عليهم الصلاة و السلام و مثل ما بشر به آدم (ع) من تأهيله (١) نبيه (ع) لما أهله له و تأهيل أمير المؤمنين و الحسن و الحسين (ع) لما أهلهم له و فرض عليه تعظيمهم و إجلالهم كما (٢) بشر به في الكتب الأولى من بعثه (٣) لنبينا ص فقال في محكم كتابه النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٤).
و قوله تعالى مخبرا عن المسيح (ع) وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (٥).
و قوله سبحانه وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ
____________
(١) في «أ»: تأهلته.
(٢) في «أ» لما.
(٣) في «أ» و «ب» و «ج»: بعثته.
(٤) الأعراف ٧: ١٥٧.
(٥) الصفّ ٦١: ٦.
٤٢ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ (١) يعني رسول الله ص. فحصلت البشائر به من الأنبياء (٢) أجمعهم (٣) قبل إخراجه إلى العالم بالوجود و إنما أراد جل اسمه بذلك إجلاله و إعظامه و أن يأخذ العهد له على الأنبياء و الأمم (٤) كلها فلذلك أظهر لآدم (ع) صورة شخصه و أشخاص أهل بيته (ع) و أثبت أسماءهم له ليخبره بعاقبتهم (٥) و يبين له عن محلهم عنده و منزلتهم (٦) لديه (٧).
و لم يكونوا في تلك (٨) الحال أحياء ناطقين و لا أرواحا مكلفين و إنما كانت أشباحهم دالة (٩) عليهم حسب ما ذكرناه
____________
(١) آل عمران ٣: ٨١.
(٢) «به من الأنبياء» ليس في «أ». و في «م»: فحصلت البشارة للأنبياء.
(٣) في «أ» و «ب» و «ج» و «م»: و اممهم.
(٤) «و الأمم» ليس في «م».
(٥) في «ب»: تعاقبهم. و في «د» ليخبرهم بعاقبتهم.
(٦) في «م»: منزله.
(٧) «لديه» ليس في «أ».
(٨) في «أ» و «م»: ذلك.
(٩) في «أ» و «م»: دلالة.
٤٣ فصل البشارة بالنبي و الأئمة في الكتب الأولى و قد بشر الله عز و جل بالنبي (١) و الأئمة (ع) في الكتب الأولى فقال في بعض كتبه التي أنزلها على أنبيائه (ع) و أهل الكتب يقرونه (٢) و اليهود و النصارى يعرفونه (٣)
أنه ناجى إبراهيم الخليل (ع) في مناجاته أني قد عظمتك و باركت عليك و على إسماعيل و جعلت منه اثني عشر عظيما و كثرتهم
(٤) جدا جدا و جعلت منه شعبا
(٥) عظيما لأمة عظيمة
(٧) (٦) . و أشباه ذلك كثير في كتب الله تعالى الأولى
____________
(١) في «م»: النبيّ.
(٢) في «د»: يقرّوا به، و في «م»: يقرءونه.
(٣) (و النصارى) ليس في «ب» و «د». و (اليهود و النصارى يعرفونه) ليس في «ج».
(٤) في «ب» غير منقوطة، و في «ج»: و كبّرتهم، و في «م»: و كرّمته.
(٥) (جدّا جدّا) ليس في «أ».
(٦) (لأمّة عظيمة) ليس في «أ» و «م».
(٧) جمع الشيخ المفيد هنا بين نصّين من نصوص (العهد القديم)، الأول: من سفر التكوين- إصحاح ١٨، آية ١٨- و نصّه في المصدر: «إبراهيم سيكون أمّة كبيرة مقتدرة، و يتبارك به جميع امم الأرض».
و الثاني من سفر التكوين ١٧: ٢٠ و نصّه: «و أمّا إسماعيل فقد سمعت قولك فيه، و ها أنا ذا أباركه و انميه و اكثّره جدّا جدّا، اثنا عشر رئيسا يلد، و أجعله أمّة عظيمة».-
٤٤ فصل حديث الذر أما الحديث في إخراج الذرية من صلب آدم (ع) على صورة الذر فقد جاء الحديث بذلك على اختلاف ألفاظه و معانيه (١) و الصحيح
أنه أخرج الذرية من ظهره كالذر فملأ بهم الأفق و جعل على بعضهم نورا لا يشوبه ظلمة و على بعضهم ظلمة لا يشوبها نور و على بعضهم نورا و ظلمة فلما رآهم آدم (ع) عجب من كثرتهم و ما
(٢) عليهم من النور و الظلمة فقال يا رب ما هؤلاء قال الله عز و جل له هؤلاء ذريتك يريد تعريفه كثرتهم و امتلاء
____________
- و هذا نصّه العبري:
«في ليشماعيل بيرختي أوتو و في هفريتي أوتو
في هربيتي بمئود مئودا و شنيم عسار نسيئيم يوليد في نتتيف لگوي گدول».
() (١) أخرجه سائر أصحاب التفسير عند الآية ١٧٢ من سورة الأعراف، و سائر أصحاب الحديث بألفاظ كثيرة.
(٢) «و على بعضهم نورا ... و ما» ليس في «أ».
٤٥ الآفاق بهم و أن نسله يكون في الكثرة كالذر الذي رآه ليعرفه قدرته و يبشره باتصال
(١) نسله و كثرتهم فقال آدم (ع) يا رب ما لي أرى على بعضهم نورا لا ظلمة فيه
(٢) و على بعضهم ظلمة لا يشوبها نور و على بعضهم ظلمة و نورا فقال تبارك و تعالى أما الذين عليهم النور منهم
(٣) بلا ظلمة فهم أصفيائي من
(٤) ولدك الذين يطيعوني و لا يعصوني في شيء من أمري فأولئك سكان الجنة و أما الذين عليهم ظلمة لا يشوبها نور فهم الكفار من ولدك الذين يعصوني و لا يطيعوني في شيء من أمري فهؤلاء حطب جهنم
(٥) و أما الذين عليهم نور و ظلمة فأولئك الذين يطيعوني من ولدك و يعصوني فيخلطون
(٦) أعمالهم السيئة بأعمال حسنة فهؤلاء أمرهم إلي إن شئت عذبتهم فبعدلي و إن شئت عفوت عنهم فبفضلي
(٧) فأنبأه الله تعالى بما يكون من ولده و شبههم بالذر الذي أخرجه (٨) من ظهره و جعله علامة على كثرة ولده.
____________
(١) في «ج» و «م»: بإفضال.
(٢) في «أ» و «م»: لا يشوبه ظلمة.
(٣) «منهم» ليس في «أ» و «م».
(٤) «من» ليس في «أ» و «ب» و «د».
(٥) «في شيء ... جهنّم» ليس في «ب» و «ج» و «د».
(٦) في «د»: فيحللون.
(٧) الكافي ٢: ٦ باب ٣ ح/ ١ بتفصيل أكثر.
(٨) في «ب» و «ج» و «د»: أخرجهم.
٤٦ و يحتمل أن يكون ما أخرجه من ظهره أصول (١) أجسام ذريته دون أرواحهم و إنما فعل الله تعالى ذلك ليدل آدم (ع) على العاقبة منه و يظهر له من قدرته و سلطانه و عجائب صنعه (٢) و أعلمه (٣) بالكائن قبل كونه ليزداد آدم (ع) يقينا بربه و يدعوه ذلك إلى التوفر على طاعته و التمسك بأوامره و الاجتناب لزواجره (٤).
فأما الأخبار التي جاءت بأن ذرية آدم (ع) استنطقوا في الذر فنطقوا فأخذ عليهم العهد فأقروا فهي من أخبار التناسخية (٥) و قد خلطوا فيها و مزجوا الحق بالباطل.
و المعتمد من إخراج الذرية ما ذكرناه دون ما عداه مما يستمر (٦) القول به على الأدلة العقلية و الحجج السمعية و إنما هو تخليط (٧) لا يثبت به
____________
(١) في «ب» و «ج» و «د»: و جعل.
(٢) في «ب» و «ج» و «د»: صنعته.
(٣) في «أ» و عمله.
(٤) في «م»: عن زواجره.
(٥) في «أ» و «ب» و «ج» و «د»: الناسخة. و التناسخية هم أصحاب القول بالتناسخ و الأظلّة و الدور. و معنى التناسخ هو أن تتكرر الأدوار إلى ما لا نهاية، و أنّ الثواب و العقاب في هذه الدار لا في دار اخرى لا عمل فيها، و أن أعمالنا التي نحن فيها إنّما هي أجزية على أعمال سلفت منّا في الأدوار الماضية، فالراحة و السرور و الفرح هي مرتّبة على أعمال البرّ التي سلفت منّا في الأدوار الماضية، و الغمّ و الحزن مرتّبة على اعمال الفجور التي سلفت. و قد أبطل هؤلاء جميع الشرائع و السنن، و زعموا أن هذا هو مذهب جابر بن عبد اللّه الأنصاري و جابر بن يزيد الجعفي.
فرق الشيعة: ٣٤، المقالات و الفرق: ٤٣، ١٨٢ الملل و النحل ٢: ٥٩.
(٦) في «ب» و «ج» و «د»: استمرّ، و في «ب»: دون ما ينطق القول به.
(٧) في «م»: غلط.
٤٧ أثر على (١) ما وصفناه
فصل شبهة في إنطاق الذر فإن تعلق متعلق بقوله تبارك اسمه وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (٢) فظن بظاهر هذا القول (٣) تحقق ما رواه أهل التناسخ و الحشوية (٤) و العامة في إنطاق (٥) الذرية و خطابهم و أنهم كانوا أحياء ناطقين.
فالجواب عنه أن هذه الآية من المجاز في اللغة كنظاهرها (٦) مما هو مجاز و استعارة
____________
(١) «الأدلّة العقليّة ... أثر على» ليس في «أ».
(٢) الأعراف ٧: ١٧٢.
(٣) في «أ» و ظنّ أنّ.
(٤) الحشو في اللغة ما تملأ به الوسادة و نحوها، و في الاصطلاح هو الزائد الذي لا طائل تحته، و سمّي الحشوية حشوية لأنّهم يحشون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث المروية عن الرسول الاكرم (صلّى اللّه عليه و آله)، أي يدخلونها فيها و هي ليست منها. و جميع الحشوية يقولون بالجبر و التشبيه.
المقالات و الفرق: ١٣٦.
(٥) «في إنطاق» ليس في «أ».
(٦) في «م» كتظاهرها.
٤٨ و المعنى فيها أن الله تبارك و تعالى أخذ من كل مكلف يخرج من ظهر (١) آدم و ظهور ذريته العهد عليه بربوبيته من حيث أكمل عقله و دله بآثار الصنعة على حدوثه (٢) و أن له محدثا أحدثه لا يشبهه (٣) يستحق العبادة منه بنعمه عليه (٤) فذلك هو أخذ العهد منهم (٥) و آثار الصنعة فيهم هو إشهاده (٦) لهم على أنفسهم بأن الله تعالى ربهم.
و قوله تعالى قالُوا بَلى يريد به أنهم لم يمتنعوا (٧) من لزوم آثار الصنعة فيهم و دلائل حدوثهم اللازمة لهم و حجة العقل عليهم في إثبات صانعهم (٨) فكأنه سبحانه لما ألزمهم الحجة بعقولهم على حدوثهم و وجود محدثهم قال لهم أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ فلما لم يقدروا على الامتناع من لزوم دلائل الحدوث لهم كانوا كالقائلين (٩) بَلى شَهِدْنا.
و قوله تعالى أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَ كُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَ فَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٠).
____________
(١) في «أ» و «م»: صلب.
(٢) في النسخ: حدثه.
(٣) زاد في «م»: أحد.
(٤) في «أ»: عليك.
(٥) في «أ»: منه.
(٦) في «ب» و «ج» و «د» و «م»: و آثار الصنعة فيهم و الإشهاد.
(٧) في «أ»: يمنعوا، و في «ج»: يتمنعوا.
(٨) في «أ»: صنايعهم.
(٩) في «ب»: كأنّهم قائلون، و في «ب» و «ج» و «د»: كقائلين.
(١٠) الأعراف ٧: ١٧٢- ١٧٣.
٤٩ أ لا ترى أنه احتج عليهم بما لا يقدرون يوم القيامة أن يتأولوا (١) في إنكاره و لا يستطيعون.
و قد قال سبحانه وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ وَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَ كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ (٢) و لم يرد أن المذكور يسجد كسجود البشر في الصلاة (٣) إنما أراد أنه (٤) غير ممتنع من فعل الله فهو كالمطيع لله و هو معبر (٥) عنه بالساجد.
قال الشاعر
بجمع تظل البلق في حجراته* * * ترى الأكم فيها سجدا للحوافر
(٦).
يريد أن الحوافر تذل الأكم بوطئها عليها.
و قال الآخر
سجودا له غسان يرجون فضله* * * و ترك و رهط الأعجمين و كابل
. (٧) يريد أنهم مطيعون له و عبر عن طاعتهم بالسجود.
____________
(١) في «ب» و «ج» و «م»: تناولوا.
(٢) الحجّ ٢٢: ١٨.
(٣) الإخبار بالسجود جاء في صدر الآية ذاتها: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ ....
(٤) في «ب» و «ج» و «د»: به.
(٥) في «م»: يعبّر.
(٦) البيت لزيد الخيل يصف جيشا. و البلق: الخيل إذا كان فيها سواد و بياض. و الحجرات:
جمع حجرة و هي الناحية. و الأكم: واحدتها أكمة و هي التلّ، و سكّنت الكاف لضرورة الشعر.
(٧) البيت للنابغة الذبياني في رثاء النعمان بن الحارث بن أبي شمر الغسّاني، و هو في الديوان:
٩١، و صدره كما في الديوان (قعودا له غسان يرجون أوبه)، و قبله:
بكى حارث الجولان من فقد ربّه* * * و حوران منه موحش متضائل.
٥٠ و قوله تعالى ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١).
و هو سبحانه لم يخاطب السماء بكلام و لا السماء قالت قولا مسموعا و إنما أراد أنه عمد (٢) إلى السماء فخلقها و لم يتعذر عليه صنعها (٣) فكأنه سبحانه لما خلقها قال لها و للأرض (٤) ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً فلما انفعلت (٥) بقدرته كانتا (٦) كالقائل أتينا طائعين.
و مثله قوله تعالى يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٧) و الله تعالى يجل عن خطاب النار و هي مما لا يعقل و لا يتكلم (٨) و إنما عبر (٩) عن سعتها و أنها لا تضيق بمن يحلها (١٠) من المعاقبين.
و ذلك كله على مذهب أهل اللغة و عادتهم في المجاز أ لا ترى إلى قول الشاعر
و قالت له العينان سمعا و طاعة* * * و أسبلتا بالدر لما يثقب
(١١).
و العينان لم تقولا قولا مسموعا و لكنه أراد منهما البكاء فكانتا كما أراد (١٢)
____________
(١) فصّلت ٤١: ١١.
(٢) في «ب» «م»: عهد.
(٣) في «ج» و «د»: صنعتها.
(٤) في «أ»: لمّا خلقهما قال لهما.
(٥) في «ج»: تعلّقت. و في «د» حرّفت الكلمة الى: تعدون.
(٦) في «د»: كأنّها.
(٧) ق ٥٠: ٣٠.
(٨) «و لا يتكلّم» ليس في «أ». و في «م»: لا تعقل و لا تتكلّم.
(٩) في «أ» و «ج» و «د»: الخبر.
(١٠) في «د»: عن محلّها.
(١١) في «م»: و حدّرتا بالدرّ، و في «أ»: لم يتثبت.
(١٢) «و العينان ... كما أراد» ليس في «أ».
٥١ من غير تعذر عليه (١).
و مثله قول عنترة
فازور من وقع القنا بلبانه* * * و شكا إلي بعبرة و تحمحم
(٢).
و الفرس (٣) لا يشتكي قولا لكنه ظهر منه علامة الخوف و الجزع فسمى ذلك قولا (٤).
و منه قول الآخر.
شكا إلي جملي طول السرى
......... (٥) و الجمل لا يتكلم لكنه لما ظهر منه (٦) النصب و الوصب (٧) لطول السرى عبر عن هذه العلامة بالشكوى التي تكون بالنطق (٨) و الكلام.
و منه قوله أيضا (٩)
امتلأ الحوض و قال قطني* * * حسبك مني قد ملأت بطني
(١٠).
____________
(١) في «أ» و «م»: و ذلك لم يتعذّر عليه.
(٢) البيت من معلّقة عنترة يصف فيه فرسه. و ازورّ: أي مال. و اللبان: وسط الصدر. و بعده:
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى* * * و لكان لو علم الكلام مكلّمي
ديوان عنترة: ٣٠.
(٣) من هنا إلى نهاية جواب المسألة الرابعة سقط من «أ».
(٤) في «م»: ذلك، بدلا من جملة (فسمّى ذلك قولا).
(٥) تتمّته: صبرا جميلي فكلانا مبتلى. لسان العرب: مادّة (شكا).
و السّرى: سير عامّة الليل.
(٦) «منه» ليس في «م».
(٧) النّصب: التعب، و الوصب: الوجع و المرض.
(٨) في «ب»: و «م»: كالنطق.
(٩) «أيضا» ليس في «م»، و زاد في «ب»: شعرا.
(١٠) قطني: أي حسبي، و أصلها قطي، ثمّ ادخلت النون ليسلم السكون الذي بني عليه-
٥٢ و الحوض لم يقل (١) قطني لكنه لما امتلأ بالماء عبر عنه (٢) بأنه قال حسبي.
و لذلك أمثال كثيرة في منثور كلام العرب و منظومه (٣) و هو من الشواهد على ما ذكرناه في تأويل الآية و الله تعالى نسأل التوفيق (٤)
فصل في خلق الأرواح و الأجساد و أما الخبر بأن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام فهو من أخبار الآحاد و قد روته العامة كما روته الخاصة (٥) و ليس هو مع ذلك (٦) بما يقطع على الله سبحانه بصحته و إنما نقله رواته (٧) لحسن الظن به.
____________
- الاسم (قط)، و المصراع الثاني ليس في «م». و (حسبك منّي) هي في لسان العرب: سلّا رويدا، و في غيره: مهلا رويدا. انظر الصحاح و لسان العرب: مادّة (قطط) و تفسير التبيان و تفسير القرطبيّ عند الآية (١١) من سورة فصّلت.
(١) في «م»: لا يقول.
(٢) في «م»: لكنّه امتلأ بالماء فعبّر عنه.
(٣) في «م»: في منظوم كلام العرب و منثوره.
(٤) في «م»: و نسأل اللّه تعالى التوفيق.
(٥) معاني الأخبار: ١٠٨ ح/ ١ و في إسناده محمّد بن سنان و قد تقدّم القول في تضعيفه في جواب المسألة الثانية، و أخرجه أيضا: ابن الجوزي في الموضوعات ١: ٤٠١، و السيوطي في اللآلي المصنوعة ١: ١٩٩، و الشوكاني في الفوائد المجموعة: ٣٨٢/ ٩٤.
(٦) «هو مع ذلك» ليس في «م».
(٧) «رواته» ليس في «م».
٥٣ و إن ثبت القول فالمعنى فيه أن الله تعالى قدر الأرواح في علمه قبل اختراع الأجساد و اخترع الأجساد ثم اخترع لها الأرواح فالخلق للأرواح قبل الأجساد خلق تقدير في العلم (١) كما قدمناه و ليس بخلق لذواتها كما وصفناه.
و الخلق لها بالأحداث (٢) و الاختراع (٣) بعد خلق الأجساد (٤) و الصور التي تدبرها الأرواح و لو لا أن ذلك كذلك لكانت الأرواح (٥) تقوم بأنفسها و لا تحتاج إلى آلات تحملها و لكنا نعرف ما سلف لنا من الأحوال قبل خلق (٦) الأجساد كما نعلم أحوالنا بعد خلق الأجساد و هذا محال لا خفاء بفساده.
الأرواح جنود مجندة
و أماالحديث
بأن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف
(٧) فالمعنى فيه أن الأرواح التي هي الجواهر البسائط تتناصر (٨) بالجنس و تتخاذل (٩) بالعوارض فما تعارف منها باتفاق الرأي
____________
(١) في «د»: في العلّة.
(٢) في «د»: و الإحداث.
(٣) زاد في «د»: فيه.
(٤) في «ج» و «م»: الأجسام.
(٥) «و لو لا أنّ ... الأرواح» ليس في «د».
(٦) «خلق» ليس في «م».
(٧) تقدّم تخريجه في أوّل هذه المسألة.
(٨) في «ج» و «م»: تتناظر.
(٩) في «ج»: و تتمنا ذلك.
٥٤ و الهوى ائتلف و ما تناكر منها بمباينة في الرأي و الهوى اختلف و هذا موجود حسا (١) و مشاهدة (٢).
و ليس المراد بذلك أن ما تعارف منها في الذر ائتلف كما يذهب إليه الحشوية و كما بيناه من أنه لا علم للإنسان بحال كان عليها قبل ظهوره في هذا العالم و لو ذكر بكل (٣) شيء ما ذكر ذلك.
فوضح بما ذكرناه أن المراد بالخبر ما شرحناه و الله الموفق للصواب (٤)
____________
(١) في «ب» و «د»: حيا.
(٢) في «ب» و «ج» و «د»: و مشاهد.
(٣) في «ب» و «د»: لكلّ، و في «ج» في كلّ.
(٤) و للشيخ المفيد (قدّس سرّه) كلام مفصّل في هذه المسألة الأخيرة مطابق لبيانه هذا، ذكره في شرحه لعقائد الصدوق، المسمّى: (تصحيح الاعتقاد)، انظر ص ٦٣- ٧٣ منه.
٥٥ المسألة الثالثة ماهية الروح ما قوله أدام الله تعالى علوه في الأرواح و ماهيتها و حقيقة كيفيتها و ما لها عند مفارقتها الأجساد و هل حياة (١) النمو و قبول الغذاء و الحياة التي هي في (٢) الذوات الفعالة هل هي معنى أم لا.
الجواب إن الأرواح عندنا هي أعراض لا بقاء لها و إنما عبد الله تعالى منها الحي حالا بحال فإذا قطع امتداد المحيا بها جاء الموت الذي هو ضد الحياة (٣) و لم يكن للأرواح وجود فإذا أحيا الله تعالى الأموات (٤) ابتدأت (٥) فيهم الحياة التي هي الروح.
و الحياة التي في الذوات الفعالة هي معنى تصحيح العلم و القدرة
____________
(١) في النسخ: و هي حياة.
(٢) (في) ليس في «م».
(٣) في «ج» و «م»: الذي هو ضدّه.
(٤) «الأموات» ليس في «م».
(٥) في «ب» و «ج» و «د»: ابتدأ.
٥٦ و هي شرط في كون العالم عالما و القادر قادرا و ليست من نوع الحياة التي تكون في الأجساد (١)
____________
(١) «في الأجساد» وقعت بعد (المسألة الرابعة) في «ب» و «ج» و «د».
٥٧ المسألة الرابعة ماهية الإنسان ما قوله حرس الله تعالى عزه في الإنسان أ هو (١) هذا الشخص المرئي المدرك على ما يذكره (٢) أصحاب أبي هاشم (٣).
أم جزء حال في القلب حساس دراك كما يحكى عن أبي بكر بن الإخشيد (٤).
____________
(١) في «ب» و «د»: و هو.
(٢) في «م»: ذكرناه.
(٣) هو عبد السلام بن محمّد بن عبد الوهاب، أبو هاشم بن أبي عليّ البصري الجبّائي، و هو و أبوه من رؤساء المعتزلة، له آراء تفرّد بها، و تبعته فرقة من المعتزلة فسمّيت البهشمية نسبة إليه، توفّي سنة ٣٢١ ه.
الفهرست للنديم: ٢٤٧، تاريخ بغداد ١١: ٥٦، الملل و النحل ١: ٧٣، الوافي بالوفيات ١٨: ٤٣٤.
(٤) في «ب» و «ج»: الاحشار، و في «د»: الاخشار، و في «م»: الإخشاد. و هو: أحمد بن عليّ ابن بيغجور، أبو بكر بن الإخشيد، و رسمه هكذا بالياء و الدال المهملة كلّ من: النديم في الفهرست، و النجاشيّ في الرجال، و الذهبي في الأعلام، و قال ابن حجر: هو ابن الاخشاذ- بالمعجمة- و يقال له ابن الأخشيد، و كأنّ الشين ممالة، و هو من رؤساء المعتزلة و زهّادهم، و ضبطه الخطيب بالألف و الذال المعجمة، و جعله الصفدي: الاخشياد، بياء قبل الألف ثمّ الذال المعجمة توفّي سنة ٣٢٦ ه و له ستّ و خمسون سنة.
الفهرست للنديم: ٢٤٥، الرجال النجاشيّ: ٤٠٢، سير أعلام النبلاء ١٥: ٢١٧،-
٥٨ الجواب إن الإنسان هو ما ذكره بنو نوبخت (١) و قد حكي عن هشام بن الحكم (٢) أيضا و الأخبار عن موالينا (ع) تدل على ما نذهب (٣) إليه و هو شيء (٤) قائم بنفسه لا حجم له و لا حيز لا يصح عليه التركيب و لا الحركة و لا السكون و لا الاجتماع و الافتراق و هو الشيء الذي كانت تسميه
____________
- لسان الميزان ١: ٢٣١، تاريخ بغداد ٤: ٣٠٩، الوافي بالوفيات ٧: ٢١٦.
(١) هذه النسبة إلى نوبخت، و هو أحد أجداد هذا البيت، و هم من الشيعة الإماميّة، كان لبعض متكلّميهم آراء خاصّة في بعض شعب الكلام و الفقه و الحديث، و منهم: أبو سهل إسماعيل بن عليّ النوبختي، شيخ المتكلّمين ببغداد، له احتجاج على الحلّاج، و له كتب كثيرة، و قد أدرك الإمام الحسن العسكريّ في وفاته و رأى الإمام صاحب الزمان (عج)، و قد سئل: كيف صارت السفارة لأبي القاسم الحسين بن روح دونك؟ فقال: هم أعلم و ما اختاروه، و لكن انا رجل ألقي الخصوم و أناظرهم، توفّي سنة ٤٠٢ ه. و منهم ابن أخته أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختي صاحب كتاب فرق الشيعة.
الأنساب للسمعاني ٥: ٥٢٩، رجال النجاشيّ: ٦٣ ت/ ١٤٨، الكنى و الألقاب ١:
٩٣، ١٥٤.
(٢) هو أبو محمّد هشام بن الحكم الكوفيّ الشيباني، حدّث عن الإمامين الصادق و الكاظم (عليهما السلام)، و كان عالي المنزلة عندهما رويت له عنهما (عليهما السلام) مدائح كثيرة، برع في الكلام، ففتق الكلام و كان فيه حاذقا حاضر الجواب، له مناظرات عديدة نقل الكشّي بعضها في رجاله، و له كتب كثيرة، توفّي سنة ١٩٩ ه على الأظهر.
رجال النجاشيّ: ٤٣٣ ت/ ١١٦٤، رجال الكشّيّ: ٢٥٥ ت/ ٤٧٥، الفهرست للنديم: ٢٤٩، رجال العلّامة الحلّي: ١٧٨.
(٣) في «ب» و «د»: أذهب.
(٤) «شيء» ليس في «م».
٥٩ الحكماء الأوائل الجوهر البسيط (١).
و كذلك كل حي فعال محدث فهو جوهر بسيط.
و ليس كما قال الجبائي و ابنه (٢) و أصحابهما أنه جملة مؤلفة.
و لا كما قال ابن الإخشيد أنه جسم متخلخل (٣) في الجملة الظاهرة.
و لا كما قال الأعوازي (٤) أنه جزء لا يتجزأ.
و قولي فيه قول معمر (٥) من المعتزلة و بني نوبخت من الشيعة على ما قدمت ذكره
____________
(١) الإنسان هنا هو المفهوم العقلي الكلّي الذي ينطبق على كل واحد من أفراده، و هذا الإطلاق مشهور بين الخواص.
و الجوهر يطلق على الذات الموجودة لا في موضوع، أي أنّه لا يحتاج في وجوده إلى شيء يوجد به أو فيه. و الجوهر من حيث وجوده الطبيعي يقسم إلى قسمين: بسيط، و مركّب.
و له تقسيمات اخرى من وجوه اخرى.
انظر: تجريد الاعتقاد: ١٤٣، دستور العلماء ١: ١٩٨، ٤١٨، المقابسات: ٢٥٩.
(٢) الجبّائي: هو أبو عليّ محمّد بن عبد الوهاب البصري الجبّائي، أحد أئمّة المعتزلة و متكلّميهم، تفرّد بآراء فتبعه جماعة فسمّوا الجبّائية، ولد سنة ٢٣٥ و توفّي سنة ٣٠٣ ه.
وفيات الأعيان ٤: ٢٦٧، الوافي بالوفيات ٤: ٧٤. و ابنه: أبو هاشم الجبائي، تقدمت ترجمته في هذه المسألة.
(٣) في «م»: متخلّل.
(٤) في «ب»: الاعرازي، و في «ج» و «م»: الاعواذي، و لم أجده، و الظاهر لي أنّها محرفة من الأسواري، و هو من متكلّمي المعتزلة، و من شيوخهم، و قد وافق النّظام في معظم أقواله.
انظر: الملل و النحل ١: ٦٠، الفصل لابن حزم ٢: ١٨٣ و ما بعدها.
(٥) هو معمر بن عبّاد- و قيل عمرو- السلمي، أبو المعتمر المعتزلي البصري، سكن بغداد، و ناظر النّظام، و له آراء انفرد بها عنهم، و تنسب إليه طائفة تعرف بالمعمرية. توفّي سنة ٢١٥ هجري.
الملل و النحل: ٦٥، سير أعلام النبلاء ١٠: ٥٤٦.
٦٠ و هو شيء يحتمل العلم و القدرة و الحياة و الإرادة و الكراهة و البغض و الحب قائم بنفسه محتاج في أفعاله إلى الآلة التي هي الجسد.
و الوصف له (١) بأنه حي يصح (٢) عليه القول بأنه عالم قادر.
و ليس الوصف له بالحياة كالوصف للأجساد بالحياة حسب ما قدمناه.
و قد يعبر عنه بالروح.
و على هذا المعنى جاءت الأخبار أن الروح إذا فارقت الجسد نعمت و عذبت (٣).
و المراد أن الإنسان الذي هو الجوهر البسيط يسمى الروح و عليه الثواب و العقاب و إليه توجه الأمر و النهي و الوعد و الوعيد.
و قد دل القرآن على ذلك بقوله يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٤) فأخبر تعالى أنه غير الصورة و أنه مركب فيها.
و لو كان الإنسان هو الصورة لم يكن لقوله تعالى فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ معنى لأن المركب في الشيء غير الشيء المركب فيه (٥).
و لا مجال أن تكون الصورة مركبة في نفسها و عينها لما ذكرناه.
____________
(١) «له» ليس في «ج» و «م».
(٢) في «م»: يصلح.
(٣) الكافي ٣- باب ٩١-: ٢٤٤ ح/ ٣، ٤ و باب ٩٢: ٢٤٥ ح/ ١، ٢، من لا يحضره الفقيه ١: ١٢٢ ح/ ٣٥، مسند أحمد ٢: ٣٦٤، ٦: ١٤٠، سنن ابن ماجة- كتاب الزهد- ٢: ١٤٢٣ ح/ ٤٢٦٢، سنن النسائي ٤: ١٠١.
(٤) الانفطار ٨٢: ٦- ٨.
(٥) «فيه» ليس في «د».
٦١ و قد قال سبحانه في مؤمن آل يس قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي (١) فأخبر أنه حي ناطق منعم و إن كان جسمه على ظهر الأرض أو في بطنها.
و قال تعالى وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ (٢) فأخبر أنهم أحياء و إن كانت (٣) أجسادهم على وجه الأرض أمواتا لا حياة فيها
و روي عن الصادقين (ع) أنهم قالوا
إذا فارقت أرواح المؤمنين أجسادهم أسكنها
(٤) الله تعالى في أجسادهم التي فارقوها فينعمهم في جنته
(٥) . و أنكروا ما ادعته العامة من أنها تسكن في حواصل الطيور الخضر و
قالوا
المؤمن أكرم على الله من ذلك
(٦) . و لنا على المذهب الذي وصفناه أدلة عقلية لا يطعن المخالف فيها و نظائرها لما ذكرناه من الأدلة السمعية.
و بالله أستعين
____________
(١) يس ٣٦: ٢٦- ٢٧.
(٢) آل عمران ٣: ١٦٩- ١٧٠.
(٣) «كانت» ليس في «د» و «م».
(٤) في «ب» و «د»: أسكنه.
(٥) الكافي ٣- باب ٩١-: ٢٤٥ ح/ ٦.
(٦) الكافي ٣: ٢٤٤ ح/ ١، ٦، ٧.
٦٢ المسألة الخامسة عذاب القبر ما قوله أدام الله تأييده (١) في عذاب القبر و كيفيته.
و متى يكون.
و هل ترد الأرواح إلى الأجساد عند التعذيب أم لا.
و هل يكون العذاب في القبر أو يكون بين النفختين (٢).
الجواب عن هذا السؤال قد تقدم في المسألة التي سبقت هذه المسألة (٣).
و الكلام في عذاب القبر طريقه (٤) السمع دون العقل.
و قد
ورد (٥) عن أئمة الهدى (ع) أنهم قالوا (٦)
ليس يعذب
____________
(١) في «أ» و «م»: مدّته.
(٢) «النفختين» سقطت من «د».
(٣) في «ب» و «ج» و «د»: التي سبقها هذه المسألة. و الجملة ليست في «أ» و «م».
(٤) في «م»: بطريق.
(٥) في «أ» و «م»: روي.
(٦) في «أ» و «م»: أنّه.
٦٣ في القبر كل ميت و إنما يعذب من جملتهم من محض الكفر و لا ينعم كل ماض لسبيله و إنما ينعم
(١) منهم من محض الإيمان محضا فأما سوى هذين الصنفين فإنه
(٢) يلهى عنهم
(٣) . و كذلك
روي
أنه لا يسأل في قبره إلا هذان الصنفان خاصة
(٤) . فعلى ما جاء به الأثر من ذلك يكون الحكم (٥) ما ذكرناه.
و أما كيفية عذاب الكافر في قبره (٦) و نعيم المؤمن فيه
فإن الأثر (٧) أيضا قد ورد
بأن الله تعالى يجعل روح المؤمن في قالب مثل قالبه في الدنيا في جنة من جنانه
(٨) ينعمه فيها إلى يوم الساعة فإذا نفخ في الصور أنشأ جسده الذي بلي في التراب
(٩) و تمزق ثم أعاده إليه و حشره إلى الموقف و أمر به إلى جنة الخلد فلا يزال
(١٠) منعما ببقاء الله عز و جل-
. غير أن جسده الذي يعاد فيه لا يكون على تركيبه في الدنيا بل يعدل طباعه و يحسن صورته فلا يهرم (١١) مع تعديل الطباع و لا يمسه نصب في
____________
(١) في «م»: يتنعّم. في الموضعين.
(٢) «الصنفين فإنّه» ليس في «م».
(٣) الكافي ٣- باب ٨٨-: ٢٣٥ ح/ ١- ٣، ٢٣٧ ح/ ٨.
(٤) الكافي ٣- باب ٨٨-: ١٣٦ ح/ ٤.
(٥) «من ذلك يكون الحكم» ليس في «م»، و في «ب» و «د» محلّها بياض.
(٦) في «م»: الكفّار في قبورهم.
(٧) في «أ» و «ج» و «م»: الخبر.
(٨) «في جنّة من جنانه» ليس في «ب» و «د».
(٩) «الذي بلى في التراب» محلّها بياض في «ب» و «د».
(١٠) «فلا يزال» محلّها بياض في «ب» و «د».
(١١) في «م»: و لا يبدّل.
٦٤ الجنة و لا لغوب (١).
و الكافر يجعل في قالب كقالبه في الدنيا في محل عذاب يعاقب به و نار يعذب بها حتى الساعة ثم ينشأ جسده الذي فارقه في القبر و يعاد إليه ثم يعذب (٢) به في الآخرة عذاب الأبد و يركب أيضا جسده تركيبا لا يفنى معه (٣).
و قد قال الله عز و جل النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (٤).
و قال في قصة (٥) الشهداء وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (٦) و هذا قد مضى فيما تقدم (٧).
فدل على أن العذاب و الثواب (٨) يكون قبل (٩) القيامة و بعدها و الخبر وارد بأنه يكون مع فراق الروح الجسد (١٠) في الدنيا (١١).
____________
(١) اللغوب: التعب و الإعياء.
(٢) في «م»: الذي فارقه في القبر فيعذبه به.
(٣) انظر: الكافي ٣: ٢٤٥ ح/ ٦، ٢٥١ ح/ ٧.
(٤) غافر ٤٠: ٤٦.
(٥) في «د»: قضية.
(٦) آل عمران ٣: ١٦٩.
(٧) تقدّم في جواب المسألة الرابعة، و قوله: «فيما تقدّم» ليس في «م».
(٨) في «أ» و «م»: الثواب و العذاب.
(٩) زاد في «أ» و «م»: يوم.
(١٠) في «أ» و «م»: و الجسد.
(١١) الكافي ٣- باب ٨٨-: ٢٣٥ ح/ ١- ١٨، سنن النسائي- كتاب الجنائز- ٤: ٩٧- ١٠٨.
٦٥ و الروح هاهنا عبارة عن انفعال الجوهر البسيط و ليس بعبارة عن الحياة التي يصح معها العلم و القدرة لأن هذه الحياة عرض لا يبقى و لا يصح عليه الإعادة.
فهذا ما عول عليه أهل (١) النقل و جاء به الخبر على ما بيناه
____________
(١) (أهل) ليس في «أ» و «ب» و «ج» و «د».
٦٦ المسألة السادسة حياة الشهداء ما قوله أدام الله تعالى تمكينه في قول الله تعالى وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١) أ هم أحياء في الحقيقة على ما تقتضيه الآية الشريفة أم الآية مجاز.
و هل (٢) أجسادهم الآن في قبورهم أم في الجنة.
فإن المعتزلة من أصحاب أبي هاشم يقولون إن الله تعالى ينزع من (٣) جسد كل واحد منهم أجزاء قدر ما تتعلق به (٤) الروح و أنه تعالى يرزقهم على ما (٥) نطقت به الآية و ما سوى هذا من أجزاء أبدانهم فهي في قبورهم كأجساد سائر الموتى (٦).
____________
(١) آل عمران ٣: ١٦٩.
(٢) في «ب» و «ج» و «د»: و أنّ.
(٣) (إن اللّه تعالى ينزع من) ليس في «ب»، و في «د» محلّها بياض، و في «أ» و «م»: إن اللّه تعالى يدع في.
(٤) في «أ»: بها.
(٥) (على ما) ليس في «ب»، و في «د» محلّها بياض.
(٦) «سائر الموتى» وقعت بعد كلمة (الجواب) في «ب» و «ج» و «د».
٦٧ الجواب هو ما قدمنا ذكره (١) في المسألة السابقة (٢) و قد ثبت (٣) ما فيه ببيان يستغني بوضوحه عن تكراره و إعادته.
فأما هذا المحكي عن أصحاب (٤) أبي هاشم فلأن المحفوظ عنه أن الإنسان المخاطب المأمور المنهي هو البنية (٥) التي لا تصح الحياة إلا بها و ما سوى ذلك من الجسد فليس بإنسان و لا يتوجه (٦) إليه أمر و لا نهي (٧) و لا تكليف (٨).
و إن كان القوم يزعمون أن تلك البنية لا تفارق ما جاورها من الجسد فيعذب أو ينعم فهو مقال يستمر على أصلهم إذا كانت البنية التي ذكروها هو المكلف المأمور المنهي و باقي جسده في القبر.
إلا أنهم لم يذكروا كيف يعذب من يعذب (٩) و يثاب من يثاب (١٠) أ في
____________
(١) «م»: ما قدّمناه.
(٢) في «أ»: التي سبقت هذه المسألة. و في «ب» و «ج» و «د»: التي سبقتها لهذه المسألة.
(٣) «و قد ثبت» ليس في «ب» و «ج» و في «د» محلّها بياض.
(٤) في «م»: عن أبي هاشم، و في «ب» و «د»: بياض بقدر كلمتين.
(٥) في «أ» و «د» و «م»: البيّنة.
(٦) في «أ» و «م»: يوجّه.
(٧) في «أ» و «م»: الأمر و النهي.
(٨) في «م»: يتكلّف.
(٩) في «ب» و «ج» و «د»: عذب.
(١٠) في «د»: و إثبات من اثبت، و في «ب» و «ج»: و يثاب من اثيب.
٦٨ دار غير الدنيا (١) أم فيها.
و هل يحيا بعد الموت أو يفارق الجملة (٢) في الدنيا فلا (٣) يلحقه موت.
ثم لم يحك (٤) عنهم في أي محل يعذبون و يثابون.
و ما (٥) قالوه من ذلك فليس به أثر و لا يدل عليه العقل و إنما هو مخرج (٦) منهم على الظن و الحسبان (٧) و من بنى مذهبه على الظن (٨) في مثل هذا الباب كان بمقالته مضطربا (٩).
ثم إنه يفسد (١٠) قولهم من بعد ما دل على أن الإنسان المأمور المنهي هو الجوهر البسيط و أن الأجزاء المؤلفة لا يصح أن تكون فعالة.
و دلائل ذلك يطول بإثباتها (١١) الكتاب (١٢) و فيما أومأنا إليه منها كفاية فيما يتعلق به السؤال.
و بالله التوفيق
____________
(١) في «ج» و «م» أ في غير دار الدنيا.
(٢) في «د»: في الجملة.
(٣) «فلا» ليس في «م».
(٤) في «أ»: يجد. و من هنا سقط في «ب» و حتّى بعض جواب المسألة الثامنة.
(٥) في «ج» و «د»: و فيما.
(٦) في «أ»: يخرج. و في «د» و «م»: تخرّج.
(٧) في «أ»: النظر و الحساب، و الحسبان- بكسر الحاء-: الظنّ، و هو بالضمّ: التقدير الدقيق، و الأوّل أنسب في المقام.
(٨) في «أ» و «م»: النظر.
(٩) في «أ» و «م»: كان مقاله مضطربا، و في «ج» مظهر، و في «د»: بمقالته مضطرا.
(١٠) في «د»: الذي يفسد، و في «م» إنّه يفيد.
(١١) في «أ» و «م»: و دليل ذلك يطول بإثباته.
(١٢) «ثمّ إنّه يفسد ... الكتاب» ليس في «ج».
٦٩ المسألة السابعة حكم من قال بالجبر و جوز الرؤية ما قوله حرس الله تعالى ظله (١) في أصحاب الإجبار (٢) من الإمامية ممن يعتقد الجبر و يثبت إرادة الله تعالى للمعاصي و الكفر و يجوز الرؤية على الله تعالى.
و هل يبلغ (٣) هذا القول منهم الكفر أم لا.
و هل يجوز صرف الزكوات إلى ضعفائهم أم لا.
الجواب أن المجبرة كفار (٤) لا يعرفون الله عز و جل.
و من لا يعرف الله تعالى فهو خارج من (٥) الإيمان لاحق بأهل الكفر و الطغيان لا ينفعه عمل يرجو به القربة (٦) إلى الله عز و جل و لا تصح منهم
____________
(١) في «أ» و «م»: أدام اللّه علوّه.
(٢) في «أ»: الأخبار.
(٣) في «م»: هل مبلغ.
(٤) «كفّار» ليس في «أ».
(٥) في «د»: عن.
(٦) في «د»: يرجونه.
٧٠ معرفة الأنبياء و الأئمة ع.
و من تعلق منهم (١) بمذهب أهل الحق فهو منتحل له عن طريق الهوى و الإلف و المنشأ و العصبية (٢) دون المعرفة به (٣) و العلم بحقيقته.
و من كان كذلك لا يحل صرف الزكاة إليه و من صرفها إليه فقد وضعها في غير موضعها و هي في ذمته حتى يؤديها إلى مستحقها من أهل المعرفة و الولاية (٤).
و بالله التوفيق
____________
(١) في «ج» و «د»: و إن تعلّق بمذهب ...
(٢) «المنشأ» ليس في «أ»، و في «م»: من طريق الهوى و المعصية.
(٣) «به» ليس في «م».
(٤) في «ب» و «ج» و «م»: و الولاء.
٧١ المسألة الثامنة (١) الاختلاف في ظواهر الروايات ما قوله أدام الله تعالى نعماءه فيمن تندس (٢) طرفا من العلم و رفعت (٣) إليه الكتب المصنفة في الفقه عن الأئمة الهادية (٤) (ع) فيها اختلاف ظاهر في المسائل الفقهية كما وقع الاختلاف بين ما أثبته الشيخ أبو جعفر بن بابويه (رحمه الله) (٥) في كتبه من الأخبار المسندة عن الأئمة (ع) و بين ما أثبته الشيخ أبو علي بن الجنيد (رحمه الله) (٦) في كتبه من المسائل الفقهية المجردة عن الأسانيد.
____________
(١) من هنا سقط من «أ».
(٢) في «ب» و «ج» و «د»: سدد، و في «م»: سدله. و هما محرّفتان، و تندّس الخبر: تحرّى عنه.
(٣) في «د» و «م»: و وقعت.
(٤) في «م»: الهادين.
(٥) هو محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيّ، شيخ الحفظة و رئيس المحدّثين، المعروف بالصدوق، له نحو من ثلاثمائة مصنّف، و هو استاذ الشيخ المفيد (رضوان اللّه عليهما)، ورد بغداد سنة ٣٥٥ ه، و سمع منه شيوخ الطائفة و هو حدث السنّ، توفّي بالريّ سنة ٣٨١ ه، و قبره فيها مزار معروف قرب ضريح السيّد عبد العظيم الحسني.
رجال النجاشيّ: ٣٨٩ ت/ ١٠٤٩، تاريخ بغداد ٣: ٨٩، الكنى و الألقاب ١: ٢٢١.
(٦) في «م» عليّ بن الجنيد، و هو محمّد بن أحمد بن الجنيد، أبو علي الكاتب الإسكافيّ، من أكابر علماء الإماميّة، و أدقّهم نظرا، متكلّم فقيه محدّث أديب، روى عنه الشيخ المفيد-
٧٢ هل يجوز أن يجتهد (١) رأيه و يعول (٢) على ما هو الحق عنده و الأصوب لديه أم يعتمد على المسندات دون المراسيل.
الجواب أنه لا يجوز لأحد من الخلق أن يحكم على الحق فيما وقع فيه الاختلاف من معنى كتاب أو سنة أو مدلول دليل عقلي (٣) إلا بعد إحاطة العلم بذلك و التمكن من النظر المؤدي إلى المعرفة.
فمتى كان مقصرا عن علم طريق ذلك فليرجع إلى من يعلمه و لا يقول برأيه و ظنه فإن عول على ذلك فأصاب الاتفاق لم يكن مأجورا و إن أخطأ الحق فيه كان مأزورا.
و الذي رواه أبو جعفر (رحمه الله) فليس يجب العمل بجميعه إذا لم يكن ثابتا من الطرق التي تعلق بها قول الأئمة (ع) (٤) إذ هي أخبار آحاد لا توجب علما و لا عملا (٥) و روايتها عمن يجوز عليه السهو و الغلط.
____________
- و غيره، و قد حكي عنه القول بالقياس، و توفّي سنة ٣٨١ ه.
رجال النجاشيّ: ٣٨٥ ت/ ١٠٤٧، رجال العلامة الحلّي: ١٤٥ ت/ ٣٥، الكنى و الألقاب ٢: ٢٦.
(١) في «د» يجهد، و في «م»: يحمد.
(٢) في «م»: و يقول.
(٣) زاد في «م»: لا يعمل به.
(٤) إلى هنا سقط من «ب».
(٥) في «ب» و «ج» و «د»: عملا و علما.
٧٣ و إنما روى أبو جعفر (رحمه الله) ما سمع و نقل ما حفظ و لم يضمن العهدة في ذلك.
و أصحاب الحديث ينقلون الغث و السمين و لا يقتصرون في النقل على المعلوم (١) و ليسوا بأصحاب نظر و تفتيش و لا فكر فيما يروونه و تمييز فأخبارهم مختلطة (٢) لا يتميز منها الصحيح من السقيم إلا بنظر في الأصول و اعتماد على النظر الذي يوصل إلى العلم بصحة المنقول.
فأما كتب أبي علي بن الجنيد فقد حشاها بأحكام عمل فيها على الظن و استعمل فيها مذهب المخالفين في القياس (٣) الرذل (٤) فخلط بين المنقول عن الأئمة (ع) و بين ما قاله برأيه و لم يفرد أحد الصنفين من الآخر.
و لو أفرد المنقول من الرأي لم يكن فيه حجة لأنه لم يعتمد في النقل المتواتر من الأخبار و إنما عول على الآحاد.
و إن كان (٥) في جملة (٦) ما نقل غيره من أصحاب الحديث ما هو معلوم و إن لم يتميز لهم (٧) ذلك لعدولهم عن طريق النظر فيه و تعويلهم على النقل خاصة و السماع من الرجال و التقليد دون النظر و الاعتبار.
____________
(١) في «م»: العلوم.
(٢) في «م»: مختلفة.
(٣) في «م»: و القياس.
(٤) الرذل: الرديء.
(٥) في «م»: و اما كانت.
(٦) في «ب» و «ج»: حمله.
(٧) في «م»: له.
٧٤ فهذا ما عندي في الذي تضمنته (١) الكتب للشيخين المذكورين في الحلال و الحرام من الأحكام (٢)
فصل الموقف من الروايات المختلفة الظواهر و للشيعة أخبار في شرائع مجمع عليها بين عصابة الحق و أخبار (٣) مختلف فيها فينبغي (٤) للعاقل المتدبر أن يأخذ بالمجمع عليه (٥) كما أمر بذلك الإمام الصادق (ع) و يقف في المختلف فيه ما لم يعلم حجة في أحد الشيئين منه و يرده إلى من هو أعلم منه و لا يقنع منه بالقياس فيه دون البيان على ذلك و البرهان فإنه يسلم بذلك من الخطإ في الدين و الضلال إن شاء الله.
و قد أجبت (٦) عن كثير من الأخبار المختلفة في مسائل ورد (٧) علي بعضها من نيسابور و بعضها من الموصل و بعضها من فارس و بعضها من
____________
(١) في «ب» و «ج» و «د»: تضمّنه.
(٢) في «ب» و «ج»: و الفساد و الأحكام، و في «د»: و النساء و الأحكام.
(٣) «و أخبار» ليس في «م».
(٤) «فينبغي» ليس في «م».
(٥) في «م»: عليها.
(٦) في «ب» و «د»: أجيب.
(٧) في «م»: ورد.
٧٥ ناحية تعرف بمازندران (١) تضمنت مسائل القوم المذكورين أخبارا تختلف (٢) ظواهرها في أنواع شتى من الأحكام.
و أودعت في كتاب التمهيد أجوبة عن مسائل مختلفة جاءت فيها الأخبار عن الصادقين (ع) و و بينت (٣) ما يجب العمل عليه من ذلك بدلائل لا يطعن فيها و جمعت بين (٤) معان كثيرة من أقاويل الأئمة (ع) يظن كثير من الناس أن معانيها تتضاد و كذا بينت اتفاقها في المعنى و أزلت شبهات المستضعفين في اختلافها.
و ذكرت مثل ذلك في كتاب مصابيح النور في علامات أوائل الشهور و شرعت (٥) طرقا يوصل بها إلى معرفة الحق فيما وقع فيه الاختلاف بين أصحابنا من جهة الأخبار.
و أجبت (٦) عن المسائل التي كان ابن الجنيد جمعها و كتبها إلى أهل مصر و لقبها بالمسائل المصرية و جعل الأخبار (٧) فيها أبوابا و ظن أنها مختلفة في معانيها و نسب ذلك إلى قول الأئمة (ع) فيها بالرأي.
____________
(١) هي مقاطعة كبيرة في بلاد إيران، تعرف قديما بطبرستان، تقع على الساحل الجنوبي لبحر قزوين، فيها عدّة مدن كبيرة منها: آمل، و بابل، و گرگان.
(٢) في «م»: و كلّ ذلك تتضمّن مسائل مختلفة جاءت فيها الأخبار عن الصادقين (عليهما السلام)، و للقوم أخبار تختلف.
(٣) في «ج»: و أثبتّ، و في «م»: و أفتيت.
(٤) «بين» ليس في «م».
(٥) شرع: أظهر و بيّن.
(٦) في «ب» و «د»: و أجيب.
(٧) في «م»: للأخبار.
٧٦ و أبطلت ما ظنه في ذلك و تخيله و جمعت بين جميع معانيها حتى لم يحصل فيها اختلاف فمن ظفر بهذه الأجوبة و تأملها بإنصاف (١) و فكر فيها فكرا شافيا سهل عليه معرفة الحق في جميع ما يظن أنه مختلف و تيقن ذلك مما يختص بالأخبار المروية عن أئمتنا (ع) (٢)
فصل أصناف أحاديث الأئمة و في الجملة إن أقوال الأئمة (ع) كانت تخرج على ظاهر يوافق باطنه الأمن من العواقب في ذلك.
و يخرج منها ما ظاهره خلاف (٣) باطنه للتقية و الاضطرار.
و منها: ما ظاهره الإيجاب و الإلزام و هو في نفسه ندب و نفل و استحباب.
و منها: ما ظاهره نفل و ندب و هو على (٤) الوجوب.
و منها: عام يراد به الخصوص و خاص يراد به العموم و ظاهر (٥)
____________
(١) في «م»: و بإنصاف قرأها.
(٢) إلى هنا سقط من «أ».
(٣) في «أ»: بخلاف.
(٤) في «أ»: على مثل الوجوب.
(٥) في «ب»: و ظاهره.
٧٧ مستعار في غير ما وضع له حقيقة الكلام و تعريض في القول للاستصلاح و المداراة و حقن الدماء.
و ليس ذلك بعجيب منهم و لا ببدع (١) و القرآن الذي هو كلام الله عز و جل و فيه الشفاء و البيان قد اختلفت ظواهره و تباين الناس في اعتقاد (٢) معانيه و كذلك السنة الثابتة عن النبي ص فالعلماء على اختلاف في معنى كلامه (ع) فيها (٣) و مع ذلك كله فالناس ممتحنون في الأخبار و سماعها فساه في النقل و متعمد (٤) فيه الزيادة (٥) و النقصان و مبدع في (٦) الشريعة متصنع لحسن (٧) الظاهر يقصد به إضلال العباد (٨) و الله موفق للصواب
____________
(١) البدع: المبتدع، و هو الأمر الذي يفعل أوّلا.
(٢) في «أ»: اعتداد.
(٣) «فيها» ليس في «أ» و «م».
(٤) في «ب» و «د» و «م»: و معتمد.
(٥) في «م»: للزيادة.
(٦) في «ب» و «د» و «م»: مبدع على، و في «ج» مدّع على.
(٧) في «أ» و «ب»: بحسن، و في «م»: على الظاهر.
(٨) في «ب» و «ج» و «د» و «م»: بإدخاله ضلال العباد و حجج اللّه تعالى.
٧٨ المسألة التاسعة صيانة القرآن من التحريف ما قوله أدام الله تعالى حراسته (١) في القرآن أ هو ما بين الدفتين الذي في أيدي الناس أم هل ضاع مما أنزل الله تعالى على نبيه منه شيء أم لا.
و هل هو ما جمعه أمير المؤمنين (ع) أم ما جمعه عثمان بن عفان على ما يذكره المخالفون.
الجواب لا شك (٢) أن الذي بين الدفتين من القرآن جميعه (٣) كلام الله تعالى و تنزيله و ليس فيه شيء من كلام البشر و هو جمهور المنزل.
و الباقي مما أنزله (٤) الله تعالى (٥) عند المستحفظ للشريعة المستودع
____________
(١) في «أ» و «م»: تمكينه.
(٢) «لا شك» ليس في «ب» و «ج» و «د».
(٣) «جميعه» ليس في «أ» و «م».
(٤) في «م»: أنزل.
(٥) زاد في «ب» و «د» و «م»: قرآنا.
٧٩ للأحكام لم يضع (١) منه شيء (٢).
و إن كان الذي جمع ما بين الدفتين الآن لم يجعله في جملة ما جمع لأسباب (٣) دعته إلى ذلك منها قصوره عن معرفة بعضه.
و منها: شكه فيه و عدم تيقنه (٤).
و منها: ما تعمد إخراجه منه.
و قد جمع أمير المؤمنين (ع) القرآن المنزل من أوله إلى آخره و ألفه بحسب ما وجب من تأليفه فقدم المكي على المدني و المنسوخ على الناسخ و وضع كل شيء منه في محله (٥).
فلذلك
قال جعفر بن محمد الصادق (ع)
أما و الله لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتمونا فيه مسمين كما سمي من كان قبلنا
(٦) ____________
(١) في «أ» و «م»: يقع.
(٢) أراد ما كان مثبتا في النسخ الأولى من تأويل لبعض الآيات، و سيأتي بيانه.
(٣) في «أ»: أشياء، و في «م»: و الأسباب.
(٤) في «ب» و «ج» و «د»: و منه ما شك فيه و منه ما عمد بنفيه.
(٥) في «أ» و «ب» و «ج» و «د»: حقّه.
(٦) تفسير العيّاشي ١: ١٣ ح/ ٥- ٦ بهذا النصّ: عن داود بن فرقد، عمّن أخبره، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: «لو قد قرئ القرآن كما انزل لألفيتنا فيه مسمّين» و قال سعيد ابن الحسين الكندي عن ابي جعفر (عليه السلام) بعد مسمّين: «كما سمّي من قبلنا».
قال السيّد الخوئي: يعارض جميع هذه الروايات صحيحة أبي بصير المروية في الكافي، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن قول اللّه تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ- النساء: ٥٩- فقال: «نزلت في عليّ بن أبي طالب و الحسن و الحسين (عليهم السلام)».
فقلت له: إنّ الناس يقولون: فماله لم يسمّ عليّا و أهل بيته في كتاب اللّه؟-
٨٠ و قال (ع)
نزل القرآن أربعة أرباع ربع فينا و ربع في عدونا و ربع سنن
(١) و أمثال و ربع فرائض
(٢) و أحكام و لنا أهل البيت كرائم
(٣) القرآن
(٤) ____________
- قال (عليه السلام): «فقولوا لهم: إن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) نزلت عليه الصلاة و لم يسمّ لهم ثلاثا و لا أربعا، حتّى كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) هو الذي فسرّ لهم ذلك ...»- الكافي ١: ٢٢٦/ ١- فتكون هذه الصحيحة حاكمة على جميع تلك الروايات و موضّحة للمراد منها، و أنّ ذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) في تلك الروايات قد كان بعنوان التفسير، أو بعنوان التنزيل مع عدم الأمر بالتبليغ.
قال: و ممّا يدلّ على أنّ اسم أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يذكر صريحا في القرآن حديث الغدير، فإنّه صريح في أنّ النّبي (صلّى اللّه عليه و آله) إنّما نصب عليّا (عليه السلام) بأمر اللّه و بعد أن ورد عليه التأكيد في ذلك، و بعد أن وعده اللّه بالعصمة من الناس، و لو كان اسم عليّ (عليه السلام) مذكورا في القرآن لم يحتج إلى ذلك النصب، و لما خشي رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) من إظهار ذلك. و على الجملة: فصحّة حديث الغدير توجب الحكم بكذب هذه الروايات التي تقول: إنّ أسماء الأئمّة مذكورة في القرآن، و لا سيّما أن حديث الغدير كان في حجّة الوداع التي وقعت في أواخر حياة النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و نزول عامّة القرآن ...
البيان في تفسير القرآن: ٢٣١.
و سيأتي بيان الشيخ المفيد في هذه الروايات أنّها أخبار آحاد.
و له (رحمه الله) في كتابه (أوائل المقالات) ص ٥٥ ما نصّه: إنّه لم ينقص من كلمة و لا من آية و لا من سورة، و لكن حذف ما كان مثبتا في مصحف أمير المؤمنين (عليه السلام) من تأويله و تفسير معانيه على حقيقة تنزيله.
و قد فصّل الكلام في هذا الباب الإمام البلاغي في مقدّمة تفسيره (آلاء الرحمن) ص ٢٤- ٢٩.
(١) في النسخ: قصص، و ما أثبتناه من المصدر.
(٢) في «ب» و «ج» و «د»: قضايا.
(٣) في النسخ: فضائل، و ما أثبتناه من المصدر.
(٤) أخرجه بهذا النصّ العيّاشيّ في تفسيره ١: ٩ ح/ ١، و أخرجه ثقة الإسلام الكليني في-
٨١ فصل لزوم التقيد بما بين الدفتين غير أن الخبر قد صح عن أئمتنا (ع) أنهم أمروا بقراءة ما بين الدفتين و أن لا (١) يتعداه إلى زيادة فيه و لا نقصان منه حتى يقوم القائم (ع) فيقرأ للناس (٢) القرآن على ما أنزله الله تعالى و جمعه أمير المؤمنين (ع) (٣).
____________
- الكافي- كتاب فضل القرآن، باب النوادر- ٢: ٤٥٩ ح/ ٤ و ليس فيه «و لنا أهل البيت كرائم القرآن». و كلاهما عن أبي جعفر (عليهما السلام). قال العلّامة المجلسي: حديث موثق. مرآة العقول ١٢: ٥١٧. و ورد نحوه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في الكافي ٢:
٤٥٩ ح/ ٢.
(١) «لا» سقطت من «د».
(٢) «للناس» ليس في «ج» و «م».
(٣) الحديث في الكافي- كتاب فضل القرآن، باب النوادر- ٢: ٤٦٢ ح/ ٢٣، و ضعّفه العلّامة المجلسي في (مرآة العقول) ١٢: ٥٢٣ ح/ ٢٣، و انظر أيضا كتاب (التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف): ٨٠.
و لكن الذي يؤيّد كلام المصنّف الحديث الحسن الإسناد الذي أخرجه الكليني عن الفضيل بن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إنّ الناس يقولون: إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف. فقال (عليه السلام): «كذبوا، أعداء اللّه، و لكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد».
الكافي ٢: ٤٦١ ح/ ١٣، مرآة العقول ١٢: ٥٢٠ و يشهد له ما أخرجه الكليني أيضا-
٨٢ و إنما نهونا (ع) عن قراءة ما وردت به الأخبار من أحرف تزيد على الثابت في المصحف لأنها لم تأت على التواتر و إنما جاء بها الآحاد و قد يغلط الواحد في ما ينقله.
و لأنه متى قرأ الإنسان بما خالف ما بين الدفتين قرر بنفسه (١) و عرض نفسه للهلاك.
فنهونا (ع) عن (٢) قراءة القرآن بخلاف ما ثبت بين الدفتين (٣) لما ذكرناه
فصل (٤) وحدة القرآن و تعدد القراءات فإن قال قائل كيف يصح القول بأن الذي بين الدفتين هو كلام الله تعالى على الحقيقة من غير زيادة فيه و لا نقصان (٥) و أنتم تروون
____________
- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إنّ القرآن واحد، نزل من عند الواحد، و لكنّ الاختلاف يجيء من قبل الرواة».
الكافي ٢: ٤٦١ ح/ ١٢.
(١) غرّر بنفسه: عرّضها للهلاك. و زاد في «ب» و «ج» و «د»: مع أهل الخلاف، و اغرى به الجبارين.
(٢) في «ب» و «د»: فمنعونا (عليه السلام) من.
(٣) «غرّ بنفسه ... بين الدفّتين» ليس في «م».
(٤) من هنا حتّى نهاية جواب هذه المسألة سقط من «أ».
(٥) صرّح بهذا القول و انتصر له جلّ أعلام الإماميّة، و به تواترت تقريراتهم، و منهم- غير-
٨٣ عن الأئمة (ع) أنهم قرءوا كنتم خير أئمة أخرجت للناس و كذلك جعلناكم أئمة وسطا و قرءوا يسألونك الأنفال و هذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس (١).
قيل له قد مضى الجواب عن هذا و هو (٢) أن الأخبار التي جاءت بذلك
____________
- الشيخ المفيد-:
الشيخ الصدوق (٣٨١ ه)، قال: اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله اللّه تعالى على نبيّه محمّد (صلّى اللّه عليه و آله) هو ما بين الدّفّتين، و هو ما في أيدي الناس.
اعتقادات الصدوق- المطبوع مع شرح الباب الحادي عشر-: ٩٣.
الشريف المرتضى علم الهدى (٤٣٦ ه)، و شيخ الطائفة الطوسيّ (٤٦٠ ه)، و الشيخ أبو علي الطّبرسي (٥٤٨) قالوا: الصحيح من مذهبنا أنّ القرآن الكريم هو ما بين الدفّتين، و لم يطرأ عليه زيادة و لا نقصان.
انظر: تفسير التبيان ١: ٣ مجمع البيان ١: ٣٨.
العلّامة الحلّي (٦٢٧ ه)، و قد سئل عن ذلك، فقال: الحقّ أنّه لا تبديل، و لا تأخير، و لا تقديم فيه، و أنّه لم يزد و لم ينقص و نعوذ باللّه من أن يعتقد مثل ذلك، فإنّه يوجب التطرّق إلى معجزة الرسول (صلّى اللّه عليه و آله) المنقولة بالتواتر.
أجوبة المسائل المهناوية: ١٢١.
الشيخ زين الدين البياضي العاملي (٨٧٧ ه): علم بالضرورة تواتر القرآن بجملته و تفاصيله، و كان التشديد في حفظه أتمّ، حتّى نازعوا في أسماء السور و التفسيرات، و إنّما اشتغل الأكثر عن حفظه بالتفكّر في معانيه و أحكامه، و لو زيد فيه أو نقص لعلمه كلّ عاقل و إن لم يحفظه لمخالفة فصاحته و أسلوبه.
الصراط المستقيم ١: ٤٥.
(١) «و قرءوا: و يسألونك ... أيدي الناس» ليس في «م».
(٢) «قد مضى ... و هو» ليس في «ج» و «م».
٨٤ أخبار آحاد لا يقطع على الله تعالى بصحتها (١) فلذلك وقفنا فيها و لم نعدل عما في المصحف الظاهر على ما أمرنا به حسب ما بيناه.
مع (٢) أنه لا ينكر أن تأتي القراءة (٣) على وجهين منزلين أحدهما ما تضمنه المصحف.
و الثاني ما جاء به الخبر كما يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على أوجه شتى.
فمن ذلك قوله تعالى وَ ما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٤) يريد ما هو ببخيل.
و بالقراءة الأخرى و ما هو على الغيب بظنين يريد بمتهم (٥).
و مثل قوله تعالى جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ (٦).
____________
(١) قال الإمام البلاغي في الردّ على رواية «و جعلناكم أئمّة وسطا»: إن ما روي مرسلا في تفسيري النعمانيّ و سعد من أن الآية: «أئمّة وسطا» لا بدّ من حمله على التفسير، و أنّ التحريف إنّما هو للمعنى. و دليله حديث أمير المؤمنين (عليه السلام): «نحن الذين قال اللّه: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً». و حديث الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى:
وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً: «نحن الأمّة الوسطى».
آلاء الرحمن: ٢٧.
(٢) في «أ» و «ب» و «د» و «م»: مع ما.
(٣) في «م»: يأتي بالقرآن.
(٤) التكوير ٨١: ٢٤.
(٥) تاريخ بغداد ٤: ٣٥١، الدّر المنثور ٧: ٤٣٤ من حديث عائشة، و في الدّر المنثور ٧:
٤٣٥ عن ابن عبّاس و زرّ.
(٦) التوبة ٩: ١٠٠.
٨٥ و على قراءة أخرى من تحتها الأنهار (١).
و نحو قوله تعالى إِنْ هذانِ لَساحِرانِ (٢).
و في قراءة أخرى (٣) إن هذين لساحران (٤).
و ما أشبه ذلك مما يكثر تعداده و يطول الجواب بإثباته و فيما ذكرناه كفاية إن شاء الله تعالى
____________
(١) الكشّاف للزمخشري ٢: ٣٠٥، قال فيه: في مصاحف أهل مكّة «تجري من تحتها» و هي قراءة ابن كثير.
(٢) طه ٢٠: ٦٣.
(٣) في «م»: قرئ.
(٤) الكشّاف ٣: ٧٢، تفسير الرازيّ ٢٢: ٧٤- ٧٥، تفسير القرطبيّ ١١: ٢١٦، و فيها:
قرأ أبو عمرو: «إنّ هذين لساحران» و رويت عن عثمان، و عائشة و غيرهما من الصحابة، و عن سعيد بن جبير و إبراهيم النخعيّ و غيرهم من التابعين، و من القرّاء: عيسى بن عمر، و عاصم الجحدري. و ذكروا لها ستّ قراءات، و أحصاها جميعا أبو جعفر النحّاس في (إعراب القرآن) ج ٣: ٤٣.
٨٦ المسألة العاشرة في تزويج أم كلثوم و بنات الرسول ص ما قوله أدام الله تعالى علاه (١) في تزويج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ابنته من عمر بن الخطاب. و تزويج النبي ص ابنتيه زينب و رقية من عثمان (٢).
الجواب أن الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين (ع) ابنته من عمر غير ثابت و طريقه من (٣) الزبير بن بكار (٤) و لم يكن موثوقا به في النقل و كان
____________
(١) في «م»: حرس اللّه مهجته.
(٢) هكذا ورد هنا و في الجواب أيضا، و يوافقه ما ذكره أبو القاسم الكوفيّ المتوفّى سنة (٣٥٢ ه) في كتابه (الاستغاثة) ص: ٧٦.
و أمّا المشهور فزواجه من رقيّة أوّلا و توفيت عنده، ثمّ تزوّج من أمّ كلثوم، و كانتا قبل الإسلام عند عتبة و عتيبة ابني أبي لهب و فارقاهما بعد الإسلام و لمّا يدخلا بهما.
انظر: إعلام الورى ١٤٠- ١٤١، و تراجم المذكورين في مصادرها.
(٣) في «م»: و هو من طريق.
(٤) هكذا أسنده أيضا ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٢: ١٠٦، و السيّد الجميلي في مناقب عمر بن الخطّاب: ٢٣٣، و هو مطابق تماما للخبر الذي جاء في (الاستيعاب) و (أسد الغابة) و (الإصابة) بغير إسناد، عند ترجمة أمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين (عليه السلام).-
٨٧ متهما (١) فيما يذكره و كان يبغض أمير المؤمنين (ع) (٢) و غير مأمون فيما يدعيه على بني هاشم (٣).
____________
- و لكن ورد في الكافي عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) من طريقين، أحدهما موثّق و الآخر صحيح الإسناد أنّه (عليه السلام) سئل عن المرأة المتوفّى عنها زوجها أ تعتدّ في بيتها، أو حيث شاءت؟ فقال: «بل حيث شاءت، إنّ عليّا (عليه السلام) لمّا توفّي عمر أتى أمّ كلثوم فانطلق بها إلى بيته».
و فيه أيضا في حديث حسن، عنه (عليه السلام) أنّه سئل عن هذا النكاح فقال: «ذلك فرج غصبناه»، و في حديث طويل بعده إسناده حسن يذكر تفصيلا أدق في معنى الحديث المتقدّم. انظر: الكافي- كتاب النكاح- ٥: ٣٤٦ ح/ ١، ٢، كتاب الطلاق ٦: ١١٥ ح/ ١، ٢، مرآة العقول ٢٠: ٤٢ ح/ ١، ٢ و ٢١: ١٩٧ ح/ ١، ٢.
(١) في «د»: مبهما.
(٢) في «ب» و «ج» و «د»: من بغضه لأمير المؤمنين.
(٣) الزبير بن بكّار: هو أبو عبد اللّه الزبير بن أبي بكر- و يسمّى بكّارا- بن عبد اللّه بن مصعب ابن ثابت بن عبد اللّه بن الزبير بن العوام، صاحب النّسب، تولّى القضاء للمعتصم العباسيّ بمكّة، و توفّي و هو قاض عليها سنة ٢٥٦ ه.
تاريخ بغداد ٨: ٤٦٧، وفيات الأعيان ٢: ٣١١.
قال ابن الأثير في (الكامل): انّ الزبير بن بكّار كان ينال من العلويّين، فتهدّدوه، فهرب منهم و قدم على عمّه مصعب بن عبد اللّه بن الزبير، و شكا إليه حاله، و خوفه من العلويّين، و سأله إنهاء حاله إلى المعتصم! فلم يجد عنده ما أراد، و أنكر عليه حاله، و لامه.
الكامل في التاريخ ٦: ٥٢٦.
و كان أبوه بكّار قد ظلم الإمام الرضا (عليه السلام) في شيء، فدعا عليه فسقط من قصره فاندقّت عنقه. و كان جدّه عبد اللّه بن مصعب هو الذي مزّق عهد يحيى بن عبد اللّه بن الحسن بين يدي الرشيد، و قال: اقتله يا أمير المؤمنين، فلا أمان له.
عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ٢: ٢٢٤/ ١، الكنى و الألقاب ٢: ٢٩١.
و كان عمّه مصعب بن عبد اللّه منحرفا عن عليّ (عليه السلام).
الكامل في التاريخ ٧: ٥٧.
٨٨ و إنما نشر الحديث إثبات أبي محمد الحسن (١) بن يحيى صاحب النسب (٢) ذلك في كتابه فظن كثير (٣) من الناس أنه حق لرواية رجل علوي له و هو إنما رواه عن الزبير بن بكار. و الحديث بنفسه مختلف فتارة يروي أن أمير المؤمنين (ع) تولى العقد له على ابنته (٤).
و تارة يروي أن العباس تولى (٥) ذلك عنه (٦).
و تارة يروي أنه لم يقع العقد إلا بعد وعيد من عمر و تهديد لبني هاشم (٧).
____________
(١) «الحسن» سقط من «د».
(٢) هو الحسن بن محمّد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد اللّه بن الحسين بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، أبو محمد، المعروف بابن أخي طاهر، النسّابة، له مصنّفات كثيرة. توفّي في شهر ربيع الأوّل سنة ٣٥٨ ه، و دفن في منزله بسوق العطش.
قال فيه النجاشيّ: روى عن المجاهيل أحاديث منكرة، رأيت أصحابنا يضعّفونه.
و قال السيّد الخوئي: لا ينبغي الريب في ضعف الرجل و إن روى عنه غير واحد من الأصحاب.
رجال النجاشيّ: ٦٤/ ١٤٩، معجم رجال الحديث ٥: ١٣٣.
(٣) «كثير» سقطت من «د».
(٤) هذا هو ظاهر رواية أسد الغابة ٥: ٦١٥، و الإصابة ٤: ٤٩٢.
(٥) في «ب» و «ج» و «د» و «م»: يروى عن العباس أنّه تولّى.
(٦) الكافي- كتاب النكاح- ٥: ٣٤٦/ ٢ و إسناده حسن، و الاستغاثة: ٩٢، ٩٣. إعلام الورى: ٢٠٤.
(٧) الكافي- كتاب النكاح- ٥: ٣٤٦/ ٢، الاستغاثة: ٩٢، إعلام الورى: ٢٠٤.
و في (الطبقات الكبرى) و (الاستيعاب) و (أسد الغابة) و (الإصابة) انّ أمير المؤمنين (عليه السلام) اعتذر أوّلا بصغر سنّها، فقال الناس لعمر إنّه ردّك، فما زال يعاوده حتّى تمّ الأمر،-
٨٩ و تارة يروي أنه كان عن اختيار و إيثار.
ثم إن بعض الرواة يذكر أن عمر أولدها ولدا أسماه زيدا (١). و بعضهم يقول إنه قتل قبل دخوله بها (٢).
و بعضهم يقول إن لزيد بن عمر عقبا (٣).
و منهم من يقول إنه قتل و لا عقب له (٤).
و منهم من يقول إنه و أمه قتلا (٥).
____________
- و في رواية اخرى أنّه (عليه السلام) ردّ عمر بقوله: إني حبست بناتي لأولاد جعفر» فعاوده عمر فأجابه. الطبقات الكبرى ٨: ٤٦٣، الاستيعاب ٤: ٤٩٠، أسد الغابة ٥:
٦١٥، الإصابة ٤: ٤٩٢.
(١) تاريخ الطبريّ ٥: ٦١، الطبقات الكبرى ٨: ٤٦٣، الاستيعاب ٤: ٤٩١، أسد الغابة ٥: ٦١٥.
(٢) قال المسعودي (٣٤٦ ه) في ذكر أولاد عمر: كان له من الولد: عبد اللّه، و حفصة زوج النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله)، و عاصم، و عبيد اللّه، و زيد بن أمّ، و عبد الرحمن، و فاطمة، و بنات أخر، و عبد الرحمن الأصغر- و هو المحدود في الشراب و هو المعروف بأبي شحمة- من أمّ.
مروج الذهب ٢: ٣٢١.
فلم يذكر أمّ كلثوم في امّهات أولاده، و إنّما كان له ولد اسمه زيد و كان هو و عبد اللّه و حفصة و عاصم و عبيد اللّه من أمّ واحدة، و لا خلاف في أنّ أمّ عبد اللّه و حفصة و إخوانهما هي زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح.
انظر: الكامل في التاريخ ٣: ٥٣.
(٣) تهذيب تاريخ دمشق ٦: ٢٨.
(٤) جمهرة أنساب العرب: ٣٨، ١٥٢.
(٥) أسد الغابة ٥: ٦١٥، الإصابة ٤: ٤٩٢ و فيهما: أنّ زيدا أصيب و أمّه عليلة فماتا معا في يوم واحد، صلّى عليهما عبد اللّه بن عمر، قدّمه الحسن بن عليّ (عليهما السلام)، و في (الطبقات الكبرى ٨: ٤٦٤): صلّى عليهما ابن عمر و خلفه الحسن و الحسين.
٩٠ و منهم من يقول إن أمه بقيت بعده (١).
و منهم من يقول إن عمر أمهر أم كلثوم أربعين ألف درهم (٢).
و منهم من يقول مهرها أربعة آلاف درهم.
و منهم من يقول كان مهرها خمسمائة درهم (٣).
و بدو هذا الاختلاف فيه (٤) يبطل الحديث و لا يكون له تأثير على حال
فصل تأويل الخبر ثم إنه لو صح لكان له وجهان لا ينافيان مذهب الشيعة في ضلال
____________
(١) ثبت انّها قد شهدت وقعة الطفّ مع أخيها الإمام الحسين (عليه السلام)، و عاشت بعده، و لها في الكوفة بعد مقتل أخيها سيّد الشهداء (عليه السلام) خطبة شهيرة هي غاية في البلاغة و قمّة في البيان.
أثبته ابن طيفور (٢٨٠ ه) في (بلاغات النساء): ٣٤، و أبو حنيفة الدينوري (٢٨٢ ه) في (الأخبار الطوال): ٢٢٨، و الخوارزمي (٥٦٨ ه) في (مقتل الحسين) ٢: ٣٧، و أبو منصور الطبرسيّ في (الاحتجاج) ٢: ٣٠٢، و ابن طاوس في (اللهوف في قتلى الطفوف): ٦٧، و عمر رضا كحّالة في (أعلام النساء) ٤: ٢٥٩.
(٢) تاريخ الطبريّ ٥: ٢٣، الطبقات الكبرى ٨: ٤٦٣، الكامل في التاريخ ٣: ٥٣، تهذيب تاريخ دمشق ٦: ٢٨.
(٣) و في تاريخ اليعقوبي (٢: ١٥٠): أمهرها عشرة آلاف دينار.
(٤) في «ب» و «ج» و «د»: و بدو هذا الاختلاف و قليله.
٩١ المتقدمين على أمير المؤمنين ع. أحدهما (١) أن النكاح إنما هو على ظاهر الإسلام الذي هو الشهادتان و الصلاة إلى الكعبة و الإقرار بجملة (٢) الشريعة.
و إن كان الأفضل مناكحة من يعتقد الإيمان (٣) و ترك (٤) مناكحة من ضم إلى ظاهر الإسلام ضلالا لا يخرجه عن الإسلام (٥) إلا أن الضرورة متى قادت إلى مناكحة الضال مع إظهاره كلمة الإسلام (٦) زالت الكراهة من ذلك و ساغ ما لم يكن بمستحب (٧) مع الاختيار.
و أمير المؤمنين (ع) كان محتاجا إلى التأليف و حقن الدماء و رأى أنه إن بلغ مبلغ عمر عما رغب فيه من مناكحته ابنته أثر (٨) ذلك الفساد في الدين و الدنيا و أنه إن أجاب إليه أعقب صلاحا في الأمرين فأجابه إلى ملتمسه لما ذكرناه.
و الوجه الآخر أن مناكحة الضال كجحد الإمامة و ادعائها لمن لا يستحقها حرام إلا أن يخاف الإنسان على دينه و دمه فيجوز له ذلك كما يجوز له إظهار كلمة الكفر المضادة لكلمة الإيمان و كما يحل له أكل الميتة
____________
(١) «أحدهما» ليس في «ب» و «د».
(٢) في «م»: بحلّيّة.
(٣) «مناكحة من يعتقد الإيمان» ليس في «م».
(٤) في «أ»: و المكروه، و في «ب» و «ج» و «د»: مكروه.
(٥) في «ب» و «د»: الإيمان.
(٦) «ضلالا لا يخرجه ... كلمة الإسلام» ليس في «د».
(٧) في «أ»: بمحتسب، و في «ب» و «ج» و «د» و «م»: يحتسب، و كلاهما تصحيف.
(٨) في «أ»: أثمر.
٩٢ و الدم و لحم الخنزير عند الضرورات و إن كان ذلك محرما مع الاختيار (١).
و أمير المؤمنين (ع) كان مضطرا إلى مناكحة الرجل لأنه يهدده و يواعده فلم يأمنه أمير المؤمنين (ع) على نفسه و شيعته فأجابه إلى ذلك ضرورة كما قلنا إن الضرورة تشرع إظهار كلمة الكفر قال الله تعالى إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ (٢)
فصل زواج بنات الرسول ص و ليس ذلك بأعجب من قول لوط (ع) كما حكى الله تعالى عنه هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ (٣) فدعاهم إلى العقد عليهم (٤) لبناته و هم كفار ضلال قد أذن الله تعالى في هلاكهم (٥).
و قد زوج رسول الله ص ابنتيه قبل البعثة كافرين كانا يعبدان الأصنام أحدهما عتبة بن أبي لهب و الآخر أبو العاص بن الربيع (٦).
____________
(١) «و أمير المؤمنين (عليه السلام) كان محتاجا ... مع الاختيار» سقط من «ب» و «ج» و «د».
(٢) النحل ١٦: ١٠٦، و الآية ليست في «ب» و «ج» و «د» و بدلا منها: حسب ما قدّمناه.
(٣) هود ١١: ٧٨.
(٤) في «أ» و «م»: عليهنّ.
(٥) في «أ» و «م»: إهلاكهم.
(٦) أبو العاص بن الربيع بن عبد العزّى بن عبد شمس بن عبد مناف، و أمّه هالة بنت خويلد-
٩٣ فلما بعث ص فرق بينهما و بين ابنتيه فمات عتبة على الكفر و أسلم أبو العاص بعد إبانة الإسلام فردها عليه بالنكاح الأول (١).
و لم يكن ص في حال من الأحوال مواليا لأهل الكفر و قد زوج من تبرأ من دينه (٢) و هو معاد له (٣) في الله عز و جل.
____________
- اخت أمّ المؤمنين خديجة (عليها السلام).
إعلام الورى: ١٤٠، أسد الغابة ٥: ٢٣٦.
(١) كان أبو العاص قد أبي أن يطلّق زينب بنت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) حين امره المشركون بذلك ليؤذوا به رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، فشكر له رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) ذلك، ثمّ إنّه شهد بدرا مع الكفّار، و أسره المسلمون و بقي في الأسر حتّى بعث أهل مكّة في فداء أسراهم، فقدم في فدائه عمرو بن الربيع بمال دفعته إليه زينب بنت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، من ذلك قلادة لها كانت خديجة (عليها السلام) قد أدخلتها بها على ابي العاص، فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «إن رأيتم ان تطلقوا لها أسيرها و تردّوا عليها الذي لها فافعلوا» فقالوا: نعم. فلمّا أطلقه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) اشترط عليه أن يرسل زينب إلى المدينة، فعاد إلى مكّة و أرسلها إلى النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) بالمدينة، فلهذا قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) عنه: «حدّثني فصدقني، و وعدني فوفى لي». و أقام أبو العاص على شركه حتّى كان قبيل الفتح خرج بتجارة لقريش فغنمها المسلمون و أسروا بعض رجالها و فرّ أبو العاص ثمّ دخل المدينة ليلا مستجيرا بزينب، فخرجت إلى المسجد و النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) في صلاة الصبح فقالت: أيّها الناس قد أجرت أبا العاص ابن الربيع، ثمّ طلب الأموال ليردّها إلى أهلها، فاستأذن رسول اللّه المسلمين بردّها، فردّوها إليه فعاد إلى مكّة و أدّى إلى الناس أموالهم، ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه، و اللّه ما منعني من الإسلام إلّا خوفا أن تظنّوا بي أكل أموالكم، ثمّ قدم على رسول اللّه مسلما، فردّ عليه زينب بنكاحه الأوّل.
الاستيعاب- بهامش الإصابة ٤: ٥٢٥، إعلام الورى: ١٤٠، أسد الغابة ٥:
٢٣٧. الإصابة ٤: ١٢١، الكنى و الألقاب ١: ١١٤.
(٢) زاد في «م»: من بني أميّة.
(٣) في «أ»: و قد زوّج من بني أميّة من هو يعاديه.
٩٤ و هاتان بنتان هما اللتان تزوجهما عثمان بن عفان بعد هلاك عتبة و موت أبي العاص (١) و إنما زوجه النبي ص على ظاهر الإسلام ثم إنه تغير بعد ذلك و لم يكن على النبي ص تبعه فيما يحدث في العاقبة هذا على قول بعض أصحابنا.
و على قول فريق آخر أنه زوجه (٢) على الظاهر و كان باطنه مستورا عنه.
و ليس بمنكر (٣) أن يستر الله عن نبيه نفاق كثير من المنافقين و قد قال سبحانه وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ (٤) فلا ينكر أن يكون فيه (٥) أهل مكة كذلك و النكاح على الظاهر دون (٦) الباطن على ما بيناه
____________
(١) و كذا عن أبي القاسم الكوفيّ أيضا، قال: فبقيت زينب عند أبي العاص بعد ذلك مدّة يسيرة و مات عنها أبو العاص، ثمّ ماتت رقيّة عند عثمان، فخطب بعد موتها زينب فزوجها رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) منه.
الاستغاثة: ٧٩.
و الذي عليه غيرهما أنّ زينب هي التي توفّيت أولا في سنة سبع و قيل ثمان للهجرة بعيد رجوع أبي العاص إليها، و بقي أبو العاص بعدها حتّى السنة الثانية عشرة للهجرة.
إعلام الورى: ١٤٠، الطبقات الكبرى ٨: ٣٤، الاستيعاب ٤: ١٢٩، ٣١٢، أسد الغابة ٥: ٢٣٨، ٤٦٨، الإصابة ٤: ١٢٣، ٣١٢.
(٢) في «م»: و فريق منهم على أنّه تزوّج.
(٣) في «ب» و «ج» و «د»: و يمكن.
(٤) التوبة ٩: ١٠١.
(٥) «أن يكون في» ليس في «م».
(٦) «دون» بياض في «د».
٩٥ فصل للرسول خصوصية و يمكن أن يكون الله تعالى قد أباحه مناكحة من ظاهره الإسلام (١) و إن علم من باطنه النفاق و خصه بذلك و رخصة له فيه كما خصه في أن يجمع بين أكثر من أربع حرائر في النكاح و أباحه أن ينكح بغير مهر و لم يحظر عليه المواصلة في الصيام و لا في (٢) الصلاة بعد قيامه من النوم بغير وضوء و أشباه ذلك مما خص به و حظر على غيره من عامة الناس.
فهذه (٣) الأجوبة الثلاثة عن تزويج النبي (ع) لعثمان (٤) و كل واحد منها كاف بنفسه مستغن عما (٥) سواه.
و الله الموفق للصواب
____________
(١) في «ب» و «ج» و «د»: تظاهر بالإسلام.
(٢) «في الصيام و لا في» بياض في «د».
(٣) في «أ» و «ب» و «ج» و «د»: في هذه.
(٤) في «ب» و «ج» و «د»: و عثمان.
(٥) في «م»: عن.
٩٦ المسألة الحادية عشرة أصحاب الكبائر ما قوله أدام الله تعالى رفعته (١) في إخراج الله تعالى من ارتكب (٢) الكبائر من النار أو العفو عنه (٣) في القيامة عند المحاسبة.
و الشيخ الجليل المفيد أدام الله مدته يحتسب الأجر في إملاء مسألة كافية في هذا الباب حسب (٤) ما ثبت عنده عن الأئمة الهادية (ع) و يورد شبه المعتزلة فيه و يجيب عنها و يتكلم عليها بعبارته اللطيفة (٥) حسب ما يحسم (٦) أشاغيب الخصوم في هذا الباب فقل متفضلا إن شاء الله (٧).
الجواب إن الذين يردون القيامة مستحقين العقاب (٨) و دخول النار صنفان
____________
(١) في «أ» و «م»: أدام اللّه توفيقه.
(٢) في «أ» و «ب» و «ج» و «د»: يرتكب.
(٣) في «أ» و «م»: و العفو عنهم.
(٤) في «م»: على.
(٥) في «م» بعبارة لطيفة.
(٦) في «أ»: يحسم به، و في «د»: لهم، و في «م»: يحتسم.
(٧) «فقل متفضلا» ليس في «م»، «إن شاء اللّه» ليس في «أ».
(٨) في «م»: و يستحضرون العذاب.
٩٧ أحدهما الكافر على اختلاف كفره و اختلاف أحكامهم في الدنيا (١).
و صنف أصحاب ذنوب قد ضموها إلى التوحيد (٢) و معرفة الله تعالى و رسوله و الأئمة الهدى (ع) خرجوا من الدنيا من غير (٣) توبة فاخترمتهم (٤) المنية على الحوبة (٥) و كانوا قبل ذلك يسوفون التوبة و يحدثون أنفسهم بالإقلاع عن المعصية ففاتهم ذلك لاخترام المنية لهم دونه.
فهذا الصنف مرجو لهم العفو من الله تعالى و الشفاعة من رسول الله ص و من الأئمة الهدى (ع) و مخوف (٦) عليهم العقاب.
غير أنهم إن عوقبوا فلا بد من انقطاع عقابهم (٧) و نقلهم من النار إلى الجنة ليوفيهم الله تبارك و تعالى جزاء أعمالهم الحسنة الصالحة (٨) التي وافوا بها الآخرة من المعارف و التوحيد و الإقرار بالنبوة و الأئمة و الأعمال الصالحات لأنه لا يجوز في حكم العدل أن يأتي العبد بطاعة و معصية فيخلد في النار بالمعصية و لا يعطى الثواب على الطاعة لأن من منع ما عليه
____________
(١) في «أ»: الذمّة.
(٢) في «م»: أصحاب ذنوب من أهل التوحيد.
(٣) في «أ» و «م»: بغير.
(٤) الخرم: القطع، و اخترمته المنية: أخذته.
(٥) الحوبة، بفتح الحاء المهملة و ضمّها: الإثم.
(٦) في «أ» و «م»: و يتخوّف.
(٧) في «د»: عذابهم.
(٨) في «ب» و «ج» و «د»: جزاء أعمالهم الجنّة.
٩٨ و استوفى ما له كان ظالما معبثا (١) و تعالى الله (٢) عن ذلك علوا كبيرا.
و بهذا قضت العقول و نزل الكتاب (٣) المسطور ثبتت الأخبار عن أئمة أهل بيت محمد (ع) و إجماع شيعتهم المحدثين (٤) العلماء منهم المستبصرين.
و من خالف في ذلك من منتحلي مذهب الإمامية فهو شاذ عن الطائفة (٥) و خارق (٦) لإجماع العصابة.
و المخالف في ذلك هم المعتزلة و فرق من الخوارج و الزيدية
فصل أدلة بطلان القول بالحبط و مما يدل على صحة ما ذكرناه في هذا الباب ما قدمنا القول في معناه في (٧) أن العارف الموحد يستحق بالعقول على طاعته و قربته ثواب دائما.
و قد ثبت أن معصية لا تنافي طاعاته و ذنوبه لا تضاد حسناته (٨)
____________
(١) في «م»: مبغيا.
(٢) في «أ» و «ب» و «ج»: و اللّه تعالى، و في «د»: و اللّه يتعالى.
(٣) في «ب» و «ج» و «د»: اقتضت العقول و الكتاب.
(٤) في «ب» و «ج» و «د»: المحقّون.
(٥) «عن الطائفة» ليس في «م».
(٦) في «أ»: و مفارق، و في «م»: مفارق.
(٧) (في) ليس في «أ» و «م». و في بعض النسخ: «من» بدلها.
(٨) «و ذنوبه لا تضاد حسناته» ليس في «أ» و «م».
٩٩ و استحقاقه الثواب.
و أنه لا تحابط بين المعاصي و الطاعات (١) لاجتماعها من المكلف في حالة واحدة (٢).
و أن استحقاق الثواب لا يضاد استحقاق العقاب إذ لو ضاده لتضاد الجمع بين المعاصي و الطاعات إذ بهما يستحق الثواب و العقاب و إذا ثبت اجتماع الطاعة و المعصية دل على استحقاق الثواب و العقاب (٣).
و هذا يبطل قول المعتزلة في التحابط (٤) المخالف لدليل الاعتبار.
و قد قال الله عز و وجل مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ (٥).
و قال تعالى إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى
____________
(١) أصل الحبط في اللغة: هو أن تأكل الماشية شيئا يضرّها فتعظم بطونها فتهلك، فسمّي بطلان الأعمال بهذا لأنّه كفساد الشيء بسبب ورود المفسد عليه. و حبط الأعمال عند من يقول به- من المعتزلة و من وافقهم- معناه: أنّ المعصية اللاحقة تحبط الثواب السابق، إمّا بشرط الموازنة- و هو قول أبي هاشم-، و إمّا لا بشرط الموازنة، و هو قول أبي عليّ الجبّائي.
و معنى الموازنة: أن يسقط من الاستحقاق الزائد ما يقابل الاستحقاق الناقص و يبقى الباقي، فلو كان أحد الاستحقاقين عشرة- مثلا- و الآخر خمسة، تسقط الخمسة من الزائد و تبقى خمسة. و أمّا على قول أبي عليّ فإن الاستحقاق الناقص يبطل كلّيا و يبقى الزائد.
تفسير الرازيّ ٦: ٣٨، مجمع البحرين- حبط- ٤: ٢٤١.
(٢) «لاجتماعها ... واحدة» ليس في «م».
(٣) و على هذا القول أجمع الإماميّة، و وافقهم عليه الشافعي، و انتصر له الرازيّ في تفسيره.
انظر: الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد: ١٩٣- ٢٠٦، تجريد الاعتقاد: ٣٠٣، الكشّاف للزمخشري ١: ٢٥٩، تفسير الرازيّ ٦: ٣٦- ٣٩، تفسير القرطبيّ ٣: ٤٨.
(٤) في «م»: الحبط.
(٥) الأنعام ٦: ١٦٠.
١٠٠ لِلذَّاكِرِينَ (١).
و قال تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَ يُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٢).
و قال تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٣).
و قال عز و جل ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لا نَصَبٌ وَ لا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٤).
و قال سبحانه أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ (٥).
فأخبر تعالى أنه لا يضيع أجر المحسنين و أنه يوفي العاملين أجرهم بغير حساب و أنه لا يظلم مثقال ذرة فأبطل بهذه الآيات (٦) دعوى المعتزلة على الله تعالى أنه يحبط الأعمال الصالحات (٧) أو بعضها و لا يعطي عليها أجرا.
و أبطل قولهم (٨) إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ.
____________
(١) هود ١١: ١١٤.
(٢) النساء ٤: ١٠٧.
(٣) الزلزلة ٩٩: ٧- ٨.
(٤) التوبة ٩: ١٢٠.
(٥) آل عمران ٣: ١٩٥.
(٦) في «أ»: فبهذه الآيات تبطل.
(٧) في «أ» و «م»: يحبط الأعمال بالسيّئات.
(٨) «و ابطل قولهم» ليس في «م».
١٠١ هذا مع قوله سبحانه إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ (١) فأخبر أنه لا يغفر الشرك مع عدم التوبة منه و أنه يغفر ما سواه بغير التوبة و لو لا ذلك لم يكن لتفريقه بين الشرك و ما دونه في حكم الغفران معنى معقول.
و قال تبارك و تعالى رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ (٢).
و هذا القول لا يجوز أن يكون متوجها إلى المؤمنين الذين لا تبعة بينهم و بين الله تعالى و لا متوجها إلى الكافرين الذين قد قطع الله على خلودهم في النار فلم يبق إلا أنه توجه إلى مستحق العقاب من أهل المعرفة و التوحيد.
و فيما ذكرنا أدلة يطول شرحها و الذي أثبتناه هاهنا مقنع لمن تأمله إن شاء الله.
و قد أمليت في هذا المعنى كتابا سميته الموضح في الوعد الوعيد (٣) إن وصل إلى السيد الشريف الفاضل الخطير أدام الله تعالى رفعته أغناه عن غيره من الكتب في المعنى إن شاء الله تعالى (٤)
____________
(١) النساء ٤: ٤٨.
(٢) الإسراء ١٧: ٥٤.
(٣) في «أ» و «م»: الوعد و الوعيد. و ذكره النجاشيّ و الطهرانيّ باسم (الموضّح في الوعيد). و لكنّ الشيخ المفيد سمّاه كما أثبتناه في رسالته في المتعة أيضا. انظر رجال النجاشيّ: ٣٩٩، الذريعة ٢٣: ٢٦٧/ ٨٩١٥.
(٤) «رفعته ... إن شاء اللّه تعالى» ليس في «د»، و في «م» تقديم و تأخير بين ألفاظها.