انتقل إلى المحتوى

المدخل إلى علم العدد

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
المدخل إلى علم العدد
  ► ◄  
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب المدخل إلى علم العدد

الذي وضعه نيقوماخس الجراسيني
من شيعة فيثاغورس

ترجمة ابن ثابت قرة

إن القدماء الأولين الذين سلكوا سبيل علم الحق اليقين ابتدأوا من لدن فيثاغورس أن يحدوا الفلسفة بأنها أيثار الحكمة وذلك على ما يوافق ما يدل عليه اسم الفلسفة في اللغة اليونانية فأما من كان من قبل فيثاغورس من الفلاسفة فإنما كان الناس يسمّونها الحكمة تسميه مرسله تعّم وتشمل أشياء آخر كما قد يسمى البناؤون والأساكفة والملاحون حكماء في صنائعهم وتسمى بهذا الاسم في الجملة كل من كان حاذقاً ماهراً محرباً في صناعة من الصنائع أو عمل من الأعمال إلا إن فيثاغورس قبض معنى هذا الاسم واقتصر به على الدلالة على علم اليقين بالشيء الموجود حق الوجود وخص معرفة حقيقة جميع أمور هذا الشيء الموجود باسم الحكمة فبالواجب ما لقب اذا الشوق الى هذه المعرفة واختيارها والجد في طلبها فلسفة ومعنى ذلك حب الحكمة وايثارها اذا كانت الفلسفة شوقاً إلى الحكمة وإيثاراً لها وهذا المعنى الذي ذكرنا من معاني اسم الفلسفة أولى ما استعمل فيه هذا الاسم وأصلح من المعاني التي تحدّ بغير هذا الحد اذ كان ذلك معنى خاصاً وعملاً مفرداً يدل عليه اسم مفرد فأما هذه الحكمة التي ذكرنا فانه لما رأى العلم بها يحتاج أن يكون علم يقين حدّها بأنها ادراك الشيء الموضوع الذي لا يتغير ولا يستحيل وأما الأشياء الموجودة التي ذكرنا فحدها بأنها الأشياء التي تكون في العالم وتجري أبداً على حال واحدٍ بعينه دائماً فلا تفارق ما هي عليه في وقت من الأوقات بتة في شيء قل أو كثر وهذه الأشياء هي الأشياء الأبدية الدائمة التي ليست هيولانية فأما كل واحد من الأشياء الباقية فإنما يسمى بهذا الاسم لمشاركته للأشياء التي ذكرنا فيقال إنها موجودة على جهة اتفاق الأسماء فأما أنها أشياء فإنها تقال وهي أيضاً كذلك بالحقيقة وذلك أن الأمر في الأشياء الجسمانية العنصرية هي ابداً في تنقل وتميز احوال بمنزلة الشيء الجاري الذي لا ثبات له وان بالواجب ما صارت بهذا السبب تشبه بطبيعة العنصر الذي في فيها وبخواصه امر بين وذلك ان كلّ واحد هذه الأشياء يتغير بكليته ويصير غير الذي كان اولاً وأمّا ما ليس بجسم مما هو بحال الاجسام أو مما يرى ويظهر معه مثل الكيفية والكميّة والشكل والعظم والصغر والمساواة والمخالفة والاضافة والفعل والوضع والمكان والزمان وبالجملة جميع الأشياء المطبقة بأحوال كل واحد من الاجسام فإنها أشياء إما بذاتها فغير متغيرة ولا منتقلة وإما على جهة عرضية فإنها تشارك الاعراض التي تعرض للجسم الموضوع وتقارنها وهذه الأشياء التي تسمى العلم اليقين بها باسم الحكمة وإما على جهة عرضية فقد يسمى أيضاً بهذا الاسم علم الأشياء السرمدية التي ليس لها هيولي ولا تنقضي المتشابهة الأحوال التي ليست متغيرة فإن جواهرها باقية على أمر واحد على التمام وهي التي يقال لكل واحد منها أنه موجود حق الوجود بالصحة وأما هذه الأشياء الاخر فإنها ترى متغيرة بالكون والفساد والنمو والتنقص والاستحالة تغيراً عاماً مشتركاً لها وهى يقال أنها موجودة على سبيل الموافقة في الاسم لتلك الأجزاء وذلك على حسب مشاركتها لها وأما طبيعتها فهي طبيعة ما ليس بموجود حق الوجود وذلك انها لا تبقى على امر واحد ولو بقا يسيراً لكنها تتغير تغيراً دايماً بمنزلة الشي الذي يجرى ويتبدل لكل نوع من التبدل كما قال افلاطون في كتاب طماوس حيث يقول ما الشي الموجود ابداً إلا انه لا تكون له وما الشيء الكائن إلا انه ليس بموجود في وقت من الاوقات فأما الأول من هذين فانه يدرك بالعقل مع الفكر ويعلم انه موجود باق على امر واحد واما الثاني منها فانه يظن انه يكون ويبطل بالراي مع الحس وليس يكون موجوداً في وقت من الاوقات فمن الامر الواجب الاضطراري إذا إن كان كما يجب أن ينال الغاية التي ينبغي الانسان أن يقصدها ويام نحوها وكانت هذه الغاية هي الحياة الجماليّة المحمودة وكانت هذه الحياة انما تنال بالفلسفة وحدها لا بشيء غيرها وكان قد ظهر لنا وتبين أن الفلسفة هي الشوق إلى الحكمة هي علم اليقين بحقيقة ما عليه الأشياء الموجودة وان يقال انها موجودة إما بعضها فعلى حقيقة التسمية وإما بعضها فعلى جهة الاشتراك في الاسم ان نستقصى تمييز ما يعرض للأشياء الموجودة ونوضح ذلك ونبينه

فأقول ان من الأشياء الموجودة أعني الأشياء التي يقال لها موجودة على حقيقة التسمية والتي يقال لها موجودة على جهة المشاركة وهي في الاسم جميعا وهي المعقولة والمحسوسة بعضها متصّلة وبعضها متخذة بعضها ببعض مختلطة مثل الحيوان والشجر والعالم ما اشبه ذلك وهذه الأشياء تخص بان تسمى ذوات عُظم وذوات قدر على حقيقة التسمية وبعضها منفصلة منقسمة متجاورة على جهة الاجتماع وهذه الأشياء تسمى ذوات العدد وذوات الكثرة مثل القطيع والامة والملا وما اشبه ذلك فقد يجب ان يظن ان العلم بهذين النوعين جميعاً هو الحكمة إلا أن المقدار والعدد غير متناهي الطبيعة اضطراراً وذلك ان العدد وإن كان يبتدئ من اصل محدود فانه لا ينقطع في ممره إلى ما يتلو ولا ينتهي وأن المقدار وإن كان بكليته محدوداً فإنه إذا قسم لم يصر في تقسمه إلى غاية لا ينقسم لكنه يذهب ذلك كذلك وكان العلم والأدراك انما يقع ابدا على أشياء متناهية لا على ما ليس متناه تبين مما قلناه انه لا يمكن ان يقع لنا العلم بالمقدار مطلقاً ولا العلم بالعدد مطلقاً ابداً وذلك ان كل واحد من هذين النوعين بذاته غير متناه واما العدد ففي جهة التزيد والكثرة واما المقدار ففي جهة النقصان والصغر إلا ان كل واحد منها قد يجد بعضه من جهة اما العدد فمن جهة كميته واما المقدار فمن جهة مساحته. قال ثابت نيقوماخس يستعمل اسم الكمية في العدد وحده ويستعمل اسم المساحة في المقدار وأيضاً فانا نبتدئ ابتدأ آخر فنقول ان الكمية لما كان بعضها يفهم منفرداً من غير ان يكون له إضافة أو قياس إلى غيره مثل المربع والزوج والفرد والتام وما أشبه ذلك وكان بعضها إنما يرى وتفهم على سبيل الإضافة والقياس التي غيره بنوع من الانواع مثل الضعف والكبير والصغير والمثل والنصف والمثل والثلث وما اشبه ذلك وكان من البيّن ان هاهنا طريقين من طرق العلم يدركان ويبينان الحل في جميع الأشياء التي يبحث عنها من امر الكمية أحدهما علم العدد الذي به يعلم أمر الكمية اذا فهمت على سبيل الانفراد والآخر علم الموسيقى الذي به يعلم امر الكميّة التي تقال على سبيل الإضافة إلى شيء ما وأيضاً فانه لما كان ما يقع عليه المساحة بعضه ساكناً غير متحرك وبعضه متحركاً يدور كان هاهنا أيضاً علمان اخران يُعرف بهما امور المساحة احدهما يُعرف به امر الشيء الساكن الذي لا يتحرك وهو علم الهندسة والآخر يعرف به امر الشيء المتحرك الذى يدور وهو علم الكرة فليس بممتنع اذا ان يصح بهذه العلوم معرفة أنواع الشيء الموجود ولا بمتعذر أن يعلم الحق في ذلك وهذه هي الحكمة التي يعلم بها الأشياء علماً يقينا فهو بين انه لا يتعذر من هذا الوجه التفلسف الصحيح فان اندروقودس الذي من شيعة فيثاغورس قال انه كما ان صناعة التصور قد ينتفع في تسوية اعمالها بغيرها من الصنائع التي يعتاد الناس فيها العمل بأيديهم كذلك أيضاً ينفع علم امر الخطوط والاعداد ومدد التأليف ودور الفلك في تعلم قول الحكماء وقد قال ارحوطس أيضاً الذي من بلاد طرنطس قولاً فيه مشابه من هذا القول في أول كتابه في علم التأليف فانه قال هذا القول

انى ارى علمنا بالعلوم التعليمية علماً صحيحاً وأن من الصواب ان نعلم انها علوم لا يقع فيها شي من الخطأ وانا نعلم بها الطبائع العامية معرفة جيدة وكذلك ايضاً الطبائع الجزئية إذا صححنا النظر إليها وتأملناها فأما علم الهندسة والعدد والكرة منها فقد تأدي إلينا منه ما ليس بالدون وهذه الأربع طبائع تظن انها اخوات بعضها لبعض ونراد هذه الاخوات وتقلبها يكون في النوعين الاولين من انواع الموجود وافلاطون أيضاً قد ذكر جمل ما قد قدمنا ذكره وبيناه انفاً في آخر المقالة الثالثة عشر من كتابه في النواميس وهى المقالة التي يوسمها بعض الناس كتاب الفيلسوف وذلك ان في هذه المقالة يفحص افلاطون عن امر الفيلسوف ويخبر كيف ينبغي ان يكون الفيلسوف الذي هو فيلسوف بالحقيقة فقال هكذا كل جدول من جداول جماعات العدد وجماعات التأليف فإنه يجب أن يوجد مُشاكلاً لحركات الكواكب ضرباً من المشاكلة إذا تفهمه الانسان وهذا شيء يظهر للإنسان ويتبين إن هو فهم ما يقول فهماً صحيحاً فنظر في جميع هذه الأشياء نظرة إلى شيء واحد بعينه وذلك أن رباط جميع هذه الأشياء يُرى رباطاً واحداً فإن رأى احد أنه يقدر أن يأخذ في علم الفلسفة من غير هذه الجهة فينبغي أن يسله اسعافنا بذلك وليس ينبغي في وقت من الأوقات أن يسلك غير هذه السبيل لكن ينظر في العلوم التعليمية على هذه الجهة ان صعب ذلك وان سهل فيترك ويسلك هذه السبيل ولا يغفل عنها وانا ارى ان اسمى من علم هذه الأشياء بارع الحكمة وان اثق بجودة سعيه وطلبه للعلم فهو بين ان هذه العلوم التعليمية تشبه المعابر والدرج والجسور وذلك انها تنقل افهامنا وتصير بها من الأشياء المظنونة الى الأشياء المعقولة المعلومة ومن الأشياء التي هي ربائب لنا ونابتة معنا منذ الصبا مألوفة عندنا هيولانية جسمانية إلى الأشياء الغير مألوفة والتي هي مباينة للحواس فأما الأشياء السرمدية التي ليست هيولانية فهي شديدة المجانسة لأنفسها والقرب منها ومجانستها للقوة العقلية التي هي في الانفس أقدم واسبق وقد ذكر سقراطس الذي جعله افلاطون في كتاب يوليطيا مخاطباً للرجل الذي كان يجادله هذه العلوم التعليمية ووصف منافع من منافعها في تدبير الناس وأمورهم وما يتصرفون فيه فقال إن علم العدد نافع في الحسابات والقسمة والجمع والمقايضات والشركة والهندسة نافعة في تدبير العساكر وبناء المدن وبناء الهياكل وقسمة الارضين والموسيقى نافعة في الاعياد وفي أوقات السرور وفي عبادة الله وعلم الكرة والنجوم في علم الفلاحة والملاحة فإنه يعرف به الأوقات الصالحة الموافقة والابتداء لسائر الاعمال الأخر.

وقال أيضاً إني أراك تشبه انساناً قد تخوف أن أكون اقول ان العلوم التعليمية غير نافعة وهذا أمر صعب جداً بل هو أمر غير ممكن وذلك أن عين اليقين إذا عميت ببعض الأمور الباقية أو غشيت إذ كانت إنما تحيي وتنتبه بهذه العلوم وحدها فهو أولى وأحق أن تلتمس صلاحها وسلامتها بأكثر من عشرة الاف عين من أعين البدن وذلك أن الحق في جميع الأشياء إنما يرى ويعرف بهذه العين وحدها.

فلننظر الآن أي هذه الطرق الأربعة من طرق العلم يضطر بالحاجة إلى تقديمه وأن نبتدئ بالنظر فيه أو لعله أن يكون من الأمر البين أنه يجب أن يقدم منها ما كان اولاً في طبيعته متقدماً لجميع هذه العلوم الباقية والذي هو الابتداء والأصل لها والذي قياسه إليها قياس الوالد وهو صناعة علم العدد وليس انما السبب في ذلك ما قلناه من ان انها سابقة في علم الله صانع الأشياء متقدّمة للعلوم الباقية بمنزلة الشيء الجميل الذي قياسه إلى الأشياء الباقية قياس المثال فجعلهُ مثالاً لسائر الأشياء التي خلق وحذوا عليها وعلى حسبه خلقها وسواها وزين ما خلقه من العنصر وبلغ به الأمر الأفضل الموافق في كلّ واحد من الأشياء فقط لكن لان هذه الصناعة مع ذلك اقدم بالطبيّعة من الصنائع الأخر وذلك ان الصنائع الأخر ترتفع وتبطل بارتفاع هذه الصناعة وليس ترتفع هي بارتفاع تلك كما أن الحيوان أقدم من الإنسان بالطبيّعة وذلك أن الإنسان يرتفع ويبطل بارتفاع الحيوان وليس يرتفع الحيوان بارتفاع الانسان وأيضاً فإن الانسان أقدم في الطبيعة من النحوي وذلك أنه متى لم يكن انسان لم يكن نحوي وأما إذا لم يكن نحوي فقد يمكن أن يكون إنسان فليس يرتفع الإنسان بارتفاع النحوي ولذلك صار أقدم منه وفى عكس ما قلنا يقال أن الشيء بعد الشيء أوانه تأخر عنه بالطبيعة إذا كان الشيء لا يجب لوجوبه ويدخل بدخوله وليس يجب هو بوجوب ذلك الأخر مثل صاحب علم الموسيقى فإنه يجب بوجوبه أن يكون الإنسان موجوداً وكذلك الفرس أيضاً فإنه لا يجب بوجوده أن يكون الإنسان موجوداً ولا يعرض عكس ذلك لإن الحيوان إذا كان موجوداً ولا متى كان الإنسان موجوداً وجب أن يكون صاحب علم الموسيقى موجوداً وكذلك أيضاً يكون الحال في العلوم التي قدمنا ذكرها وذلك انه متى كانت الهندسة موجودة وجب اضطراراً أن يكون علم العدّد موجوداً وذلك ان صاحب علم الهندسة إذا قال أن الشكل مثلث أو مربع أو ذي ثماني قواعد أو ذو عشرين قاعدة أو أن الشيء ثلاثة أضعاف أو ثمانية أضعاف أو مثل ونصف أو غير ذلك مما اشبهه وليس يمكن أن يكون الشيء من ذلك موجوداً أو مفهوماً من غير العدد الذى يتبين معه وذلك إنه لا يمكن أن يكون شيء ما ثلاثة امثال أو أن يقال انه كذلك من أن يكون قد تقدمه وضع عدد الثلاثة ولا الثمانية الاضعاف من غير عدد الثمانية وأما أمر العدد فإنه يجرى على عكس ما قلناه لأنه متى ما لم يكن عدد الثلاثة أو الأربعة أو ما بعدها من الأعداد معلوماً موجوداً عرض الا يكون الشكل المشارك له في الاسم موجوداً فقد وجب مما قلنا أن علم العدد يرتفع ويبطل بارتفاعه وبطلانه علم الهندسة ولا يرتفع هو ويبطل ببطلان علم الهندسة وان ذلك العلم يجب بوجوب هذا العلم وكذلك القول في علم الموسيقى أن الشيء الذي يفهم منفرداً بذاته أقدم من الشيء الذي اما قوامه بقياس شيء أخر كما أن العظم أقدم من الأعظم والغنى من الذى هو أغنى والإنسان من الاب فقط لكن ما يجرى في علم الموسيقى أيضاً من علم الاتفاق الذى بأربع والاتفاق الذى بخمس والاتفاق الذي بالكل أشياء أشياء إنما سميّت بهذه الاسماء على حسب العدد وأيضاً فان النسب التأليفية إنما هي ابدا نسب عددية أما الذي بأربع فان نسبته نسبة المثل وثلث وأما الذي بخمس فان نسبته نسبة المثل والنصف وأما الذى بالكل فإن نسبته نسبة الضعف وأما الثلاثة الامثال فإنها نسبة الذي بالكل والخمس معاً وأما الأربعة الامثال فإنها تشبه اتم الاتفاقات وهو اتفاق ضعف الذى بالكل وأما الأمر في علم الكرة وأنه إنما يعلم جميع ما نفحص عنه فيها ويحتاج إلى علمه منها بالأعداد وعلم العدد فهو أمر بيّن وليس انما يتبيّن ذلك من قبل ان هذا العلم إنما يكون من بعد علم الهندسة وذلك ان الحركة هي بالطبيعة من بعد السكون ولا من قبل ان حركات النجوم توجد جارية على نظام وتأليف لحني من كل وجه فقط لكن لان ادوار الكواكب ومقادير المطالع والمغارب ومسير الكواكب ورجُوعَها وظهورها واستتارها إنما يعلم جميعها بالأعداد فإذ كان ذلك كذلك فحقيق بنا ان تقدم اولاً القول في صناعة العدد كالشيء الاول الشديد التقدم بالطبيعة والمرتبة لأنها بمنزلة الوالدة والظير لما سواها ونجعل ابتدأنا في ايضاح ذلك وتبيينه من هاهنا.

فنقول انا نرى جميع الأشياء التي قد رتبتها الطبيعة في العالم على طريق صناعي بكليتها وفي جزء جزء منها انما خلقها الخالق عز وجل على نسب الأعداد وهو الذي ميزها وسواها على حال المحمودة الجميّلة وأَكَّدَ فيها أمر المثال الذي قصد بها نحوه فانه جعل الأعداد مثالاً وشبيهاً برسم متقدم سابق في علم الله خالق العالم إلا انه انما هو مفهوم عنده فقط من غير أن يكون ذلك في هيولي ما بوجه من الوجوه بتّة إلا أن ذاته ذات موجودة وعلى حسبه اجرى الأمور على طريق صناعي في جميع هذه الأشياء أعني الزمان والحركة والسماء وجميع ادوار الكواكب ويجب اضطراراً أن يكون العدد في هذه الأشياء مؤلفاً من سنحه لا من شيء أخر لكن من ذاته وكل شيء يؤلف فإنما يؤلف من أشياء مختلفة موجودة وذلك انه لا يمكن ان يظن ان الشيء مؤلف مما ليس بموجود ولا من أشياء موجودة إلا أنها متشابهة لا اختلاف بينها ولا من أشياء مختلفة ليس لبعضها قياس إلى بعض ولا مجانسة فقد بقى إذاً أن يكون الأشياء التي منها يكون تأليف ما يؤلف أشياء موجودة وان تكون موجودة وان تكون مختلفة وان يكون فيما بينها مناسبة فالعدد مؤلف من مثل هذه الأشياء وذلك انه له النوعان الاولان من الأنواع التي ينقسم إليها ذاتهما ذات الكمية وفيما بينهما اختلاف وليسا من المتباينة التي لا مجانسة بينهما وهما الفرد والزوج وتأليف أحدهما مع الأخر تأليف على معاقبة وابدال وعلى طبيعة عجيبة بديعة وليس ينفرد أحدهما عن الأخر لكنهما يجريان على أمر واحد ونوع واحد من التأليف وسنبين ذلك فيما بعد. أمَّا العدد مطلقاً فهو جماعة أعداد وكمية مبثوثة قوامها من آحاد والقسمة الاولى التي ينقسم بها العدد هي ان منها زوجاً ومنه فرداً والعدد الزوج هو الذي ينقسم بقسمين متساويين ولا يقع في الوسط من قسمه الوحدة والعدد الفرد هو الذي لا يمكن أن ينقسم قسمين متساويين بسبب الوحدة التي تقع في وسطه وهذان الحدان انما يحدهما بهما العامة وأما الحد المنسوب إلى فيثاغورس فهو ان العدد الزوج هو الذي يقبل القسمة بالشيء الواحد بعينه إلى ما هو أعظم وما هو أصغر اما أعظم ذلك فبالمساحة واما اصغره فبالكمية على ما يجب بحسب المتكافئ الطبيعي الذي يعرض لهذين الجنسين وان العدد الفرد هو الذي لا يمكن فيه ذلك لكنه انما يقسم بقسمين غير متساويين وقد حد القدماء هذين على جهة اخرى فقالوا ان العدد الزوج هو الذي يمكن أن يقسم قسمين متساويين وقسمين غير متساويين ما خلى عدد الاثنين الذي هو ابتدأ نوع عدد العدد الزوج فانه انما ينقسم بقسمين متساويين فقط ويكون متى وجد أحد قسميه في نوع من نوعى العدد كيف ما كان قسماه اللذان ينقسم إليهما كان القسم الأخر كان أيضاً من ذلك النوع من نوعى العدد

وأما العدد الفرد هو الذي كيف ما قسم فإنما ينقسم ابداً على قسمين من أقسامه نوعا العدد جميعاً وليس يوجد هذان النوعان في وقت من الأوقات غير مختلطين فيه أحدهما بالأخر لكن كل واحد منهما يوجد فيه ابدا مقروناً بالأخر وان نحن حددنا العدد الزوج والعدد الفرد كل واحد منهما قلنا أن العدد الفرد هو الذي اختلاف ما بينه وبين الزوج واحد من الناحيتين جميعاً أعني ناحية العظم وناحية الصغر وأن العدد الزوج هو الذى يخالف الفرد بالواحد إلى الناحيتين جميعاً اعني انه أعظم من الفرد بالواحد.

كل عدد فهو مساوٍ لنصف العددين الذين عن جنبتيه إذا جمعا وهو أيضاً نصف العددين اللذين وراء هذين ونصف العددين اللذين وراهما بواحد واحد من كُلّ واحد من الجانبين وهو أيضاً نصف العددين اللذين وراهما بعددين وكذلك تجد الحال في جميع الأعداد حتى ينتهى إلى ما لا يمكن فيه ذلك فأما الواحد وحده فانه لما لم يمكن له عن جنبتيه عددان صار نصفا للعدد الواحد الذى يليه فالابتداء الطبيعي لجميع هذه الاعداد هو الواحد وإذا قسم الزوج إلى انواعه كان بعضه زوج الزوج وبعضه زوج الفرد وبعضه زوج زوج الفرد والنوعان المتضادان من هذه الأنواع اللذان هما كالمقارنين في بعد أحدهما من الآخر زوج الزوج وزوج الفرد وأما زوج زوج الفرد فهو مشارك لهما جميعا وهو بمنزلة الوسطة فيما بينهما والعدد الذي يقال له زوج الزوج هو الذي يمكن أن ينقسم بقسمين متساويين على ما يجب في جميع جنس الزوج ويمكن أن ينقسم كل واحد من قسميه أيضاً بقسمين متساويين وان ينقسم كل واحد من قسمي هذين القسمين بقسمين متساويين حتى ينتهى القسمة إلى الواحد الذي لا ينقسم بالطبيعة مثل عدد الاربعة والستين فان نصفه لب ونصف ذلك يو ونصفه  ح  ونصفها  د  ونصفها  ب  ونصف ذلك في اخر الامر الواحد الذى لمسا كان بالطبيعة غير منقسم لم يكن له نصف

ومما يلزم هذا النوع من انواع العدد أن كل جزء من اجزائه فإنه يُسمى منه تسمية هي من جنس زوج الزوج ونفس الآحاد التي فيه حالها حال الزوج الزوج وليس يشارك في شيء من ذلك شيء من الاجناس الاخر ولعل هذا النوع من العدد إنما سُمّى زوج الزوج من هذه الجهة أنه هو زوج وأجزاؤه أيضاً واجزاء اجزائه ابدا حتى ينتهى إلى الواحد هي ازواج انفسها وفي تسميتها منهُ واقول ذلك بقول اشد اختصاراً من هذا وهو ان كل جزء من اجزاء هذا العدد زوج الزوج في نفسه وفى تسميته من جملة العدد الذي هو جزء منه وتولد ازواج الازواج كلها وطريق وجودها حتى لا يشد عدد منها لكن ينتظم فيه كلها على الولاء يكون على ما اصف.

تبتدئ من الواحد فتجعله كالأصل والأساس وتأخذ اعداداً مبتدئة منه متوالية على نسبة الضعف وتذهب فيها كم شيئاً فان الاعداد التي توجد بهذه الصفة هي ازواج ازواج ولو خرج ذلك إلى ما لا نهاية له وليس يمكن ان يوجد اعداد الزواج غير هذه مثل الواحد والاثنين والاربعة والثمانية والستة عشر والاثنين وثلاثين والاربعة وستين والمائة وثمانية وعشرين والمائتين وستة وخمسين والخمسمائة واثنى عشر وما بعد ذلك على هذا المثال بالغاً ما بلغ فكل واحد من الاعداد التي ذكرنا يتولد بنسبة الضعف المبتدئة من الواحد هو ابدا زوج الزوج وكل جزء يوجد له فان اسمه مشتق ابدا من اسم واحد من تلك الاعداد التي دون العدد الذي هو جزء له من الاعداد المتوالية على نسبة الضعف وعدد ما فيه من الآحاد بعدد المرات التي تعد واحدا من الاعداد التي دون ذلك العدد الذي ذكرنا ويكون الامر في ذلك على سبيل الابدال والتكافيء فمتى كان عدد من الاعداد الموضوعة المبتدئة من الواحد الاخذة على نسبة الضعف عدداً زوجاً لم يوجد فيها عدد وسط فيه لكن يكون المتوسط منها ابدا عددان منهما يبتدئ التكافيء والتبادل الذي ذكرنا الكائن فيما بين حال الاعداد في انفسها وبين كل جزء كل واحد منها ومن جملة العدد ويكون الذهاب في ذلك من العددين الاوسطين إلى الجانبين اما اولاً فإلى العددين اللذين في جانبهما من الناحيتين ثم إلى ما وراء ذلك من الناحيتين حتى ينتهى إلى الاطراف والغايات فيكون التكافيء حينئذ فيما بين نسبة الكل التي هي مأخوذة من الواحد وبين نسبة الواحد التي هي مأخوذة من جملة ذلك العدد كما انا مثلاً متى جعلنا اعظم الاعداد التي نأخذها عدد قكح كانت الحدود التي قد رُتبّت حينئذ حدوداً عددها زوج وذلك انها ثمانية وليس منها عدد واحد متوسط لان ذلك غير ممكن في الازواج لكنه يجب ضرورة ان يكون عددان من هذه الاعداد متوسطين وهما عدد  ح  وعدد يو وهذان العددان يرى كل واحد منهما من العدد الأعظم الذي هو قكح مكافئاً لصاحبه وذلك ان ثمن جملة عدد قكح هو عدد يو وعلى عكس ذلك يكون جزء من يو منه عدد  ح  واذا نحن أخذنا إلى الناحيتين كان ربع العدد الذي ذكرنا عدد لب وجزء من لب منه عدد  د  وأيضاً فإن نصفه سد وجزء من سد منه  ب  واما الأطراف التي هي من اجزاء الاسم هي هذه أما الجزء من قكح منه فهو الواحد وأما الكل منه الذى هو قياس الواحد فانه يكون فكح

قال ثابت وهاهنا أيضاً يعني بالحدود الأعداد التي وضعت من الواحد مع الواحد

فأما إن كان عدد الحدود التي وضعت عدداً فرداً كما يكون متى جعلنا أعظمها عدد سد فكانت جملتها  ز  حدود فانا نجدها حينئذ عدداً متوسطاً اضطراراً الذي يوجبه من ذلك طبع العدد الفرد وهذا العدد انما هو في باب الابدال قياس لنفسه ومكافئ لها لأنها لا قرين له

وأما التي عن جنبتيه فإن بعضها ابدا قرين بعض حتى ينتهي إلى الغايات والاطراف منها كما أن الجزء من سد منه هو الواحد وكليته سد وأيضاً فان نصفه لب وجزء من لب منه ب وربعه يو وجزء من يو منه د واما الثمن فليس بأزايه شيء غيره وذلك أن قياسه من هذه الاعداد هو الثمانية نفسها ومما يعرض لهذه الحدود التي ذكرنا ان تكون متى اجتمعت مساوية للعدد الذى يتلوها غير واحد ان كان عدد الحدود عدداً زوجاً وان كان عددها عدداً فرداً فيجب من ذلك اضطراراً ان يكون كل حدود منها تجتمع على الولاء فان جملتها عدد فرد وذلك ان ما نقص عن العدد الزوج فهو ابداً فرد والعلم بما قلنا يحتاج اليه حاجة شديدة ضرورية في معرفة كون العدد التام فنجعل العدد مثلاً عدد المائتين والستة والخمسين فجملة ما دون هذا العدد الى الواحد مساوية لهذا العدد غير واحد وكذلك ايضاً العدد الذى يلى العدد الذى ذكرنا وكذلك يوجد الحال ايضا فيما يتلو العددين اللذين ذكرنا مما هو اقل منهما اذا قسنا بما دونهما من الاعداد ولذلك صار الواحد نفسه مساوياً لما يليه منها منقوصاً منه الواحد والذى يليه فهو الاثنين والواحد اذا جمع مع الاثنين كان ما يجتمع اقل من الذى يتلوه بواحد وهذه ثلثتها اقل من الذى يتلوها بواحد وعلى هذا يجرى الامر فيما بعد الى ما لا نهاية له من غير ان يقع فيه خطا ومما يضطر الحاجة اليه ايضا ان نعلم انه ان كان عدد ما وضع عند طلبنا لوجود ازواج الازواج عدداً زوجاً فان الذى يكون من ضرب الطرفين احدهما في الاخر ابدا مساو للذي يكون من ضرب الاوسطين احدهما في الاخر فان كان عدده عدداً فرداً الذى يكون من ضرب الطرفين احدهما في الاخر مساو للذي يكون من ضرب العدد الاوسط في نفسه وذلك انا جعلنا المثال على ان يكون عدد ما يوضع عدداً زوجاً مثله في المائة والثمانية وعشرين كان المجتمع من ضرب الواحد في هذا العدد قكح وكذلك ايضا ما يجتمع من ح في يو ومن ب في سد ومن د في لب وكذلك ايضا يكون الحال في سائر ما اشبه ذلك واما ان نحن جعلنا المثال على أن يكون عدد ما يوضع عدداً فرداً فهو على ما اصف ان نحن جعلنا العدد الأعظم سد كانت

المصادر

[عدل]