الكتاب (سيبويه)/المقدمة
الكتــاب
تأليف أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الملقب بـ سيبويه
نبذة: جاء أبوابًا في أربعة أجزاء، بدأه المؤلف بباب في علم الكلم من العربية، واختتمه بباب في الجر، وقد اشتمل الكتاب على ألف وخمسين بيتًا من الشعر. وفيه قال محمد بن يزيد: "لم يُعمل كتاب في علم من العلوم مثل كتاب سيبويه؛ وذلك أن الكتب المصنّفة في العلوم مضطرة إلى غيرها، وكتاب سيبويه لا يحتاج مَنْ فَهِمَه إلى غيره "
مقدمة
[عدل]
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم،
قال أبو عبيد الله محمد بن يحيى: قرأت على ابن ولاّد وهو ينظر في كتاب أبيه. وسمعتُه يُقْرَأ على أبي جعفر أحمد بن محمد المعروف بابن النحّاس. وأخذه أبو القاسم بن ولاد عن أبيه عن المبرد. وأخذه المبرد عن المازني عن الأخفش عن سيبويه.
الحمد لله الذي افتتح بالحمد كتابه وجعله آخر دعاء أهل الجنة فقال جلّ ثناؤه: " وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ". وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلى آله الطيبين.
قال لنا أبو جعفر أحمد بن محمد: لم يزل أهل العربية يفضّلون كتاب أبي بشر عمرو بن عثمان بن قَنْبَر المعروف بسيبويه حتّى لقد قال محمد بن يزيد: " لم يُعْمَل كتاب في علم من العلوم مثل كتاب سيبويه، وذلك أن الكتب المصنّفة في العلوم مضطرة إلى غيرها، وكتاب سيبويه لا يحتاج مَنْ فَهِمَهُ إلى غيره ".
وقال: سمعت أبا بكر بن شُقَير يقول: حدثني أبو جعفر الطبري قال: سمعتُ الجَرْميَّ يقول: أنا مُذ ثلاثون أُفتِي الناس في الفقه من كتاب سيبويه.
قال فحدَّثتُ به محمد يزيدَ على وجه التعجُّب والإِنكار فقال: أنا سمعت الجرميَّ يقول هذا - وأومأ بيديه إلى أذنيه. وذلك أنّ أبا عُمر الجَرْمي كان صاحبَ حديث ، فلما علِم كتاب سيبويه تفقّه في الحديث، إذ كان كتاب سيبويه يُتعلَّم منه النظر والتَّفتيش. انتهى.
قال أبو جعفر: وقد حكى بعضُ النحويين أنَّ الكِسائي قرأ على الأخفش كتاب سيبويه ودفع له مائتي دينار.
وحكى أحمد بن جعفر أن كتاب سيبويه وُجِدَ بَعْضُهُ تحت وسادة الفرَّاء التي كان يجلس عليها.
وأَصْلُ ما جاء به سيبويه عن الخليل.
قال أبو جعفر: وسمعت أبا إسحاق يقول: إذا قال سيبويه بعد قول الخليل "وقال غيره" فإنّما يعني نفسه لأنه أَجَلَّ الخليلَ عن أن يذكر نفسه معه وإذا قال "وسألتُه" فإنما يعني الخليل.
وقال أبو إسحاق: إذا تأملتَ الأمثلة من كتاب سيبويه تبيّنتَ أنه أعلم الناس باللغة. قال أبو جعفر: وحدثني علي بن سليمان قال: حدثني محمد بن يزيد أن المفتشين من أهل العربية ومَنْ له المعرفة باللغة تتبّعوا على سيبويه الأمثلة فلم يجدوه تَرَكَ من كلام العرب إلاّ ثلاثة أمثلة: منها الهُنْدَلِع وهي بقلة. والدُرداقِس وهو عَظْم في القفا. وشَمَنْصِير وهو اسم أرض.
وقال أبو إسحاق: حدثني القاضي إسماعيل بن إسحاق قال: حدثني نَصْر بن علي قال: سمعتُ الأخفش يقول: يُعَدُّ من أصحاب الخليل في النحو أربعة: سيبويه والنَضْر بن شُمَيْل وعلي بن نَصْر - وهو أبو نصر ابن علي - ومؤرِّج السَدوسي.
قال: وسمعت نصراً يحكي عن أبيه قال: قال لي سيبويه حين أراد أن يضع كتابه: تعال حتى نتعاون على إحياء علم الخليل.
قال أبو جعفر: وقد رأيتُ أبا جعفر بن رُسْتُم يروي كتاب سيبويه عن المازني غير أن الذي اعتمد عليه أبو جعفر في كتاب سيبويه إبراهيم بن السَريّ لمعرفته به وضبطه إياه.
وذكر أن علي بن سليمان حكى أن أبا العباس كان لا يكاد يُقْرِئُ أحداً كتاب سيبويه حتى يقرأه على أبي إسحاق لصحة نسخته ولذِكْر أسماء الشعراء فيها.
قال الجرمي: نظرتُ في كتاب سيبويه فإذا فيه ألف وخمسون بيتاً. فأما ألف فعرفتُ أسماء قائليها فأثبتُّ أسماءهم وأمّا خمسون فلم أعرف قائليها.
قال أبو جعفر: وسمعت محمد بن الوليد يقول: نظرت في نسخة كتاب سيبويه التي أمليت بمصر فإذا فيها مائتا حرف خطأ.
قال: ورأيت أبا إسحاق قد أنكر الإسناد الذي في أولها إنكاراً شديداً. وقال: لم يقرأ أبو العباس محمد بن يزيد كتاب سيبويه كله على الجرمي، ولكن قال أبو إسحاق: قرأتُه أنا على أبي العباس محمد بن يزيد وقال لنا أبو العباس: قرأتُ نحو ثُلثه على أبي عمر الجرمي فتوفّي أبو عمر فابتدأتُ قراءتَه على أبي الحسن سعيد بن مَسْعَدة الأخفش وقال الأخفش: كنت أسأل سيبويه عمّا أَشْكَلَ عليّ منه فإن تَصَعَّبَ عليّ الشيءُ منه قرأتُه عليه.
وأما أبو القاسم بن ولاّد فإنه حدّثنا عن أبيه أبي الحسين قال: حدّثني أبو العباس المبرد قال: قرأ المازني كتاب سيبويه على الجرمي وساءل الأخفش عنه وقرأه الجرميّ على الأخفش.
قال: وحدثني المبرد قال: قرأت بعض هذا الكتاب على الجرمي وبعضه على المازنيّ ومنه ما قرأته عليهما جميعاً. قال: وسمعتُ المبرد يقول: قد أدرك أبو عمر مَن أَخَذَ عنه سيبويه واختلف إلى حلقة يونس.
وحدّثنا أبو القاسم بن ولاد عن أبيه قال: حدثنا أبو العباس قال: حدثني الزيادي أبو إسحاق قال: عَمَدْتُ إلى أبي عمر الجرميّ أقرأ عليه كتاب سيبويه ووافيتُ المازنيّ يقرأ عليه في أثناء " هذا باب ما يرتفع بين الجزأين " فكنّا نعجب من حذقه وجودة ذهنه. وكان قد بلغ من أوّل الكتاب إلى هذا الموضع.
قال أبو الحسين بن ولاّد: يعني أن المازني كان قد بلغ على الأخفش إلى هذا الموضع.
وسمعت أبا القاسم بن ولاّد يقول: كان أبي قد قَدِمَ على أبي العباس المبرّد ليأخذ منه كتاب سيبويه فكان المبرد لا يمكّن أحداً من أصله وكان يضنّ به ضنّة شديدة فكلّم ابنه على أن يجعل له في كل كتاب منها جُعْلاً قد سمّاه فأكمل نسخه. ثم إن أبا العباس ظهر على ذلك بَعْدُ فكان قد سعى بأبي الحسين إلى بعض خَدَمةِ السلطان ليحبسه له ويعاقبه في ذلك فامتنع أبو الحسين منه بصاحب خَراج بغداد يومئذ وكان أبو الحسين يؤدّب ولده فأجاره منه.
ثم إن صاحب الخراج ألظّ بأبي العباس يطلب إليه أن يقرأ عليه الكتاب حتّى فعل. قال أبو عبد الله: فقرأته أنا على أبي القاسم وهو ينظر في ذلك الكتاب بعينه وقال لي: قرأتُه على أبي مراراً.