العقائد الفاسدة
سيري أيتها المبرقعة مطويّة في الشرشف الأسود، ولا يعلم إلا الله ما تحت ذلك السواد ملاك أم عفريت؟ إلى طبول المجاذيب والقي هناك الشباب الساقط الأخلاق ينظر إلى المجذبين يمثلون دور انحطاط الإنسان إلى أقصى درجات الهمجية الحيوانية.
يدعون من لا يستجيب ومن دعى الموت فاحسبه من الأموات. أما أنت أيتها الصاربه فامشي إلى الحقل وكُلي خبزك في ظل الشونة هنالك بجانب الرجل الذي احتاج لمساعدة ذراعيك، لقد مزقت لك الطبيعة الحجاب بمسيس الحاجة والضرورة، لا بِضغط مصطفى كمال ولا مدافع أمان الله خان. اجمعي العرائس في جعبتك فإن هذا المنجل في يدك الرطبة سيف الله المسلول على الجوع، انت رازقه ذلك العاطل وتلك العاطلة في المولد.
اضاعوا دنانيرهم في الخضاب والثياب أما انت ففي الحقل تجمعين لنفسك قوت السنة، وتسدين الجميل إلى الإنسانية في محاربة الجوع، فأنت إذاً بطل من أبطال معركة الحياة. اسمعي هناك هدير الماء في لون السماء، وشمّي النسيم وقد حرّك أغصان الشجر التي عُلقت عليها القربة فيها الماء البارد، تمتعي بالهواء النقيّ وسرحي طرفك في مناظر الطبيعة في الحقل، حيث ينبت الغصن الوريق ويتجلّى المنظر النضير، ويتولّد من أشعة الشمس لون اللجين والنضير. اعملي هناك عند ألطف مناظر الطبيعة والصُنعة البديعة.
أفلا تدرين يا سيدتي أن في ذراعك العامل وخدّك الأسيل وصدرك المعرّض لحرارة الشمس وقامتك الهيفاء بين الأغصان منظراً طبيعياً رائعاً. فبالله يا سيدتي الصاربه إذا مرّ بك «البيرقدار» والمجاذيب خذي قبضة من تراب الساقية واقذفي بها وجوه الذين يهرولون وراءهم وقولي شاهت الوجوه.
فهل تدرين يا سيدتي أن المبرقعة المشرشفة في المولد بين غوغاء المجاذيب وزحام العاطلين وصياح الباعه تعتبر متبرجة يطاردها رجال المحكمة الشرعية مع أنها مغطاة مكسية كأنها زبال في شوال، أما أنت فحاسرة الوجه والذراع مكشوفة الصدر تغني وترقصي أيضاً بين الرجال ليستشري النشاط في جسمكِ فيقوى ذراعكِ على العمل الشاق. تفعلين كل هذا وأنت غير متبرجة، بل أنت ربّة الصون والعفاف في الدار والحقل. المُفتي والقاضي والفقيه في حقولهم بجانبكِ لا يستطيعون نهيكِ عن عملكِ فإنكِ حاملة صك المأذونية من الطبيعة. اخترعت طلبك الحاجة ودلّتنا على الإستعانة بك الضرورة، مرحباً بك أهلاً وسهلاً اعملي مطمئنّة، مؤيّدة بالشرع والعرف، فأنت ورفاقكِ الدولة الحامية للبلاد من المجاعة، فلذلك الهيئة الإجتماعية تُقدّم لك مع الشكر الحريّة التامة لتسيري بلا رقع ولا ملاية.
ولتحيَ اليد القابضة على المحراث والمنجل. أما المشرشفة فلم تزل هناك في المولد تنظر إلى المجاذيب وإلى الشباب العاطل الذي ترك شغله وأضاع فلوسه، كلهم هناك يتحدثون عن كردان وفرهود والجرمى وأم عنقود. وعن المجذوب الذي قلع عينه وقطع لسانه وطرحها على حديد الجنبية، وفي الليلة البارحة أكل النار، وجعل ماء البئر ماء ورد. ثم دفعوا فلوسهم للرجل الجالس بجانب القبر وشروا بها عقود وعزائم ومن تراب القبر بركة، استدلّينا بذلك على فساد عقليتهم وانحطاطها، وأن كل أمة هذه عقائدها ساقطة وسائرة إلى الإنقراض. سرّحي أيتها المشرشفة طرفك، هذه أزقّة ضيقة وهنا بيوت خربة وهذه قشور عرانس الهند والبطيخ وقراطيس قذرة مبعثرة في الأزقّة على وجه الأرض، هل هذا يشبه الجداول والزهور والأغصان؟ وهل الزحام نقيّ الهواء وصفيّ الماء؟
إلى أين تحملين هذه الحنوط البيض والعزائم، إلى عنق الطفلة المصابة بالوبالة هكذا تفعلين؟ اذهبي. لا شفاء بإذن إبليس، يا مشرشفة، وما هذه الجعبة التي أدخلتيها في جيبكِ، فوق حزامكِ كأنكِ حبلى بالحلوى، تلوثينها بعرق بطنكِ وتسممين بها أولادكِ. هذه هي التسميرة بركة الشيطان، أنتِ ورفاقك وعقائدكم خزي وعار على الهيئة الأجتماعية، ولأجل ذلك الهيئة ترسل إليكم عساكر القضاء الشرعي لمطاردتكِ وإخراجكِ من المولد كالمجرمة وتسلبكِ الحرية حتى وأنت مبرقعة مكسية، وتمقت أيضاً الشباب العاطل لأنه حمل ثقيل عليها.
أنظر أيضاً
[عدل]هذا العمل في الملك العام في اليمن وفق قانون رقم 15 لسنة 2012 (اليمن) بشأن حق المؤلف والحقوق المجاورة لأن مدة حماية حقوق المؤلف قد انقضت. |