الطائر الجريح
المظهر
الطائر الجريح
أيُّ جوادٍ قد كبا
وأيُّ سيفٍ قد نبا
تعجبتْ زازا وقد
حقَّ لها أن تعجبا
لما رأتْ فيَّ شحوب
الشمسِ مالت مغربا
وهي التي زانت مشيبي
بأكاليل الصِّبا
وهي التي قد علّمتْني
حين ألقى النُّوبا
كيف أُداري النابَ إن
عضَّ وأخفي المخلبا
لاقيتُها أرقصُ بشراً
وأُغني طربا
وهي التي تهتك سِتْرَ
القلبِ مهما انتقبا
لا مغلقاً تجهله
يوماً ولا مُغَيّبا
في فطنةٍ تومضُ حتّى
تستشفَّ ما خبا
رأتْ وراء الصدرِ طيراً
قلِقاً مضطربا
في قفصٍ يحلمُ بالأفقِ
فيلقى القُضُبا
إنَّ زماناً قد عفا
وإنَّ عمراً ذهبا
وصيّرتْهُ طارقاتُ
السقمِ وَقراً متعبا
ورنَّقتْ موردَهُ
أنّى له أن يَعُذبا؟
إني امرؤٌ عشت زماني
حائراً معذَّبا
عشت زماني لا أرى
لخافقي منقلبا
مسافراً لا قوم لي
مبتعداً مغتربا
مشاهداً عَلِّيَ في
مسرحِهِ أن ارقبا
رواية مُلَّت كما
مُلَّ الزمانُ معلبا
وظامئاً مهما تُتَحْ
موادٌ أن أشربا
وجائعاً لا زادَ في
دناي يشفي السغبا
فراشة حائمة
على الجمال والصبا
تعرَّضت فاحترقت
أُغنية على الربى
تناثرت وبعثرت
رمادها ريح الصّبا
أمشي بمصباحي وحيداً
في الرياح متعبا
أمشي به وزيتُه
كاد به أن ينضبا
وشد ما طال الصراع
بيننا واحربا
ريحُ المنايا تقتضيني
نسماتي الخُلّبا
وليس بالأحداث فيما
قيل أو ما كتبا
كالعمر والسقم إذا
تحالفا واصطحبا
لولاك ما قلت لشيء
في الوجود مرحبا
ولم أَجد ركناً غنّياً
بالحنانِ طيِّبا
أنتِ التي أقمت مر
فوعَ البناءِ من هَبا
وإنني الصخرُ الذي
أردتِ أن لا يُغلبا
ويضرب البحرُ عليه
موجَه منتحبا
علمتِ يأسي وجنوني
وجهلتِ السببا
يا أملي إنك يأسُ
القلبِ مهما اقتربا
يا كوكباً مهما أكن
من بُرجه مقرَّبا
فإنه يظل في السَّمْتِ
البعيدِ كوكبا
وأين مني فلك
قد عزّني مطَّلبا
ليس إلى خياله
إلا السهاد مركبا
أستبطئُ الريحَ له
وأستحثُّ الكتبا
ولو طريق حبّه
على القتاد والظُّبا
وقيل للقلب هنا الموتُ
فعُدْ تسلم أبى
إني امرؤٌ عشتُ زماني
حائراً معذّبا
لا أحسِب الأيام فيه
أو أعُدُّ الحِقبا
ضقتُ بها كيف بمن
ضاق بها أن يَحسبا
تغيّرتْ واختلفتْ
وسائلاً ومطلبا
وارتفعتْ وانخفضتْ
طرائقاً ومأربا
سلوت على الحالين حُمْلاناً
بها وأذؤُبا
وشاكلتْ لناظري
سهولَها والهُضُبا
دخلتها غِرّاً وعدت
فانياً مجرِّبا
لا أسأل الأيام عن
أعمالها معَقِّبا
إن كان هذا الدهر فيما
جرَّه قد أذنبا
فإنه تاب وأدَّى
وعدَهُ المرتقبا
لقاكِ ماحٍ للذنوب
كيف لي أن أعتبا
ضممتُ عطْفيْكِ غداة
الروع أبغي مهربا
كم خفتُ من أن تذهبي
وخفتِ من أن أذهبا
كأن طفلاً خائفاً
في أضلعي حلَّ الحُبى
يضرب ما اسْتطاع على
جدرانها أن يضربا
يكافحُ الأمواجَ أو
يصرعُ جيشاً لجبا
إن بَعُد الشطُّ فقد
آن له أن يقرُبا
أنتِ الحياةُ والنجاةُ
والأمانُ المجتبى