انتقل إلى المحتوى

الشيخ الرهيب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​الشيخ الرهيب
The Terrible Old Man​
 المؤلف هوارد فيليبس لافكرافت
ملاحظات: (ترجمات ويكي مصدر) الشيخ الرهيب قصة قصيرة كتبها لافكرافت في عام 1920 ونشرها في السنة التالية في مجلة الهواة Tryout


خططّ أنجيلو ريتشي وجو تشانيك ومانويل سيلفا للتجسّس على الشيخ الرهيب. هذا الشيخ يسكن لوحده في منزل قديم جدا في شارع واتر بالقرب من البحر، وهو معروف بثرائه الفاحش ووهن جسده؛ وهو ما يشكل مصدر جذب لمهنة السادة ريتشي وتشانيك وسيلفا، ذلك أن مهنتهم كانت السرقة.

يتحدث أهل كينغسبورت بكثير الأمور حول الشيخ الرهيب والتي تبقيه سالما عن أعين أناس مثل السيد ريتشي وزملائه، ولكن من شبه المؤكد أنه يخفي ثروة لا تعد ولا تحصى في مكان ما في داره العتيقة والمهيبة. في الحقيقة، فهو شخص غريب جدا، ويُعتقد أنه كان في شبابه ربانا في سفن شركة الهند الشرقية؛ وبلغ من العمر مبلغا أن لا أحد يتذكر متى كان شبابه، وكان قليل الكلام بحيث أن قلّة يعرفون اسمه الحقيقي. يحتفظ الشيخ بين الأشجار المتشابكة في الفناء الأمامي لبيته القديم والمهمَل بمجموعة غريبة من الحجارة الكبيرة، منظّمة بشكل غريب وملونة بحيث تشابه الأصنام في بعض معابد الشرق الغامضة. هذه الأصنام تخيف الأولاد الصغار الذين يحبون مضايقة الشيخ الرهيب بشعره الطويل ولحيته التي علاها البياض، أو يكسرون نوافذ بيته الصغيرة بقذائف شرّيرة؛ ولكن هناك أشياء أخرى تُخيف الناس الفضوليين البالغين والذين يتسلّلون إلى المنزل ويختلسون النظر من خلال النوافذ التي علاها الغبار. ويقول هؤلاء أنهم رأوا طاولة في غرفة خالية في الطابق الأرضي وعليها العديد من القناني الغريبة، في كل منها قطعة صغيرة من الرصاص معلقة بخيط كالبندول. ويقولون أن الشيخ الرهيب يتحدّث إلى هذه الزجاجات، ويناديها بأسماء مثل جاك، الوجه ذو الندبة، توم الطويل، جو الإسباني، بيترز، الرفيق إليس، وكلما تحدّث إلى زجاجة فإن البندول الرصاصي يهتزّ بإشارات محدّدة كما لو كان يجيبه.

من يشاهد الشيخ الرهيب الطويل والهزيل وهو منشغل في محادثاته الغريبة، فإنه يقرّر عدم مقابلته مرة أخرى. لكن أنجيلو ريتشي وجو تشانيك ومانويل سيلفا لم يكونوا من كينغسبورت؛ بل كانوا قوما أغرابا وقادمين جددا وغير متجانسين مع دائرة الحياة والتقاليد السحرية في نيو إنغلاند، ولم يروا في الشيخ الرهيب إلا شخصا مترنّحا عاجزا بلحية رمادية، لا يمشي إلا بمساعدة عكازه، ويداه النحيلتان الضعيفتان ترتعشان بشكل يثير الشفقة. كانوا يحسون بالأسى وهم في طريقهم إلى بيت الرجل الشيخ والوحيد، والذي نأى عنه الجميع، حتى أن كل الكلاب كانت تنبح عليه. ولكن العمل يأتي قبل كل شيء، ويجد اللص إغراءا وتحديّا في بيت رجل مسن وضعيف لا يملك حسابا في المصرف، ويشتري ضرورياته من متجر القرية بنقود الذهب والفضة الإسبانية التي سكّت قبل قرنين من الزمان.

اختار السادة ريتشي وتشانيك وسيلفا ليلة الحادي عشر من أبريل لمهمّتهم. قرّر السيد ريتشي والسيد سيلفا مقابلة الشيخ المسكين، بينما انتظرهم السيد تشانيك في السيارة في شارع شيب، قرب البوابة عند الجدار الخلفي الطويل في أرض مضيفهم. وقد وضعوا خططا أخرى كي يرحلوا بهدوء ودون إثارة للشك، رغبة منهم في تجنّب تقديم أي تفسيرات لا داعي لها في حالة مجيء الشرطة فجأة.

وكما خطّط المغامرون الثلاثة مسبقا، فقد ذهب كل على حدة لدرء أي شك بشأن مهمتهم. تقابل السادة ريتشي وسيلفا في شارع واتر قرب البوابة الأمامية لبيت الشيخ، ارتابوا من نور القمر وهو ينير على الحجارة الملوّنة من خلال فروع الأشجار المتشابكة، لكن كان لديهم ما هو أهم من التفكير بالخرافات التافهة. كانوا يفكّرون بمقدار العمل اللازم لجعل الشيخ الرهيب يفصح عّما يحتفظ به من ذهب وفضة، ذلك أن رجال البحر الذين بلغوا من العمر عتيّا يُعرفون بالعناد وسوء الطبع. ومع ذلك، فقد بلغ من الكبر والضعف مبلغا، وكان هناك زائران يترصّدان به. وكان السادة ريتشي وسيلفا خبيران في فن تحويل الناس الكتومين إلى فصحاء، كما أنه يمكن كتم صرخات الشيوخ الضعفاء بسهولة. انطلقا إلى نافذة مضاءة وسمعا الشيخ الرهيب وهو يتكلم إلى زجاجاته ذات البندول وكأنه طفل. بعد ذلك ارتدوا الأقنعة وطرقوا بكل أدب على الباب البلوطي الذي أثّر عليه الطقس.

بدا الانتظار مملا بالنسبة للسيد تشانيك وهو قلق يتململ في السيارة قرب البوابة الخلفية لمنزل الشيخ الرهيب في شارع شيب. وكان طيب القلب، ولم يحب سماع تلك الصرخات البشعة التي سمعها في البيت القديم بعد ساعة فقط من المهمة. ألم يخبر زملاءه أن يكونوا رحماء ما أمكن مع ربّان البحر المسكين؟ ظل يراقب بعصبية شديدة هذا الباب البلوطي الضيق في الجدار الحجري العالي والذي تعلوه فروع اللبلاب. وكثيرا ما كان ينظر إلى ساعته ويتساءل عن سبب هذا التأخير. هل توفي الرجل الشيخ قبل الكشف عن مكان كنزه، وأصبح من الضروري تفتيش المكان بدقة؟ لم يرغب السيد تشانيك بالانتظار وقتا طويلا وسط الظلام في مثل هذا المكان. ثم سمع خطوات لينة على الرصيف داخل البوابة، وسمع صوت شيء يتحسس المزلاج الصدئ، ورأى الباب الثقيل والضيق وهو يُفتح ويتحرك إلى الداخل. وعلى وهج نور مصباح الشارع الخافت مدّ نظره ليرى ما جلبه زملاؤه من ذلك البيت الشرير. ولكن عندما نظر إلى المنزل، لم يرى ما كان يتوقعه؛ لم ير زملاءه على الإطلاق، ولكنه رأى الشيخ الرهيب وهو يتكئ بهدوء على عصاه ويرسم على وجهه ابتسامة مخيفة. لم يلاحظ السيد تشانيك من قبل لون عيني هذا الرجل؛ ولكنه رأى الآن أنها صفراء.

لا تحدث أشياء مثيرة في المدن الصغيرة، ولهذا السبب فقد تحدث الناس في كينغسبورت ذلك الربيع والصيف عن جثث ثلاثة مجهولة الهوية، تم تقطيعها بشكل مريع بعدة خناجر، وتشوهت بشدة بعد أن داستها عدة أقدام، والتي غسل ماء المد آثارها. حتى أن بعض الناس تحدثوا عن أشياء عادية مثل السيارة المهجورة التي عثر عليها في شارع شيب، أو الصرخات التي لا يظهر أنها صدرت من بشر، وربما كانت من حيوان ضال أو الطيور المهاجرة، والتي سمعها المواطنون الذين سهروا ليلا. ولكن في هذا القيل والقال لم يهتم أهل القرية الناعسة بأمر الشيخ الرهيب على الإطلاق. فقد حفظت الطبيعة هذا الرجل، وعندما ينال العمر والضعف من الإنسان، فإن الطبيعة تحفظه أكثر فأكثر. إلى جانب ذلك، فلا بد أن البحار الشيخ شهد في أيام شبابه البعيدة التي لا يتذكرها أحد عشرات الأشياء التي تفوق ما حدث هنا إثارة.