الروم في سياستهم وحضارتهم ودينهم وثقافتهم وصلاتهم بالعرب (1951)/الباب الخامس/يوستينوس ويوستنيانوس
الباب الخامس
كرامة ومجد وعظمة
الفصل الحادي عشر
پوستینوس و پوستنیانوس
(٥١٨ - ٥٧٨)
اصل هذه الأسرة : وقد كان السائد حتى اواخر القرن الماضي ان هذه الأسرة تحدرت من أصل صقلبي. و الذي حمل على هذا الاعتقاد ما ورد من أسماء صقلية دعي بها بوستنیانوی و انسباؤه، في ترجمة هذا الامبراطور نسبت الي معلمه ثيوفيلوس. ولكن المؤرش الانكليزي جامی برايس اثبت في أواخر القرن الماضي إن هذه الترجمة هي من نتاج القرن السابع عشر وانها بالتالي لا تستحق عناية المؤرخ واعتماده١. والذي يراه رجال الاختصاص اليوم أن بوستينوس و بوستنيانوس تحدرا من أصل ايليري او ألباني، وان بوستنيانوس ولد في احدى قرى مقدونية العليا في جوار اسكوب على حدود البانية. اما بريشيك فيرى أنها من أصل روماني. ومما لا شك فيه أنهما تعلمها اللغة اللاتينية [" دو سموس الأولى فيجلانتية - سانيوس = ( ۵۲۷ - ۰۹۱۸ بوستنيانوس = ثيودورة فلانتية = دو لسیسیمو (548 - 5۲۷) ۰۹۰ - ۵۲۷) 1 يوستينوس الثاني ( ۱۶۰ – ۵۷۸ ) = صوفية طیاروس الثاني (بالتبني) (OAT - OYA) | نطنطنة = مورقبرس (۱۰۲ - ۰۸۲ )
بوستينوس، الأول : ( ۰۱۸ - ۵۲۷) وترفي انسطاسيوس في التاسع من تموز سنة 18ه بدون تعقب. فتولى العرش بعده يوستينوس أهد قادة الحرس الامبراطوري؟ بتدبير لا يزال غامضة. وكان بوستنوس هذا وضيع الأصل، مغمور الذکر، جاء العاصمة مغامرة مشي على القدمين من مقدونية. الا انه كان جنديا ياسر فألحق بالحرس الامبراطوري. 1 و Jirecek, C., Geschichte der Serben, 4, 16, comes excubitorn, ۱۹۹ و ظل يتقدم حتى أصبح قومس احدى فرق الحرس، على أنه في الواقع لم يكن شيئا غير جندي باسل. وقد رأى فيه المؤرخون المعاصرون له امتيا لا يقرأ ولا يكتب، متطفلا على السياسة واهلها، جاعلا علم اللاهوت. و يقولون انه لولا مانده این اخته يوستنیانو له لناء بحمله وضاع في متاهات الادارة والسياسة. وكان يوستينوس قد استقدم يوستنيانوس اليه في حداثته، و عني بتنقيفه وتهذيبه، فأصاب برستینیانوس شنطرة وأغر من العلم في مدارس العاصمة. فلما تبوأ خاله عرش القسطنطينية كانا يوستنیانوس قد أنهى علومه وخبر الحياة السياسية وتحلى بالنضج والاتزان. وكان الاثنان كاثوليكيين ارثوذكسيين يقولان بقرارات المجامع المكونية الأربعة فأنهيا ما كان قد وقع من شقاق بين القسطنطينية ورومة من جراء اینو نیکون (4۸۲) زينون، وأقصيا أصحاب الطبيعة الواحدة عن المراكز الهامة، ورما أنزلا بعضهم شيئا من العذاب. وكان هؤلاء كثرة في ارمنية وسورية ولبنان وفلسطين ومصر. فنفرت هذه الأمطار من سياسة الأميرة الجديدة. وشعر پوستنيانوس بهذا النفور، وخشي سوء العاقبة في حقل السياسنين الداخلية والخارجية في الشرق. نكتب رسالته الشهيرة الى اليابا هررمیزداس في السنة ۲۰ه مقترحا استعمال اللطف مع اصحاب الطبيعة الواحدة وكي يتم الشفاه بدون تفتح جروح جديدة.، بوسلینوس و کالب: وكانت قد تسربت النصرانية إلى بلاد اليمن بعد انتشار اليهودية فيها. وكان آخر ملوك حمير ذو نواس هودية في يظهر واشتدت المنافسة بين النصارى العرب واليهوه العرب ) وانقلبت عداء مريرة. وكان ذو نواس يرى في النصرانية ما يذكر. بالاحبان واحتلالهم. فأوقع بالنصارى في النة ۲۳ه مذبحة نجران + Corps Scriplorum Ecclesiasticorum Latinorum, XXX1,655-650, (1895.) ۱۹۷ لهم ال ۰۲۵ الشهيرة. ثم جمع من نجا منهم وخيرهم بين القتل واليهودية. فاختاروا القتل - اخدود النار ذات الوقود، وجاء في الطبري أن درس ذا ثعلبان أفلت ولا إلى إمبراطور الروم بستنصره على ذي نواس، وان بوستينوس قال له : « نأت بلادك عنا فلا نقدر أن نتناولها بالجنود ولكني ساكتب إلى نجاشي الحبشة و هو اقرب ملوك النصرانية الى بلادك.» را روی ايضا ان النجاشي انتصر على ذي نواسی مرتين متواليتين في السنة ۵۲۳ و في وهنا رب" معترض يقول : كيف أضطهد يوستينوس اصحاب الطبيعة الواحدة في بلاده ثم تعاون مع النجاشي كالب الذي كان يقول هو ايضا بالطبيعة الواحدة ؟ والجواب أن صاحب القسطنطينية كان يعتبر نفسه حامي ثمار النصرانية في كل المسكونة. وتحدث الأحباش طويلا بهذا التعاون بين بوستينوس و کالب و تناقلوا الخبر جيلا بعد جيل ودونود في القرن الرابع عشر في تاريخهم القومي الكبير : اکبر نجت، ومعناه فخر الملوك. فقالوا أن اسرتهم تحدرت من سلمان و بلقيس وان دولتهم أشرف من دولة الروم وانه كان ليوستينوس ولتالب أن يلتقيا في اوروشليم ليتنيا الارض باجمعها؟. يوستنيانوس و ثيودورة: وتحفظ لنا فسيفساء سان فيتالي في رابينة قسمات وجه پرستنیانوس کا رممها وسام في السنة ۷}ه، ويقول معاصروه انه كان يميل الى البساطة في العيش، والتودد في معاملة الناس، وانه كان يواصل العمل ليل نهار حتى لقبه أحد رجال بلاطه بر الامبراطور الاهر » اذ كان مجرح أن يعلم كل شيء، وان يدقق في كل شيء، وان D & ) سورة البروج، الآية الرابعة ۲ ج ۱، ص ۱۲۷ - ۱۹۲۸
- ( B امیرو
Vasiliev, A.A. mesin I at Abyssini..(Byzan'indische Zeitschrift,XX/1. + 1993, 67.77.) ۱۹ . يقر كل شيء، والواقع أن يوستيانوي كان شديد الاعجاب بمواهبه و مؤهلاته لا الاحد من رجاله أن يعارضه في أمر، ولا بنتى باحد منهم، حتى ولا بقائده الأمين بلباريوس العظيم. وعلى الرغم من تظاهره بالعزم والحزم والثبات وانه كان في قرارة نفسه مترددة شديد التأثر بآراء الحاشية ولاسيما زوجته ثيودورة ويقول بوو کو بیوی المؤرخ في كتابه عن امرار هذه الحقبة ان ثيودورة هذه تلطخت منذ حداثتها بفساد المحيط حولها. فانها نشأت ابنة المروض الدبية في مسارح القسطنطينية ورشيته على شيء من الاباحية. وما طال الأمر حتى احتقرها مكان العاصمة، فكانوا اذا التقوها في شوارع المدينة ابتعدوا عنها خوفا من ملامتها والتلوث بها. ويقول شارل ديل الأفرنسي ان ثبودورة شغلت العاصمة فألحتها لا بل فتنتها ثم جرت الخري عليها. ولكن يجب الا يغ من البال آن بروکربوس انما كتب ما كتب ليحطم به بوستنيانوس وزوجته. وهو والحالة هذه را مغرض لا تقبل شهادته بدون تبصر وروية وجرح و تعدیل. ويجب الا ثيودورة ترصنت بعد طيشها وذهبت الى افريقية فبقيت فيها بضع سنوات عاشت بعدها إلى القسطنطينية متعقلة متزنة مهتمة بالقضايا العامة ولاسيما الدينية منها، منهمكة" بغزل الصرف في ساعات الفراغ، وان يوسننبانوس لم يعرفها قبل دخولها في هذا الدور من حياتها. وأعجب بوستنيانوس بجمالها فنقلها إلى القصر وجعل منها بطريقة ثم تزوج منها، وشعرت ثيودورة بالمسؤولية الملقاة على عاتقها، فتعاونت وزوجها في سبيل العرش و الدولة، وأخرجته في كثير من الأحيان من مأزق حرجة اسيمر بنا. 1 Dieni, Ch., Justinian, Cambridge Med, Hist. 11. %. Trstoria Arcana, 9. 25. Bysantine Portraits, 54 : Théodora, . سیاسة بوستنيانوس الداخلية : وجوبه بوستنيانوي في أول عهده بنورة داخلية كادت تدك عرشه دكا. وهي التي عرفت بنورة النصر دنیا به باليونانية. ولا بأس في تفصيل نبأ هذه الثورة من التوقف والرجوع قلي إلى الوراء، ذلك أنه كان يقوم في قلب العاصمة ملعب فسيح السباق الخيل بدمي الى IIippodrome. وارتاحت نفوس ستات العاصمة الي سباق الخيل في الهيبودروم ونشطوا لمراقبة هذه السباقات وتحمرا لها. وكان على سائقي عربات السياق أن تروا بواحد من اربعة الوان ما الأخضر او الأزرق أو الأبيض أو الأحمر. فانقسم النظارة من مكان العاصمة الى احزاب رياضية أربعة : الخضر والزرق والبيض والحمر. وانتظمت هذه الأحزاب، وتكتل افرادها وتكاتفوا، فانشأوا لحمل منها صندوق خاصة لتشجيع السائقين وشراء الجياد السباقة والعناية بها. ولا نعلم بالضبط كيف وقع الاختيار على هذه الألوان التي تسمت بها هذه الأحزاب، ولكننا نعلم انها قديمة جدا وان رومة الجديدة ورشها من روعة القديمة، ويرى بعض رجال الاختصاص انها ربما أشارت في الأصل إلى العناصر الأربعة : الأرض والماء والهواء والنار، الأرض الخضراء، والماء الأزرق، و الهواء الأبيض، والنار الحمراء. ثم نتج عن هذا التضامن في حقل الرياضة تضامن في السياسة والاجتماع. وانضم البيض الى الحفر والحمر إلى الزرق فأصبح في العاصمة حزبان سیاسیان اجتماعيان، حزب الخضر وحزب الزرق. وأيد الزرق الأرثوذكسية فتبد الخضر القول بالطبيعة الواحدة. وكان قد سبق في عهد انطاسیو س ات حل بالزرق اضطهاد شديد لان هذا الامبراطور كان يميل الى القول بالطبيعة . Guerdan, R., Vie, Grandeur et viseres de Hyzance, (Paris, 1954), 45-58. ۱۷۰ الواحدة فهرع الزرق الى الهيبودروم ونادوا بسقوط انسطاسيوس ، وكان يتم ذلك لولا اتزان الامبراطور واستعطافه الرأي العام . فلمـا رقي بوستينوس ويوستنيانوس العرش دب" الى عروق الزرق النشاط ولكن ثيودورة عطفت على الحضر ، فانقسم البلاط نفسه الى ازرق واخضر1 . ويجوز القول أيضاً ان الزرق كانوا في الغالب من طبقات الشعب العليا ، وان الخضر جاؤوا من الطبقات السفلي بحيث أصبح الصراع بينهما في بعض الاحيان صراعاً طبقاً 2. وقد تعددت أسباب ثورة النصر التي نشبت في السنة ٥٣٢ ، فبعضها كان دينياً عقائدياً نشأ عن اضطهاد من قال بالطبيعة الواحدة . وبعضها كان مرده الى تنافس الأسر على العرش وحرمات اقارب انسطاسيوس من الملك . وبعض هذه الاسباب كان عمومياً وهو الاقوى ، وتفصيل الأمر ان بوستنيانوس اعتمد في أول عهده على تريبونيانوس في القضاء وعلى يوحنا القبدوني في الادارة . وطغي الاثنان وتجاوزا الحد في ابتزاز المال وفي القسوة . فهب الزرق والخضر معاً وهرعوا جميعاً الى الهيبودروم ثم انطلقوا منه يخربون ويحرقون . وسادت كلمة النصر على افواههم و نيكا ، نسبت بهسا حركتهم هذه . وفاوضهم يوستنيانوس فلم يرضوا ونادوا باحد انباء انسطاسيوس امبراطوراً ، فخشي يوستنيانوس العاقبة اخصاءه وشاورهم في الفرار من العاصمة . وكادوا يجمعون على ذلك ولكن ثيودورة انتصبت بينهم وقالت كلمتها التاريخية : ( يستحيل على امري: يجيء هذا العالم ألا يموت ولكن من يمارس السلطة لا يطبق النفي . وان تشأ لها الامبراطور ان تنقذ نفسك فلن تجد صعوبة والبحر قريب ، والمراكب مجهزة ، والمال موفور . ولكن تريث قليلا وسل نفـك بليساريوس بجنوده بهم ته فقتل ألن تندم بعد فرارك ووصولك الى ملجأ امين فتود لو كنت آثرت الموت على الامان ؟ أما أنا فأرى ان الارجوان لا بأس به كفناً . ، فانتعش بوستنيانوس وأمر بليساريوس ان يخضع الثائرين بالقوة بعد ان مضت عـلى ثورتهم ستة ايام . فأحاط ولز هم حتى أكرههم على اللجوء الى الهيبودروم . ثم فتك . ثلاثين او اربعين الفاً بينهم انسباء انسطاسيوس وثبت هيئة السلطة). وكان قد ظهر في آسية الصغرى ومصر وغيرها من اجزاء الامبراطورية عدد من أصحاب العقارات الكبيرة الذين استغلوا الظروف السياسية والادارية ففرضوا ملكيتهم فرضاً ، واغتصبوا املاك الدولة ، وعبنوا بالسلطة المركزية فاحاطوا انفسهم بالحراس ، وجروا وراءهم الجمـاهير ، وسدوا افواه الولاة بالذهب". وأشهر من اشتهر من هؤلاء في مصر أسرة الابيون ، فكان الواحد منهم يملك القرية بعد القرية ، ويفرض ضرائبه الخاصة ويحبسها على يد جباته ويعيش عيشة الملوك. واتسعت كذلك املاك الأديرة والكنائس وتمتع أصحابها بسلطة واسعة . ورأت الحكومة في هذا كله تحديا لا مبرر له فقاومته مقاومة طويلة الأمد ، تذرعت في اثنائها بشتى الوسائل ، كأن تتدخل في حق الارث احياناً ، او ان تكره أحيانا أخرى بعض الكبار على وقف املاكهم على الامبراطور ، او ان تصادر بعض الأملاك بداعي عدم الدليل على الملكية ، او ان تتهم ديراً من الاديار بالزندقة فتحو ل ارزاقه الى الدولة ، و لكن برغم Y L
.
De bello persico, 1, 24,35-37; éd. Haury, 1, 130; éd. Dewing,f, 230-233. 7asiliev, A. A., Ryz. Emp., 156-157. Novelic, 30, (44), 5, éd, Zacharin von Lingenthal, I, 268. Bell, II., Byz. Servite State in Eg., Journal of Eg. Arch. IV, 101-102. ۱۷۲ هذا كله لم يتمكن بوستنيانوس من القضاء على هذه الطبقة . ولمس يوستنيانوس عيوب الادارة ومواطن الخلل فيها كبيع الوظائف وتبديد الأموال والسرقة والبلص . وعـلم حق العلم أن هذه النقائص نؤدي حتما الى الفقر والخراب والى اثارة الفتن والمشاكل . ورغب كل الرغبة في ازالة الضرر واصلاح الحال . وشعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقه . وكان يقول بالحكم المطلق ، فرأى ان أفضل الوسائل لمداواة الحال هي السعي لتقوية الحكومة المركزية وانتداب رجال اكفاء للقيام بمهام الحكم . وعني بادىء ذي بدء عماليـة الدولة فذكتر بنفقات الحرب وطلب الى الرعايا ان يؤدوا ما وجب دفعه باخلاص وعلى الوجه الأكمـل . وأمر الموظفين ان يعاملوا الرعايا بعطف ابوي وان يرفعوا عنهم الظلم ويمتنعوا من الرشوة ويعدلوا . ثم عاد فذكر الموظفين بوجوب السعي لتغـذية الحزينة" ، واجتهد بوستنيانوس اجتهاداً حثيثاً في سبيل الاصلاح على أساس هاتين القاعدتين : أمانة الموظف والخلاص المكلف . ولكنه رأى بعد وقت ان ذلك لم يكف لتغذية الخزينة فلجأ الى انقاص النفقات بالقاص الجيش وابتياع رضي الخصم على الحدود . ولم يفطن الى أن مثل هذه الخطة يؤدي الى الاضطراب في الداخل وضعف الهيئة في الخارج فضلا . عن نقص الموارد وازدياد النفقات . . ومما زاد في الطين بلة انتشار الاوبئة في عهده وحلول الزلازل . واشهر الاوبئة طاعون السنة ٥٤٢ . فأنه ظهر في مصر وانتقل الى سورية ولبنان فالقسطنطينية فير الاناضول فيما بين النهرين ففارس ثم عبر البحر الى صقلية وإيطالية . ودام انتشاره في العاصمة اربعة اشهر . وتزايد فتكه . Novella, 8, (16). 8, 10; éd. von Lingenthal, I., 102, 10%. Novella, 28, (31), 5; von Lingenthal, I, 197. ۱۷۳ فجر السكان المدن والقرى ووقف الحرث والزرع وعم الجوع فاضطربت الدولة بأسرها . وتعددت الزلازل . واشهرها زلزال السنة 201 وفيها اهـتز الاحل اللبناني من أرواد حتى صور وعم الحراب . واصاب بيروت السهم الأوفر ، وقيل ان البحر فيها ارتد ميلا ثم عاد بطغيان هائل فأغرق سفنا عديدة والوف الناس ، ويقول اغاثيوس المؤرخ ، أن بيروت زهرة فينيقية ذوت بعد هذه الزلزلة العظيمة وتقلص ظل جمالها ودكت ابنيتها الشائعة البديعة فتقوضت ولم يبق منها الا ردم وخراب . وهلك تحت انتافها جم غفير الاهلين والأجانب ، واختطف الموت نخبة الشبان الاشراف الذين كانوا قد قدموا بيروت الدرس الحقوق الرومانية في مدرستهـا الشهيرة ، كانت فخراً لها وتاجاً على مفرقها تباهي با اخواتها من المدن من العظمي. 4 . واتخذ برستنيانوس الفسيلنس ما بين السنة ٥٢٥ والسنة 536 طائفة من الاجراءات لتعزيز السلطة المحلية مع تثبيت نفوذ للسلطة المركزية , وكان قسطنطين الكبير ، كما سبق ان أشرنا ، قد جزءا الولايات الكبيرة الى ولايتين او اكثر وفصل السلطة الإدارية في الولايات عن السلطة العسكرية ليأمن شر التمرد والعصيان ، ولكن بوستنيانوس اراد ان يبسط الأمور ليسهل عمل الادارة فقلل عدد الولايات وأنقص عدد الموظفين وزاد في رواتبهم Zinsser, H., Rats, Lice, and History, 144-149. Patrologia Graeca, éd, Migne, 88: 1359. وعلى اثر هذه الزلزلة انتقل الاساتذة إلى صيدا رينا يتجدد بناء بيروت ثم عادوا البها بعد سنين قليلة. ولكن نارا شبت بها في السنة ٥٦٠ فالتهمت معاهدها وعددا كبيرا من دور الـكن ١٧٤ ووضع السلطتين العسكرية والادارية في يد واحدة ، وأنعم باللقب د بوستنياني ، على الحكام فزادهم فخراً ووقارا ، وعني يوستنيانوس عناية خاصة بإدارة العاصمة فعين عـددا من الحكام د برايتوريوس الشعب ، في السنة 535 للنظر في السرقات والاغتيالات وحوادث الزنى ، وفي السنة 539 انشأ وظيفة الكوابسيتور Kuaeeitor لمراقبة الذين كانوا يفدون على العاصمة من ابناء الولايات بلا موجب فيعقدون أحياناً مشاكلها بتصرفهم . ونزولا عند رغبة ثيودورة اعاد تنظيم وظيفة المحافظين على الآداب العامة وأمرهم بالتشديد على المقامرين والمجدفين وعلى اولئك السفلة الذين لم ينتظروا سدول الليل ليستروا بها معاصيهم ) . واهتمت ثيودورة لامر الزانيات فجعلت من قصر قديم على ضفة البوسفور الآسيوية ديرا للنائبات منهن اسمته دير التوبة . ومنع بوستنيانوس سباق الخيل في الهيبودروم وأمر بمراقبة الاحزاب الرياضية السياسية مراقبة شديدة . وحض بوستنيانوس الحكام والزمهم ان يحافظوا على الطرقات والجسور واقنية المياه والأسوار وامدهم بالمال . فنشطوا لتحقيق هذا الواجب وانشأوا طرقات جديدة وشيدوا لهـا الجسور وحفروا الآبار والأحواض على جوانبها ليؤمنوا المياه للقوافل وابناء السبيل . وجروا المياه الى المدن وبنوا الحمامات ، وعملا برغبة يوستنيانوس قامت مدن جديدة في بعض الانحاء تحمل لقب بوستنيانة اعترافاً بفضـل الامبراطور. وبذل يوستنيانوس بذلاً سخياً لاغاتة انطاكية بعد الكارثة التي حلت بها ا ألفي وظيفة النواب Vicarii ورفع حكام بعض الولايات ومنها سورية وارمينية الى رتب برایتوریوس praclorius Y . Dichl, Ch., Justinian's Govt. in the East, Cambridge feed, Hist., 11, 99. ۱۷۵ في السنة ٥٤٠ ، فجدد الاقنية والمجارير وانشأ الحمامات ودور اللهو والساحات العامة . ولم يقصر في البذل عندما حلت الكارثة في السنة 551 ببيروت وغيرها من مدن لبنان وسورية . وفي السنة ٥٣٢ بدأ بتشييد "كنيسة الحكمة الالهية في القسطنطينية باشراف اسيدور الملطي وانتيميوس الترلي. واستمر العمل فيها خمس سنوات حتى تم بناؤها في السنة ٥٣٧ . فجاءت آية من بدائع الآيات أنحف بها يوستنيانوس عالم الفن وهي ما زالت قائة راسخـة موطدة بارزة جريئة واضحة نقية . وانشأ في السنة 538 القصر المقدس بمدخله الفخم وقاعة عرشه العظيمة Consistorium التي بهرت العيون بالوان معادنها الثمينة ودقائق فنها الخالص . وعنيت ثيودورة بكنيسة الرسل وبعدد كبير من المستشفيات للمرضى والانزال للمسافرين . ولا تزال احراض بره بتان سراي و القصر الغائر ، وبيك بر ديرك و الف عمود وعمود ، تنطق بالعمل الجبـار والجهود المتواصلة التي بذلها يوستنيانوس لتوفير المياه على العاصمة . D بوستنيانوس والاقتصاد : وأراد يوستنيانوس ان يحرر تجار الامبراطورية ورجال الصناعة فيها من تحكم المفرس في مقدراتهم . فانه لم يكن بإمكان الروم في القرن السادس ان يبتاعوا مباشرة من الصين والهند بعض المواد اللازمة للبذخ والتعظم والتعظيم ، كالحرير والحجارة الكريمة والاطايب والافاويه ، ذلك ان هذه المواد كان محتوماً لها ان تمر عبر فارس اذ كان الفرس يبتاعونها في أسواق بخاري وعنـد تخوم الصين وفي جزيرة سيلان ثم ينقلونها الى حدود الروم عند الفرات ولا يرضون بيمها الا باغلى الاسعار أو لا يسمحون بتصديرها الا بكميات محددة ، فسعى يوستنيانوس للوصول الى بخاري عن طريق البحر الأسود فلزيقة فبحر قزوين متحاشياً الدخول في حدود فارس . وكذلك سعي لتشجيع الروس . الجنوبيين على الاتصال بتخوم الصين للغاية نفسها . ثم دفع نجار بيروت ۱۷۹ وصيدا والاسكندرية الى استيراد هذه البضائع عن طريق البحر الأحمر ومرافي. حمير الجنوبية . وجعل من مرفأ آيلة بالقرب من العقبة ومرفأ قلزم بالقرب من السويس قاعدتين تجاريتين ، كما انشأ على جزيرة تيران في خليج العقبة جمركاً امبراطورياً لهذه الغاية نفسها. وكانت مراكب الاحباش وعرب الجنوب تجوب بحر العرب والمحيط الهندي حتى سيلان . فاتصل يوستنيانوس في السنة 530 أو 531 بالنجاشي و ملك ملوك ، الاحباش وحن له نقل سلع الهند والصين من سيلان الى مرافىء البحر الاحمر . فاقتنع النجاشي بالامر وحض عليه تجاره . ولكن الفرس كانوا في مرافىء الهند اوسع نفوذاً من الاحباش فقاوموا تجار الاحباش مقاومة شديدة . وفي السنة ٥٣٢ جاء السلم بين الفرس والروم فعادت الأمور الى مجاريـا الطبيعية وعاد الروم الى الاستيراد عن طريق فارس . غير ان العلاقات عادت فتأزمت في السنة 540 كما سنرى فلجأ بوستنيانوس الى تحديد سعر الحرير واكره التجار على قبول تعرفة حكومية . فشل بذلك نشاط التاجر الفرد ولحق بالتجار اللبنانيين خسارة فادحة كادت تقضي على صناعاتهم . ثم افلت سر تربية دود الحرير من الصين ، نقله قسيسان مسيحيات بين السنة ٥٥٢ والسنة ٥٥٤ الى الروم . فتلقاه اللبنانيون بالتهليل واقبلوا على تربية دود الحرير في لبنان. وفعل مثلهم يونان المورة وبعض الجزر . فأصبح لدى الروم انتاج محلي من الحرير استعاضوا به مما كان قد لحق بهم من خسارة وباتوا بمأمن من تحكم الفرس في مقدراتهم . واستطاعوا هم بدورهم ان يحافظوا على سر تربية دود الحرير زمنا طويلا . واتسع نطاق عمل اللبنانيين بنوع خاص فراجت بضائعهم الحريرية في جميع اسواق البحر المتوسط وفي فرنسة والمانية وبريطانية . ونشطوا في تصديرهـا الى . Abel, F. M., l'Isle de Jotable, Rev. Bib. 1930, 520-424. ۱۷ الشرق الأقصى فكثر طلابها في الصين نفسها . وعظمت تجارة القسطنطينية فتقاطرت اليها المراكب من كل حدب وصوب من مرافيء المتوسط والبحر الاسود التحمل اليها المواد الخام على انواعها وتنقل منها انتاجها الصناعي . واصبحت بفضل هذه التجارة واهتمامها بالفضة المركز الاعظم للتحاويل المالية وللصرافة ايضاً . والاسكندرية بفضل موقعها وعظم مرفأها ظلت تنعم بدخل موفور , وكان اهم ما نتجر به حبوب مصر ومعادن افريقية ونفائس الشرق الاقصى . وقامت فيها جالية لبنانية هامة تستغل سوقها العظيمة . و سر بوستنيانوس بازدهار التجـارة وهنأ نفسه أنه استطاع بسعيه وحسن تدبيره ان يقدم : زهرة اخرى ، الى الدولة التي أحب والتي وكل الله اليه امرها . وليس في كلامه هذا ما لا يتفق والحقيقة فأعمال الحفر والتنقيب في السبعين السنة الأخيرة قد دلت على هذا الازدهار دلالة واضحة . . يوستنيانوس والقضاء : وأحب بوستنيانوس النظام ، ورغب رغبة اكيدة صادقة في تأمين و العباد الذين وكل الله امورهم اليه ، وفي نشر لواء العدل بينهم . وثاقت نفسه الى المجد الروماني السابق . واراد ان بعيد الى الامبراطورية الرومانية سابق وحدتها . وعلم العلم اليقين ان هذا يتطلب اموالا لا حصر لها فرأي بنظره الاداري الثاقب ان افضل الوسائل + 1 المال من الرعايا هو حمايتهم من ظلم الحكام وتصلفهم . وهكذا عني منذ بداية عهده بجمع القوانين المتراكمة وتنسيقها وتعديلها وفرض أمرها الى مديره الكبير تريبونيانوس . فدعا تريبونيانوس هذا لجنة من كبار Diehl, Ch., Justinian's Gout. in the East, Camb. Med. Hist., II, 40-42. ۱۷۸ رجال القانون في الامبراطورية وذلك في 13 شباط سنة ٥٢٨ ووكل اليهم العمل . وكان اهم هؤلاء بطبيعة الحال اساتذة مدرسة بيروت الشهيرة : اناطوليوس ابن لاونطيوس وتلالاوس واسطفانوس ويوليانوس ودوروتاوس واذو كبوس . وتم الجمع والتنسيق والحذف وما الى ذلك على يد هذه اللجنة، فظهرت مجموعة القوانين الـ Code في السابع من نيسان سنة ٥٢٩. وفي الخامس عشر من كانون الأول سنة 530 عنيت لجنة ثانية باستخلاص قوانين الأحوال الشخصية Pundectae وكان ألمع اعضاء هذه المجنة واكثرهم نشاطاً الاستاذ البيروني اذوكسيوس. فتم العمل في 15 كانون الاول سنة 533 وظهر الديجسته Digesta الى حيز الوجود . ووضعت هذه اللجنة كتاب الانظمة Institutes لتسهيل درس الحقوق فظهر في الحادي والعشرين من تشرين الثاني السنة نفسها 533 . وفي السنة 534 ظهرت مجموعة القوانين بحلة جديدة وهي المجموعة التي لا يزال يتداولها رجال القانون حتى يومنا هذا . فأما مجموعة السنة ٥٢٩ فلم يبق منها اي اثرا . من . یوستنيانوس والكنيسة : وكان بوستنيانوس يرى ان واجه يقضي بالمحافظة على حرمة الكنيسة والدفاع عنها ضد المعتدين . وكان يقول أن انتظام الكنيسة هو دعامة الملك . وكان يرى في نفسه رئيساً للدولة وللكنيسة في آن واحد فيتدخل في المناظرات والمشاحنات اللاهوتية ويبدي رأيه فيها ويقطع الاساقفة ويعين غيرهم في مناصبهم ويدعو الى المجامع ويدير أعمالها ويوافق على قراراتها او بعدلها او يلغيها . ومن هنا هذه الفصول . ا واهم اخبار هذه المؤلفات ورد في مقدماتها التراجع في محلاتها . راجع ايضا : 114
Roby, II. J., Roman Law, Cam. Med. Hist., II, 53-108; Vastliev, A. A., Hyz Empire, 142-147; Justinian's Digest, Studi Bizantini e Neocllenici, 1939, 711-734. في مجموعة قوانينه الكبرى وفي قوانينه المستجدة في نظام الأكليروس وفي ادارة الاديرة والأوقاف وغير ذلك ما كان يلحق بشؤون الكنيسة . وكان بوستنيانوس في مقابل هذا ابداً مستعداً للدفاع عن الكنيسة ورفع الضيم والأذى عنها تأييداً لها بالمال والنفوذ كيا تقضي على الهرطقة في صفوفها . وكان ايضاً يبذل بسخاء لتشييد الكنائس والأديرة والمقامات في طول الامبراطورية وعرضها . وكان يرستنيانوس ارثوذكسي العقيدة كما سبق ان اشرنا فأصدر في السنة ٥٢٧ وفي السنة ٥٢٨ قوانين صارمة ضد الهرطقة . فأبعد الهراطقة عن الوظائف والمهن الحرة ومنع اجتماعاتهم واغلق كنائسهم . ثم حرمهم حقوقهم المدنية قائلا : يكفي هؤلاء أن يؤذن لهم بالعيش. واضطهد الوثنيين وحملهم على التنصر جماعات جماعات . ورأى ضرورياً ان يقضي على عقائدهم وفلسفاتهم فأمر في السنة ٥٢٩ باقفال جامعة آثينة . ودر هياكل ايسيس وعمون في مصر . ولم يكن أقل شدة في موقفه من اليهود . فنشبت ثورة السامرة في السنة ٥٢٩ وجرت عليهم ضيقاً وخوفاً فوق ما كانوا يكابدون . ولم ينج من الاضطهاد سوي أصحاب الطبيعة الواحدة لأنهم كانوا اقوى الهراطقة واكثرهم عدداً . فرهبانهم في مصر كانوا يؤلفون جيشاً متراصاً مستعداً لتنفيذ أوامر بطريركهم واعيانهم . وكانوا في سورية وفلسطين ولبنات والرها وارمينية لا يزالون يتربعون في اعـلى المراكز ويتمتعون بعطف وتأييد في قلب العاصمة نفسها . وكان بوستنيانوس شديد الايمان بكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية . فما ان نبوأ خـاله عرش الامبراطورية حتى عمد الى ازالة الانشقاق بين كنيسة القسطنطينية وكنيسة رومة ، على أنه لبت يواجه مشكلة أخرى. ذلك ان ولاياته الشرقية كانت تشتمل على عدد كبير من القائلين بالطبيعة الواحدة . فوجد نفسه بين شرين : شر الابتعاد عن رومة وعن الكنيسة ۱۸۰ معه الارثوذكسية ، وشر انفصال الولايات الشرقية عنه او شر القلاقل فيهـا ر استعداد اهلها لمناوأنه في كل فرصة تنتهز . فأحب بملء الاخلاص ان يضع حلا وسطأ يرضي به اصحاب الطبيعة الواحدة ولا يجيد به عن ارثوذكسبته . وهكذا نراه في السنة ٥٢٩ يلغي قرار النفي عن بعض الرهبـان من اصحاب الطبيعة الواحدة ونراه يستقدم الى القسطنطينية سويروس بطريرك انطاكية المقطوع عن وظيفته ليتداول في طريقة الوصول الى حل وسط . ونراه كذلك يطلق لأصحاب الطلبيعة الواحدة حرية الوعظ والارشاد . ولما توفي ابيفانيوس بطريرك القسطنطينية في السنة ٥٣٥ اقنعت ثيودورة زوجها الامبراطور باقامة انتيميوس متروبوليت طرابزون وصديق سويروس بطريركا في العاصمة . وكان التيميوس يقول بالطبيعة الواحدة سراً. ولكن ما لبث أن قدم العاصمة البابا أغابيتوس في السنة 536 فعلم بما في الزوايا من خبايا . فدعــا أساقفة القسطنطينية ومقدمي الكهنة فيها الى مجمع محلي برئاسته قطع فيه انثيميوس ومن شار که رأيه. ثم انتخب الاكليروس والامبراطور والشعب مينـاس بطريركا على القسطنطينية . وفي هذه الآونة وصل الى العاصمة رهبان من فلسطين وسورية ولبنان ليشكوا سويروس وغيره من اصحاب الطبيعة الواحدة . ورفعوا بذلك لوائح الى يوستنيانوس والبابا . على ان البابا اغمابينوس سرعان ما توفي في القسطنطينية . ومع ذلك فقد انعقد مجمع برئاسة البطريرك . مينــــاس وعضوية أساقفة القسطنطينية والاساقفة الذين كانوا صعبة البابا اغابيتوس ووكلاء البطاركة الشرقيين المقيمين في العاصمة وشجبوا الهرطقة منحبا . وبعد وفاة البابا أغابيتوس انبرى في رومة ايبوديا كون اسمه سيلباربوس ، وطمع في منصب الباباوية فرسا الملك ثاواذاتوس ، فأكره ثاواذاتوس المجمع على قبول سيلباريوس مهدداً كل معارض بالقتل. وكتبت ثيودورة الى هذا ۱۸۱ البابا ان يساعد الليسيوس على مينـاس فرفض . فاتفقت ثيودورة مع فيجيليوس Vigilius وكيل البابا في القسطنطينية ووعدته بالكرسي الباباوي وزودته يتحارير الى بليساريوس القائد شرط أن يطعن فيحيليوس بالمجمع الرابع ويساعد سويروس وانثيميوس على ميناس . فقبل ذلك وسافر الى رومة ، فخلع بليساريوس المنتية والأوهو فوربون عن البابا سيلباريوس وألبسه ثوب الرهينة ونفاه , واقام فيحيليوس محله بابا على رومة ، فثبت فيصليوس المعتقد بالطبيعة الواحدة وفتد قرارات مجمع خلقيدونية ورسالة لاوون الكبير وحرم كل من يقول ان في المسيح المخلص طبيعتين وكل من يقول انه صلب من حيث هو انسان ولا يعترف ان ابن الله هو نفسه الذي صلب . ثم ندم فيجيليوس على ما قال وفعل . فأخذت ثيودورة ترتقب فرصة تستدرجه فيها الى القسطنطينية لتنتقم منه . فتم لها ذلك في السنة ٥٤٧ بمناسبة البحث في الفصول الثلاثة . الفصول الثلاثة : وكان لا يزال اوريجانيوس الاسكندري ومؤلفاته موضوع جدل ونزاع بين علماء الكنيسة واساقفتها ، فريق منهم يحترمه لعامه واجتهاده وطهارته وفريق آخر يكرهه لان بعض آرائه كانت قد أصبحت حجة لمن قال بالطبيعة الواحدة. وبرغم ان احد المجامع كان قد اصدر حكماً على أوريجانيوس ومؤلفاته ، فان عدداً كبيراً كان لا يزال يحترمه فيدعي ان المراطقة عبثوا بمؤلفاته ليستندوا عليها ، ولكن في السنة 539 أصدر افرام بطريرك انطاكية حكماً جديداً بتحريم اوريجانيوس ومؤلفاته . فطلب بعض رهبان فلسطين الى بطرس بطريرك اوروشليم قطع البطريرك افرام ، فلم يعرهم سمعاً . الا انه ارسل وفداً الى القسطنطينية يبين واقع 1 Dicht, Ch., Justinian's Gout. in The East, Cam. Med. llist., II, 45-46. ۰۲۱۳ جراسيموس ، تاريخ الانشقاق ، ج ۱، ص ۲۸۸ ۱۸۲ الحال ويرجو اتخاذ موقف واضح من اوريجانيوس ومؤلفاته . فكان من بطريرك القسطنطينية ميناس ان عقد مجمعاً محلياً بموافقة الامبراطور حكم فيه على اوريجانيوس وتعاليمه . واتفق ان كان في البلاط ثيودوروس اسكيفاس أسقف قيصرية . وكان هذا يحترم اوريجانيوس وتعاليمه ويقول بالطبيعة الواحدة ويتقرب الى ثيودورة . ومثله كان دوميتيانوس كانم اسرار الامبراطور ، فتقدم الثلاثة ثيودورة وثيوذوروس ودومينيانوس من بوستنيانوس واقنعوه بأن انضام اصحاب الطبيعة الواحدة الى الكنيسة يسهل جداً متى حرمت الفصول الثلاثة . وهذه الفصول هي مؤلفات ثيودوروس المريسوستي ورسائـل نيودوريط ضد كيرلس والرسالة المنسوبة إلى الاسقف إيبا . ورأى هؤلاء في ذلك كاه وسيلة لتجريح قرارات المجمع المسكوني الرابع ولارضاء اتباع أوريجانيوس بالحكم على من كتب ضده ولاغضاب الارثوذكسين . فوافق يوستنيانوس وأصدر في السنة ٥٤٤ تحريماً للفصول الثلاثة وطلب الى الاساقفة ان يوافقوه عليه ، وهدد المعارضين بالعزل . فلم يخضع الساقفة العرب لامر الامبراطور وجاراهم في ذلك البابا فيحيليوس . وكتب اسقف قرطاجة الى الامبراطور انه لا يجوز ايقاع الحرم بشخص بعد موته . فاستدعى يوستنيانوس البابا فيجيليوس الى القسطنطينية . فحضر اليها وانتهى بالنزول عنـد ارادة الامبراطور فأنشأ رسالته المعروفة بالجوديكاتوم Judicatum وفيها منجب الفصول الثلاثة . ولكن اساقفته انتقضوا عليه وعينوا له وقتاً للندامة , فلبث فيجيليوس في القسطنطينية ورجع عن قوله في الجوديكاتوم . ثم أصدر بوستنيانوس امراً ثانياً بشجب الفصول الثلاثة وطلب الموافقة عليه مرة اخرى . فأبي البابا فيجيليوس ودخل كنيسة واحتمى بها وربط نفسه بعمود المائدة . فسحبه ۱۸۳ الجنود بالقوة فانسحب العمود معه وسقطت المائدة . ومما يجدر ذكره ان الأصل في تسمية الفصول الثلاثة بهذا الاسم هو ان الأمر الذي أصدره الامبراطور بالشجب حوى فقرات ثلاثاً تتعلق بمؤلفات ثيودوروس وثيودوريطس وإيبا . ثم تنومي ذلك فأصبحت الفصول الثلاثة تدل على اشخاص ثيودوروس وثيودوريطس وإيبا انفسهم . المجمع المسكوني الخامس في القسطنطينية : ولكي يضع الفسيلفس جداً لهذا النزاع الجديد دعا الى مجمع مسكوني ينعقد في السنة 553 في القسطنطينية . وقد اشترك في اعمال هذا المجمع مئة وخمسة وستون اسقفاء بينهم افتيشيوس بطريرك القسطنطينية وابوليساريوس بطريرك الاسكندرية وذمنوس بطريرك انطاكية ونائبان عن بطريرك اوروشليم . وكان البابا فيصليوس لا يزال في القسطنطينية مع عدد من الساقفة الغرب . فدعي . للاشتراك في المجمع وترؤس الجلسات ولكنه امتنع . فترأس المجمع بطريرك القسطنطينية وأقر جميع قرارات المجامع المسكونية السابقة ثم دقق في الفصول الثلاثة فحكم برفضها ورفض كل من يدافع عنها ad defensionem corum . وفي جلسته الثامنة والأخيرة وجه المجمع لومـاً شديداً لبابا رومة لانه امتنع عن الاشتراك في جلساته . واعتبر يوستنيانوس قرارات هذا المجمع ملازمة واكره الاساقفة على قبولها ونفي من عارضها. وفي طليعة هؤلاء البابا فيحيليوس فقد أكره على الاقامة في احدى جزر مريرا . ثم وافق فيجيليوس على قرار المجمع فأذن له بالعودة الى رومة ، ولكنه توفي في مرقومة قبل أن يصل . وأصر أساقفة الغرب على موقفهم المؤيد للفصول ا في موقف الاساقفة الغربيين راجع :
. ١٨٤ . Fulgentii Ferrandi Epistola, VI,7; Patrologia Lalina 1.XVII, 926. Mansi, Amplissimu Collectio Conciliorum, IX, 376. الثلاثة وامتنعوا عن الخضوع لقرار المجمع الخامس ، وظلوا متمسكين بذلك حتى عهد البابا غريغوريوس العظيم ( 590 – 604 ) . فانه أعلن في احدى رسائله ان ليس في قرارات المجمع الخامس مما يتعلق بالفصول الثلاثة اي تغيير في الدين أو خروج عنه . . ولكن رغم هذا كله اصر اصحاب الطبيعة الواحدة على متابعة الانفصال . غير ان يوستنيانوس لم يكن يتغير عليهم حتى يعود الى التقرب منهم والعطف عليهم الى ان أدركته المنية في السنة ٥68 . واذا كان يوستنيانوس قد اخفق آخر الأمر في تحقيق وحدة الكنيسة فمن الواجب ان يعترف له باهتمامه البالغ لنشر النصرانية وراة حدود الامبراطورية ، فقد نصر قبائل الهرولي على الدانوب وقبائل القوقاس وأفريقية الشمالية والنيل الأوسط" . سياسة یوستنيانوس الخارجية : وأحب بوستنيانوس منذ بدء عهده ان يعيد إلى الدولة الرومانية مجدها الغابر وان يحقق فعلا ما كان له من سيادة اسمية على ايطالية وافريقية واسبانية وفرنسة ولو أدى به ذلك إلى الحرب والفتح . ولكن لم يتسن له شيء من ذلك قبـل منتصف السنة 533 لاشتغاله بجارته الكبيرة فارس الساسانية الحرب الفارسية الاولى : ( ٥٢٧ ٥٣٢٠٠ ) وناهز قباد الثانين وأحب ان يضمن الملك من بعده لابنـه الاصغر كسرى اثر شروان ، ففاوض بوستينوس في ذلك وطلب اليه ان يتبنى كسرى وان يدافع عن حقه في الملك . ونظر يوستينوس في الامر وشاور فيه رجاله ثم أجاب قباد انه مستعد للقيام بتلك المهمة شرط ان يكون التبني على الطريقة العشائرية Epistolae Gregorii Magni, II, 36. Maspero, Patriarches d'Alexandrie, 195. وفي هذا المؤلف بحث جميل في مشكلة الطبيعة الواحدة في عهد يوستنيانوس , ۱۸۵ الالمانية . ولا نعلم بالضبط شروط هذا النوع من التبني . ولكن يلوح لنا انه كان أيسر مما اراده قياذ . وكان الوفد الفارسي في الوقت نفسه يفاوض فلما عاد للوصول الى تفاهم بين الدولتين حول قضية لازيقة و لازستان الوفد الى عاصمة فارس وأطلع قباد على اقتراح زميله يوستينوس حقد قباذ وأضمر السوء . وكان يفتش عن ظرف يستعين به للظهور بمظهر المدافع عن الدين الفارسي القديم ، فأمر جرجان ملك إيبيرية في القوقاس ان يمتنع هو وشعبه المسيحي عن دفن الموتى وان يتبعوا في ذلك الطريقة الفارسية القديمة فيعرضوا الجثث لطيور السماء . ولكن جرجان ابي واستنصر يوستينوس فنصره ، وهكذا دخلت الدولتان دولة الروم ودولة الفرس في حالة حرب منذ السنة ١٥٢٧ . . وصمد بليساريوس قائد الروم في وجه الفرس عنـد دارا في السنة 530 . وفي السنة 531 اقبل المنذر الاخمي من الحيرة وأغار على خلقيس ( نسرين ) ثم سار الى أنطاكية وعاث في ضواحيها وغـنم مالاً وافراً واسر كثيرين وعاد الى الفرات . ثم عاود الكرة والفرس من ورائه واغار على اليهود . فهب بليساريوس لصده وانتصر عليه وعلى اسياده عند الفرات في كلينيكوم Callinicum فردهم بذلك عن غزو سورية الشمالية . وتوفي قباد في السنة ٥٣٢ . فعرض خلفه كسرى أنو شروان صلحاً دائما قبله يوستنيانوس دونما تردد بالنظر لما كان يفكر فيه من انصراف الى العمل في الغرب لاعادة وحدة الامبراطورية . وقبل ان يتجه نحو الغرب انشأ حلفين شرقيين : حلفاً مع امراء القوقاس في الشمال والآخر مع نجاشي الحبشة في الجنوب ليأمن بها شر حرب ثانية مع الفرس" . . 8 . ۱۸۹ Christensen, A, l'Iran sous les Sassanides, 355, 356-357. Dichl, Ch., Justinien et la Civ. Byz., 381-335, 394-398. وعني يوستنيانوس في هذه الآونة نفسها بتوطيد علاقاته القبائــل العربية الضاربة في بادية الشام ليوازن ينفوذها نفوذ شقيقاتهـا في بادية العراق ومن عمال كسرى ، وكان بنو غسان قد وفدوا الى سهول حوران من اليمن أو ما يليها في فترة من الفترات التي تصدع فيها سد مأرب ، وحلوا بين عشائر قضاعة وسليح . ثم سيطروا عليها وجمعوها في كيان سياسي . فاستعان بهم الروم في القرن الخامس لمراقبة غيرهم من القبائل العربية التي كانت تجوب اطراف الجزيرة المتاخمة لبادية الشام واستعمارهم لصد هذه القبائل اذا هي حاولت الانصباب على اراضي الامبراطورية . ووجد الروم في الغساسنة ايضاً خير معوان لهم على عرب الحيرة أنصار فارس . وبلغ الغساسنة الاوج في أوائل القرن السادس فانضوى تحت لرائهم جميع شيوخ العشائر العربية من لبنان شمالاً حتى الحجاز جنوباً . ورأي برستيانوس ان يزيدهم هيبة فرفع اميرهم الحارث بن جبلة الى رتبة فيلار خرس وبطريق ، وبذلك جعله يوازن في اللقب أمراء الحيرة عمال فارس . الحرب في افريقية وايطالية : ( ٥٣٣ - ٥٤٠ ) وثار غلمـار على هيلدريخوس الوندالي في شمالي افريقية . وكان عامار آريوسيا . فاستغل يوستنيانوس المناسبة وتدخل باسم الدين القويم ، كما كان قد استغل اقدام 1 4 ثيودانيوس على خنق ابنة عمه وريثة نيودوريخوس في ايطالية . وفي حزيران من السنة 533 اقلع بليساريوس القائد على رأس قوة مؤلفة من خمسة عشر الف رجل ومن اثنتين وتسعين درو مونة الى جوار قرطاجة فوصلها في ايلول من السنة نفسها وتغلب في غير مشقة على غلمار . Diehl, Ch., op. cit., 387-396; kury, J. B., Later Rom. Emp., 11, 91-92. ۱۸۷ راجع ايضا كتاب الامويين والبزنطيين للدكتور ابراهيم احمد المدري ، م ۸ - ۰۱۲ ودخل قرطاجة منتصراً فصادف فيها استقبالاً حاراً، وعين بوستنيانوس احد القادة ، سليان ، حاكما على افريقية الشمالية وأشار على بليساريوس بالانتقال محالاً الى صقلية فايطالية . ولكن سليان لافي مقاومة شديدة من البربر الذين لم يسبق لهم أن خضعوا للوندال . فاضطر بليساريوس ان يعود الى قرطاجة لينتصر على هؤلاء . ولم تهدأ الاحوال في افريقية الشمالية قبل السنة 539 . وجمل بوستنيانوس من افريقية برايفتورة جديدة وانشأ في وجه البربر ليموساً جديداً . وتم الاستيلاء على ايطالية بالسياسة والحرب معاً . فبعد ان استال بوستانوس بعض العشائر القوطية انفذ الى ايطالية حملتين احداهما عن طريق ايليرية بقيادة مندوس والاخرى الى صقلية فايطالية بقيادة بليساريوس نفسه . وأجلى بلياريوس القوط عن صقلية في يسر وسهولة ، ثم اجتاز مضيق مسينة في ربيع السنة 536 فحاصر نابولي عشرين يوماً واخذها عنوة . وفره منها ثيوداتيوس والتجأ الى رومة فاغتاله احد رجاله . ثم انتخب القوط ملكاً عليهم جنديا نكرة لم يقو على صد بليساريوس عن رومة . ودخل الروم رومة في العاشر من كانون الأول سنة 536 فأحاط : القوط وحصروهم فيها سنة ۵۳۶ M كاملة ثم ارتدوا عنها . فخرج بليساريوس الى شمالي ايطالية وتابع فيها الحرب. ولكن مناظرة ترسه الخصي له عوقت سير الحرب اشهراً. ولم يدخل بليساريوس رابينة قبــل ابار السنة 540 ، وأعاد الامبراطور برايفتورة ايطالية واتخذ لنفسه لقب قاهر القوط Gothicus . الحرب الفارسية الثانية : ( ٥٤٠ ٠ ٥٦٢ ) وأقضت هذه الانتصارات مضجع کسری انوشروان وجاءه رسل القوط يحثونه على القتال. فجهز جيشاً كثيفاً وأغار فجأة على سورية واحتل ثغورها على الفرات وأباح Procopius, Bellum Gothicum, 1, 1-4. ۱۸۸ لعساكره النهب والسبي ففعلوا . ثم تقدم نحو منــج Hicrapalis فاشترى اهلها الامان بالفي دينار فضة . ونهض كسرى الى انطاكية . وكان جرمانوس احد انسباء يوستنيانوس قد رابط فيها بثلاث مئة جندي واقام ينتظر وصول بقية الجيش الامبراطوري . وكان منذ ان دخلها قد باشر تحصينها وترميم اسوارها وقلاعها . وكان موقع انطاكية عند العاصي ، بما يحيط بها من صخور وحواجز طبيعية اخرى فضلا عن الحصون الصناعية ، معتلا منع ا. ولم يكن في جهاز الدفاع عنهـا الا ثغرة واحدة عرفها جرمانوس واراد تلافيها ، غير ان الضباط الذين كانوا حوله اشتد الخوف لدى وصول کسری فهربوا الى قبليقية . وهب الأهلون لجمع المال يشترون به الامان من العدو ، ولكن وفداً امبراطوريا وصل الى المدينة وقال : لا يليق بالحاضرة الثانية في الامبراطورية ان تشتري امانا من غزانها، فعزمت المدينة على المقاومة . فضرب كسري عليها الحصار، ولم يلبث أن اهتدى الى النفرة في السور فدخل منها . فدافع الانطاكيون ما وسعهم الامر ثم فروا الى دفنة يحتمون بها . فسيطر كسرى على انطاكية واباحها للنهب والحريق . ثم انحدر الى سلوقية وذبح عند شاطئها ضحية لشمس ، ومنها سار الى ابامية فدخلها وسلب كنيستها ونهب الدور والمباني . وكان الوفد الامبراطوري قد فاوضه بالكف عن القتال لقاء قدر من المالى يدفع اليه في كل سنة . فقبل كبري وارتد عبر الفرات بالرف الأسرى الى عاصمته طيسفون ، وبنى لأولئك الأسري مدينة خاصة سماها انطاكية كسرى
. . وفي السنة 541 هجم كسري على لازيقة ( لازستان ) وإيبيرية في القوفـاس . وفي السنة ٥٤٢ دخل قوموجينية وأخرب وأحرق وسبى . Procopius, Bell. Persicum, II, 8-11; Diehl, Ch., op. cit., 213-215. ۱۸۹ وظهر في السنة التالية على حدود أرمينية البيزنطية ، ثم عاد في السنة ٥٤٤ الى حدود الفرات وحاصر أورفة حصاراً شديداً . وكان قادة الروم مشغولين عنه بمشاغل داخلية شخصية ، فغضبت ثيودورة على بليساريوس وخذلته ، الا ان يوستنيانوس انفذ في السنة 543 ثلاثين الفا الى ارمينية الفارسية . غير ان حملته ردت ومنيت بالفشل . وما لبث الطرفان المتحاربان ان شعرا بصعوبة القتال في القوقاس نظراً لطبيعة البلاد الجبلية ووعورة مسالكها وكثرة احراجها . فتهادنا في السنة 544 وجددا الهدنة مرتين ثم . جعلاها معاهدة دائة في السنة 561 . وقضت شروط هذه المعاهدة ان يفصـل السلم بين الطرفين خمسين سنة على ان تجلو قوات الفرس عن اللازستان ويدفع بوستنيانوس الى كسرى ثلاثين الف اوري في السنة ويمتنع عن التبشير بالنصرانية في الأراضي الفارسية ، وفي مقابل ذلك يحترم کسری حقوق النصاري من رعاياه فيرفع عنهم الأضطهادا . توتيلة : وعاد القوط الى المقاومة في ايطالية وبايعوا ترتيلة احد زعمائهم . ووافق ذلك ان دب الشقاق الى صفوف زعماء الروم في ايطالية . فانطلق ترتيلة برجاله من الشمال بالغاً الى اقصى الجنوب . واحتل في السنة 543 نابولي . فهرع بليساريوس لقتاله ولكنه لم يتمكن من صده لقلة العدد والعدد . وهكذا دخل تونية رومة في السابع عشر من كانون الأول سنة 546 . ثم انشأ اسطولا وغزا صقلية فاستولى عليها في السنة 549 - فثارت ثائرة بوستنيانوس فيجهز قوة كبيرة وأمر عليها نرسيس . 00. - ودفع بها الى ايطالية عن طريق الشمال . فتمكن نرسيس في السنة ٥٥٢ من القضاء على توتيلة في موقعة بوستة في أومبرية Busta Gallaram . Guterbock, Byzanz und Persien, 57. Bury, J. B., Later Rom. Emp., II, 261-269. ضل الدانوب : والمشاكل التي عاناها يوستنيانوس في الغرب والشرق معاً قضت عليه بسعب جنوده من ضفة الدانوب واستعمالهم في جبهات اخرى واضطرته الى الاستعاضة عنهم بسلسلة كبيرة من الحصون والقلاع ، فأنشأ ورهم وحصن أكثر من اربع مئة مدينة في البلقان . ثم تذرع بسياسة و فرق ند ، فحالف اللومبارديين ضد الغيد Gepides في المجر وصادق المون الارتيفور Quigours في شرقي ازوف ضد المــون الكوتريغور Koutrigours بين الدون والدنيستر واستعان بالافار Avare عشائر الدانوب . ولكن هذا كله لم يمنع البرابرة من التسرب خال حصون البلقان نظراً لصغر الحاميات . فكان في السنة 539 -- 540 ان انتشر مئات من الصقالبة والبلغار والهون في قرى عديدة من الادرياتيـك حتى القسطنطينية ينهبون ويخربون ويحرقون ويذبحون . وفي السنة 558 تحرك سبعة آلاف كوتريفور من الدانوب فاتجهوا جنوباً وعبروا سور انسطاسيوس والقوا الرعب في أوساط القسطنطينية نفسها ، وظل ذلك دأبهم حتى جمع بليساريوس بضع مئات من الابطـال المجربين من سكات العاصمة وانقض بهم على العدو فولوا الأدبار . الفرات وسائر الحدود الشرقية : ولم يحصر يوستنيانوس اعاله التحصينية في منطقة البلقـان . فأنه انشأ في افريقية كما سبق أن أشرنا ليموساً جديداً ، وانفق أموالا طائلة للغاية نفسها في آسية الصغرى وسورية وشرق الاردن . وكانت حدود الامبراطورية في الشرق تنبسط من البحر الأسود حتى البحر الأحمر فتؤلف خطأ طوله الفا كيلومتر ، ولم يسبق لرومة في الشرق ان شيدت في عصر من عصورها ليموماً متصلا على نحو ما فعلت في الشمالي بين الدين والدانوب او في الجنوب في افريقيا الشمالية . ذلـك بأن جبـال آسية الصغرى الشرقية وبادية الشام شكلت حاجزاً طبيعياً موافقاً يمكن الانتفاع به في الحرب والدفاع . ومن هنا اكتفت روعة في هذه المناطق بإنشاء قلاع موزعة في مواقع معينة تحمي بها الطرق الرئيسية والجسور والممرات الطبيعية وما الى ذلك ، فأصبح حدها الشرقي « منطقة مراقبة ، على حد تعبير ليون هومو أكثر منه ليموسا او اطارا مانعاً وكانت هذه المنطقة ذات الحصون تبدأ عند طرابزون فتتجه جنوباً حتى مجرى الفرات الاعلى فمصب الخابور فحدود البادية حتى العقبة . وكان خط الدفاع الممتد نحوا من ثمانمائة كيلومتر بين قرقيسية Circesium عند مصب الخابور وبين العقبة يتألف من طريق معبدة موازية للحدود محمية الجانبين ولا سيما عند مفارق الطرق بعدد كبير من الأبراج . وكانت تدمر ودمشق والبتراء تدخل بقلاعها وحصونها والطرق الموصلة اليها في هذا الخط من الدفاع . وتدل اعمال التنقيب التي أجريت في شرق الاردن بعد الحرب العالمية الاولى ان الطريق العسكري الروماني الذي كان بمر بشرق الأردن كان يصل بدرى بماديا والبتراء فالعقبة ، وان رومة فــد اقامت على جانبي هذا الطريق ابراجاً محصنة يبعد الواحد منها عن الآخر ثلاثين كيلومتراً ، وانها انشأت قلاعاً لحماية موارد المياه الى شرقي هذا الطريق في القسطل واللجون وغيرهما وجاء يوستنيانوس يؤمن و سلما وطمأنينة ، لشعبه و و يزيل كل مـا كان يشجع البرابرة على الغزو والنهب، فاهتم بحصون ارضروم و كيناريزون ومر تيروبوليس وآمد وقسطنطينة ودارا . وكانت دارا هذه تقع بين نصيبين وماردين وتدعى « حصن الامبراطورية الرومانية ، . واظهر يوستنيانوس اهتماماً مماثلا بخط من الحصون جاء وراء هذه الحصون الامامية : . Home, L., Emp. Ramain, 203. Abel, F. M., Hist. de la Palestine, II, 55 57. ستالة وكولونية ونيكوبوليس وسبسطية وملاطية Miletene ثم أورفة وحران وكلينيكوم ثم سورية على الفرات وهيرابوليس ( منبج ) وزقمة فانطاكية . بوستنيانوس في دوره الاخير: وليس يختلف اثنان فيها تعلم ان مشاريع بوستنيانوس العظيمة لم تتناسب وطاقته المالية . فالعظمة والبذخ واسترضاء زعماء البرابرة وحروب الفتح والانشاء والتعمير في طول البلاد وعرضها كامها تتطلب اتفاقاً كبيراً لم يكن آنئذ بوسع الدولة ، وكان انتاسيوس قد خلف وفراً قدره ۳۲۰,۰۰۰ ليرة ذهبا أو ما تعادل قيمته أربعة عشر مليونا من الليرات الاسترلينية . فأنفقه يوستنيانوس في بضع سنوات وبات يشكو قلة النقد . وقلة نقده أطالت حروبه وزعزعت معنويات جيشه واوقفت اصلاحه الاداري او عرقلته ثم أدت الى زيادة الضرائب واثقال كاهل الاهلين بها . وفي السنة ٥٤٨ توفيت ثيودورة بداء السرطان ففقد يوستنيانوس برفاتها مستشارة نشيطة امينة . فانكشفت نقائصه واهمها التردد والهوس باللاهوت فأعمل واجباته الادارية وكرس معظم لياليه للجدل الديني . فصح فيه قول كوريبوس و انه بات لا يبالي شيئا وان روحه كانت كالتي انتقلت إلى السماء . . . وتضاءل جيشه فتناقص من 645,000 مقاتل الى 150,000 وخلت حصونه من الرجال حتى نال اغاثيوس : انها اصبحت خالية خاوية لا يسمع فيها نباح كلب واحد . وبانت العاصمة نفسها مهددة بالخطر لان سور انستاسيوس كان قد تثلم في الف موضع وموضع ولأن الحرس الامبراطوري كان قد قل وضعف ولان الفسيلفس كان لجأ الى البلص والمصادرة للحصول على المال المطلوب . وعاد الخضر والزرق الى المناظرة . Dicht, Ch, Just. Govt. in the East, Cam. Med. Hist., 11, 32-34. والمشاحنة والمخاصمة ونزلوا بذلك كله إلى شوارع العاصمة فهاجوا وماجوا مراراً ما بين السنة ٥٥٣ و ٥٦٤. وأدی تردد يوستنيانوس في تعيين ولي عهده إلى التخاصم والتآمر ولا سيما بين أنسبائه.
ولكن ليس من العدل في شيء أن تحكم على عهد يوستنيانوس كإنه حكماً مبنياً على ما آلت إليه الأمور في آخر سنواته. فالواقع الذي لا مندوحة عن الإعتراف به أن أهداف الرجل كانت نبيلة، وأن سعيه لإعادة الأمبراطورية إلى ما كانت عليه من الاتساع والمجد كان عظيماً في حد ذاته لائقاً بالامبراطور، وأن محاولته التوحيد الكلمة في الكنيسة كانت في مصلحة الدولة والكنيسة معاً، وأن انشاآته العسكرية على حدود الدولة كانت في مصلحة الشعب، وان اهتمامه بالإدارة والقضاء والتشريع إنما نجم عن رغبة أكيدة في ضمان الأمن ونشر لواء العدل. ولئن كان ثمن هذا كله باهظاً فالعمل في حد ذاته كان كبيراً. وهل أكبر من مجموعة القوانين وكنيسة الحكمة الالهية!
خطأ استشهاد: وسوم <ref>
موجودة لمجموعة اسمها "arabic-indic"، ولكن لم يتم العثور على وسم <references group="arabic-indic"/>