انتقل إلى المحتوى

الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب الصيام/فرضية صيام رمضان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



فرضية صيام رمضان


يجب صيام رمضان وهو ركن من أركان الدين وضروري من ضرورياته .

لرؤية هلاله من عدل لصيامه () وأمره للناس بالصيام لما أخبره عبد الله بن عمر أنه رآه أخرجه أبو داود والدارمي وابن حبان والحاكم وصححاه . وصححه أيضاً ابن حزم من حديث ابن عمر بلفظ تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله () أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه . وأخرج أهل السنن وابن حبان والدارقطني والبيهقي والحاكم من حديث ابن عباس قال : جاء أعرابي إلى النبي () فقال : إني رأيت الهلال يعني رمضان فقال : أتشهد أن لا إله إلا الله قال : نعم قال : أتشهد أن محمداً رسول الله قال : نعم قال : يا بلال أذن في الناس فليصوموا غداً وأخرج الدارقطني والطبراني من طريق طاوس قال : شهدت المدينة وبها ابن عمر وابن عباس ، فجاء رجل إلى وإليها وشهد عنده على رؤية هلال شهر رمضان ، فسأل ابن عمر وابن عباس عن شهادته فأمراه أن يجيزه وقالا : إن رسول الله () أجاز شهادة واحد على رؤية هلال رمضان ، وكان لا يجيز شهادة الإفطار بشهادة الرجلين قال الدارقطني تفرد به حفص بن عمر الايلي وهو ضعيف وقد ذهب إلى العمل بشهادة الواحد ابن المبارك وأحمد بن حنبل والشافعي في أحد قوليه . قال النووي : وهو الأصح وذهب مالك والليث والأوزاعي والثوري إلى أنه يعتبر اثنان ، واستدلوا بحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وفيه فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا أخرجه أحمد والنسائي . وفي حديث أمير مكة الحرث بن حاطب قال : عهد إلينا رسول الله () أن ننسك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهداً عدل نسكنا بشهادتهما أخرجه أبو داود والدارقطني وقال : هذا الإسناد متصل صحيح . وغاية ما في الحديثين أن مفهوم الشرط يدل على عدم قبول الواحد ، ولكن أحاديث قبول الواحد أرجح من هذا المفهوم ، وقد حققه الماتن رح في كتابه إطلاع أرباب الكمال على ما في رسالة الجلال في الهلال من الإختلال . ويؤيد وجوب العمل بخبر الواحد ، الأدلة الدالة على قبول أخبار الآحاد على العموم ، إلا ما خصه دليل ، فمحل النزاع مندرج تحت العموم بعد التنصيص عليه بما في حديث الأعرابي وبما في حديث ابن عمر ، وأما التأويل بإحتمال أن يكون قد شهد عند النبي () رجل قبل شهادة ابن عمر ، فلو كان مجرد هذا الإحتمال قادحاً في الإستدلال لم يبق دليل شرعي إلا وأمكن دفعه بمثل هذا التأويل الباطل . في المسوى إختلفوا في هلال رمضان فقيل يثبت بشهادة الواحد وعليه أبو حنيفة ، وقيل لا بد من عدلين وعليه مالك . وللشافعي قولان كالمذهبين أظهرهما الأول ، ولا فرق عنده بين أن تكون السماء مصحية أو مغيمة . وقال أبو حنيفة في الصحو لا بد من جمع كثير . وفي العالمكيرية إذا رأوا الهلال قبل الزوال أو بعده لا يصام به ولا يفطر وهو من الليلة المستقبلة . وفي الأنوار وإذا رؤي الهلال بالنهار يوم الثلاثين فهو لليلة المستقبلة .

أو إكمال عدة شعبان لحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما قال : قال رسول الله ()  : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين والأحاديث في هذا المعنى كثيرة . وفي الحجة البالغة ، لما كان وقت الصوم مضبوطاً بالشهر القمري بإعتبار رؤية الهلال ، وهو تارة ثلاثون يوماً وتارة تسع وعشرون ، وجب في صورة الاشتباه أن يرجع إلى هذا الأصل ، وأيضاً مبنى الشرائع على الأمور الظاهرة عند الأميين دون التعمق والمحاسبات النجومية ، بل الشريعة واردة بإخمال ذكرها وهو قوله ()  : إنا أمة أمية لا تكتب ولا نحسب انتهى .

ويصوم ثلاثين يوماً ما لم يظهر هلال شوال قبل إكمالها وجهه ما ورد من الأدلة الصحيحة ، أن الهلال إذا غم صاموا ثلاثين يوماً كحديث أبي هريرة المذكور ، ومثله في صحيح مسلم من حديث ابن عمر ، ومن حديث ابن عباس عند أحمد والنسائي والترمذي ، وصححه من حديث عائشة عند أحمد وأبي داود والدارقطني بإسناد صحيح ، وغير ذلك من الأحاديث وفيها التصريح بإكمال العدة الثلاثين يوماً في بعضها عدة شعبان ، وفي بعضها ما يفيد أنها عدة رمضان ، وفي بعضها الإطلاق وعدم التقييد بأحد الشهرين . قال في الحجة : قوله () : شهراً عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة قيل لا ينقصان معاً ، وقيل لا يتفاوت أجر ثلاثين وتسعة وعشرين ، وهذا الآخر أقعد بقواعد التشريع ، كأنه أراد سد أن يخطر في قلب أحد ذلك انتهى .

أقول : يمكن أن يقال : إن هذا إخبار من الشارع بعدم دخول النقص في الشهرين المذكورين ، فما ورد عنه أنه يكون الشهر تسعة وعشرين عام مخصص بالشهرين المذكورين وما ورد في خصوص شهر رمضان مما يدل على أنه قد يكون تسعة وعشرين ، فيمكن أن يقال فيه أن ذلك إنما هو باعتبار ما ظهر للناس من طلوع الهلال عليهم ، وفي نفس الأمر ذلك الشهر هو ثلاثون يوماً . قال بعض المحققين : التكليف الشهري علق معرفة وقته برؤية الهلال دخولاً وخروجاً أو إكمال العدة ثلاثين يوماً ، فهل في الأكوان أوضح من هذا البيان والتوقيت في الأيام والشهور بالحساب للمنازل القمرية بدعة باتفاق الأمة انتهى .

أقول : أن الرؤية التي إعتبرها الشارع في قوله صوموا لرؤيته هي الرؤية الليلية لا الرؤية النهاية ، فليست بمعتبرة ، سواء كانت قبل الزوال أو بعده ، ومن زعم خلاف هذا فهو عن معرفة المقاصد الشرعية بمراحل . واحتجاج من احتج برؤية الذين أخبروا النبي () بأنهم رأوه بالأمس باطل كاحتجاج من احتج على وجوب الإتمام بقول تعالى : ثم أتموا الصيام إلى الليل وكلا الدليلين لا دلالة لهما على محل النزاع . وأما الأول فإنهم إنما أخبروا عن الرؤية في الوقت المعتبر وذلك مرادهم بلفظ أمس كما لا يخفى على عالم وأما الثاني فالمراد به وجوب إتمام الصيام إلى الوقت الذي يسوغ فيه الإفطار تعييناً لوقته الذي لا يكون صوماً بدونه .

والحاصل : أن المجادلة عن هذا القول الفاسد وهو الإعتداد برؤية الهلال نهاراً يأباه الإنصاف ، وإن قال المتخذلق إن الإعتبار بالرؤية وقد وقعت لحديث صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته والاعتبار بعموم اللفظ ونحو ذلك من المجادلات التي لا يجهل صاحبها أنه غالط أو مغالط ، ولو كان هذا صحيحاً لوجب الإفطار عند كل رؤية للهلال في أي وقت من أوقات الشهر وهو باطل بالضرورة الدينية .

وإذا رآه أهل بلد لزم سائر البلاد الموافقة وجهه الأحاديث المصرحة بالصيام لرؤيته والإفطار لرؤيته ، وهي خطاب لجميع الأمة ، فمن رآه منهم في أي مكان كان ذلك رؤية لجميعهم ، وأما استدلال من استدل بحديث كريب عند مسلم وغيره أنه استهل عليه رمضان وهو بالشأم ، فرأى الهلال ليلة الجمعة ، فقدم المدينة فأخبر بذلك ابن عباس فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت ، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه ، ثم قال : هكذا أمرنا رسول الله () وله ألفاظ فغير صحيح ، لأنه لم يصرح ابن عباس بأن النبي () أمرهم بأن لا يعملوا برؤية غيرهم من أهل الأقطار ، بل أراد ابن عباس أنه أمرهم بإكمال الثلاثين أو يروه ، ظناً منه أن المراد بالرؤية رؤية أهل المحل وهذا خطأ في الإستدلال أوقع الناس في الخبط والخلط حتى تفرقوا في ذلك على ثمانية مذاهب . وقد أوضح الماتن المقام في الرسالة التي سماها اطلاع أرباب الكمال على ما في رسالة الجلال في الهلال من الاختلال . قال في المسوى : لاخلاف في أن رؤية بعض أهل البلد موجبة على الباقين ، واختلفوا في لزوم رؤية أهل بلد أهل بلد آخر . والأقوى عند الشافعي يلزم حكم البلد القريب دون البعيد . وعند أبي حنيفة يلزم مطلقاً .

وعلى الصائم النية قبل الفجر لحديث حفصة عن النبي () أنه قال : من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له أخرجه أحمد وأهل السنن وابن خزيمة وابن حبان وصححاه ، ولا ينافي ذلك رواية من رواه موقوفاً ، فالرفع زيادة يتعين قبولها على ما ذهب إليه أهل الأصول وبعض أهل الحديث ، وقد ذهب إلى ذلك جماعة من أهل العلم وخالفهم آخرون واستدلوا بما لا تقوم به الحجة . أما حديث أمره () لمن أصبح صائماً أن يتم صومه في يوم عاشوراء فغاية ما فيه ، أن من لم يتبين له وجوب الصوم إلا بعد دخول النهار كان ذلك عذراً له عن التبييت وأما حديث أنه () دخل على بعض نسائه ذات يوم فقال : هل عندكم من شئ ؟ فقالوا لا فقال : فإني إذن صائم فذلك في صوم التطوع . قال في المسوى : قال الشافعي : يشترط للفرض التبييت ، ويصح النفل بنيته قبل الزوال . وقال أبو حنيفة : يكفي في الفرض والنفل وأن ينوي قبل نصف النهار ، ولا بد في القضاء والكفارات من التبييت . أقول : وأما أنه يجب تجديد النية لكل يوم ، فلا يخفى أن النية هي مجرد القصد إلى الشئ أو الإرادة له من دون إعتبار أمر آخر . ولا ريب أن من قام في وقت السحر ، وتناول طعامه وشرابه في ذلك الوقت من دون عادة له به في غير أيام الصوم ، فقد حصل له القصد المعتبر ، لأن أفعال العقلاء لا تخلو عن ذلك ، وكذلك الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس لا يكون إلا من قاصد للصوم بالضرورة إذا لم يكن ثم عذر مانع عن الأكل والشرب غير الصوم ، ولا يمكن وجود مثل ذلك من غير قاصد ، إلا إذا كان مجنوناً أو ساهياً أو نائماً كمن ينام يوماً كاملاً ، وإذا تقرر هذا ، فمجرد القصد إلى السحور قائم مقام تبييت النية عند من اعتبر التبييت ، ومجرد الإمساك عن المفطرات وكف النفس عنها في جميع النهار يقوم أيضاً مقام النية عند من لم يعتبر التبييت . ومن قال أنه يجب في النية زيادة على هذا المقدار فليأت بالبرهان ، فإن مفهوم النية لغة وشرعاً لا يدل على غير ما ذكرناه . وهكذا سائر العبادات ، فإن مجرد قصدها كاف من غير إحتياج إلى زيادة على ذلك . مثلاً يكفي في نية الوضوء مجرد دخول المكان المعتاد لذلك ، والإشتغال بغسل الأعضاء المخصوصة على الصفة المشروعة ، وكذلك في الصلاة ، يكفي الدخول في المحل الذي تقام فيه ، والتأهب لها والشروع فيها على الصفة المشروعة ، فإن القصد والإرادة لا زمان لهذه الأفعال لعدم صدور مثل ذلك من العقلاء لمجرد اللعب والعبث

الروضة الندية شرح الدرر البهية - كتاب الصيام
فرضية صيام رمضان | فصل ويبطل الصوم بالأكل والشرب عمدا لا مع النسيان | فصل وجوب القضاء على من أفطر لعذر شرعي | باب صوم التطوع | باب الاعتكاف