انتقل إلى المحتوى

الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب الزكاة/صفحة واحدة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


كتاب الزكاة

[عدل]

تعريف الزكاة

[عدل]

وهي فريضة من فرائض الدين ، وركن من أركانه ، وضروري من ضرورياته ، ولكنها لا تجب إلا فيما أوجب فيه الشارع الزكاة من الأموال وبينه للناس ، فإن ذلك هو بيان لمثل قوله : خذ من أموالهم صدقة و آتوا الزكاة كما بين للناس قوله تعالى : أقيموا الصلاة ما شرعه الله تعالى من الصلوات التي بينها رسول الله () للناس . قال الماتن : وقد توسع كثير من أهل العلم في إيجاب الزكاة في أموال لم يوجب الله الزكاة فيها ، بل صرح النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في بعض الأموال بعدم الوجوب كقوله : ليس على المرء في عبده ولا فرسه صدقة وقد كان للصحابة أموال وجواهر ، وتجارات وخضراوات ، ولم يأمرهم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بتزكية ذلك ولا طلبها منهم ، ولو كانت واجبة في شئ من ذلك لبين للناس ما نزل إليهم ، فقد أوردنا في هذا المختصر ما تجب فيه ، وأشرنا إلى أشياء من الأموال التي لا زكاة فيها مما قد جعله بعض أهل العلم من الأموال التي تجب فيها الزكاة كما ستسمع ذلك .

تجب في الأموال التي ستأتي ببيانها عن قريب ، واجتمعت الأمة على أن منع الزكاة كبيرة . قال ف العالمكيرية : وهي فريضة محكمة يكفر جاحدها ويقتل مانعها .قال مالك : الأمر عندنا أن كل من منع فريضة من فرائض الله تعالى فلم يستطع المسلمون أخذها كان حقاً عليهم جهاده حتى يأخذوها منه . وبلغه أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال : لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه كذا في المسوى .

وإذا كان المالك مكلفاً إعلم أن هذه المقالة قد ينبو عنها ذهن من يسمعها ، فإذا راجع الأنصاف ووقف حيث أوقفه الحق علم أن هذا هو الحق ، وبيانه أن الزكاة هي أحد أركان الإسلام ودعائمه وقوائمه ، ولا خلاف أنه لا يجب شئ من الأربعة الأركان التي الزكاة خامستها على غير مكلف ، فإيجاب الزكاة عليه أن كان بدليل فما هو ؟ فما جاء عن الشارع في هذا شئ مما تقوم به الحجة ، كما يروي عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه أمر بالإتجار في أموال الأيتام لئلا تأكلها الزكاة ، فلم يصح ذلك في شئ مرفوعاً إلى النبي () فليس مما تقوم به الحجة . وأما ما روى عن بعض الصحابة فلا حجة فيه أيضاً ، وقد عورض بمثله كما روى البيهقي عن ابن مسعود قال : من ولي مال يتيم فليحص عليه السنين ، فإذا دفع إليه ماله أخبره بما فيه من الركاة فإن شاء زكى وإن شاء ترك ، وروي نحو ذلك عن ابن عباس . وإن قال قائل : أن الخطاب في الزكاة عام كقوله : خذ من أموالهم ونحوه ، فذلك ممنوع ، وليس الخطاب في ذلك إلا لمن يصلح له الخطاب وهم المكلفون ، وأيضاً بقية الأركان ، بل وسائر التكاليف التي وقع الاتفاق على عدم وجوبها على من ليس بمكلف الخطابات بها عامة للناس ، والصبي من جملة الناس ، فلو كان عموم الخطاب في الزكاة مسوغاً لإيجابها على غير المكلفين ، لكان العموم في غيرها كذلك ، وأنه باطل بالإجماع ، وما استلزم الباطل باطل ، مع أن تمام الآية أعني قوله تعالى : خذ من أموالهم صدقة يدل على عدم وجوبها على الصبي وهو قوله : تطهرهم وتزكيهم بها فإنه لا معنى لتطهير الصبي والمجنون ولا لتزكيته ، فما جعلوه مخصصاً لغير المكلفين في سائر الأركان الأربعة لزمهم أن يجعلوه مخصصاً في الركن الخامس وهو الزكاة .

وبالجملة : فأموال العباد محرمة بنصوص الكتاب والسنة ، لا يحللها إلا التراضي وطيبة النفس ، أما ورود الشرع كالزكاة والدية والأرش والشفعة ونحو ذلك ، فمن زعم أنه يحل مال أحد من عباد الله سيما من كان قلم التكليف عنه مرفوعاً فعليه البرهان والواجب على المنصف أن يقف موقف المنع حتى يزحزحه عنه الدليل . ولم يوجب الله تعالى على ولي اليتيم والمجنون أن يخرج الزكاة من مالهما ولا أمره بذلك ولا سوغه له ، بل وردت في أموال اليتامي تلك القوارع التي تتصدع لها القلوب وترجف لها الأفئدة .

أقول : وأما إشتراط الإسلام فالراجح أن الكفار مخاطبون بجميع الشرعيات ، لكنه منع صحتها منهم مانع الكفر فليس الإسلام شرطاً في الوجوب ، بل الكفر مانع عن الصحة ، والمكلف مخاطب برفع الموانع التي لا يجزيء عنه ماوجب عليه مع وجودها ، فخذ هذه قاعدة كلية في كل باب من الأبواب التي يجعلون الإسلام فيها شرطاً للوجوب . وأما إشتراط الحرية ، فلا ريب أن هذا الإشتراط ، إنما يتم على قول من قال : أن العبد لا يملك ، وهي مسألة قد تعارضت فيها الأدلة بما لا يتسع لبسطه ، وهذه شرطية حقيقة عند القائل بعدم تملك العدم ، لأنه لا يجب على العبد أن يسعى في تحرير نفسه لتجب عليه الزكاة ، لما تقرر أن تحصيل شرط الواجب ليجب لا يجب ، فلا وجوب على العبد حال العبودية ، بخلاف الكافر فإن الوجوب ثابت عليه في حال كفره ، ولكنه لا تتم تأدية الواجب إلا بازالة المانع وهو الكفر ، وما لا يتم الواجب إلا به يجب كوجوبه . ومن ههنا يتبين لك الفرق بين هاتين القاعدتين ، فالأولى تستعمل قبل وجوب ذلك الواجب على الشخص ، والثانية بعد وجوبه عليه مع ما نع يمنعه عنه . ومما ينبغي أن يجعل شرطاً في وجوب الزكاة التكليف ، كما فعل الماتن رح ، مع أنها مشروعة للتطهرة والتزكية كما نطق بذلك القرآن ، وهما لا يكونان لغير المكلفين ، فمن أوجب على الصبي زكاة في ماله تمسكاً بالعمومات ، فليوجب عليه بقية الأركان الأربعة تمسكاً بالعمومات .

وبالجملة : فالأصل في أموال العباد الحرمة لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل لا يحل مال امريء مسلم إلا بطيبة من نفسه ولا سيما أموال اليتامى ، فإن القوارع القرآنية ، والزواجر الحديثية ، فيها أظهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر ، فلا يأمن ولي اليتيم إذا أخذ الزكاة من ماله من التبعة ، لأنه أخذ شيئاً لم يوجبه الله على المالك ولا على الولي ولا على المال . أمال الأول : فلأن المفروض أنه صبي لم يحصل له فما هو مناط التكاليف الشرعية وهو البلوغ . وأما الثاني : فلأنه غير مالك للمال والزكاة لا تجب على غير مالك . وأما الثالث : فلأن التكاليف الشرعية مختصة بهذا النوع الإنساني لا تجب على دابة ولا جماد والله أعلم

باب زكاة الحيوان

[عدل]

إنما تجب منه في النعم أي الماشية ، وهي في أكثر البلدان الإبل والبقر والغنم ويجمعها إسم الأنعام ، وأما الخيل فلا تكثر صرمها ، ولا تناسل نسلاً وإفراً إلا في أقطار يسيره ، كتركستان كذا في الحجة .

وهي الإبل والبقر والغنم فتؤخذ من كل صرمة من الإبل ناقة ، ومن كل قطيع من البقر بقوة ، ومن كل ثلة من الغنم شاة مثلاً ، ثم يعرف كل واحد من هذه بالمثال والقسمة والإستقراء ليتخذ ذلك ذريعة إلى معرفة الحدود الجامعة المانعة كذا في الحجة . وكونها لا تجب في غير الثلاثة الأنواع من الحيوانات ، فلأن الذي بين للناس ما نزل إليهم لم يوجبها عليهم في غيرها ، وأما ما ورد من ذكر حق الله تعالى في الخيل فالمراد به الجهاد

فصل في تفصيل زكاة الابل واختلاف أنواعها

[عدل]

إذا بلغت الإبل خمساً ففيها شاة ، ثم في كل خمس شاة ، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها ابنة مخاض أو ابن لبون ، وفي ست وثلاثين ابنة لبون ، وفي ست وأربعين حقة ، وفي إحدى وستين جذعة ، وفي ست وسبعين بنتاً لبون ، وفي إحدى وتسعين حقتان إلى مائة وعشرين ، فإذا زادت ففي كل أربعين ابنة لبون ، وفي كل خمسين حقة هذا التفصيل في فرائض الصدقة هو الثابت في حديث أنس أن أبا بكر كتب لهم أن هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على المسلمين ثم ذكر فيه ما يجب في كل عدد كما في هذا المختصر ، ثم قال فيه : فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات ، فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً ، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا جذعة فإنها تقبل مند ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين ، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده وعنده ابنة لبون فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً ، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليست عنده إلا حقة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين ، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده ابنة مخاض فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً ، ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شئ ، ومن لم تكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها شئ إلا أن يشاء ربها وقد أخرج هذا الحديث أحمد والنسائي وأبي داود . وأخرجه أيضاً البخاري مفرقاً في صحيحه . قال ابن حزم : هذا كتاب في نهاية الصحة عمل به الصديق بحضرة العلماء ولم يخالفه أحد ، وصححه ابن حبان وغيره . وقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والدارقطني والحاكم والبيهقي نحو ما اشتمل عليه المختصر من حديث الزهري عن سالم عن أبيه قال : كان رسول الله () قد كتب الصدقة ولم يخرجها إلى عمالها حتى توفي ، فأخرجها أبو بكر فعمل بها حتى توفي ، ثم أخرجها عمر من بعده فعمل بها قال : فلقد هلك عمر يوم هلك وإن ذلك لمقرون بوصيته ثم ذكر الحديث . قال في الحجة : وقد إستفاض ذلك من رواية أبي بكر وعمر وابن مسعود وعمر وبن حزم وغيرهم ، بل صار متواتراً بين المسلمين إنتهى

فصل فيه أنواع زكاة البقر

[عدل]

ويجب في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة ، وفي أربعين مسنة ثم كذلك يدل على ذلك ما أخرجه أحمد وأهل السنن وابن حبان والحاكم وصححاه منم حديث معاذ بن جبل قال : بعثني رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى اليمن ، وأمرني أن آخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعاً أو تبيعة ، ومن كل أربعين مسنة فإذا زادت على الأربعين فلا شئ في الزائد حتى يبلغ سبعين وفيها تبيع ومسنة إلى ثمانين وفيها مسنتان ثم كذلك وقال ابن عبد البر في الإستنكار : لا خلاف بين العلماء أن السنة في زكاة البقر على ما في حديث ابن معاذ وأنه النصاب المجمع عليه

فصل فيه أنواع زكاة الغنم

[عدل]

ويجب في أربعين من الغنم شاة ، إلى مائة وإحدى وعشرين وفيها شاتان ، إلى مائتين وواحدة وفيها ثلاث شياة ، إلى ثلاثمائة وواحدة وفيها أربع ، ثم في كل مائة شاة هذا التفضيل هو الثابت في حديث أنس وحديث ابن عمر اللذين تقدم تخريجهما في باب زكاة الإبل وقد وقع الإجماع على ذلك

فصل ولا يجمع بين مفترق من الأنعام ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة

[عدل]

ولا يجمع بين مفترق من الأنعام ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة لنهيه () عن ذلك كما في كتاب أبي بكر المحكي عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وقد تقدمت الإشارة إليه ، وكذلك في حديث ابن عمر حاكياً لكتاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في ذلك كما سبقت الإشارة إليه ، وكذلك وقع التصريح بالنهي عن ذلك في غير الحديثين المذكورين فإن فيه النهي كذلك . ومعنى التفريق بين مجتمع ، أن يكون لثلاثة أنفار لكل واحد أربعون شاة ، فإذا لم يجمعوها كان على كل واحد شاة ، وإذا جمعوها لم يجب فيها إلا شاة ، وصورة الجمع بين مفترق أن يكون لرجلين مائتا شاة وشاة ، فيكون عليهما فيها ثلاث شياه ، فيفرقونها حتى لا يكون على كل واحد منهما إلا شاة واحدة ، ونحو ذلك من الصور . وهذا على إعتبار المسرح والمراح والخلطة ، وإن إختلف المالكون كما دلت على ذلك الأدلة .

ولا شيء فيما دون الفريضة ولا خلاف في ذلك ولا في الأوقاص وهي ما بين الفريضتين فلا خلاف في ذلك أيضاً إلا في رواية عن أبي حنيفة . وفي حديث معاذ عند أحمد وغيره أن الأوقاص لا فريضة فيها .

وما كان من خليطين فيتراجعان بالسوية لما وقع في الكتابين المذكورين من قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية والمراد أنهما إذا خلطا ما يملكانه من المواشي فبلغت النصاب أخرجا زكاة تلك الماشية المخلوكة ، وكان على كل واحد بحساب ماشيته . وصورة ذلك : أن يكون لك واحد منهما عشرون شاة ، فيأخذ المصدق من الأربعين شاة من ملك أحدهما ، فيرجع على صاحبه بنصف قيمتها ، وهذا على أن مجرد خلط الشريكين بملكيهما يصيرهما بمنزلة الماشية المملوكة لرجل واحد وهو الحق كما دلت على ذلك الأدلة .

ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار ولا عيب ولا صغيرة ولا أكولة ولا ربى ولا ما خض . ولا فحل غنم لما في كتاب أبي بكر بلفظ ولا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس وفي كتاب عمر المحكي عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لا تؤخذ هرمة ولا ذات عيب وفي حديث عبد الله بن معاوية الغاضري مرفوعاً بلفظ ولا تعطى الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة ولكن من أوسط أموالكم أخرجه أبو داود والطبراني بإسناد جيد . وأخرج مالك في الموطأ والشافعي عن سفيان بن عبد الله الثقفي أن عمر بن الخطاب نهى المصدق أن يأخذ الأكولة والربى والماخض وفحل الغنم وقد روى ذلك عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ابن أبي شيبة في مسنده ، والهرمة الكبيرة التي قد سقطت أسنانها . وذات العوار بفتح العين المهملة وضمها قيل : هي العوراء وقيل : هي المعيبة . وقد شمل قوله ولاعيب كل مافيه عيب يعد عنه العارفين بالمواشي نقصاً فإنه لا يخرج في الصدقة ، فتدخل في ذلك الدرنة بفتح الدال المهملة مشددة بعدها راء مكسورة ثم نون وهي الجرباء . والشرط اللئمية هي صغار المال وشراره ، واللئيمة البخيلة باللبن وغيرها . وأما الأكولة فهي بفتح الهمزة وضم الكاف العاقر من الشاة . والربى بضم الراء وتشديد الباء الموحدة الشاة التي تربى في البيت للبنها . والماخض الحامل . وفحل الغنم هو الذي ينزو عليها لأن المالك يحتاج إليه وإن لم يكن من الخيار

باب زكاة الذهب والفضة

[عدل]

لا خلاف في وجوب الزكاة في الذهب والفضة مع النصاب والحول ، ولهذا قال الماتن رح : إذا حال على أحدهما الحول ربع العشر وذلك لأن الكنوز أنفس المال يتضررون بإنفاق المقدار الكثير منها ، فمن حق زكاته أن يكون أخف الزكوات ، والذهب محمل على الفضة .

ونصاب الذهب عشرون ديناراً ، ونصاب الفضة مائتا درهم لحديث علي قال : قال رسول الله ()  : قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق ، فهاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهماً درهماً ، وليس في تسعين ومائة شئ ، فإذا بلغت مائتين ففيهما خمسة دراهم أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي . وفي لفظ وليس فيما دون المائتين زكاة وفي إسناده مقال ، وقد حسنه ابن حجر ، ونقل الترمذي عن البخاري تصحيحه . وأخرجه أحمد ومسلم من حديث جابر قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة ، وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة وأخرجه أحمد والبخاري من حديث أبي سعيد . وأخرج أبو داود من حديث علي قال : إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم ، وليس عليك شئ . يعني في الذهب . حتى يكون لك عشرون ديناراً ، فإذا كانت لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار وفي إسناده مقال ولكنه حسنه الحافظ ابن حجر ، ونقل الترمذي عن البخاري تصحيحه كالحديث الأول . وقد وقع الإجماع على أن نصاب الفضة مائتا درهم ، ولم يخالف في ذلك إلا ابن حبيب الأندلسي . والخمس الأواقي المذكورة في الحديث هي مائتا درهم ، لأن وزن كل أوقية أربعون درهماً . وذهب إلى أن نصاب الذهب عشرون ديناراً الجمهور . وقد روي عن الحسن وطاوس ما يخالف ذلك وهو مردود وذهب إلى إعتبار الحول الأكثر . وذهب ابن عباس وابن مسعود وداود إلى أنه يجب على المالك إذا استفاد نصاباً أن يزكيه في الحال تمسكاً بما دل على مطلق الوجوب وهو إهمال للقيد .

ولا شئ فيما دون ذلك قال في الحجة : وهل في الحلي زكاة ؟ الأحاديث فيه متعارضة ، وإطلاق الكنز عليه بعيد ، ومعنى الكنز حاصل ، والخروج من الإختلاف أحوط . وفي الموطأ كانت عائشة تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي فلا تخرج من حليهن الزكاة قال مالك : من كان عنده تبر أو حلي من ذهب أو فضة لا ينتفع به للبس ، فإن عليه فيه الزكاة في كل عام فيؤخذ ربع عشره ، إلا أن ينقص من وزن عشرين ديناراً عيناً أو مائتي درهم ، فإن نقص من ذلك فليس فيه زكاة ، وإنما تكون الزكاة إذا كان إنما يمسكه لغير اللبس ، فأما التبر والحلي المكسور الذي يريد أهله صلاحه ولبسه ، فإنما هو بمنزلة المتاع الذي يكون عند أهله ، فليس على أهله فيه زكاة . قال مالك : ليس في اللؤلؤ ولا في المسك ولا في العنبر زكاة . قلت : قال به الشافعي في أظهر قوليه وخصه بالمباح وأما المحظور كالأواني وكالسوار والخلخال للرجل فتجب فيه الزكاة بكل حال . وعند الحنفية تجب في الحلي إذا كان ذهب أو من فضة دون اللؤلؤ ونحوه .

ولا زكاة في غيرهما من الجواهر كالدر والياقوت ، والزمرد والألماس ، واللؤلؤ والمرجان ونحوها لعدم وجود دليل يدل على ذلك ، والبراءة الأصلية مستصحبة ، وقد تقدم في أول كتاب الزكاة ما يفيد هذا .

أقول : ليس من الورع ولا من الفقه ، أن يوجب الإنسان على العباد ما لم يوجبه الله عليهم ، بل ذلك من الغلو المحض ، والإستدلال بمثل خذ من أموالهم صدقة يستلزم وجوب الزكاة في كل جنس من أجناس ما يصدق عليه إسم المال ، ومنه الحديد والنحاس والرصاص والثياب والفراش والحجر والمدر ، وكل ما يقال له مال على فرض أنه ليس من أموال التجارة ، ولم يقل بذلك أحد من المسلمين ، وليس ذلك لورود أدلة تخصص الأموال المذكورة من عموم خذ من أموالهم حتى يقول قائل أنها تجب زكاة ما لم يخصه دليل لبقائه تحت العموم ، بل الذي شرع الله فيه الزكاة من أموال عباده ، هو أموال مخصوصة وأجناس معلومة ، ولم يوجب عليها الزكاة في غيرها ، فالواجب حمل الإضافة في الآية الكريمة على العهد لما تقرر في علم الأصول والنحو والبيان ، أن الإضافة تنقسم إلى الأقسام التي تنقسم إليها اللام ، ومن جملة أقسام اللام العهد ، بل قال المحقق الرضي : إنه الاصل في اللام . إذا تقرر هذا فالجواهر ، واللآليء ، والدر ، والياقوت ، والزمرد ، والعقيق ، واليسر ، وسائر ما له نفاسة وإرتفاع قيمة ، لا وجه لإيجاب الزكاة فيه ، والتعليل للوجوب بمجرد النفاسة ليس عليه آثارة من علم ، ولو كان ذلك صحيحاً لكان في المصنوعات من الحديد ، كالسيوف والبنادق ونحوها ما هو أنفس وأعلى ثمناً ، ويلحق بذلك الصين ، والبلور ، واليشم ، وما يتعسر الإحاطة به من الأشياء التي فيها نفاسة وللناس إليها رغبة ، فما أحسن الأنصاف والوقوف على الحد الذي رسمه الشارع ، وإراحة الناس من هذه التكاليف التي ما أنزل الله بها من سلطان على أن الآية التي أوقعت كثيراً من الناس في إيجاب الزكاة فيما لم يوجبه الله وهي خذ من أموالهم قد ذكر أئمة التفسير أنها في صدقة النفل وليست في صدقة الفرض التي نحن بصددها .

وأموال التجارة لما قدمنا من عدم قيام دليل يدل على ذلك ، وقد كانت التجارة في عصره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قائمة في أنواع مما يتجر به ، ولم ينقل عنه ما يفيد ذلك . وأما ما أخرجه أبو داود والدارقطني والبزار من حديث جابر بن سمرة قال : كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يأمرنا بأن نخرج الزكاة فيما نعد فقال ابن حجر في التلخيص : إن في إسناده جهالة ، وأما ما رواه الحاكم والدارقطني عن عمران مرفوعاً بلفظ في الإبل صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البز صدقته بالزاي المعجمة فقد ضعف الحافظ في الفتح جميع طرقه ، وقال في واحدة منها : هذا إسناد لا بأس به ، ولا يخفاك أن مثل هذا لا تقوم به الحجة لا سيما في التكاليف التي تعم بها البلوى ، على أنه قد قال ابن دقيق العيد : أن الذي رآه في المستدرك في هذا الحديث البر بضم الباء الموحدة وبالراء المهملة . قال : والدارقطني رواه بالزاي لكن من طريق ضعيفة ، وهذا مما يوجب الإحتمال فلا يتم الإستدلال ، فلو فرضنا أن الحاكم قد صحح إسناد هذا الحديث كما قال المحلى في شرح المنهاج ، لكان مجرد الإحتمال مسقطاً للإستدلال . فكيف إذا قد عورض ذلك التصحيح بتضعيف الحفاظ لما صححه الحاكم مع تأخر عصرهم عنه وإستدراكهم عليه . ويؤيد عدم الوجوب ما ثبت عنه () في الصحيح من حديث أبي هريرة ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه وظاهر ذلك عدم وجوب الزكاة في جميع الأحوال . وقد نقل ابن المنذر الإجماع على زكاة التجارة ، وهذا النقل ليس بصحيح ، فأول من يخالف في ذلك الظاهرية وهم فرقة من فرق الإسلام .

أقول : وأما الإستدلال بقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأما خالد فقد حبس أدراعه وأعتده في سبيل الله فلا تقوم به الحجة ، إلا إذا كانت المطالبة بزكاة ذلك الذي حبسه مع كونه للتجارة ، فعرفهم النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنها قد صارت محبسة ، وأنه لا زكاة فيها بعد التحبيس وليس الأمر كذلك ، بل الظاهر أنهم لما أخبروا النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بأن خالداً إمتنع من الزكاة رد عليهم بذلك ، والمراد أن من بلغ في التقرب إلى الله إلى هذا الحد ، وهو تحبيس أدراعه وأعتده يبعد كل البعد أن يمتنع من تأدية ما أوجبه الله عليه من زكاة التجارة . وأما الإستدلال بقول عمر ، فهو ممن لا يقول بجحية قول الصحابي ، ولكنه إذا وافق قوله الصحابي ما يعتقده ، ضم إليه دعوى الإجماع السكوتي مجازفة . إذا تقرر هذا علمت أنه لا دليل يدل على وجوب زكاة التجارة ، والبراءة الأصلية مستصحبة حتى يقوم دليل ينقل عنها . وأما ما حكاه ابن المنذر من الإجماع على زكاة التجارة ، فلا أدري كيف تجاسر على هذا ، ولو سلمناه قامت به حجة ، إلا على من يقول بحجية الإجماع ، وقد عرفت ما هو الصواب في هذا الباب في كتابنا حصول المأمول من علم الأصول . وقد حقق الماتن رح المقام في كتابه إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول فليراجع .

والمستغلات كالدور التي يكريها مالكها ، وكذلك الدواب ونحوها لعدم الدليل كما قدمنا ، وأيضاً حديث ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه يتناول هذه الحالة ، أعني حالة إستغلالهما بالكراء لهما ، وإن كان لاحاجة إلى الإستدلال بل القيام مقام المنع يكفي .

أقول : هذه المسألة من غرائب العلماء التي ينبغي أن تكون مغفورة بإعتبار ما لهم من المناقب ، فإن إيجاب الزكاة فيما ليس من الأموال التي تجب فيها الزكاة بالإتفاق كالدور ، والعقار ، والدواب ونحوها بمجرد تأجيرها بأجرة من دون تجارة في أعيانها مما لم يسمع به في الصدر الأول الذين هم خير القرون ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، فضلاً أن يسمع فيه بدليل من كتاب أو سنة ، وقد كانوا يستأجرون ويؤجرون ويقبضون الأجرة من دورهم وضياعهم ودوابهم ، ولم يحظر ببال أحدهم أنه يخرج في رأس الحول ربع عشر قيمة داره أو عقاره أو دوابه ، وانقرضوا وهم في راحة من هذا التكليف الشاق حتى كان آخر القرن الثالث من أهل المائة الثالثة ، فقال بذلك من قال بدون دليل ، إلا مجرد القياس على أموال التجارة ، وقد عرفت الكلام في الأصل فكيف يقوم الظل والعود أعوج مع أن هذا القياس في نفسه مختل بوجوه . منها : وجود الفارق بين الأصل والفرع ، فإن الإنتفاع بالمنفعة ليس كالإنتفاع بالعين . وأما العمومات التي أوردوها فهي عن الدلالة على المطلوب بمراحل ، والأمر أوضح من أن تستغرق الأوقات في إبطاله ودفعه . وأما ما زعموه من أن الموجب أولى من المسقط ، فذلك على عدم تسليمه ، إنما هو بعد الإتفاق على أن الموجب والمسقط إجتمعا في أمر قد قضى الشرع بالوجوب في أصله ، والأمر ههنا بالعكس ، فإن الشرع لم يوجب في أعيان الدور والعقار التي هي أصل الإستغلال شيئاً ، ثم أين هذا الموجب وماهو

باب زكاة النبات

[عدل]

يجب العشر في الحنطة والشعير والذرة والتمر والزبيب وجوب الزكاة من هذه الأجناس ، لشمول الأدلة الصحيحة لها ، وللتنصيص عليها في حديث أبي موسى ومعاذ ، حين بعثهما صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى اليمن ، يعلمان الناس أمر دينهم فقال : لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة : الشعير ، والحنطة ، والزبيب ، والتمر أخرجه الحاكم والبيهقي والطبراني . قال البيهقي : رواته ثقات وهو متصل . وأخرج الطبراني عن عمر قال : إنما سن رسول الله () الزكاة في هذه الأربعة فذكرها . وأخرج ابن ماجه والدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ إنما سن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الزكاة في الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب زاد ابن ماجه والذرة وفي إسناده محمد بن عبيد الله العرزمي وهو متروك . وأخرج البيهقي من طريق مجاهد قال : لم تكن الصدقة في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلا في خمسة فذكرها . وأخرج أيضاً من طريق الحسن فقال : لم يفرض الصدقة النبي () إلا في عشرة فذكر الخمسة المذكورة والإبل ، والبقر ، والغنم ، والذهب ، والفضة . وأخرج أيضاً عن الشعبي أنه قال : كتب رسول الله () إلى أهل اليمن إنما الصدقة في الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب قال البيهقي : هذه المراسيل طرقها مختلفة ، وهي يؤكد بعضها بعضاً ، ومعها حديث أبي موسى ، ومعها قول عمر وعلي وعائشة : ليس في الخضروات زكاة . انتهى .

وما كان يسقى بالمسني منها ففيه نصف العشر وجهه حديث جابر عن النبي () قال : فيما سقت الأنهار والغيم عشر ، وفيما سقي بالسانية نصف العشر رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود قال : الأنهار والعيون . وأخرج البخاري وأحمد وأهل السنن من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر ، وفيما يسقي بالنضح نصف العشر فإن الذي هو أقل تعانياً وأكثر ريعاً أحق بزيادة الضريبة ، والذي هو أكثر تعانياً وأقل ريعاً أحق بتخفيفها ، والعثري بفتح العين المهملة والمثلثة وكسر الراء المهملة هو الذي يشرب بعروقه ، وقيل الذي في سواقي العيون ونحوها . والحق وجوب الزكاة من العين . ولا يسوغ إخراج القيمة إلا لعذر مسوغ لحديث خذ الحب من الحب ، والشاة من الغنم ، والبعير من الإبل ، والبقرة من البقر أخرجه أبو داود والحاكم وصححه على شرط الشيخين . وأما قول معاذ ، فهو فعل صحابي لا حجة فيه على أنه منقطع كما صرح بذلك الحفاظ . وأما الإعتذار عن الحديث بأنه لا ظاهر له ، فهذه إحدى العصي التي يتوكا عليها المقلدة .

ونصابها خمسة أوسق لحديث أبي سعيد في الصحيحين وغيرهما عن النبي () ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وفي رواية لأحمد وابن ماجه أن النبي صل الله تعالى عليه وآله وسلم قال : الوسق ستون صاعاً وفي رواية لأحمد وأبي داود الوسق ستون مختوماً قال في الحجة البالغة : وإنما قدر من الحب والتمر خمسة أوسق ، لأنها تكفي أهل بيت إلى سنة ، وذلك لأن أقل البيت الزوج والزوجة ، وثالث خادم أو ولد بينهما ، وما يضاهي ذلك من أقل البيوت . وغالب قوت الإنسان رطل أو مد من الطعام ، فإذا أكل كل واحد من هؤلاء ذلك المقدار كفاهم لسنة وبقيت بقية لنوائبهم أو إمدامهم انتهى . قال ابن القيم : وقد ردت السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في تقدير نصاب المعشرات بخمسة أوسق بالمتشابه من قوله : فيما سقت السماء العشر ، وما سقي بنضح أو غرب فنصف العشر قالوا : هذا يعم القليل والكثير وقد عارضه الخاص ، ودلالة العام قطعية كالخاص ، وإذا تعارضا قدم الأحوط وهو الوجوب ، فيقال : يجب العمل بكلا الحديثين ولا يجوز معارضة أحدهما بالآخر وإلغاء أحدهما بالكلية ، فإن طاعة الرسول فرض في هذا وفي هذا ، ولا تعارض بينهما بحمد الله تعالى من الوجوه . فإن قوله : فيما سقت السماء العشر إنما أريد به التمييز بين ما يجب فيه العشر وما يجب فيه نصفه ، فذكر النوعين مفرقاً بينهما في مقدار الواجب . وأما مقدار النصاب فسكت عنه في هذا الحديث ، وبينه نصاً في الحديث الآخر ، فكيف يجوز العدول عن النص الصحيح الصريح المحكم ، الذي لايحتمل غير ما أول عليه البتة إلى المجمل المتشابه الذي غايته أن يتعلق فيه بعموم ، لم يقصدوا بيانه بالخاص المحكم المبين ، كبيان سائر العمومات بما يخصها من النصوص انتهى .

أقول : الأحاديث القاضية بإيجاب العشر أو نصف العشر تقتضي التسوية بين القليل والكثير . وأحاديث لا زكاة فيما دون خمسة أوسق تقتضي إختصاص الوجوب بمقدار معلوم هو الخمسة الأوسق وعدم الوجوب فيما دونها ، فالأحاديث الأولة عامة لقليل ما أخرجت الأرض من الأنواع المخصوصة ولكثيره ، والأحاديث الثانية خاصة ببعض ذلك الخارج دون بعض ، مصرحة بنفي الوجوب عن دون الخمسة الأوسق بمنطوقها، مثبتة لوجوبها في الخمسة فصاعداً بمفهومها ، وهي أحاديث صحيحة ، فإهمالها مع كونها خاصة والرجوع إلى العامة خارج عن سنن الأنصاف ، ولم يكن بيد من أهملها شئ يدفعها ، إلا مجرد تكليف العباد بما هو أشق الشكوك ، كشكوك الموسوسين في الطهارة . وهذا رسول الله () يقول : ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ، ولا فيما دون خمس أواق صدقة ، ولا فيما دون خمس ذود صدقة ثبت هذا عنه في حديث واحد ، فكان على من أوجب الزكاة فيما دون خمسة أوسق ، أن يوجبها فيما دون خمس أواق وخمس ذود ، بل يوجبها فيما دون الأربعين من الغنم ، والثلاثين من البقر ، تمسكاً بالعمومات القاضية بوجوب أصل الزكاة في الأموال ، فإنه لا فرق بينها وبين حديث فيما أخرجت الأرض العشر وليست المكيلات بالشك أولى من غيرها والله المستعان . وقد حكى ابن المنذر الإجماع على أن الزكاة لا تجب فيما دون خمسة أوسق مما أخرجت الأرض ، والمقام وإن كان حقيقاً بأن يقع الإجماع عليه ، لكن الخلاف لجماعة من العلماء أشهر من نار على علم ، وكيف خفي على ابن المنذر مذهب أبي حنيفة رح ، وهو متداول عند جميع أهل المذاهب ، حتى قال ابن العربي المالكي : أن أقوى المذاهب وأحوطها للمساكين مذهب أبي حنيفة ، وهو التمسك بالعموم انتهى . وهذه غفلة من مثل هذا الحافظ ناشئة عن الوسوسة التي قدمنا لك ذكرها ، فإن الشارع أشفق بفقراء أمته من كل أحد ، وأي قوة وأحوطية في شئ مخالف لنصه الصريح ، وكيف يخفى على عالم ، أن هذه الشفقة التي هي المستندة لهذه المقالة ، مستلزمة لظلم الأغنياء وأخذ أموالهم بدون طيبة من أنفسهم وأكلها بالباطل وسيوف السلاطين تابعة لأقلام العلماء ، فإذا أجبروا أهل الأموال على تسليم زكاة دون الخمسة الأوسق إستناداً إلى قول من قال بذلك بمجرد الشك والشفقة على الفقراء لا لما يقتضيه الإجتهاد ، فهم شركاء في هذه المظلمة التي هي محض أكل أموال الناس بالباطل . وما أحسن الوقوف على الحدود الشرعية والمشي على الطريقة النبوية ، فذلك هو الورع الخالص وخير الهدي هدي محمد () .

ولا شئ فيما عدا ذلك قال المجد في الصراط المستقيم . ولم يكن من العادة النبوية أخذ الزكاة من الخيل والرقيق والبغال والحمر والبقول والبطيخ والخيار والعسل والفواكه التي لا تدخل المكيال ولا تصلح للإدخار ، إلا الرطب والعنب ، فإنه كان يأخذ الزكاة منهما لا يفرق بين الرطب واليابس انتهى .

كالخضروات وغيرها حديث الخضراوات أخرجه الدارقطني والحاكم والأثرم في سننه أن عطاء بن السائب قال : أراد عبد الله بن المغيرة أن يأخذ صدقة من أرض موسى بن طلحة من الخضراوات ، فقال له موسى بن طلحة : ليس لك ذلك ، إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان يقول : ليس في ذلك صدقة وهو مرسل قوي ، وقد أخرجه الدارقطني والحاكم من حديث إسحق بن يحيى بن طلحة عن عمه موسى بن طلحة عن معاذ بلفظ وأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب فعفو عفا عنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال الحافظ : وفيه ضعف وإنقطاع . وروى الترمذي بعضه من حديث موسى بن طلحة عن معاذ ، وقد رواه ابن عدي من وجه آخر عن أنس ، والدارقطني من حديث علي ومن حديث محمد بن جحش ومن حديث عائشة ، ورواه أيضاً البيهقي عن علي وعمر موقوفاً ، في طرق حديث الخضراوات مقال ، لكنه روي من طرق كثيرة يشهد بعضها لبعض فينتهض للإحتجاج به ، وإذا إنضم إلى ما تقدم في وجوب الزكاة في تلك الأجناس الأربعة أو الخمسة ، إنتهض الجميع للإحتجاج بلا شك ولاشبهة . وقد رويت تلك الروايات بلفظ الحصر على تلك الأجناس كما سبق ، وكان ذلك هو البيان منه () لما أنزل الله تعالى ، فلا تجب في غير ذلك من النباتات . وقد ذهب إلى ذلك الحسن البصري والحسن بن صالح والثوري والشعبي . وأيضاً يمكن الجمع بطريق أخرى وهي : أن هذه الأدلة المذكورة هنا مخصصة لعمومات القرآن والسنة وذلك واضح ، ولا يصح جعل ذلك من باب التنصيص على بعض أفراد العام ، لما في ذلك من الحصر تارة والنفي لما عدا ما ذكر آخرى .

أقول : العمومات الشاملة للخضراوات كقوله تعالى : وآتوا حقه يوم حصاده وقوله : خذ من أموالهم صدقة وقوله () فيما سقت السماء العشر قد خصصت بمخصصات كثيرة منها : حديث الأوساق . ومنها : الأحاديث القاضية بأن الزكاة لا تجب إلا في الأربعة الأنواع الشعير والحنطة والتمر والزبيب ، هذا في الأشياء التي تنبت على وجه الأرض ، وفيما عداها السوائم الثلاث والذهب والفضة . والواجب بناء على الخاص كما هو إجماع من يعتد به من أهل العلم ، فلا وجوب فيما عدا هذه الثلاثة الأمور ، سواء كان من الخضراوات ، أو غيرها . بل قد ورد في الخضراوات بخصوصها ، ما يدل على عدم وجوب الزكاة فيها من طرق يشهد بعضها لبعض ، كما أوضح ذلك الماتن في شرح المنتقى . فليكن هذا البحث منك على ذكر ، فإن الإحتجاج بمثل هذه العمومات قد كثر في أهل العلم مع عدم الإلتفات إلى الأدلة الخاصة ، والذهول عن وجوب بناء العام على الخاص .

والحاصل : أن رسول الله () قد بين للناس ما نزل إليهم ، ففرض على الأمة فرائض في بعض أملاكهم ، ولم يفرض عليهم في البعض الآخر ، ومات على ذلك . وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما تقرر في الأصول ، فمن زعم أنها تجب الزكاة في غير ما بينه رسول الله () متمسكاً بالعمومات القرآنية كان محجوجاً بما ذكرناه ، هذا على فرض أنه لم يثبت عنه إلا مجرد البيان من دون ما يفيد عدم الوجوب في البعض المسكوت عنه ، فكيف وقد ثبت عنه ما يفيد ذلك كحديث أبي موسى ومعاذ عند الحاكم والبيهقي والطبراني أن رسول الله () لما بعثهما إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم قال : لا تأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة الشعير والحنطة والزبيب والتمر قال البيهقي : رواته ثقات وهو متصل . وأخرج الطبراني عن عمر قال : إنما سن رسول الله () الزكاة في هذه الأربعة فذكرها ونحوه عن جماعة من الصحابة ، وفي بعضها ذكر الذرة ، ولكن من طريق لا تقوم بمثلها الحجة .

ويجب في العسل العشر وجهه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي () أنه أخذ من العسل العشر أخرجه ابن ماجه . وقال الدار قطني : يروى عن عبد الرحمن بن الحارث وابن لهيعة عن عمرو بن شعيب ، ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرو بن شعيب ، ومثله حديث أبي سيارة عند أحمد وابن ماجه وأبي داود والبيهقي قال : قلت يا رسول الله إن لي نحلاً قال : فأد العشور وهو منقطع . وأخرج الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله () قال في العسل : في كل عشرة أزقاق زق وفي إسناده صدقة السمين وهو ضعيف الحفظ . وأخرج عبدالرزاق والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ أدوا العشر في العسل وفي إسناده منير بن عبدالله وهو ضعيف . والجميع لا يقصر عن الصلاحية للإحتجاج به . وفي العسل أحاديث أخرى لم ينتهض شيء منها للإحتجاج به . وقد جمعها الماتن في شرح المنتقى فليراجع .

ويجوز تعجيل الزكاة لحديث علي أن العباس بن عبدالمطلب سأل النبي () في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم والدارقطني والبيهقي وقد قيل : أنه مرسل . وقد روي عن علي بلفظ آخر من طريق أخرى أخرجها البيهقي أن النبي () قال : إنا كنا إحتجنا فأسلفنا العباس صدقة عامين ورجاله ثقات ، إلا أنه فيه إنقطاعاً . وفي الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي () قال في زكاة العباس : هي علي ومثلها معها لما قيل أنه منع من الصدقة ، وقد قيل أنه كان تسلف منه صدقة عامين فدل على أنه يجزىء عن المعجل أي يسقط الوجوب عند الإتصاف به ، ولا شك أن التعجل لا يكون تعجيلاً إلا إذا كان قبل الوجوب .

وعلى الإمام أن يرد صدقات أغنياء كل محل في فقرائهم وجهه حديث أبي جحيفة قال : قد علينا مصدق رسول الله () فأخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا ، فكنت غلاماً يتيماً فأعطاني منها قلوصاً أخرجه الترمذي وحسنه . وحديث عمران بن حصين أنه استعمل على الصدقة ، فلما رجع قيل له أين المال ؟ فقال : وللمال أرسلتني ؟ أخذناه من حيث كنا نأخذه على عهد رسول الله () ووضعناه حيث كنا نضعه أخرجه أبو داود وابن ماجه . وعن طاوس قال : كان في كتاب معاذ بن خرج من مخلاف إلى مخلاف ، فإن صدقته وعشره في مخلاف عشيرته أخرجه الأثرم وسعيد بن منصور بإسناد صحيح . وفي الصحيحين عن معاذ أن النبي () لما بعثه إلى اليمن قال له : خذها من أغنيائهم وضعها في فقرائهم .

ويبرأ رب المال بدفعها إلى السلطان وإن كان جائراً لحديث ابن مسعود في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله () قال : إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها قالوا يا رسول الله : فما تأمرنا ؟ قال : تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم وأخرج مسلم والترمذي وصححه من حديث وائل بن حجر قال : سمعت رسول الله () ورجل يسأله فقال : أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم ؟ فقال اسمعوا وأطيعوا ، فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم وأخرج أبو داود من حديث جابر بن عتيك مرفوعاً بلفظ سيأتيكم ركب مبغضون ، فإذا أتوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبتغون ، فإن عدلوا فلأنفسهم وإن ظلموا فعليها ، وأرضوهم فإن تمام زكاتهم رضاهم وأخرج الطبراني عن سعد بن أبي وقاص مرفوعاً إدفعوا إليهم ما صلوا الخمس وفي الباب آثار الصحابة . حتى أخرج البيهقي عن عمر أنه قال : إدفعوها إليهم وإن شربوا الخمر وإسناده صحيح . وأخرج أحمد من حديث أنس أن رجلاً قال لرسول الله () : إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله ؟ فقال نعم . إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها إلى الله ورسوله فلك أجرها وإثمها على من بدلها وأخرج البيهقي من حديث أبي هريرة إذا أتاك المصدق فأعطه صدقتك ، فإن اعتدى عليك فوله ظهرك ولا تلعنه وقل اللهم إني أحتسب عنك ما أخذ مني وقد ذهب إلى ما دلت عليه هذه الأدلة الجمهور . وأن الدفع إلى السلطان أو بأمره يجزي المالك وإن صرفها في غير مصرفها ، سواء كان عادلاً أو جائراً .

أقول : لا ريب أن مجموع الأدلة يقتضي أن أمره الزكاة إلى النبي () ، فإن قوله تعالى : خذ من أموالهم خطاب له إن سلم أنه في صدقة الفرض وفد تقدم ما فيه . وأنص من الآية على المطلوب حديث أمرت أن آخذها من أغنيائكم وأحاديث بعثه () للسعاة وأمره لهم بأخذ الصدقات . ومن ذلك الأدلة الواردة في الإعتداء بما أخذه سلاطين الجور ، فإنها متضمنة لوجوب الدفع إليهم والإجتزاء بما دفع إليهم . ومن ذلك حديث من أعطاها مؤتجراً فله أجره ، ومن منعه فإنا نأخذها وشطر ماله ومنها الأدلة من الكتاب والسنة الدالة على وجوب طاعة أولي الأمر ، ولكن لا يخفى أن مجموع هذه الأدلة و إن أفاد أن للأئمة والسلاطين المطالبة بالزكاة وقبضها ووجوب الدفع إليهم عند طلبهم لها ، فليس فيها ما يدل على أن رب المال إذا صرفها في مصرفها قبل أن يطالبه الإمام بتسليمها لا تجزئه ولا يجوز له ذلك ، لأن الوجوب على أرباب الأموال ، والوعيد الشديد لهم ، والترغيب تارة والترهيب أخرى لمن عليه الزكاة إذا لم يخرجها ، يستفاد من مجموعه أن لهم ولاية الصرف ، أما مع عدم الإمام فظاهر ، وأما مع وجوده من غير طلب منه فكذلك أيضاً ويؤيد ذلك حديث أما خالد فقد حبس أدرعه وأعتده في سبيل الله فإنه () أجاب بذلك على من قال له أن خالداً منع من تسليم الزكاة ، وأما المطالبة من الإمام فالظاهر أنه لا يجوز لرب المال الصرف ، لأنه عصيان لمن أمر الله بطاعته ، ولكن هل يجزئه ذلك أم لا ؟ الظاهر الأجزاء لأنه لا ملازمة بين كونه عاصياً لأمر الإمام وبين عدم الأجزاء ، ومن رغم ذلك طولب بالدليل ، فإن قيل الدليل ما تقدم من قوله () ومن منعها فإنا نأخذها وشطر ماله فيقال : الحديث على ما فيه من المقال لا يصلح للإستدلال به على هذا ، لأن المراد أنه منع الزكاة ولم يسلمها إلى الإمام ولا صرفها في مصارفها كما هو مدلول المنع الواقع على ضمير الزكاة في الحديث كما في أحاديث الوعيد لمانع الزكاة ، فإن المراد به المانع لها عن الإخراج مطلقاً ومما يؤيد ثبوت الولاية لرب المال قوله تعالى : إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ففي هذه الآية أعظم متمسك وأوضح مستند . ومن زعم أنها في صدقة النفل بدليل السياق فلم يصب لأن الإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول . نعم تطبيق الأدلة الواردة منه () على من بعده من الأئمة والسلاطين حتى يكون لهم مثل الذي له في أمر الزكاة يحتاج إلى فضل نظر ، ولا يقنع الناظر بمجرد الإجماع السكوتي الواقع من الناس بعد عصره () . وأما قتال الصحابة لمانعي الزكاة فلكونهم ارتدوا بذلك وصمموا على منع إخراجها ، وقد أمر () أمته بقتال الناس حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويفعلوا سائر أركان الإسلام . وأعظم ما يستأنس به ما ورد في طاعة السلاطين وإن ظلموا ، وأن دفعها إليهم من الطاعة لهم كما في حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليهم وسلم قال : أنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها قالوا يارسول الله : فما تأمرنا ؟ قال : تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم أخرجه الشيخان وغيرهما . وعن وائل بن حجر قال : سمعت رسول الله () ورجل يسأله فقال : أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم ؟ قال : إسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم أخره مسلم وغيره . وفي الباب أحاديث كثيرة ، وهي تفيد وجوب طاعتهم فيما طلبوا إذا كان في معروف غير معصية ، وطلبهم للزكاة من المعروف إذا كانوا يجعلونها في أمر غير معصية الله ، والأمر بالطاعة فرع ثبوت الولاية ، وثبوتها يستلزم الأجزاء . وقد ذهب إلى هذا الجمهور من الصحابة فمن بعدهم ، ويؤيد ذلك حديث جابر بن عتيك عند أبي داود مرفوعاً بلفظ سيأتيكم ركب مبغضون ، فإذا أتوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين مايبتغون ، فإن عدلوا فلأنفسهم وإن ظلموا فعليها ، وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم وأخرج الطبراني من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعاً ادفعوا إليهم ما صلوا الخمس ويغني عن جميع هذا التكليف بطاعة سلاطين الجور ما أقاموا الصلاة . وفي بعض الأحاديث الأمر بالطاعة للظلمة ما لم يظهروا كفراً ، فمن طلب الزكاة منهم لم تتم الطاعة له التي كلفنا الله بها إلا بالدفع إليه ، والله أعدل أن يجمع على رب المال في ماله زكاتين زكاة للظالم المأمور بطاعته وزكاة أخرى تصرف إلى غيره .

باب مصارف الزكاة

[عدل]

وهي ثمانية كما في الآية الكريمة إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم فإنها تضمنت الثمانية الأنواع الذي هم مصارف الزكاة . وقد أخرج أبو داود عن زياد بن الحرث الصدائي قال : أتيت رسول الله () فبايعته فأتى رجل فقال : أعطني من الصدقة فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إن الله لم يرض بحكم ني ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو ، فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي وفيه مقال . قال في المسوى : الفقير هو عند الشافعي من لا مال له ولا حرفة يقع منه موقعاً . وعند أبي حنيفة من له أدنى شئ وهو ما دون النصاب أو قدر نصاب غير تام وهو مستغرق في الحاجة . والمسكين هو عند الشافي من له مال أو حرفة يقع منه موقعاً ولا يغنيه ، وعند أبي حنيفة من لاشئ له فيحتاج إلى المسألة لقوته أو يواري بدنه ، والعامل له مثل عمله سواء كان فقيراً أو غنياً وعليه أهل العلم . والمؤلفة قلوبهم قسمان : من أسلم ونيته ضعيفة ، أوله شرف يتوقع بإعطائه إسلام غيره ، فيعطون من الزكاة على الأصح من مذهب الشافعي . وقال أبو حنيفة : سقط سهمهم لغلبة الإسلام . والرقاب هم المكاتبون عند الشافعية والحنفية . والغارم هو عند أبي حنيفة من لزمه دين ولا يملك نصاباً فاصلاً عن دينه ، أو كان له مال على الناس لا يمكنه أخذه وعند الشافعي قسمان : من استدان لنفسه في غير معصية ، والأظهر إشتراط الخاجة ، أو استدان لإصلاح البين ويعطى مع الغني . وسبيل الله غزاة لا فيء لهم ، ويشترط فقرهم عند أبي حنيفة . وعند الشافعي يعطون مع الغني . وابن السبيل هو الغريب المنقطع عن ماله عند الحنفية ، أو منشيء سفر ، أو مجتاز له حاجة عند الشافعية ، وشرط هؤلاء الأصناف الإسلام عند أهل العلم ، وعند الشافعي يجب إستيعاب الأصناف الثمانية إن كان هناك عامل وإلا فاستيعاب السبعة ، وتجب التسوية بين الأصناف لا بين آحاد الصنف . وعند أبي حنيفة لو صرف الكل إلى صنف واحد أو شخص واحد يجوز . قال مالك : الأمر عندنا في قسم الصدقات أن ذلك لا يكون إلا على وجه الإجتهاد من الوالي ، فأي الأصناف كانت الحاجة فيه والعدد أوثر ذلك الصنف بقدر مايرى الوالي ، وعسى أن ينتقل ذلك إلى الصنف الآخر بعد عام أو عامين أو أعوام ، فيؤثر أهل الحاجة والعدد حيثما كان ذلك ، وعلى هذا أدركت من أرضي من أهل العلم انتهى . قال الماتن : وقد أطال أئمة التفسير والحديث والفقه الكلام على الأصناف الثمانية ، وما يعتبر في كل صنف ، والحق أن المعتبر صدق الوصف شرعاً أو لغة ، فمن صدق عليه أنه فقير كان مصرفاً وكذلك سائر الأوصاف ، وإذا لم يكن للوصف حقيقة شرعية وجب الرجوع إلى مدلوله اللغوي وتفسيره به ، فما وقع من الشروط والإعتبارات المذكورة لأهل العلم إن كانت داخلة في مدلول الوصف لغة أو شرعاً أو لدليل يدل على ذلك كانت معتبرة ، وإلا فلا إعتبار لشئ منها انتهى .

أقول : الواجب الجزم بأن الفقير من ليس بغني ، والغني قد ثبت في الشريعة المطهرة تعريفه ، كما أخرجه أهل السنن من حديث ابن مسعود مرفوعاً أنه قيل يارسول الله وما الغني ؟ قال : خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب فمن لم يملك هذا المقدار فهو فقير ، لأنه إذا ارتفع عنه إسم الغني ثبت له الفقر ، إذا النقيضان لا يرتفعان كما لا يجتمعان ، ولا بد من كونه يملك معها ما لا بد منه من ملبوس وفراش ومسكن . حاصله ما تدعو الضرورة إليه ، لأن من المعلوم أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لم يرد بذلك المقدار قيمة ما يلبسه ويسكنه ، ويلحق بذلك ما لا يتم له القيام بالأمور الدينية أو الدنيوية بدونه ، كآلة الجهاد للمجاهد ، وكتب العلم للعالم ، وآلة الصناعة للصانع ، فمن ملك مما هو خارج عن هذه الأمور ما يساوي خمسين درهماً ، كان كمن ملك الخمسين أو قيمتها من الذهب فيكون غنياً ، ومن لم يملك ذلك المقدار فهو فقير تحل هل الزكاة والمصير إلى ما قررناه متحتم . والحق أن الفقير والمسكين متحدان يصح إطلاق كل واحد من الإسمين على من لم يجد فوق ما تدعو الضرورة إليه خمسين درهماً ، وليس في قوله تعالى كانت لمساكين ما ينافي هذا ، لأن ملكهم لما لا يخرجهم عن صدق إسم الفقر والمسكنة عليهم ، لما عرفت من أن آلات ما تقوم به المعيشة مستثناة ، والسفينة للملاح كدابة السفر لمن يعيش بالمكاراة والضرب في الأرض ، وليس في الآية الكريمة ما يدل على أن صدقة كل إنسان تصرف في كل صنف من الأصناف الثمانية بحيث يحصل لكل صنف مقدار معين وهذا أوضح . ثم أقول : كتاب الله وسنة رسوله مصرحان بأن الفقير يعطى من الزكاة ، وليس فيهما التقييد بمقدار معين ، وليس المعتبر إلا إتصاف المصرف وهو الفقير والمسكين ، ومن كان الفقر شرطاً للصرف فيه بصفة الفقر أو المسكنة ، فمن صرف إليه في تلك الحال فقد صرف إلى مصرف شرعي ، وإن أعطاه مالاً جماً وأنضباء متعددة فهو إنما اتصف بصفة الغني بعد الصرف إليه ، وذلك غير ضائر للصارف ولا مانع من الأجزاء ، ومن زعم أنه لا يجوز إلا دون النصاب فعليه الدليل الصالح لتقييد ما كان مطلقاً من الأدلة وتخصيص ما كان عاماً ، وليس هناك إلا مجرد تخيلات فاسدة لم تبن على أساس صحيح ، وأما الغارم فظاهر إطلاق الآية يشمل من عليه دين سواء كان غنياً أو فقيراً ، مؤمناً أو فاسقاً في طاعة أو معصية ، أما عدم الفرق بين الغني والفقير فليس فيه إشكال لدخولهما تحت الآية ، ولاستثناء الغارم من حديث لا تحل الصدقة لغني وما سلكه صاحب المنار من التخصيص والتعميم فوهم منشؤه تجريد النظر إلى لفظ غني من غير نظر إلى تمام الحديث المشتمل على إستثناء خمسة أحدهم الغارم ، وأما عدم الفرق بين المؤمن والفاسق فلإطلاق الآية ، لا سيما إذا كان ما استدانه الفاسق في غير سرف ولا معصية فلا معنى لاشتراط الإيمان ، وأما عدم الفرق بين الدين في طاعة أو معصية فلتناول الإطلاق له ، وإذا ورد ما يقتضي التقييد بما لزم في طاعة فله حكمه ، نعم إذا كانت الإعانة له تستلزم إغراءه على المعاصي ووقوعه فيما يحرم عليه فلا ريب أنه ممنوع لأدلة أخرى ، وأما إذا لزمه الدين في السرف والمعصية ثم تاب وأقلع وطلب أن يعان من الزكاة على القضاء فالظاهر عدم المنع . وأما سبيل الله فالمراد هنا الطريق إليه عز وجل ، والجهاد وإن كان أعظم الطرق إلى الله عز وجل ، لكن لا دليل على إختصاص هذا السهم به ، بل يصح صرف ذلك في كل ما كان طريقاً إلى الله عز وجل هذا معنى الآية لغة . والواجب الوقوف على المعاني اللغوية ، حيث لم يصح النقل هنا شرعاً . وأما إشتراط الفقر في المجاهد ، ففي غاية البعد ، بل الظاهر اعطاؤه نصيباً وإن كان غنياً ، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يأخذون من أموال الله عز وجل التي من جملتها الزكاة في كل عام ويسمون ذلك عطاء وفيهم الأغنياء والفقراء ، وكان عطاء الواحد منهم يبلغ إلى ألوف متعددة، ولم يسمع من أحد منهم أنه لا نصيب للأغنياء في العطاء ، ومن زعم ذلك فعليه الدليل ، فإن قال الدليل حديث إن الصدقة لا تحل لغني قلنا أصناف مصارف الزكاة ثمانية ، أحدها الفقير ، فمن لم يكن فيه إلا كونه فقيراً بدون إتصافه بوصف آخر من أوصاف أصناف مصارف الزكاة ، فلا ريب أنه إذا صار غنياً لم تحل له ، وأما من أخذها بمسوغ آخر غير الفقر ، وهو كونه مجاهداً أو غارماً أو نحوهما ،فهو لم يأخذها لكونه فقيراً حتى يكون الغني مانعاً ،بل أخذها لكونه مجاهداً أو غارماً أو نحوهما فتدبر هذا فهو مفيد . ومن جملة سبيل الله الصرف في العلماء الذين يقومون بمصالح المسلمين الدينية ، فإن لهم في مال الله نصيباً سواء كانوا أغنياء أو فقراء ، بل الصرف في هذه الجهة من أهم الأمور ، لأن العلماء ورثة الأنبياء وحملة الدين ، وبهم تحفظ بيضة الإسلام وشريعة سيد الأنام . وقد كان علماء الصحابة يأخذون من العطاء ما يقوم بما يحتاجون إليه مع زيادات كثيرة يتفوضون بها في قضاء حوائج من يرد عليهم من الفقراء وغيرهم والأمر في ذلك مشهور ، ومنهم من كان يأخذ زيادة على مائة ألف درهم . ومن جملة هذه الأموال التي كانت تفرق بين المسلمين على هذه الصفة الزكاة ، وقد قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لعمر لما قال له يعطي من هو أحوج منه : ما أتاك من هذا المال وأنت غير مستشرف ولا سائل فخذه ، وما لا فلا تتبعه نفسك كما في الصحيح والأمر ظاهر . وأما ابن السبيل ، فإذا كان فقيراً لا يملك شيئاً في وطنه ولا في غيره فلا نزاع في أنه يعان على سفره بنصيب غير النصيف الذي يأخذه لأجل فقره ، وان كان غنياً في وطنه وفي المحل الذي يريد السفر منه فلا نزاع أنه لا يأخذ شيئاً لكونه ابن سبيل ، وإن كان غنياً في وطنه وفي المحل الذي يريد السفر منه فإن كان لا يمكنه القرض فلا ريب أنه يعان على سفره لأنه كالفقير لعدم إمكان إنتفاعه بماله بوجه من الوجوه ، وإن كان يمكنه القرض فهذا محل النزاع . وأما صرف الزكاة كلها في صنف واحد فهذا المقام خليق بتحقيق الكلام .

والحاصل : أن الله سبحانه جعل الصدقة مختصة بالأصناف الثمانية غير سائغة لغيرهم ، واختصاصها بهم لا يستلزم أن تكون موزعة بينهم على السوية ، ولا أن يقسط كل ما حصل من قليل أو كثير عليهم . بل المعنى أن جنس الصدقات لجنس هذه الأصناف ، فمن وجب عليه وشيء من جنس الصدقة ووضعه في جنس الأصناف فقد فعل ما أمره الله به وسقط عنه ما أوجبه الله عليه . ولو قيل أنه يجب على المالك إذا حصل له شيء تجب فيه الزكاة تقسيطه على جميع الأصناف الثمانية على فرض وجودهم جميعاً لكان ذلك مع ما فيه من الحرج والمشقة مخالفاً لما فعله المسلمون سلفهم وخلفهم . وقد يكون الحاصل شيئاً حقيراً لو قسط على جميع الأصناف لما انتفع كل صنف بما حصل له ولو كان نوعاً واحداً فضلاً أن يكون عدداً . إذا تقرر لك هذا ، لاح لك عدم صلاحية ما وقع منه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من الدفع إلى سلمة بن صخر من الصدقات للإستدلال ، ولم يرد ما يقتضي إيجاب توزيع كل صدقة صدقة على جميع الأصناف ، وكذلك لا يصلح للإحتجاج حديث أمره () لمعاذ أن يأخذ الصدقة من أغنياء أهل اليمن ويردها في فقرائهم ، لأن تلك أيضاً صدقة جماعة من المسلمين وقد صرفت في جنس الأصناف وكذلك حديث زياد بن الحارث الصدائي قال : أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فبايعته ، فأتى رجل فقال أعطني من هذه الصدقة ، فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء ، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك لأن في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وقد تكلم فيه غير واحد ، وعلى فرض صلاحيته للإحتجاج ، فالمراد بتجزئة الصدقة تجزئة مصارفها كما هو ظاهرة الآية التي قصدها صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، ولو كان المراد تجزئة الصدقة نفسها ، وأن كل جزء لا يجوز صرفه في غير الصنف المقابل له لما جاز صرف نصيب ما هو معدوم من الأصناف إلى غيره ، وهو خلاف الإجماع من المسلمين . وأيضاً لو سلم ذلك لكان باعتبار مجموع الصدقات التي تجتمع عند الإمام لا باعتبار صدقة كل فرد فلم يبق ما يدل على وجوب التقسيط بل يجوز إعطاء بعض المستحقين بعض الصدقات وإعطاء بعضهم بعضاً آخر . نعم إذا جمع الإمام جميع صدقات أهل قطر من الأقطار ، وحضر عنده جميع الأصناف الثمانية ، كان لكل صنف حق في مطالبته بما فرضه الله ، وليس عليه تقسيط ذلك بينهم بالسوية ولا تعميمهم بالعطاء بل له أن يعطي بعض الأصناف أكثر من البعض الآخر ، وله أن يعطي بعضهم دون بعض إذا رأى في ذلك صلاحاً عائداً على الإسلام وأهله . مثلاً : إذا جمعت لديه الصدقات وحضر الجهاد وحقت المدافعة عن حوزة الإسلام من الكفار أو البغاة ، فإن له إيثار صنف المجاهدين بالصرف إليهم وإن استغرق جميع الحاصل من الصدقات ، وهكذا إذا اقتضت المصلحة إيثار غير المجاهدين .

وتحرم على بني هاشم وبنو عبد المطلب مثلهم .

أقول : الأحاديث القاضية بتحريم ذلك عليهم قد تواترت تواتراً معنوياً ، ولم يأت من خادع نفسه بتسويغها بشئ ينبغي الإلتفات إليه ، بل مجرد هذيان هو عن الحق معزل ، واحتج لعدم التحريم بحديث إن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم قال : فإذا منعوا ذلك حلت لهم الزكاة ، وفي إسناده حسين بن قيس الرحبي الملقب بحنش . قال الهيثمي : وفيه كلام كثير وقد وثقه أبو محصن . وقال في خلاصة البدر المنير : ضعفوه . وليس في هذا مع كونه أشف ما جاء به هو وغيره ممن نرخص في هذا الأمر ما يدل على الحل ، لأنهم إذا منعوا ما يحل لهم لم يحل لهم ما حرم عليهم ، فما وزان هذا إلا وزان قول القائل: لا يحل الزنا لأن في النكاح . ما يغني عنه . فهل يقول من له أدنى تمسك بالعلم ، أنه إذا لم يقدر على النكاح حل له الزنا ؟ وأما التعليل للتحريم بالتهمة له صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، وقد زالت بموته فحلت لقرابته ، كما رواه عن أبي حنيفة رح ، فمجرد تخمين لا مستند له ، وتخيل لا مرشد إليه ، ولو كان الأمر كذلك ، لكانت التهمة في الخمس وصفي الغنيمة أدخل وأشد والله المستعان .

ومواليهم لحديث أبي هريرة مرفوعاً وفيه إنا لا نأكل الصدقة وفي لفظ إنا لا تحل لنا الصدقة وهو في الصحيحين وغيرهما . وفي حديث أبي رافع أن الصدقة لا تحل لنا وإن موالي القوم من أنفسهم أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه ، وابن حبان وابن خريمة وصححاه أيضاً . وفي رواية لأحمد والطحاوي من حديث الحسن بن علي لا تحل لآل محمد الصدقة وفي حديث المطلب بن ربيعة أنه () قال : إن الصدقة لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد ، إنما هي أوساخ الناس وهو في صحيح مسلم ، وفي الباب أحاديث . قال في الحجة البالغة : إنما كانت أوساخاً لأنها تكفر الخطايا ، وتدفع البلايا ، وتقع فداء عن العبد في ذلك ، فيتمثل في مدارك الملأ الأعلى أنها هي ، فتدرك بعض النفوس العالية أن فيها ظلمة ، وقد يشاهد أهل المكاشفة تلك الظلمة ، وكان سيدي الوالد قدس سره يحكي ذلك من نفسه ، وأيضاً المال الذي يأخذه الإنسان من غير مبادلة عين أو نفع ولا يراد به احترام وجهه ، فيه ذلة ومهانة ، ويكون لصاحب المال عليه فضل ومنة . وهو قوله () اليد العليا خير من اليد السفلى فلا جرم ان التكسب بهذا النوع شر وجوه المكاسب لا يليق بالطهرين المنوه بهم في الملة أهـ . قال ابن قدامة : لا نعلم خلافاً في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة . وكذا حكى الإجماع ابن رسلان في شرح السنن . وقد وقع الخلاف في آل الذين تحرم عليهم الصدقة على أقوال ، أظهرها أنه بنو هاشم وحكم مواليهم حكمهم في ذلك .

أقول : الحق تحريم الزكاة أجمع على بني هاشم ، سواء كانت الزكاة منهم أو من غيرهم . وما استروح إليه من قال بجواز صدقة بعضهم لبعض من حديث العباس بن عبد المطلب أنه قال : قلت يا رسول الله إنك حرمت علينا صدقات الناس هل تحل لنا صدقات بعضنا لبعض ؟ قال : نعم أخرجه الحاكم ، فليس بصالح للإحتجاج به لما فيه من المقال ، حتى قيل أنه اتهم بعض رواته ، كما حققه صاحب الميزان ، وقد عرفت عموم أحاديث التحريم فلا يجوز تخصيصها بمخصص غير ناهض .

و تحرم على الإغنياء والأقوياء المكتسبين وجهه ما في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن جماعة أنها لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوى وفي لفظ لأحمد وأهل السنن من حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار مرفوعاً ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب وفي بعض الأخبار ولا لذي مرة قوي والمرة بكسر الميم وتشديد الراء القوة وشدة العقل كذا قال الجوهري . قال في الحجة البالغة : وجاء في تقدير الغنية المانعة من السؤال ، أنها أوقية أو خمسون درهماً . وجاء أيضاً أنها ما يغديه أو يعشيه . وهذه الأحاديث ليست متخالفة عندنا ، لأن الناس على منازل شتى ، ولكل واحد كسب لا يمكن أن يتحول عنه ، فمن كان كاسباً بالحرفة فهو معذور حتى يجد آلات الحرفة ، ومن كان زارعاً حتى يجد آلات الزرع ، ومن كان تاجراً حتى يجد البضاعة ، ومن كان على الجهاد مسترزقاً بما يروح ويغدو من الغنائم ، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، فالضابط فيه أوقية أو خمسون درهماً . ومن كان كاسباً بحمل الأثقال في الأسواق أو احتطاب الحطب وبيعه وأمثال ذلك ، فالضابط فيه ما يغديه ويعشيه أهـ . في الموطأ من حديث عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة : لغاز في سبيل الله ، أو لعامل عليها ، أو لغارم ، أو لرجل اشتراها بماله ، أو لرجل له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغني قال في المسوى : لا خلاف في صورة تبدل الأيدي وكذا في العامل وابن السبيل ، وأما الغارم والغازي فتحل الصدقة لهما وإن كانا غنيين عند الشافعي . وقال أبو حنيفة : لا تحل إلا إذا كانا فقيرين . وظاهر الآية مع الشافعي ، لأن الله تعالى جعلهما قسيمي الفقير والمسكين . وعند الحنفية تحل الصدقة لمن ليس عنده نصاب غير مستغرق في حاجته ، فلو ملك نصاباً غير نام لكنه غير مستغرق لم تحل له ، ولو ملك نصباً كثيرة إلا أنها مستغرقة حلت له ، ولا يحل السؤال إلا لمن يملك قوت يومه بعد ستر بدنه كذا في العالمكيرية . قال في شرح السنة : إذا رأي الإمام السائل جلداً قوياً وشك في أمره أنذره وأخبره بالأمر ، فإن زعم أنه لا كسب له ، أو له عيال لا يقوم كسبه بكفايتهم قبل منه وأعطاه .

أقول : يمكن أن يطبق بين الأحاديث باختلاف الأحوال ، والأصل اعتبار معنى الحاجة والإستغناء بالكسب المتيسر ، فالأوقية تمنع السؤال لمن كان حاله مثل حال المهاجر في زمان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم . كانوا مرتزقين من الفئ دفعة بعد دفعة وفي الفئ قلة . والإحتطاب مانع من السؤال لمن كان قوياً حاذقاً في الإحتطاب ، أو أراد أن يسأل غير الإمام وعلى هذا القياس غيرهما أهـ .

أقول : قد قدمنا ما هو الحق في تفسير الغني المانع من أخذ الزكاة . وقدمنا أيضاً ما هو الحق في بعض الأصناف الثمانية من عدم اشتراط الفقر كالمجاهد ونحوه . ثم اعلم أن الأدلة طافحة بأن الصرف في ذوي الأرحام أفضل من غير فرق بين الصدقة الواجبة والمندوبة ، كما يدل على ذلك ترك الإستفصال في مقام الإحتمال ، فإنه ينزل منزلة العموم على أنه قد ورد التصريح في حديث أبي سعيد عند البخاري ، أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال لامرأة : زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم وثبت عند البخاري وأحمد عن معن بن يزيد قال : أخرج أبي دنانير يتصدق بها عند رجل في المسجد ، فجئت فأخذتها فقال : والله ما إياك أردت ، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال : لك ما نويت يا يزيد ، ولك ما أخذت ما معن وهذه الأدلة ، إنما هي تبرع من القائل بالجواز والإجزاء ، وإلا فهو قائم مقام المنع من كون القرابة أو وجوب النفقة مانعين ، ولم يأت القائل بذلك بدليل ينفق في محل النزاع على فرض أنه لم يكن بيد القائل بالجواز إلا التمسك بالأصل ، فكيف والأدلة عموماً وخصوصاً ناطقة بما ذهبوا إليه . وأما أهل الذمة ، فالذي ثبت عن رسول الله () وشرعه ، هو أخذ الجزية من أهل الذمة بدلاً عن دمائهم ، وصالح بعض أهل الذمة على شئ معلوم يسلمونه في كل سنة وهو الجزية أيضاً ، فقد تكون الجزية مضروبة على كل فرد من أفراد أهل الذمة كذا ، وقد تكون مضروبة على الجميع بمقدار معين . وأما الإستئناس لقول عمر رضي الله عنه بكونه بمشاورة الصحابة ، فليس ذلك مستلزماً لكونه إجماعاً ، وليس الحجة إلا إجماعهم ، وليس فيه حجة على ثبوت مثل هذا التكليف الشاق على أهل الملة ، ولم يثبت هذا عن رسول الله () ، وأما حديث ليس على المسلمين عشور ، إنما العشور على اليهود والنصارى فهذا الحديث هو أشف ما يستدل به على المطلوب ، وقد أخرجه أبو داود من طرق في بعضها مقال . وأخرجه أحمد والبخاري في التاريخ وساق الإضطراب في سنده . وقال : لا يتابع عليه ، والراوي له عن النبي () رجل بكري وهو مجهول ، ولكن جهالة الصحابي غير قادحة كما قرره شيخنا العلامة الشوكاني في الرسالة التي سماها القول المقبول في رد رواية المجهول من غير صحابة الرسول . وفي بعض ألفاظ هذا الحديث عند أبي داود الخراج مكان العشور ولكن إنا يتم الإستدلال بهذا الحديث على المطلوب ، لو كان المراد به هو نصف عشر ما يتجرون به كما زعموه ، وليس كذلك بل فيه خلاف ، فقال في القاموس ، عشرهم يعشرهم عشراً ، وعشوراً أخذ عشر أموالهم أهـ . وقال في النهاية العشور جمع عشر يعني : ما كان من أموالهم للتجارات دون الصدقات والذي يلزمهم من ذلك عند الشافعي ما صولحوا عليه وقت العهد ، فإن لم يصالحوا على شئ فلا تلزمهم إلا الجزية . وقال أبو حنيفة رح إن أخذوا من المسلمين إذا دخلوا بلادهم للتجارة أخذنا منهم إذا دخلوا بلادنا للتجارة . ومنه احمدوا الله إذ رفع عنكم العشور ، يعني : ما كانت الملوك تأخذه منهم . ومنه أن وفد ثقيف اشترطوا أن لا يحشروا ولا يعشروا ولا يجبوا أي لا يؤخذ عشر أموالهم أهـ كلام النهاية . وقال الخطابي مثل ما نقله صاحب النهاية في أول كلامه . فحصل من جميع هذا أن العشور إما العشر ، أو المال المصالح به ، أو ما يؤخذ من تجار أهل الذمة إن أخذوا من تجارنا ، أو ما يأخذه الملوك من الجبايات والضرائب ، أو الخراج كما في بعض روايات الحديث ، ومع هذا الإحتمال لا ينتهض للإستدلال به .

والحاصل : أن الأصل في أموال الناس مسلمهم وكافرهم التحريم ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل فلا بد من دليل يدل على تحليل المطلوب ، لأنه خارج عن الأقسام المسوغة ، إذ ليس بجزية ، ولا مال صلح ، ولا خراج ، ولا معاملة ، ولا زكاة لعدم صحتها منهم لأن الكفر مانع . وأظهر ما يقال في معنى العشور أحد أمرين : إنما الخراج ، لأن بعض ألفاظ الحديث يفسر بعضاً أو الضرائب التي تضرب عليها كالجزية ومال الصلح ، فيكون المراد أن المسلمين ليس عليهم الخراج أي لا يوضع في أموالهم ابتداء ، وليس عليهم ضريبة في رقابهم أو أموالهم كاليهود ، وحينئذ لم يبق ما يصلح للتمسك به على جواز أخذ نصف عشر أموال تجار أهل الذمة . ومما يؤيد ما ذكرناه في معنى العشور ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله ()  : لا تصلح قبلتان في أرض ، وليس على مسلم جزية فيمكن أن يكون مفسراً لحديث ليس على المسلمين عشور ولم يثبت عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم تقدير ما يؤخذ من أهل الذمة ، إلا ما في حديث معاذ أن النبي () أمره أن يأخذ من كل حالم ديناراً أخرجه أحمد وأهل السنن والدارقطني والبيهقي وابن حبان والحاكم . وهذا الحديث وأن كان فيه مقال ، فهو لا يخرج به عن صلاحيته للإستدلال ، فالوقوف على هذا المقدار متعين لا تجوز مجاوزته وأما النقص منه إذا رآه الإمام أو المسلمون فلا بأس به ، لأن الجزية حق لهم يجوز لهم الإقتصار على بعض ما وجب . والظاهر أنه لا فرق بين الغني والفقير والمتوسط في أنهم يستوون في جواز أخذ هذا المقدار منهم ، لأن الجزية لما كانت عوضاً عن الدم كان ذو المال كمن لا مال له . وأما من ذهب إلى أنه يجب على الفقير نصف ما على المتوسط ، وعلى المتوسط نصف ما على الغني ، وجعلوا الغني من يملك ألف دينار أو ما يساويها ، ويركب الخيل ، ويتختم الذهب ، والمتوسط دونه تمسكاً بما روي عن علي أنه كان يجعل على المياسير من أهل الذمة ثمانية وأربعين درهماً ، وعلى الأوساط أربعة وعشرين ، وعلى الفقراء اثني عشر ، فهذا مع كونه غير مرفوع إلى النبي () لا تقوم به الحجة ، لأن في إسناده أبا خالد الواسطي ولا يحتج بحديثه إذا كان مرفوعاً ، فكيف إذا كان موقوفاً . وكذلك لا تقوم الحجة بما أخرجه في الموطأ عن عمر ، أنه كان يأخذ على أهل الذهب من أهل الذمة الجزية أربعة دنانير ، وعلى أهل الورق أربعين درهماً ، لأنه فعل صحابي لا يصلح للإحتجاج به ، فالإقتصار على ما في حديث معاذ متحتم ، ويؤيده ما أخرجه البيهقي عن أبي الحويرث مرسلاً : أن النبي () صالح أهل أيلة وكانوا ثلثمائة رجل على ثلثمائة دينار . وأما ما روي عن الشافعي قال : سمعت بعض أهل العلم من أهل نجران يذكر أن قيمة ما أخذ من كل واحد أكثر من دينار ، فهذا مع كونه ليس بمرفوع ولا موقوف ولا معلوم قائله لا ينافي ما ذكرنا ، لأن المأخوذ من أهل نجران إنما كان صلحاً بمقدار من المال على جميعهم ، ومحل النزاع ما يضرب على كل فرد ابتدءاً . ثم نقول : أموال أهل الحرب على أصل الإباحة ، يجوز لكل أحد أخذ ما شاء منها كيف شاء قبل التأمين لهم ، فيجوز للسلطان أن يأذن بدخول بلاد المسلمين والتجارة فيها على ما شاء من قليل أو كثير يأخذه من أموالهم ، إنما الشأن في أخذ مثل ذلك من المسلمين الذين يسافرون للتجارة من أرض إلى أرض ، فيأخذ منهم أهل الأرض التي يصلون إليها شطراً من أموالهم من غير نظر إلى كون ذلك زكاة تجارة ولا غيرها ، بل لا يعتبرون في استحلال أخذه إلى مجرد خروجهم من سفائن البحر ، أو وصولهم من البر إلى حدود الأرض التي يخرجون إليها ، فهذا عند التحقيق ليس هو إلا المكس من غير شك ولا شبهة ، وقد حققت المقام في إكليل الكرامة فليراجع

باب صدقة الفطر

[عدل]

هي صاع من القوت المعتاد عن كل فرد لحديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما قال : فرض رسول الله () زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين والأحاديث في هذا الباب كثيرة . وفي صحيح مسلم وغيره ليس على المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر وأخرج الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر قال : أمر رسول الله () بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد عمن تمونون وأخرج نحوه الدارقطني من حديث علي وفي إسناده ضعف وله طرق . والخطابات في إخراجها على من ليس بمكلف إنما هي كائنة مع المكلفين . وقد ذهب الجمهور إلى أنها صاع من البر وغيره . وذهب بعض الصحابة إلى أن الفطرة من البر نصف صاع وقد حكاه ابن المنذر عن علي وعثمان وأبي هريرة وجابر وابن عباس وابن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر بأسانيد صحيحة كما قال الحافظ ، وإليه ذهب أبو حنيفة . وقد تمسكوا بحديث ابن عباس مرفوعاً صدقة الفطر مدان من قمح أخرجه الحاكم . وأخرج نحوه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً . وفي الباب أحاديث تعضد ذلك ، ولكن ليس هذا بإجماع من الصحابة حتى يكون حجة . وقد أخرج ابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما أن أبا سعيد قال لما ذكروا عنده صدقة رمضان : لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله () صاع تمر أو صاع حنطة أو صاع شعير أو صاع أقط ولكن هذا مع كونه غير مصرح بإطلاع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على ذلك ولا تقريره ، قد قال ابن خزيمة : ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ ولا أدري ممن الوهم ، وكذلك قال أبو دواد . وقد روى الحاكم من حديث ابن عباس والترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً أيضاً أن النبي () أمر صارخا بمكة ينادي : أن صدقة الفطر حق واجب على كل مسلم صغير أو كبير ، ذكر أو أنثى ، حر أو مملوك ، حاضر أو باد مدان من قمح ، أو صاع من شعير أو تمر وأخرج نحوه الدارقطني من حديث عصمة بن مالك بلفظ مدان من قمح وفي إسناده الفضل بن المختار وهو ضعيف . ويؤيده ما عند أبي داود والنسائي عن الحسن مرسلاً بلفظ فرض رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم هذه الصدقة صاعاً من تمر أو من شعير أو نصف صاع من قمح وأخرج أيضاً أبو داود من حديث عبدالله بن ثعلبة بن عبد الله بن أبي صغير بلفظ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : صدقة الفطر صاع من بر أو قمح عن كل اثنين وأخرج سفيان الثوري في جامعه عن علي موقوفاً بلفظ نصف صاع بر وهذه الروايات متعاضدة صالحة لتخصيص لفظ الطعام على فرض شموله للبر ، كما قال بذلك بعض أهل العلم . قال في المسوى : في الحديث صدقة الفطر فريضة وعليه الشافعي . وقال أبو حنيفة : واجبة . وفيه أنه لا يشترط لها النصاب بل هي فريضة على الغني والفقير وعليه الشافعي . وقال أبو حنيفة : لا تجب إلا على من يملك نصاباً وإن لم يكن نامياً . وفيه أنها تجب على الصغير والمجنون ومن لم يطق الصوم وعليه أكثر أهل العلم . وفيه أنها تجب عن الرقيق مطلقاً سواء كانوا للتجارة أو للخدمة وعليه الشافعي . وقال أبو حنيفة : لا تجب عن رقيق التجارة . وفيه أنها لا تجب عن العبد الكافر وعليه الشافعي . وقال أبو حنيفة تجب عنه . وفيه أنه لا يجوز إخراج الدقيق والسويق ولا الخبز ولا القيمة وعليه الشافعي . وقال أبو حنيفة : يجوز كل ذلك . وفيه أنه لا يجوز أقل من صاع من أي جنس أخرج وعليه الشافعي . وقال أبو حنيفة : يجوز من البر نصف صاع . وفيه أن الواجب مقدر بصاع النبي () وهو خمسة أرطال وثلث بالرطل العراقي ، وقدرها بالقدح المصري قدحان . وقال أبو حنيفة : بصاع الحجاز وهو ثمانية أرطال . وقال الشافعي : تجب فطرة المرأة على زوجها . وقال حنيفة : لا تجب عليه .

والوجوب علي سيد العبد ومنفق الصغير ونحوه ، ويكون إخراجها قبل صلاة العيد لحديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدي قبل خروج الناس إلى الصلاة فيه دليل على وجوب الإخراج في ذلك الوقت . وأخرج أبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم وصححه عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات وهذا يدل على أنها لا تجزئ بعد الصلاة ، لأنها حينئذ صدقة كسائر الصدقات التي يتصدق بها الإنسان ، وليست بزكاة الفطر . قال في المسوى : السنة عند أهل العلم أن يخرج صدقة الفطر يوم العيد قبل الخروج إلى الصلاة ، ولو عجلها بعد دخول رمضان يجوز ، ولا يجوز تأخيرها عن يوم الفطر عند بعضهم . وقال أحمد : أرجو أن لا يكون به بأس . وفي سفر السعادة وظاهر هذه الأحاديث أنها بعد الصلاة لا تجزئ أهـ .

ومن لا يجد زيادة على قوت يومه وليلته فلا فطرة عليه لأنه إذا أخرج قوت يومه أو بعضه كان مصرفاً لا صارفاً لقوله () : أغنوهم في هذا اليوم أخرجه البيهقي والدارقطني من حديث ابن عمر ، فإذا ملك زيادة على قوت يومه أخرج الفطرة إن بلغ الزائد قدرها ، ويؤيده تحريم السؤال على من ملك ما يغديه ويعشيه كما أخرجه أحمد وأبو داود من حديث سهل بن الحنظلية مرفوعاً ، لأن النصوص أطلقت ولم تخص غنياً ولا فقيراً . وقد أخرج أحمد وأبو داود عن عبدالله بن ثعلبة قال : قال رسول الله () صدقة الفطر صاع تمر أو صاع شعير عن كل رأس ، أو صاع بر أو قمح بين اثنين صغير أو كبير ، حر أو عبد ، ذكر أو أنثى ، غني أو فقير ، أما غنيكم فيزكيه الله ، وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى وقد وقع الخلاف في تقدير ما يعتبر في وجوب زكاة الفطرة فقيل : ملك النصاب وقيل : قوت عشر .

أقول : التقدير بقوت عشرة أيام محض رأي ليس عليه أثارة من علم ، وليس هو أيضاً على أسلوب مناسب باعتبار محض الرأي ، فإن الرأي إذا لم يكن له علة معقولة سائغة في العقل ، مقبولة في الطبع ، فهو مردود عند أهل الرأي . وقد ورد ما يدل على أن الفقير كالغني في الفطرة ، ففي حديث ابن أبي صعير عند أبي داود بلفظ غني أو فقير ويؤيده حديث ابن ثعلبة المتقدم ، لأن المراد أن الله يرد عليه من العوض خيراً مما أخرج . وقال مالك والشافعي وعطاء وأحمد بن حنبل وإسحـق : أنه يعتبر أن يكون مخرج الفطرة مالكاً لقوت يومه وليلته . والظاهر : أن من وجد ما يكفيه ومن يعول ليوم الفطر ، ووجد صاعاً زائداً على ذلك أخرجه . لحديث أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم أخرجه البيهقي والدارقطني عن ابن عمر مرفوعاً ، وأخرجه ابن سعد أيضاً في الطبقات من حديث عائشة وأبي سعيد ، فظاهر قوله إغنوهم أنهم يصيرون أغنياء إذا نالوا ما يكفيهم في يومهم . والمراد أنهم أغنياء عن الطواف ، وأن الغني في الفطرة من استغنى عن الطواف في يومه ، والفقير من افتقر إلى الطواف في يومه ، فيكون الوجوب متحتماً على من وجد ما يغنيه في يومه مع زيادة قدر ما يجب عليه من الفطرة ، ويكون مصرفها من لم يجد ذلك ، لا كما قالوا أن مصرفها مصرف الزكاة .

ومصرفها مصرف الزكاة لكونه () قد سماها زكاة لقوله : فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة وقول ابن عمر : أن رسول الله () أمر بزكاة الفطرة وقد تقدما . ولكنه ينبغي تقديم الفقير للأمر بإغنائهم في ذلك اليوم ، فما زاد صرف فى سائر الأصناف . وقال في سفر السعادة : وكان يخص المساكين بهذه الصدقة ولا يقسمها على الأصناف الثمانية ولم يرد بذلك أمر أيضاً ، وبه قال بعض العلماء ، ويجوز الصرف للأصناف الثمانية بل خص بها المساكين إنتهى .