الخصائص/باب في تلاقي اللغة
هذا موضع لم أسمع فيه لأحد شيئاً إلا لأبي علي رحمه الله. وذلك أنه كان يقول في باب أجمع وجمعاء وما يتبع ذلك من أكتع وكتعاء وبقيته: إن هذا اتفاق وتوارد وقع في اللغة على غير ما كان في وزنه منها. قال: لأن باب أفعل وفعلاء إنما هو للصفات وجميعها تجيء على هذا الوضع نكرات نحو أحمر وحمراء وأصفر وصفراء وأسود وسوداء وأبلق وبلقاء وأخرق وخرقاء. هذا كله صفات نكرات فأما أجمع وجمعاء فاسمان معرفتان وليسا بصفتين فإنما ذلك اتفاق وقع بين هذه الكلم المؤكد بها. قال: ومثله ليلة طلقة وليال طوالق قال: فليس طوالق تكسير طلقة لأن فعلة لا تكسر على فواعل وإنما طوالق جمع طالقة وقعت موقع جمع طلقة. وهذا الذي قاله وجه صحيح. وأبين منه عندي وأوضح قولهم في العلم: سلمان وسلمى فليس سلمان إذاً من سلمى كسكران من سكرى. ألا ترى أن فعلان الذي يقاوده فعلى إنما بابه الصفة كغضبان وغضبى وعطشان وعطشى وخزيان وخزيا وصديان وصديا وليس سلمان ولا سلمى بصفتين ولا نكرتين وإنما سلمان من سلمى كقحطان من ليلى غير أنهما كانا من لفظ واحد فتلاقيا في عرض اللغة من غير قصد لجمعهما ولا إيثار لتقاودهما. ألا تراك لا تقول: هذا رجل سلمان ولا امرأة سلمى كما تقول: هذا سكران وهذه سكرى وهذا غضبان وهذه غضبى. وكذلك لو جاء في العلم " ليلان " لكان ليلان من ليلى كسلمان من سلمى. وكذلك لو وجد في العلم " قحطى " لكان من قحطان كسلمى من سلمان. وأقرب إلى ذلك من سلمان وسلمى قولهم في العلم: عدوان والعدوى مصدر أعداه الجرب ونحوه. ومن ذلك قولهم: " أسعد " لبطن من العرب ليس هذا من سعدى كالأكبر من الكبرى والأصغر من الصغرى. وذلك أن هذا إنما هو تقاود الصفة وأنت لا تقول: مررت بالمرأة السعدى ولا بالرجل الأسعد. فينبغي - على هذا - أن يكون أسعد من سعدى كأسلم من بشرى. وذهب بعضهم إلى أن أسعد تذكير سعدى ولو كان كذلك لكان حرىً أن يجيء به سماع ولم نسمعهم قط وصفوا بسعدى وإنما هذا تلاق وقع بين هذين الحرفين المتفقي اللفظ كما يقع هذان المثالان في المختلفية نحو أسلم وبشرى. وكذلك أيهم ويهماء ليسا كأدهم ودهماء لأمرين: أحدهما أن الأيهم الجمل الهائج " أو السيل " واليهماء الفلاة فهما مختلفان. والآخر أن أيهم لو كان مذكر يهماء لوجب أن يأتي فيهما " يهم " كدهم ولم نسمع ذلك فعلمت بذلك أن هذا تلاق بين اللغة وأن أيهم لا مؤنث له ويهماء لا مذكر لها. ومن التلاقي قولهم في العلم: أسلم وسلمى. وليس هذا كالأكبر والكبرى لأنه ليس وصفاً. فتأمل أمثاله في اللغة. ومثله شتان وشتى إنما هما كسرعان وسكرى. وإنما وضعت من هذا الحديث رسماً لتتنبه على ما يجيء من مثله فتعلم به أنه توارد وتلاق وقع في أثناء هذه اللغة عن غير قصد له ولا مراسلة بين بعضه وبعض. وليس من هذا الباب سعد وسعدة من قبل أن هاتين صفتان مسوقتان على منهاج واستمرار. فسعد من سعدة كجلد من جلدة وندب من ندبة. ألا تراك تقول: هذا يوم سعد وهذه ليلة سعدة كما تقول: هذا شعر جعد وهذه جمة جعدة. فاعرف ذلك إلى ما يليه وقسه بما قررته عليه بإذن الله تعالى.