الخصائص/باب في إدراج العلة واختصارها
هذا موضع يستمر "النحويون عليه" فيفتق عليهم ما يتعبون بتداركه والتعذر منه. وذلك كسائل سأل عن قولهم: آسيت الرجل فأنا أواسيه وآخيته فأنا أواخيه فقال: وما أصله؟ فقلت: أؤاسيه وأؤاخيه -وكذلك نقول- فيقول لك: فما علته في التغيير؟ فنقول: اجتمعت الهمزتان، فقلبت الثانية واواً؛ لانضمام ما قبلها. وفي ذلك شيئان: أحدهما أنك لم تستوف ذكر الأصل، والآخر أنك لم تتقص شرح العلة.
أما إخلالك بذكر حقيقية الأصل فلأن أصله "أؤاسوك" لأنه أفاعلك من الأسوة، فقلبت الواو ياء لوقوعها طرفاً بعد الكسرة وكذلك أؤاخيك أصله " أؤاخوك " لأنه من الأخوة فانقلبت اللام لما ذكرنا كما تنقلب في نحو أعطِى واستقصِى.
وأما تقصي علة تغيير الهمزة بقلبها واواً فالقول فيه أنه اجتمع في كلمة واحدة همزتان غير عينين " الأولى منهما مضمومة والثانية مفتوحة" و "هي" حشو غير طرف فاستثقل ذلك فقلبت الثانية على حركة ما قبلها - وهي الضمة - واواً. ولا بد من ذكر جميع ذلك وإلا أخللت ألا ترى أنك قد تجمع في الكلمة الواحدة بين همزتين فتكونان عينين فلا تغير ذلك وذلك نحو سآل ورآس وكبنائك من سألت نحو تبع فتقول: "سؤل" فتصحان لأنهما عينان ألا ترى أن لو بنيت من قرأت مثل "جرشع" لقلت "قرء" وأصله قرؤؤ فقلبت الثانية ياء وإن كانت قبلها همزة مضمومة وكانتا في كلمة واحدة لما كانت الثانية منهما طرفاً لا حشواً. وكذلك أيضاً ذكرك كونهما في كلمة واحدة ألا ترى أن من العرب من يحقق الهمزتين إذا كانتا من كلمتين نحو قول الله تعالى «السُّفَهَاء أَلا» فإذا كانتا في كلمة واحدة فكلهم يقلب نحو جاء وشاء ونحو خطايا وزوايا في قول الكافة غير الخليل.
فأما ما يحكى عن بعضهم من تحقيقهما في الكلمة الواحدة نحو أئمة وخطائيء "مثل خطاعع " وجائيء فشاذ لا يجوز أن يعقد عليه باب. ولو اقتصرت في تعليل التغيير في "أؤاسيك" ونحوه على أن تقول: اجتمعت الهمزتان في كلمة واحدة فقلبت الثانية واواً لوجب عليك أن تقلب الهمزة الثانية في نحو سأآل ورأآس واواً وأن تقلب همزة أأدم وأأمن واواً وأن تقلب الهمزة الثانية في خطائيء واواً. ونحو ذلك كثير لا يحصى وإنما أذكر من كل نبذاً لئلا يطول الكتاب جداً.