انتقل إلى المحتوى

الخصائص/باب في أن العلة إذا لم تتعد لم تصح

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


تعدي العلة
باب في أن العلة إذا لم تتعد لم تصح

من ذلك قولهم من اعتل لبناء نحو كم، ومن، وما، وإذ، ونحو ذلك بأن هذه الأسماء لما كانت على حرفين شابهت بذلك ما جاء من الحروف على حرفين، نحو هل، وبل، وقد. قال: فلما شابهت الحرف من هذا الموضع وجب بناؤها، كما أن الحروف مبنية. وهذه علة غير متعدية، وذلك أنه كان يجب على هذا أن يبنى ما كان من الأسماء أيضاً على حرفين، نحو يد، وأخ، وأب، ودم، وفم، وحِر، وهَن، ونحو ذلك.

فإن قيل: هذه الأسماء لها أصل في الثلاثة، وإنما حذف منها حرف، فهو لذلك معتد، فالجواب أن هذه زيادة في وصف العلة، لم تأت بها في أول اعتلالك. وهبنا سامحناك بذلك، قد كان يجب على هذا أن يبني باب يد، وأخ، وأب، ونحو ذلك؛ لأنه لما حذف فنقص شابه الحرف، وإن كان أصله الثلاثة، ألا ترى أن المنادى المفرد المعرفة قد كان أصله أن يعرب، فلما دخله شبه الحرف لوقوعه موقع المضمر بني، ولم يمنع من بنائه جريه معرباً قبل حال البناء. وهذا شبه معنوي كما ترى، مؤثر داع إلى البناء، والشبه اللفظي أقوى من الشبه المعنوي، فقد كان يجب على هذا أن يبني ما جاء من الأسماء على حرفين وله أصل في الثلاثة، وألا يمنع من بنائه كونه في الأصل ثلاثياً، كما لم يمنع من بناء زيد في النداء كونه في الأصل معرباً، بل إذا كانت صورة إعراب زيد قبل ندائه معلومة مشاهدة، ثم لم يمنع ذاك من بنائه كان أن يبنى باب يد، ودم، وهن، لنقصه ولأنه لم يأت تاماً على أصله إلا في أماكن شاذة أجدر. وعلى أن منها ما لم يأت على أصله البتة وهو معرب. وهو حر، وسه، وفم. فأما قوله:

يا حبذا عينا سليمى والفما


وقول الآخر:

هما نفثا في فِيَ من فمويهما


فإنه على كل حال لم يأت على أصله وإن كان قد زيد فيه ما ليس منه.
فإن قلت: فقد ظهرت اللام في تكسير ذلك نحو أفواه، وأستاه، وأحراح، قيل: قد ظهر أيضاً الإعراب في زيد نفسه لا في جمعه، ولم يمنع ذلك من بنائه. وكذلك القول في تحقيره، وتصريفه، نحو فويه، وأسته، وحرح.
ومن ذلك قول أبي إسحاق في التنوين اللاحق في مثال الجمع الأكبر، نحو جوار، وغواش: إنه عوض من ضمة الياء، وهذه علة غير جارية، ألا ترى أنها لو كانت متعدية لوجب أن تعوض من ضمة ياء يرمي، فتقول: هذا يرم، ويقض، ويستقض.
فإن قيل: الأفعال لا يدخلها التنوين، ففي هذا جوابان: أحدهما أن يقال له: علتك ألزمتك إياه، فلا تلم إلا نفسك، والآخر أن يقال له: إن الأفعال إنما يمتنع منا التنوين اللاحق للصرف، فأما التنوين غير ذاك فلا مانع له، ألا ترى إلى تنوينهم الأفعال في القوافي لما لم يكن ذلك الذي هو علم للصرف، كقول العجاج:

من طلل كالأتحمي أنهجَن


وقول جرير:

وقولي إن أصبت: لقد أصابن

ومع هذا فهل التنوين إلا نون، وقد ألحقوا الفعل النونين: الخفيفة والثقيلة. وههنا إفساد لقول أبي إسحاق آخر، وهو أن يقال له: إن هذه الأسماء قد عاقبت ياءاتها ضماتها، ألا تراها لا تجتمع معها، فلما عاقبتها جرت لذلك مجراها، فكما أنك لا تعوض من الشيء وهو موجود، فكذلك أيضاً يجب ألا تعوض منه وهناك ما يعاقبه ويجري مجراه. غير أن الغرض في هذا الكتاب إنما هو الإلزام الأول، لأن به ما يصح تصور العلة، وأنها غير متعدية.
ومن ذلك قول الفراء في نحو لغة، وثُبة، ورئة، ومئة: إن كان من ذلك المحذوف منه الواو فإنه يأتي مضموم الأول نحو لغة، وبرة، وثبة، وكرة، وقلة، وما كان من الياء فإنه يأتي مكسور الأول، نحو مئة، ورئة. وهذا يفسده قولهم: سنة، فيمن قال: سنوات، وهي من الواو كما ترى، وليست مضمومة الأول. وكذلك قولهم: عِضة، محذوفها الواو، لقولهم فيها: عضوات، قال:

هذا طريق يأزم المآزما
وعضوات تقطع اللهازما

وقالوا أيضاً: ضَعَة، وهي من الواو مفتوحة الأول، ألا تراه قال:

متخذاً من ضَعَوات تَولَجا


فهذا وجه فساد العلل إذا كانت واقفة غير متعدية. وهو كثير، فطالب فيه بواجبه، وتأمل ما يرد عليك من أمثاله.