الحماسة البصرية - مقدمة الجزء الأول
◄ الحماسة البصرية ◄ الجزء الأول ◄ المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
به نستعين
الحمد لله حمداً يكون لقائله ذخراً والصلاة على نبيه محمد القائل إن من البيان لسحراً صلاةً دائمةً على ممر الأيام تترى وعلى آله وأصحابه الذين أخفى بهم نجم الشرك قهراً وقسرا.
وأدام الله أيام سيدنا ومولانا الإمام المفترض الطاعة على جميع الأنام أبي أحمد المستعصم بالله أمير المؤمنين وخليقة رب العالمين:
خَلِيفَةٌ يُخْلِفُ الأَنْـواء نـائِلُـهُ * * * إِذا تَهَلَّلَ قلتَ: العارضُ الهَطِلُ
رِباعُهُ في جِوارِ اللّهِ واسِـطَةٌ * * * وحَبْلُهُ برسولِ اللّهِ مُتَّـصـلُ
رضوان الله على آبائه الراشدين والأئمة المهديين.
وبعد، فإنه لما كانت المجاميع الشعرية صقال الأذهان، ولأنواع المعاني كالترجمان وكان مولانا الملك الناصر صلاح الدنيا والدين ناصر الإسلام والمسلمين أبو المظفر يوسف بن الملك العزيز بن الملك الظاهر لا زال نافذ الأوامر في كل نجدٍ وغائر لهجاً بأشعار العرب التي هي ديوان الأدب، توخيت في تحرير مجموع محتوٍ على قلائد أشعارهم، وغرر أخبارهم، مجتنباً للإطالة والإطناب، بما تضمنته أبواب الكتاب لخزانته المعمورة، مما وقع لي من المجاميع المشهورة كأمالي العلماء، وحماسات الأدباء، ودواوين الشعراء، من فحول المحدثين والقدماء ومختارات الفضلاء كأشباه، الخالديين المحتوية على درر النظام، وجواهر الكلام، غير أنهما نسبا فيها أشياء إلى غير قائليها، ولم يقيدا الكتاب بترجمة أبواب، فغدت فرائده متبددة النظام، مستصعبةً على الحفظ والإفهام، فجاء مشتملاً على غرائب البديع، وملح الترصيف والترصيع.
ثم إن الشعر على اختلاف معانيه، وأصوله ومبانيه، ينقسم إلى نعوتٍ وأوصاف: فما وصف به الإنسان من الشجاعة والشدة في الحرب والصبر في مواطنها سمي حماسةً وبسالةً. وما وصف به من حسب وكرم وطيب محتد سمي مدحاً وتقريظاً وفخراً وما أثني عليه بشيءٍ من ذلك ميتاً يسمى رثاء وتأبينا. وما وصفت به أخلاقه المحمودة من حياء وعفة وإغضاء عن الفحشاء ومسامحة زلات الأخلاء سمي أدباً. وما وصف به النساء من حسن وجمال وغرام بهن سمي غزلاً ونسيباً. وما وصف به من إيقاد النيران ونباح الكلاب سمي قرىً وضيافة. وما وصف به من بخل وجبن وسوء خلق ونميمة سمي هجاء. وما وصفت به الأشياء على اختلاف أجناسها وأنواعها سمي نعتاً ووصفاً وملحاً وما ذكر من الإنابة إلى الله ورفض الدنيا سمي زهداً وعظةً، والله أعلم.