الحماسة البصرية - باب النسيب والغزل
◄ الحماسة البصرية ◄ الجزء الثاني ◄ باب النسيب والغزل
وقال أبو دُواد عَدِيّ بن الرِّقاع
أموي الشعر، هو عَدِي بن زَيْد بن مالِك بن عَدِيّ بن الرِّقاع
لَوْلا الحَياءُ وأَنَّ رَأْسِيَ قد عَسا * * * فيه المَشِيبُ لَزُرْتُ أُمَّ القاسِـمِ
فكأَنَّها بَيْنَ النِّسـاءِ أعـارَهـا * * * عَيْنَيْهِ أَحْوَرُ مِن جَآذِرِ جاسِـمِ
وَسْنانُ أَقْصَدَهُ النُّعاسُ فَرَنَّقَـتْ * * * في عَيْنِهِ سِنَّةٌ ولَـيْسَ بِـنـائِمِ
يَصْطادُ يَقْظانَ الرِّجالِ حَدِيثُهـا * * * وتَطِيرُ لَذَتُهُ بِـرُوحِ الـنّـائِمِ
ومنَ الضَّلالَة بَعْدَما ذَهَبَ الصِّبا * * * نَظَرِي إلى حُورِ العُيُونِ نَواعِمِ
وقال قَيْس بن الخَطِيم
أموي الشعر
تَبَدَّتْ لَنا كالشَّمْس تَحْتَ غَمـامَةٍ * * * بَدا حاجِبٌ مِنْها وضَّنتْ بحاجِبِ
ولَمْ أَرَها إلا ثلاثاً على مِـنـىً * * * وأُحْسِنْ بِها عَذْراءَ ذات ذوائِبِ
دِيارُ التي كادَتْ ونحنُ على مِنىً * * * تَجُلُّ بِنا لَوْلا نَجاءُ الـرَّكـائِبِ
وقال أبو حَيَّة النُّمَيْرِي
وأَخْبَرَكِ الوَاشُـونَ أَنْ لا أُحِـبَّـكُـمْ * * * بَلَى وسُتُورِ اللـهِ ذاتِ الـمَـحـارِمِ
أَصُدُّ، وما الصَّدُّ الذي تَعْـلَـمـينَـهُ * * * عَزاءً بِنا إلاَّ ابْـتِـلاعُ الـعَـلاقِـمِ
حَياءً وبُـقْـيا أنْ تَـشِـيعَ نَـمِـيمَةٌ * * * بِنا وبِكُـمْ، أُفٍّ لأَهْـلِ الـنَّـمـائِمِ
وإنَّ دَماً لو تَعْـلَـمِـينَ جَـنَـيْتِـهِ * * * على الحَيِّ جانِي مِثْلِهِ غيرُ سـالِـمِ
أَما إنَّه لو كـانَ غـيْرُكِ أَرْقَـلَـتْ * * * إليه القَنا بالرَّاعِـفـاتِ الـلَّـهـاذِمِ
ولكنْ لَعَمْرُ اللهِ ما طَلَّ مُـسْـلِـمـاً * * * كَغُرِّ الثَّنايا واضِحاتِ الـمَـلاغِـمِ
إذا هُنَّ ساقَطْنَ الأَحادِيثَ للـفَـتَـى * * * سِقاطَ حَصَى المَرْجانِ مِن كَفِّ ناظِمِ
رَمَيْنَ فأْنَفَذْنَ القُـلُـوبَ فـلا تَـرَى * * * دَماً مائِراً إلاّ جَوىً فـي الـحَـيازِمِ
وقال آخر وتُرْوَى لذِي الرُّمَّة
وإنَّـا لـيَجْـرِي بَـيْنَــنـــا حـــينَ نَـــلْـــتَـــقِـــي * * * حَدِيثٌ لــه وَشْـــيٌ كَـــوَشْـــي الـــمَـــطـــارِفِ
حَدِيثٌ كَوقْعِ القَطْرِ في المَحْلِ يُشْتَفَى * * * بِهِ مِن جَوىً في داخِلِ القَلْبِ شاعِفِ
وقال حسّان بن ثابت الأنصارِي
يا لَقَوْمِي هل يَقْتُلُ المَرَْ مِثْلِي * * * واهِنُ البَطْشِ والعِظامِ سَؤُومُ
شَأْنُها العِطْرُ والفِراشُ ويَعْلُو * * * ها لُجَيْنٌ ولُؤْلُؤٌ مَـنْـظُـومُ
لو يَدِبُّ الحَوْلِيُّ مَنَ وَلَدِ الذَّرِّ * * * عَلِيها لأَنْدَبَتْهـا الـكُـلُـومُ
لَمْ تَفُقْها شَمْسُ النَّهارِ بِشَيْءٍ * * * غَيْرَ أَنَّ الشَّبابَ لـيس يَدُومُ
وقال جَرِير بن عَطِيّة
بن الخَطَفَي، أموي الشعر واسم الخَطَفَي حُذَيْفَة بن بَدْر اليَرْبُوعِيّ
إنَّ العُيُونَ التي في طَرْفِها مَرَضٌ * * * قَتَلْنَنا ثمَّ لَـمْ يُحْـيِينَ قَـتْـلانـا
يَصْرَعْنَ ذا اللُّبِّ حتَّى لا حِراكَ بهِ * * * وهُنَّ أَضْعَفُ خَلْقَ اللهِ إنْسـانـا
يا حَبَّذا جَبَلُ الرَّيّانِ مِـن جَـبَـلٍ * * * وحَبَّذا ساكنُ الرَّيّانِ مَـنْ كـانـا
وحَبَّذا نَفَـحـاتٌ مِـن يَمـانِـيَةٍ * * * تأْتِيكَ مِن قِبَلِ الـرَّيانِ أَحْـيانـا
هَبَّتْ شَمالاً، فذِكْرى ما ذَكَرْتُكُـمُ * * * عِنْدَ الصَّفاةِ التي شَرْقِيَّ حَوْرانـا
يا رُبَّ غابِطِنا لو كان يَطْلُـبُـكُـمْ * * * لاقَى مُباعَدَةً مِنْكُمْ وحِـرْمـانـا
ما كنتُ أَوّلَ مُشْتاقٍ أخِي طَـرَبٍ * * * هاجَتْ له غَدَواتُ البَيْنِ أَحْـزانـا
حَيِّ المَنازِلَ، إذْ لا نَبْتَغِـي بَـدَلاً * * * بالدَّارِ دَاراً ولا الجِيرانِ جِيرانـا
هل يَرْجِعَنَّ، ولَيْسَ الدَّهْرُ مُرْتَجَعاً، * * * عَيْشٌ بها طالَما احْلَوْلَى وما لانـا
وقال امرُؤُ القَيْس
بن حُجْر الكِنْدِيّ، جاهلي
كأَنَّ المُدَامَ وصَوْبَ الغَـمـامِ * * * ورِيحَ الخُزامَى ونَشْرَ القُطُرْ
يُعَـلَّ بـهِ بَـرْدُ أنْـيَابِـهـا * * * إذا غَرَّدَ الطَّائِرُ المُسْتَـحِـرّ
فلمّـا دَنَْـتُ تَـسـدَّيْتُـهـا * * * فَثوْبٌ نَسِيتُ وثَـوْبٌ أُجُـرّ
وقدْ رابَنِي قَوْلُهـا: يا هَـنـا * * * هُ، ويْحَكَ أَلْحَقْتَ شَرّاً بِشَـرّ
وقال جَرِير بن عَطِيّة بن الخطَفَي
لَقَد طالَ كِتْمانِي أُمامَةَ حُـبَّـهـا * * * فَهذا أَوانُ الحُبِّ تَبْدُو شَواكِـلُـهُ
وإنِّي، وإن لامَ العَواذِلُ، مُـولَـعٌ * * * بحُبِّ الغَضا مِن حُبِّ مَنْ لا يُزايِلُهْ
ولمّا اسْتَقَرَّ الحَيُّ أَلْقِيَتِ العَـصـا * * * وماتَ الهَوى لمَّا أُصِيبَتْ مَقاتِلُـهْ
وقُلْنَ: تَرَوَّحْ، لا تكُنْ لـكَ حـاجَةٌ * * * وقَلْبَكَ لا تَشْغَل، وهُنَّ شواغِـلُـهْ
وقال جَمِيل بن عبد الله
بن قَمِيئَة العُذْرِيّ
إنّي لأَحْفَظُ غَيْبَكُمْ ويَسُـرُّنِـي * * * لو تَعْلَمِينَ بصالِحٍ أنْ تُذْكَـرِي
ويَكُون يومٌ لا أَرَى لكِ مُرْسَـلاً * * * أو نَلْتَقِي فيه عليَّ كأَشْـهُـرِ
وكأَنَّ طارِقَها على عَلَلِ الكَرَى * * * والنَّجْمُ وَهْناً وقد دَنا لِتَـغَـوُّرِ
يَسْتافُ رِيحَ مُدامَةٍ مَـعْـلُـولَةٍ * * * بِرُضابِ مِسْكٍ في ذَكِيِّ العَنْببَرِ
يا لَيْتَنِي أَلْقَى المَـنِـيّةَ بَـغْـتَةً * * * إنْ كانَ يومُ لِقائِكُمْ لـمْ يُقْـدَرِ
ما أنتِ والوَعْدَ الذي تَعِدِينَـنِـي * * * إلاَّ كَبَرْقِ سَحابَةٍ لم تُمْـطِـرِ
وقال أيضاً
نَصُـدُّ إذا مـا الـنَّـاس بـالـــقَـــوْلِ أَكْـــثَـــرُوا * * * عَلَـيْنـا، وتَـجْـرِي بـالـصَّـفـــاءِ الـــرَّســـائِلُ
فإنْ غَـفَـلَ الـواشُـونَ عُـدْنـا لِـــوَصْـــلِـــنـــا * * * وعـادَ الـتَّـصـافِـي بَـيْنَـنــا والـــتَّـــراسُـــلُ
فيا حُسْنَها إذْ يَغْسِلُ الدَّمْعُ كُحْلَها * * * وإذْ هي تُذْرِى الدَّمْعَ مِنْها الأَنامِلُ
أَلاَ رُبَّ لاحٍ لو بَلَى الحُبَّ لَمْ يَلُمْ * * * ولـكـنَّـه مِـن سَــوْرَةِ الـــحُـــبِّ جـــاهِـــلُ
وقال قَيْس بن المُلَوّح
ولَمْ أَرَ لَيْلَى بَعْدَ مَـوْقِـفِ سـاعَةٍ * * * بَخيْفِ مِنىً تَرْمِي جِمارَ المُحَصَّبِ
ويُبْدِي الحَصا مِنْها إذا قَذَفَـتْ بـهِ * * * مِن البُرْدِ أَطْرافَ البَنانِ المُخَضَّبِ
فأَصْبَحْتُ مِن لَيْلَى الغَداةَ كناظِـرٍ * * * مع الصُّبْحِ في أَعْقابِ نَجْمٍ مُغرِّبِ
أَلاَ إنَّمـا غـادَرْتِ يا أُمَّ مـالِـكٍ * * * صَدّي أيْنَما تَذْهَبْ به الرِّيحُ يَذْهَبِ
وقال الكُمَيْت بن مَعْروف الأسَدِيّ
أموي الشعر
يَمْشِينَ مَشْيَ قَطا البِطاحِ تَأَوُّداً * * * قُبَّ البُطُونِ رَواجِحَ الأَكْفالِ
وإذا أَرَدْنَ زِيارَةً فكأَنَّـمـا * * * يَنْقُلْنَ أَرْجُلَهُنَّ مِن أَوْحـالِ
مِن كُلِّ آنِسَةِ الحَدِيثِ حَـيِيَّةٍ * * * لَيْسَتْ بفاحِشَةٍ ولا مِتْـفـالِ
وتكُونُ رِيقَتُها إذا نَبَّهْتَـهـا * * * كالشَّهْدِ، أو كسُلافَةِ الجِرْيالِ
أَقْصَى مَذاهِبِها إذا لاقَيْتَهـا * * * في الشَّهْرِ بَيْنَ أَسِنَّةٍ وحِجالِ
وقال الأعْشَى مَيْمُون بن قَيْس
من قَيْس بن ثَعْلَبَة، جاهلي
غَرّاءُ فَـرْعـاءُ مَـصْـقُـــولٌ عَـــوارِضُـــهـــا * * * تَمْشِـي الـهُـوَيْنـى كـمـا يَمْـشِـي الـوَجَـى الـوَحِـلُ
كأَنَّ مِـشْـيَتَـهـا مِـــن بَـــيْتِ جـــارَتِـــهـــا * * * مَرُّ الـــسَّـــحـــابَةِ لا رَيْثٌ ولا عَـــجَـــــلُ
صِفْرُ الوِشاحِ، ومِلْءُ الدِّرْعِ، بَهْكَنَةٌ، * * * إذا تَأَتَّى يَكادُ الخَصْرُ يَنْخَزِلُ
وقال ابن أُبي بن مُقْبِل
يَمْشِين هَيْلَ النَّقا مالَتْ جوانِبُـهُ * * * يَنْهالُ حِيناً، ويَنْهاهُ النَّدى حِينـا
يَهْزُزْنَ للمَشي أَعْطافاً مُنَعَّـمَةً * * * هَزَّ الجَنُوبِ ضُحىً عِيدانَ يَبْرِينا
أو كاهْتِزازِ رُدَيْنِيٍّ تَـجـاذَبَـهُ * * * أيْدِي الكُماةِ فزادَتْ مَتْنَهُ لِـينـا
بِيضٌ يُجْرّدْنَ مِن أَلْحاظِهِنَّ لَنـا * * * بِيضاً، ويَغْمِدْنَ ما جَرَّدْنَهُ فِينـا
إذا نَطَقْنَ رَأَيت الدُّرَّ مُنْـتَـثِـراً * * * وإنْ صَمَتْنَ رَأَيْتَ الدُّرَّ مَكْنُونـاً
وقال آخر
أَبَتْ الرَّوادِفُ والثُّدِيُّ لِقُمْصِهـا * * * مَسَّ البُطُونِ وأنْ تَمَسَّ ظُهُوراً
وإذا الرِّياحُ تَناوَحَتْ بِنَسِيمِـهـا * * * نَبَّهْنَ حاسِدَةً وهِجْـنَ غَـيورَا
وقال رجُل من بَنِي كِلاب
ألا يا سَنا بَرْقٍ عَلا قُلَلَ الحِمَى * * * لَهِنَّكَ مِن بَرْقٍ علـيَّ كَـرِيمُ
لَمَعْتَ اقْتِذاءَ الطَّيْرِ والقَوْمُ هُجَّعٌ * * * فهَيَّجْتَ أَحْزاناً وأَنتَ سَـلِـيمُ
فبِتُّ بحدِّ المِرْفَقَـيْنِ أَشِـيمُـهُ * * * كأَنِّي لِبقٍ بالسِّـتـارِ حَـمِـيمُ
فهَلْ مِن مُعِيرٍ طَرْفَ عَيْنٍ جَلِيَّةٍ * * * فإِنْسانُ طَرْفِ العامِرِيِّ سَقِـيمُ
رَمَى قَلْبَهُ البَرْقُ المُلالِيُّ رَمْيَةً * * * بذِكْرِ الحِمَى وَهْناً فَباتَ يَهِـيمُ
وقال أَعْرابِيّ مِن طَيئ
خَلِيلَيَّ بالله اقْعُدا فَـتَـبـيَّنـا * * * وَمِيضاً أَرَى الظَّلْماءَ عنه تَقَدَّدُ
يُكَشِّفُ أَعْراضَ السَّحابِ كأَنَّهُ * * * صَفِيحَةُ هِنْدِيٍّ تُسَلُّ وتُغْـمَـدُ
فبِتُّ على الأجْبالِ لَيْلاً أَشِيمُـهُ * * * أَقُومُ له حتَّى الصَّباحِ وأَقْعُـدُ
وقال آخر
صَبا البَرْقُ نَجْدِياً فهاجَ صَباتَنِـي * * * كأَنِّي لِنَجْدِيِّ البُـرُوقِ نَـسِـيبُ
بَدا كانْصِداعِ اللَّيْلِ عن وَجْهِ صُبْحِهِ * * * وتَطْرُدُهُ بَـيْنَ الأَراكِ جَـنُـوبُ
فطَوْراً تَراهُ ضاحِكاً في ابْتِسـامَةٍ * * * وطَوراً تَراهُ قد عَلاهُ قُـطُـوبُ
إذا هاجَ بَرْقُ الغَوْرِ غَوْرِ تِهـامَةٍ * * * تَهَيَّجَ مِن شَوْقِي عليَّ ضُـرُوبُ
وقال سُحَيْم بن المُحَرَّم
ألا أيُّها البَرْقُ، الذي باتَ يَرْتَقِي * * * ويَجْلُو دُجَى الظَّلْماءِ، أَذْكَرْتَنِي نَجْداً
وهَيَّجْتَنِي مِن أَذْرِعاتٍ ولا أَرَى * * * بنَـجْـدٍ عـلــى ذِي حـــاجَةٍ طَـــرِبٍ بُـــعْـــدا
ألَـمْ تَـرَ أَنَّ الــلَّـــيلَ يَقْـــصُـــرُ طُـــولُـــهُ * * * بنَـــجْـــدٍ وتَـــزدادُ الـــرِّياحُ بـــه بَــــرْدا
فأَشْـهَـدُ لَـوْلا أنـتِ قـد تَـــعْـــلَـــمِـــينَـــهُ * * * وحُـبِّـيكِ مـــا بـــالَـــيْتُ أَنْ لا أَرَى نَـــجْـــدا
وقال آخر
فوا كَـبِـدِي مِــمّـــا أُحِـــسُّ مِـــن الـــهَـــوَى * * * إذا مـا بَـدا بَــرْقٌ مِـــن الـــلَّـــيْلِ يَلْـــمَـــحُ
لَئِنْ كانَ هذا الدَّهْرُ نَأْياً وغُرْبَةً * * * عن الأَهْلِ والأَوطانِ، فالمَوْتُ أَرْوَحُ
وقال جامِع الكِلابيّ
أَعِنِّي على بَرْقٍ أُرِيكَ وَمِـيضَـهُ * * * تُضِيءُ دُجُنّاتِ الظَّلامِ لَوامِـعُـهْ
إذا اكْتَحَلَتْ عَيْنا مُحبٍّ بـضَـوْئِهِ * * * تَجافَتْ به حتّى الصَّباحِ مَضاجِعُهْ
فباتَ وِسادِي ساعِدٌ قَلَّ لَـحْـمُـهُ * * * عن العَظْمِ حتّى كادَ يَبْدُو أَشاجِعُه
وقال أعْرابِيّ قُدِّمَ لتُضْرَبَ عُنُقُه
تأَلَّقَ البّرْقُ نَجْدِياً، فقلـتُ لـه: * * * يا أيُّها البَرْقُ إنِّي عَنْكَ مَشْغُولُ
أَلَيْسَ يَكْفِيكَ هذا ثائِرٌ حَـنِـقٌ * * * في كَفِّهِ صارِمٌ كالمِلْحِ مَسْلُولُ
وقال جَمِيل بن مَعْمَر
أَلاَ إنَّ ناراً دُوَنها رَمْلُ عالِـجٍ * * * وهَضْبُ النَّقا مِن مَنْظَرٍ لَبَعِيدُ
تَبَدَّتْ كما يَبْدُو السُّها غَيْرَ أَنَّها * * * أَنارَتْ بِبِيضٍ عَيْشُهُنَّ رَغِـيدُ
يُمَنِّينَنا وصْلاً بَعِـيدً قَـرِيبُـهُ * * * وأكْثَرُ وَصْلِ الغانِياتِ صُدُودُ
وقال قَيْس بن المُلَوِّح العُذْرِيّ
وإنِّي لِنارٍ، دُونُها رَمْلُ عـالِـجْ * * * على مابِعَيْنِي مِن قَذىً، لَبصِـيرُ
كأَنَّ نَسِيمَ الرِّيح حـينَ يُنِـيرُهـا * * * كَنَجْمٍ خَفِيٍّ في الظَّـلامِ يُنِـيرُ
متى تُذكَري للقَلْبِ يَنْهَضْ بِرَوْعَةٍ * * * جَناحُ الهَوَى حتَّى يَكـادَ يَطِـيرُ
وقال الشِّمّاخ بن ضِرار
وتُرْوَى لأخِيه مُزَرِّد
لِلَيْلَى بالعُنَيْزَةِ ضَـوْءُ نـارٍ * * * تَلُوحُ كأنَّها الشِّعْرَى العَبُورُ
إذا ما قُلْتُ قد خَمَدَتْ، زَهاها * * * سَوادُ اللَّيْل والرِّيحُ الدَّبُـورُ
وقال كُثَيِّر بن أبِي جُمْعَة الخُزاعِيّ
نَظَرْتُ وأَصْحابِي بأَيْلَةَ مَوْهِنـاً * * * وقَد حانَ مِن نَجْمِ الثُّرَيّا تَصَوُّبُ
لَعَزَّةَ ناراً ما تَبُـوخُ كـأَنَّـهـا * * * إذا ما رَمَقْناها مِن البُعْدِ كَوْكَبُ
إذا ما خَبَتْ مِن آخِرِ اللَّيْلِ خَبْوَةً * * * أُعِيدَ لَها بالمَنْدَلِيِّ فتَـثْـقَـبُ
وقال عبد الله بن الدُّمَيْنَة
ألاَ أيُّها الرَّكْبُ الذين دَلَيلُهُمْ * * * سُهَيْلٌ، أما مِنْكُمْ عليَّ دَلِيلُ
أَلِمُّوا بأَهْلِ الأَبْرَقَيْنِ فَسَلِّمُوا * * * وذاكَ لأَهْلِ الأَبْرَقَيْنِ قَلِيلُ
وقال أيضاً
إذا ما سُهَيْلٌ أَبْـرَزَتْـهُ غَـمـامَةٌ * * * على مَنْكِبٍ مِن جانِبِ الطُّورِ يَلْمحُ
دَعا بَعْضُنا بَعْضاً فبِتْنـا كـأَنَّـنـا * * * رَأَيْنا حَبِيباً كـانَ يَنْـأَى ويَنْـزَحُ
وذلك أَنّا واثِـقُـون بِـقُـرْبِـكُـمْ * * * وأَنَّ النَّوَى عَمّا قَلِيل تَـزَحْـزَحُ
وقال عبد الله بن شَبِيب
هَوَى صاحِبِي رِيحَ الشَّمالِ إذا جَرَتْ * * * وأَهْوَى لِنَفْسِيَ أَنْ تَهُبَّ جَـنُـوبُ
يَقُولُونَ: لو عَزَّيْتَ قَلْبَكَ لارْعَـوَى، * * * فقُلْتُ: وهَلْ للعاشِـقِـينَ قُـلُـوبُ
وقال الأَقْرَع بن مُعاذ العامِرِيّ
ويُكْنَى أبا جُوثَة
إذا راحَ رَكْبٌ مُصْعِدُونَ، فقَلْبُهُ * * * مع الرَّائِحِين المُصْعِدِينَ جَنِيبُ
وإِنْ هَبَّ عُلْوِيُّ الرِّياحِ وَجَدْتُنِي * * * كأَنِّي لِعُلْوِيّاتِـهِـنَّ نَـسـيبُ
وقال قَيٍس بن المُلَوِّح
أيا جَبَلَىْ نَعْمانَ بالـلـهِ خَـلِّـيا * * * طَرِيقَ الصَّبا يَخْلُصْ إليَّ نَسِيمُها
أَجِدْ بَرْدَها، أو تَشْفِ منِّي صَبابَةً * * * على كَبِدٍ لم يَبْقَ إلاّ صَمِيمُـهـا
فإنَّ الصَّبا رِيحٌ إذا ما تَنَسَّـمَـتْ * * * على نَفْسِ مَهْمُومٍ تَجَلَّتْ هُمُومُها
أَلا إنَّ أَهْوائِي بلَـيْلَـى قَـدِيمَةٌ * * * وأَقْتَلُ أَدْواءِ الرِّجالِ قَدِيمُـهـا
وقال عبد الله بن الدُّمَيْنَة
ألا يا صَبا نَجْدٍ مَتى هِجَتِ مِن نَجْدِ * * * لقَدْ زادَنِي مَسْراكِ وَجْداً على وَجْدِ
أَأَنْ هَتَفَتْ وَرْقاءُ في رَوْنَقِ الضُّحَى * * * على فَنَنٍ عَضِّ النَّباتِ مِن الرَّنْدِ
بَكَيْتَ كما يَبْكِي الوَلِيدُ، ولَمْ تكُنْ * * * جَلِيداً، وأَبْدَيْتَ الذي لَمْ تكُنْ تُبْدِي
وقَدْ زَعَمُوا أَنَّ المُحِبَّ إذا دَنَا * * * يَمَلُّ، وأَنَّ النَّأْيَ يَشْفِي مِن الوَجْدِ
بِكُلِّ تَداوَْنا، فلم يُشْفَ ما بِنا * * * علـى أنَّ قُـرْبَ الـدّارِ خَــيْرٌ مـــن الـــبُـــعْـــدِ
علـى أَنَّ قُـــرْبَ الـــدَّارِ لَـــيْسَ بـــنـــافِـــعٍ * * * إذا كـــانَ مَـــنْ تَـــهْـــواهُ لَـــيْسَ بِــــذِي وُدِّ
وقال القَتّال الكِلابيّ
إذا هَبَّتِ الأرْواحُ، كان أَحَبُّهـا * * * إِليَّ التي مِن نَحْوِ نَجْدٍ هُبُوبُهـا
وإنّي لَتَدْعُونِي إلى طاعَةِ الهَوَى * * * كَواعِبُ أَتْرابٌ مِراضٌ قُلُوبُها
كأنَّ الشِّفاهَ الحُوَّ مِنْهُنَّ حُمِّلَـتْ * * * ذَرَى بَرَدٍ يَنْهَلُّ مِنْها غُرُوبُهـا
بِهِنَّ مِن الدَّاءِ الذي أَنا عـارفٌ * * * وما يَعْرِفُ الأَدْواءَ إلاّ طَبِيبُهـا
وقال جَحْدَر العُكلِيّ
رَأَيْتُ بِذِي المَجازَةِ ضَوْءَ نـارٍ * * * تَلأْلأُ وهْيَ نازِحَةُ المَـكـانِ
فَشَبَّهَ صاحِبايَ بِهـا سُـهَـيْلاً * * * فقلْتُ: تَبَيَّنا مـا تَـنْـظُـرانِ
أناراً أوقِـدَتْ لِـتَـنَـوَّراهـا * * * بَدَتْ لكُما أَمِ البَرْقُ اليَمـانِـي
كَأَنَّ الرِّيحَ تَرْفَعُ مِن سَنـاهـا * * * بنـائِقُ حُـلَّةٍ مـن أرْجُـوانِ
ومِمّا هاجَنِي فازْدَدْتُ شَـوْقـاً * * * بُكاءُ حَمامَتَـيْنِ تَـجـاوَبـانِ
تَجاوَبَتا بلَـحْـنٍ أَعْـجَـمِـيٍّ * * * على غُصْنَيْنِ مِن غَرْبٍ وبانِ
فكانَ البانُ أَنْ بانَتْ سُلَـيْمَـى * * * وفي الغَرْبِ اغْتِرابٌ غَيْرُ دانِ
أَلَيْسَ اللَّيْلُ يَجْمَعُ أُمَّ عَـمْـرو * * * وإيّانـا، فـذاكَ لَـنـا تَـدانِ
نَعَمْ، وتَرَى الهِلالَ كمـا أَراهُ * * * ويَعْلُوها النَّهارُ كما عَـلانِـي
وقال آخر في مَعْناه
رَأَيْتُ غُراباً ساقِطاً فَوْقَ هَـضْـبةٍ * * * مِنَ القَضْبِ لم يَنْبُتْ له وَرَقٌ نَضْرُ
فقلتُ: غُرابٌ لاغْتِرابٍ، وقَـضْـبَةٌ * * * لِقَضْبِ النَّوَى، هَذِي العِيافَةُ والزَّجْرُ
وقال أبو صَخْر الهُذلِيّ
بِيَدِ الذي شَعَفَ الفُؤادَ بِكُـمْ * * * تَفْرِيجُ ما أَلْقَى مِنَ الـهَـمِّ
ويُقِرُّ عَيْنِي وهْـيَ نـازِحَةٌ * * * ما لا يُقِرُّ بعَيْنِ ذِي الحِلْـمِ
أَنِّي أَرَى وأَظُنُّ أَنْ سَتَـرى * * * وَضَحَ النَّهارِ وعالِيَ النَّجـمِ
وَلَليْلَةٌ مِنْها تَـعُـودُ لَـنـا * * * فِي غَيْرِ ما رَفَثٍ ولا إِثْـمِ
أَشْهَى إلى نَفْسِي ولَوْ نَزَحَتْ * * * مَمّا مَلَكْتُ ومِنْ بَنَى سَهْـمِ
قد كانَ صُرْمٌ في المَماتِ لَنا * * * فَعَجِلْتِ قَبْلَ المَوْتِ بالصُّرْمِ
ولَما بَقِيتِ لَيَبْـقَـيَنَّ جَـوَى * * * بَيْنَ الجَوانِحِ مُضْرِعٌ جِسْمِي
فَتَعلَّمِي أَنْ قد كَلِفْتُ بِـكُـمْ * * * ثُم افْعَلِي ما شِئْتِ عن عِلْمِ
وقال جَمِيل بن مَعْمَر العُذْرِيّ
وإنِّي لأَرْضَى مِن بُثَـيْنةَ بـالـذي * * * لَوَ أيْقَنَهُ الواشِي لَقَرَّتْ بَلابِـلُـهْ
بِلا، وبأَنْ لا أَسْتَطِيعُ، وبالمُـنَـى، * * * وبالأَمَلِ المَرْجوِّ قد خابَ آمِـلُـهْ
وبالنَّظْرَةِ العَجْلَى، وبالحَوْلِ تَنْقَضِي * * * أَواخِرُهُ لا نَـلْـتَـقِـي وأَوائِلُـهْ
وقال قَيْس بن الخَطِيم
رَدَّ الخَلِيطُ الجِمالَ فانْصَرَفُوا * * * ماذا عليهِمْ لَوَ أنَّهُمْ وَقَفُـوا
لو وَقَفُوا ساعَةً نُسـائِلُـهُـمْ * * * رَيْثَ يُضَحِّي جِمالَهُ السَّلَفُ
فِيهِمْ رَقُودُ العِشاءِ، آنِسَةُ الدَّ * * * لِّ، عَرُوبٌ يَسُوءُها الخُلُفُ
تَغْتَرِقُ الطَـرْفَ وهْـيَ لاهِـيَةٌ * * * كأَنَّما شَـفَّ وَجْـهَـهـا نُـزُفُ
بَيْنَ شُكُولِ النِّساءِ خِـلْـقَـتُـهـا * * * حَذْواً، فلا جَبْـلَةٌ ولا قَـضَـفُ
قَضَى لها اللهُ حينَ صَـوَّرَهـا ال * * * خالِـقُ أَلاَّ يُجِـنَّـهـا سَــدَفُ
تَنامُ عن كِبْـرِ شَـأْنِـهـا، فـإذا * * * قامت تَمَشَّى تَكـادُ تَـنْـغَـرِفُ
خَوْدٌ، يَغِثُّ الحَدِيثُ ما صَمَـتَـتْ، * * * وهْوَ بِـفِـيهـا ذُو لَـذَةٍ طَـرِفُ
تَخْزِنُهُ، وهْوَ مُشْتَـهـىً حَـسَـنٌ * * * وهْوَ إذا ما تَـكَـلَّـمَـتْ اُنُـفُ
حَوْراءُ، جَيْداءُ، يُسْتَضـاءُ بِـهـا، * * * كأَنَّهـا خُـوطُ بـانةٍ قَـصِـفُ
كَأَنَّـهـا دُرَّةٌ أَحـاطَ بِـهــا ال * * * غَّوَاصُ، يَجْلُو عن وَجْهِها الصَّدَفُ
واللهِ ذِي المَسْجِدِ الـحَـرَامِ ومـا * * * جُلِّلَ مِن يُمْـنَةٍ لَـهـا خُـنُـفُ
إنِّي لأَهْـواكِ غَـيْرَ مـا كَـذِبٍ * * * قد شُفَّ مِنِّي الأحْشاءُ والشَّغَـفُ
إنِّي على ما تَرَيْنَ مِـن كِـبَـرِي * * * أعْلَمُ مِن أَيْنَ تُؤْكَـلُ الـكَـتِـفُ
يا رَبِّ لا تُـبْـعِـدَنْ دِيارَ بَـنِـي * * * عُذْرَةَ حيثُ انْصَرَفْتُ وانْصَرَفُـوا
وقال ذُؤَيْب الهُذَلِيّ
وإنّ حَدِيثاً مِنْكِ لو تَـبْـذُلِـينَـهُ * * * جَنَى النَّحْلِ في أَلْبانِ عُوذٍ مَطافِلِ
لَعَمْرِي لأَنْتَ البَيْتُ أُكْرِمَ أَهْـلُـهُ * * * وأَقْعُدُ في أَفْـيائِهِ بـالأصـائِلِ
وما ضَرَبٌ بَيْضاءُ يَأْوِي مَلِيكُهـا * * * إلى طُنُفٍ أَعْيا بِـراقٍ ونـازِلِ
بأَطْيَبَ مِن فِيها إذا جِئْتُ طارِقـاً * * * وأَشْهَى إذا نامَتْ كِلابُ الأَسافِلِ
وتلكَ التي لا يَبْرَحُ القَلْبَ حُبُّهـا * * * ولا ذِكْرُها ما أَرْزَمَتْ أُمُّ حـائِلِ
وحتّى يَؤُوبَ القارِظانِ كِلاهُمـا * * * ويُنْشَرَ في القَتْلَى كُلَـيْبٌ لِـوائِلِ
وقال ذُو الرُّمّة
وَقَفْنا فقُلْنا: إِيهِ عـن أُمِّ سـالِـمٍ * * * وما بالُ تَكْلِيمِ الدِّيارِ البَـلاقِـعِ
فما كَلَّمَتْنا دارُهـا غـيرَ أَنَّـهـا * * * ثَنَتْ هاجِساتٍ مِن خَبالٍ مُراجِعِ
هي الشَّمْسُ إشْراقاً إذا ما تَزَيَّنَتْ * * * وشِبهُ النَّقا مُغْتَرَّةً في المَـوادِعِ
ولمَّا تَلاقَيْنا جَرَتْ مِن عُيُونِـنـا * * * دُمُوعٌ كَفَفْنا ماءَها بالأصـابِـعِ
ونِلْنا سِقاطاً مِن حَـدِيثٍ كـأَنَّـهُ * * * جَنَى النَّحْلِ مَمْزُوجاً بماءِ الوَقائِعِ
وقال أيضاً
وما يَرْجِعُ الوَجْدُ الزَّمانَ الذي مَضَـى * * * ولا للفَتَى مِن دِمْنَةِ الـدّارِ مَـجْـزَعُ
عَشِيَّةَ مـالِـي حِـيلَةٌ غَـيْرَ أنَّـنِـي * * * بِلَقْطِ الحَصَى والخَطِّ في التُرْبِ مُولَعُ
أخُطُّ وأَمْـحُـو الـخَـطَّ ثُـم أُعِـيدُه * * * بِكَفَّيَّ، والغِرْبانُ فـي الـدَّارِ وقَّـعُ
لَيالِـيَ لا مَـيٌّ بَـعِـيدٌ مَـزارُهـا * * * ولا قَلْبُهُ شَتَّى الهَـوَى مُـتَـشَـبَّـعُ
وتَبْسِمُ عن عَـذْبٍ كـأَنَّ! غُـرُوبَـهُ * * * أَقاحٍ تَرَوّاها مِن الـرَّمْـلِ أَجْـرَعُ
كأَنَّ السُّلافَ المَحْضَ مِنْهُنَّ طَعْـمُـهُ * * * إذا جَعَلَتْ أَيْدِي الكَواكِبِ تضْـجَـعُ
وقال أبو صَخْر الهُذَلِيّ
ألا أيُّهـا الـرَّكْـبُ الـمُـخِـبُّـونَ هـــل لـــكُـــمْ * * * بسـاكِـنِ أَجْـراعِ الـحِـمَـى بَـعْـدَنــا خُـــبْـــرُ
فقـالُـــوا: طَـــوَيْنـــا ذاكَ لَـــيلاً، وإنْ يكُـــنْ * * * به بَـعْـضُ مَـنْ تَـهْـوَى فـمـا شَـعَـرَ الـسَّـفْــرُ
أمـا والـذي أَبْــكَـــى وأَضْـــحَـــكَ، والـــذي * * * أمـــاتَ وأَحْـــيا، والـــذي أَمْـــرُهُ الأَمْــــرُ
لقَدْ تَرَكَتْنِي أَحْسُدُ الوَحْشَ أَنْ أَرَى * * * أَلِيفَيْنِ مِنْها لا يَرُوعُهُما الذُّعْرُ
هَجَـرْتُـكِ، حـتّـى قِـيلَ: لا يَعْـــرِفُ الـــهَـــوَى * * * وزُرْتُـكِ، حـتّـى قِـيلَ: لَــيْسَ لـــه صَـــبْـــرُ
وإنِّـي لَـتَـعْــرُونِـــي لِـــذِكْـــرِاكَ رِعْـــدَةٌ * * * كمـا انْـتَـفَـضَ الـعُـصْـفُـور بَـلَّـلَـهُ الـقَـطْــرُ
فيا هَـجْـرَ لَـيْلَـى قـد بَـلَـغْـتَ بِـيَ الـــمَـــدى * * * وزِدْتَ عـلـي مـا لَـمْ يكُـنْ بَـلَـغَ الــهَـــجْـــرُ
فيا حُـبَّــهـــا زِدْنِـــيَ جَـــوىً كُـــلَّ لَـــيْلَةٍ * * * ويا سَـلْـوَةَ الأَياّمِ مَــوْعِـــدُكِ الـــحَـــشْـــرُ
عَجِبْتُ لسَعْي الدَّهْرِ بَيْنِي وبَيْنَها * * * فَلمَّا انْقَضى ما بَيْنَنا سَكَنَ الدَّهْرُ
لَقَدْ كنتُ آتِيها وفي النَّفْسِ هَجْرُها * * * بَتاتاً لأخْرَى الدَّهْرِ ما طَلَعَ الفَجْرُ
فما هو إلاَّ أنْ أراها فُجاءَةً * * * فُبْــهَـــتُ، لا عُـــرْفٌ لَـــدَيَّ ولا نُـــكْـــرُ
وأَنْـسَـى الـذي قـد كـنـتُ فِـيه هَـجَـرْتُـــهـــا * * * كمـا قـد تُـنَـسِّـي لُـبَّ شـارِبِـهـا الـخَـــمْـــرُ
تَكـادُ يَدِي تَـنْـدَى إذا مـا لَــمَـــسْـــتُـــهـــا * * * ويَنْـبُـتُ فـي أَطْـرافِـهـا الـوَرَقُ الـخُـــضْـــرُ
وقال قَيْس بن دَرِيح
أَلاَ يا غُرابَ البَيْنِ مالَكَ كُـلَّـمـا * * * تَذَكَّرْتُ لُبْنَى طِرْتَ لي عن شِماليا
أعندَكَ عِلْمُ الغَيْبِ، أمْ أنتَ مُخْبِرِي * * * عن الحَيِّ إلاّ بالذي قد بَـدا لِـيا
فلا حَمَلَتْ رِجلاكَ عُشَّا لِـبَـيْضَةٍ * * * ولا زالَ عَظْمٌ مِن جَناحَيكَ واهِيا
أُحِبُّ مِن الأَسْماءِ ما وافَقَ اسْمَهـا * * * وأَشْبَهَهُ أو كانَ مِـنْـه مُـدانِـيا
وما ذُكِرَتْ عِنْدِي لَها من سَـمِـيّةٍ * * * مِن النّاسِ إلاّ بَلَّ دَمْـعِـي رِدائِيا
سلِي النَّاسَ هل خَبَّرْتُ سِرَّكِ منهُم * * * أخا ثِقَةٍ أو ظاهِرَ الغِـشِّ بـادِيا
وأَخْرُجُ مِن بَيْنِ البُيُوتِ لَعَلَّـنِـي * * * أُحَدِّثُ عنكِ النَّفْسَ في السِّرِّ خالِيا
وإنِّي لأَسْتَغْشِي وما بِـيَ نَـعْـسَةٌ * * * لَعَلَّ خَيالاً مِنْكِ يَلْـقَـى خَـيالِـيا
أقولُ إذا نَفْسِي مِن الوَجْدِ أَصْعَدَتْ * * * بَها زَفرَةٌ تَعْتادُها هي مـا هِـيا
أَشوْقاً ولمَّا تَمْضِ لي غـيرُ لَـيْلَةٍ * * * رُوَيْدَ الهَوَى حتَّى يُغِـبَّ لَـيالِـيا
تَمُرُّ اللَّيالِي والشُّـهُـورُ ولا أَرَى * * * غَرامِي بكُـمْ يَزْدادُ إلاّ تَـمـادِيا
فقَد يَجْمَعُ الله الشِّتِيتَيْنِ بَـعْـدَمـا * * * يَظُنّانِ كُلَّ الظَّـنِّ أنْ لا تَـلاقِـيا
تَساقَطُ نَفْسِي حينَ أَلْقاكِ أَنْفُـسـاً * * * يَرِدْنَ فَما يَصْـدُرْنَ إلاّ صَـوادِيا
فإنْ أَحْيَ أو أَهْلِكْ فَلَسْـتُ بـزائِلٍ * * * لكُمْ حافِظاً ما بَلَّ رِيقٌ لِـسـانِـيا
وقال أيضاً
فأُقْـسِـمُ مـا عُـمْـــشُ الـــعُـــيُونِ شَـــوارِفٌ * * * روائِمُ بَـوٍّ حـائِمـــاتٌ عـــلـــى سَـــقْـــبِ
بأَوْجَدَ مِنّي يَوْمَ وَلَّتْ حُمُولُها * * * وقَدْ طَلَعَتْ أُولَى الرِّكابِ مِن النَّقْبِ
وكُلُّ مُلِمّاتِ الزَّمانِ وَجدْتُها * * * سِوَى فُـرْقَةِ الأحْـبـابِ، هَــيِّنَةَ الـــخَـــطْـــبِ
وقـلـتُ لـقـلْـبِـي حـينَ لَـجَّ بِـــيَ الـــهَـــوَى * * * وكَـلَّـفَـنِـي مـا لا يُطِـــيقُ مِـــن الـــحُـــبِّ
ألا أيُّهـا الـقَـلْــبُ الـــذي قـــادَهُ الـــهَـــوَى * * * أَفِـقْ، لا أَقَـرَّ الـلـه عَـيْنَــكَ مِـــن قَـــلْـــبِ
وقال مُضَرس بن قُرْط المُزَنِيّ
أَرُدُّ سَوَامَ الطَّرْفِ عَنْكِ، ومالَـهُ * * * إلـى أَحَـدٍ إلاّ إلـيكِ طَـرِيقُ
فَلوْ تَعْلَمِينَ الغَيْبَ أَيْقَنْتِ أَنَّـنِـي * * * وَرَبِّ الهَدايا المُشْعَراتِ صَدُوقُ
تَتُوقُ إليكِ النَّفْـسُ، ثُـم أَرُدُّهـا * * * حَياءً، ومِثْلِي بالحَـياءِ حَـقِـيقُ
سَلِي هل قَلانِي مِن عَشِيرٍ صَحِبْتُهُ * * * وهَلْ ذَمَّ رحَلْي في الرِّحالِ رَفِيقُ
سَعَى الدَّهْرُ والواشُون بَيْنِي وبَيْنَها * * * فقُطّعَ حَبْلُ الوَصْلِ وهْوَ وَثِـيقُ
تَكادُ بِـلادُ الـلـه يا أمَّ مَـعْـمَـرٍ * * * بِما رَحُبَتْ يوماً عـلـيَّ تَـضِـيقُ
وهَيَّجَنِي للوَصْـلِ أَيّامُـنـا الأُلَـى * * * مَرَرْنَ عَلَـيْنـا والـزَّمـانُ ورَيِقُ
أَتَجْمَعُ قَلْباً بـالـعِـراقِ فَـرِيقُـهُ * * * ومِنْـهُ بـأطْـلالِ الأراكِ فَـرِيقُ
فكَيْفَ بِها، لا الدَّارُ جامِعَةُ الهَـوَى * * * ولا أنْتَ يَوماً عن هَـواكَ تُـفِـيقُ
صَبُوحِي إذا ما ذَرَّتِ الشمسُ ذِكْرُكُمْ * * * ولِي ذِكْرُكُمْ عِنْدَ المَساءِ غَـبُـوقُ
وخَبَّرْتِني يا قَلْـبُ أنَّـكَ صـابِـرٌ * * * على البُعْدِ مِن سُعْدِي، فسوفَ تَذُوقُ
فمُتْ كَمَداً، أو عِشْ وحِيداً، فإنَّـمـا * * * أراكَ تُكَلِّفُنِي ما لا أَراكَ تُـطِـيقُ
وقال ابن مَيّادة
تُرى إنْ حَجَجْنا نَلْتَقِي يا أمَّ مالِكٍ * * * وتَجْمَعُنا والنَّخْلَـتَـيْنَ طَـرِيقُ
وتَصْطَكُّ أَعْناقُ المَطِيِّ وبَيْنَنـا * * * حَدِيثٌ وسِرٌّ لَمْ يُذِعْهُ صَـدِيقُ
وقال المُضَرَّب
عُقْبَة بن كَعْب بن زُهَيْر
ولمَّ قَضَيْنا مِن مِنىً كُلَّ حـاجَةٍ * * * ومَسَّح بالأرْكان مَن هو ماسِحُ
وشُدَّتْ على حُدْبِ المَطايا رِحالُنا * * * ولا يَنْظُرُ الغادِي الذي هو رائِحُ
أَخّذْنا بأَطْرافِ الأحادِيثِ بَيْنَـنـا * * * وسالَتْ بأَعْناقِ المَطِيِّ الأباطِحُ
وقال آخر
ولمَّا قَضَيْنا مِن مِنىً كُلُّ حاجَةٍ * * * ولمَم يَبْقَ إلاَّ أنْ تُزَمَّ الرَّكائِبُ
وَقَفْنا فسَلَّمْنـا سَـلامَ مُـوَدَّعٍ * * * فرَدَّتْ عَلَيْنا أَعْيْنٌ وحَواجِـبُ
وقال كثير بن أبي جمعة
رَمَتْنِي بُعْدٍ بُثَيْنَةُ بَـعْـدَمـا * * * تَوَلَّى شَبابِي وارْجَحَنَّ شَبابُها
بعَيْنَيْنِ نَجْلاوَيْنِ لو رَقْرَقْتُهما * * * لِنَوْءِ الثُّرَيَّا لاسْتَهَلَّ سَحابُهـا
ولكَّنما تَرْمِينَ نَفْساً كَـرِيمَةً * * * لِعَزَّةَ مِنْها صَفْوُها ولُبابُهـا
وقال
سَوَادَة بن كِلاب القُشَيْرِيّ
أَلا حَـبَّـذا الـوادِي الـذي قـابَـــلَ الـــنَّ?قَـــا * * * ويا حَـبَّـذا مِـن أَجْـلِ ظَـمْــياءَ حـــاضِـــرُهْ
إذا ابْتَسَمَتْ ظَمْياءُ واللَّيْلُ مُسْدِفٌ * * * تَجَلَّى ظَلامُ اللَّيْلِ حينَ تُباشِرُهْ
أَلَمَّتْ بأَصْحابِ الرِّكابِ فَنَبَّهتْ * * * بنَـفْـحَةِ مِـسْـكٍ أَرَّقَ الـرَّكْـــبَ تـــاجِـــرُهْ
لو سَـأَلَـتْ لـلـنّـاسِ يَوْمـاً بـوَجْـــهِـــهـــا * * * سَحـابَ الـثُّـرَيّا لاسْـتَـهَـلَّــتْ مَـــواطِـــرُهْ
وقال الرَّمّاح بن مَيّادَة
وما اخْتَلَجَتْ عَيْنايَ إلاّ رَأَيْتُـهـا * * * على رَغْمْ واشِيها وغَيْظِ المُكاشِحِ
فيا لَيْتَ عَيْنِي طالَ مَنْها اخْتِلاجُها * * * فكَمْ يَوْمِ لَهْوٍ لِي بذلكَ صـالِـحِ
وقال الأُقَيْشِر
أيا صاحِبِي أَبْشِرْ بِزَوْرَتِنا الحِمَى * * * وأَهْلَ الحِمَى مِن مُبْغِضٍ ووَدُودِ
قد اخْتَلَجَتْ عَيْنِي فدَلَّ اخْتِلاجُهـا * * * على حُسْنِ وَصْلٍ بَعْدَ قُبْحِ صُدُودِ
وقال الاُقَيْشَرِ أيضاً
وما خَدِرَتْ رِجْلايَ إلاّ ذَكَرْتُكُمْ * * * فَيَذْهَبُ عن رِجْلَيَّ ما تَجِـدانِ
وما اخْتَلَجَتْ عَيْنايَ إلاَّ تَبادَرَت * * * دُمُوعُهما بالسَّحِّ والهَـمَـلانِ
سُرُوراً بما جَرَّبْتُهُ مِن لِقائِكُـمْ * * * إذا اخْتَلَجَتْ عَيْنايَ كُـلَّ أَوانِ
وقال جَمِيل بن مَعْمَر العُذْرِيّ
ألا لَيْتَ أَيَّام الصَّـفـاءِ جَـدِيدُ * * * ودَهْرٌ تَـوَلَّ يا بُـثَـيْنَ يَعُـودُ
عَلِقْتُ الهَوَى مِنْها وَلِيداً فلم يَزَلْ * * * إلى اليومِ يَنْمِي حُبُّـهـا ويَزِيدُ
وأَفْنَيْتُ عُمْرِي في انْتِظارِ نَوالِها * * * وأَفْنَتْ بذاكَ الدَّهرَ وهْوَ جَـدِيدُ
فلا أنا مَرْدُودٌ بِما جِـئْتُ طـالِـبـاً * * * ولا حُـبُّـهـا فِـيمـا يَبِـيدُ يَبِـيدُ
إذا قلتُ: ما بِي يا بثـينةُ قـاتِـلِـي * * * مِن الحبِّ، قـالَـتْ ثـابِـتٌ ويَزِيدُ
وإنْ قلتُ: رُدِّي بَعْضَ عَقْلِي أَعِشْ به * * * مع النَّاسِ، قالَتْ: ذاكَ منكَ بَـعِـيدُ
يموتُ الهَوَى مِنِّي إذا ما لَقِـيتُـهـا * * * ويَحْـيا إذا فـارَقْـتُـهـا ويَعُـودُ
وما أَنْسَ مِلْ أَشْياءِ لا أَنْسَ قَوْلَـهـا، * * * وقد قَرًَّبَتْ نِضْوِي: أَمِصْـرَ تُـرِيدُ
ولا قَوْلَها: لَوْلا العُيُونُ التـي تَـرَى * * * لَزُرْتُكَ، فاعْذِرْنِي فَـدَتْـكَ جُـدُودُ
خَلِيلَيَّ ما أُخْفِي مِنَ الوَجْدِ ظـاهِـرٌ * * * ودَمْعِي بِما قُلْتُ الـغَـداةَ شَـهِـيدُ
لكُـلِّ حَـدِيثٍ بَـيْنَـهُـنَّ بَـشـاشَةٌ * * * وكُلُّ قَـتِـيلٍ بَـيْنَـهُـنَّ شَـهِـيدُ
أَلاَ ليتَ شِعْرِي هـل أَبِـيتَـنَّ لَـيْلَةً * * * بِوادِي القُرَى إِنِّـي إِذَنْ لَـسَـعِـيدُ
وهَلْ أَلْقَيَنْ سُعْدَى مِن الدَّهْرِ لُـقْـيَةً * * * وما رَثَّ مِن حَبْلِ الوِصـالِ جَـدِيدُ
فقدْ تَلْتَقِي الأَهْواءُ بَـعْـدَ تَـفـاوُتٍ * * * وقَدْ تُطْلَبُ الحاجاتُ وهْـيَ بَـعِـيدُ
وقال آخر
ولمّا شَكَوْتُ الحُبَّ، قالَتْ: أَما تَرَى * * * مَناطَ الثُّرَيَّا، وهْيَ مِنْـكَ بَـعِـيدُ
فقُلْتُ لها: إنَّ الـثّـرَيَّا وإِنْ نَـأَتْ * * * يَصُوبُ مِراراً نَوْؤُهـا فَـيجُـودُ
وقال عبد الله بن الدُّمَيْنَة
قِفِي يا أُمَيْمَ القَلْبِ نَقْرَ تَحِيَّةً * * * ونَشْكُ الهَوَى، ثَم افْعَلِي مـا بَـدا لَـكِ
سَلِي البانَةَ الغَنّاءَ بالأَجْرَعِ الذي * * * به الـــبـــانُ هـــل حَـــيَّيْتُ أَطْـــــلالَ دارِكِ
وهَـلْ قُـمْـتُ فـي أَطْـــلالِـــهِـــنَّ عَـــشِـــيَّةً * * * مَقـامَ أَخِـي الـبَـــأْســـاءٍ واخْـــتَـــرْتُ ذلـــكِ
وهَـلْ هَـمَـلَـتْ عَـيْنـــايَ فـــي الـــدَّارِ غُـــدْوَةً * * * بدَمْـعٍ كـنـظْـمِ الـلُـؤْلـؤِ الـمُـــتـــهـــالِـــكِ
أَيا بـــانَةَ الـــوادِي أَلَـــيْسَ مُــــصِـــــــيبَةً * * * مِن الـلـه أَنْ تُـحْـمَــى عـــلـــيَّ ظِـــلالُـــكِ
أَرَى الـنَّــاسَ يَرْجُـــونَ الـــرَّبِـــيعَ وإنَّـــمـــا * * * رَبِـيعِـي الـذي أرْجُـو جَـــدي مِـــن نَـــوالِـــكِ
أرى الـنـاس يخـشـون الــســـنـــين وإنـــمـــا * * * سنـى الـتـي أخـشـى صـروف احـتـــمـــالـــك
تَعـالَـلْـتِ كـي أشْــجَـــى، ومـــا بِـــكِ عِـــلَّةٌ * * * تُرِيدِينَ قَـتْـلِــي، قـــد ظَـــفِـــرْتِ بـــذلـــكِ
وقَـوْلُـكِ لـــلـــعُـــوَّادِ: كَـــيْفَ تَـــرَوْنَـــهُ؟ * * * فقـالُـوا: قَـتِـيلاً، قُــلْـــتِ: أَهْـــوَنُ هـــالِـــكِ
لَئِنْ سـاءَنِـي أَنْ نِـلْــتِـــنِـــي بَـــمَـــســـاءَةٍ * * * لقَـدْ سَـرَّنِـي أَنِّـي خَـــطَـــرْتُ بـــبـــالِـــكِ
عَدِمْتُكِ مِن نَفْسٍ، فأنْتِ سَقَيْتِنِي * * * بكَأْسِ الهَوَى مِن حُبِّ مَنْ لَمْ يُبالِـكِ
ومَنَّيْتِنِي لُقْيانَ مَنْ لَسْتُ لاقِياً * * * نَهـــارِي ولا لَـــيْلِـــي ولا بَـــيْنَ ذلـــــــكِ
لِيَهْـنِـكِ إمْـسـاكِـي بـكَـفِّـي عـلـى الــحَـــشـــا * * * ورَقْـــراقُ عَـــيْنِـــي رَهْـــبَةً مِـــن زِيالِـــكِ
فَلوْ قُلْتِ: طَأْ في النَّارِ، أَعْلَمُ أَنَّهُ * * * رِضىً مِنك أو مُدْنٍ لَنا مِن وِصالِكِ
لَقَدَّمْتُ رِجْلِي نَحْوَها فَوَطِئْتُها * * * هُدىً مِـنـكِ لــي أْو ضَـــلَّةً مِـــن ضَـــلالِـــكِ
فوالـلـهِ مـا مَـنَّـيْتِـنـا مــنـــكِ مَـــحْـــرَمـــاً * * * ولـكـنَّـمـا أَطْـمَـعْـتِـنـــا فـــي حَـــلالِـــكِ
وقال أيضاً
أَيا رَبِّ أَدْعُـوكَ الـعَـشِـيَّةَ مُــخْـــلِـــصـــاً * * * لِتَـعْـفُـوَ عَـن نَـفْـسٍ كَـثِـيرٍ ذُنُــوبُـــهـــا
قَضَـيْتَ لـهـا بـالـبُـخْـلِ ثـم ابْـتَـلَـيْتَــهـــا * * * بحُـبِّ الـغَـوانِـي، ثُـم أَنـتَ حَـسِــيبُـــهـــا
خَلِـيلَـيَّ مـا مِـن حَـوْبَةٍ تَـعْـلـمــانِـــهـــا * * * بِجِـسْـمِـيَ إلاَ أُمُّ عَـمْـرٍو طَـبِـــيبُـــهـــا
وقَدْ زَعَمُوا أَنَّ الرِياحَ إذا جَرَتْ * * * يَمانِيَةً يَشْفِي المُحِبَّ دَبِيبُها
وقَدْ كَذَبُوا، لاَ، بَلْ يَزِيدْ صَبابَةً * * * إذا كـانَ مِـن نَـحْـوِ الـحَـبِـيبِ هُـبُـوبُــهـــا
أَهُمُّ بجَذِّ الحَـبْـلِ ثُـم يَرُدُّنِـي * * * مِن القَصْدِ رَيّاً أُمُّ عَمْرٍو وطِيبُها
وقال تَوْبَة بن الحُمَيِّر
وأُغْبَطُ مِن لَيْلَى بِـمـا لا أنـالُـهُ * * * ألا كُلُّ ما قَرَّتْ به العَيْنُ صالِـحُ
فَلْو أَنَّ لَيْلَى الأَخْيَلِـيَّةَ سَـلَّـمَـتْ * * * عليَّ ودُونِي جَـنْـدَلٌ وصَـفـائِحُ
لَسَلَّمْتُ تَسْلِيمَ البَـشـاشَةِ، أو زَقـا * * * إلَيْها صَدَىً مِن جانِبِ التُرْبِ صائِحُ
فهَلْ في غَدٍ، إنْ كانَ في اليومِ عِلَّةٌ، * * * شِفاءٌ لِما تَلْقَى النُّفُوسُ الطَّوامِـحُ
وهَلْ تَبْكِيَنْ لَيْلَى إذا مُتُّ قَبْـلَـهـا * * * وقامَ على قَبْرِي النِّساءُ الـنَّـوائِحُ
كما لَوْ أَصابَ المَوْتُ لَيْلَى بَكَيْتُهـا * * * وجادَ لَها جارٍ مِن الدَّمْعِ سـافِـحُ
وقال مَعْقِل بن جَناب
وتروى لجَعْدَة بن مُعاوِية العُقَيْلِيّ
أقُولُ لصاحِبِي والعِيسُ تَهْوِي * * * بِنا بَيْنَ المُنِيفَةِ فالضِّـمـارِ
تَمَتَّعْ مِن شَمِيمِ عَرارِ نَجْـدٍ * * * فما بَعْدَ العَشِيَّةِ مِن عِـرارِ
أَلاَ يا حَبَّذا نَفَحـاتُ نَـجْـدٍ * * * ورَيَّا رَوْضِهِ غِبَّ القِطـارِ
وأَهْلُكَ غذْ يَحُلُّ الحَيُّ نَجْـداً * * * وأنتَ على زَمانِكَ غيرُ زارِ
شُهُورٌ يَنْقَضِينَ وما شَعَرْنـا * * * بِأَنْصافٍ لهُـنَّ ولا سِـرارِ
وقال شَيْبان بن الحارِث
تَصَدَّتْ بأَسْبابِ المَـوَدَّةِ بَـيْنَـنـا * * * فلمَّا حَوَتْ قَلْبِي ثَنَتْ بِـصُـدُودِ
فلَوْ شِئْتَ يا ذا العَرْشِ حينَ خَلَقْتَنِي * * * شَقِيّاً بِمَنْ أهْواهُ غَـيْرَ سَـعِـيدِ
عَطَفْتَ عَلَيَّ القَلْبَ مِنْها برَحْـمَةٍ * * * ولَوْ كانَ أَقْسَى مِن صَفاً وحَـدِيدِ
وقال الرَّمّاحُ بن مَيّادَة
أُمَوِي الشعر
يُمَنُّونَنِي منكِ اللِّـقـاءَ وإِنَّـنِـي * * * لأَعْلَمُ ما أَلْقاكِ مِن دُونِ قـابِـلِ
ولَمْ يَبْقَ مِمّا كانَ بَيْنِي وبَيْنَـهـا * * * مِن الوُدِّ إلاّ مُخْفَياتُ الرَّسـائِلِ
فما أَنْسَ مِلْ أَشْياءِ لا أَنْسَ قَوْلَها * * * وأَدْمُعُها يُذْرِينَ حَشْوَ المَكاحِـلِ
تَمَتَّعْ بِذا اليومِ القَصِـيرِ فـإنَّـهُ * * * رَهِينٌ بأَيّامِ الشُّهُـورِ الأطـاوِلِ
وعَطَّلْتُ قَوْسَ اللَّهْوِ مِن شَرَعاتِها * * * وعادَتْ سِهامِي بَيْنَ رَثٍّ وناصِلِ
وقال أيضاً
وكَواعِبٍ قد قُلْـنَ يومَ تـواعُـدٍ * * * قَوْلَ المُجِدِّ وهُنَّ كـالـمُـزَّاحِ
يا لَيْتَنا مِـنْ غَـيْرِ أَمْـرٍ نـائِرٍ * * * طَلَعَتْ عَلَيْنا العِيسُ بالـرِّمـاحِ
بَيْنا كذاكَ رَأَيْنَنِي مُتَـعَـصِّـبـاً * * * بالبُرْدِ فَـوْقَ جُـلالَةٍ سِـرْداحِ
فيهِنَّ صَفْراءُ التَّرائِبِ طَـفْـلَةٌ * * * بَيْضاءُ مِثْلُ غَرِيضَة التُّـفّـاحِ
فنَظَرْنَ من خَلَِ السُّتُورِ بأُعـيُنٍ * * * مَرْضَى مُخالِطُها السَّقَامُ صِحاحِ
وارْتَشْنَ، حينَ أَرَدْنَ أَنْ يَرْمِيَنَنِي، * * * نَبْلاً مُـقَـذَذَةً بِـغَـيْرِ قِـداحِ
وقال أيضاً
وإنِّي لأَخْشَى أن أُلاقِي مِن الـهَـوَى * * * ومِنْ زَفَراتِ الحُـبِّ حـينَ تَـزُولُ
كما كانَ لاقَى في الزَّمانِ الذي مَضَى * * * عُرَيَّةُ مِن شَحْطِ النَّـوَى وجَـمِـيلُ
وإنِّي لأَهْوَى، والـحَـياةُ شَـهِـيَّةٌ، * * * وَفاتِي إذا قِـيلَ الـحَـبِـيبُ يَزُولُ
وتَخْتَصُّ مِن دُونِي به غَرْبَةُ الـنَّـوَى * * * ويُضْمِـرُهُ بَـعْـدَ الـدُّنُـوِّ رَحِـيلُ
فإنْ سَبَقَتْ قَبْلَ البِـعـادِ مَـنِـيَّتِـي * * * فإنِّي، وأَرْبـابِ الـغَـرَمِ، نَـبِـيلُ
وقال أيضاً
ألا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ إلى جَـحْـدَرٍ * * * سَبِيلٌ، فأمَّا الصَّبْرُ عَنْها فلا صَبْرا
يَمِيلُ بِنا شَحْطُ النَّوَى ثُم نَلْتَـقِـي * * * عِدادَ الثُّرَيّا صادَفَتْ لَيْلَةً بَـدْرا
وإنِّي لأستَنْشِي الحَدِيثَ مِن أجْلِها * * * لأسْمَعَ مِنْها، وهي نازِحَةٌ، ذِكْرا
فبَهْراً لقَوْمِي إذْ يَبِيعُونَ مُهْجَتِـي * * * بغانَيِةٍ بَهْراً لَهُمْ بَعْدَها بَـهْـرا
وقال عُرْوَة بن أُذَيْنَة القُرَشِيّ
بِيضٌ نَواعِمُ ما هَمَمْنَ بِرِيبَةٍ * * * كَظِباءِ مَكَّة صَيْدُهُنَّ حَرامُ
يُحْسَبْنَ مِن لِينِ الكَلامِ زَوانِياً * * * ويَصُدُّهُنَّ عن الخَنا الإسْلامُ
وقال إسماعيل بن يَسار
من مخضرمي الدولتين
أَوفِي بما قُلْتِ ولا تَنْـدَمِـي * * * إنَّ الوَفِيَّ الـقَـوْلِ لا يَنْـدَمُ
آيَةَ ما جئْتُ عـلـى رِقْـبَةٍ * * * بَعْدَ الكَرَى، والحَيُّ قد هَوَّمُوا
حتّى دَخَلْتُ البَيْتَ فاسْتَذْرَفَـتْ * * * مِن شَفَقٍ عَيْناكِ لِي تَسْـجُـمُ
ثم انْجَلَى الحُزْنُ ورَوْعـاتُـهُ * * * وغِّيبَ الكاشِحُ والـمُـبْـرِمُ
ولَيْسَ إلاّ الله لي صـاحِـبٌ * * * إليكُمُ والصَّـارِمُ الـلَّـهْـذَمُ
فبِتُّ فِيما شِئْتُ مِن غِـبْـطَةٍ * * * يَمْنَحُنِيها نَحْـرُهـا والـفَـمُ
حتّى إذا الصُّبْحُ بَـدا ضَـوْؤهُ * * * وغابَتِ الجَوْزاءُ والـمِـرْزَمُ
خَرَجْتُ، والوَطْءُ خَفِيٌّ، كمـا * * * يَنْسابُ مِن مَكْمَنِـهِ الأَرْقَـمُ
وقال وَضَّاح اليَمَن
قالَتْ: لقَدْ أَعْيَيْتَنـا حُـجَّةً * * * فَاْتِ إذا هَجَعَ السّـامِـرُ
واسْقُطْ عَلَيْنا كسُقُوطِ النَّدى * * * لَيْلَةَ لا نـاهٍ ولا آمِــرُ
وقال عُمَر بن أبِي رَبِيعة
القُرَشيّ
حتّى، إذا ما اللَّيْلُ جَنَّ ظَلامُهُ * * * ونَظَرْتُ غَفْلَةَ كاشِحٍ أَنْ يَغْفُلا
واسْتَنْكَحَ النَّوْمُ الذين نَخافُـهُـمْ * * * وسَقَى الكَرَى بَوّابَهُمْ فاسْتُثْقِلا
خَرَجَتْ تَأَطَّرُ في الثِّيابِ كَأنَّها * * * أَيْمٌ يَسِيبُ على كَثِيبٍ أَهْـيَلا
وقال أيضاً
أَمِـنْ آلِ نُـعْــمٍ أنـــتَ غـــادٍ فـــمُـــبْـــكِـــرُ * * * غَداةَ غَـــدٍ أم رائحٌ فـــمُـــهَــــــجَّـــــــرُ
تَهِيمُ إلى نُعْمٍ، فلا الشَّمْلُ جامِعٌ، * * * ولا الحَبْلُ مَوْصُولٌ، ولا القَلْبُ مُقْصِرُ
ولا قُرْبُ نُعْمٍ إنْ دَنَتْ لكَ نافِعٌ، * * * ولا بُـعْـدُهـا يُسْـلِـــي، ولا أنـــتَ تَـــصْـــبِـــرُ
إذا زُرْتُ نُـــعْـــمـــاً لـــم يَزَلْ ذُو قَـــــــرابَةٍ * * * لَهـا كُـلَّـمـــا لاقَـــيْتُـــهـــا يَتَـــنـــمَّـــرُ
أَشـارَتْ بـمِـدْراهـا وقالـــت لـــتِـــرْبِـــهـــا * * * أَهــذا الـــمُـــغَـــيْرِيُّ الـــذي كـــان يُذْكَـــرُ
فقالَتْ: نَعَمْ، لا شَكَّ غَيَّرَ لَوْنَهُ * * * سُرَى اللَّيْلِ يُحْيِي نَصَّهُ والـتَّـهَـجُّـرُ
لَئِنْ كانَ إيَّاهُ لقَدْ حالَ بَعْدَنا * * * عن الـعَـهْـــدِ، والإنْـــســـانُ قـــد يَتَـــغَـــيَّرُ
رَأَتْ رَجُـلاً أمَّـا إذا الـــشَّـــمـــسُ عـــارَضَـــتْ * * * فَيَضْـحـى، وأمَّـا بـالـعَــشِـــيِّ فـــيَخْـــصَـــرُ
أخـا سَـــفَـــرٍ، جَـــوابَ أَرْضٍ، تَـــقَـــاذَفَـــتْ * * * به فَـلَــواتٌ فـــهْـــوَ أَشْـــعَـــثُ أَغْـــبَـــرُ
قَلِـيلٌ عـلـى ظَـهْــرِ الـــمَـــطِـــيَةِ ظِـــلّـــهُ * * * سِوَى مـا نَـفَـى عَـنْـهُ الــرَّداءُ الـــمُـــحَـــبَّـــرُ
فلـمَّـا فَـقَـدْتُ الـصّـوْتَ مِـنْــهُـــمْ، وأُطْـــفِـــئَتْ * * * مَصـابـيحُ شُـبَّـــتْ بـــالـــعِـــشـــاءِ وأَنْـــوُرُ
وغـابَ قُـمَـــيْرٌ كـــنـــتُ أَهْـــوَى غُـــيُوبَـــهُ * * * ورَوَّحَ رُعْـــيانٌ، ونَـــــوَّمَ سُـــــــمَّـــــــرُ
وبـاتَـتْ قَـلُـوصِـي بـالـعَـــراءِ، ورَحْـــلُـــهـــا * * * لِطــارِقِ لَـــيْلٍ أو لِـــمَـــنْ جـــاءَ مُـــعْـــوِرُ
ونَفَّضْتُ عنِّي النَّوْمَ أَقْبَلْتُ مِشْيَةَ * * * الحُبابِ ورُكْنِي خِيفَةَ الـحَـيّ أَزْوَرُ
وقالتْ، وعَضَّتْ بالبَنانِ: فَضَحْتَنِي * * * وأنـتَ امــروءٌ مَـــيْسُـــورُ أمْـــرِكَ أعْـــسَـــرُ
أَرَيْتَـكَ إذْ هُــنّـــا عـــلـــيكَ، أَلَـــمْ تَـــخَـــفْ * * * رَقِـيبـاً، وحَــوْلِـــي مِـــن عَـــدُوِّكَ حُـــضَّـــرُ
فو الـــلـــه مـــا أَدْرِي أَتَـــعْـــجِـــيلُ حـــاجَةٍ * * * سَرَتْ بِـكَ أَمْ قـد نـامَ مَـــن كـــنـــتَ تَـــحْـــذَرُ
فقـلـتُ لَـهـا: بـل قـادَنِـي الــشَّـــوْقُ والـــهَـــوَى * * * إلـيكِ، ومـا عَـيْنٌ مِــن الـــنّـــاسِ تَـــنْـــظُـــرُ
فبِـتُّ قَـرِيرَ الـعَــيْنِ أُعْـــطِـــيتُ حـــاجَـــتِـــي * * * أُقَـبِـلُ فـاهـا فـــي الـــخَـــلاءِ فـــأُكْـــثِـــرُ
فيالَـكَ مِـــن لَـــيْلٍ تَـــقَـــاصَـــرَ طُـــولُـــهُ * * * ومـا كـانَ لَـيْلِـــي قَـــبْـــلَ ذلـــكَ يَقْـــصُـــرُ
يَمُـجُّ ذَكِـيَّ الـمِـسْـكِ مِــنْـــهـــا مُـــفَـــلَّـــجٌ * * * رَقِـيقُ الــحَـــواشِـــي ذُو غُـــرُوبٍ مُـــؤَشَّـــرُ
يَرِفُّ إذا تَـــفَـــتَـــرُّ عَـــنْـــهُ كـــأَنَّــــــهُ * * * حَصَـــى بَـــرَدٍ أو أُقْـــحُـــوانٌ مُـــنَــــــوِّرُ
وتَـرْنُـو بـعَــيْنـــيْهـــا إلـــيَّ كـــمـــا رَنـــا * * * إلـى رَبْـــرَبٍ وَسْـــطَ الـــخَـــمِـــيلَةِ جُـــؤْذَرُ
فلـمَّـا تَـــقَـــضَّـــى الـــلـــيلُ إلاّ أَقَـــلَّـــهُ * * * وكـادَتْ تَـوالِــي نَـــجْـــمِـــهِ تَـــتَـــغَـــوَّرُ
أَشـارَتْ بـأَنَّ الـحــيَّ قـــد حـــانَ مِـــنْـــهُـــمُ * * * هُبُــوبٌ، ولـــكـــنْ مَـــوْعِـــدٌ لـــكَ عَـــزْوَرُ
فمـــا راعَـــنِـــي إلاَّ مُـــنـــادٍ بـــرحْـــــلَةٍ * * * وقَـدْ لاحَ مَـفْـتُـوقٌ مِـن الــصُّـــبْـــحِ أَشْـــقَـــرُ
فلـمَّـا رَأَتْ مَـن قــد تَـــنَـــبَّـــهَ مـــنـــهُـــمُ * * * وأَيْقـاظَـهُـمْ، قـالَـــتْ: أَشِـــرْ كـــيفَ تَـــأْمَـــرُ
فقـلـتُ: أُبـــادِيهـــمْ، فـــإمّـــا أَفُـــوتُـــهُـــمُ * * * وإمّـــا يَنـــالُ الـــسَّـــيْفُ ثَـــأْراً فـــيَثْــــأَرُ
فقـالَـتْ: أَتَـحْـقِـيقـاً لِـــمـــا قـــالَ كـــاشِـــحٌ * * * عَلَـيْنـا، وتَـصْـــدِيقـــاً لِـــمـــا كـــانَ يُؤْثَـــرُ
فإنْ كـانَ مــمـــا لا بُـــدَّ مِـــنْـــهُ، فـــغَـــيْرُهُ * * * مِن الأَمْـرِ أَدْنَــى لـــلـــخَـــفـــاءِ وأَسْـــتَـــرُ
أَقُـصُّ عـلـــى أُخْـــتَـــيَّ بَـــدَْ حَـــدِيثـــنـــا * * * ومـالـيَ مِـن أنْ تَـعْـــلَـــمـــا مُـــتَـــأَخَّـــرُ
فقـالَـتْ لأُخْـتَـيْهـا أَعِـينـــا عـــلـــي فـــتـــىً * * * أَتَـــى زائِراً، والأَمْـــرُ لـــلأَمْــــرِ يُقـــــــدَرُ
فقالَتْ لَها الصُّغْرَى سأُعْطِيهِ مُطْرَفِي * * * وبُرْدِي وهذا الدِّرْعَ، إنْ كان يَحْذَرُ
يَقُومُ فيَمْشِي بَيْنَنا مُتَنَكِّراً * * * فلا سِـــرُّنـــا يَفْـــشُـــو ولا هُـــو يُبْـــصَـــرُ
فكـانَ مِـجَـنِّــي دُون مَـــنْ كـــنـــتُ أتـــقـــى * * * ثلاث شـخـوص كــاعـــبـــان ومـــعـــصـــر
فلمَّا أجَزْنا ساحَةَ الرَّكْبِ قُلْنَ لِي: * * * أَما تَتَّقِي الأعْداءَ واللَّـيْلُ مُـقْـمِـرُ
وقال عُبَيْد بن أوْس الطَّائِيّ
في أخْت عَدِيّ بن أوْس
قالَتْ: وعَيْشٍ أَهخي وحُرْمَةِ والِدِي * * * لأُنَبِّهَنَّ الحَـيَّ إنْ لَـمْ تَـخْـرُجِ
فخَرَجْتُ خَوْفَ يَمِينِها، فَتَبَسَّـمَـتْ * * * فَعلِمْتُ أنَّ يَمِينَهـا لَـمْ تَـحْـرَجِ
وَتناوَلَتْ رَأْسِي لِتَعْـرِفَ مَـسَّـهُ * * * بِمُخضَّبِ الأَطْرافِ غَيْرِ مُشَنَّـجِ
فَلثَمْتُ فاهاً آخِـذاً بـقُـرُونِـهـا * * * شُرْبَ النَّزِيفِ بِبَرْد ماءِ الحَشْرَجِ
وقال عُمَر بن أَبِي رَبِيعة
أَأَلْحَقُ، إنْ دارُ الرَّبابِ تَبـاعَـدَتْ * * * أوِ انْبَتَّ حَبْلٌ، أَنَّ قَلْـبَـكَ طـائِرُ
أَفِقْ، قد أَفاقَ العاشِقُونَ وفارَقُوا ال * * * هَوَى واسْتَمرَّتْ بالرَِّجالِ المَرائِرُ
أَمِتْ حُبَّها، واجْعَلْ قَدِيمَ وصالِهَـا * * * وعِشْرَتِها كبَعْضِ مَنْ لا تُعاشِـرُ
زَعِ القلْبَ، واسْتَبْقِ الحَياءَ، فإنَّمـا * * * تُباعِدُ أو تُدْنِي الرَّبابَ المَـقـادِرُ
وَهْبَها كشَيْء لم يَكُنْ، أو كنـازِحٍ * * * به الدّارُ، أو مَنْ غَيَّبَتْهُ المَقـابِـرُ
وكالنّاسِ عُلِّقْتَ الرَّبابَ، فلا تَكُـنْ * * * أَحادِيثَ مَنْ يَبْدُو ومَنْ هُو حاضِرُ
وقال النَّجاشِيّ الحارِثِيّ
وكَذَبْتُ طَرْفِي فِيكِ، والطَّرْفُ صادِقٌ * * * وأسْمَعْتُ أُذنِي عنكِ ما لَيْسَ يُسْمَـعُ
ولَمْ أَسْكُنِ الأَرْضَ التي تَسْكُنِينَـهـا * * * لِئَلاَّ يقُولُوا: صابِـرٌ لـيس يجْـزَعُ
فلا كَمَدِي يَفْنَـى، ولا لـكِ رِقَّةٌ، * * * ولا عنكِ إقْصارٌ، ولا فيكِ مَطْمَعُ
وقال قَيْس بن ذَرِيح
فإنْ تكُنِ الدُّنْيا بُلبْنَى تَقَلَّـبَـتْ * * * فلِلدَّهْرِ والدُّنْيا بطُونٌ وأَظْهُرُ
لقَدْ كانَ فِيها للأَمانَةِ مَوْضِعٌ، * * * وللكَفِّ مُرْتادٌ، وللعَيْنِ مَنْظَرُ
وللحائِمِ الصَّدْيانِ رِيٌّ بِقُرْبِهـا * * * وللمَرِحِ الذَيّالِ طِيبٌ ومُسْكِرُ
وقال قَيْس بن مُعاذ
ويُروى لنُصَيْب بن رَباح، والأوَّل أكثر
كَأنَّ القَلْبَ لَيْلَةَ قِـيلَ يُغْـدَى * * * بِلَيْلَى العـامِـرِيَّةِ أو يُراحُ
قَطاةٌ عَزَّها شَرَكٌ فبـاتَـتْ * * * تُجاذِبُهُ وقَدْ عَلِقَ الجَـنـاحُ
لَها فَرْخانِ قد تُركا بِـوَكْـرٍ * * * فَعُشُّهُما تُصَفِّـقُـهُ الـرَّياحُ
إذا سَمِعا هُبُوبَ الرِّيح نَصَّـا * * * وقَدْ أَوْدَى بِها القَدَرُ المُتـاحُ
فَلا في الليلِ نالَتْ ما تَمَنَّـتْ * * * ولا في الصُّبْحِ كانَ لَها بَراحُ
وقال ابن عَجْلان النَّهْدِيّ
حِجازِيُّ الهَوَى عَلِقٌ بَنَجْـدٍ * * * ضَمِينٌ لا يَعِيشُ ولا يَمُوتُ
تَخالُ فُؤادَهُ كَفَّـيْ طَـرِيدٍ * * * كأنَّهُما بِشاطِي البَحْرِ حُوتُ
وقال بَشّار بن بُرْد
أقولُ، ولَيْلَتِي تَـزْدادُ طُـولاً: * * * أما للَّيْلِ بَـعْـدَهُـمُ نَـهـارُ
جَفَتْ عَيْنِي عن التَغْمِيضِ حتَّى * * * كأَنَّ جُفُونَها عَنْهـا قِـصـارُ
كأَنَّ جُفُونَها كُحِلَتْ بِـشَـوْكٍ * * * فَليْسَ لِوَسْنَةٍ فِـيهـا قَـرارُ
تَخالُ فُـؤادَهُ كُـرَةً تَـنَـزَّى * * * حِذارَ البَيْنِ، لو نَفَعَ الحِـذارُ
يُرَوِّعُهُ السِّرارُ بكُـلِّ شَـيْءٍ * * * مَخافَةَ أن يكُونَ به السِّـرارُ
وقال المُؤَمَّل بن أُمَيْل المُحارِبِيِّ
من شعراء المَنْصُور
شَفَّ الـمُـؤَمَّـلَ يومَ الـــحِـــيرَةِ الـــنَّـــظَـــرُ * * * لَيْتَ الـمُـؤَمَّـلَ لـم يُخْــلَـــقْ لـــه بَـــصَـــرُ
صِفْ لـلأَحِـبَّةِ مـــا لاقَـــيْتَ مِـــن سَـــهَـــرٍ * * * إِنَّ الأَحِـــبَّةَ لا يَدْرُونَ مـــا الـــسَّـــهَــــــرُ
إِنْ كـنـتِ جـاهِـلَةً بـالـحُـبِّ فـانْـطَـــلِـــقِـــي * * * إلـى الـقُـبُـورِ، فـفـي مَـن حَـلَّـهــا عِـــبَـــرُ
أَمْـسَـيْتِ أَحْـسَـنَ خَـلْـقِ الـلـــه كُـــلِّـــهُـــمْ * * * فخـبـرينــا أشـــمـــس أنـــت أم قـــمـــر
لا تـمـسـينـي غـنـيا عـن مـحـــبـــتـــكـــم * * * إنِّـي إِلــيكِ، وإنْ أَيْسَـــرْتُ، مُـــفْـــتَـــقِـــرُ
إنَّ الحَبِيبَ يُرِيدُ السَّيْرَ في صَفَرٍ * * * لَيْتَ الشُّهُورَ هَوَى مِن بَيْنِها صَفَرُ
حَسْبُ الخَلِيلَيْنِ في الدُّنْيا عَذابُهُمُ * * * والـلـه لا عَـذَبَـتْـهُـمْ بَــعْـــدَهـــا سَـــقَـــرُ
لمَّـا رَمَـتْ مُـهْـجَـتِـي قـالَـتْ لِـجــارَتِـــهـــا: * * * إنِّـي قـتَـلْـتُ قَـتِــيلاً مـــا لَـــهُ خَـــطَـــرُ
قتَـلْـتُ شـاعِـرَ هـذا الـحَــيِّ مـــن مُـــضَـــرٍ * * * والـلـه يَعْـلَـمُ مـا تَـرْضَـــى بـــذا مُـــضَـــرُ
شَكَـوْتُ مـا بِـيَ مِـن هِـنْـدٍ فـمـا اكْــتَـــرَثَـــتْ * * * يا قَـلْـبَـــهـــا أُحَـــدِيدٌ أَنْـــتَ أم حَـــجَـــرُ
أَحْبَبْتُ مِن أَجْلِها قَوْماً ذَوِي إِحَنٍ * * * بَيْنِي وبَيْنَهُمُ النِّيرانُ تَـسْـتَـعِـرُ
وقال عبد الله بن عَمْرو العَرْجِيّ
أموي الشعر
مَحْجُوبَةٌ سَمِعَتْ صَوْتِي فأَرَّقَـهـا * * * مِن آخِرِ اللَّيْلِ لمَّا مَسَّها السَّـحَـرُ
تَثْنِي على جِيدِها ثِنْيَىْ مُعَصْـفَـرَةٍ * * * والحَلْيُ مِنْها على لَبّاتِها خَـصْـرُ
لَمْ يَحْجُبِ الصَّوْتَ أَحْراسٌ ولا حَلَقٌ * * * فدَمْعُها لطُرُوقِ الصَّوْتِ مُنْحَـدِرُ
في لَيلةِ النِّصْفِ لا يَدْرِي مُضاجِعُها * * * أَوَجْهُها عِنْدَه أَبْهَى أمِ الـقَـمَـرُ
لو خُلِّيَتْ لَمَشَتْ نَحْوِي علـى قَـدَمٍ * * * تكادُ مِن رِقَّةٍ للمَشْي تَنْـفَـطِـرُ
وقال آخر، ومنهم مَن يَنْسبها إلى يَزِيد بن مُعاوِية
وسِرْبِ نِساءٍ مِن عُقَيْلٍ وَجَدْنَنِـي * * * وَراءَ بُيُوتِ الحَيِّ مُرْتَجِزاً أَشْدُو
وفيهِنَّ هِنْدٌ، وهْيَ خَـوْدٌ غَـرِيرَةٌ * * * ومُنْيَةُ قَلْبِي، دُونَ أَتْرابِها، هِنْـدُ
فَسدَّدْنَ أَخْصاصَ البُيُوتِ بِأَعْـيُنٍ * * * حَكَتْ قُضْباً في كُلِّ قَلْبٍ لَها غِمْدُ
وقُلْنَ: أَلاَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَل ذا الفَتَـى * * * ومَنْشَؤُهُ إِمّا تِـهـامَةُ أَوْ نَـجْـدُ
وفي لَفْظِهِ عُلْوِيَّةٌ مِن فَـصـاحَةٍ * * * وقَدْ كادَ مِن أَعْطافِهِ يَقْطُرُ المَجْدُ
وقال أيضاً
وسِـرْبٍ كـعِـينِ الـرَّمْـلِ، مِـيلٍ إلـى الـــصِّـــبـــا * * * رَوادِعَ بـالـــجـــادِيِّ، حُـــورِ الـــمَـــدامِـــعِ
إذا مـا تَـنـازَعْـنَ الـحَـدِيثَ عـــن الـــصِّـــبـــا * * * تَبَـسَّـمْـنَ إِيمـاضَ الـــبُـــرُوقِ الـــلَّـــوامِـــعِ
سَمِـعْـنَ غِـنـائِي بَـعْـــدَمـــا نِـــمْـــنَ نَـــوْمَةً * * * من الـلَّـيلِ فـاقْـلَـوْلَـيْنَ فـوقَ الــمـــضَـــاجِـــعِ
قَنِـعْـتُ بِـطَـيْفٍ مــن خَـــيالٍ بَـــعَـــثْـــنَـــهُ * * * وكـنـتُ بـوَصْـلٍ مـنـــهـــمُ غـــيرَ قـــانِـــعِ
إذا رُمْتُ مِن لَيْلَى على البُعْدِ نَظْرَةً * * * لِتُطْفِي جَوىً بَيْنَ الحَشا والأَضالِعِ
يقولُ رِجالُ الحَيَِّ: تَطْمَعُ أَنْ تَرَى * * * مَحـاسِـنَ لَـيْلَـى، مُـتْ بـداءِ الـــمَـــطـــامِـــعِ
وتَـلْـتَـذُ مِـنْـهـا بــالـــحَـــدِيثِ وقـــدْ جَـــرَى * * * حَدِيثُ سِـواهـا فـي خُــرُوتِ الـــمَـــســـامِـــعِ
وكَـيْفَ تَـرَى لَـيْلَـى بـــعَـــيْنٍ تَـــرَى بِـــهـــا * * * سِواهـا ومـا طَـهَّـرْتَـهـــا بـــالـــمَـــدامِـــعِ
أُجِـلُّـكِ يا لَـيْلَـــى عـــن الـــعَـــيْنِ إِنَّـــمـــا * * * أَراكِ بـقَـلْـــبٍ خـــاشِـــعٍ لـــكِ خـــاضِـــعِ
وقال جَمِيل بن مَعْمَر العُذْرِيّ
إذا مـا تَـراجَـعْــنـــا الـــذي كـــان بَـــيْنَـــنـــا * * * جَرَى الـدَّمْـعُ مِـن عَـيْنَـيْ بُـثَـيْنَةَ بــالـــكُـــحْـــلِ
كِلانا بَكَى، أو كادَ يَبْكِي، صَبَابَةً * * * إلى إِلْفِهِ، واسْتَعْجَلَتْ عَبْـرَةً قَـبْـلِـي
فَلو تَرَكْتْ عَقْلِي مَعي ما طَلَبْتُها * * * ولـكـنْ طِـلابِـيهـا لِـمـا فـاتَ مِـــن عَـــقْـــلِـــي
فيا وَيْحَ نَـفْـسِـي حـسـب نـفـســـي الـــذي بـــهـــا * * * ياويح أهـــلـــي مـــا أصـــيب بـــه أهـــلـــي
خلـيلـي فـيمـا عِـشْــتُـــمـــا هـــل رَأَيْتُـــمـــا * * * قَتِـيلاً تـبَـكَـى مـن حُـبِّ قـاتِــلِـــهِ قَـــبْـــلِـــي
تَداعَيْنَ، واسْتَعْجَلْنَ مَشْياً بِذِي الغَضا * * * دَبِيبَ القَطا الكُدْرِيِّ في الدَّمِثِ السَّهْلِ
وقال أيضاً
ألا يا خَلِيلَ النَّفْسِ هل أَنتَ قـائِلٌ * * * لِبَثْنَةَ سِراً: هَلْ إِلـيكِ سَـبِـيلُ
فإِنْ هي قالَتْ: لا سَبِيلَ، فقُلْ لها: * * * عَناءُ الفََتَى العُذْرِيِّ منكِ طَـوِيلُ
وقال آخر
ولَيْسَ المُعَنَّى بالَّذِي لا يَهِـيجُـهُ * * * إلى الشَّوْقِ إلاَّ الهاتِفاتُ السَّواجِعُ
ولا بالذي إِنْ بانَ يوماً حَـبِـيبُـهُ * * * يقولُ، ويُبْدِي الصَّبْرَ: إِنِّيَ جازِعُ
ولكنَّهُ سُقْمُ الهَـوَى ومِـطـالُـهُ * * * وطُولُ الجَوَى ثُم الشُّؤُونُ الدَّوامِعُ
رِشاشاً وتَوْكـافـاً ووَبْـلاً ودِيمَةً * * * فذلك يُبْدِي ما تُجِـنُّ الأَضـالِـعُ
وقال امرؤُ القَيْس
أَمِنْ أَجْلِ نَبْهْانِيَّةٍ حَلَّ أَهْلُها * * * بجِزْعِ المَلا عَيْناكَ تَبْتَدِرانِ
فدَمْعُهُما سَكْبٌ وسَحٌّ ودِيمَةٌ * * * ووَبْلٌ وتَوْكافٌ وتَنْهِمِـلانِ
وقال
أبو حَيّة النُّمَيْرِيّ
نَظَرْتُ كأَنِّي مِن وَراءِ زُجـاجَةٍ * * * إلى الدّارِ مِن ماءِ الصّبابَةِ أَنْظُرُ
فعَيْنايَ طَوْراً تَغْرَقانِ مِن البُكـا * * * فأَعْشَى، وحِيناً تَحْسِرانِ فأُبْصِرُ
وقال جَمِيل بن مَعْمَر العُذْرِيّ
وممّا شَجانِي أَنَّـهـا يَوْمَ وَدَّعَـتْ * * * تَوَلَّت، وماءُ العَيْنِ في الجَفْنِ حائِرُ
فلمَّا أَعادَتْ مِن بَعِـيدٍ بـنَـظْـرَةٍ * * * إليَّ التِفاتاً أَسْلَمَتْهُ الـمَـحـاجِـرُ
وقال آخر
وكنتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رائِداً * * * لقَلْبِكَ يوماً أَتْعَبَتْكَ المَـنـاظِـرُ
رَأَيْتَ الذي لا كُلُّهُ أنـتَ قـادِرٌ * * * عليهِ، ولا عن بَعْضِهِ أنتَ صابِرُ
وقال كُثَيِّر بن عبد الرحمن الخُزاعِيّ
أموي، وفيها أبيات تروى لجَمِيل
إلى الله أَشْكو، لا إلى النّاسِ، حُبَّهـا * * * ولا بُدَّ مِن شَكْـوَى حَـبِـيبٍ يُوَدَّعُ
إذا قلتُ هذا حينَ أَسْلُو ذَكَـرْتُـهـا * * * فظَلَّتْ لها نَفْسِي تَتُـوقُ وتَـنْـزِعُ
أَلاَ تَتَّقِينَ الله فـي حُـبِّ عـاشِـقٍ * * * له كَبِدٌ حَرَّى عـلـيكِ تَـصَـدَّعُ
غَرِيبٌ مَشُوقٌ مُولَعٌ بِـادِّكـارِكُـمْ * * * وكُلُّ غَرِيبِ الدَارِ بالشَّوْقِ مُولَـعُ
وَجَدْتُ غَداةَ البَيْنِ إذْ بِنْـتِ زَفْـرَةً * * * كادَتْ لَها نَفْسِي عليكِ تَـقَـطَّـعُ
وأَصْبَحْتُ مِمَّا أحْدَثَ الدَّهْرُ خاشِعـاً * * * وكنتُ لرَيْبِ الدَّهْرِ لا أَتَضَعْضَـعُ
فَما في حَياةٍ بَعْدَ مَـوْتِـكِ رَغْـبَةٌ * * * ولا فِي وِصالٍ بَعْدَ هَجْرِكِ مَطْمَعُ
وما لِلهَوَى والحُـبِّ بَـعْـدَكِ لَـذَةٌ * * * وماتَ الهَوَى والحُبُّ بَعْدَكِ أَجْمَـعُ
فإنْ يَكُ جُثْمانِي بـأَرْضٍ سِـواكُـمُ * * * فإنَّ فؤادِي عِنْدَكِ الدَّهْرَ أَجْـمَـعُ
إذا قلتُ هذا حينَ أَسْلُو وأجْـتَـرِي * * * على هَجْرِها ظَلَّتْ لها النَّفْسُ تَشْفَعُ
وإنْ رُمْتُ نَفْسِي كيفَ آتِي لِهَجْرِها * * * ورُمْتُ صُدُوداً ظَلَّتْ العَيْنُ تَدْمَـعُ
فيا قَلْبُ خَبِّرْنِي ولَسْتَ بـفـاعِـلٍ * * * إذا لَمْ تنل واسْتَأْثَرتْ، كَيْفَ تَصْنَـعُ
وقَدْ قَرَعَ الواشُونَ مِنْها يَدَ العَصـا * * * وإنَّ العَصا كانتْ لِذِي الحِلْمِ تُقْـرعُ
وأعْجَبَنِي يا عَـزُّ مِـنْـكِ خـلائِقٌ * * * كِرامٌ، إذا عُدَّ الـخَـلائِقُ، أَرْبَـعُ
دُنُوُّكِ حتَّى يَرْفَعَ الجاهِلُ الصِّـبَـا * * * ورَفْعُكِ أَسْبابَ الهَوَى حِينَ يَطْمَـعُ
فيا رَبِّ حَبِّبْنِي إِلَيْها، وأَعْطِنِـي ال * * * مَوَدَّةَ مِنْها، أنتَ تُعْطِي وتَمْـنَـعُ
وقال أيضاً
حَيَّتْكَ عَزَّةُ يومَ البَيْنِ وانْصَرَفَتْ * * * فحَيِّ وَيْحَكَ مَن حَيَّاكَ يا جَمَـلُ
لو كنتَ حَيَّيْتَها ما زِلْتَ ذا مِـقَةٍ * * * عندي وما مسك الإدلاج والعمل
ليت التحية كانت لي فأشكرهـا * * * مكانَ يا جَمَلٌ حُـيِّيتَ يا رَجُـلُ
فحَنَّ مِن جَزَعٍ إذْ قلتُ ذاكَ لـه * * * ورامَ تَكْلِيمَها لو تَنْطِـقُ الإِبِـلُ
وقال أيضاً
خَلِيلَيَّ هذا رَبْعُ عَـزَّةَ فـاعْـقِـلا * * * قَلُوصَيْكُما ثُم انْظُرا حـيثُ حَـلَّـتِ
وما كنتُ أَدْرِي قَبْلَ عَزَّةَ ما البُـكـا * * * ولا مُوجِعات البَيْنَ حتّـى تَـوَلَّـتِ
وكانَتْ لقَطْعِ الحَبْلِ بَيْنِي وبَـيْنَـهـا * * * كناذِرَةٍ نَـذْراً فـأَوفَـتْ وحَـلَّـتِ
فقَلتُ لها يا عَـزُّ: كُـلُّ مُـصِـيبَةٍ * * * إذا وُطِّنَتْ يوماً لها النَّـفْـسُ ذَلَّـتِ
كأَنِّي أُنادِي صَخْرَةً حينَ أُعْرَضَـتْ * * * مِن الصُّمِّ لو تَمْشي بِها العُصْمُ زَلَّتِ
فلَيْتَ قَلُوصِي عـنـدَ عَـزَّةَ قُـيِّدَتْ * * * بحَبْلٍ ضَعِيفٍ غُرَّ مِنْها فَـضَـلَّـتِ
وغُودِرَ في الحَيِّ المُقِيمِينَ رَحْلُـهـا * * * وكانَ لها بـاغٍ سِـوايَ فـبَـلَّـتِ
وكنتُ كذِي رِجْلَيْنِ: رِجْلٍ صَحِـيحَةٍ * * * ورِجْلٍ رَمَى فِيها الزَّمانُ فشَـلَّـتِ
وكنتُ كذاتِ الظَّلْعِ لمَّا تَحـامَـلَـتْ * * * على ظَلْعِها بَعْدَ العِثارِ اسْتَـقَـلَّـتِ
هَنِيئاً مَـرِيئاً غـيرَ داءٍ مُـخـامِـرٍ * * * لِعَزَّة مِن أَعْراضِنا ما اسْتَـحَـلَّـتِ
فوالله ما قارَبْتُ إلا تَـبـاعَـدَتْ * * * بصُرْمٍ ولا أَكْثَرْتُ إلاّ أَقَـلَّـتِ
فإنْ تكُنِ العُتْبَى فأَهْلاً ومَرْحَبـاً * * * وحُقَّتْ لَها العُتْبَى لَدَيْنا وقَـلَّـتِ
وإنْ تكُنِ الأخْرَى فـإنْ وراءنَـا * * * مَنادِحَ لو سارَتْ بِها العِيسُ كَلَّتِ
أَسِيئِي بِنا أو أحْسِنِي لا مَـلُـومَةً * * * لَدَيْنا ولا مَقْلِـيَّةً إنْ تَـقَـلَّـتِ
فلا يَحْسِبُ الواشُونَ أنَّ صَبابَتِـي * * * بَعزَّةً كانتْ غَمْرَةً فَتَـجـلَّـتِ
فوالله ثُم اللهِ ما حَلَّ قَـبْـلَـهـا * * * ولا بَعْدَها مِن خُلَّةٍ حيثُ حَلَّـتِ
فيا عَجَباً للقَلْبِ كيْفَ اصْطِبـارُهُ * * * وللنَّفْسِ لمّا وُطِّنَتْ كَيْفَ ذَلَّـتِ
وإنِّي وَتهيامِي بعزَّةَ بَـعْـدَمـا * * * تَخَلَّيْتُ مِمّا بَيْنَنـا وتَـخَـلَّـتِ
لَكالْمُرْتَجى ظِلَّ الغَمامَةِ كُلَّـمـا * * * تَبَوَّأَ مِنْها لِلْمُقِيلِ اضْمَـحَـلَّـتِ
كأَنِّي وإيّاها سَحابَةُ مُـمْـحِـلٌ * * * رَجاها، فلمّا جاوَزَتْهُ اسْتَهَلَّـتِ
وقال عُمَر بن أبي رَبِيعَة القُرَشيّ
ولمَّا تَفاوَضْنا الحَدِيثَ، وأَسْفَـرَتْ * * * وُجُوهٌ زَهاها الحُسْنُ أَنْ تَتَقَنَّعـا
تَبالَهْنَ بالعِرْفانِ لمَّا عَرَفْـنَـنـي * * * وقُلْنَ امرؤٌ باغٍ أَكَلَّ وأَوْضَـعـا
وقَرَّبْنَ أَسْبابَ الهَـوَى لـمُـتَـيَّمٍ * * * يَقِيسُ ذِراعاً كُلَّما قِسْنَ إصْبَـعـا
وقُلْتُ لمُطْرِيهِنَّ بالحُسْنِ: إنَّـمـا * * * ضَرَرْتَ، فهلْ تَسْطِيعُ نَفْعاً فتَنْفَعا
وقال أيضاً
نَظَرْتُ إليها بالمُحَصَّبِ مِـن مِـنـىً * * * ولِي نَظَرٌ، لَوْلاَ التَّـحَـرُّجُ، عـارِمُ
فقلتُ: أشَمْسٌ أَمْ مَـصـابِـيحُ بِـيعَةٍ * * * بدَتْ لكَ خَلْفَ السِّجْفِ أمْ أنتَ حالِـمُ
بَعِيدَةُ مَهْوَى القُرْطِ، إمّـا لَـنَـوْفَـلٌ * * * أبُوها، وإما عَبْدُ شَمْـسٍ وهـاشِـمُ
ومَدَّ عَلَيْها السِّجْـفَ يومَ لَـقِـيتُـهـا * * * على عَجَلٍ تُبّـاعُـهـا والـخَـوادِمُ
فلَمْ أَسْتَطِعْها، غيرَ أنْ قد بَـدا لَـنـا * * * عَشِيَّةَ رحُنْا وَجْهُها والـمَـعـاصِـمُ
مَعاصِمُ لمْ تَضْرِبْ على البَهْمِ بالضُّحَى * * * عَصاها، ووَجْهٌ لم تَلُحْهُ الـسَّـمـائِمُ
إذا ما دَعَتْ أَتْرابَها فاكْتَـنـفْـنَـهـا * * * تَمايَلْنَ، أو مَلَتْ بِـهِـنَّ الـمَـآكِـمُ
طَلَبْنَ الصِّبا، حتَّى إذا ما أَصَـبْـنَـهُ * * * نَزَعْنَ، وهُنَّ البـادِئاتُ الـظَّـوالِـمُ
حازِم بن مِرْداس
إلى الله أَشْكُو طُولَ شَوْقِيَ إنَّنِي * * * أَهِيمُ بقَيْدٍ في الكُبُـولِ أَسِـيرُ
أَسِيرٌ أَبى إلاّ الصَّابَةَ والهَـوَى * * * له عَبَراتٌ نَحْوَكُـمْ وزَفِـيرُ
إذا رامَ بابَ السِّجْنِ أُرِتجَ دُونَهُ * * * وسُدَّ بأَغْلاقٍ لهُـنَّ صَـرِيرُ
وإِنْ رامَ مِنْه مَطْلعاً رَدَّ شَـأْوَهُ * * * أَمِينانِ في السَّاقَيْنِ فهْوَ حَصِيرُ
فيا لَيْتَ أَنَّ الرِّيحَ عِنْدَ هُبُوبِهـا * * * مُسَخَّرَةٌ لِي حيثُ شِئْتُ تَسِـيرُ
فتُبْلِغُنِي النَّكْباءُ عنكُـمْ رِسَـالَةً * * * وتُبْلِغُكُمْ مِنِّي السَّـلامَ دَبُـورُ
وقالت رَيَّا العُقَيْلِيَّة
وتُرْوى لضاحِيَة الهِلالِيَّة
فما وَجْدُ مَغْلُولٍ بتَيْماءَ مُوثَـقٍ * * * بِساقَيْهِ مِن ضَرْبِ القُيُونِ كُبُولُ
قَلِيلِ المَوالِي، مُسْلَمٍ بجَـرِيرَةٍ، * * * له بَعْدَ نَوماتِ العُيُونِ عَـوِيلُ
يقولُ له البَوَّابُ: أَنتَ مُـعَـذَبٌ * * * غَداةَ غَدٍ، أَو مُسْلَمٌ فـقَـتِـيلُ
بأَكْثَرَ مِنِّي لَوْعَةً يومَ بـانَ لِـي * * * فِراقُ حَبِيبٍ ما إِلـيه سَـبِـيلُ
عَشِيَّةَ أَمْشِي القَصْدَ، ثُم يَرُدُّنِـي * * * عن القَصْدِ رَوْعاتُ الهَوَى فأَمِيلُ
وقال جَعْفَر بن عُلْبَة الحارِثِيّ
هَوايَ مـع الـرَّكْـبِ الـيَمـانِــينَ مُـــصْـــعِـــدٌ * * * جَنِـيبٌ وجُـثْـمـانِــي بـــمَـــكَّةَ مُـــوثَـــقُ
عَجِـبْـتُ لِـمَـسْـراهـا وأَنَّـى تَـخَـــلَّـــصَـــتْ * * * إِلـيَّ، وبـابُ الـسَّـجْـنِ دُونِـــي مُـــغْـــلَـــقُ
أَلَـمَّـتْ فـحَـيَّتْ ثُــم قـــامَـــتْ فَـــوَدَّعَـــتْ * * * فَلـمَّـا تَـوَلَّـتْ كـادَتِ الـنَّـفْـــسُ تَـــزْهَـــقُ
فلا تَحْسَبِي أَنِّي تَخَشَّعْتُ بَعْدَكُمْ * * * بِشَيْءٍ، ولا أَنِّي مِنَ المَوْتِ أَفْرَقُ
ولا أَنَّ نَفْسِي يَزْدَهِيها وَعِيدُكُمْ * * * ولا أَنَّـنِـي بـالـمَـشْـي فـي الـــقَـــيْدِ أَخْـــرَقُ
ولـكـنْ عَـرَتْـنِـي مِـــن هَـــواكِ صَـــبـــابَةٌ * * * كمـا كـنـتُ أَلْـقـى مِـنْـكِ إِذْ أَنـا مُــطْـــلَـــقُ
وقال محمد بن صالِح العَلَوِيّ
متأخِّر
وبَدا له، مِنْ بَعْدِ ما انْدَمَلَ الهَوَى، * * * بَرْقٌ تَأَلَّقَ مَوْهِناً لَـمَـعـانُـهُ
بَبْدُو كَحاشِـيَةِ الـرِّداءِ، ودُونَـهُ * * * صَعْبُ الذُرَى مُتَمَنِّعٌ أَرْكـانُـهُ
ودَنا ليَنْظُرَ أَينَ لاحَ فلَـمْ يُطِـقْ * * * نَظراً إلـيه، ورَدَّهُ سَـجَّـانُـهُ
فالنَّارُ ما اشْتَمَلَتْ عليه ضُلُوعُـهُ * * * والماءُ ما سَمَحَتْ به أَجْفـانُـهُ
وقال سُحيْم
عَبْد بَنِي الحَسْحاَس، إسلامي
عُمَيْرَةَ وَدِّعْ إِنْ تَجَهَّزْتَ غادِيا * * * كَفَى الشَّيْبُ والإِسْلامُ للمَرْءِ ناهِـيا
تُرِيكَ غَداةَ البَيْنِ كَفَّاً ومِعْصَماً * * * ووَجْـهـاً كـدِينـارِ الـهِـرَقْـــلِـــيِّ صـــافِـــيا
كأَنَّ الـثُّـرَيّا عُـلِّـقَـــتْ فَـــوقَ نَـــحْـــرِهـــا * * * وجَـمْـرَ غَـضـىً هَـبَّــتْ لـــه الـــرِّيحُ ذاكِـــيا
فمـا بَـيْضَةٌ بـاتَ الــظَّـــلِـــيمُ يَحُـــفُّـــهـــا * * * ويَرْفَـع عَـنْـهـا جُـؤْجُــؤاً مُـــتَـــجـــافِـــيا
بأَحْـسَـــنَ مِـــنْـــهـــا يومَ قـــالَـــتْ: أَرائِحٌ * * * مع الـرَّكْـــبِ أَمْ ثـــاوٍ لَـــدَيْنـــا لَـــيالِـــيا
فإِنْ تَثْوِ لا تُمْلَلْ، وإِنْ تُضحِ غادِياً * * * تُزَوَّدْ، وتَرْجِعْ عن عُمَيْرَة راضِيا
أَلِكْنِي إِليها عَمْرَكَ اللهَ يا فَتىً * * * بآيَةِ مـــا جـــاءَتْ إِلـــينـــا تَـــهــــــادِيا
تَهـادِيَ سَـــيْلٍ مِـــن أَبـــاطِـــحَ سَـــهْـــلَةٍ * * * إذا مـــا عَـــلا صَـــمْـــداً تَـــفَــــرَّعَ وادِيا
أَمِـيلُ بِـهــا مَـــيْلَ الـــنَّـــزِيفِ، وأَتَّـــقِـــي * * * بهـا الـبَـرْدَ والـشَّـفّـانَ مِـن عـن شِـــمـــالِـــيا
تُوَسِّـدُنِـي كَـفّـاً، وتَـثْـنِــي بـــمِـــعْـــصَـــمٍ * * * علـيَّ، وتَـحْـنُـــو رِجْـــلَـــهـــا مِـــن وَرائِيا
فمـا زالَ بُـرْدِي طَــيِّبـــاً مِـــن ثِـــيابِـــهـــا * * * إلـى الـحَـوْلِ، حـتَّـى أَنْـهَـجَ الـبَـــرْدُ بـــالِـــيا
وهَـبَّـتْ شَــمـــالاً آخِـــرَ الـــلَّـــيْلِ قَـــرَّةً * * * ولا ثَــــــوْبَ إلاَّ بُـــــــرْدَهـــــــا ورِدائِيا
أَلا يا طَـبِـيبَ الــجِـــنِّ بـــالـــلـــهِ داوِنِـــي * * * فإنَّ طَـــبِـــيبَ الإنْــــــسِ أَعْـــــــياهُ دائِيا
فقـالَ: دَواءُ الـحُـبِّ أَنْ تَـلْـصَــقَ الـــحَـــشـــا * * * بأَحْـشـاءِ مَـنْ تَـهْـوَى إذا كـــنـــتَ خـــالِـــيا
تَجَـمَّـعْـنَ مِـن شَـتَّــى ثَـــلاثـــاً وأَرْبـــعـــاً * * * وواحِـدَةً حـتَّـى كَـــمَـــلْـــنَ ثـــمـــانِـــيا
سُلَـيْمَـى وسَـلْـــمَـــى والـــرَّبـــابُ وزَيْنَـــبٌ * * * وريَّا وأَرْوَى والـــمُـــنَـــى وقَـــطـــامِـــيا
وأَقْـبَـلْـنَ مِـن أَقْـصَـى الـخِــيامِ يَعُـــدْنَـــنِـــي * * * نَواهِـدَ لا يَعْـــرِفْـــنَ خَـــلْـــقـــاً سِـــوائِيا
يَعُـــدْنَ مَـــرِيضـــاً هُـــنَّ هَـــيَّجْــــنَ داءَهُ * * * أَلاَ إنَّـــمـــا بَـــعْـــضُ الـــعَـــــوائِدِ دائِيا
أَلاَ أيُّهـــا الـــوادِي الـــذي ضَـــمَّ سَـــيْلُـــهُ * * * إِلَـــيْنـــا نَـــوَى ظَـــيْمـــاءَ حُــــيِّيتَ وادِيا
فيا لَـيْتَـنِـي والـعَــامِـــريَّةَ نَـــلْـــتَـــقِـــي * * * نَرُودُ لأَهْـلِــينـــا الـــرِّياضَ الـــحَـــوالِـــيا
أَلا نــادِ فـــي آثـــارِهِـــنَّ الـــغَـــوانِـــيا * * * سُقِـينَ سِـمـامـاً، مـــا لَـــهُـــنَّ ومـــا لِـــيا
أشَارَتْ بِمِدْراها،وقالتْ لِتِرْبِـهـا * * * أَعْبدُ بَنِي الحَسْحَاسِ يُزْجِي القَوافِيا
رَأَتْ قَتَباً رَثَّاً وسَحْـقَ عَـمـامَةٍ * * * وأَسْوَدَ مِمَّا يَمْلِكُ النَّـاسُ عـارِيا
فلَوْ كنتُ وَرْداً لَوْنُهُ لَعَشِقْـنَـنِـي * * * ولكن ربي شانـنـي بـسـواديا
يرجلن أقواماً ويتركن لـمـتـي * * * وذاك هوان ظاهر قـد بـدا لـيا
وراهن ربي مثل ما قد وريننـي * * * وأَحْمَي على أَكْبادِهِنَّ المَـكـاوِيا
وقال إسْحَق بن إبراهيم المَوْصِلِيّ
حَيِّ طَـيْفـاً مِـن الأَحِـبَّةِ زارا * * * بَعْدَ ما صَرَّعَ الكَرَى السُّـمَّـارا
طارِقاً في الظَّلامِ تَحْتَ دُجى اللَّيْ * * * لِ بَخِـيلاً بـأَنْ يَزُورَ نَـهـارا
قلتُ: ما بالُنـا جُـفِـينـا وكُـنَّ * * * قَبْلَ ذاكَ الأسْماعَ والأَبْـصـارا
قالَ: إنّا كَما عَهِـدْتَ، ولـكِـنْ * * * شَغَلَ الحَلْيُ أَهْـلَـهُ أَنْ يُعـارا
وقال محمد بن بَشِير الخارِجِيّ
من بَنِي خارِجَة من الأنصار، وتُرْوَى لأبِي دَهْبَل الجُمَحِيّ
يا أَحْـــسَـــنَ الـــنَّـــاسِ إلاَّ أنَّ نـــائِلَـــهـــا * * * قِدْمـاً لـمَـنْ يَبْـتَـغِـي مَـعْـروفَـهــا، عَـــسِـــيرُ
هل تَـذْكُـرِينَ كـمـا لَـــمْ أَنْـــسَ عَـــهْـــدَكُـــمُ * * * وقَــدْ يَدُومُ لِـــوَصْـــلِ الـــخُـــلَّةِ الـــذِكَـــرُ
قَوْلِي، ورَكْبُكِ قد مالَتْ عَمائِمُهُمْ * * * وقَدْ سَقَى القَوْمَ كَأْسَ النَّعْسَةِ السَّهَرُ
يا لَيْتَ أَنِّي بأَثْوابِي وراحِلَتِي * * * عَبْـدٌ لأهْـلِـكِ طُـولَ الــدَّهْـــرِ مُـــؤْتَـــجَـــرُ
جِنِّــيَّةٌ أوْ لَـــهـــا جِـــنٌّ يَعَـــلِّـــمُـــهـــا * * * رَمَـى الـقُـلُـوبِ بِـقَــوْسِ مـــالَـــهـــا وَتَـــرُ
وقَـدْ نَـظَـرْتُ فـمـــا أَلْـــفَـــيْتُ مِـــن أَحَـــدٍ * * * يَعْـتـادُهُ الــشَّـــوْقُ إلاّ بَـــدْؤُهُ الـــنَّـــظَـــرُ
تَقْـضِـينَ فـيَّ ولا أَقْـضِــي عـــلـــيكِ كـــمـــا * * * يَقْـضِـي الـمَـلِـيكُ عـلـى الـمَـمْـلُـوكِ يَقْـتَـسِـــرُ
إنْ كـــان ذا قَـــدَراً يُعْـــطِـــيكِ نـــافِـــــلَةً * * * مِنّـا ويَحْـرِمُـنـا مـــا أَنْـــصَـــفَ الـــقَـــدَرُ
وقال آخر
لَعَـمُـركَ إِنِّـي يومَ بـانُــوا فـــلَـــمْ أَمُـــتْ * * * خُفـاتـاً عـلـى آثـارِهِـــمْ لَـــصَـــبُـــورُ
غَداةَ الـمُـنَـقَّـى إذْ رُمِـــيتُ بـــنَـــظْـــرَةٍ * * * ونـحـنُ عـلـى مَـتْـنِ الـطَّــرِيقِ نَـــسِـــيرُ
ففـاضَـتْ دُمُـوعُ الـعَـيْن حـتًّـى كــأَنَّـــهـــا * * * لِنـاظِـرِهــا غُـــصْـــنٌ يُراحُ مَـــطِـــيرُ
فقـلـتُ لـقَـلْـبِـي حِـينَ خَـفَّ بـه الــهَـــوَى * * * وكـادَ مِـن الـوَجْـدِ الـــمُـــبِـــير يَطِـــيرُ
فهّـذا ولـمَّـا تَـمْـــضِ لِـــي غـــيرُ لَـــيْلَةٍ * * * فكَـيْفَ إذا مَـــرَّتْ عـــلـــيهِ شُـــهُـــورُ
وأَصْــبَـــحَ أَعْـــلامُ الأَحـــبَّةِ دُونَـــهـــا * * * مِن الأرْضِ غَـــوْلٌ نـــازِحٌ ومَـــسِـــــيرُ
وأَصْبَحْتُ نَجْدِيَّ الهَوَى مُتْهِمَ النَّوَى * * * أَزِيدُ اشْتِياقاً أنْ يَحِنَّ بَعِيرُ
عَسَى الله، بَعْدَ النَّأْيِ، أنْ يُصْقِبَ النَّوَى * * * ويُجْـمَـعَ شَـمْـلٌ بَــعْـــدَهـــا وسُـــرُور
وقال كُثَيِّر عَزَّة
وقدْ زَعَمْت أَنِّي تَغَيَّرْتُ بَعْدَهـا * * * ومَنْ ذا الذي يا عَزُّ لا يَتَغَـيَّرُ
تَغَيَّرَ جِسْمِي، والخَلِيقَةُ كالـتـي * * * عَهِدْتِ، ولَمْ، يُخْبَرْ بسِرِّكِ مُخْبَرُ
وقال آخر
تَعَطَّلْنَ إِلاّ مِن مَـحـاسِـنِ أَوْجُـهٍ * * * فهُنَّ خَوالٍ في الصِّفاتِ عَـواطِـلُ
كَواسٍ عَوارٍ صامِتـاتٌ نَـواطـقٌ * * * بِعِفّ الـكَـلامِ بـاذِلاتٌ بَـواخِـلُ
بَرَزْنَ عَفافاً، واحْتَجَبْنَ تَـسَـتُّـراً، * * * وشِيبَ بقْولِ الحَقِّ منهُـنَّ بـاطِـلُ
فذُو الحِلْمِ مُرْتابٌ، وذُو الجَهْلِ طامِعٌ، * * * وهُنَّ عن الفَحْشاءِ حِـيدٌ نَـواكِـلُ
وقال آخر
ألاَ هل إلى أَجْبالِ سَلْمَى بِذِي اللِّوَى * * * لِوَى الرَّمْلِ مِن قَبْلِ المَماتِ مَعادُ
بِلادٌ بِها كُنَّا ونَحْنُ نُحِبُّها * * * إذِ الـــنَّـــاسُ نـــاسٌ والـــبِـــلادُ بِــــــلادُ
وقال كُثِّير عَزَّة
وأَدْنَيْتِنِي حتَّى إذا ما مَلَكْتِـنِـي * * * بِقَوْلٍ يُحِلُّ العُصْمَ سَهْلَ الأباطِحِ
تَجافَيْتِ عنِّي حينَ لا ليَ حِـيلَةٌ * * * وخَلَّفْتِ ما خَلَّفْتِ بَيْنَ الجَوانِـحِ
وقال آخر
أَحَبُّ بِلادِ الله ما بَيْنَ مَنْـعِـجٍ * * * إليّ وسَلْمَى أَنْ يَصُوبَ سَحابُها
بِلادٌ بِها نِيطَتْ عليَّ تَمـائِمِـي * * * وأَوَّلُ أَرْضٍ مَسَّ جِلْدِي تُرابُها
وقال آخر
ذَكَرْتُ بلادِي فاسْتَهَلَّتْ مَدامِـعِـي * * * لشَوْقِي إلى عَهْدِ الصِّبا المُتَـقـادِمِ
حَنَنْتُ إلى أرْضٍ بِها اخْضَرَّ شارِبي * * * وقُطِّعَ عنِّي قَبْلُ عَقْدُ الـتَّـمـائِمِ
وقال مَنْظُور بن عُبَيْد بن مَزْيَد
وتُرْوى لابن مَيّادَة
ألاَ لَيْتَ شِعْرِي هـل أَبِـيتَـنَّ لـيلةً * * * بحَرَّةِ لَيْلَى حيثُ رَبَّتَـنِـي أَهْـلِـي
بِلادٌ بِها نِيطَتْ عـلـيَّ تَـمـائِمِـي * * * وقُطِّعْنَ عنِّي حينَ اَدْرَكَنِي عَقْـلِـي
فإنْ كنتَ عن تلكَ المَواقِفِ حابِسِـي * * * فأَفْشِ علَيَّ الرِّزْقَ واجْمَعْ إذَنْ شَمْلِي
وقال بلال بن حَمامَة
ألا لَيْتَ شِعْرِي هل أبيتَن ليلةً * * * بفخٍّ وحَوْلِي إذْخَرٌ وجَـلِـيلُ
وهَلْ أَرِدَنْ يوماً مِياهَ مَجَـنَّةٍ * * * وهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شامَةٌ وطَفِيلُ
وقال سوار بن المعرب السعدي
سَقَى الله اليَمامَةَ مِن بِـلادٍ * * * نَوافِجُها كأَرواحِ الغَوانِـي
بها سُقْتُ الشَّبابَ إلى مَشِيبي * * * فَقُبِّحَ عِنْدَه حُسْنُ الزَّمـانِ
وجَوٌّ زاهِرٌ لـلـرِّيحِ فـيهِ * * * نَسِيمٌ لا يَرُوعُ التُـربَ وانِ
وقال أبو عَدِيّ العَبْلِيّ
أموي الشعر
أَحِنُّ إلى وادِي الأَراكِ صَبـابَةً * * * لعَهْدِ الصِّبـا وتَـذْكـار أوَّلِ
كَأنَّ نَسِيمَ الرِّيحِ في جَنَـبـاتِـهِ * * * نَسِيمُ حَبِيبٍ أو لقـاءُ مُـؤَمَّـلِ
فلّله مِن أرضٍ بها ذَرٍّ شارِقِي * * * حَياةٌ لذِي هُلْكٍ وخِصْبٌ لمُمْحِلِ
وقال آخر
ألا حَبَّذا نَجْدٌ وطِـيبُ ثَـرىً بـهِ * * * تُصافِحُهُ أَيْدِي الرِّياحِ الغَـرائِبِ
وَعهْدُ صِبّا فِيه يُنازِعُكَ الـهَـوَى * * * به لكَ أَتْرابٌ عِذابُ المشَـارِبِ
تَنالُ الرِّضَى مِنْهُنَّ في كُلِّ مَطْلَبٍ * * * عِذابُ الثَّنـايا وارِداتُ الـذَوائِبِ
وقال بَشّار بن بُرد
مَتَى تَعْرِفِ الدّارَ التي بانَ أَهْلُها * * * بسُعْدَِى، فإن العَهْدَ مِنْكَ قَرِيبُ
تُذَكِّرُكَ الأَهْواءَ إذْ أَنـتَ يافَـعٌ * * * لَدَيْها، فَمَغْناها إلـيكَ حَـبـيبُ
وقال مَرّار بن هَبّاش الطّائِيّ
وتروى للصِّمَّة القُشَيْرِي
سَقَى الله أَطْلالاً بأَكْثِبَةِ الحِمَـى * * * وإنْ كُنَّ قَدْ أَبْدَيْنَ للـنّـاسِ دائِيا
مَنازِلُ لو مَرَّتْ بِهِنَّ جَنـازَتِـي * * * لَقالَ الصَّدَى: يا حامِلَيِّ أرْبَعا بِيا
وقال أبو قَطِيفَة
ألاَ لَيْتَ شِعْرِي هل تَغَيَّرَ بَـعْـدَنـا * * * بَقِبعُ المُصَلَّى، أمْ كعَهْدِي القَـرائِنُ
وهَلْ أَدْوُرٌ حَوْلَ البَـلاطِ عَـوامِـرٌ * * * كَما كُنَّ، أْم هل بالمـدِينَةِ سـاكِـنُ
أَحِنُّ إلى تلكَ الـبِـلادِ وأَهْـلِـهـا * * * كَأنِّي أسِيرٌ في السَّلاسِـلِ راهِـنُ
بِلادٌ بِها أَهْلِي ولَهْـوِي ومَـوْلِـدِي * * * جَرَتْ لِي طُيُورُ السَّعْدِ فِيها الأَيامِنُ
إذا بَرَقَتْ نَحْوَ الحِجـازِ غَـمـامَةٌ * * * دَعا الشَّوْقَ مِنِّي بَرْقُها المُتَـيامِـنُ
وما إنْ خَرَجْنا رَغْبَةً عـن بـلادِنـا * * * ولكنَّـهُ مـا قَـدَّرَ الـلـه كـائِنُ
لعَلَّ قُرَيْشاً أنْ تَثُوبَ حُـلُـومُـهـا * * * فتَعْمُرُ بالسّاداتِ مِنْها الـمَـواطِـنُ
وقال عبد الله بن الدمينة
رِدا مـاءَ حُـزْوَى فـانْـشَـحـا نِـضْـوَتَـيْكُــمـــا * * * علـى حِـينَ يُخْـلِـي مـاءَ حُـزْوَى رَقِـيبُـــهـــا
وسُـوفـا الـثّـرَى حـتَّـى يُحَـلِّـىءِ عـنـكُـمـــا * * * غَلِـيلُ الـصَّـدَى بَـرْدُ الـحِـياضِ وطِـيبُـــهـــا
فإِنَّ عـلـى الـــمـــاءِ الـــذي تَـــرِدانِـــهِ * * * مُفَـلَّـجَةُ الأَنْـــيابِ دُرْمٌ كُـــعُـــوبُـــهـــا
فمـا مُـزنَةٌ بَـيْنَ الـسِّـمـاكَــيْنِ أَوْمَـــضَـــتْ * * * مِن الـغَـورِ ثـم اسْـتَـعْـرَضَـتْـهـا جَـنـوبُـهــا
بأَحْـسَـنَ مِـنْـهـا يومَ قـالَـتْ وحَـــوْلَـــنـــا * * * مِن الـنّـاسِ أَوْبـاشٌ يُخـافُ شُـغُـــوبُـــهـــا
تَغـانَـيْتَ فـاسْـتَـغْـنَـيْتَ عـنّـا بــغَـــيْرِنـــا * * * هَنِـيئاً لـمَـنْ فـي الـسِّـرِّ أنـتَ حَـبـيبُـــهـــا
فقـلـتُ لـهـا: أَنْـتِ الـحَـبِـيبَةُ فـاعْـلَــمِـــي * * * إلـى يَومِ يَلْـقَـى كُـلَّ نَـفْـسٍ حَـسِــيبُـــهـــا
ودِدْتُ، بلا مَقْتٍ مِن الله، أنَّها نَصِيبِي مِن الدُّنْيا وأَنِّي نَصِيْبُها
وقال ثَعْلَبَة بن أوْس الكِلابيّ
يَقِرُّ بعَيْنِي أَنْ أَرَى مَن مَكـانُـهُ * * * ذُرّى عَقِداتِ الأَبْرَقِ المُتَـقـاوِدِ
وأَنْ أَرِدَ الماءَ الـذي وَرَدَتْ بـه * * * سُلَيْمَى، وقَدْ مَلَّ السُّرَى كُلُّ واخِدِ
وأُلْصِقُ أَحْشائِي بِبَـرْدِ تُـرابِـهِ * * * وإنْ كان مَخْلُوطاً بِسُمِّ الأَسـاوِدِ
وقال عُرْوَة بن جافِي العَجْلانِيّ
أحِنُّ إلى أرضِ الحِجازِ، وحاجَتِي * * * بنَجْدٍ، بِلادٌ دُونَها الطَّرْفُ يَقْصُرُ
وما نَظَرِي مِن نَحْوِ نَجْدٍ بنافِعِـي * * * أَجَلْ لا، ولكنِّي على ذاكَ أَنظُرُ
أَفِي كُلِّ يومٍ نَظْرَةٌ ثُـم عَـبْـرَةٌ * * * لعَيْنِكَ حتّى مـاؤُهـا يَتَـحَـدَّرُ
مَتَى تَسْتَرِيحُ، القَلْبُ إِمّا مُجـاوِرٌ * * * حَزِينٌ وإِمَّـا نـازِحٌ يَتَـذَكَّـرُ
وقالت عُلَيَّة بنت المَهْدِيّ
ومُغْتَرِبٍ بالمَرْجِ يَبْكِي لـشَـجْـوِهِ * * * وقَدْ غابَ عنه المُسْعِدُونَ على الحُبِّ
إذا ما أتاهُ الرَّكْبُ مِن نَحْـوِ أرْضِـهِ * * * تَنَشَّقَ يَسْتَشْفِي بِـرائِحَةِ الـرَّكْـبِ
وقالت أيضاً
إذا كنتَ لا يُسْلِيكَ عَمَّنْ تُحِبُّهُ * * * تَناءٍ، ولا يَشْفِيكَ طُولُ تَلاقِ
فما أنتَ إلاّ مُستَعيرٌ حُشاشَةً * * * لِمُهْجَةِ نَفْسٍ آذَنَتْ بِفِـراقِ
وقال يَحْيى بن طالِب الحَنَفِيّ
من مخضرمي الدولتين
أحـقَّـاً عِـبـادَ الــلـــه أنْ لَـــسْـــتُ نـــاظِـــراً * * * إلـى قَـرْقَـرَى يومـاً وأَعْـلامِـهـــا الـــغُـــبْـــرِ
كأَنَّ فُـــؤادِي كـــلَّـــمـــا مَـــرَّ راكِـــــــبٌ * * * جَنـاحُ غُــرابٍ رامَ نَـــهْـــضـــاً إلـــى وَكْـــرِ
إذا ارْتَـحَــلَـــتْ نَـــحْـــوَ الـــيَمـــامَةِ رُفْـــقَةٌ * * * دَعـاكَ الـهَـوَى واهْـتـاجَ قَـلْـبُـــكَ لـــلـــذِكْـــرِ
فيا راكِـبَ الـوَجْـنـــاءِ أُبْـــتَ مُـــسْـــلَّـــمـــاً * * * ولا زِلْـتَ مِـن رَيْبِ الــحَـــوادِثِ فـــي سِـــتْـــرِ
إذا ما أَتَيْتَ العِرْضَ فاهْتِفْ بِجَوِّهِ * * * سُقِيتَ على شَحْطِ النَّوَى سَبَلَ القَطْرِ
فإنَّكَ مِن وادٍ إليّ مُرَحَّبٌ * * * وإنْ كُـنْـــتَ لا تُـــزْدارُ إلا عـــلـــى عُـــفْـــرِ
فقـالَ: لـقَـدْ يَشْـفِـي الـبُـكـــاءُ مِـــن الـــجَـــوَى * * * ولا شَـيَْ أَجْـدَى مِـــن عَـــزاءٍ ومِـــن صَـــبْـــرِ
وقال آخر
سَقَى الله أيّاماً لَنا لَسْـنَ رُجَّـعـاً * * * وسَقْياً لِعَصْرِ العامِرِيَّةِ مِن عَصْرِ
لَيالِيّ أَعْطَيْتُ البَطَالَةَ مِـقْـوَدِي * * * تَمُرُّ اللَّيالِي والشُّهُورُ ولا نِـدْرِي
وقال سُوَيْد بن كُراع العُكْلِي
خَلِيلَيَّ قُوما في عُطالَةَ فانْظُـرا * * * أناراً تَرَى مِن نَحْوِ يَبْرَين أمْ بَرْقا
وحُطَّا على الأطْلالِ رَحْلِيَ إنَّهـا * * * لأوَّلُ أَطْلالٍ عَرَفْتُ بِها العِشْقـا
وقال الصِّمَّة القُشَيْرِي
سَقَى الله أيّاماً لَنا ولَـيالِـياً * * * لَهُنَّ بأكْنافِ الشَّبابِ مَلاعِبُ
إذ العَيْشُ غَضٌّ. والزَّمانُ بِغِبْطَةٍ، * * * وشاهِدُ آفاتِ المُحِبِّـينَ غـائِبُ
وقال أيضاً
حَنَـنْـتَ إلـى رَيَّا، ونَـفْـــسُـــكَ بـــاعَـــدَتْ * * * مَزارَكَ مِـن ريّا وشَـعْـبـاكُـــمـــا مَـــعـــا
فَمـا حَـسَـنٌ أنْ تَـأْتِـــيَ الأَمْـــرَ طـــائِعـــاً * * * وتَـجْـزَعَ إنْ داعِـي الـصَّـبـابَةِ أَسْـــمـــعـــا
قَفـا وَدِّعـا نَـجْـداً ومَـنْ حَـلَّ بـالـــحِـــمـــى * * * وقَـلَّ لَـنَــجْـــدٍ عِـــنْـــدَنـــا أَنْ يُوَدَّعـــا
ولـمَّـا رَأَيْتُ الـبِـشْـــرَ أَعْـــرَضَ دُونَـــنـــا * * * وجـالَـتْ بَـنـاتُ الـشَّـوْقِ يَحْـنِــنَّ نُـــزَّعـــا
تلـفـت نـحـو الـمـي حـتـى وجـــدتـــنـــي * * * وجـعـت مـن الإصـفـاء لـيتـــا وأخـــدعـــا
تَلَفَّتُّ عَيْنِيَ اليُمْنَى فلمَّا زَجَرْتُها * * * عن الجَهْلِ بَعْدَ الحِلْمِ أَسْبَلَتا مَعا
وأَذْكُرُ أيَّامَ الحِمَى ثُمّ أنْثَنِي * * * علـى كَـبِـدِي مِـن خَـشْـيَةٍ أَنْ تَـــصَـــدَّعـــا
فلَـيْسَـتْ عَـشِـيّاتُ الـحِــمَـــى بـــرَواجِـــعٍ * * * علـيكَ، ولـكـنْ خَـلِّ عَـيْنَــيْكَ تَـــدْمَـــعـــا
ولَـمْ أرَ مِـثْـلَ الـعـامِـرِيَّةِ قَـــبْـــلَـــهـــا * * * ولا بَـعْـدَهـا يومَ ارْتَـحَـلْـــنـــا مُـــوَدِّعـــا
تُرِيكَ غَـــداةَ الـــبَـــيْنِ مُـــقْـــلَةَ شـــادِنٍ * * * وجِـيدَ غَـزالٍ فـي الــقَـــلائِدِ أَتْـــلَـــعـــا
فلَـيْتَ جِـمـالَ الــحَـــيِّ يومَ تَـــرَحَّـــلُـــوا * * * بِذِي سَـلَـمٍ أَضْـحَـتْ مَـزاحِـيفَ ظُـــلَّـــعـــا
كأنَّـكَ بِـدْعٌ لَـمْ تَـرَ الـبَـيْنَ قَـــبْـــلَـــهـــا * * * ولَـمْ تَـكُ بـالأُلاَّفِ قَـبْــلُ مُـــفَـــجَّـــعـــا
وقال قَيْس بن الحُدادِيَة الخُزاعِيّ
بَكَتْ مِن حَدِيثٍ نَـمَّـهُ وأشـاعَـهُ * * * ولَفَّقَهُ واشٍ مِن الـقـوْمِ راضِـعُ
وقالتْ، وعَيْناها تَفِيضانِ بالـبُـكـا * * * مِن الوَجْدِ: خَبِّرْنِي مَتَى أنتَ راجِعُ
فقُلْتُ لَها: تالله يَدْرِي مُـسـافِـرٌ، * * * إذا أَضْمَرَتْهُ الأرْضُ، مالله صانِـعُ
فلا يَسْمَعْن سِرِّي وسِـرَّكِ ثـالِـثٌ * * * فكُلُّ حَدِيثٍ جاوَزَ الإِثْنَـيْنِ شـائِعُ
وكَيْفَ يَشيعُ السِّرَّ مِـنِّـي ودُوَنـهُ * * * حِجابٌ، ومِن دُونِ الحِجابِ الأضالِعُ
وقال محمد بن عَبْد الأزْدِي
وتُرْوَى لرجل من بَنِي كِلاب
ولمَّا قَضَيْنا غُصَّةً مِن حَـدِيثِـنـا * * * وقَدْ فاضَ مِن بَعْدِ الحَدِيثِ المَدامِعُ
جَرَى بَيْنَنا مِـنَّ رَسِـيسٌ يَزِيدُنـا * * * سَقاماً إذا ما اسْتَيْقَنَتْهُ المَسـامِـعُ
فهَلْ مِثْلُ أيّامٍ تَسَلَّفْنَ بالـحِـمَـى * * * عَوائِدُ أو غَيْثُ السِّتـارَيْنِ واقِـعُ
وإنَّ نَسِيمَ الرِّيح مِن مَدْرجِ الصِّبـا * * * لأَورابِ قَلْبٍ شَفَّهُ الحُبُّ نـافِـعُ
وقال كُثيّر بن أبي جُمْعَة الخُزاعِيّ
إذا قِيلَ: هذا بَـيْتُ عَـزَّةَ، قـادَنِـي * * * إليه الهَوَى واسْتَعْجَلَتْنِـي الـبـوادِرُ
عَجِبْتُ لصَوْنِي الوُدَّ في مُضْمَرِ الحَشا * * * لمَنْ هو فيما قد حَـلا لِـيَ واتِـرُ
ألا لَيْتَ حَظِّي مِـنْـكِ يا عَـزُّ أَنَّـهُ * * * إذا بِنْتِ باعَ الصَّبْرَ لِي عنكِ تاجِـرُ
وأنتِ التي حَبَّبْـتِ كُـلَّ قَـصِـيرةً * * * إليَّ، ولم تَشْعُرْ بذاكَ الـقَـصـائِرُ
عَنَيْتُ قَصِيراتِ الحِجـالِ، ولَـمْ اُرِدْ * * * قِصارَ الخُطا، شَرُّ النِّساءِ البَحـاتِـرُ
وقال آخر
يا صاحِبَيَّ فَدَتْ نَفْسِي نُفُوسَكُما * * * وحَيْثُما كُنْتُما لُقِّيتُـمـا رَشَـدا
إِن تَحْمِلا حاجَةً لِي خَفَّ مَحْمَلُها * * * تَسْتَوجِبا نِعْمَةً مِنِّي بِـهـا ويَدَا
أَنْ تَقْرَآنِ على أَسْماءَ وَيْحَكُمـا * * * مِنِّي السَّلامَ وأَنْ لا تُخْبِرا أَحَدا
وقال الفَرَزْدَق هَمّام
هل تَذْكُرِين إذِ الرِّكابُ مُناخَةٌ * * * بِرحالِها لِرَواحِ أَهْلِ المَوْسِمِ
إذْ نحنُ نَسْتَرِقُ الحَدِيثَ وفَوْقَنا * * * مِثْلُ الظَّلامِ مِن الغُبارِ الأَقْتَمِ
ونَظَلُّ نُظْهِرُ بالحَواجِبِ بَيْنَنـا * * * ما فِي النُّفُوسِ ونحنُ لَمْ نَتَكلَّمِ
وقال عُمَر بن أبِي رَبِيعَة المَخْزُومِيّ
أَشارَتْ بطَرْفِ العَيْنِ خِيفَةَ أَهْلِها * * * إشارَةَ مَذْعُورٍ ولَمْ تَـتَـكَـلَّـمِ
فأَيْقَنْتُ أنَّ الطَّرْفَ قد قال مَرْحَباً * * * وأهْلاً وسَهْلاً بالحَبِيبِ المُـتَـيَّمِ
وقال آخر
إذا ما الْتَقَيْنا، والوشُاةُ بمَجْلِـسٍ * * * فأَلْسُنُنا حَرْبٌ وأَعْيُنـا سِـلْـمُ
وتَحْتَ مَجارِي الصَّدْرِ مِنّا مَوَدَّةٌ * * * تَطَلَّعُ سِرّاً حيثُ لا يَذْهَبُ الوَهْمُ
وقال عَدِيّ بن الرِّقاع
وترى لنُصَيْب بن رَباح
ونَـبَّـهَ شَـوْقِـي، بَـعْـدَ مـا كــانَ نـــائِمـــاً، * * * هَتُـوفُ الـضُّـحَـى مَـشْـغُـوفَةٌ بـالـتَّـرَنُّـــمِ
بَكَتْ شَـجْـوَهـا تـحـتَ الـدُّجَـى فَـتَـسـاجَـمَـتْ * * * إلـيهـا غُـرُوبُ الـدَّمْـعِ مِـن كُـلِّ مَـسْـجَـــمِ
فَلوْ قَبْلَ مَبْكاها بَكَيْتُ صَبابَةً * * * بسُعْدَى شَفَيْتُ النَّفْسَ قَبْلَ التَّنَدُّمِ
ولكنْ بَكَتْ قَبْلِي، فهَيَّجَ لِي البُكا * * * بُكـاهـا، فـقـلـتُ: الـفَـضْـلُ لـلـمُـتَـقَـــدِّمِ
وقال زِياد الأَعْجَم
تَغَنَّىْ، أنتِ في ذِمَمِي وعَهْدِي * * * وذِمَّةِ والِدِي أنْ لَنْ تُضارِي
وبَيْتُكِ فاصْلِحِيهِ ولا تَخافِـي * * * على زُغْبٍ مُصَعَّرَةٍ صِغارٍ
فإنَّكِ كُلَّما غَنَّـيْتِ صَـوْتـاً * * * ذَكَرْتُ أَحِبَّتِي وذَكَرْتُ دارِي
وإمّا يَقْتُلُوكِ طَلَـبْـتُ ثـأْراً * * * له نَبَأٌ لأنَّكِ فـي جِـوارِي
وقال طارِق بن نابِي
فيها أبياتٌ تروى لابن الدُّمَينَة وهي، وما وَجْدُ أعْرابية، وطارِق كان في زمن الرَّشِيد.
ألا قـاتَـلَ الـــلـــه الـــحَـــمـــامَة غُـــدْوةً * * * علـى الـغُـصْـنِ مـاذا هَـيَّجَـتْ حـينَ غَـــنَّـــتِ
تَغَـنَّـتْ بـصَـوْتٍ أَعْـجَـــمِـــيٍّ، وهَـــيَّجَـــتْ * * * جَوايَ الـذي كـانـتْ ضُـلُـــوعِـــي أَجَـــنَّـــتِ
فيا مُـنْـشِـرَ الـمَـوْتَـى أَعِـنِّـي عـلـى الـــتـــي * * * بِهـا نَـهَـلَـتْ نَـفْـسِـي سَـقـامـــاً وعَـــلَّـــتِ
لقَدْ بَخِلَتْ حتَّى لَوَ أنَّي سأَلْتُها * * * قَذَى العَيْنِ مِن سافِي التُّرابِ لَضَنَّتِ
حَلَفْتُ لَها بالله ما أُمُّ واحِدٍ * * * إذا ذَكَـرَتْـــهُ آخِـــرَ الـــلَّـــيْلِ حَـــنَّـــتِ
ومـا وَجْـدُ أَعْــرابِـــيَّةٍ قَـــذَفَـــتْ بِـــهـــا * * * صُرُوفُ الـنَّـوَى مِـنْ حَـيُْ لـمْ تـــكُ ظَـــنَّـــتِ
تَمَـنَّـــتْ أَحـــالِـــيبَ الـــرِّعـــاءِ وخَـــيْمَةً * * * بنَـجْـدٍ فـلـم يُقْـدَرْ لَـهـا مـــا تَـــمَـــنَّـــتِ
إذا ذَكَـرَتْ مــاءَ الـــعِـــضـــاهِ وطِـــيبَـــهُ * * * وبَـرْدَ الـحَـصَـى مِـن بَـطْـنِ خَــبْـــتٍ أرَنَّـــتِ
بأَعْـظَـمَ مِــنِّـــي لَـــوْعَةً غَـــيْرَ أَنَّـــنِـــي * * * أُجَـمْـجِـمُ أَحْـشـائِي عـلــى مـــا أُجَـــنَّـــتِ
وكـانَـتْ رِياحٌ تَـحْـمِـلُ الـحـــاجَ بَـــيْنَـــنـــا * * * فقَـدْ بَـخِـلَـتْ تِـلـــكَ الـــرِّياحُ وضَـــنَّـــتِ
وقال آخر
أحَقَّاً يا حَمامَةَ بَطْـنِ وَجٍّ * * * بِهذا النَّوْحِ أَنَّكِ تَصْدُقِينـا
فإنِّي مِثْلُ ما تَجِدِينَ وَجْدِي * * * ولكنِّي أُسِرُّ وتُعْلِـنِـينـا
غَلَبْتُك بالبُكاءِ بأَنَّ لَـيْلِـي * * * أُواصِلُهُ وأَنَّكِ تَهْجَعِينـا
وأَنَّى أَشْتَكِي فأَقُولُ حَقَّـاً * * * وأَنَّكِ تشْتَكِينَ فَتَكْذِبِـينـا
وقال عبد الله بن الدُّمَيْنَة
ألَيْسَ عَظِيماً أَنْ نكُونَ بِـبَـلْـدَةٍ * * * كِلانا بِها ثـاوٍ ولا نَـتَـكَـلَّـمُ
أَمِنَّا أناساً في الـمَـوَدَّةِ بَـيْنَـنـا * * * فَزادُوا علَيْنا في الحَدِيثِ وأَوْهَمُوا
وقالوا لَنا ما لَمْ يُقَلْ، ثُم أَكْـثَـرُوا * * * عَلَيْنا، وباحُوا بالذي كنتُ أَكْـتُـمُ
وقَدْ مُنِحَتْ عَيْنِي القَذَى لِفِراقِكُـمْ * * * وعادَ لَها تَهْتانُها فَهْيَ تَـسْـجُـمُ
مُنَعَّمَةٌ لو دَبَّ ذَرٌّ بـجِـلْـدِهـا * * * لكَانَ دَبِيبُ النَّمْلِ بالجِلْـدِ يَكْـلِـمُ
وقال إبراهيم بن هَرْمَة القُرَشِيّ
تقُـولُ، والـعِـيسُ قـد شُـدُّتْ بــأَرْحُـــلِـــنـــا: * * * أَلْـحَـقَّ أنَّـكَ مِـنّـا الـيومَ مُـــنْـــطَـــلِـــقُ
قلـتُ: نَـعَـمْ فـاكْـظِـمِـي، قـالَـتْ: ومـا جَـلَـــدِي * * * ومـا أَظُـنُّ اجْـتِـمـاعـاً حــينَ نَـــفْـــتَـــرِقُ
فارَقْـتُـهـا لا فُـــؤِادِي مِـــن تَـــذَكُّـــرِهـــا * * * سالِـي الـهُـمُـومِ، ولا حَـبْـلِـي لـهـا خَـــلَـــقُ
فاضَـتْ عـلـي إِثْـرِهِـمْ عَـيْنـاكَ أَدْمُـــعُـــهـــا * * * كمـا تَـتـابَـعَ يَجْـرِي الـلُّـؤْلُـؤُ الـــنَّـــســـقُ
فاسْتَبِق عَيْنَكَ لا يُودِي البُكاءُ بِها * * * واكْفُفْ مَدامِعَ مِن عَيْنَيْكَ تَسْتَبِقُ
ليس الشُّؤُونُ، وإنْ جادَتْ بِباقِيَةٍ * * * ولا الـجُـفُـونُ عـلـــى هـــذا ولا الـــحَـــدَقُ
وقال آخر، ليَزِيد
أقولُ لعَيْنِي حينَ جادَتْ بِمائِهـا * * * وإنْسانُها في لُجَّةِ الماءِ يَغْـرَقُ
خُذِي بنَصِيبٍ مِن مَحاسِنِ وَجْهِها * * * دَعِي الدَّمْعَ لليومِ الذي نَتَفـرَّقُ
وقال عَمْرو بن شَأْس
إذا نـحـنُ أَدْلَـجْـنـا وأنْــتِ أَمـــامَـــنـــا * * * كَفَـى لِـمَــطـــايانـــا بِـــرُؤْياك هـــادِيا
أَلَـــيْسَ يَزِيدُ الـــعِـــيسَ خِــــــفَّةَ أَذْرُعٍ، * * * وإنْ كُـنَّ حَـسْـرَى، أَنْ تـكُـونِـي أمـــامِـــيا
ذَكَرْتُكِ بالدَّيْرَيْنِ يَوْماً فأَشْرَفَتْ * * * بَناتُ الهَوى حتَّى بَلَغْنَ التَّراقِيا
أَعُدُّ اللَّيالِي لَيْلَةً بَعْدَ ليلةٍ * * * وقَـدْ عِـشْـتُ دَهْـراً لا أَعُـدُّ الـــلَّـــيالـــيا
إذا مـا طَــواكِ الـــدَّهْـــرُ يا أُمَّ مـــالِـــكِ * * * فشَـأْنُ الـمَـنـايا الـقـاضِـــياتِ وشـــانِـــيا
فَمـا مَـسَّ جِـلْـدِي الأَرْضَ إلاّ ذَكَــرْتُـــهـــا * * * وإلاّ وَجَـدْتُ طِـيبَــهـــا فـــي ثِـــيابِـــيا
وقال الوَليد بن يَزِيد الأموِيّ
لا أَسَأَلُ الله تَغْيِيراً لِما صَنَـعَـتْ * * * نامَتْ، وإنْ سَهِرَتْ عَيْنايَ، عَيْناها
فاللَّيْلُ أَطْوَلُ شَيءٍ حينَ أَفْقِـدُهـا * * * والليلُ أَقْصُرُ شيءٍ حينَ أَلْقاهـا
وقال يَزِيد بن عَبْد المَلك
لما وَقَف على قَبْر حَبابة
وكُـلُّ خَـلِـــيلٍ راءَنِـــي فـــهْـــوَ قـــائِلٌ: * * * مِن أجْـلِــكِ هـــذا هـــامَةُ الـــيومِ أو غَـــدِ
فإن تَسْلُ عنكِ النَّفْسُ أو تَدَعِ الصِّبَا * * * فبِالْيَأْسِ تَسْلُو عنكِ لا بالتَّجَلُّدِ
وقال آخر
أَيا رَبٍّ إنَّ المالِكِـيَّةَ حـاجَـتِـي * * * وأَنْتَ على أَنْ تَجْمَعَ الشَّمْلَ قـادِرُ
ولَمْ أَرَها إلاَّ بـنَـعْـمـانَ مَـرَّةً * * * وقَدْ عُطِّرَتْ مِنْها البُرَى والضَّفائِرُ
يقُولُونَ لي زُرْ حاجِراً واقْضِ حَقَّها * * * وإنْ لَمْ تَزُرْها قِـيلَ إنَّـكَ غـادِرُ
وما حاجِرٌ إلاَّ بلَيْلَـى وأَهْـلِـهـا * * * إذا لَمْ تَكُنْ لَيْلَى فلا كانَ حـاجِـرُ
وقال عبد الله بن الدُّمَيْنَة
أَلا يا حَمامات اللِّوَى عُدْنَ عَوْدَةً * * * فإنِّي إلى أَصْواتِـكُـنَّ حَـزِينُ
فعُدْنَ، فَلَمّا عُدْنَ كِدْنَ يُمِتْنَنِـي، * * * وكِدْتُ بأَسْرارِي لَـهُـنَّ أُبِـينُ
وعُدْنَ بَقْرقارِ الهَدِيرِ كـأَنَّـمـا * * * شَرِبْنَ حُمَيَّاً أو بِهِـنَّ جُـنـونُ
فَلَمْ تَرَ عَيْنِي قَبْلَهُنَّ حَـمـائِمـاً * * * بَكَيْنَ ولَمْ تَدْمَعْ لـهُـنَّ عُـيُونُ
وإنِّي لأَهْوَى النَّوْمَ مِن غَيْرَ نَعْسَةٍ * * * لَعَلَّ لِقاءً في المَـنـامِ يكُـونُ
تُحَدِّثُنِي الأَحْـلامُ أَنِّـي أَراكُـمُ * * * فيا لَيْتَ أَحْلامَ المَـنـامِ يَقِـينُ
شَهِدْتُ بأَنِّي لم أَحُلْ عن مَـوَدَّةٍ * * * وأنِّي بكُمْ لو تَعْلَمِـينَ ضَـنِـينُ
وأنَّ فُؤادِي لا يَلِينُ إلـى هَـوىً * * * سِواكِ، وإنْ قالُوا: بَلَى سَيَلِـينُ
وقال أيضاً
وإذا عَتِبْتِ عليَّ بِتُّ كأَنَّنِي * * * باللَّيْلِ مُخْتَلَسُ الرُّقادِ سَلِيمُ
ولَقَدْ أَرَدْتُ الصَّبْر عَنْكِ فَعاقَنِي * * * عَلَقٌ بقَلْبِي مِن هَـواكِ قَـدِيمُ
يَبْقَى على حَدَثِ الزَّمانِ ورَيْبِهِ * * * وعلى جَفائِكِ، إنَّـه لَـكَـرِيمُ
وقالت وَجِيهَة بنت أَوْس الضَّبِّيَّة
وعاذِلَةٍ هَبَّتْ بلَيْلٍ تَلُومُنِي * * * على الشَّوْقِ، لَمْ تَمْحُ الصَّبابَةَ مِن قَلْبِي
فما لِيَ إِنْ أَحْبَبْتُ أَرْضَ عَشِيرَتِي * * * وأَبْغَضْتُ طَرْفاءَ القُصَيْبَةِ مِن ذَنْبِ
فَلَوْ أَنَّ رِيحاً بَلَّغَتْ وَحْيَ مُرْسِل ٍ * * * حَفِيٍّ لناجَيْتُ الجَنُوبَ على النَّقَبِ
وقلتُ لها: أَدِّي إِليهمْ تَحِيَّتِي * * * ولا تَـخْـلِـطِـيهـا، طـالَ سَـعْـدُكِ، بـالــتُّـــرْبِ
فإِنِّـي إذا هَـبَّـتْ شَـمــالاً ســـأَلْـــتُـــهـــا * * * هلِ ازْدادَ صَـدَّاحُ الـنُّــمَـــيْرَةِ مـــن قُـــرْبِ
وقال عُرْوة بن أُذَيْنَة القُرَشِيّ
إنَّ التي زَعَمَتْ فُؤَادَكَ مَـلَّـهـا * * * خُلِقَتْ هَواكَ كما خُلِقْتَ هَوىً لَها
فبِكَ الذي زَعَمَتْ بِها، وكلاكُمـا * * * أَبْدَى لصاحِبِهِ الصَّبابَةَ كُـلَّـهـا
بَيْضاءُ، باكَرَها النَّعِيمُ فصاغَـهـا * * * بلَباقَةٍ، فـأَدَقَّـهـا وأَجَـلَّـهـا
لمَّا عَرَضْتُ مُسَلِّماً فـي حـاجَةٍ * * * أَرْجُو مَعُونَتَها وأَخْشَـى ذُلَّـهـا
حَجَبَتْ تَحِيَّتَها، فقلتُ لِصاحِبِـي: * * * ما كانَ أَكْثَرَها لنـا وأَقَـلَّـهـا
وإذا وَجَدْتُ لَها وَساوِسَ سَـلْـوَةٍ * * * شَفَعَ الضَّمِيرُ إلى الفُؤادِ فَسَلَّهـا
ويَبِيتُ بَيْنَ جَوانِحِي حُـبٌّ لَـهـا * * * لو كانَ تَحْتَ فِراشِها لأَقَـلِّـهـا
ولَعَمْرُها لون كان حُبُّكَ فَوْقَهـا، * * * يوماً وقَدْ ضَحِيَتْ، إِذَنْ لأَظَلَّهـا
وقال أبو الشِّيص الخُزاعِيّ
وَقَفَ الهَوَى بِي حيثُ أَنْتِ، فلَيْسَ لي * * * مُتَـأَخَّـرٌ عَـنْـهُ ولا مُـتَـقَـدَّمُ
أَجِدُ المَـلامَةَ فـي هَـواكِ لَـذِيذَةً * * * حُبَّاً لذِكْرِكِ، فلْيَلُـمْـنِـي الـلَّـوَّمُ
أَشْبَهْتِ أَعْدائِي فَصِرْتُ أُحِـبُّـهُـمْ * * * إذْ كانَ حَظِّي منكِ حَظِّيَ مِنْـهُـمُ
وأَهَنْتِنِي، فأَهَنْتُ نَفْسِـيَ صـاغِـراً * * * ما مَنْ يَهُونَ عليكِ مِـمَّـنْ يُكْـرَمُ
وقال حُمَيْد بن ثَوْر الهِلالِيّ
ومـا هــاجَ هـــذا الـــشَّـــوْقَ إلاَّ حَـــمـــامَةٌ * * * دَعَـتْ سـاقَ حُـرٍّ فـي حَــمـــامٍ تَـــرَنَّـــمـــا
مِن الوُرْقِ، حَمَّاءُ العِلاطَيْنِ باكَرَتْ * * * عَسِيبَ أَشاءٍ مَطْلِعَ الشَّمْسِ أَسْحَما
إذا زّعْزَعَتْهُ الرِّيحُ أَو لَعِبَتْ بِهِ * * * أَرَنَّـــتْ عـــلـــيه مـــائِلاً ومُـــقَـــوَّمـــا
إذا شِـئْتُ غَـنَّـــتْـــنِـــي بـــأَجْـــزاعٍ بِـــيشَةٍ * * * أَو الـنَّـخْـلِ مِـن تَـثْـلِـيثَ أو مِـن يَبْـنـــبُـــمـــا
تُنـادِي حَـمـامَ الـجَـلْــهَـــتَـــيْنِ وتَـــرْعَـــوِي * * * إلـى ابـنِ ثَـلاثٍ بَــيْنَ عُـــودَيْنِ أَعْـــجَـــمـــا
كَأَنَّ عــلـــى أَشْـــداقِـــهِ نَـــوْرَ حَـــنـــوَةٍ * * * إذا هـو مَـدَّ الـجِـيدَ مِـنْـــه لِـــيَطْـــعَـــمـــا
مُحَـلاَّةُ طَــوْقٍ لَـــمْ يكُـــنْ عـــن جَـــعِـــيلَةٍ * * * ولا ضَـرْبِ صَــوَّاغٍ بـــكَـــفَّـــيْهِ دِرْهَـــمـــا
فمَّـا اكْـتَـسَـى الـرِّيشَ الـسُّـخـامَ ولَـــمْ تَـــجِـــدْ * * * له مَـعَـهـا فـي سـاحَةِ الـعُـشِّ مَــجْـــثِـــمـــا
أُتِـيح لـهـا صَــقْـــرٌ مُـــسِـــفٌّ فـــلـــم يَدَعْ * * * بمَـوْضِـعِـــه إِلاَّ رِمـــامـــاً وأَعْـــظُـــمـــا
تَغَـنَّـتْ عـلـى غُـصْـنٍ عِـشـاءً، فَـــلَـــمْ تَـــدَعْ * * * لِنـائِحَةٍ فـي نَــوْحِـــهـــا مُـــتَـــلَـــوَّمـــا
عَجـبْـتُ لَـهــا أَنَّـــى يكـــونُ غِـــنـــاؤُهـــا * * * فَصِـيحـاً، ولَـمْ تَـفْـغَـرْ بـمَـنْـطِـقِـهـا فَـــمـــا
فَلـمْ أَرَ مِـثْـلِـي شـاقَـهُ صَـوْتُ مِـــثْـــلِـــهـــا * * * ولا عَـرَبِـياً شــاقَـــهُ صَـــوْتُ أَعْـــجَـــمـــا
وأَسْـمـاءُ مـــا أَسْـــمـــاءُ لَـــيْلَةَ أَدْلَـــجَـــتْ * * * إِلــيَّ، وأَصْـــحـــابِـــي بِـــأَيَّ وأَيْنَـــمـــا
مُنَعَّمَةٌ، لو يُصْبِحُ الذَرُّ سـارِياً * * * على جِلْدِها بَضَّتْ مَدارِجُهُ دَما
أَرَى بَصَرِي قد خانَنِي بَعْدَ حِدَّةٍ * * * وحَسْبُكَ داءً أَنْ تَصِحَّ وتَسْلَمـا
وقال محمد بن يَزِيدَ الأمويّ
أَشاقَكَ بَرْقٌ أَمْ شَجَتْـكَ حَـمـامَةٌ * * * لَها فَوْقَ أَغْصـانِ الأراكِ لـنـئِيمُ
أضافَ إِليها الهَـمَّ فِـقْـدانُ آلِـفٍ * * * ولَيْلٌ يَسُدُّ الـخـافِـقَـيْنِ بَـهِـيمُ
أَنافَتْ على ساقٍ بلَيْلٍ فَـرَجَّـعَـتْ * * * وللوَجْدِ مِنْها مُـقْـعِـدٌ ومُـقِـيمُ
تَمِيدُ إذا ما الغُصْنُ مادَتْ مُتُـونُـهُ * * * كما مادَ مـن رَيِّ الـمُـدامِ نَـدِيمُ
فباتَتْ تُنـادِيهِ، وأَنَّـى يُجِـيبُـهـا * * * مَنُوطٌ بأَطْرافِ الرِّمـاحِ سَـهِـيمُ
أُتِيحَ له رامٍ بـصَـفْـراءِ نَـبْـعَةٍ * * * على عَجْسِها ماضِي الشَّباهِ صَمِيمُ
رَماهُ فأَصْماهُ، فطارَتْ ولَمْ يَطِـرْ، * * * فظَلَّ لهـا ظِـلٍّ عَـلَـيْهِ يَحُـومُ
فراحَتْ بِهَمٍّ لو تَضَمَّـنَ مِـثْـلَـهُ * * * حَشَى آدَمِـيٍّ راحَ وهْـوَ رَمِـيمُ
وظَلَّتْ بأَجْزاعِ الغَدِيرِ نَـهـارَهـا * * * مُوَلَّـهَةً كُـلَّ الـمَـرامِ تَــرُومُ
وللبَرْقِ إيماضٌ، وللدَّمْـعِ واكِـفٌ، * * * وللرِّيحِ مِن نَحْوِ العِـراقِ نَـسِـيمُ
فطَوْراً أَشِيمُ البَرْقَ أَيْنَ مَصـابُـهُ * * * وطَوْراً إلى إعْوالِ تـلـكَ أَهِـيمُ
فمِنْ دُونَ ذا يَشْتاقُ مَن كان ذا هوىً * * * ويَعْزُبُ عنه الحِلْمُ وهْـوَ حَـلِـيمُ
وقال بَخْتَرِيّ بن عُذافِر الجُرَشِيّ
أَأَنْ هَتَفَتْ يَوْمـاً بـوادٍ حَـمـامةٌ * * * بَكَيْتَ، ولَمْ يَعْذِرْكَ بالجَهْلِ عـاذِرُ
دَعَتْ ساقَ حُرٍّ بَعد ما عَلَتِ الضُّحَى * * * فهاجَ لكَ الأحْزانَ أَنْ ناح طـائِرُ
تُغَنِّي الضُّحَى والصُّبْحَ في مُرْجَحِنَّةٍ * * * كثافِ الأعالِي تَحْتَها المـاءُ حـائِرُ
كَأَنْ لَمْ يكُنْ بالغَيْلِ أَو بَطْنِ وَجْـرةٍ * * * أو الجِزْعِ من أَهْلِ الأشاءَةِ حاضِرُ
وإِنِّي وإِنْ غالَ التَّقادُمُ حـاجَـتِـي * * * مُلِمٍّ على أَوْطانِ لَيْلَى فـنـاظِـرُ
وقال رَزِين بن عليّ الخُزاعِيِّ
أخو دِعْبِل
فوا حَسْرَتا لَمْ أقْضِ منكُـمْ لُـبـانَةً * * * ولَمْ أَتَمَتَّعْ بالجِـوارِ وبـالـقُـرْبِ
يقولونَ: هذا آخِرُ العَهْـدِ مـنـكـمُ * * * فقلتُ: هذا آخِرُ العَهْدِ مِن قَلْـبِـي
أَلا يا حَمامَ الشِّعْبِ شِعْبِ مُـرَيْفِـقٍ * * * سَقَتْكَ الغَوادِي مِن حَمامٍ ومِن شِعْبِ
وقال قَيْس بن المُلَوِّح
وتروى لنُصَيْب
لقَدْ هَتَفَتْ في جُنْحِ لَيْلٍ حَمـامَةٌ * * * على فَنَنٍ غَضٍّ، وإنِّي لَـنـائِمُ
فقلتُ اعْتِذاراً عندَ ذاكَ، وإنَّنِـي * * * لنَفْسِيَ مِمّـا قـد رأَيْتُ لَـلائِمُ
أَأَزْعُمُ أَنِّي عاشِقٌ ذُو صَـبـابَةٍ * * * بسُعْدَى، ولا أَبْكِي وتَبْكِي البَهائِمُ
كَذَبْتُ، وبَيْتِ الله، لو كُنْتُ عاشِقاً * * * لما سَبَقَتْنِ بالبُكاءِ الـحَـمـائِمُ
وقال شَقِيق بن سُلَيْك
الغاضِرِيّ مِن بني أَسَد
لقَدْ هَيَّجَتْ مِـنِّـي حَـمـامَةُ أَيْكَةٍ * * * مِن الوَجْدِ وَجْداً كنتُ أَكْتُمُهُ وَحْدِي
تُنادِي هَدِيلاً فوقَ أَخْضَـرَ نـاعِـمٍ * * * غَذاهُ رَبِيعٌ باكِرٌ في ثَرىً جَـعْـدِ
فقلتُ: هَلُمِّي نَبْكِ مِن ذِكْرِ ما خَـلا * * * ونُظْهِرُ مِنْه ما نُسِرُّ وما نُـبْـدِي
فإن تُسْعِدِينِي تَجرِ عَبْرَتُنـا مـعـاً * * * وإلاّ فإِنِّي سوفَ أَسْفَحُهـا وَحْـدِي
فإنَّ رِداءَ الحُبِّ مُرْدٍ، فأَقْـبِـلِـي * * * على ذاكَ مِنِّي يا اُمامَةُ أوْ صُـدِّي
وإنِّـــيَ لا أَنْـــفَـــكُّ مِـــن غَـــــيْرِ رِيبَةٍ * * * أهِـمُ بـكُـمْ حـتَّـى أُوَسَّــدَ فـــي لَـــحْـــدِي
وإنِّـــيَ لا أَنْـــفَـــكُّ أَتْـــبَـــعُ قـــــائِدِ * * * إلـيكِ، فـارْخِـي مِــن وَثـــاقِـــيَ أو شُـــدِّي
وقـلـتُ لِـواشٍ جَــدَّ فـــيكِ يَلُـــومُـــنِـــي * * * تَنَـكَّـبْ،فـلا غَـــيّيٍ عـــلـــيكَ ولا رُشْـــدِي
ألاَ أَيُّها الرَّكْبُ المُكِلُّونَ هل لكُمْ * * * بأُخْتِ بَنِي نَهْدٍ أُمامَةَ مِنْ عَهْدِ
أَأَلْقَتْ عَصاها واسْتَقَرَّتْ بِها النَّوى * * * بأَرْضِ بني قابُوسَ أَمْ ظَعَنَتْ بَعْدِي
سَقاها مِن الوَسْمِيٍّ كُلُّ مُجَلْجِلٍ * * * سَكُـوبِ الـعَـزالَـي صـادِقِ الـبَـرْقِ والــرَّعْـــدِ
وقال أبو كَبِير الهُذَلِيّ
أَلا يا حَمامَ الأيْكِ إِلْفُكَ حاضِـرٌ * * * وغُصْنُكَ مَيَّادٌ فَـفِـيمَ تَـنُـوحُ
أَفِقْ، لا تَنُحْ في غَيْرِ شَيْءٍ فإِنَّنِي * * * بَكَيْتُ زَماناً، والفُؤادُ صَـحِـيحُ
وَلُوعاً فشَطَّتْ غرْبَةً دارُ زَيْنَبٍ * * * فَها أنا أَبْكِي والـفُـؤادُ قَـرِيحُ
وقال عَوْف بن مُحَلِّم السَّعْدِيّ
أَفِـي كُـلِّ يَوْمٍ غُـرْبَةٌ ونُـزُوحُ * * * أَما للنَّـوَى مِـنْ وَنْـيَةٍ فـتُـرِيحُ
لَقَدْ طَلَّحَ البَيْنُ المُشِـتُّ رَكـائِبِـي * * * فهَلْ أَرَيَنَّ البَـيْنَ وهْـوَ طَـلِـيحُ
وأَرَّقَنِي بالرَّيِّ صَـوْتُ حَـمـامَةٍ * * * فنُحْتُ، وذُو الشَّجْوِ الغَرِيبُ يَنُـوحُ
على أَنَّها ناحَتْ ولَمْ تُـذْرِ عَـبْـرَةً * * * ونُحْتُ وأَسْرابُ الدُّمُوعِ سُـفُـوحُ
وناحَتْ وفَرْخاها بحيثُ تَراهُـمـا * * * ومنْ دُونِ أَفْراخِي مَهامِـهُ فِـيحُ
عَسَى جُودُ عبدِ الله أنْ يَعْكِسَ النَّوَى * * * فتُضْحِي عَصا التَّسْيارِ وهْيَ طَرِيحُ
وقال عبد الله بن الدُّمَيْنَة
ذَكَـرْتُـكِ والـنَّـــجْـــمُ الـــيَمـــانِـــي كـــأَنَّـــهُ * * * وقَـدْ عـارَضَ الـــشَّـــعْـــرَي قَـــرِيعُ هِـــجـــانِ
فقـلـــتُ لأَصْـــحـــابِـــي، ولاحَـــتْ غَـــمـــامةٌ * * * بنَـــجْـــدٍ: ألا لـــلــــه مـــــــا تَـــــــرَيانِ
فَقـــالا: نَـــرَى بَـــرْقـــاً تَـــقَـــطَّـــعُ دُونَـــهُ * * * مِن الـــطَّـــرْفِ أَبْـــصـــارٌ لـــهُـــنَّ رَوانِــــي
أَفِـــي كُـــلِّ يومٍ أنــــتَ رامٍ بِـــــــلادَهـــــــا * * * بِعَــيْنَـــيْنِ إنْـــســـانـــاهُـــمـــا غَـــرِقـــانِ
فعَـيْنَـــيَّ، يا عَـــيْنَـــيَّ حَـــتَّـــامَ أنـــتُـــمـــا * * * بهِـجْـرانٍ أُمِّ الـغَـــمْـــرِ تَـــخْـــتَـــلِـــجـــانِ
أمـــا أنـــتُـــمـــا إلاّ عـــلـــيّ طَـــلِـــــيعَةٌ * * * علـى قُـــرْب أعـــدائِي وبُـــعْـــدِ مَـــكـــانـــي
إذا اغْـرَورَقَـتْ عَـيْنـايَ قـالَــتْ صَـــحـــابَـــتِـــي: * * * إلـــى كَـــمْ تُـــرَى عَـــيْنـــاكَ تَـــبْـــتَـــدِرانِ
عَذَرْتُـكِ يا عَـيْنِـي الـصَّـــحِـــيحَةِ بـــالـــبُـــكـــا * * * فمـــا لَـــكِ يا عَـــوْراءُ والـــهَـــــمَـــــــلانِ
أَلا فـاحْـمِـلانِــي بـــارَكَ الـــلـــه فِـــيكُـــمـــا، * * * إلـــى حـــاضِـــرِي الـــمـــاءِ الـــذي تَــــرِدانِ
فإنَّ عـــلـــى الـــمـــاءِ الـــذي تَـــرِدانِــــــهِ * * * غَرِيمـــاً لَـــوانِـــي الـــدَّيْنَ مـــنـــذُ زَمـــــانِ
لَطِـيفُ الـحَـشـا، عَـذْبُ الـلَّـمَـى طَـــيِّبُ الـــنَّـــثـــا * * * له عِـــلَـــلٌ مـــا تَـــنْـــقَـــضِـــــــي لأَوانِ
وقالت أُمُّ المُثَلَّم الهُذَلِيَّة، وتروى لكَرِيمَة بنت أَسَد، وتروى للصِّمَة القُشَيْرِي
وحَنَّتْ قَلُوصِي بَعْدَ هَدْءٍ صَبابَةً * * * فيا رَوْعَةً مـا راعَ قَـــلْـــبِـــي حَـــنِـــينُـــهـــا
حَنَـتْ فـي عِـقـالَـيْهـــا، وشَـــبَّ لـــعَـــيْنـــهـــا * * * سَنـا بـارِقٍ يَسْــرِي، فـــجُـــنَّ جُـــنُـــونُـــهـــا
فَقُـلْــتُ لـــهـــا: صَـــبْـــراً فـــكُـــلُّ قَـــرِينَةً * * * مُفـــارِقُـــهـــا لا بُـــدَّ يومـــاً قَـــرِينـــهــــا
فمـا بَـرِحَـتْ حـتَّـى ارْعَـوَيْنـــا لِـــصَـــوْتِـــهـــا * * * وحـتَّـى انْـبَـرَى مِـنّـــا مُـــعِـــينٌ يُعِـــينُـــهـــا
فقـلــتُ لـــهـــا: حِـــنِّـــي رُوَيْداً فـــإنَّـــنِـــي * * * وإيَّاكِ نُـــبْـــدِي عَـــوْلَةً ســـنُـــبِـــينُـــهــــا
وقالت سالِمَة الكَلْبِيّة
ألاَ لا تَلُومانِي على الشَّوْقِ، وانْظُرا * * * إلى العُجْمِ يُبْدِينَ الصَّبابَةَ مِن قَبْلِي
لقَدْ هاجَ لِي شَوْقاً وغالَ صَـبـابَةً * * * حَنِينُ قَلُوصِي حيثُ حَنَّتْ بذي الأَثْلِ
وقال الشَّماخ بن ضِرار
ماذا يَهِيجُكَ مِن ذِكْرِ ابنَةِ الرَّاقِـي * * * إذْ لا تَزالُ على هَوْلٍ وإشْفـاقٍ
قامَتْ تُرِيكَ أَثِيثَ النَّبْتِ مُنْـسَـدِلاً * * * مِثْلَ الأَساوِدِ قد مُسِّحْنَ بالـفـاقِ
حَرْفٌ صَمُوتُ السُّرَى إلاَّ تَلَفُّتَهـا * * * باللَّيْلِ في خَرَسٍ مِنْها وإطْـراقِ
حَنَّتْ على سِكَّةِ السَّارِي فجاوَبَهـا * * * صَلِيبَةٌ مِن حَمـامٍ ذاتِ أَطْـواقِ
كادَتْ تُساقِطُنِي والرَّحْلَ أنْ نَطَقَتْ * * * حَمامَةٌ فدَعَتْ ساقاً علـى سـاقِ
وقال إبراهيم بن العَبّاس الصُّولِيّ
ظَلَّتْ تُشَوِّقُني برَجْعِ حَنِـينِـهـا * * * وأَزِيدُها شَوْقاً برَجْعِ حَنِـينِـي
نِضْوَيْنِ مُغْتَرِبَيْنِ بَيْنَ مَـهـامِـهِ * * * طَوَيا الضُّلُوعَ على هَوىً مَكْنُونِ
لو سُوئِلَتْ عنّا القَلُوصُ لأخْبَرَتْ * * * عن مُسْتَقَرٍّ صَبابَةِ المَـحْـزُونِ
وقال مالِك بن عَمْرو الهُذْلِيّ
فإمّا تُعْرِضِنَّ أُمَـيْمَ عَـنِّـي * * * ويَنْزِعْكِ الوُشاةُ أُلُو السِّـياطِ
فحُورٍ قد لَهَوْتُ بهِـنَّ عِـنٍ * * * نَواعِمَ في البُرُودِ وفي الرِّياطِ
أَبِيتُ على مَعارِيَ فاخِـراتٍ * * * بِهِنَّ مُلَوَّبٌ كدَمِ الـعِـبـاطِ
يُقالُ لهُنَّ مِن كَرَمٍ وحُـسْـنٍ * * * ظِباءُ تَبالَةَ الأُدْمُ العَـواطِـي
وقال آخر
أَتَرْحَلُ عن حَبِيبِكَ ثم تَبْكِـي * * * عليهِ فما دَعاكَ إلى الفِراقِ
كأَنَّكَ لَمْ تَذُقْ للبَيْنِ طَعْـمـاً * * * فتَعْلَمَ أَنَّهُ مُـرُّ الـمَـذاق
وقال عمر بن أبي ربيعة القرشي
أيها المنكع الثريا سهيلاً * * * هي شامية إذا ما استقلت