الحماسة البصرية - باب الأدب
◄ الحماسة البصرية ◄ الجزء الأول ◄ باب الأدب
قال
عليّ بن أَبِي طالِب
عليهِ السّلام وتُرْوَى لحَسَّان بن ثَابِت الأَنْصَارِيّ
إذا اشْتَمَلَتْ على اليَأْسِ القُلُوبُ * * * وضاقَ لِما به الصَّدْرُ الرَّحِيبُ
وأُوطِنَتِ المَكارِهُ واطْمَـأَنَّـتْ * * * وأَرْسَتْ في مَكامِنِها الخُطُوبُ
ولَمْ يُرَ لانْكِشافِ الضُّرِّ وَجْـهٌ * * * ولا أَغْنَى بحـيِلَـتِـهِ الأَرِيبُ
أَتَاكَ على قُنُوطٍ مِنْـكً غَـوْثٌ * * * يَجِيءُ به القَرِيبُ المُسْتَجِـيبُ
وكُلُّ الحادِثاتِ وإِنْ تَنـاهَـتْ * * * فَموْصُولٌ بِها الفَرَجُ القَرِيبُ
وقال
الأَعْوَر الشَّنِّيّ
هَوِّنْ عليكَ، فإِنَّ الأُمُـورَ * * * بكَفِّ الإِلَهِ مقـادِيرُهـا
فَلَيْسَ بِآتِيكَ مَـنْـهِـيُّهـا * * * ولا قاصِرٌ عَنْكَ مَأْمُورُها
وقال آخر
لا تَــيْأَسَـــنَّ وإِنْ طـــالَـــتْ مُـــطـــالَـــبَةٌ * * * إذا اسْـتَـعَـنْـتُ بـصَـبْــرٍ أَنْ تَـــرَى فَـــرَجـــا
إِنَّ الأُمُورَ إذا اسْتَدَّتْ مَسالِكُها * * * فالصَّبْرُ يَفْرُجُ مِنْها كُلَّ ما ارْتَتَجـا
ولا يَغُرَّنْكَ صَفْوٌ أَنتَ شارِبُهُ * * * فرُبَّـمـا كـانَ بـالـتَّـكْـدِيرِ مُـــمْـــتَـــزِجـــا
أَخْلِقْ بِذي الصَّبْرِ أَنْ يَحْظَى بحاجَتِهِ * * * ومُدْمِنِ القَرْعِ لِلأَبْوابِ أَنْ يَلِجا
وقال
أبو طالِب بن عبد المُطّلِب بن هاشِم
لا تَيْأَسَنَّ إِذا ما ضِقْتَ مِن فَرَجٍ * * * يَأْتِي به اللهُ في الرَّوْحاتِ والدُّلَجِ
فما تَجَرَّعَ كَأْسَ الصَّبْرِ مُعْتَصِـمٌ * * * باللهِ إلاَّ أَتاهُ اللـهُ بـالـفَـرَجِ
وقال الأَضْبَط بن قُرَيْع السَّعْدِيّ
لكُلِّ ضِيقٍ مِن الأُمُورِ سَـعُـهْ * * * والصُّبْحُ والمُسْمىُ لا بَقاءَ مَعَهْ
اِقْنَعْ مِن العَيْشِ ما أَتـاكَ بـهِ * * * مَن قَرَّ عَيْناً بعَيْشِهِ نَـفَـعَـهْ
قد يَجْمَع المالَ غـيرُ آكِـلِـهِ * * * ويَأْكُلُ المالَ غيرُ مَنْ جَمَعَـهْ
فلا تُهِينَ الكَـرِيمَ عـلَّـكَ أَنْ * * * تَرْكَعَ يوماً والدَّهْرُ قد رَفَعَـهْ
فَصِلْ حِبالَ البُعِيدِ إِنْ وَصَلَ ال * * * حَبْلَ، واقْصِ القَرِيبَ إِنْ قَطَعَهْ
وقال دِعْبِل بن رَزِين الخُزاعِيّ
وإِنَّ أَوْلَـــى الـــبَـــرايا أَنْ تَـــواسِـــــــيَهُ * * * عِنْـدَ الـمَـسَـرَّةِ مَـنْ آســاكَ فـــي الـــحَـــزَنِ
إنَّ الكِرامَ إذا ما أَسْهَلُوا ذَكَرُوا * * * مَنْ كانَ يَأْلَفُهُمْ في المَوْطِنِ الخَشِنِ
وقال أَوْس بن حَجَر
ولَيْسَ أَخُوكَ الدَّائِمُ العَهْدِ بـالـذي * * * يَسُوءُكَ إِنْ وَلَّى ويُرْضِيكَ مُقْبِـلا
ولكنَّه النَّـائِي إذا كـنـتَ آمِـنـاً * * * وصاحِبُكَ الأَدْنَى إذا الأَمْرُ أَعْضَلا
?وقال
المُقَنَّع الكِنْدِي
وإذا رُزِقْتَ مِن النَّوافِلِ ثَـرْوَةً * * * فامْنَحْ عَشِيرَتَكَ الأَقارِبَ فَضْلَها
واسْتَبْقِها لِدِفـاعِ كُـلِّ مُـلِـمَّةٍ * * * وارْفُقْ بِناشِئِها وطاوَعْ كَهْلَهـا
واحْلُمْ إِذا جَهِلَتْ عليكَ غُواتُهـا * * * حتَّى تُرُدَّ بفَضْلِ حِلْمِكَ جَهْلَهـا
واعْلَمْ بأَنّك لا تَسُودُ عَـشِـيرَةً * * * حتَّى تُرَى دَمِثَ الخَلائِقِ سَهْلَها
عُبَيْد الله بن زِياد الحارِثِي
لا يَبْلُغُ المَجْدَ أَقْوامٌ وإِنْ كَرُمُوا * * * حَتَّى يَذِلُّوا وإنْ عَزُّوا لأِقْوامِ
ويُشْتَمُوا، فَتَرى الأَلْوانَ مُسْفِرَةً * * * لا عَـفْـوَ ذُلٍّ، ولــكِـــنْ عَـــفْـــوَ أَحْـــلامِ
وإِنْ دَعـا الـجـارُ لَـبَّـوْا عِـنْـــدَ دَعْـــوَتِـــهِ * * * في الـنَّـائِبـــاتِ بـــإِسْـــراجٍ وإِلْـــجـــامِ
وقال
آخر
الزَّبِيْرُ بن عبد المُطَّلِب
لقَـدْ تَـرْجُـو فـيَعْـسُـرُ مـــا تُـــرَجِّـــي * * * علـيكَ، ويَنْـجَـحُ الأَمْــرُ الـــعَـــسِـــيرُ
ومـا تَـدْرِي أَفِـي الأَمْـرِ الـــمُـــرَجَّـــى * * * أَمِ الأَمْـرِ الـذِي تَـخْـشَـــى الـــسُّـــرُورُ
لَوَ أَنَّ الأَمْـرَ مُـقْـــبِـــلُـــهُ جَـــلِـــيٌّ * * * كمُـدْبِـرهِ لَـمـا عَـــيَّ الـــبَـــصِـــيرُ
إذا مـا الـعَـقْـلَ لـم يُعْـقَـدْ بـــقَـــلْـــبٍ * * * فَلـيْسَ يَجِـيءُ بـالـعَـقْـــلِ الـــدُّهُـــورُ
ولَـيْسَ الـفَـقْـــرُ مِـــن إِقْـــلالِ مـــالٍ * * * ولَـكِـنْ أَحْـمَـقُ الـقَــوْمِ الـــفَـــقِـــيرُ
صَغِـيرُ الـقَـوْمِ فـي الـــتَّـــأْدِيبِ يُرْجَـــى * * * ولا يُرْجَـى عـلــى الأَدَبِ الـــكَـــبِـــيرُ
تُصِـيبُ الــخَـــيْرَ مِـــمَّـــنْ تَـــزْدَرِيهِ * * * ويُخْـلِـفُ ظَـنَّـكَ الـرَّجُـــلُ الـــطَّـــرِيرُ
مَتَـى تُـطْـفِـي كَـبِـيرَ الـشَّـرِّ يُطْـــفَـــى * * * وإنْ أَوْقَـدْتَـهُ كَــبُـــرَ الـــصَّـــغِـــيرُ
كَمالُ المَرْءِ حُسْنُ الدِّينِ مِنْهُ * * * ويَنْقُصُهُ وإنْ كَمَلَ الفُجُورُ
إذا لَمْ تَدْرِ ما الإِنْسانُ فانْظُرْ * * * مَنِ الـخِـدْنُ الــمُـــفـــاوِضُ والـــوَزِيرُ
وقال
أبو البِلادِ الطُّهَوِيّ
وإِنّا وَجَدْنا النَّاسَ عُودَيْنِ: طَيِّباً،وعُوداً خَبِيثاً لا يَبِضُّ على العَصْرِ
تَزِينُ الفَتَى أَخْلاقُهُ وتَشِينُهُ * * * وتُـذْكَـرُ أَخْـلاقُ الـــفَـــتَـــى وهْـــوَ لا يَدْرِي
وقال آخر
هي المَقادِيرُ تَجْرِي في أَعِنَّتِـهـا * * * فاصْبِرْ، فلَيْس لها صَبْرٌ على حالِ
يَوماً تَرِيشُ خَسِيسَ القَوْمِ تَرْفَـعُـهُ * * * دُونَ السَّماءِ، ويَوْماً تَخْفِضُ العالِي
وقال إياس بن القائِف
يُقِيمُ الرِّجالُ الأَغْنِياءُ بأَرْضِهِمْ * * * وتَرْمِي النَّوَى بالمُقْتِرِينَ المَرامِيا
فَأَكْرِمْ أَخاكَ الدَّهْرَ ما عِشْتُما معاً * * * كَفَـى بـالـمَـــمـــاتِ فُـــرْقَةً وتَـــنـــائِيا
إذا جِـئْتُ أَرْضـاً بَـعْـدَ طُـولِ اجْـتِـنــابِـــهـــا * * * فَقَـدْتُ صَـدِيقِـي، والـبِــلادُ كـــمـــا هِـــيا
وقال مَعْن بن أَوْس
وكانَ مُزَوَّجاً بأُخت صَدِيقٍ له: فَطَّلَقَها، فَأَقْسَم أَنْ لا يُكَلِّمَه فقال يَسْتَعْطِفُه:
لَعَـــمْـــرُكَ مـــا أَدْرِي وإِنِّــــي لأَوْجَـــــــلُ * * * علـــى أَيِّنـــا تَـــعْـــدُو الـــمَـــنِــــيَّةُ أَوَّلُ
وإنِّي أَخُوكَ الدَّائِمُ العَهْدِ لم أَحُلْ * * * إِنَ ابْزاكَ خَصْمٌ أَوْ نَبا بِـكَ مَـنْـزِلُ
أُحارِبُ من حارَبْتَ مِن ذِي عَداوَةِ * * * وأَحْـبِـسُ مـالِـي إِنْ غَـــرِمْـــتَ فـــأَعْـــقِـــلُ
وإنْ سُـؤْتَـنِـي يَوْمـاً صَــفَـــحْـــتُ إلـــى غـــدٍ * * * ليُعْـقِـبَ يومـاً مِـــنْـــكَ آخَـــرُ مُـــقْـــبِـــلُ
كَأَنَّـكَ تَـشْـفِــي مِـــنْـــكَ داءً مَـــســـاءَتِـــي * * * وسُـخْـطِـي، ومـا فـي رَيْثَـتِـي مـا تَـــعَـــجَّـــلُ
وإنِّـي عـلـى أَشْـــياءَ مِـــنْـــكَ تُـــرِيبُـــنِـــي * * * قِدْمـاً لَـذُو صَـفْـحٍ عـــلـــى ذَاكَ مُـــجْـــمِـــلُ
سَتَـقْـطَـعُ فـي الـدُّنـيا إذا مـا قَـطَــعْـــتَـــنِـــي * * * يَمـينَــكَ، فـــانْـــظُـــرْ أَيَّ كَـــفٍّ تَـــبَـــدَّلُ
وفـي الـنَّـاسِ إِنْ رَثَّـــتْ حِـــبـــالُـــكَ واصِـــلٌ * * * وفـي الأَرضِ عـن دارِ الـقِــلَـــى مُـــتَـــحَـــوَّلُ
إذا أنْـتَ لَـمْ تُـــنْـــصِـــفُ أخـــاكَ وَجَـــدْتَـــهُ * * * علـى طَـرَفِ الـهِــجْـــرانِ إنْ كـــان يَعْـــقِـــلُ
ويَرْكَبُ حَدَّ السَّيْفِ مِن أَنْ تُضِيمَهُ * * * إذا لم يَكُنْ عن شَفْرَةِ السَّيْفِ مَزْحَلُ
وكنتُ إذا ما صاحِبٌ رامَ ظِنَّتِي * * * وبَـدَّلَ سُـوءاً بـــالـــذي كـــنـــتُ أَفْـــعَـــلُ
قَلَـبْـتُ لـه ظَـهْــرَ الـــمِـــجَـــنِّ فـــلَـــمْ أَدُمْ * * * علـــى ذاكَ إلاَّ رَيْثَ مـــا أَتَـــــــحَـــــــوَّلُ
إذا انْـصَـرَفَـتْ نَـفْـسِـي عـن الـشَّـيْءِ لـمْ تَـــكَـــدْ * * * إلـيه بـوَجْـهٍ آخِـــرَ الـــدَّهْـــرِ تُـــقْـــبِـــلُ
وقال العَبَّاس بن مِرْداس السُّلَمِي
تَرَى الرَّجُلَ النَّحِيفَ فتَزْدَرِيهِ * * * وفي أَثْوابِـهِ أَسَـدٌ مَـزِيرُ
ويُعْجِبُك الطَّرِيرُ فتَبْـتَـلِـيهِ * * * فيُخْلِفُ ظَنَّكَ الرَّجُلُ الطَّرِيرُ
فما عِظَمُ الرِّجالِ لَهُمْ بفَخْـرٍ * * * ولكنْ فَخْرُهُمْ كَرَمٌ وخِـيرُ
بُغاثُ الطَّيْرِ أَكْثَرُها فِـراخـاً * * * وأُمُّ الصَّقْرِ مِقْـلاتٌ نَـزُورُ
ضِعافُ الطَّيْرِ أَطْوَلُها جُسُوماً * * * ولَمْ تَطُلِ البُزاةُ ولا الصُّقُورُ
لَقدْ عَظُمَ البَعِيرُ بغَـيْرِ لُـبٍّ * * * فَلمْ يسْتَغْنِ بالعِظَمِ البَـعـيرُ
يُصَرِّفُهُ الصَّبِيُّ بكُـلِّ وَجْـهٍ * * * ويَحْبِسُهُ على الخَسْفِ الجَرِيرُ
وتَضْرِبُهُ الوَلِيدَةُ بالـهَـراوَي * * * فلا غِيَرٌ لَـدَيْه ولا نَـكِـيرُ
فإنْ أَكُ في شِرارِكُمُ قَـلِـيلاً * * * فإِنِّي في خِيارِكُـمُ كَـثِـيرُ
وقال رجلٌ مِن بَنِي فَزارَةَ
أَكْنِيهِ حـينَ أُنـادِيهِ لأُكْـرِمَـهُ * * * ولا أُلَقِّبُهُ، والسَّوْأَةَ الـلَّـقَـبـا
كَذاكَ أَدَّيْتُ حتّى صارَ مِن خُلُقِي * * * أَنِّي وَجَدْتُ مِلاكَ الشِّيمَةِ الأَدَبا
وقال القَتَّال الكِلابِيّ
عبد الله بن المَضْرَحِيّ، أموي
لاَ يَسْتَطِيعُ جَميعُ النّاسِ أَنْ يجِدُوا * * * مِثْلِي، وإنْ كان شَخْصِي غَيْرَ مَشْهُورِ
أُبْدِي خَلائِقَ للأَعْداءِ طَيِّبَةً * * * مِنِّـي، وأَقْـسِـرُ نَـفْـسِــي غَـــيْرَ مَـــقْـــسُـــورِ
وأَتْـرُكُ الأَمْـرَ فـي قَـلْـــبِـــي تَـــلَـــهُّـــبُـــهُ * * * حِينـاً، وأَضْـحَــكُ مِـــنْـــهُ غَـــيْرَ مَـــسْـــرُورُ
حتَّـــى أرى فُـــرْصَةً مِـــمَّـــنْ أَكـــاشِـــــرُهُ * * * والـحَـزْمُ أَمْـــرُكَ أَمْـــراً بَـــعْـــدَ تَـــقْـــدِيرِ
وقال
مالِك بن النُّعْمان
وتُرْوى لمحمد بن عَوْف الأَزْدِي
وإِنِّي لأسْتَبْقِي إذا العُسْرُ مَسَّنِـي * * * بَشاشَةَ وَجْهِي حينَ تَبْلَي المَنافِعُ
مَخافَةَ أَنْ أُقْلَى إذا جـئْتُ زائِراً * * * وتَرْجِعَنِي نَحْوَ الرِّجالِ المَطامِعُ
فأَسْمَعُ مَنّا أو أُشَرِّفُ مُنْعِـمـاً * * * وكُلُّ مُصادِي نِعْمَةٍ مُتَواضِـعُ
وقال حاتِم بن عبد الله الطَّائِيّ
وعـاذِلَـتَـيْنِ هَـــبَّـــتـــا بَـــعْـــدَ هَـــجْـــعَةٍ * * * تَلُـومـانِ مِـتْــلافـــاً مُـــفِـــيداً مُـــلَـــوَّمـــا
تَلُومانِ لمَّا غَوَّرَ النَّجْمُ ضَلَّةًفَتىً لا يَرَى الإِنْفاقَ في الحَمْدِ مَـغْـرَمـا
فقلتُ وقَدْ طالَ العِتابُ عَلَيْهِما * * * وأَوْعَـدَتـانِــي أَنْ تَـــبِـــينـــا وتَـــصْـــرِمـــا
ألا لا تُـلُـومـانِـي عـــلـــى مـــا تَـــقَـــدَّمـــا * * * كَفَـى بـصُـرُوفِ الـدَّهْـرِ لـلـمَـرْءِ مُـحْـــكِـــمـــا
فإِنَّـكُـمــا لا مـــا مَـــضَـــى تُـــدْرِكـــانِـــهِ * * * ولَـسْـتُ عـلـى مـا فـاتَـنِـــي مُـــتَـــنَـــدِّمـــا
فنَفْسَكَ أَكْرِمُها، فإِنَّكَ إِنْ تَهُنْ * * * عليكَ فَلْن تَلْقَى لَها الـدَّهْـرَ مُـكْـرِمـا
أَهِنْ للذي تَهْوَى التِّلاَدَ فإِنَّهُ * * * إذا مُـتَّ كـانَ الـمـالُ نَـهْـبـــاً مُـــقَـــسَّـــمـــا
ولا تَـــشْـــقَـــيَنْ فـــيه فـــيَسْـــعَــــدَ وارِثٌ * * * به، حِـينَ تَـغْـشَـى أَغْـبَـرَ الـجَـوْفِ مُـظْــلِـــمـــا
يُقَـسِّــمُـــه غُـــنْـــمـــاً، ويَشْـــرِي كَـــرامةً، * * * وقَـدْ صِـرْتَ فـي خَـطٍّ مِــن الأَرضِ أَعْـــظُـــمـــا
قَلِـــيلاً بـــه مـــا يَحْـــمَــــدَنَّـــــــكَ وارِثٌ * * * إذا نـالَ مِـمّـا كـنـتَ تَـجْـمَــعُ مَـــغْـــنَـــمـــا
تَحَلَّمْ عن الأَذْنَيْنَ واسْتَبْقِ وُدَّهُمْ * * * ولَنْ تَسْتَطِيعَ الحِلْمَ حَتَّـى تَـحَـلَّـمـا
مَتَى تَرْق أَضْغانَ العَشِيرَةِ بِالأَنا * * * وتَرْكِ الأذَى يُحْسَمْ لَكَ الدَّاءُ مَحْسَما
وعَوْراءَ قد أَعْرَضْتُ عَنْها فَلْم تَضِرْ * * * وذِي أَوَدٍ قَـــوَّمْـــتُـــهُ فـــتَـــقَـــوَّمــــــا
وأَغْـــفِـــرُ عَـــوْراءَ الـــكَـــرِيمِ ادِّخــــــارَهُ * * * وأَعْـرِضُ عـن شَـتْــمِ الـــلَّـــئِيمِ تَـــكَـــرُّمـــا
ولا أخْـــذُلُ الـــمَـــوْلَـــى وإنْ كـــان خـــــاذِلاً * * * ولا أَشْـتُـمُ ابـنَ الـعَـمِّ إِنْ كــان مُـــفْـــحَـــمـــا
ولا زادَنِـي عـــنـــه غِـــنـــائِي تَـــبـــاعُـــداً * * * وإنْ كـانَ ذا نَـقْـصٍ مِـن الـمـــالِ مُـــصْـــرِمـــا
ولَيْلٍ بَهِيمٍ قد تَسَرْبَلْتُ هُوْلَهُ * * * إِذا اللَّيلُ بالنِّكْـسِ الـدَّنِـيِّ تَـجَـهَّـمـا
ولَنْ يَكْسِبَ الصُّعْلُوكُ حَمْداً ولا غِنىً * * * إذا هو لَمْ يَرْكَبْ مِن الأَمْرِ مُعْظَما
لَحـا الـلـه صُـعْـلُـوكـاً مُــنـــاهُ وَهـــمُّـــهُ * * * مِن الـعَـيْشِ أَنْ يَلْـقَـى لَـبُـوسـاً ومَـطْـمَــعـــا
يَنـامُ الـضُّـحَـى حـتَّـى إذا يَوْمُـــه اسْـــتَـــوَى * * * تَنَـبَّـهَ مَـثْـلُـــوجَ الـــفُـــؤادِ مُـــوَرَّمـــا
مُقِـيمـاً مـع الـمُـثْـــرِينَ لَـــيْس بِـــبـــارِحٍ * * * إذا نـالَ جَـدْوَى مِـن طَـعـامٍ ومَـجْـــثِـــمـــا
والـلـه صُــعْـــلُـــوكٌ يُســـاوِرُ هَـــمَّـــهُ * * * ويَمْـضِـي عـلـى الأَحْـداثِ والـدَّهْـرِ مُـقْــدِمـــا
فَتَـى طَـلِـبـاتٍ لا يَرَى الـخَـــمْـــصَ تَـــرْحَةً * * * ولا شَـبْـعَةً إنْ نـالَـهـا عَـدَّ مَــغْـــنَـــمـــا
يَرَى الخَمْصَ تَعْذِيباً وإنْ يَلْقَ شَبْعَةً * * * يَبِتْ قَلْبُهُ مِن قِلَّةِ الهَمِّ مُبْهَما
إذا ما رَأَى يوماً مَكارِمَ أَعْرَضَتْ * * * تَيَمَّـمَ كـبُـراهُـنَّ ثُـــمَّـــتَ صَـــمَّـــمـــا
ويَغْـــشَـــى إِذا مـــا كـــانَ يومُ كَـــــرِيهَةٍ * * * صُدُورَ الـعَـوالِـي فـهْـوَ مُـخْـتَـضِـــبٌ دَمـــا
يَرَى رُمْـحَـهُ ونَــبْـــلَـــهُ ومِـــجَـــنَّـــهُ * * * وذا شُـطَـبٍ عَـضْـبِ الـضَّـرِيبَةِ مِــخْـــذَمـــا
وأَحْـنـاءَ سَــرْجٍ قـــاتِـــرٍ ولـــجـــامَـــهُ * * * عَتـادَ فـتَـى هَـيْجـا وطِـرْفـاً مُـــسَـــوَّمـــا
فذلـكَ إِنْ يَهْـلِـكُ فـــحُـــسْـــنُ ثَـــنـــاؤُهُ * * * وِإنْ عـاشَ لـم يَقْـعُـدْ ضَـعِـيفـاً مُــذَمَّـــمـــا
وقال أيضاً
وعـاذِلَةٍ هَـبَّـتْ بـــلَـــيْلٍ تَـــلُـــومُـــنِـــي * * * وقَـدْ غــابَ عَـــيُّوقُ الـــثُّـــرَيّا فـــعـــرَّدا
تلُـومُ عـلـى إِعْـــطـــائِيَ الـــمـــالَ ضَـــلَّةً * * * إذا ضَـنَّ بـالـمـــالِ الـــبَـــخِـــيلُ وصَـــرَّدا
تقـولُ ألاَ أَمْـسِــكْ عـــلـــيكَ، فـــإِنَّـــنِـــي * * * أَرَى الـمـالَ عِـنْـدَ الـمُـمْـسِـكِـينَ مُــعَـــبَّـــدا
ذَرِينِـــي ومـــالـــي، إنَّ مـــالَـــكِ وافِــــرٌ * * * وكُـلُّ امْـرِئٍ جـارٍ عــلـــى مـــا تَـــعَـــوَّدا
ذَرِينِـي يَكُـنْ مـالِـــي لِـــعِـــرْضِـــيَ جُـــنَّةً * * * يَقِـي الـمـالُ عِـرْضِـي قَــبْـــلَ أَنْ يَتَـــبَـــدَّدا
أَرِينِـي جَـواداً مـاتَ هُـــزْلاً لَـــعَـــلَّـــنِـــي * * * أَرَى مـا تَــريْنَ، أَو بَـــخِـــيلاً مُـــخَـــلَّـــدَا
وإِلاَّ فُكفِّي بَعْضَ لَوْمِكِ واجْعَلِي * * * إلى رَأْيِ مَنْ تَلْحَيْنَ رَأْيَكِ مُسْنَـدا
أَلَمْ تَعْلَمِي أَنِّي إذا الضَّيْفُ نابَنِي * * * وَعـزَّ الـقِـرَى الـسَّـدِيفَ الـــمُـــسَـــرْهَـــدا
وإِنِّـي لأِعــراضِ الـــعَـــشِـــيرَةِ حـــافِـــظٌ * * * وحَـقِّـهِـــمُ حـــتَّـــى أَكُـــونَ مُـــسَـــوَّدا
يَقولُونَ لِي، أَهْلَكْتَ مالَكَ فاقْتَصِدْ، * * * وما كنتُ لَوْلا ما يَقُولُونَ سَيِّدا
سأَذْخُرُ مِن مالِي دِلاصاً وسابِحاً * * * وأَسْـمَـرَ خَـطِّـيًّا وعَـضْــبـــاً مُـــهَـــنَّـــدا
فذلـكَ يَكْـفِـينِــي مِـــن الـــمـــالِ كُـــلِّـــهِ * * * مَصُـونـاً إذا مـا كـانَ عِــنْـــدِيَ مُـــتْـــلَـــدا
وقال أيضاً
وما أهْلُ طَوْدٍ مُشْمَخِرٍّ حُصُونُهُ * * * مِن المَوْتِ إِلاَّ مِثْلُ مَنْ حَلَّ بالصَّحْرِ
وما دارِعٌ إلاَّ كآخَرَ حاسِرٍ * * * ومــا مُـــقْـــتِـــرٌ إلاَّ كـــآخَـــرَ ذِي وَفْـــرِ
تَنُـوطُ لـنـا حُـبَّ الــحـــياةِ نَـــفـــوسُـــنـــا * * * شَقـاءً، ويَأْتِـي الـمــوتُ مِـــن حـــيثُ لا نَـــدْرِي
ولا أَخْــذُلُ الـــمَـــوْلَـــى لـــسُـــوءِ بَـــلائِهِ * * * وإنْ كـان مَـحْـنِـيَّ الـضُّـلُـوعِ عـلــى غِـــمْـــرِ
وقال قَيْس بن الحطِيم
وما بَعْـضُ الإِقَـامةِ فـي دِيارٍ * * * يُهانُ بِهـا الـفَـتَـى إلاَّ بَـلاءُ
وبَـعْـضُ خَـلائِقِ الأَقْـوامِ داءٌ * * * كَداءِ البَـطْـنِ لَـيْسَ لَـهُ دَواءُ
وبُعْضُ الدَّاءِ مُلْتَـمَـسٌ شِـفـاهُ * * * ودَاءُ النُّوكِ لَـيْسَ لـه شِـفـاءُ
فَما يُعْطَى الحَرِيصُ غِنىً بِحرْصٍ * * * وقَدْ يَنْمِي على الجُودِ الـثَّـراءُ
ولَمْ أَرَ كامْرِئٍ يَدْنُو لـخَـسْـفٍ * * * له في الأَرْضِ سَيْرٌ وانْـتِـواءُ
وقال النَّابِغَة عبد الله بن المُخارِق
الشَّيْبانِيّ
غَنِيُّ النَّفْسِ ما اسْتَغْنَتْ غَنِيٌّ * * * وفَقْرُ النَّفْسِ ما عَمِرَتْ شَقاءُ
وَلَيْسَ بنافِعٍ ذا البُخْـلِ مـالٌ * * * ولا مُزْرٍ بصاحِبِهِ السَّخـاءُ
ومَنْ يَكُ سالِماً لَمْ يَلْقَ بُؤْسـاً * * * يُنِخْ يَوْماً يعَقْوَتِـهِ الـبَـلاءُ
وكُلُّ شَدِيدَةٍ نَزَلَـتْ بـقَـوْمٍ * * * سَيَأْتِي بَعْدَ شِدَّتِهـا رَخـاءُ
فقُلْ للمُتَّقِي عَرَضَ المَنـايا * * * تَوَقَّ فَلْيس يَنْفَعُكَ اتِّـقـاءُ
يُعَمَّرُ ذُو الزَّمانَةِ وهُوَ كَـلٌّ * * * على الأَدْنَى ولَيْسَ له غَناءُ
ويَرْدَى المَرْءُ وهْوَ عَمِيدُ قَوْمٍ * * * ولَوْ فادَوْهُ ما قُبِلَ الـفِـداءُ
فلا تَجْعَلُ طَعامَ اللَّيْلِ ذُخْـراً * * * حِذارُ غَدٍ، لكُلِّ غَـدٍ غِـذاءُ
وكُلُّ جِراحَةٍ تُوسَى فتَبْـرَى * * * ولا تَبْرَى إِذا جَرَح الهِجاءُ
وقال
جَمِيل بن المُعَلَّى الفَزارِيّ
وأُعْرِضُ عن مَطاعِمَ قد أَراها * * * وأَتْرُكُها وفي بَطْنِي انْطِـواءُ
فلا وأَبِيكِ ما في العَيْشِ خَـيْرٌ * * * ولا الدُّنْيا إذا ذَهَبَ الـحَـياءُ
يَعِيشُ المَرْءُ ما اسْتَحْيا بخَـيْرٍ * * * ويَبْقَى العُودُ ما بَقِيَ اللِّحـاءُ
وقال عبد الله بن كُرَيْز
لَيْتَ شِعْرِي عن أمِيرِي ما الذي * * * غالَهُ في الحُبِّ حتَّـى وَدَعَـهْ
لا تُهِنِّي بَعْدَ إِكْـرامِـكَ لِـي * * * فشَدِيدٌ عـادَةٌ مَـنْـتَـزَعَـهْ
واذْكُرِ البَلْوَى التي أَبْلَـيْتَـنِـي * * * ومَقالاً قُلْتَهُ في المَجْـمَـعَـهْ
لا يَكُنْ بَرْقُكَ بَرْقـاً خُـلَّـبـاً * * * إِنَّ خَيْرَ البَرْقِ ما الغَيْثُ مَعَهْ
كَمْ بجُودٍ مُقْرِفٍ نالَ العُـلَـى * * * وكَرِيمٍ بُخْلُـهُ قـد وَضَـعَـهْ
وقال الشَّنْفَرى
وَلوْلا اجْتِنابُ الذَّامِ لم يُلْفَ مَشْـرَبٌ * * * يُعـاشُ بـه إلاَّ لَـدَىِّ ومَـأْكَــلُ
ولكنَّ نَفْساً حُـرَّةً مـا تُـقِـيمُ بِـي * * * على الضَّيْمِ إِلاَّ رَيْثَـمـا أَتَـحَـوَّلُ
أُدِيمُ مِطالَ الجُوعِ حـتَّـى أُمِـيتَـهُ * * * وأَضْرِبُ عنه الذِّكْرُ صَفْحاً فأَذْهَـلُ
وأَسْتَفُّ تُرْبَ الأَرْضِ كيْ لا يَرَى لهُ * * * عَليَّ مِن الطَّوْلِ امْرؤٌ مُـتَـطَـوِّلُ
وَلْيَلةِ قُرٍّ يَصْطَلِي القَـوْسَ رَبُّـهـا * * * وأقْطُعَهُ اللاَّتِـي بِـهـا يَتَـنَـبَّـلُ
دَعَسْتُ عَلى غَطْشٍ وبَغْشِ وصُحْبَتِي * * * سُعارٌ وإِرْزِيرٌ ووَجْـرٌ وأَفْـكُـلُ
وأصْبَحَ عَنِّي بالغُمَيْصاءِ جـالِـسـاً * * * فَرِيقانِ مَـسْـؤُولٌ وآخَـرُ يَسْـأَلُ
فأَيَّمْتُ نِسْـوانـاً وأَيْتـمْـتُ إِلْـدَةً * * * وعُدْتُ كما أَبْدَأْتُ والـلَّـيْلُ أَلْـيَلُ
ويومٍ مِن الشِّعْرَى يَسِـيلُ لُـعـابُـهُ * * * أفاعِيهِ في رَمْضائِهِ تَتَـمَـلْـمَـلُ
نَصَبْتُ له وَجْهِـي ولا كِـنَّ دُونَـهُ * * * ولا سِتْرَ إلاَّ الأَتْحَمِيَّ المُـرَعْـبَـلُ
نَفَـرَتْ سَـوْدَةُ عَـنِّــي أَنْ رَأَتْ * * * صَلَعَ الرّأْسِ وفي الجِلْـدِ وَضَـحْ
قلـتُ: يا سُـوْدَةُ هـذا والـــذي * * * يَفْرِجُ الكُرْبَةُ عَـنِّـي والـكَـلَـحْ
هو زَيْنٌ لِي فـي الـوَجْـهِ كـمـا * * * زَيَّنَ الطِّرْفَ تَحـاسِـينُ الـقَـرَحْ
تِلْكَ عِرْسايَ تَنْطِقانِ بـهُـجْـرِ * * * وتقُولانِ قَـوْلَ أَثْـرٍ وعَـتْـرِ
ساَلَتانِي الطَّـلاقَ أنْ رَأَتـانِـي * * * قَلَّ مالي، قد جِئْتُمانِي بـنُـكْـرِ
فَلَعلِّي أَنْ يَكْثُرَ المـالُ عِـنْـدِي * * * ويُخَلَّى مِن المَغارِمِ ظَـهْـرِي
ويْكَ أنْ مَنْ يَكُنْ له نَـشَـبٌ يُحْ * * * بَبْ، ومَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرِّ
ألَمْ تَرَ أَنَّ المَرْءَ مِن ضِيقِ عَيْشِهِ * * * يُلامُ على مَعْرُوفِهِ وهُوَ مُحْـنُ
وما كان مِنْ بُخْلِ مِن ضـراعَةٍ * * * ولكِنْ كما يَزْفِنْ له الدَّهْرُ يَزْفِنُ
تُسائِلُنِي هَوازِنُ أيْنَ مـالـي * * * وهَلْ لِي غَيرُ ما أَنْفَقْتُ مالُ
فقُلْتُ لَها: هَوازِنُ إنَّ مالِـي * * * أَضَرَّ به المُلِمَّاتُ الثِّـقـالُ
أَضَرَّ به نَعَمْ، ونَعَمْ قَـدِيمـاً * * * على ما كانَ مِن مالٍ وبَالُ
وإنِّي لَعَفٌّ عن زِيارَةِ جارَتِـي * * * وإنِّي لَمَشْنُوءٌ إليَّ اغْتِـيَابُـهـا
إذا غابَ عَنْها بَعْلُها لم أكنْ لهـا * * * زَءُوراً، ولَمْ تَنْبَحُ عليَّ كِلابُهـا
ولا أنا بالدَّارِي أَحادِيثُ بَيْتِـهـا * * * ولا عالمٌ من أَيِّ حَوْكٍ ثِيابُـهـا
وإنَّ قِرابَ البَطْنِ يَكْفِيكَ مَلْـؤُهُ * * * ويَكْفِيكَ سَوْءاتِ الرِّجِالِ اجْتِنابُها
وقال جُؤَيَّة بن النَّضْر
قالَتْ طُرَيْفَةُ: ما تَبْقَى دَراهِمُـنـا * * * وما بنا سَرَفٌ فِيهـا ولا خُـرُقُ
إنّا إذا اجْتَمَعَتْ يوماً دَراهِـمُـنـا * * * ظَلَّتْ إلى طُرُقِ المَعْرُوفِ تَسْتَبِقُ
ما يَأْلَفُ الدِّرْهَمُ الصَّيَّاحُ صَرَّتَنـا * * * إلاّ يَمُرُّ عَلَيْها وهْوَ مُنْـطَـلِـقُ
حتَّى يَصِيرَ إلـى نَـذْلٍ يُخَـلِّـدُهُ * * * يَكادُ مِـن صَـرِّةِ إيّاهُ يَنْـمَـزِقُ
وقال الفَرَذْدَق
أَلَمْ تَرَنِي عاهَدْتُ رَبِّـي وإِنَّـنِـي * * * لَبَـيْنَ رِتَـاجٍ قـائِمٌ ومَـقـــامِ
على حَلْفَةٍ لا أَشْتُمُ الدَّهْرَ مُسْلِـمـاً * * * ولا خارِجاً مِن فِـيَّ زُورُ كَـلامِ
وإنَّ ابنَ إِبْلِيسٍ وإِبْلـيِسَ أَلْـبَـنـا * * * لَهُمْ بعذابِ الـنَـاسِ كُـلَّ غُـلامِ
هُما نَفَثا فِي فِـيَّ فَـمَـوَيْهِـمـا * * * على النَّابِحِ العـاوِي أَشَّـدَ رِجـامِ
وكَمْ مِن قُرُونٍ قد أَطاعُوكَ أَصْبَحُوا * * * أَحادِيثَ كانُوا في ظِلالِ غَـمـامِ
وقال
تَأَبَّط شَرّاً
عاذِلَتِي إنَّ بَعْضَ اللَّوْمِ مَعْـنَـفَةٌ * * * وهَلْ مَتاعٌ وإِنْ أَبْقَـيْتِـهِ بـاقِ
يقولُ أَهْلَكْتُ مالاً لو قَنِعْـتُ بـهِ * * * مِن ثَوْبِ صِدْقٍ ومِنْ بَزٍّ وأعْلاقِ
إنِّي زَعِيمٌ لَئِنْ لَمْ تَتْرُكِي عَـذَلِـي * * * أَنْ يَسْأَلَ الحَيُّ عنِّي أَهْلَ آفـاقِ
يا صاحِبَيَّ وَبَعْضُ القَوْلِ مَعْنَـفَةٌ * * * وهَلْ مَتاعٌ وإنْ أَبْقَـيْتَـهُ بـاقِ
سَدَّدَ خِلالَكَ مِن مالٍ تُجَـمِّـعُـهُ * * * حتَّى تُلاقِي الذي كُلَّ امْرِئٍ لاقِ
لَتَقْرَعِنَّ عليَّ السِّـنَّ مِـن نَـدَمٍ * * * إذا تَذَكَّرْتِ يوماً بَعْضَ أخْلاقِـي
أن يَسْأَلَ الحَيُّ عنِّي أَهْلَ مَعْرِفَةٍ * * * فلا يُخَبِّرُهُمْ عـن ثـابِـتٍ لاقِ
لا شَيْء أَسْرَعُ منِّي غيرُ ذِي عُذَرٍ * * * أو ذِي جَناحٍ بأَعْلَى الجَوِّ خَفّـاقِ
ولا أقولُ إذا ما خُلَّةٌ بَـخِـلَـتْ * * * يا وَيْحَ نَفْسِيَ مِن شَوْقٍ وإشْفـاقِ
لَكِنَّما عِوَلِي أنْ كنـتُ ذَا عِـوَلٍ * * * على بَصِيرٍ بكَسْبِ المَجْدِ سَبّـاقِ
سَبّاقِ غاياتِ مَجْدٍ في عَشِـيرَتِـهِ * * * مُرَجِّعِ الصّوْتِ هَدّاً بَيْنَ أَرْفـاقِ
عارِي الظَّنابِيبِ مُمْتَدٍ نَـواشِـرُهُ * * * مِدْلاجِ أَدْهَمَ واهِي الماءِ غَسّـاقِ
حَمّـالِ أَلْـوِيَةٍ شَـهّـادِ أَنْـدِيَةٍ * * * هَبَّـاطِ أَوْدِيَةٍ جَـوَّالِ آفـــاقِ
وقال حُمَيْد بن ثَوْر الهِلالِي
وإنْ قال غاوٍ مِن تَـنُـوخٍ قَـصِـيدَةً * * * بِها جَرَبٌ كانَتْ عـلـيَّ بِـزَوْبَـرا
ويَنْطِقُها غَيْرِي وأُكْلَـفُ جُـرْمَـهـا * * * فهذا قَضـاءٌ حُـكْـمُـهُ أنْ يُغَـيَّرا
كذاكَ وإنْ غَـنَّـتْ بـأَيْكٍ حَـمـامَةٌ * * * دَعَتْ ساقَ حُرٍّ قَبْلَ صَوْتِ ابنِ أحْمرَا
وقال الحُسَيْن بن مُطَيْر الأَسَدِيّ
وما الجُودُ عن فَقْرِ الرِّجالِ ولا الغِنَى * * * ولَكِنَّه خِيمُ الـرِّجـالِ وخِـيرُهـا
وقَدْ تَخْدَعُ الدُّنْيا فيُمْسِي غَنِيُّها * * * فَقِيراً، ويَغْنَى بَعْدَ عُسْرٍ فَقِيرُها
ومَنْ يَتَّبِعْ ما يُعْجِبُ النَّفْسَ لا يَزَلْ * * * مُطِيعاً لَها في كُلِّ أَمْرٍ يَضِيرُها
فَنفْسَكَ أَكْرِمْ عن أُمُورٍ كَثِيرَةٍ * * * فمـالَـكَ نَـفْـسٌ بَـعْـدَهـا تَـسْـتَـعِـــيرُهـــا
ولا تَـقْـرَبِ الـشَّـيْءِ الـحَـرامَ فـــإِنَّـــمـــا * * * حَلاوَتُـهُ تَـفْـنَـى ويَبْـــقَـــى مَـــرِيُرهـــا
ولا تُـلْـهـكَ الـدُّنْـيا عـن الـحَـقِّ واعْـتَــمِـــلْ * * * لآخِــرةٍ لابُـــدَّ أنْ سَـــتَـــصِـــيرُهـــا
وقال
العُدَيْل العِجْلِيّ
أفِي الحَقِّ أَنْ يُعْطِي الفَرَزْدَقُ حُكْمَهُ * * * وتَخْرُجُ كَفِّي مِن نَوالِكُمُ صِفْرا
أَهُمُّ فتَثْنِينِي أَواصِرُ بَيْنَنا * * * وأَيْدٍ حِـــســـانٍ لا أُؤَدِّي لـــهـــا شُـــكْــــرا
وقال المُثَقّب العَبْدِيّ
لا تَقُولَنَّ إذا مَـا لـمْ تُـرِدْ * * * أَنْ تُتِمَّ الوَعْدَ في شَيْءٍ: نَعَمْ
حَسَنٌ قَوْلُ نَعَمْ مِن بَعْـدِ لا * * * وقَبِيحٌ قَوْلُ لا بَعْـدَ نَـعَـمْ
إِنَّ لا بَعْدَ نَعَـمْ فـاحِـشَةٌ * * * فبِلا فابْدَأْ إذا خِفْتَ الـنَّـدَمْ
وقال المُتَوَكِّل اللّيْثِي
بن عبد الله بن نَهْشَل
لا تَنْهَ عن خُلُقِ وتَأْتِيَ مِثْلَـهُ * * * عارٌ عليكَ إذا فَعَلْتَ عَظِـيمُ
وأَقِمْ لمَنْ صافَيْتَ وَجْهاً واحِداً * * * وخَلِيقَةً إِنَّ الكَـرِيمَ قَـؤُومُ
وإذا أَهَنْتَ أخَاكَ أو أَفْرَدْتَـهُ * * * عَمْداً، فأَنتَ الواهِنُ المَذْمُومُ
وإذا رَأَيْتَ المَرْءَ يَقْفُو نَفْسَـهُ * * * والمُحْصَناتِ فما لِذاكَ حَرِيمُ
وُمعَيِّرِي بالفَقْرِ قلتُ له اتَّـئِدْ * * * إنّي أَمامَكَ في الأَنامِ قَـدِيمُ
قد يُكْثِرُ النِّكْسُ المُقَصِّرُ هَمُّهُ * * * وَيَقِلُّ مالُ المَرْءِ وهْوَ كَرِيمُ
وقال عمرو بن الأَهْتَم المِنْقَرِيّ
مخضرم
أَلَـمْ تَـرَ مـا بَـيْنِـي وَبَــيْنَ ابـــنِ عـــامِـــرٍ * * * مِن الـوُدِّ قـد بـالَـتْ عـلـيه الـثَّـــعـــالِـــبُ
وَأَصْبَحَ باقِي الوُدِّ بَيْنِي وبَيْنَهُ * * * كأَنْ لَمْ يَكُنْ، والدَّهْرُ فِيه العَجائِبُ
فقلتُ: تَعَلَّمْ أَنَّ وَصْلَكَ جاهِداً * * * وهَـجْـرُكَ عِـنْـدِي شِـقُّــهُ مُـــتَـــقَـــارِبُ
فمـا أنـا بـالـبـاكِـي عـــلـــيكَ صَـــبـــابَةً * * * ولا بـالـذي تَـأْتِـيكَ مِـنِّـي الــمَـــثـــالِـــبُ
إذا الـمـرءُ لـم يُحْـبِـبْـــكَ إلاّ تـــكَـــرُّهـــاً * * * بَدا لـك مِـن أَخْـــلاقِـــهِ مـــا يُغـــالِـــبُ
فدَعْـهُ، وصَــرْمُ الـــكَـــلِّ أَهْـــوَنُ حـــادِثٍ * * * وفـي الأرضِ لـلـمَـرْءِ الـجَـلِـيدِ مَـــذاهِـــبُ
وقال كُثَيِّر بن أبِي جُمْعَة المُلَحِيّ
وَمنْ لا يُغَمِّضْ عَيْنَهُ عن صَـدِيقِـهِ * * * وعن بَعْضِ ما فِيه يَمُتْ وهْو عاتِبُ
ومَنْ يَتَتَبَّعْ جـاهِـداً كُـلَّ عَـثْـرَةٍ * * * يَجِدْها، ولَمْ يَسْلَمْ له الدَّهْرَ صاحِبُ
وقال سُحَيْم عَبْدُ بَنِي الحَسْحاس
إسلامي
وما كنتُ جَنْـدَلاً أَنْ يَبـيعَـنِـي * * * بِشَيءٍ، وإنْ أَضْحَتْ أَنامِلُهُ صِفُرا
أَخُوكُمْ ومَوْلَى مالِكُمْ ورَبِـيبُـكُـمْ * * * ومَنْ قَد ثَوَى فِيكُمْ وعاشَرَكُمْ دَهْراً
أَشَوْقاً ولمَّا تَمْضِ لِي غـيرُ لَـيْلَةٍ * * * فَكيْفَ إذا سارَ المَطِيُّ بِنا عَشْـرا
وقال عبد القَيْس بن خُفاف
أَجُبَيْلُ إنَّ أَبـاكَ كـارِبُ يَوْمِـهِ * * * فإذا دُعِيتَ إلى المَكارِمِ فاعْجَلِ
واعْلَمْ بأَنَّ الضَّيْفَ مَخْبِرُ أَهْلِـهِ * * * بمَبِيتِ لَيْلِـتـهِ وإِنْ لَـمْ يُسْـأَلِ
واتْرُكْ مَحَلَّ السَّوْءِ لا تَنْزِلْ بـه * * * وإذا نَبا بِكَ مَنْـزِلٌ فـتَـحَـوَّلِ
وإذا افْتَقَرْتَ فلا تَكُنْ مَتَخَشِّـعـاً * * * تَرْجُو فَواضِلَ عِنْدَ غَيْرِ المِفْضَلِ
وإذا هَمَمْتَ بأمْرِ شَـرٍّ فـاتَّـئِدْ * * * وإذا هَمَمْتَ بأَمْرِ خَيْرِ فافْعَـلِ
وإذا تَشاجَرَ في فُؤَادِكَ مَـرَّةً * * * أَمْرانِ فاعْمِدْ للأَعَفِّ الأَجْمَلِ
وقال مُهَلْهِل بن مالِك الكِناني
وتُرْوَى لمحمد بن عِيسَى بن طَلْحَة بن عبيد الله التِّيْمي
ولا تَقْطَعْ أخاً لكَ عِنْدَ ذَنْبٍ * * * فإِنَّ الذَّنْبَ يَغْفِرُهُ الكَـرِيمُ
ولا تَعْجِلْ على أَحِدٍ بظُلْـمٍ * * * فإنَّ الظُّلْمَ مَرْتَعُهُ وَخِـيمُ
ولا تُفْحِشْ وإنْ مُلِّئْتَ غَيْظاً * * * على أَحَدٍ فإِنَّ الفُحْشَ لُومُ
وقال يَزِيدَ بن الحَكَم الثَّقَفِي
تَرَى الـمَـرْءَ يَخْـشَـى بَـــعْـــضَ مـــالا يَضِـــيرُهُ * * * ويَأْمُـــلُ شَـــيْئاً دُونَـــهُ الـــمـــوتُ واقِـــــعُ
ومـــا الـــمـــالُ والأَهْــــلـــــــوُنَ إلاّ وَدائِعٌ * * * ولا بـــدَّ يومــــاً أَنْ تُـــــــرَدَّ الـــــــوَدائِعُ
وكُـــلُّ أَمـــانِـــيِّ امْـــرِئٍ لا يَنـــالُـــهــــا * * * كأَضْـــغـــاثِ أَحْـــلامٍ يَراهُـــنَّ هـــاجِــــعُ
وفـي الـيَأْسِ عـن بَـعْـضِ الــمَـــطـــامِـــع راحَةٌ * * * ويا رُبَّ خَـيْرٍ أَدْرَكَـــتْـــهُ الـــمَـــطـــامِـــعُ
أَبَى الشَّيْبُ والإِسْلامُ أَنْ أتْبَعَ الهَوَى * * * وفي الشَّيْبِ والإِسلامِ للمَرْءِ رادِعُ
وقال البَحْتَرِيّ بن أبِي صُفْرَة
وإِنِّي لَتَنْهَـانِـي خَـلائِقُ أَرْبَـعٌ * * * عن الفُحْشِ فِيها للكَـرِيمِ رَوادِعُ
حَياءٌ وإِسْـلامٌ وشَـيْبٌ وعِــفَّةٌ * * * وما المَرْءُ إلاّ ما حَبَتْهُ الطَّبـائِعُ
فما أنا مِمَّنْ تَـطَّـبِـيهِ خَـرِيدَةٌ * * * ولَوْ أَنَّها بَدْرٌ مِن الأُفْقِ طـالِـعُ
وقَدْ كنتُ في عَصْرِ الشّباب مُجانِباً * * * هَوايَ، فأنِّي الآنَ والشَّيْبُ وازِعُ
محمد بن حازِم
وتُرْوَى لأبِي الأَسْوَد الدُّؤلِيّ
وإنِّي لَيَثْنِيَنِي عن الجَهْلِ والخَنا * * * وعَن شَتْمِ أَقْوامٍ خَلائِقُ أَرْبَعُ
حَياءٌ وإِسلامٌ وبُقْـيا وأَنَّـنِـي * * * كَرِيمٌ، ومِثْلِي قد يَضُرُّ ويَنْفَعُ
فَشتَّانَ ما بَيْنِي وبَيْنَكَ، إِنَّنِـي * * * على كُلِّ حالٍ أسْتَقِمُ، وتَظْلَعُ
آخِرُ الجُزْءِ الأَوَّلِ من الحَماسَةِ البَصْرِيّة. يَتْلُوه في الجُزْء الثَّانِي إنْ شاء الله تَعالَى: قال إِسْحَق بن إبراهيم المَوْصِليَ.
الحَمْدُ للهِ وحْدَه، وصَلواتُه على سَيَّدِنا محمد وآلِهِ وسَلَّم تَسْلِيماً كثيراً.