الجمل في النحو/وجوه النصب
فالنصب أحد وَخَمْسُونَ وَجها نصب من مفعول بِهِ وَنصب من مصدر وَنصب من قطع وَنصب من حَال وَنصب من ظرف وَنصب ب إِن وَأَخَوَاتهَا وَنصب بِخَبَر كَانَ وَأَخَوَاتهَا وَنصب من التَّفْسِير وَنصب من التَّمْيِيز وَنصب بِالِاسْتِثْنَاءِ وَنصب بِالنَّفْيِ وَنصب ب حَتَّى وَأَخَوَاتهَا وَنصب بِالْجَوَابِ بِالْفَاءِ وَنصب بالتعجب وَنصب فَاعله مفعول ومفعوله فَاعل وَنصب من نِدَاء نكرَة مَوْصُوفَة وَنصب بالإغراء وَنصب بالتحذير وَنصب من اسْم بِمَنْزِلَة اسْمَيْنِ وَنصب بِخَبَر مَا بَال وَأَخَوَاتهَا وَنصب من مصدر فِي مَوضِع فعل وَنصب بِالْأَمر وَنصب بالمدح وَنصب بالذم وَنصب بالترحم وَنصب بالاختصاص وَنصب بِالصرْفِ وَنصب ب سَاءَ وَنعم وَبئسَ وَأَخَوَاتهَا وَنصب من خلاف الْمُضَاف وَنصب على الْموضع لَا على الِاسْم وَنصب من نعت النكرَة تقدم على الِاسْم وَنصب من النداء الْمُضَاف وَنصب على الِاسْتِغْنَاء وَتَمام الْكَلَام وَنصب على النداء فِي الِاسْم الْمُفْرد الْمَجْهُول وَنصب على البنية وَنصب بِالدُّعَاءِ وَنصب بالاستفهام وَنصب بِخَبَر كفى مَعَ الْبَاء وَنصب بالمواجهة وَتقدم الِاسْم وَنصب على فقدان الْخَافِض وَنصب ب كم إِذا كَانَ استفهاما وَنصب يحمل على الْمَعْنى وَنصب بِالْبَدَلِ وَنصب بالمشاركة وَنصب بالقسم وَنصب بإضمار كَانَ وَنصب بالترائي وَنصب بوحده وَنصب بالتحثيث وَنصب من فعل دَائِم بَين صفتين وَنصب من المصادر الَّتِي جعلوها بَدَلا من اللَّفْظ الدَّاخِل على الْخَبَر والاستفهام.
فالنصب من مفعول بِهِ
قَوْلك أكرمت زيدا وَأعْطيت مُحَمَّدًا
وَقد يضمرون فِي الْفِعْل الْهَاء فيرفعون الْمَفْعُول بِهِ كَقَوْلِك زيد ضربت وَعَمْرو شتمت على معنى ضَربته وشتمته فيرفع زيد بِالِابْتِدَاءِ ويوقع الْفِعْل على الْمُضمر كَمَا قَالَ الشَّاعِر
يعْنى يحمده أَصْحَابه
وَقَالَ آخر:
يَعْنِي حميته، وَقَالَ آخر:
يَعْنِي قتلتهن
وَقَالَ آخر:
يَعْنِي نسَاء فِيهِ ونسر فِيهِ وَمِنْه قَول الله جلّ اسْمه فِي الْبَقَرَة {مِنْهُم من كلم الله} أَي كَلمه الله
وَالنّصب من مصدر
كَقَوْلِك خرجت خُرُوجًا وَأرْسلت رَسُولا وإرسالا
قَالَ الشَّاعِر:
لآخر (أما الْقِتَال فَلَا أَرَاك مُقَاتِلًا ... وَلَئِن هربت ليعرفن الأبلق) نصب الْقِتَال وَالصَّبْر على الْمصدر وَقد يجْعَلُونَ الِاسْم مِنْهُ فِي مَوضِع مصدر فَيَقُولُونَ أما صديقا مصافيا فَلَيْسَ بصديق وَأما عَالما فَلَيْسَ بعالم مَعْنَاهُ أما كَونه عَالما فَلَيْسَ بعالم
وَالنّصب من قطع
مثل قَوْلك هَذَا الرجل وَاقِفًا أَنا ذَا عَالما قَالَ الله جلّ ذكره {وَهَذَا صِرَاط رَبك مُسْتَقِيمًا} وَمثله (فَتلك بُيُوتهم خاوية) على الْقطع وَمثله {وَهَذَا بعلي شَيخا} على الْقطع وَكَذَلِكَ {وَله الدّين واصبا} وَكَذَلِكَ {وَهُوَ الْحق مُصدقا} مَعْنَاهُ وَله الدّين الواصب وَهُوَ الْحق الْمُصدق وَكَذَلِكَ {تساقط عَلَيْك رطبا جنيا} مَعْنَاهُ تساقط عَلَيْك الرطب الجني فَلَمَّا أسقط الْألف وَاللَّام نصب على قطع الْألف وَاللَّام وَقَالَ جرير (هَذَا ابْن عمي فِي دمشق خَليفَة ... لَو شِئْت ساقكم الي قطينا) نصب خَليفَة على الْقطع من الْمعرفَة من الْألف وَاللَّام وَلَو رفع على معنى هَذَا ابْن عمي هَذَا خَليفَة لجَاز وعَلى هَذَا الْمَعْنى يقْرَأ من يقْرَأ {وَإِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة} فَإِن جعل هَذَا اسْما وَابْن عمي صفته وَخَلِيفَة خَبره جَازَ الرّفْع وَمثل هَذَا قَول الرّفْع (من يَك ذَا بت فَهَذَا بتي ... مقيظ مضيف مشتي) (أعددته من نعجات سِتّ ... سود جعاد من نعاج الدشت) (من غزل أُمِّي ونسيج بِنْتي ... ) رفع كُله على معنى هَذَا بتي هَذَا مقيظ هَذَا مصيف هَذَا مشتي وَأما قَول الشَّاعِر النَّابِغَة (توهمت آيَات لَهَا فعرفتها ... لسِتَّة أَعْوَام وَذَا الْعَام سَابِع) فَرفع الْعَام بِالِابْتِدَاءِ وسابع خَبره وَقَالَ أَيْضا (فَبت كَأَنِّي ساورتني ضئيلة ... من الرقش فِي أنيابها السم ناقع) فَرفع السم بِالِابْتِدَاءِ وناقع خَبره وَأما قَوْله الله تبَارك وَتَعَالَى فِي ق {هَذَا مَا لدي عتيد} رفع عتيدا لِأَنَّهُ خبر نكرَة كَمَا تَقول هَذَا شَيْء عتيد عِنْدِي
وَالنّصب من الْحَال
قَوْلهم أَنْت جَالِسا أحسن مِنْك قَائِما أَي فِي حَال جُلُوسه أحسن مِنْهُ فِي حَال قِيَامه قَالَ الشَّاعِر (لعمري إِنِّي ورادا بعد سَبْعَة ... لأعشى وَإِنِّي صادرا لبصير) أَي فِي حَال ورودي أعشى وَحَال صَدْرِي بَصِير وَإِنَّمَا صَار الْحَال نصبا لِأَن الْفِعْل يَقع فِيهِ تَقول قدمت رَاكِبًا وَانْطَلَقت مَاشِيا وتكلمت قَائِما وَلَيْسَ بمفعول فِي مثل قَوْلك لبست الثَّوْب لِأَن الثَّوْب لَيْسَ بِحَال وَقع فِيهِ الْفِعْل وَالْقِيَام حَال وَقع فِيهِ الْفِعْل فانتصب كانتصاب الظّرْف حِين وَقع فِيهِ الْفِعْل وَلَو كَانَ الْحَال مَفْعُولا كَالثَّوْبِ لم يجز أَن يعدى الانطلاق إِلَيْهِ لِأَن الانطلاق انفعال والانفعال لَا يتَعَدَّى أبدا لِأَنَّك لَا تَقول انْطَلَقت الرجل وَالْحَال لَا يكون إِلَّا نكرَة وَالْحَال فِي الْمعرفَة والنكرة بِحَالَة وَاحِدَة تَقول قدم عَليّ صَاحب لي رَاجِلا وَمِنْه قَول الله عز وَجل {قَالُوا كَيفَ نُكَلِّم من كَانَ فِي المهد صَبيا} نصب على الْحَال
وَالنّصب من الظّرْف
قَوْلهم غَدا آتِيك وَيَوْم الْجُمُعَة يفْطر النَّاس فِيهِ وَالْيَوْم أزورك قَالَ سَاعِدَة بن جؤية (لدن بهز الْكَفّ يعسل مَتنه ... فِيهِ كَمَا عسل الطَّرِيق الثَّعْلَب) فنصب الطَّرِيق على الظّرْف لِأَن عسلان الثَّعْلَب وَهُوَ مشيته وَقع فِي الطَّرِيق وَقَالَ آخر عَمْرو بن كُلْثُوم (صددت الكأس عَنَّا أم عَمْرو ... وَكَانَ الكأس مجْراهَا اليمينا) فنصب الْيَمين على الظّرْف كَأَنَّهُ قَالَ مجْراهَا على الْيَمين وَقَالَ آخر (هبت جنوبا فذكرى مَا ذكرتكم ... عِنْد الصفاة الَّتِي شَرْقي حورانا) نصب الشَّرْقِي على الظّرْف أَي هِيَ شَرْقي حوران تَقول هُوَ شَرْقي الدَّار وَإِذا قلت هُوَ شَرْقي الدَّار وَجَعَلته اسْما جَازَ الرّفْع وَنصب الآخر جنوبا على معنى هبت الرّيح جنوبا وحوران لَا ينْصَرف وَسمي الظّرْف ظرفا لِأَنَّهُ يَقع الْفِعْل فِيهِ كالشيء يَجْعَل فِي الظّرْف فَإِذا قلت هُوَ شَرْقي الدَّار فَجَعَلته اسْما جَازَ الرّفْع وَمثله قَول لبيد بن ربيعَة العامري (فغدت كلا الفرجين تحسب أَنه ... مولى المخافة خلفهَا وأمامها) رفع خلفهَا وأمامها لِأَنَّهُ جَعلهمَا اسْما وهما حرفا الطَّرِيق قَالَ الشَّاعِر (أما النَّهَار فَفِي قيد وسلسلة ... وَاللَّيْل فِي جَوف منحوت من الساج) رفع اللَّيْل وَالنَّهَار لِأَنَّهُ جَعلهمَا اسْما وَلم يجعلهما ظرفا وَكَذَلِكَ يلزمون الشَّيْء الْفِعْل وَلَا فعل وَإِنَّمَا هَذَا على الْمجَاز كَقَوْل الله جلّ وَعز فِي الْبَقَرَة {فَمَا ربحت تِجَارَتهمْ} وَالتِّجَارَة لَا تربح فَلَمَّا كَانَ الرِّبْح فِيهَا نسب الْفِعْل إِلَيْهَا وَمثله {جدارا يُرِيد أَن ينْقض} وَلَا إِرَادَة للجدار وَقَالَ الشَّاعِر ( لقد لمتنا يَا أم غيلَان فِي السرى ... ونمت وَمَا ليل الْمطِي بنائم) وَاللَّيْل لَا ينَام وَإِنَّمَا ينَام فِيهِ وَقَالَ آخر (فَنَامَ ليلِي وتجلى همي) وَتقول هُوَ مني فرسخان ويومان لِأَنَّك تَقول بيني وَبَينه فرسخان ويومان فَإِذا قلب هُوَ مني مَكَان الثريا ومزجر الْكَلْب نصبت لِأَنَّك لَا تَقول بيني وَبَينه مَكَان الثريا وَلَا مزجر الْكَلْب وَقَالَ الشَّاعِر (وَأَنت مَكَانك فِي وَائِل ... مَكَان الثريا من است الْحمل)
وَالنّصب ب إِن وَأَخَوَاتهَا
قَوْلهم إِن زيدا فِي الدَّار شبهوه بِالْفِعْلِ الَّذِي يتَعَدَّى إِلَى مفعول بِهِ مقدم على الْفَاعِل كَقَوْلِهِم ضرب زيدا عَمْرو وَأخرج عمرا صَالح
وَالنّصب بِخَبَر كَانَ وَأَخَوَاتهَا
قَوْلهم كَانَ زيد قَائِما وَهُوَ فِي التمثال بِمَنْزِلَة الْمَفْعُول بِهِ الَّذِي تقدم فَاعله مثل قَوْلهم ضرب عبد الله زيدا
وَالنّصب من التَّفْسِير
قَوْلهم عنْدك خَمْسُونَ رجلا نصبت رجلا على التَّفْسِير قَالَ الله عز وَجل (إِن هَذَا أخي لَهُ تسع وَتسْعُونَ نعجة) نصبت نعجة على التَّفْسِير قَالَ الْأَعْشَى (فَلَو كنت فِي جب ثَمَانِينَ قامة ... ورقيت أَسبَاب السَّمَاء بسلم) نصبت قامة على التَّفْسِير
وَالنّصب من التَّمْيِيز
قَوْلهم أَنْت أحسن النَّاس وَجها وأسمحهم كفا يَعْنِي إِذا ميزت وَجها وكفا فَنصبت وَجها وكفا على التَّمْيِيز قَالَ الله عز وَجل فِي الْمَائِدَة (قل هَل أنبئكم بشر من ذَلِك مثوبة عِنْد الله) وَمثله (خير عِنْد رَبك ثَوابًا وَخير مردا) وَمَا كَانَ من نَحوه نصب مثوبة وثوابا ومردا وَمَا أشبهه على التَّمْيِيز قَالَ جرير بن عَطِيَّة (ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى الْعَالمين بطُون رَاح) نصب الْبُطُون على التَّمْيِيز والستم تَقْرِير أخرج مخرج الِاسْتِفْهَام وَقَالَ آخر (لنا مرفد سَبْعُونَ ألف مدجج ... فَهَل فِي معد مثل ذَلِك مرفدا) يَعْنِي إِذا ميزت مرفدا وَقَالَ آخر (ومية أحسن الثقلَيْن خدا ... وسالفة وَأَحْسَنهمْ قذالا) يَعْنِي إِذا ميزت خدا وسالفة وقذالا وَقَالَ آخر (فَإِنَّكُم خِيَار النَّاس قدما ... وأجلده رجَالًا بعد عَاد) (وَأَكْثَره شبَابًا فِي كهول ... كأسد تبَالَة الشهب الْوَارِد)
وَالنّصب بِالِاسْتِثْنَاءِ
قَوْلهم خرج الْقَوْم إِلَّا زيدا وَقَامَ النَّاس إِلَّا مُحَمَّدًا نصبت زيدا ومحمدا لِأَنَّهُمَا لم يشاركا النَّاس وَالْقَوْم فِي فعلهم فأخرجا من عَددهمْ
وَالنّصب بِالنَّفْيِ
قَوْلهم لَا مَال لعبد الله وَلَا عقل لزيد وَلَا جاه لعَمْرو نصبت مَالا وعقلا وجاها على النَّفْي وَلَا يَقع النَّفْي إِلَّا على نكرَة قَالَ الشَّاعِر (أنكرتها بعد أَعْوَام مضين لَهَا ... لَا الدَّار دَارا وَلَا الْجِيرَان جيرانا) فنفى بِالْألف وَاللَّام
وَالنّصب ب حَتَّى وَأَخَوَاتهَا
قَوْلهم لَا أَبْرَح حَتَّى تخرج وَلَا أذهب حَتَّى تقدم وَلنْ أخرج حَتَّى تَأْتِينَا نصبت تخرج وتأتينا وَتقدم ب حَتَّى قَالَ الله جلّ وَعز {لَا أَبْرَح حَتَّى أبلغ مجمع الْبَحْرين}
وَالنّصب بِالْجَوَابِ بِالْفَاءِ
قَوْلهم أكْرم زيدا فيكرمك وَتعلم الْعلم فينفعك نصبت يكرمك وينفعك لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر بِالْفَاءِ وَكَذَلِكَ القَوْل فِي جَمِيع أخواتها قَالَ الله جلّ وَعز فِي الشُّعَرَاء {فَلَا تدع مَعَ الله إِلَهًا آخر فَتكون من الْمُعَذَّبين} وَقَالَ جلّ ذكره فِي الْأَعْرَاف {فَهَل لنا من شُفَعَاء فيشفعوا لنا أَو نرد فنعمل} نصب فَتكون لِأَنَّهُ جَوَاب النَّهْي بِالْفَاءِ وَنصب فيشفعوا أَو نرد فنعمل لِأَنَّهُ جَوَاب الِاسْتِفْهَام بِالْفَاءِ وَأما قَوْله فِي الْأَنْعَام {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي يُرِيدُونَ وَجهه مَا عَلَيْك من حسابهم من شَيْء وَمَا من حِسَابك عَلَيْهِم من شَيْء فَتَطْرُدهُمْ فَتكون من الظَّالِمين} مَعْنَاهُ وَالله أعلم وَلَا تطرد فَتكون من الظَّالِمين تظلمهم فَتَطْرُدهُمْ فَقدم وَأخر
وَالنّصب بالتعجب
قَوْلهم مَا أحسن زيدا وَمَا أكْرم عمرا هُوَ فِي التمثال بِمَنْزِلَة الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ كَأَنَّهُ قَالَ شَيْء حسن زيدا وحد التَّعَجُّب مَا يجده الْإِنْسَان من نَفسه عِنْد خُرُوج الشَّيْء من عَادَته وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ هَذَا لَا يُقَاس عَلَيْهِ لِأَن قَوْلهم مَا أعظم الله لَا يجوز أَن تَقول شَيْء عظم الله فَرد عَلَيْهِم قَوْلهم وَقَالَ البصريون لَا يذهب الْقيَاس بِحرف وَاحِد وَقَالُوا لَا يَجْعَل فَاعله مَفْعُولا وَلَا مَفْعُوله فَاعِلا وَمن شَأْن الْعَرَب الوسع فِي كل شَيْء وَمعنى مَا أعظم الله مَا أعظم مَا خلق الله وَمَا أحسن مَا خلق
وَالنّصب الَّذِي فَاعله مفعول ومفعوله فَاعل
مثل قَول اللع جلّ وَعز فِي آل عمرَان {قَالَ رب أَنى يكون لي غُلَام وَقد بَلغنِي الْكبر} والحدثان للمخلوق لَا للكبر وَمثله فِي مَرْيَم {واشتعل الرَّأْس شيبا} والحدثان للشيب لَا للرأس وَمَعْنَاهُ وَقد بلغت الْكبر وَمثله {مَا إِن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي الْقُوَّة} مَعْنَاهُ لتنوء الْعصبَة بمفاتحه وَقيل معنى تنوء تذْهب قَالَ الشَّاعِر (أسلموه فِي دمشق كَمَا ... أسلمت وحشية وهقا) أَلا ترى أَن الْفِعْل للوهق وَمن ذَلِك قَول جرير (مثل القنافذ هداجون قد بلغت ... نَجْرَان اَوْ بلغت سوءاتهم هجر) والسوءات بلغت هجر وَقَالَ أَبُو زبيد الطَّائِي (إِلَيْك إِلَيْك عذرة بعد عذرة ... وَقد يبلغ الشَّرّ السديل المشمر) وَالشَّر قد يبلغ السديل وَمن ذَلِك قَول الآخر (كَانَت عُقُوبَة مَا جنيت كَمَا ... كَانَ الزناء عُقُوبَة الرَّجْم) الزناء يمد وَيقصر والبكاء أَيْضا وَالْوَجْه كَمَا كَانَ الرَّجْم عُقُوبَة الزناء
وَالنّصب من نِدَاء النكرَة الموصوفة
قَوْلهم يَا رجلا فِي الدَّار وَيَا غُلَاما ظريفا ونصبت لِأَنَّك ناديت من لم تعرفه فوصفته بالظرف وَنَحْوه قَول الله تبَارك وَتَعَالَى فِي يس {يَا حسرة على الْعباد} وَقَالَ الشَّاعِر (فيا رَاكِبًا إِمَّا عرضت فبلغن ... نداماي من نَجْرَان أَن لَا تلاقيا { وَقَالَ آخر (يَا ساريا بِاللَّيْلِ لَا تخش ضلة ... سعيد بن سلم ضء وكل بِلَاد) وَقَالَ آخر (أدَار بحزوى هجت للعين عِبْرَة ... فماء الْهوى يرفض أَو يترقرق وَقَالَ آخر (فيا موقدا نَارا لغيرك ضوءها ... وَيَا حَاطِبًا فِي غير حبلك تحطب) فنصب رَاكِبًا وساريا وموقدا ودارا لِأَنَّهَا نِدَاء نكرَة مَوْصُوفَة وَأما قَول الْأَعْشَى (قَالَت هُرَيْرَة لما جِئْت زائرها ... ويلي عَلَيْك وويلي مِنْك يَا رجل) وَقَول كثير (لَيْت التَّحِيَّة كَانَت لي فأشكرها ... مَكَان يَا جمل حييت يَا رجل) فَرفع رجلا وَهُوَ نكرَة وَإِنَّمَا رَفعه لِأَنَّهُ قَصده فَسَماهُ بِهَذَا الِاسْم فَكَأَنَّهُ جعله معرفَة وَأما قَول الآخر (سَلام الله يَا مطر عَلَيْهَا ... وَلَيْسَ عَلَيْك يَا مطر السَّلَام) فَإِنَّهُ نون مَطَرا اضطرارا ويروى بِالنّصب منونا وَأما قَول الآخر (إِنِّي وأسطارا سطرن سطرا ... لقَائِل يَا نصر نصرا نصرا) فَإِنَّهُ أَرَادَ أَعنِي نصرا وأدعو نصرا وَقَالَ بَعضهم كَأَنَّهُ قَالَ يَا نصر نصرا كَمَا تَقول صَبر وحديثا أَي اصبر وَحدث ويروى وأسطار بالخفض على الْقسم
وَالنّصب من الإغراء
قَوْلهم عَلَيْك زيدا ودونك عمرا ورويدك مُحَمَّدًا ورويد عمرا نصبته بالإغراء قَالَ الله جلّ وَعز فِي الْمَائِدَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم} فنصب على الإغراء وَقَالَ الشَّاعِر (فعد عَن الصِّبَا وَعَلَيْك هما ... توقش فِي فُؤَادك واختبالا) نصب هما بالإغراء وَقَالَ آخر (رويدا عليا جد مَا ثدي أمه ... إِلَيْنَا وَلَكِن بغضه متماين) ويغرى بكذلك ايضا قَالَ الشَّاعِر (أَقُول وَقد تلاحقت لمطايا ... كَذَاك القَوْل إِن عَلَيْك عينا) نصبت القَوْل بالإغراء وَمعنى الإغراء الزم واحفظ
وَالنّصب من التحذير
قَوْلهم رَأسك والحائط والأسد الْأسد مَعْنَاهُ احذر الْأسد قَالَ الله عز وَجل {فَقَالَ لَهُم رَسُول الله نَاقَة الله وسقياها} وَمَعْنَاهُ احْذَرُوا نَاقَة الله أَن تمسوها بِسوء وَقَالَ الشَّاعِر (أَخَاك أَخَاك إِن من لَا أَخا لَهُ ... كساع إِلَى الهيجا بِغَيْر سلَاح) وَقَالَ آخر (فطر خَالِدا إِن كنت تَسْتَطِيع طيرة ... وَلَا تقعن إِلَّا وقلبك حاذر) نصبت خَالِدا على التحذير
وَالنّصب من اسْم بِمَنْزِلَة اسْمَيْنِ
مثل قَوْلهم أَتَانِي خَمْسَة عشر رجلا ومررت بِخَمْسَة عشر رجلا وَضربت خَمْسَة عشر رجلا صَار الرّفْع وَالنّصب والخفض بِمَنْزِلَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ اسْم بِمَنْزِلَة اسْمَيْنِ ضم أَحدهمَا إِلَى الآخر فألزمت فيهمَا الفتحة الَّتِي هِيَ أخف الحركات وَكَذَلِكَ تَقول فِي معد يكرب وحضرموت وبعلبك بِمَنْزِلَة اسْمَيْنِ قَالَ الله عز وَجل فِي المدثر {عَلَيْهَا تِسْعَة عشر} نصب وَمحله الرّفْع لِأَنَّهُ خبر الصّفة وَتقول لَقيته كفة كفة وعَلى هَذَا قَالَ امْرُؤ الْقَيْس (لقد أنكرتني بعلبك وَأَهْلهَا ... وَلابْن جريج كَانَ فِي حمص أنكرا) نصب بعلبك لِأَنَّهُ اسْم بِمَنْزِلَة اسْمَيْنِ وَأما قَول الْأَعْشَى (وكسرى شهنشاه الَّذِي سَار ملكه ... لَهُ مَا اشْتهى رَاح عَتيق وزنبق) فَهَذِهِ الْهَاء من شهنشاه تتبع مَا بعْدهَا من رفع وَنصب وخفض تَقول شهنشاه ادخل شهنشاه اذْهَبْ شهنشاه اضْرِب فَإِذا رقفت قلت شهنشاه
وَالنّصب بِخَبَر مَا بَال وَأَخَوَاتهَا
قَوْلهم مَا بَال زيد قَائِما وَمَالك ساكتا وَمَا شَأْنك وَاقِفًا قَالَ الله جلّ ذكره فِي {سَأَلَ سَائل} {فَمَال الَّذين كفرُوا قبلك مهطعين} وَفِي المدثر (فَمَا لَهُم عَن التَّذْكِرَة معرضين) نصب مهطعين ومعرضين لِأَنَّهُمَا خبر مَال وَمثله فِي النِّسَاء {فَمَا لكم فِي الْمُنَافِقين فئتين} لِأَنَّهُ خبر مَال قَالَ الرَّاعِي (مَا بَال دفك بالفراش مذيلا ... أقذى بِعَيْنِك أم أردْت رحيلا) نصب مذيلا لِأَنَّهُ خبر مَا بَال
وَالنّصب من مصدر فِي مَوضِع فعل
قَوْله جلّ وَعز فِي حم الْمُؤمن {سنة الله الَّتِي قد خلت فِي عباده} نصب سنة الله لِأَنَّهُ مصدر فِي مَوضِع فعل كَأَنَّهُ قَالَ سنّ الله سنة فَجعل فِي مَوضِع سنّ سنة وَهُوَ مصدر فأضافه وَأسْقط التَّنْوِين للإضافة وَقَالَ كَعْب بن زُهَيْر (يسْعَى الوشاة بجنبيها وقيلهم ... إِنَّك يَا بن أبي سلمى لمقتول) نصب قيلهم لِأَنَّهُ مصدر فِي معنى يَقُولُونَ قيلا فأضاف وَأسْقط التَّنْوِين
وَالنّصب بِالْأَمر
قَوْلهم صبرا وحديثا أَي اصبر وَحدث قَالَ الله عز وَجل فِي سُورَة مُحَمَّد {فَضرب الرّقاب} مَعْنَاهُ فاضربوا الرّقاب وَمثله فِي الرّوم {منيبين إِلَيْهِ} و {مُخلصين لَهُ الدّين} أَي أنيبوا إِلَيْهِ وَأَخْلصُوا لَهُ الدّين قَالَ الشَّاعِر (فدع عَنْك نهبا صِيحَ فِي حجراته ... وَلَكِن حَدِيثا مَا حَدِيث الرَّوَاحِل) مَعْنَاهُ حَدثنِي حَدِيثا وَكَذَلِكَ قَوْلك صبرا أَي اصبر صبرا قَالَ الراجز (ملسا بذود الحمسي ملسا ... ملسا بِهِ حَتَّى كَأَن الشمسا) (بالأفق الغربي تُكْسَى الورسا) مَعْنَاهُ املس املس وَمثله قَوْلهم غفرانك لَا كُفْرَانك قَالَ الله عز وَجل فِي الْبَقَرَة {غفرانك رَبنَا وَإِلَيْك الْمصير} اغْفِر لنا رَبنَا وَمثله قَول الشَّاعِر (وقارك وارتئافك فِي نمير ... فَلَا تعجل بِالْغَضَبِ اعجلالا) أَي توقر وترأف
وَالنّصب بالمدح
قَوْلهم مَرَرْت بزيد الرجل الصَّالح نصبت الرجل الصَّالح على الْمَدْح وَإِن شِئْت جعلته بَدَلا من زيد فخفضته وَإِن شِئْت رفعته على إِضْمَار هُوَ كَقَوْلِك مَرَرْت بزيد هُوَ الرجل الصَّالح وَزعم يُونُس النَّحْوِيّ أَن نصب هَذَا الْحَرْف على الْمَدْح فِي سُورَة النِّسَاء {والمقيمين الصَّلَاة} و {وَالصَّابِرِينَ فِي البأساء وَالضَّرَّاء} قَالَ الشَّاعِر (لَا يبعدن قومِي الَّذين هم ... سم العداة وَآفَة الجزر) (النازلين بِكُل معترك ... والطيبين معاقد الأزر) نصب النازلين والطيبين على الْمَدْح ويروي بَعضهم والطيبون وينشد على ثَلَاثَة أوجه وَيَقُول اذا طَال كَلَام الْعَرَب بِالرَّفْع نصبوا ثمَّ رجعُوا إِلَى الرّفْع وَقَالَ الأخطل (نَفسِي فدَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ إِذا ... أبدى النواجد يَوْم باسل ذكر) (الخائض الْغمر والميمون طَائِره ... خَليفَة الله يستسقى بِهِ الْمَطَر) نصب الخائض والميمون وَخَلِيفَة الله على الْمَدْح والتعظيم وَقَالَ الأخطل أَيْضا (لقد حملت قيس بن عيلان حربها ... على مُسْتَقل بالنوائب وَالْحَرب) (أخاها إِذا كَانَت عضاضا سمالها ... على كل حَال من ذَلُول وَمن صَعب) نصب أخاها على الْمَدْح وَلَوْلَا ذَلِك لخفضه على الْبَدَل من مُسْتَقل وَإِنَّمَا ينصب الْمَدْح والذم والترحم والاختصاص على إِضْمَار أَعنِي ويفسر على ذَلِك لله وَلِرَسُولِهِ وَالْحَمْد وَالشُّكْر
وَالنّصب بالذم
قَوْلهم مَرَرْت بأخيك الْفَاجِر نصبت الْفَاسِق نصبت الْفَاجِر الْفَاسِق على الذَّم وعَلى هَذَا ينصب هَذَا الْحَرْف فِي تبت {وَامْرَأَته حمالَة الْحَطب} وَمثله {مذبذبين بَين ذَلِك} و {ملعونين أَيْنَمَا ثقفوا} مَنْصُوبَة على الذَّم كَمَا ذكر أهل النَّحْو وَقَالَ عُرْوَة بن الْورْد الْعَبْسِي (سقوني الْخمر ثمَّ تكنفوني ... عداة لله من كذب وزور) نصب عداة الله على الذَّم وَقَالَ النَّابِغَة الذبياني (لعمري وَمَا عمري عَليّ بهين ... لقد نطقت بطلا عَليّ الأقارع) (أقارع عَوْف لَا أحاول غَيرهَا ... وُجُوه قرود تبتغي من تجادع) نصب وُجُوه قرود على الذَّم وَقَالَ آخر (طليق الله لم يمنن عَلَيْهِ ... أَبُو دَاوُد وَابْن أبي كثير) (وَلَا الْحجَّاج عَيْني بنت مَاء ... تقلب عينهَا حذر الصقور) نصب عَيْني على الذَّم قَالَ ابْن خياط العكلي (وكل قوم أطاعوا أَمر سيدهم ... إِلَّا نميرا أطاعت أَمر غاويها) (الظاعنين وَلما يظعنوا أحدا ... والقائلين لمن دَار نخليها) (نصب الظاعنين والقائلين على الذَّم
وَالنّصب بالترحم
قَوْلهم مَرَرْت بِهِ الْمِسْكِين نصبت الْمِسْكِين على أَنَّك رَحمته وَقَالَ مهلهل (وَلَقَد خبطن بيُوت يشْكر خبطة ... أخوالنا وهم بَنو الْأَعْمَام) نصب أخوالنا على الترحم قَالَ طرفَة بن العَبْد (قسمت الدَّهْر فِي زمن رخي ... كَذَاك الحكم يقْصد أَو يجور) (لنا يَوْم وللكروان يَوْم ... تطير البائسات وَلَا نطير) نصب البائسات على الترحم وَقَالَ آخر (وتأوي إِلَى نسْوَة بائسات ... وشعثا مراضيع مثل السعالي) نصب شعثا ومراضيع على الترحم وَقَالَ آخر (فَأَصْبَحت بقرقرى كوانسا فَلَا تلمه أَن ينَام البائسا نصب البائس على الترحم وَالنّصب باختصاص قَوْلهم إِنَّا بني عبد الله نَفْعل كَذَا وَكَذَا نصب بني لِأَنَّهُ اخْتِصَاص اخْتصَّ الْفِعْل وَلم يخبر أَنهم بنوا عبد الله كَأَنَّهُ قَالَ إِنَّا أَعنِي بني عبد الله قَالَ مهلهل (إِنَّا بني تغلب قوم معاقلنا ... بيض السيوف إِذا مَا أفزع الْبَلَد) نصب بني على الِاخْتِصَاص قَالَ الشَّاعِر (إِنَّا بني منقر قوم لنا شرف ... فِينَا سراة بني سعد وناديها) وَقَالَ رؤبة بِنَا تميما يكْشف الضباب نصب تميما على الِاخْتِصَاص أَلا ترى أَنه أخبر عَن الْفِعْل وَقَالَ آخر (ألم تَرَ أَنا بني دارم ... زُرَارَة فِينَا أَبُو معبد) نصب بني على الِاخْتِصَاص وَأما قَول الآخر (نَحن بَنو خويلد صراحا ... ) فَإِنَّهُ رفع بني لِأَنَّهُ أخبر أَنهم بَنو خويلد وَنصب صراحا على الْقطع وينشد بَيت للبيد بن ربيعَة (نَحن بني أم الْبَنِينَ الْأَرْبَعَة ... وَنحن خير عَامر بن صعصعة) ينصب هَذَا الْبَيْت وَيرْفَع وَكَذَلِكَ قَالَ آخر (نَحن بَنو ضبة أَصْحَاب الْجمل ... ) وَبني ضبة ايضا على مَا بيّنت لَك
وَالنّصب بِالصرْفِ
قَوْلهم لَا أركب وتمشي وَلَا أشْبع وتجوع فَلَا أسقط الْكِنَايَة وَهِي أَنْت نصب لِأَن مَعْنَاهُ لَا أركب وَأَنت تمشي وَلَا أشْبع وَأَنت تجوع فَلَمَّا أسقط الْكِنَايَة وَهِي أَنْت نصب لِأَنَّهُ مَصْرُوف عَن جِهَته قَالَ الله عز وَجل {فَلَا تهنوا وَتَدعُوا إِلَى السّلم} وَكَذَلِكَ فِي الْبَقَرَة {وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ وتكتموا الْحق وَأَنْتُم تعلمُونَ} مَعْنَاهُ وَالله أعلم وَأَنْتُم تكتمون الْحق وَأَنْتُم تدعون إِلَى السّلم فَلَمَّا أسقط أَنْتُم نصب وَقَالَ بَعضهم موضعهَا جزم على معنى وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ وَلَا تكتموا الْحق وَقَالَ المتَوَكل الْكِنَانِي (لَا تنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله ... عَار عَلَيْك إِذا فعلت عَظِيم) نصب تَأتي على فقدان أَنْت وَمن الصّرْف أَيْضا قَول الله عز وَجل {بلَى قَادِرين} مَعْنَاهُ بلَى نقدر فصرف من الرّفْع إِلَى النصب وَقَالَ بَعضهم على معنى بلَى كُنَّا قَادِرين قَالَ الشَّاعِر (ألم ترني عَاهَدت رَبِّي وإنني ... لبين رتاج قَائِما ومقام) (على قسم لَا أشتم الدَّهْر مُسلما ... وَلَا خَارِجا من فِي زور كَلَام) فنصب خَارِجا على الصّرْف مَعْنَاهُ وَلَا يحرج فَلَمَّا صرفه نَصبه وَأما نصب {صبغة الله} فعلى معنى فعل مُضْمر اطرَح لعلم الْمُخَاطب بِمَعْنَاهُ وَهُوَ الزموا صبغة الله والصبغة الدّين وَأما قَوْله تَعَالَى {قل بل مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا} نصب مِلَّة على إِضْمَار كَلَام كَأَنَّهُ قَالَ بل نتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم وَقَوله {سَلام قولا من رب رَحِيم} نصب قولا على الصّرْف أَي يَقُولُونَ قولا
النصب ب سَاءَ وَنعم وَبئسَ وَأَخَوَاتهَا
فَهَذِهِ حُرُوف تنصب النكرَة وترفع الْمعرفَة تَقول بئس رجلا زيد وَنعم رجلا مُحَمَّد نصبت رجلا لِأَنَّهُ نكره وَرفعت زيدا ومحمدا لِأَنَّهُمَا معرفتان قَالَ الله تَعَالَى {سَاءَ مثلا الْقَوْم الَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا} و {كَبرت كلمة} نصبت مثلا وَكلمَة لِأَنَّهُمَا نكرتان وَمِنْه قَوْله عز وَجل {وساء لَهُم يَوْم الْقِيَامَة حملا} وَمثله {مأواهم جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا} ) وَتقول حبذا رجلا زيد قَالَ الشَّاعِر (أَبُو مُوسَى فحسبك نعم جدا ... وَشَيخ الركب خَالك نعم خالا) نصب جدا وخالا لِأَنَّهُمَا نكرتان
وَالنّصب من خلاف الْمُضَاف
قَوْلهم هَذَا ضَارب زيد تخْفض زيدا بِإِضَافَة ضَارب زيد إِلَيْهِ فَإِذا أدخلت التَّنْوِين على ضَارب خَالَفت الْإِضَافَة وَصَارَ كالمفعول بِهِ فَنصبت زيدا بِخِلَاف الْمُضَاف وعَلى أَنه كَانَ مَفْعُولا تَقول من ذَلِك هَذَا ضَارب زيدا ومكلم مُحَمَّدًا فَلَمَّا أدخلت التَّنْوِين نصبت وَمثله قَول الله جلّ اسْمه (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل إخْوَانًا) نصب إخْوَانًا للتنوين ومجازه من غل إخْوَان وَكَذَلِكَ {فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء} نصب سَوَاء لمجيئه بعد التَّنْوِين وَإِن قلت نصبت على الِاسْتِغْنَاء جَازَ وَقَالَ العجاج (وَكم حسرنا من علاة عنس ... درفسة وبازل درفس) (محتنك ضخم شؤون الرَّأْس ... ) نصب شؤون لما أَدخل التَّنْوِين على ضخم ومجازه ضخم شؤون وَقَالَ الْحَارِث بن ظَالِم (فَمَا قومِي بِثَعْلَبَة بن سعد ... وَلَا بفزارة الشّعْر الرقابا) نصب الرّقاب لإدخال الْألف وَاللَّام على الشّعْر لِأَن الْألف وَاللَّام يعاقبان التَّنْوِين والتنوين يُعَاقب الْألف وَاللَّام وَقَالَ آخر (لَيست من السود أعقابا إِذا انصرفت ... وَلَا تبيع بشطي مَكَّة البرما) نصب أعقابا لإدخال الْألف وَاللَّام على السود وَقَالَ رؤبة (الْحزن بَابا والعقور كَلْبا ... ) نصب بَابا وكلبا لإدخال الْألف وَاللَّام على الْحزن والعقور وَتقول هَذَا حسن وَجها وَهَذَا حسن الْوَجْه فَإِذا أدخلت عَلَيْهَا الْألف وَاللَّام نصبت أَيْضا وَجها تَقول هَذَا الْحسن وَجها وَهَذَا الْحسن الْوَجْه تنصب مَا بعده على خلاف الْمُضَاف وَأما قَول النَّابِغَة (ونأخذه بعده بذناب عَيْش ... أجب الظّهْر لَيْسَ لَهُ سَنَام) فَإِنَّهُ نوى التَّنْوِين فِي أجب وأجب لَا ينْصَرف لِأَنَّهُ على وزن أفعل وَنصب الظّهْر لِأَنَّهُ نوى التَّنْوِين فِي أجب كَمَا تَقول مَرَرْت بِحسن الْوَجْه فنصب على خلاف الْمُضَاف
وَالنّصب على الْموضع لَا على الِاسْم
قَوْلهم أزورك فِي الْيَوْم أَو غَدا وَتقول لَسْتُم بالكرام وَلَا السَّادة قَالَ عقيبة الْأَسدي (معاوي إننا بشر فَأَسْجِحْ ... فلسنا بالجبال وَلَا الحديدا) نصب الْحَدِيد على مَوضِع الْجبَال لِأَن موضعهَا النصب وَإِنَّمَا انخفض بِالْبَاء الزَّائِدَة وَلَيْسَ للباء مَوضِع فِي الْإِعْرَاب كَأَنَّهُ قَالَ فلسنا الْجبَال وَلَا الْحَدِيد وَالْبَاء للإقحام وَقَالَ كَعْب بن جعيل (أَلا حَيّ نَدْمَانِي عُمَيْر بن عَامر ... إِذا مَا تلاقينا من الْيَوْم أَو غَدا) نصب غَدا على الْموضع لَا على الِاسْم لِأَن من لَا مَوضِع لَهَا من الْإِعْرَاب وَقَالَ لبيد (فَإِن لم تَجِد من دون عدنان والدا ... وَدون معد فلتزعك العواذل) نصب دون على الْموضع لَا على الِاسْم وَمِنْه قَول جرير (فالشمس طالعة لَيست بكاشفة ... تبْكي عَلَيْك نُجُوم اللَّيْل والقمرا) نصب نُجُوم اللَّيْل والقمرا لِأَن موضعهما نصب كَمَا تَقول لَا آتِيك عبَادَة النَّاس الله أَي مَا عبد النَّاس الله كاشفة يَعْنِي ظَاهِرَة يُقَال ضربه فكشف عظمه أَي أظهره
وَالنّصب من نعت النكرَة تقدم على الِاسْم
تَقول هَذَا ظريفا غُلَام وَهَذَا وَاقِفًا رجل قَالَ الشَّاعِر (وَتَحْت العوالي والقنا مستظلة ... ظباء أعارتها الْعُيُون الجآدر) نصب مستظلة لِأَنَّهُ نعت ظباء تقدم قَالَ النَّابِغَة (كَأَنَّهُ خَارِجا من جنب صفحته ... سفود شرب نسوه عِنْد مفتأد) نصب خَارِجا لِأَنَّهُ نعت سفود تقدم وَقَالَ آخر (لمية موحشا طلل ... يلوح كَأَنَّهُ خلل) نصب موحشا لِأَنَّهُ نعت نكرَة تقدم على الِاسْم وَقَالَ آخر (وبالجسم مني بَينا إِن نظرته ... شحوب وَإِن تستشهد الْعين تشهد) نصب بَينا لِأَنَّهُ نعت نكرَة تقدم على الِاسْم وَهُوَ شحوب وَقَالَ آخر (هِشَام ابْن الخلائف قد طوتني ... ببابك سَبْعَة عددا شهور) (بَعِيرًا واقفان وصاحبيه ... ألما يَأن أَن يثم الْبَعِير) أَرَادَ بَعِيرًا صَاحِبيهِ واقفان فَقدم وَأخر وَأما قَول الله جلّ ذكره {خاشعة أَبْصَارهم} فَإِنَّهُ نصب على الْحَال أَي يخرجُون بِتِلْكَ الْحَال
وَالنّصب بالنداء الْمُضَاف
قَوْلهم يَا زيد بن عبد الله نصبت زيدا لِأَنَّهُ نِدَاء مُضَاف ونصبت بن لِأَنَّهُ بدل من زيد وخفضت عبد الله بِإِضَافَة بن إِلَيْهِ وَقد تنادي الْعَرَب بِغَيْر حرف النداء يَقُولُونَ زيد بن عبد الله على معنى يَا زيد بن عبد الله قَالَ الله جلّ ذكره فِي سُورَة {بني إِسْرَائِيل} {ذُرِّيَّة من حملنَا مَعَ نوح} بِمَعْنى يَا ذُرِّيَّة من حملنَا وَلَا يفصل بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُقَال جَاءَ غُلَام الْيَوْم زيد وَلَكِن تَقول جَاءَ غُلَام زيد الْيَوْم وَجَاء الْيَوْم غُلَام زيد وَقد جَاءَ فِي الشّعْر مُنْفَصِلا قَالَ عَمْرو بن قميئة (لما رَأَتْ ساتيدما استعبرت ... لله در الْيَوْم من لامها) أَي لله در من لامها الْيَوْم ففصل وَقَالَ آخر (كَمَا خطّ الْكتاب بكف يَوْمًا ... يَهُودِيّ يُقَارب أَو يُعِيد) أَي بكف يَهُودِيّ قَالَ الله تَعَالَى {زين لكثير من الْمُشْركين قتل أَوْلَادهم شركاؤهم} فرق بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ قَالَ ذُو الرمة (كَأَن أصوات من إيغالهن بِنَا ... أَوَاخِر الميس أصوات الفراريج) أَرَادَ كَأَن أصوات أَوَاخِر الميس وَقَالَ أخر (وَقد زَعَمُوا أَنِّي جزعت عَلَيْهِمَا ... وَهل جزع أَن قلت وابأباهما) (هما أخوا فِي الْحَرْب من لَا أخاله ... إِذا خَافَ يَوْمًا نبوة فدعاهما) يَعْنِي أخوا من لَا أخاله ففصل بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ وَقدم وَأخر
وَالنّصب على الِاسْتِغْنَاء وَتَمام الْكَلَام
مثل قَول الله تَعَالَى فِي الطّور {وَالطور وَكتاب مسطور فِي رق منشور وَالْبَيْت الْمَعْمُور} إِلَى قَوْله {إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات ونعيم فاكهين بِمَا آتَاهُم رَبهم} ) نصب فاكهين على الِاسْتِغْنَاء وَتَمام الْكَلَام وَفِي سُورَة الذاريات {إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات وعيون آخذين} وَمثله {فارهين} و {خَالِدين} كل هَذَا نصب فنصب آخذين على الِاسْتِغْنَاء وَتَمام الْكَلَام لِأَنَّك إِذا قلت {إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات وعيون} ثمَّ سكت فقد تمّ الْكَلَام وَاسْتغْنى عَمَّا يَجِيء بعده فنصب مَا يَجِيء بعده وَإِذا قلت إِن زيدا فِي الدَّار وَسكت كَانَ كلَاما تَاما فَلَمَّا اسْتَغْنَيْت عَن الْقَائِم نصبت فَقلت قَائِما وَأما قَوْله {إِن الْمُجْرمين فِي عَذَاب جَهَنَّم خَالدُونَ} فَإِنَّهُ رفع على خبر أَن وَإِذا قلت {إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات ونعيم} فقد تمّ كلامك وَلم تحتج إِلَى مَا بعده فتنصب على الِاسْتِغْنَاء وَأما قَوْله عز وَجل {إِن أَصْحَاب الْجنَّة الْيَوْم فِي شغل فاكهون} فَإِنَّهُ رفع فاكهون لِأَنَّهُ خبر إِن وَلِأَن الْكَلَام لم يتم دونه قَالَ الشَّاعِر فِي مثله
(وَإِن لكم أصل الْبِلَاد وفرعها ... وللخير فِيكُم ثَابتا مبذولا) نصبت ثَابتا مبذولا على الِاسْتِغْنَاء وَتَمام الْكَلَام لِأَنَّك إِذا قلت وللخير فِيكُم فقد تمّ كلامك وَتقول أنتكلم بِهَذَا وَأَنت هَهُنَا قَاعِدا وَمثله {انْتَهوا خيرا لكم} نصب خيرا لِأَنَّهُ يحسن السُّكُوت عَنهُ وَقَوله {فَمن تطوع خيرا فَهُوَ خير لَهُ وَأَن تَصُومُوا خير لكم} رفع لِأَنَّهُ خبر لَا يحسن السُّكُوت دونه وَكَذَلِكَ {وَأَن يستعففن خير لَهُنَّ} وَيُقَال مَعْنَاهُ وَإِن تَصُومُوا فالصيام خير لكم وَإِن يستعففن يكن الاستعفاف خيرا لَهُنَّ فالاستعفاف خير لَهُنَّ وَمثل الأول فِي الْأَعْرَاف {قل هِيَ للَّذين آمنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة} نصب خَالِصَة على الِاسْتِغْنَاء وَتَمام الْكَلَام كَمَا تَقول هِيَ لَك نحلة وَيرْفَع أَيْضا ب هِيَ كَمَا تقو أنحلها لَك نحلة وَيرْفَع أَيْضا تَقول هِيَ خَالِصَة على تقدم الْكَلَام على خَبره وَأما قَوْله عز وَجل {وَهُوَ الْحق مُصدقا} {وَله الدّين واصبا} مَعْنَاهُ هُوَ الْحق الْمُصدق وَله الدّين الواصب فَإِنَّهُ لما أسقط الْألف وَاللَّام نصب على الْقطع
وَالنّصب الَّذِي يَقع فِي النداء الْمُفْرد
أَن تنادي اسْما لَيْسَ فِيهِ الْألف وَاللَّام ثمَّ تعطف عَلَيْهِ باسم فِيهِ ألف وَلَام تقو ل يَا زيد وَالْفضل وَيَا مُحَمَّد والْحَارث وَقَالَ الله جلّ وَعز {يَا جبال أوبي مَعَه وَالطير} نصب الطير لِأَن حرف النداء لم يَقع عَلَيْهِ وَلم يجز أَن تَقول يَا الْفضل فَنصبت على خلاف النداء وَقَالَ الشَّاعِر (أَلا يَا زيد وَالضَّحَّاك سيرا ... فقد جاوزتما خمر الطَّرِيق) وَقَالَ أخر (فَمَا كَعْب بن مامة وَابْن سعدى ... بأجود مِنْك يَا عمر الجوادا) أَرَادَ يَا الْجواد فَلَمَّا لم يجز نَصبه وَيجوز أَن ترفع على معنى يَا زيد أقبل وليقبل مَعَك الْفضل وعَلى هَذَا يقْرَأ من يقْرَأ (يَا جبال أوبي مَعَه وَالطير) على الرّفْع ومجازه وليؤوب الطير مَعَك وَأما قَول النَّابِغَة (كليني لَهُم يَا أُمَيْمَة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الْكَوَاكِب) فنصب أُمَيْمَة لِأَنَّهُ أَرَادَ التَّرْخِيم فَترك الِاسْم على أَصله وَأخرج على التَّمام وَنصب عل نِيَّة التَّرْخِيم وَقَالَ قوم نَصبه على الندبة وَالتَّفْسِير الأول احسن وَالْمَنْدُوب ينْدب بِالْهَاءِ وَالْألف وَإِنَّمَا ألْحقُوا الْألف لبعد الصَّوْت فَقَالُوا يَا زيدا وَيُقَال بِالْهَاءِ أَيْضا يَا زيداه وَقَالَ جرير بن عَطِيَّة يرثي عمر بن عبد الْعَزِيز رَحْمَة الله عَلَيْهِ (قلدت أمرا عَظِيما فاصطبرت لَهُ ... وسرت فِيهِ بِحكم الله يَا عمرا) فَألْحق الْألف للندبة قَالَ الله عز وَجل {يَا حسرتى على مَا فرطت فِي جنب الله}
وَالنّصب على البنية
مَا كَانَ بِنَاء بنته الْعَرَب مِمَّا لَا يَزُول إِلَى غَيره مثل الْفِعْل الْمَاضِي وَمثل حُرُوف إِن وليت وَلَعَلَّ وسوف وَأَيْنَ وَمَا أشبهه أَي كَثُرُوا وَقَالَ آخر (لَو أَن قومِي حِين تدعوهم حمل ... على الْجبَال الصم لَا نهد الْجَبَل) أَي حملُوا فأفرد مُؤَخرا وَقَالَ آخر (إِذا رَأَيْت أنجما من الْأسد جَبهته أَو الخرات والكتد) (بَال سُهَيْل فِي الفضيح ففسد ... وطاب ألبان الشتَاء وَبرد) أَي بردت
وَالنّصب بِالدُّعَاءِ
قَوْلهم تَبًّا لَهُم وَسُحْقًا وتربا لَهُ وجندلا أَي لقاه الله تربا وجندلا قَالَ الشَّاعِر (هَنِيئًا لأرباب الْبيُوت بُيُوتهم ... وللعزب الْمِسْكِين مَا يتلمس) قَالَ هَنِيئًا لَهُم فِي معنى ليهنهم كَمَا يُقَال هَنِيئًا لَك أَبَا فلَان أَي لِيَهنك وَيرْفَع أَيْضا فَيُقَال ترب لَهُ وجندل أَي الَّذِي يلقاه ترب وجندل قَالَ الشَّاعِر (لقد ألب الواشون ألبا لبينهم ... فترب لأفواه الوشاة وجندل) فَرفع وَالنّصب أَجود وَإِنَّمَا رَفعه لِأَنَّهُ جعله اسْمَيْنِ وَقَالَ آخر (نبئت نعما على الهجران عاتبه ... سقيا ورعيا لذاك العاتب الزاري) أَي سقَاهُ الله ورعاه وَأما قَول الآخر (عجبا لتِلْك قَضِيَّة وإقامتي ... فِيكُم على تِلْكَ الْقَضِيَّة أعجب) فَإِنَّهُ أَرَادَ عجبت عجبا ويروى عجب بِالرَّفْع وَنصب قَضِيَّة على عدم الصّفة أَي من قَضِيَّة
وَالنّصب بالاستفهام
قَوْلهم أقعودا وَالنَّاس قيام على معنى أتقعدون وَالنَّاس قيام وَهَذَا فعل لَيْسَ بماض وَلَا مُسْتَقْبل وَهُوَ فعل دَائِم أَنْت فِيهِ قَالَ الشَّاعِر (أطربا وَأَنت قنسري ... والدهر بالإنسان دواري) أَرَادَ تطرب طَربا وَقَالَ آخر (أعبدا حل فِي شعبى غَرِيبا ... ألؤما لَا أبالك واغترابا) أَرَادَ تجمع لؤما واغترابا وَقَالَ آخر (أَفِي الولائم أَوْلَادًا لوَاحِدَة ... وَفِي العيادة أَوْلَادًا لعَلَّات) يَعْنِي لأمهات أَي تصيرون مرّة كَذَا وَمرَّة كَذَا وَتقول أقرشيا مرّة وتميما مرّة أَي تصير مرّة كَذَا وَمرَّة كَذَا وَأما قَول الشَّاعِر (ألحق عذابك بالقوم الَّذين طغوا ... وعائذا بك أَن يطغوا فيطغوني) فَكَأَنَّهُ قَالَ أعوذ بك عائذا
وَالنّصب بِخَبَر كفى مَعَ الْبَاء
قَوْلهم كفى بزيد رجلا قَالَ الله عز وَجل {وَكفى بِاللَّه حسيبا} {وَكفى بِاللَّه شَهِيدا} {وَكفى بِرَبِّك هاديا ونصيرا} وَمثله كثير فِي كتاب الله عز وَجل قَالَ الشَّاعِر هُوَ حسان بن ثَابت (فَكفى بِنَا فضلا على من غَيرنَا ... حب النَّبِي مُحَمَّد إيانا) نصب فضلا ب كفى وخفض غَيرنَا لِأَنَّهُ جعل من نكرَة كَأَنَّهُ قَالَ على حَيّ غَيرنَا وَقد رَفعه نَاس وَهُوَ أَجود على قَوْله على من هُوَ غَيرنَا أَي على حَيّ هم غَيرنَا فيضمرون هم كَمَا قرئَ هَذَا الْحَرْف فِي الْأَنْعَام {ثمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب تَمامًا على الَّذِي أحسن} أَي على الَّذِي هُوَ أحسن وَمن قَرَأَ (على الَّذِي احسن) فَإِن مَحَله الْخَفْض إِلَّا أَنه على أفعل وأفعل لَا ينْصَرف وَحسب مثل كفى إِلَّا أَنَّك تخْفض ب حسب وتنصب ب كفى تَقول حسب زيد دِرْهَم وَهُوَ فِي مَحل الْخَفْض فَإِذا نسقت عَلَيْهِ باسم ظَاهر خفضت الِاسْم الظَّاهِر أَيْضا تَقول حسب زيد وَعَمْرو دِرْهَمَانِ وَحسب عبد الله وأخيك ثَوْبَان رفعت حسب على الِابْتِدَاء وثوبان خبر الِابْتِدَاء فَإِذا كنيت الِاسْم الأول وعطفت عَلَيْهِ باسم ظَاهر نصبت الِاسْم الظَّاهِر تَقول حَسبك وَعبد الله دِرْهَمَانِ وحسبه ومحمدا ثَوْبَان مَعْنَاهُ حَسبك وَكفى عبد الله دِرْهَمَانِ قَالَ الشَّاعِر (إِذا كَانَت الهيجاء وانشقت الْعَصَا ... فحسبك وَالضَّحَّاك عضب مهند) أَرَادَ حَسبك وَكفى الضَّحَّاك سيف مهند
وَالنّصب بالمواجهة وَتقدم الِاسْم
قَوْلهم إياك ضربت وَإِيَّاك أردْت قَالَ الله جلّ وَعز {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} إياك فِي مَحل النصب بِرُجُوع مَا فِي الْفِعْل عَلَيْهِ قَالَ الشَّاعِر (إياك أَدْعُو فَتقبل ملقي ... واغفر خطاياي وثمر ورقي) الْوَرق يُرَاد بِهِ المَال من الْإِبِل وَالْغنم وكل مَا حسن حَال الرجل جَائِز أَن يُسمى وَرقا يشبه بورق الْغُصْن وَقَالَ آخر (وَإِيَّاك لَو عضتك فِي الْحَرْب مثلهَا ... جررت على مَا سَاءَ نابا وكلكلا) أَرَادَ أَنْت لَو عضت إِلَّا أَنه أظهر الْكِنَايَة فَقَالَ عضتك فأوقع الْفِعْل على الِاسْم وألغى كَاف الْكِنَايَة وَقَالَ آخر (لعمرك مَا خشيت على عدي ... سيوف بني مُقَيّدَة الْحمار) (وَلَكِنِّي خشيت على عدي ... سيوف الرّوم أَو إياك حَار) أَرَادَ حارثا وَأَرَادَ وخفتك فَلم يستقم عَلَيْهِ الشّعْر فَقَالَ إياك وَقَالَ آخر (إِلَيْك حَتَّى بلغت إياكا) فَلَمَّا لم يصل إِلَى الْكَاف قَالَ إياك وَأما قَوْلهم إياك وزيدا إياك والتماس الْبَاطِل قَالَ فَإِنَّهُم ينصبون الْكَلَام الْأَخير على معنى التحذير قَالَ الشَّاعِر (إياك أَنْت وَعبد الْمَسِيح ... أَن تقربا قبْلَة الْمَسْجِد) وَقَالَ آخر (إيا المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لَا أرضاهما لصديق) وَقَالَ آخر (فإياك إياك المراء فَإِنَّهُ ... إِلَى الشَّرّ دُعَاء وللشر جالب) نصب المراء على النَّهْي عَنهُ فَإِذا أخْبرت ترفع تَقول كل امْرِئ وَنَفسه وكل قوم ومواقفهم
وَالنّصب بفقدان الْخَافِض
نَحْو قل الله عز وَجل فِي آل عمرَان {إِنَّمَا ذَلِكُم الشَّيْطَان يخوف أولياءه} نصب أولياءه على فقدان الْخَافِض يَعْنِي يخوف بأوليائه فَلَمَّا أسقط الْبَاء نصب وَمثله قَوْله جلّ ذكره {ذكر رَحْمَة رَبك عَبده زَكَرِيَّا} نصب عبد هـ على فقدان الْخَافِض أَي لعَبْدِهِ فَلَمَّا أسقط اللَّام نصب وَمثله {أَو عدل ذَلِك صياما} أَي من صِيَام وَمثله {مَا هَذَا بشرا} أَي ببشر فَلَمَّا اسقط الْبَاء نصب وَتَمِيم ترفع هَذَا كلما كَانَ بعد الِاسْم الْمُبْهم والمكنى يجعلونه مُبْتَدأ وخبرا ويقرؤون / مَا هَذَا بشر / فيجعلون هَذَا مُبْتَدأ وبشرا خَبره وعَلى هَذَا يروون هَذَا الْبَيْت للنابغة (قَالَت فِيمَا ليتما هَذَا الْحمام لنا ... إِلَى حمامتنا وَنصفه فقد) يرفعون الْحمام لأَنهم يجْعَلُونَ هَذَا مُبْتَدأ وَالْحمام خَبره وَلَا يعْملُونَ لَيْت وَمن نصب الْحمام أَرَادَ الْعَمَل ل لَيْت وَأَرَادَ لَيْت الْحمام لنا وَجعل مَا وَهَذَا هَهُنَا حَشْوًا وَكَذَلِكَ مَذْهَبهم فِي / مَا هَذَا بشر / وعَلى هَذَا يقرؤون فِي سُورَة الْبَقَرَة {إِن الله لَا يستحيي أَن يضْرب مثلا مَا بعوضة فَمَا فَوْقهَا} (بِالرَّفْع على معنى ابْتِدَاء وَخَبره وَمن قَرَأَ مَا بعوضة جعل مَا حَشْوًا وصلَة على معنى إِن يضْرب مثلا بعوضة وَقيل أَرَادَ مَا بَين بعوضة فَلَمَّا أسقط الْخَافِض نصب وَمِنْه قَول الشَّاعِر (يَا أحسن النَّاس مَا قرنا إِلَى قدم ... وَلَا حبال محب وَاصل تصل أَي مَا بَين قرن إِلَى قدم وَالْعرب تَقول مُطِرْنَا مَا زبالة فالثعلبية أَي مَا بَين قَالَ الفرزدق فِي فقدان الْخَافِض (منا الَّذِي اختير الرِّجَال سماحة ... وجودا إِذا هَب الرِّيَاح الزعازع) أَي اختير من الرِّجَال وَقَالَ آخر (أسْتَغْفر الله ذَنبا لست محصيه ... رب الْعباد إِلَيْهِ الْوَجْه وَالْعَمَل) أَي من ذَنْب وَقَالَ آخر (وَكُونُوا أَنْتُم وَبني أبيكم ... مَكَان الكليتين من الطحال) أَي مَعَ بني أبيكم فَلَمَّا نزع مَعَ نَصبه وَقَالَ آخر (وأغفر عوراء الْكَرِيم اصطناعه ... وَأعْرض عَن شتم اللئام تكرما) أَي لاصطناعه وَقَالَ الله جلّ وَعز فِي الْأَعْرَاف {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا} لِمِيقَاتِنَا) أَي اخْتَار مُوسَى من قومه وَنصب سبعين بإيقاع الْفِعْل عَلَيْهِ وَنصب رجلا على التَّفْسِير قَالَ الشَّاعِر (أزمان قومِي وَالْجَمَاعَة كَالَّذي ... لزم الرحالة أَن تميل مميلا) أَي مَعَ الْجَمَاعَة وَقَالَ الفرزدق (نبئت عبد الله بالجو أَصبَحت ... كراما مواليها لِئَامًا صميمها) أَي عَن عبد الله وَقَالَ المتلمس (آلَيْت حب الْعرَاق الدَّهْر آكله ... وَالْحب يَأْكُلهُ فِي الْقرْيَة السوس) أَي على حب الْعرَاق وآكله بِمَعْنى لَا آكله وَأما قَول الله تَعَالَى {تساقط عَلَيْك رطبا جنيا} فَهَذَا على قطع الْألف وَاللَّام مِنْهُ يَعْنِي الرطب فَلَمَّا قطع الْألف وَاللَّام نَصبه
وَالنّصب ب كم إِذا كَانَ استفهاما
قَوْلهم كم رجل عنْدك أَرَادَ رب رجل عنْدك فَإِذا فصلت نصبت فَقلت كم عنْدك رجلا قَالَ زُهَيْر (تؤم سِنَانًا وَكم دونه ... من الأَرْض محدودبا غارها) أَرَادَ كم محدودب من الأَرْض غارها فَلَمَّا فصل نصب وَقَالَ آخر (كم بجود مقرفا نَالَ الْعلَا ... وكريما بخله قد وَضعه) وَقَالَ الْقطَامِي (كَمَا نالني مِنْهُم فضلا على عدم ... إِذْ لَا أَزَال من الإقتار أجتمل) أَرَادَ كم فضل نالني مِنْهُم فَلَمَّا فصل نصب وَتقول فِي الْخَبَر كم رجل أَتَاك وَكم رجل لقِيت قَالَ الشَّاعِر (كم مُلُوك باد ملكهم ... ونعيم سوقه بارا) وَإِن شِئْت رفعت فَقلت كم رجل عنْدك كَأَنَّك قلت رجل عنْدك وَلم تلْتَفت إِلَى كم وَأما قَول الشَّاعِر (على أنني بَعْدَمَا قد مضى ... ثَلَاثُونَ للهجر حولا كميلا) (يذكرنيك حنين العجول ... ونوح الْحَمَامَة تَدْعُو هديلا) أَرَادَ ثَلَاثُونَ حولا كميلا للهجر ففصل
وَالنّصب الَّذِي يحمل على الْمَعْنى
كَقَوْل الشَّاعِر (وَبينا نَحن ننظره أَتَانَا ... مُعَلّق وَفِضة وزناد راعي) حذف التَّنْوِين من مُعَلّق وأضافه إِلَى وَفِضة وَعطف عَلَيْهِ زناد راعي كَأَنَّهُ قَالَ ومعلقا زناد راعي وَقَالَ آخر (هَل أَنْت باعث دِينَار لحاجتنا ... أَو عبد رب أَخا عون بن محراق حمله على الْمَعْنى أَرَادَ هَل أَنْت باعث دِينَارا فَحذف التَّنْوِين وخفض الدِّينَار وَنصب عبد بالْعَطْف على مَوْضِعه كَأَنَّهُ نوى التَّنْوِين أما قَوْله الآخر (ذرار خلف المحجرين جَوَاده ... إِذا لم يحام دون أُنْثَى حَلِيلهَا أَرَادَ كرار جَوَاده فأضاف خلف إِلَيْهِ وَنصب جَوَاده على الْمَفْعُول بِهِ وَمِنْه قَول الآخر (ترى الثور فِيهَا مدْخل الظل رَأسه ... وسائره باد إِلَى الشَّمْس أجمع) أَرَادَ مدخلًا رَأسه الظل فأضاف الظل إِلَيْهِ وَنصب رَأسه على الْمَفْعُول بِهِ
وَالنّصب بِالْبَدَلِ
كَقَوْل الله عز وَجل فِي الْأَنْعَام {وَجعلُوا لله شُرَكَاء الْجِنّ} نصب الْجِنّ بِالْبَدَلِ وَمثله قَوْله فِيهَا {وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوا شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ} نصب شياطين على الْبَدَل وَقَالَ الشَّاعِر (كَأَن الْفُرَات مَاءَهُ وسديره ... غَدا بأناس يَوْم قفى الرحائل) نصب مَاءَهُ وسديره على الْبَدَل من اسْم كَأَن وَهُوَ الْفُرَات وَمثله قَول الشَّاعِر (كَأَن هَذَا ثناياها وبهجتها ... يَوْم الْتَقَيْنَا على أرحال عناب) أبدل ثناياها وبهجتها من هِنْد فنصب وَمَعْنَاهُ كَأَن هندا وَكَأن ثناياها وَكَأن بهجتها وَمِنْه تَقول رَأَيْت زيدا أَخَاهُ قَائِما نصبت زيدا ب رَأَيْت ونصبت أَخَاهُ بِالْبَدَلِ وَلَو رفعته على الِابْتِدَاء كَانَ جَائِزا وَمثله قَول الشَّاعِر وَهُوَ ذُو الرمة (ترى خلقهَا نصفا قناة قويمة ... وَنصفا نقا يرتج أَو يتمرمر) نصب نصفا على الْبَدَل وَأما قَول الآخر تَعدونَ عقر النيب أفضل مجدكم ... بني ضوطرى لَوْلَا الكمي المقنعا) فَإِنَّهُ نصب الكمي على إِضْمَار كَلَام كَأَنَّهُ قَالَ هلا تَعدونَ فِيمَا تعقرون الكمي المقنعا والكمي الْفَارِس الشجاع وَالْمقنع الَّذِي يقنع بِالسِّلَاحِ أَي لبس الْحَدِيد وَلَوْلَا فِي معنى هلا والمضمر فِي الْكَلَام كثير وَمثله قَول الآخر (وَمَا زرتني فِي النّوم الا تعلة ... كَمَا القابس العجلان ثمَّ يغيب) أَي كَمَا يفعل القابس وَقَالَ الله جلّ وَعز {وأشربوا فِي قُلُوبهم الْعجل بكفرهم} مَعْنَاهُ حب الْعجل وَمثله {واسأل الْقرْيَة الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعير الَّتِي أَقبلنَا فِيهَا} أَي سل أهل الْقرْيَة وَأهل العير وَمثله فِي السَّجْدَة {وَلَو ترى إِذْ المجرمون ناكسو رؤوسهم عِنْد رَبهم رَبنَا أبصرنا وَسَمعنَا} مَعْنَاهُ يَقُولُونَ رَبنَا أبصرنا وَمثله قَوْله تَعَالَى فِي الرَّعْد {وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال أَو قطعت بِهِ الأَرْض أَو كلم بِهِ الْمَوْتَى بل لله الْأَمر جَمِيعًا} فَاكْتفى بالْخبر وأضمر الْجَواب كَأَنَّهُ قَالَ لَسَارَتْ الْجبَال وتقطعت الأَرْض وتكلمت الْمَوْتَى فَاكْتفى بِالْأولِ عَن الْجَواب الْمُضمر فِي الْكَلَام قَالَ شَاعِر (كَذبْتُمْ وَبَيت الله لَا تنكحونها ... بني شَاب قرناها تصر وتحلب) يَعْنِي الَّتِي شَاب قرناها فأضمر وَقَالَ عنتر الْعَبْسِي (لَو كَانَ يدْرِي مَا المحاورة اشْتَكَى ... أَو كَانَ يدْرِي مَا الْكَلَام تكلم) أَي لقيل لَهُ تكلم وَأما قَول الآخر (تذكرت أَرضًا بهَا أَهلهَا ... أخوالها فِيهَا وأعمامها) أَي تذكرت أخوالها وأعمامها وَقَالَ الآخر (إِذا تغنى الْحمام الْوَرق هيجني ... وَلَو تعزيت عَنْهَا أم عمار) نصب أم عمار على معنى هيجني فَذكرت أم عمار وَتقول هَذَا ضَارب زيد وعمرا نصبت على ضمير فعل كَأَنَّك قلت وَضرب عمرا وَمثله قَول الشَّاعِر (جئني بِمثل بني بدر وأخوتهم ... أَو مثل أسرة مَنْظُور بن سيار) كَأَنَّهُ قَالَ أَو هَات مثل أسرة مَنْظُور وَأما قَول الآخر (قعُود على الْأَبْوَاب طلاب حَاجَة ... عوان من الْحَاجَات أَو حَاجَة بكرا) أَي أَو يطْلبُونَ حَاجَة بكرا وَمثله قَول الله جلّ ذكره فِي الْأَنْعَام {وَجعل اللَّيْل سكنا وَالشَّمْس وَالْقَمَر حسبانا} نصب الشَّمْس وَالْقَمَر على معنى وَجعل الشَّمْس وَالْقَمَر حسبانا
وَالنّصب بالمشاركة
نَحْو قَول عبد بني عبس (قد سَالم الْحَيَّات مِنْهُ القدما ... الأفعوان والشجاع الشجعما) (وَذَات قرنين ضموزا ضرزما ... ) نصب الْقدَم والشجاع إِذا كَانَ الْفِعْل لَهما وَكَانَ الْقدَم مسالمة للشجاع والشجاع مسالما للقدم وَمِنْه وَلَيْسَ بِعَيْنِه قَوْلك ضربت زيدا وعمرا أكرمت أَخَاهُ وَمثله كنت أَخَاك وزيدا أعنتك عَلَيْهِ وَكنت بِمَنْزِلَة ضربت وَسَائِر الْفِعْل قَالَ الله جلّ ذكره فِي الْأَعْرَاف {فريقا هدى وفريقا حق عَلَيْهِم الضَّلَالَة} نصب فريقا الثَّانِي على الْمُشَاركَة وَمِنْه فِي الْفرْقَان {وعادا وَثَمُود وَأَصْحَاب الرس وقرونا بَين ذَلِك كثيرا وكلا ضربنا لَهُ الْأَمْثَال وكلا تبرنا تتبيرا} نصب كلا بالمشاركة وَقَالَ فِي {هَل أَتَى} {يدْخل من يَشَاء فِي رَحمته والظالمين أعد لَهُم عذَابا أَلِيمًا} نصب الظَّالِمين على هَذَا وَقَالَ الشَّاعِر (أَصبَحت لَا أحمل السِّلَاح وَلَا ... أملك راس الْبَعِير إِن نَفرا (وَالذِّئْب أخشاه إِن مَرَرْت بِهِ ... وحدي وأخشى الرِّيَاح والمطرا) نصب الذِّئْب على أَن أضمر أخْشَى الذِّئْب ليَكُون الْفِعْل عَاملا كَمَا كَانَ أَولا
وَالنّصب بالقسم
عِنْد سُقُوط الْوَاو وَالْبَاء وَالتَّاء من أول الْقسم تَقول الله لَا أفعل ذَلِك يَمِين الله لَا أزورك نصبت لِأَنَّك نزعت حرف الْجَرّ كَمَا تَقول بِحَق لَا أزورك فَإِذا نزعت الْبَاء قلت حَقًا لَا أزورك قَالَ الشَّاعِر (أَلا رب من قلبِي لَهُ الله نَاصح ... وَمن قلبه لي فِي الظباء السوانح) قَالَ الله لِأَنَّهُ أَرَادَ وَالله فَلَمَّا أسقط الْوَاو نصب وَقَالَ آخر (إِذا مَا الْخبز تأدمه بِزَيْت ... فَذَاك أَمَانه الله الثَّرِيد) أَرَادَ وأمانه الله فَلَمَّا نزع مِنْهُ الْوَاو نصب قَالَ امْرُؤ الْقَيْس (فَقلت يَمِين الله مَا أَنا بارح ... وَلَو قطعُوا رَأْسِي لديك وأوصالي) وَبَعْضهمْ يضمرون حرف الْقسم ويجرون بِهِ فَيَقُولُونَ الله لَا أزورك كَمَا يضمرون رب ويجرون بِهِ وَتقول عمر الله وعمرك الله قَالَ الشَّاعِر (عمرك الله أما تعرفنِي ... أَنا حراث المنايا فِي الْفَزع) وَمثله قعدك الله على معنى نشدتك الله وَلَا فعل ل قعدك وَأما عمرك الله فعلى معنى عمرتك الله أَي سَأَلت الله لَك طول الْعُمر وَسُبْحَان الله بدل من التَّسْبِيح وريحانه استرزاقه ومعاذ الله على معنى عياذا بِاللَّه وَمعنى سُبْحَانَ الله فِي قَوْلهم نزاهة الله من السوء فَأَما سبوحا قدوسا فنصبه على معنى ذكرت سبوحا قدوسا وَأما مَا ينصب من المصادر فِي معنى التَّعَجُّب قَوْلهم كرما وصلفا وكرما لَك وَطول عمر وأنف أَي اكرمك الله وأطول بعمرك وبأنفك وَمن قَرَأَ {تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم} بِالنّصب أَرَادَ وتنزيل الْعَزِيز الرَّحِيم على الْقسم فَلَمَّا نزع الْوَاو مِنْهُ نصب وَمن رفع فبالابتداء وَكَذَلِكَ قَوْله عز وَجل فِي سبأ {وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَة قل بلَى وربي لتأتينكم عَالم الْغَيْب} أَرَادَ وعالم الْغَيْب وَيرْفَع على الِابْتِدَاء وَأما قَوْله فِي الزمر {قل اللَّهُمَّ فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} نصب فاطر لِأَنَّهُ نِدَاء مُضَاف مَعْنَاهُ يَا فاطر السَّمَوَات وَمعنى اللَّهُمَّ أَرَادوا أَنهم أَن يَقُولُوا يَا الله فثقل عَلَيْهِم فَجعلُوا مَكَان حرف النداء الْمِيم وَجعلُوا الْمِيم من حُرُوف النداء فَقَالُوا اللَّهُمَّ لِأَن الْمِيم من حُرُوف الزَّوَائِد أَيْضا فأسقطوا يَا وَهُوَ حرف النداء وَجعلُوا ميما زَائِدَة فِي آخر الْكَلِمَة لِأَن الْمِيم من حُرُوف الزَّوَائِد كَأَنَّك تُرِيدُ يَا ألله ثمَّ قلت اللَّهُمَّ فزدت الْمِيم بَدَلا من يَا فِي أَوله وَرُبمَا أَتَوْ بَحر ف النداء وَالْمِيم توهموا أَنَّهَا تَسْبِيحَة قَالَ الشَّاعِر (مَاذَا عَليّ أَن أَقُول كلما ... سبحت أَو صيلت يَا اللَّهُمَّ مَا) (أردد علينا شَيخنَا مُسلما)
وَالنّصب بإضمار كَانَ
قَوْلهم فعلت ذَاك إِن خيرا وَإِن شرا على معنى إِن يكن فعلي خيرا وَإِن يكن شرا قَالَ الشَّاعِر (لَا تقربن الدَّهْر آل مطرف ... إِن ظَالِما فِي النَّاس أَو مَظْلُوما) يُرِيد إِن كَانَ الرجل فِي النَّاس ظَالِما أَو مَظْلُوما وَقَالَ آخر (فأحضرت عُذْري عَلَيْهِ الْأَمِير ... إِن عاذرا لي أَو تَارِكًا) يَقُول إِن يكن الْأَمِير لي عاذرا أَو تَارِكًا وَقد يجوز الرّفْع على إِن يكن فِي فعلي خير أَو شَرّ قَالَ الشَّاعِر (فَإِن يَك فِي أَمْوَالنَا لَا نضق بِهِ ... ذِرَاعا وَإِن صبرا فنصبر للدهر) كَأَنَّهُ قَالَ وَإِن يكن فِيهِ الصَّبْر صَبرنَا أَو وَقع صَبر وَقَالَ آخر (فَتى فِي سَبِيل الله اصفر وَجهه ... ووجهك مِمَّا فِي الْقَوَارِير اصفرا) يُرِيد كَانَ اصفرا وَأما قَول امْرُؤ الْقَيْس (فَقلت لَهُ لَا تبك عَيْنك إِنَّمَا ... نحاول ملكا أَو نموت فنعذرا) فَإِنَّهُ نصب على إِضْمَار أَن يَعْنِي أَو أَن نموت وَنصب نعذر لِأَنَّهُ نسق بِالْفَاءِ على أَن نموت وَقَالَ بَعضهم أَرَادَ حَتَّى أَن نموت لِأَن أَو فِي مَوضِع حَتَّى وَتقول هَذَا تَمرا أطيب مِنْهُ بسرا أَي إِذا كَانَ تَمرا أطيب مِنْهُ إِذا كَانَ بسرا فَإِذا خَالَفت الْكَلَام قلت هَذَا تمر أطيب مِنْهُ الْعَسَل وَتقول مُحَمَّد فَقِيها أبْصر مِنْهُ شَاعِرًا أَي إِذا كَانَ فَقِيها وشاعرا
وَالنّصب بالترائي
يكون وَجهه وَجه النصب بإيقاع الْفِعْل عَلَيْهِ غير أَن النَّحْوِيين جَعَلُوهُ بَابا تنصب بِهِ الِاسْم والنعت وَالْخَبَر تَقول أَبْصرت زيدا قَائِما وَرَأَيْت مُحَمَّدًا مُنْطَلقًا وَتقول بصر عَيْني زيدا قَائِما مَعْنَاهُ أَبْصرت عَيْنَايَ زيدا قَائِما وَكَذَلِكَ تَقول بصر عَيْني زيد قَائِم رفعت زيدا لِأَنَّهُ اسْم مُبْتَدأ وَرفعت قَائِما لِأَنَّهُ خَبره وَأَرَدْت بِهِ زيد قَائِم ببصر عَيْني ونصبت بصر عَيْني بفقدان الْخَافِض
وَالنّصب ب وَحده
وَلَا يكون وَحده إِلَّا نصبا فِي كل جِهَة تَقول مَرَرْت بزيد وَحده وَرَأَيْت زيدا وَحده وَهَذَا زيد وَحده وَإِنَّمَا صَار كَذَلِك لِأَنَّهُ مَصْرُوف عَن جِهَته تُرِيدُ مَرَرْت بزيد الْوَاحِد فَلَمَّا أسقطت الْألف وَاللَّام نصبته لِأَنَّهُ مَصْرُوف عَن جِهَته فَإِذا قلت هُوَ نَسِيج وَحده خفضته قَالَ الشَّاعِر (جَاءَت بِهِ معتجرا بِبرْدِهِ ... سفواء تردي بنسيج وَحده) حكى الْخَلِيل بن أَحْمد يخفضونه أَيْضا فِي قَوْلهم جحيش وَحده وعيير وَحده بِالْكَسْرِ
وَأما التحثيث
فَهُوَ فِي معنى الْمصدر إِلَّا أَنَّك تلْحق بِهِ ألفا ولاما للمعرفة وتحث عَلَيْهِ نَحْو قَوْلك الْخُرُوج الْخُرُوج وَالسير السّير السّحُور السّحُور الصَّلَاة الصَّلَاة تضمر لَهُ فعلا تصدر مِنْهُ هَذَا الْمصدر
وَأما الْفِعْل الَّذِي يتوسط بَين صفتين
فَهُوَ نصب أَبَد اكقولك أَزِيد فِي الدَّار قَائِما فِيهَا وَمثله قَول الله جلّ وَعز {فَكَانَ عاقبتهما أَنَّهُمَا فِي النَّار خَالِدين فِيهَا} يَعْنِي أَن النَّار صفة وفيهَا صفة فَوَقع خَالِدين بَينهمَا وخالدين تَثْنِيَة وَهُوَ فعل فَلَا يجوز فِيهِ الرّفْع وَمن قَالَ من النَّحْوِيين إِن الرّفْع جَائِز فقد لحن
وَالنّصب من المصادر الَّتِي جعلوها بَدَلا من اللَّفْظ الدَّاخِل على الْخَبَر والاستفهام
قَوْلهم أَنْت سيرا سيرا وَمَا هُوَ إِلَّا السّير السّير وَمَا أَنْت شرب الْإِبِل وَإِلَّا ضرب النَّاس وَإِلَّا ضربا النَّاس وَلَا تَنْوِين فِي شرب لِأَنَّهُ لَا يتَعَدَّى إِلَى الْإِبِل قَالَ الشَّاعِر (ألم تعلم مسرحي القوافي ... فَلَا عيا بِهن وَلَا اجتلابا) أَي فَلَا أعيا بِهن وَلَا أجتلب وَأما قَول الآخر (يَا صَاحِبي دنا الرواح فسيرا ... لَا كالعشية زَائِرًا ومزورا) أَي لم أر كَمَا رَأَيْت العشية زَائِرًا وَأما قَول الله جلّ وَعز {وَالله أنبتكم من الأَرْض نباتا} أَي أنبتكم فنبتم نباتا قَالَ الشَّاعِر (أرى الْفَتى ينْبت إنبات الشّجر) أَي ينْبت فينبته الله إنبات الشّجر مضى تَفْسِير وُجُوه النصب وَهَذِه
الجمل في النحو للخليل بن أحمد الفراهيدي | |
---|---|
المقدمة • وجوه النصب • وجوه الرفع • تفسير وجوه الخفض • تفسير إعراب جمل الجزم • جمل الألفات • جمل اللامات • تفسير جمل الهاءات • جمل التاءات • جمل الواوات • تفسير جمل اللام ألفات • اختلاف ما في معانيه • تفسير الفاءات • تفسير النونات • تفسير الباءات • تفسير الياءات • فصل في رويد • فصل في الفرق بين أم وأو |