التجارب
المظهر
التجارب
شكا بؤس ماضيهِ الحفيل الجوانب
بكل مصائب فادح العبء صائب!
وضاق به صدرا على طول صحبة
تمل، ويا بئس الأسى من مصاحبِ!
وود لو ان الدهر يعفيه برهة
من الغابر المملول جم النوائب!
فأصغت له الأقدار في أمنياتهِ
على أنها لم تصغِ يوماً لطالبِ!
وأعفته من ماضيه حتى كأنه
وليد خلي القلب من كل نائبِ!
نضا عنه أعباء السنين الغواربِ
ونحّى عن الآمال قيد التجارب
وعاد طليقاً لا يعوّق خطوهُ
مراس، ولا يثنيهِ خوف العواقبِ
وخفّض صوت الذكريات أو امّحى
وجلجل كالناقوس صوت الرغائب
وآض وليد اليوم في ميعة الصبا
جديداً بدنياهُ، جديد المطالبِ
بعيدا عن الماضي الذي آده الأسى
وحفّت به الأحداث من كل جانب!
ولكنه ألفاه أسوان موحشاً
كما أفرد الأنسيّ من كل صاحبِ!
وألفاه في هذي الحياة كأنهُ
غريب عرا، في عالم من غرائب
وألفاه مقصوص الجناح إذا هفا
إلى الأوج لم يسعفهُ عزم المغالب (1)
وإن همّ لم يبصر له من ركيزة
تضاعف عند الوثب جهد المواثب (2)
وقد أبصر الآمال عرجاء لم تجد
لها سند من ذكريات ذواهبِ (3)
فعاد إلى الأقدار يشكو صنيعها
ويوسعها في شكوه عتب عاتبِ
أما يستطيع الدهر – لو شاء نصفة
له – عوضاً عن غابر منه خائب
بماضٍ سعيدِ لم يشب صفوه الأسى!
فيحيا على ركنين: آت وذاهبِ!
فأصغت له الأقدار في أمنياته
على أنها لم تصغ يوما لطالبِ!
وأعطتهُ أنقى صفحة في كتابها
لأسعد مخلوق وأهنأ راغبِ!
ولكنه ألفاه لم يغد مالكاً
لما منحتهُ من عزيز المواهبِ
وألفاه لم يكشف خبيئة نفسهِ
لذيالك الماضي الذي لم يصاحبِ!
وأبصر بالآمال حيرى كأنما
تساءل عن داع لها جد دائبِ!
دعاها فلما أقبلت في سمائها
رأت غيرهُ في غفلةِ غير راقب (4)
وما الأمل " البسّام " إلا رغيبة
لنفس ترى من دهرها وجه " غاضبِ "
فعاد إلى الأقدار يطلب عونها
على رجع ماضيهِ بحسرة تائب!
أجل عاد ملهوفاً لمرّ التجارب
وأيامهُ الأولى الظماء السواغبِ
أجل ذلك الماضي الذي هو بضعة
من النفس دسّت في الحشا والترائبِ
فأصغت له الأقدار في أمنياته
على أنها لم تصغ يوما لطالبِ!
وعاد إلى دنياه من بعد غربة
وألقت عصاها واستقرّت بآيبِ