البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر خروج يأجوج ومأجوج
[ص:233] ذكر خروج يأجوج ومأجوج، وذلك في أيام عيسى ابن مريم بعد قتله الدجال، فيهلكهم الله أجمعين في ليلة واحدة ببركة دعائه عليهم
قال الله تعالى: حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين [الأنبياء: 96، 97] وقال تعالى في قصة ذي القرنين: حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا [الكهف 93، 94] الآيات إلى آخر القصة.
وقد ذكرنا في التفسير، وفي قصة ذي القرنين خبر بنائه للسد من حديد ونحاس بين جبلين، فصار ردما واحدا، وقال: هذا رحمة من ربي. أي يحجز به بين هؤلاء القوم المفسدين في الأرض وبين الناس. فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا [الكهف: 98]. أي الوقت الذي قدر انهدامه فيه. جعله دكاء أي مساويا للأرض. وكان وعد ربي حقا. أي هذا شيء لا بد من كونه ووقوعه وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض [الكهف: 99] أي إذا انهدم يخرجون على الناس فيموجون فيهم، وينسلون أي [ص:234] يسرعون المشي من كل حدب، ثم يكون النفخ في الصور للفزع قريبا من ذلك الوقت، كما قال تعالى: وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق [الأنبياء: 96، 97] الآية.
وقد ذكرنا في الأحاديث الواردة في خروج الدجال ونزول المسيح طرفا صالحا من ذكرهم، من رواية النواس بن سمعان وغيره.
وثبت في الصحيحين من حديث زينب بنت جحش، أن رسول الله ﷺ نام عندها، ثم استيقظ محمرا وجهه، وهو يقول: «لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه». وحلق بين إصبعيه، وفي رواية: وعقد سبعين أو تسعين. قالت: قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم، إذا كثر الخبث».
وفي الصحيحين أيضا من حديث وهيب، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: «فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا». وعقد تسعين.
وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، حدثنا أبو رافع، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع [ص:د235] الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا، فستحفرونه غدا. فيعودون إليه كأشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: اغدوا فستحفرونه غدا إن شاء الله. ويستثني، فيعودون إليه، وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه، ويخرجون على الناس، فينشفون المياه، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء، فترجع وعليها كهيئة الدم، فيقولون: قهرنا أهل الأرض، وعلونا أهل السماء. فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم فيقتلهم بها». فقال رسول الله ﷺ: «والذي نفس محمد بيده، إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا من لحومهم ودمائهم». ثم رواه أحمد والترمذي وابن ماجه: من غير وجه، عن قتادة به. وقد روى ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن كعب الأحبار قريبا من هذا. فالله أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: " يفتح يأجوج ومأجوج، فيخرجون على الناس، [ص:236] كما قال الله تعالى: من كل حدب ينسلون [الأنبياء: 96]. فيغشون الناس، وينحاز الناس، عنهم إلى مدائنهم وحصونهم، ويضمون إليهم مواشيهم، فيشربون مياه الأرض، حتى إن بعضهم ليمر بالنهر، فيشربون ما فيه، حتى يتركوه يبسا، حتى إن من بعدهم ليمر بذلك النهر، فيقول: قد كان هاهنا ماء مرة. حتى إذا لم يبق من الناس أحد إلا أحد في حصن أو مدينة قال قائلهم: هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم، بقي أهل السماء ". قال: «ثم يهز أحدهم حربته، ثم يرمي بها إلى السماء، فترجع إليه مختضبة دما للبلاء والفتنة، فبينما هم على ذلك بعث الله دودا في أعناقهم كنغف الجراد الذي يخرج في أعناقه، فيصبحون موتى، لا يسمع لهم حس، فيقول المسلمون: ألا رجل يشري لنا نفسه، فينظر ما فعل هذا العدو؟ قال:» فيتجرد رجل منهم محتسبا نفسه، قد وطنها على أنه مقتول، فينزل فيجدهم موتى بعضهم على بعض، فينادي: يا معشر المسلمين، ألا أبشروا، إن الله تعالى قد كفاكم [ص:237] عدوكم. فيخرجون من مدائنهم وحصونهم، ويسرحون مواشيهم، فما يكون لها رعي إلا لحومهم، فتشكر عنه كأحسن ما شكرت عن شيء من النبات أصابته قط ". وهكذا أخرجه ابن ماجه، من حديث يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق به، وهو إسناد جيد.
وفي حديث النواس بن سمعان، بعد ذكر قتل عيسى الدجال عند باب لد الشرقي، قال: «فبينما هم كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عبادا لي، لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور. فيبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم كما قال الله تعالى: وهم من كل حدب ينسلون، فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله، عز وجل، فيرسل الله عليهم نغفا في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، فيهبط عيسى وأصحابه فلا يجدون في الأرض بيتا إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله عليهم طيرا كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله».
قال كعب الأحبار: «بمكان يقال له المهبل عند مطلع الشمس». الحديث إلى آخره، وقد تقدم.
كذلك حديث مؤثر بن عفازة، عن ابن مسعود، في اجتماع الأنبياء ليلة الإسراء، وتذاكرهم أمر الساعة، فردوا أمرهم إلى عيسى، وذكر الحديث، كما [ص:238] تقدم، وفي آخره: «فيرجع الناس إلى أوطانهم، فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون فيطئون بلادهم، لا يمرون على شيء، إلا أهلكوه، ولا على ماء إلا شربوه»، قال: «ثم يرجع الناس إلي يشكونهم، فأدعو الله عليهم، فيهلكهم ويميتهم حتى تجوى الأرض من نتن ريحهم، وينزل الله المطر، فتجرف أجسادهم، حتى يقذفهم في البحر، ففيما عهد إلي ربي أن ذلك إذا كان كذلك، فإن الساعة كالحامل المتم، لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادتها ليلا أو نهارا» وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن بشر، حدثنا محمد بن عمرو، عن ابن حرملة، عن خالته قالت: خطب رسول الله ﷺ وهو عاصب إصبعه من لدغة عقرب، فقال : «إنكم تقولون: لا عدو لكم، وإنكم لا تزالون تقاتلون عدوا حتى يأتي يأجوج ومأجوج، عراض الوجوه، صغار العيون، صهب الشعاف، من كل حدب ينسلون، كأن وجوههم المجان المطرقة».
قلت: يأجوج ومأجوج طائفتان من الترك كبيرتان لا يعلم عددهم إلا الله [ص:239] سبحانه، وهم من ذرية آدم، كما ثبت في الصحيح: «يقول الله تعالى يوم القيامة: يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك. فينادي بصوت: ابعث بعث النار من ذريتك. فيقول: من كم؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحدا إلى الجنة. فيومئذ يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها فيقال: أبشروا، فإن في يأجوج ومأجوج لكم فداء». وفي رواية: «فيقال: إن فيكم أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه; يأجوج ومأجوج». وسيأتي هذا الحديث بطرقه وألفاظه.
ثم هم من حواء، وقد قال بعضهم: إنهم من آدم لا من حواء، وذلك أن آدم احتلم، فاختلط منيه بالتراب، فخلق الله من ذلك يأجوج ومأجوج. وهذا مما لا دليل عليه، ولم يرد عمن يجب قبول قوله في هذا، والله أعلم.
وهم من ذرية نوح عليه السلام، من سلالة يافث بن نوح، وهو أبو الترك، وقد كانوا يفسدون في الأرض، ويؤذون أهلها، فأمر الله سبحانه ذا القرنين فحصرهم في مكانهم داخل السد إلى أن يأذن الله تعالى في خروجهم على الناس، فيكون من أمرهم ما ذكرنا في الأحاديث.
وهم كالناس يشبهونهم كأبناء جنسهم من الترك الغتم، المغول المخرزمة عيونهم، الذلف أنوفهم، الصهب، شعورهم على أشكالهم وألوانهم، ومن زعم [ص:240] أن منهم الطويل كالنخلة السحوق وأطول، ومنهم القصير كالشيء الحقير، ومنهم من له أذنان يتغطى بإحداهما ويتوطأ بالأخرى، فقد تكلف ما لا علم له به، وقال ما لا دليل عليه، وقد ورد في حديث أن أحدهم لا يموت حتى يرى من نسله ألف إنسان. فالله أعلم بصحته.
قال الطبراني: حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس الأصبهاني، حدثنا أبو مسعود أحمد بن الفرات، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا المغيرة بن مسلم، عن أبي إسحاق، عن وهب بن جابر، عن عبد الله بن عمرو، عن النبيﷺ قال: «إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم، ولن يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا، وإن من ورائهم ثلاث أمم؟ تاويل، وتاريس، ومنسك». وهذا حديث غريب، وقد يكون من كلام عبد الله بن عمرو من الزاملتين. والله أعلم.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عبد الله بن أبي يزيد، قال: رأى ابن عباس صبيانا ينزو بعضهم على بعض يلعبون، فقال ابن عباس: هكذا تخرج يأجوج ومأجوج.