البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/بيان كون الميزان له كفتان حسيتان مشاهدتان
قال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، حدثنا ابن المبارك، عن ليث بن سعد، حدثني عامر بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، واسمه عبد الله بن يزيد: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله ﷺ: «إن الله تعالى يستخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا، كل سجل مد البصر، ثم يقول له: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ قال: لا يا رب. فيقول: ألك عذر، أو حسنة؟ فيبهت الرجل، فيقول: لا يا رب. فيقول: بلى، إن لك عندنا حسنة واحدة، لا ظلم عليك اليوم. فتخرج له بطاقة، فيها: أشهد أن لا إله [ص:500] إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله. فيقول: أحضروه. فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟! فيقول: إنك لا تظلم. قال: فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة. قال: فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة، ولا يثقل شيء مع اسم الله الرحمن الرحيم». وهكذا رواه الترمذي، وابن ماجه، وابن أبي الدنيا، من حديث الليث - زاد الترمذي: وابن لهيعة - كلاهما عن عامر بن يحيى، به. قال الترمذي: حسن غريب.
سياق آخر لهذا الحديث: قال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن عمرو بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله ﷺ: «توضع الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل، فيوضع في كفة، فيوضع ما أحصي عليه، فيتمايل به الميزان، [ص:501] قال: فيبعث به إلى النار، قال: فإذا أدبر به، إذا صائح من عند الرحمن تعالى، يقول: لا تعجلوا، لا تعجلوا، فإنه قد بقي له. فيؤتى ببطاقة فيها: لا إله إلا الله. فتوضع مع الرجل في كفة، حتى يميل به الميزان». وهذا السياق فيه غرابة، فيه فائدة جليلة; وهي أن العامل يوزن مع عمله.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن محمد بن البراء المقرئ، حدثنا يعلى بن عبيد، عن عبد الرحمن بن زياد، عن أبي عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو - رفعه - قال: «يؤتى برجل يوم القيامة إلى الميزان، فيخرج له تسعة وتسعون سجلا، كل سجل منها مد البصر، فيها ذنوبه وخطاياه، فتوضع في كفة، ثم يخرج له قرطاس مثل الأنملة، فيه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، فتوضع في الكفة الأخرى، فترجح بخطاياه».
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام، حدثنا حجاج، عن فطر بن خليفة، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط قال: لما حضر أبا بكر الموت أرسل إلى عمر، فقال: إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا، وثقله عليهم، وحق لميزان إذا وضع فيه الحق غدا أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا، وخفته عليهم، وحق لميزان إذا وضع فيه الباطل غدا أن يكون خفيفا.
[ص:502] وقال الإمام أحمد: عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، عن النبي ﷺ قال: «أثقل شيء يوضع في الميزان خلق حسن».
وقد وردت الأحاديث بوزن الأعمال أنفسها، كما في صحيح مسلم، من طريق أبي سلام، عن أبي مالك الأشعري، قال: قال رسول الله ﷺ " الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها ". فقوله: «والحمد لله تملأ الميزان». فيه دلالة على أن العمل نفسه يوزن، وذلك بأحد شيئين؟ إما أن العمل نفسه وإن كان عرضا قد قام بالفاعل، يحيله الله تعالى يوم القيامة، فيجعله ذاتا توضع في الميزان، كما ورد في الحديث الذي رواه ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو خيثمة، ومحمد بن سليمان، وغيرهما، قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، عن النبي ﷺ قال: «أثقل شيء يوضع في الميزان خلق حسن».
[ص:503] وكذا رواه الإمام أحمد، عن سفيان بن عيينة به. ورواه الإمام أحمد، عن غندر، ويحيى بن سعيد، عن شعبة، عن القاسم بن أبي بزة، عن عطاء الكيخاراني، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، أن رسول الله ﷺ قال: «ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن». وقد رواه الإمام أحمد أيضا من حديث الحسن بن مسلم، عن عطاء، وأخرجه أبو داود من حديث شعبة، به، والترمذي من حديث مطرف، عن عطاء الكيخاراني، به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا أبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد، عن أبي سلام، عن مولى لرسول الله ﷺ، أن رسول الله ﷺ قال: «بخ بخ لخمس، ما أثقلهن في الميزان: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، والولد الصالح يتوفى فيحتسبه والده. وقال: بخ بخ لخمس، من لقي الله مستيقنا بهن دخل الجنة: يؤمن بالله، واليوم الآخر، وبالجنة والنار، وبالبعث بعد الموت، والحساب». انفرد به أحمد.
[ص:504] وكما ثبت في الحديث الآخر: «تأتي البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو غيايتان، أو فرقان من طير صواف، يحاجان عن صاحبهما». والمراد من ذلك ثواب تلاوتهما يصير يوم القيامة كذلك، وقيل: إنهما بذاتهما يحاجان عنه، لا ثوابهما.
الأمر الثاني: إن العمل نفسه يوزن بوضع الصحيفة التي كتب فيها العمل، فيوزن العمل بالصحيفة، كما في حديث البطاقة. والله أعلم.
وقد جاء أن العامل نفسه يوزن، كما قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا المغيرة، حدثني أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ قال: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة». وقال: اقرءوا إن شئتم: فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا [الكهف: 105]. قال البخاري: وعن يحيى بن بكير، عن المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، مثله. وقد أسند مسلم ما علقه البخاري، عن أبي بكر محمد بن إسحاق، عن يحيى بن بكير، فذكره. وقد روي من وجه آخر عن أبي هريرة; فقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي " حدثنا أبو [ص:505] الوليد، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «يؤتى بالرجل الأكول الشروب العظيم، فيوزن بحبة فلا يزنها». قال: وقرأ: فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا.
ورواه ابن جرير، عن أبي كريب، عن ابن الصلت، عن ابن أبي الزناد، عن صالح " عن أبي هريرة، مرفوعا بلفظ البخاري سواء، وقد قال البزار: حدثنا العباس بن محمد، حدثنا عون بن عمارة، حدثنا هشام بن حسان، عن واصل، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: كنا عند رسول الله ﷺ، فأقبل رجل من قريش يخطر في حلة له، فلما قام على النبي ﷺ قال: «يا بريدة، هذا ممن لا يقيم الله له يوم القيامة وزنا». ثم قال: تفرد به عون بن عمارة، وليس بالحافظ، ولم يتابع عليه.
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، وحسن بن موسى، قالا: حدثنا حماد، عن عاصم، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود، أنه كان يجتني سواكا من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفئه، فضحك القوم منه، [ص:506] فقال رسول الله ﷺ: «مم تضحكون ؟» قالوا: يا نبي الله، من دقة ساقه. فقال: «والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد». تفرد به أحمد، وإسناده جيد قوي، فقد جاءت الروايات بهذه الصفات.
وفي " مسند أحمد " في بعض طرق حديث البطاقة، من طريق ابن لهيعة; أن العامل يوزن مع عمله وصحيفته. والله أعلم بالصواب.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا القاسم بن الفضل، قال: قال الحسن: قالت عائشة: يا رسول الله، هل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قال: «أما في مواطن ثلاثة فلا: الكتاب، والميزان، والصراط».
فقوله: «الكتاب» يحتمل أن يكون كتاب الأعمال ليشهد على الأنفس بأعمالها، ويحتمل أن يكون ذلك عند تطاير الصحف في أيدي الناس فآخذ بيمينه، وآخذ بشماله، كما قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المقرئ، أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق، حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي، حدثنا محمد بن منهال، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا يونس بن عبيد، عن الحسن، أن عائشة ذكرت النار فبكت، فقال لها رسول الله ﷺ: «ما [ص:507] يبكيك يا عائشة؟» قالت: ذكرت النار فبكيت ; هل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قال: أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدا: حيث يوضع الميزان; حتى يعلم أيثقل ميزانه أم يخف، وحيث يقول: هاؤم اقرءوا كتابيه [الحاقة: 19]. حيث تطاير الصحف، حتى يعلم كتابه في يمينه، أو في شماله، أو من وراء ظهره، وحيث يوضع الصراط على جسر جهنم ". قال يونس: أشك هل قال الحسن: حافتاه كلاليب وحسك، يحبس الله به من يشاء من خلقه، حتى يعلم أينجو أم لا ينجو؟.
ثم قال البيهقي: أخبرنا الروذباري، أخبرنا ابن داسة، حدثنا أبو داود، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، وحميد بن مسعدة، أن إسماعيل بن إبراهيم حدثهم، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، عن عائشة، أنها ذكرت النار فبكت، وذكر الحديث بنحوه، إلا أنه قال: «وعند الكتاب، حين يقال: هاؤم اقرءوا كتابيه. حتى يعلم أين يقع كتابه، أفي يمينه أم في شماله، أم من وراء ظهره، وعند الصراط، إذا وضع بين ظهري جهنم». قال يعقوب عن يونس: وهذا لفظ حديثه.
طريق أخرى عن عائشة، رضي الله عنها: قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، أخبرنا ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله، هل يذكر الحبيب حبيبه يوم [ص:508] القيامة؟ قال: «يا عائشة، أما عند ثلاث فلا; أما عند الميزان حتى يثقل أو يخف فلا، وأما عند تطاير الكتب، فإما أن يعطى بيمينه أو يعطى بشماله فلا، ثم حين يخرج عنق من النار فينطوي عليهم، ويتغيظ عليهم، ويقول ذلك العنق: وكلت بثلاثة، وكلت بمن ادعى مع الله إلها آخر، ووكلت بمن لا يؤمن بيوم الحساب، ووكلت بكل جبار عنيد». قال: «فينطوي عليهم، ويرمي بهم في غمرات، ولجهنم جسر أدق من الشعر، وأحد من السيف، عليه كلاليب وحسك، تأخذ من شاء الله، والناس عليه كالطرف، وكالبرق، وكالريح، وكأجاويد الخيل والركاب، والملائكة يقولون: رب سلم، رب سلم. فناج مسلم، ومخدوش مسلم، ومكور في النار على وجهه».
وتقدم من رواية حرب بن ميمون، عن النضر بن أنس، عن أنس، أنه قال: اشفع لي يا رسول الله، قال: «أنا فاعل». قال: فأين أطلبك؟ قال: «اطلبني أول ما تطلبني عند الصراط». قال: فإن لم ألقك؟ قال: «فعند الحوض». قال: فإن لم ألقك؟ قال: «فعند الميزان؟ فإني لا أخطئ هذه الثلاثة مواطن يوم القيامة». رواه الإمام أحمد والترمذي.
[ص:509] وقال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن إبراهيم المهراني، حدثنا أحمد بن سلمان الفقيه ببغداد، حدثنا الحارث بن محمد، حدثنا داود بن المحبر، حدثنا صالح المري، عن جعفر بن زيد، عن أنس بن مالك، عن النبي ﷺ قال: «يؤتى بابن آدم يوم القيامة، فيوقف بين كفتي الميزان، ويوكل به ملك، فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا. وإن خف ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا». ثم مال: إسناده ضعيف بمرة.
وقد رواه الحافظان البزار، وابن أبي الدنيا، عن إسماعيل بن أبي الحارث، عن داود بن المحبر، حدثنا صالح المري، عن ثابت البناني، وجعفر بن زيد، زاد البزار: ومنصور بن زاذان، عن أنس بن مالك، - يرفعه، بنحوه. وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا مالك بن مغول، عن عبيد الله بن العيزار، قال؟ عند الميزان ملك إذا وزن العبد نادى: ألا إن فلان ابن فلان ثقلت موازينه، وسعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا، ألا إن فلان ابن فلان خفت موازينه، وشقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا.
[ص:510] وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا يوسف بن صهيب، حدثنا موسى بن أبي المختار، عن بلال العبسي، عن حذيفة، قال: صاحب الميزان يوم القيامة جبريل، يرد بعضهم على بعض، ولا ذهب يومئذ ولا فضة. قال: فيؤخذ من حسنات الظالم، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم، فردت على الظالم.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن العباس بن محمد، حدثنا عبد الله بن صالح العجلي، حدثنا أبو الأحوص، قال: افتخرت قريش عند سلمان، فقال سلمان: لكني خلقت من نطفة قذرة، ثم أعود جيفة منتنة، ثم يؤتى بي إلى الميزان، فإن ثقلت فأنا كريم، وإن خفت فأنا لئيم. قال أبو الأحوص: تدري من أي شيء يخاف؟ إذا ثقلت ميزان عبد نودي في مجمع فيه الأولون والآخرون: ألا إن فلان ابن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا، وإذا خفت ميزانه نودي على رءوس الخلائق: ألا إن فلان ابن فلان قد شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا.
وقال البيهقي: حدثنا أبو الحسن علي بن أبي علي السقاء، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي، حدثنا يونس بن [ص:511] محمد، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن يحيى بن يعمر، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في حديث الإيمان، قال: يا محمد، ما الإيمان، قال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وتؤمن بالجنة والنار والميزان، وتؤمن بالبعث بعد الموت، وتؤمن بالقدر خيره وشره». قال: فإذا فعلت هذا فأنا مؤمن؟ قال: «نعم». قال: صدقت. وقال شعبة: عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، هو ابن مسعود، قال: للناس عند الميزان تجادل وزحام.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي، قال: يوضع الميزان وله كفتان، لو وضع في إحداهما السماوات والأرض وما فيهن لوسعتها، فتقول الملائكة: يا ربنا من يزن بهذا؟ فيقول تعالى: من شئت من خلقي. فيقولون: ربنا، ما عبدناك حق عبادتك.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أبو حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم، في قوله تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة [الأنبياء: 47]. قال: يجاء بعمل الرجل فيوضع في كفة ميزانه، ويجاء بشيء مثل الغمامة، أو مثل السحاب كثرة فيوضع في كفة أخرى في ميزانه، فيرجح، فيقال: أتدري ما هذا؟ هذا العلم [ص:512] الذي تعلمته، وعلمته الناس، فعلموه وعملوا به بعدك.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا ابن المبارك، عن أبي بكر الهذلي، قال: قال سعيد بن جبير وهو يحدث ذاك عن ابن مسعود، قال: يحاسب الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار. ثم قرأ: فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم [المؤمنون: 102، 103]. ثم قال؟ إن الميزان يخف بمثقال حبة من خردل أو يرجح.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا هارون بن سفيان، حدثنا السهمي، حدثنا عباد بن شيبة، عن سعيد بن أنس، عن الحسن، قال: يعتذر الله يوم القيامة إلى آدم ثلاث معاذير، يقول: يا آدم، لولا أني لعنت الكاذبين، وأبغض الكذب والخلف، لرحمت ذريتك اليوم من شدة ما أعددت لهم من العذاب، ولكن حق القول مني لمن كذب رسلي وعصى أمري، لأملأن جهنم منهم أجمعين. ويا آدم، اعلم أني لا أعذب بالنار أحدا من ذريتك، وأدخل النار أحدا منهم إلا من قد علمت في علمي أنه لو رددته إلى الدنيا لعاد إلى شر مما كان عليه، ولن يرجع. ويا آدم، أنت اليوم عدل بيني وبين ذريتك، قم عند الميزان، فانظر ما يرجع إليك من أعمالهم، فمن رجح خيره على شره مثقال ذرة فله الجنة، حتى تعلم أني لا أعذب إلا كل ظالم.
[ص:513] وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن يوسف بن الصباح، حدثنا عبد الله بن وهب، عن معاوية بن صالح، عن أبي عبد الرحمن، عن أبي إمامة، أن رسول الله ﷺ قال: «إذا كان يوم القيامة قامت ثلة من الناس، يسدون الأفق، نورهم كنور الشمس، فيقال: للنبي الأمي. فيتحسس لها كل نبي، فيقال: محمد وأمته. ثم تقوم ثلة أخرى تسد ما بين الأفق، نورهم كنور القمر ليلة البدر، فيقال: للنبي الأمي. فيتحسس لها كل نبي، فيقال: محمد وأمته. ثم تقوم ثلة أخرى، نورهم مثل كل كوكب في السماء، فيقال: للنبي الأمي. فيتحسس لها كل نبي، فيقال: محمد وأمته. ثم يجيء الرب تعالى، فيقول: هذا لك مني يا محمد، وهذا لك مني يا محمد. ثم يوضع الميزان، ويؤخذ في الحساب».