انتقل إلى المحتوى

البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/الكلام على أحاديث الدجال

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


[ص:120]

الكلام على أحاديث الدجال


قال مسلم: حدثني حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي، أخبرني ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أن سالم بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عمر أخبره أن عمر بن الخطاب انطلق مع رسول الله في رهط قبل ابن صياد حتى وجده يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة، وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله ظهره بيده، ثم قال رسول الله لابن صياد: «أتشهد أني رسول الله؟» فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين، فقال ابن صياد لرسول الله : أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه رسول الله وقال: «آمنت بالله وبرسله». ثم قال له رسول الله : «ماذا ترى؟» قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب. فقال له رسول الله : «خلط عليك الأمر». ثم قال له رسول الله : «إني قد خبأت لك خبيئا». فقال ابن صياد: هو [ص:121]الدخ. فقال له رسول الله : «اخسأ، فلن تعدو قدرك». فقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: ذرني يا رسول الله أضرب عنقه. فقال له رسول الله : «إن يكنه قلن تسلط عليه، وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله». وقال سالم بن عبد الله: سمعت عبد الله بن عمر يقول: انطلق بعد ذلك رسول الله وأبي بن كعب الأنصاري إلى النخل التي فيها ابن صياد حتى إذا دخل رسول الله النخل طفق يتقي بجذوع النخل، وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه ابن صياد، فرآه رسول الله ، وهو مضطجع على فراش في قطيفة، له فيها زمزمة، فرأت أم ابن صياد رسول الله وهو يتقي بجذوع النخل، فقالت لابن صياد: يا صاف - وهو اسم ابن صياد - هذا محمد. فثار ابن صياد، فقال رسول الله : «لو تركته بين».

قال سالم: قال عبد الله بن عمر: فقام رسول الله في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال: «إني لأنذركموه، ما من نبي إلا [ص:122]وقد أنذره قومه، لقد أنذره نوح قومه، ولكن أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه، تعلموا أنه أعور، وأن الله تبارك وتعالى ليس بأعور».

قال ابن شهاب: وأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري، أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله أن رسول الله قال يوم حذر الناس الدجال: «إنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه من كره عمله، أو يقرؤه كل مؤمن». وقال: «تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت». وأصل الحديث عند البخاري من حديث الزهري، عن سالم، عن أبيه، بنحوه.

وروى مسلم أيضا، من حديث عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله ذكر الدجال بين ظهراني الناس فقال: «إن الله تعالى ليس بأعور، ألا وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافئة». ولمسلم من حديث شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله : «ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، ومكتوب بين عينيه كافر». رواه البخاري من حديث شعبة، بنحوه.

قال مسلم: وحدثني زهير بن حرب، حدثنا عفان، حدثنا عبد الوارث، عن شعيب بن الحبحاب، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله : [ص:123] «الدجال ممسوح العين، مكتوب بين عينيه كافر». ثم تهجاها ك ف ر، «يقرؤه كل مسلم».

وقال أحمد: ثنا يزيد بن هارون، ثنا محمد بن إسحاق، عن داود بن عامر بن سعد بن مالك، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله : «إنه لم يكن نبي إلا وصف الدجال لأمته، ولأصفنه صفة لم يصفها أحد كان قبلي، إنه أعور، والله عز وجل ليس بأعور» لم يخرجوه، وإسناده جيد.

ولمسلم من حديث الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة قال: قال رسول الله : «الدجال أعور العين اليسرى، جفال الشعر، معه جنة ونار، فناره جنة وجنته نار».

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، عن أبي مالك الأشجعي، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة قال: قال رسول الله : " لأنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران يجريان; أحدهما رأي العين ماء أبيض، والآخر رأي العين نار تأجج، فإما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه نارا وليغمض، ثم ليطأطئ رأسه، فيشرب منه، فإنه ماء بارد، وإن الدجال ممسوح [ص:124]العين، عليها ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن، كاتب وغير كاتب".

ثم رواه من حديث شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة، عن النبي ، بنحوه.

قال أبو مسعود: وأنا سمعته من رسول الله .

ورواه البخاري من حديث شعبة، بنحوه.

وقال الإمام أحمد: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن أبي التياح، سمعت صخرا يحدث عن سبيع قال: أرسلوني من ماء إلى الكوفة أشتري الدواب فأتينا الكناسة، فإذا رجل عليه جمع، فأما صاحبي فانطلق إلى الدواب، وأما أنا فأتيته، فإذا حذيفة، فسمعته يقول: كان أصحاب رسول الله يسألونه عن الخير، وأسأله عن الشر، فقلت: يا رسول الله، هل بعد هذا الخير من شر؟ قال: «نعم». قلت: فما العصمة منه؟ قال: «السيف».

[ص:125]قلت: ثم ماذا؟ قال: «ثم تكون هدنة على دخن». قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: «ثم تكون دعاة الضلالة، فإن رأيت يومئذ خليفة في الأرض فالزمه، وإن نهك جسمك، وأخذ مالك، فإن لم تره فاهرب في الأرض، ولو أن تموت وأنت عاض بجذل شجرة». قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: «ثم يخرج الدجال». قال: قلت: فبم يجيء به معه؟ قال: «بنهر - أو قال: ماء ونار - فمن دخل نهره حبط أجره، ووجب وزره، ومن دخل ناره وجب أجره، وحبط وزره». قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: «لو أنتجت فرسا لم تركب فلوها حتى تقوم الساعة». وروى البخاري، ومسلم من حديث شيبان بن عبد الرحمن، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «ألا أخبركم عن الدجال حديثا ما حدثه نبي قومه؟ إنه أعور، وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة، هي النار، وإني أنذرتكم به، كما أنذر به نوح قومه».

وروى مسلم من حديث محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن صياد " الدجال، فقلت: أتحلف بالله؟ قال؟ إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي فلم ينكره النبي .

وروي من حديث نافع، أن ابن عمر لقي ابن صياد في بعض طرق [ص:126]المدينة، فقال له ابن عمر قولا أغضبه، فانتفخ حتى ملأ السكة - وفي رواية أن ابن صياد نخر كأشد نخير حمار يكون، وأن ابن عمر ضربه حتى تكسرت عصاه - ثم دخل على أخته حفصة، فقالت له: ما أردت من ابن صياد؟ أما علمت أن رسول الله قال: «إنما يخرج من غضبة يغضبها».

قال بعض العلماء: ابن صياد كان بعض الصحابة يظنه الدجال الأكبر، وليس به، إنما كان دجالا من الدجاجلة صغيرا. وقد ثبت في « الصحيح » أنه صحب أبا سعيد فيما بين مكة والمدينة، وأن ابن صياد تبرم إليه مما تقول الناس فيه إنه الدجال، ثم قال لأبي سعيد: ألم يقل رسول الله : «إنه لا يدخل المدينة». وقد ولدت بها، «وإنه لا يولد له». وقد ولد لي، «وإنه كافر». وأنا قد أسلمت؟ ثم قال ابن صياد: ومع هذا إني لأعلم الناس به، وأين مكانه، ولو عرض علي أن أكون إياه لما كرهت ذلك.

وقال أحمد: حدثنا عبد المتعال بن عبد الوهاب، حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، حدثنا مجالد، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد قال: ذكر ابن صياد عند النبي فقال عمر: إنه يزعم أنه لا يمر بشيء إلا كلمه.

وقال أحمد: ثنا سعيد مولى بني هاشم، حدثني مهدي بن [ص:127]عمران المازني، سمعت أبا الطفيل، وسئل هل رأيت رسول الله ؟ قال: نعم. قيل: هل كلمته؟ قال: لا، ولكني رأيته انطلق مكان كذا وكذا، ومعه عبد الله بن مسعود وأناس من أصحابه حتى أتى دارا قوراء، فقال: «افتحوا هذا الباب». ففتحوا، ودخل رسول الله ودخلت معه، فإذا قطيفة في وسط البيت، فقال: «ارفعوا هذه القطيفة». فرفعوها، فإذا غلام أعور تحت القطيفة، فقال: «قم يا غلام». فقام الغلام. فقال: «يا غلام، أتشهد أني رسول الله». فقال الغلام: أشهد أني رسول الله. قال: «أتشهد أني رسول الله». فقال الغلام: أشهد أني رسول الله. فقال رسول الله : «تعوذوا بالله من شر هذا» مرتين.

والمقصود أن ابن صياد ليس بالدجال الذي يخرج في آخر الزمان قطعا; لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية، فإنه فيصل في هذا المقام. والله أعلم.