انتقل إلى المحتوى

الأنيس المطرب بروض القرطاس (طبعة أوبسالا، 1259هـ )/المقدمة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
ملاحظات: الصفحات 2–3
 
﷽

وصلى الله على سيدنا محمد و صحبه و سلم تسليما

الحمد لله مصرّف الامور بمشيته و تدبيره، و مسهّل العسير بتوفيقه و تيسيره،و مبدع الاشياء بحكمته و تصويره، خالق الخلق بقدرته وباسط الرزق بتقديره، احمده حمدا معترفا بنعمته مقرا بتقصيره، واشهد ان لا اله لا الله وحده لا شريك له شهادة مُخِلصٍ بقلبه و سرّه و ضميره، واشهد ان محمّدا عبده و رسوله اصطفاه برسالته و حباه بمحبّته و تفضيله و تخييره، صلّى الله عليه و على آله الطيّبين الطاهرين وازواجه الطاهرات الذين ذهب عنهم الرجس و خصّهم بتطهيره، ورضى الله عن صحابته السابقين بتصديقه ونصرته وتعزيزه وتوفيره، وعن التابعين لهم باحسان الى يوم الدين ما اختلف الليل بظلمته و النهار بنوره، و الدعاء للدولةالسعيدة العليّة المرينيّة العثمانيّة اعلى الله كلمتها ورفع قدرها وابقى على مرّ الايام مُلكها و فخرها بالتاييد والتمكين والنصر والفتح المبين، اما بعد اطال الله بقاء مولانا الخليفة الامام معْلِى الاسلام ورافعه ومذلّل الكُفر و قامعه تاج العدل وناشره وماحي الظُلم وهاتكه ملك الرمان وسراج الاوان ناصر الدين والايمان امير المسلمين ابى سعيد عثمان ابن مولانا الامام المظفر المؤيد المنصور الملك العابد الزاهد المبرور الذى له فى كل فضيلة تقدّم و سبق للامام العادل القايم بالحق امير المسلمين ابي يوسف يعقوب بن عبد الحق نصره الله وايّده واعلى كلمته وابده وخلد ملكه وايامه ورفع بالنصر والسعد لواءه واعلامه وفسّح له في البلاد شرقًا و غربًا واوطاء له رقاب الاعداء سلمًا وحريًا وفتح له وعلى يده الفتح المبين وجعل الخلافة كلمة قايمة فى عَقبه الى يوم الدين ولا زال للخلافة يحيى آثارها ويجدد اظهارها ويعلى منارها ويجلو انوارها والسعد يختم بفنائه والمسرّة تزدحم ببابه وانحائه والنصر مقرون براياته والويته وقلوب الأيمّة مجتمعة على طاعته ومحبّته ما دام ثوب الليل بالصبح معلم وغنى الحمام على غصن وترنّم لا زال يحيى حَمْىَ الاسلام مجتهدّا فى الحق ينظر للدنيا والدين ينال ما شاء من اشياء مقاصده يفنى ويعطى عطاء غير ممنون، وانى لما رايت مكارم دولته السعيدة مقام سعادة اطالها الله وخلدها واعلى كلمتها وايّدها تُنظم نظمَ الجمان، وصور محاسنها تتلى بكل لسان، وغرر مآثارها تشرف بكل ناحية ومكان، وغرر انوارها تكفى عن الغزل، وتسير سير المثل، اردتُ خدمة جمالها، والتقرب الى كمالها، والتفيئ بظلالها، والورود من عذب زلالها، بتاليف كتاب جامع لطيف الاخبار ومُلح الآداب يحتوى على غرر من التاريخ وعجائبه ونوادر الاثار وغرائبه يخبر بنبذ من اخبار ملوك المغرب المتقدمين، وامرائه الماضين، واممه السالفين، وتاريخ ايامهم وذكر انسابهم واعمارهم وسيرّهم وغزواتهم واحوالهم فى دولتهم، وما رسموه بالمغرب من المراسم، وصنعوه من المصانع والمعالم، وفتحوه من البلاد والاقالم، وبنوه من الحصون والمدن والمكارم، اذكرهم اميرًا بعد امير وملكًا بعد ملك و خليفة بعد خليفة وامّة بعد امّة على حسب تواليهم فى اعصارهم ومراتبهم فى دولتهم وارمانهم كما وقع فى الزمان، من اول دولة الامير ادريس بن عبد الله الحسنى الى هذا الاوان، ابذل فيه جهدى و اظهر جلدى بقدر الوسع والإمكان، ومُساعدة الزمان، فاستخِرتُ الله تعالى فى تاليفه واستعنتُه فى تقييده وتصنيفه، فسهّل الله علىّ ما اردته من ذلك ويسّره كله بفضله وبركة مولانا اميرالمسلمين الظاهرة الباهرة، فألفتُ هذا المجموع المقتضب انتقيت جواهره من كتب التاريخ المعتمد عليها وجمعت شواردها عن مهد المعوّل على مُحّتها والمرجوع اليها سوى ما رويته عن اشياخ التاريخ والحفّاط والكتّاب وقيدته عن الروات الثقات الانجاب وحذفت فيه الاسناد خيفة الاكثار والامتداد وتركت التسهيب والتطويل وتجنبت الاختصار والتعليل وجعلته كتابا مخرجا عن التوسّط فهو خير الامور معتمدًا فى ذلك على ما رواه الجمهور عن النبى صلّى الله عليه وسلم فى الحديث الماثور اذ قال يؤدّب امته ويبسطها خير الامور اوساطها، وسميته الانيس المطرب بروض القرطاس فى اخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس، والله تعالى يعصمنا فيه من الرلل، ويثجنِبنا الخطاء فى القول والعمل، ويبلغنا فيه السؤل والامل، ويبقى لنا مولانا امير المسلمين تعلوا على الدولات دولته وتمضى فى الاعداء اوامره وصولته منصورة اعلامه محمودة ايامه لا ربّ غيره ولا خير الا خيره،