انتقل إلى المحتوى

الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس/بيعته وايامه

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
ملاحظات: الصفحات 136–141
 

الخبر عن بيعته وايامه رحمة الله

بويع يوسف بعد وفاة أبيه وذلك في غدوة يوم الاربعاء الحادي عشرين من جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وخمس مائة وتوفّي شهيدا في غزوة شنترين من بلاد غرب الاندلس يوم السبت الثامن عشر من ربيع الآخر سنة ثمانين وخمس مائة وهو ابن سبع واربعين سنة فكانت أيامه فى الملك أحدى وعشرين سنة وأشهر وأيام وقيل أنه بويع يوم الثلاثا العاشر من جمادى الآخرة المذكورة بعد وفاة أبيه بليلة قيّد ذلك بعض ولده وقيل لما مات عبد المومن كتم موته لاجل غيبة ولده يوسف الخليفة بعده ببلاد الاندلس فلم يشهر سوته حتى قدم يوسف من أشبيلية نكر ذلك أبن الخشاب وأهل بيته أحق بالتقليد في ذلك وذكر القاضي أبو الحجّاج يوسف بن عمر المورخ لدولتهم أن يوسف بويع بيعة الجماعة واتفقت الامة على بيعته يوم الجمعة الثامن لربيع الأول عام ستين وخمس مائة وذلك بعد وفاة أبيه بسنتين لانه لما بويع بعد وفاة والده توقف على بيعته قوم من اشياخ الموحدين وامتنع من بيعته أخوته السيد أبو محمد صاحب بجاية والسيد أبو عبد الله صاحب قرطبة فكف عنهما لم يطلبهما بالبيعة وتسمى بالامير ولم يتسم بأمير المومنين حتى اجتمعت عليه الناس، ذكر ابن مطروح في تاريخه انه لما مات عبد المومن كان ولده يوسف باشبيلية فأخفى موته فوجه الى يوسف فوصل من أشبيلية الى سلا في أقرب وقت ذبوبع ولم يختلف من بيعته الا اناس قلائل فلم يلتفت اليهم فكان أول شي فعله في ولايته حين تمت بيعته أنه سرح الناس المجتمعين للجهاد إلى بلادهم وقبائلهم وكتب الى جميع البلاد بتسريح المسجونين وتفريق الصدقات في جميع عمله وتسمى بالامير وارتحل إلى مراكش فدخلها واقام بها وكتب الى جميع طاعته من الموحدين يـطـلـبـهـم فاتته البيعة من جميع بلاد افريقية والمغرب والاندلس ما خلا قرطبة وبجاية فانّ ولّانهما وهما اخوته توقفا في ذلك وانتشر خبره في اقطار البلاد وكان له بالعدوتين من القياد وفرقوا الاموال في قبائل الموحدين واعتلى كل الاجداد، وفي سنة تسع وخمسين وخمس مائة قدم عليه أخوه السيد محمد صاحب بجاية والسيد أبو عبد الله صاحب قرطبة نادمين طائعين مبايعين وقدم عليه اشياخ بلدها وفقهاؤهما فوصلهم أمير المومنين يوسف وأحسن الـيـهـم بالاموال والخلع، وفي هذه السنة ثار مزدرع الغماري الصنهاجي من صنهاجة مفتاح وضرب له السكّة وكتب فيها مزدرع الغريب نصره الله قريب فبایعه خلف كثير من غمارة وصنهاجة وأوربة فافسد تلك الناحية ودخل مدينة تاردا وقتل فيها خلقا كثيرا وسباها فبعث اليه أمير المومنين يوسف جيشا من الموحدين فقتلوه وحمل رأسه الى مراكش، وفى سنة ستّين كانت وقعة الجلاب بين السيد ابي سعيد بن عبد المومن وجيش الروم مع ابن مردنيش وكان الروم ثلاثة عشر الفا فهزم ابن مردنيش وقتل من كان معه من الروم ياجمعهم وكتب بالفتح الى أخيه يوسف، وفي سنة احدى وستّين ولّى الامير أخاه السيد أبا زكرياء بجاية وامره بتفقّد احوال بلاد افريقية ورفع مظالمها وقمع الطغاة بها، وفيها خالف يوسف بن متقفاد وتار بجبل تيزيران من بلاد غمارة ، وفى سنة أثنتين وستّين كانت حركة أمير المومنين يوسف الى غمارة لغزو يوسف بن منقفاد واتباعه قظفر به وقتله وحمل رأسه لى مراكش وبايعته جميع بلاد غمارة، وفى سنة ثلاث وستين اجتمعت الامة على طاعته وتسمى بامير المومنين وذلك في شهر جمادى الآخرة منها ، وفي سنة أربع وستّين وفد عليه أهل البلاد من افريقية والمغرب والاندلس القضاة والخطباء والفقهاء والشعراء والاشياخ والاعيان برسم السلام والمطالعة باحوال بلادهم فوصلت الوفود الى مرّاكش فسلموا عليه ووصل الجميع كل على قدره وأوصاهم بما اراد وكتب لهم الاوامر بحوائجهم وسوءاتهم وانصرفوا شاكرين ، وفى سنة خمس وستّنين بعث امير المومنين يوسف أخاه السيد أبا حفص الى الاندلس برسم الجهاد فجاز البحر من قصر الجواز الى طريف في جيش من عشرين الفا من الموحدين والمتطوعة فعمد إلى طليطلة، وفي سنة ستّ وستّين أمر أمير المومنين يوسف ببناء قنطرة تانسيفت شرع في بنائها بوم الأحد ثالت شهر صفر من العام المذكور، وفيها جاز أمير المومنين إلى الاندلس لينظر في ضبط تغورها وأصلح أحوالها ولمّ شعَثَها فوصل الى اشبيلية فاقام بها سنة كاملة وأتاه بها قواد الاندلس ورؤساوها وقضاتها وفقهاؤعا برسم السلام عليه والتعريف باحوالهم ثم خرج بعد السنة الى الغزو فغزا مدينة طليطلة وفتح حصونا كثيرة من أحوازها وقتل خلقا كثيرا من الروم وغنم وسبا وانصرف إلى أشبيلية مؤيدا ،منصوراً، وفي سنة سبع وستّين شرع أمير المومنين يوسف في بناء الجامع المحرم باشبيلية وكان اول خطيب خطب بها الفقيه أبو القاسم عبد الرحمان بن غـفـيـر النبلّي وذلك في ذي حجّة عنها حين فرغ من بنائها، وفى هذه السنة عقد امير المومنين يوسف الجسر على وادى اشبيلية بالقوارب وبنا قصبته الداخلة والخارجة وبنا الزلائق للجسور وبنا سور باب جوهر وبنا الرصفان المدرجة بضفّتى الوادي وجلب الماء من قلعة جابر حتى ادخله اشبيلية وانفق في ذلك أموالا لا تحصى ثم قفل إلى مراكش وذلك في شهر شعبان المكرم من سنة احدى وسبعين وخمس مائة وكان جملة مقامه بالاندلس أربعة أعوام وعشرة أشهر وأيام ، وفى سنة سبع وستين المذكورة مات محمد بن سعيد بن مردنيش صاحب بلاد شرق الاندلس فتحرك امير المومنين نحو بلاده ففتحها باجـمـعـهــا ودان له جميع بلاد شرق الاندلس ورجع إلى اشبيلية، وفي سنة ثمان وستّين غزا أمير المومنين يوسف وولده السيد ابو بكر في بلاد الروم فسار حی بلغ طليلة فقتل وسبى وخرب القرى فخرج اليه زعيم الروم شانشوا اسمه المعروف بانی بردعة عرف بذلك لأنه كان يركب على البردعة من الحرير مسرجة بالذهب مكللة باصناف الجوهر فكان بينهما قتال عظيم قتل فيه شانشوا أبو بردعة وجميع جيشه ولم يفلت متهم أحد وكان عدد من قتل في هذه الغزوة من الروم ستّة وثلاثين الفا وفي سنة تسع وستين غزا أمير المومنين مدينة كركونة من بلاد شرق الاندلس فاوغل في تلك الناحية يقتل ويسبى ويخرب البلاد بالحرق والهدم وقطع الثمار ونسف الاثار ثم قفل إلى أشبيلية، وفي سنة سبعين وخمس مائة تزوج أمير المومنين يوسف بنت محمد بن سعيد بن مردنيش وصنع لها مهرجانا عظيما يقصر اللسان عن وصفه، وفى سنة احدى وسبعين جاز أمير المومنين الى العدوة فدخل مراكش في شهر شعبان فاقام بها إلى سنة أربع وسبعين فاتصل به آن ابن الزيري قام بقفصة من بلاد أفريفية فاضطربت لاجل ذلك افريقية فتحرك أمير المومنين اليها في سنة خمس وسبعين فوصل لى أفريقية ونزل على مدينة قفصة وضيق عليها بالقتال والحصار حتى دخلها وظفر بابن الزيري القائم بها فقتله وذلك في سنة ستّ وسبعين وعاد الى مراكش ودخلها في سنة سبع وسبعين وفي هذه السنة وفد على امير المومنين بمراكش أبو سرحان مسعود بن سلطان الرياحي في جيش عظيم من وجوه رباح برسم الخدمة وفي سنة ثمان وسبعين خرج امير المومنين من مراكش لبنيان حصن رُكُنْدرْ فيناه على المعدن الذي ظهر هنالك، ثم دخلت سنة تسع وسبعين وخمس مائة فيها جاز أمير المومنين يوسف الجواز الثاني برسم الجهاد فخرج من حضرة مراكش في السبت الخامس والعشرين من شوال سنة تسع وسبعين المذكورة وكان خروجه على باب دكالة برسم خروجه الى أفريقية فلما وصل الى سلا أتاه عيد الله محمد ابن أبى اسحاق من أفريقية فاعلمه بهدونها وسكونها فصرف الحركة إلى الاندلس فتحرك من سلا ضحوة يوم الخميس الموفى ثلاثين لذي قعدة من السنة المذكورة فنزل بمظاهر البلد. ثم أقلع من ظاهر سلا يوم الجمعة الثانى له فوصل الى مدينة مكناسة يوم $ الاربعاء السادس لذى حجّة فعيّد بها عيد الاضحى بخارجها ثم ارتحل إلى مدينة فاس فاقام بها بقية الشهر، ثم دخلت سنة ثمانين وخمس مائة في اليوم الرابع منها خرج أمير المومنين من مدينة فاس فسار حتى وصل سبتة فأقام بها بقية شهر المحرّم وأمر الناس بالجواز فجازت قبائل العرب أولا ثم قبائل زناتة ثم قبائل المصامدة ثم مغراوة وصنهاجة وأوربة واصناف البربر ثم جازت جيوش الموحّدين والاغزاز والرمات فلما كمل الناس بالجواز جاز هو في اثرهم في العييد والدائرة وكان جوازه فى اليوم الخامس لصغر وهو يوم خميس من العام المذكور فنزل بمرسى جبل الفتح ثم ارتحل منه الى الجزيرة الخضراء وخرج فسلك منها على جبل الصوف الى قلعة خولان الى اركش الى شريش الى تبريشة إلى أشبيلية فلما كان فى يوم الجمعة الثالث والعشرين من شهر صفر فنزل في وادي بضرقال فخرج اليه السيد أبو استحاق ولده وفقهاء الشبـــيـــلــيــة وأشياخها للسلام عليه فبعث اليهم وأمرهم بالوقوف بالمينة حتى يصلهم فلما صلى الظهر ركب وجاز اليهم حتى ســلــمــوا عن اخره وركبوا ثم تحرك الى غزو مدينة شنترين من بلاد غرب الاندلس فوصلها السابع من ربيع الأول من سنة ثمانين فنزل عليها وادار بها الجيوش والعساكر وشد عليها بالقتال وضيف عليها بالحصار وبالغ فى ذلك جهده فاقام محاصرا لها وضيق عليها الى لــيــلــة الثانى والعشرين من ربيع الأول المنصور فانتقل من موضع نزوله بجوفى شنترين الى غربيها فانكر المسلمون ذلك ولم يعلموا له بشي فلما جن الليل وصلى العشاء الآخرة بعث إلى ولده السيد ابى استحاق إلى أشـــبـــيـــلـــيـــة قامره بالرحيل من تلك الليلة الى غزو مدينة أشــــــونة وشن الغارات على انحائها وان يسير اليها بجيوش الاندلس خاصة وان يكون رحيله نهارا فاساء الفهم وظن انه أمره بالرحيل في جوف الليل إلى أشبيلية وصرخ الشيطان في محلة المسلمين ان امير المومنين قد عزم على الرحيل وفي هذه الليلة تحدث الناس لذلك وتاعبوا له فرحل من الناس طائفة بالليل فلما كان قريب الفجر أقلع السيد أبو اسحاق واقناع من كان يسليه وتابعه الناس بالرحيل فارتحلوا وامير المومنين مقيم في مكانه لا علم له بذلك فلما أصبح وصلي الصبح واضاء النهار لم يجد حوله أحدا من أهل تحلات الا اليسير من وحشمة الذين يرحلون لرحيله وينزلون لنزوله وقواد الاندلس لانهم هم الذين خاصته الذين كانوا يمشون امام ساخته و خلف محلته من أجل من يتخلف منها من الضعفاء قلما طلعت الشمس تطلعت النصارى الحصرون من حول المدينة الى المحلة وقد انقطعت وارتحلت ولم يبق حول المدينة غير أمير المومنين وعبيده وحشمه واهل دائرته وتخففوا ذلك من جواسيسهم ففتحوا أبواب المدينة وخرج جميع من فيها خرجة منكرة وهم ينادون الرى الذى أى اقصدوا السلطان فضربوا في محلة العبيد الى أن وتسلموا إلى خباء أمير المومنين فرقوها واقتحموها عليه فيها فقاتلهم بسيفه حتى قتل منهم سنة رجال قطعنوه نعنة نافذة وقتل گلات من جواريه كن قد انصبن عليه حتى طعن وسقط بالارض قتصايح الفرسان والاعبيد والأجناد والموحدون وقواد الاندلس وتراجع المســــــــــون فقاتلوهم قتالا شديدا حتى قلعوهم عن الحباء بالسيف واشتد القتال بينهم وتوافقوا ساعة في قتال شديد ثم انهزم أعداء الله ومنح الله متر وجل المسلمين اكتافهم بالسيوف وركبوهم حتى ادخلوهم المدينة عنوة وقتل منهم خلق کثیر یزیدون على العشرة الاف ، واستشهد من المسلمين جماعة فركب أمير المؤمنين والأمر قد فات فيه وارتحل الناس لا بدرون الى اين ثم اهتدوا بالطبول فسار إلى اشبيلية فاشتد به الامه وطعناته فات بالطريق قله ابن مطروح وكانت وفاته يوم السبت الثاني من شهر ربيع الآخر من سنة ثمانين وخمس مائة بقرب جزيرة الخضراء قاصدا للجواز الى العدوة حمل الى تــيـــنـــمال فدفى بها الى جانب قبر أبيه، وقيل أنه لم يحسبت حتى وصل إلى مراكش ودفن بتينمال ، وكان ولده يعقوب الخليفة بعده وهو الذي يدخل على أبيه ويخرج ويتصرف في الامور على يديه من يوم طعن والده إلى أن مات ، فكانت دولته اثنتين وعشرين سنة وشهرا واحدا وستة أيام وكتم ولده موته حتى وصل مدينة سلا فاشهره ، والبقاء لله وحده الذي له الأمر من قبل ومن بعده لا رب غيره ولا معبود سواه *