الأم والطفلة الضائعة
قفي لا تغربي ياشمس ما يأتي مع الليل
سوى الموتى فمن ذا يرجع الغائب للأهل
إذا ما سدّت الظلماء
دروبا أثمرت بالبيت بعد تطاول المحل ؟
وان اللبل ترجف أكبد الأطفال من أشباحه السوداء
من الشهب اللوامح فيه مما لاذ بالظلّ
من الهمسات و الأصداء
شعاعك مثل خيط للابرنث يشدّه الحب
إلى قلب ابنتي من بات داري من جراحاتي
و آهاتي
مضى أزل من الأعوام آلاف من الأقمار و القلب
يعد خوافق الأنسام يحسب أنجم الليل
يعد حقائب الأطفال يبكي كلما عادوا
من الكتاب و الحقل
و يا مصباح قلبي يا عزائي في الملمات
منى روحي ، ابنتي عودي إليّ فها هو الزاد
و هذا الماء جوعي ؟ هاك من لحمي
طعاما آه عطشى أنت يا أمي
فعبّي من دمي ماء و عودي كلهم عادوا
كأنك برسفون تخطّفتها قبضة الوحش
و كانت أمها الولهى أقل ضنى و أوهاما
من الأم التي لم تدر أين مضيت
في نعش
على جبل ؟ بكيت ؟ ضحكت ؟ هبّ الوحش أم ناما
وحين تموت نار الليل حين يعسعس الوسن
على الأجفان حين يفتش القصّاص في النار
ليلمح من سفينة سندباد ذوائب الصاري
و يخفت صوته لوهن
يجن دمي إليك يحن يعصرني أسى ضار
مضت عشر من السنوات عشرة أدهر سود
مضى أزل من السنوات منذ وقفت في الباب
أنادي لا يرد علي إلا الريح في الغاب
تمزق صيحتي و تعيدها و الدرب مسدود
بما تنفس الظلماء من سمر و أعناب
و أنت كما يذوب النور في دوّامة الليل
كأنك قطرة الطلّ
تشرّبها التراب أكاد من فرق و أوصاب
أسائل كل ما في الليل من شبح و من ظل
أسائل كل ما طفل
أأبصرت ابنتي ؟ أرأيتها ؟ أسمعت ممشاها ؟
و حين أسير في الزحمة
أصغّر كل وجه في خيالي كان جفناها
كغمغمة الشروق على الجداول تشرب الظلمة
و كان جبينها و أراك في أبد من الناس
موزّعة فآة لو أراك و أنت ملتمة
و أنت الآن في سحر الشباب عصيره القاسي
يغلغل في عروقك ينهش النهدين و الثغرا
و ينشر حولك العطرا
فيحلم قلبك المسكين بين النور و العتمة
بشيء لو تجسد كان فيه الموت و النشوة
و أذكر أن هذا العالم المنكود تملأ كأسه الشقوة
و فيه الجوع و الآلام فيه الفقر و الداء
أأنت فقيرة تتضرع الأجيال في عينيك فهي فم
يريد الزاد يبحث عنه و الطرقات ظلماء
أحدّق في وجوه السائلات أحالها السقم
و لوّنها الطوى فأراك فيها أبصر الأيدي
تمدّ أحسّ أن يدي يدي معهن تعرض زرقة البرد
على الأبصار و هي كأنهن أدارها صنم
تجّمد في مدى عينيه أدعية و سال دم
فأصرخ في سبيل الله تخنق صوتي الدمعة
بخيط الملح و الماء
و أنت على فمي لوعة
وفي قلبي وضوء شع ثم خبا بلا رجعة
و خلّفني أفتش عنه بين دجى و أصداء .