الآراء والمعتقدات (1926)/الفصل الرابع: الجرائد والكتب
الفصل الرابع
الجرائد والكتب
١ – تأثير الجرائد والكتب.
للجرائد والكتب تأثير كبير في تكوين الآراء وان كان دون تأثير الخطب ومع ان تأثير الكتب التي لا تقرأها الجماعات اقل من تأثير الجرائد فانه ظهر منها ما أدى الى قتل ألوف من الناس ككتب (روصو) التي كانت توراة زعماء دور العهد وكتاب « غرفة العم طوم » الذي أثر كثيراً في نشوب حرب الانفصال الاميركية الدامية ، و يوجد كتب أخرى كرواية ( روبنصن كروسو ) وروايات ( جول فيرن ) أثرث في آراء الشباب فكانت سببا في تعيين كثير من منهم ، وقد كان نفوذ الكتب واسعا عند ما كان لا يقرأها سوى الاقلين ، فكل يعلم كيف أدت مطالعة التوراة في عهد (كرومويل ) الى ظهور كثير من المتعصبين في انكلترا ، وكل يعلم أن روايات الفروسية أيام تأليف رواية ( دون كيشوت ) بافت في إفسادها النفوس مبالغا جعل ملوك الأسبان يمنعون بيعها . وتأثير الجرائد في الوقت الحاضر أعظم من تأثير الكتب ، فالذين ليس عندهم من الآراء غير مافي الجرائد لا يحصى عديدهم ، وقد تجلى تلقين الصحف اليومية في جميع إلا. مور حتى في كثير من حوادث الزمن الحالي الجسيمة ، فمن المسائل المعروفة هو أن الصحافيين هم الذين أوقدوا نار الحرب بين الولايات المتحدة وأسبانيا . ولا تجهل الحكومات ما للصحافة من السلطان المطلق ، فكل رجل سياسي يعال نفسه بأن يكون صاحباً لجريدة منتشرة ، وبالجرائد استطاع رؤساء الوزارة الألمانية أن يجعلوا أكثر مشاريعهم مقبولة عند الجمهور. } والسرعة التي يصدق بها القراء ما يطالعونه في جرائدهم تقضى بالعجب العجاب فكل إعلان في الصحف كثير الوعد قليل الوفاء يجد له جمهوراً يؤمن به ، والحيل نفسها قد تتكرر بنجاح ما دام لأغلب الناس ايمـان بما لا يرجى ، ومن ذلك حكاية السارق المحتال الذي أعلن منذ وقت غير بعيد أنه يقرض كل انسان دراهم بلا ضمان، فقد استطاع هذا المحتال في بضعة أشهر أن يربح - قبل أن يقرض سنتها واحداً – خمسين ألف فرنك من رسوم الكشف والاستخبار التي فرض على الطالبين دفعها قبل إقراضهم ، وأمر مثل هذا لم يشمل النظر لو لم يكتشف قاضي التحقيق بين الذين صدقوا السارق المذكور أناسا متعلمين اكثرهم من ماتزمي الدولة وكبار الضباط ورؤساء الشرطة والمحامين وكتاب العدل وقضاة الصلح وأعضاء مجالس الادارة وقضاة التحقيق ، وهذا المثال أوضح دليل على تأثير الصحف في الناس .
۲ – الاقناع بطريقة الاعلان
ان البحث عن استعمال الاعلانات يفيدنا في بيان تأثير الصحف في تكوين الآراء ، فالاعلان هو احدى الوسائل التي يتم بها إقناع الجموع في الوقت الحاضر ، وله في البيوع التجارية شأن يوضح لنا الطريقة التي يؤثر بها في المشترى وقد استنبط الأميركيون بضع قواعد نفسية ضرورية للاعلان فأصبحوا أساتذة العالم في هذا المضمار، ويقدر العارفون المبالغ التي تدفع للصحف أجوراً للاعلانات في الولايات المتحدة بخمسمئة مليون فرنك في السنة الواحدة . ومما ذكره الموسيو ( آران ) في كتاب خصصه للبحث عن هذا الموضوع أن أحد تجار الأقلام السكانية ( ستيلوغراف ) يبذل نصف مليون فرنك سنويا اجرة اعلانات وأن رب أحد مصانع الصابون أنفق على الاعلانات ستين مليون فرنك في أربعين سنة . والغاية من بذل تلك النفقات هي انشاء قناعة في نفس المرء يصير بتأثيرها مشتريا في أحد الأيام . والعامل الأساسي في تكوين القناعة المذكورة هو التوكيد والتكرار معا لا التوكيد وحده ، ولذا لا تكون العلامة التجارية مقبولة عند الناس الا بعد أن يمضى عليها وقت كاف تعلن فيه إعلانا مؤكداً مكرراً ومن الضروري أن يغير شكل الاعلان من وقت إلى آخر ، والا فان تأثيره يضعف بفعل العادة ولا يكون الاعلان .نميداً الا اذا دل على منتج معلوم في السابق، وأما اذا ظهر المنتج حديثا فيجب ذكر جميع صفاته ومزاياه في الاعلان ، واذا كان استعمال الشيء المخترع يتطلب تغيير المشترى لماداته فان المقصود لا يتم بتكرير الاعلان وحده بل يحسن بالبائع أن يوزع نماذح من المنتج مجانا ومما يتعلل به المعلنون هو أن يجعلوا المشترين يحفظون أسماءهم وعناوينهم ، ولكي يتوصلوا الى ذلك تراهم يطبعونها على الاشياء التي يكثر استعمالها كالورق النشاف وعلب الكبريت والجرائد والمجلات ودفات الكتب الخ ، ويرى الاميركيون أن خبر أسلوب لبلوغ تلك النتيجة هو أن يرسلوا إلى المشترين قوائم مصورة تصويراً فنيًا ومشتملة أحيانا على قصة موقع عليها من قبل كاتب معروف ، وقد أخذت هذه الطريقة الشافية الغالية تشيع في فرنسا منذ وقت قريب . ومن قواعد النشر الثابتة هو أن الاقبال على المنتجات المعروفة لا يلبث أن يخف عندما ينقطع إعلانهـا ، ولا ريب في أن ضعف ذاكرة المشاعر التي بحثنا عنها آنفا هي علة ذلك .
وشأن التصاوير كبير في الاعلان ، وقد بينا ذلك وقتها بحثنا عن تأثير الاعلانات المصورة في الانتخابات النيابية الأخيرة التي وقعت في انكلترا وفي اكتتاب المتطوعين في سلك الفرسان عندنا ، ويكون ذلك الشأن أعظم إذا كانت الصور ترمى الى المقايسة بين شيئين أو أكثر ، فاذا أريد ترويج مائع يشفى الصلع مثلا فان مما يؤثر في المشترى أن يحتوى إعلان ذلك المائع على صورتين لرجل واحد ، احداها تدل على محاله وهو أصلع والثانية عليه بعد أن عوفى من الصلع واكنسى رأسه بالشعر بتأثير المانع المذكور
ويستعين الماليون على ترويج أشغالهم بمثل الوسائل التي يتذرع بها أرباب الصناعات ولكن على مقياس واسع ، فأحيانا يشترون أكثر الصحف لتمتدح أعمالهم ، وأما التي لا يقدرون على جعلها موالية لهم فانهم على الأقل يشترون سكوتها .