اقتضاء الصراط المستقيم/10
وأما الاعتبار في مسألة العيد فمن وجوه
أحدها أن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا وقال لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه كالقبلة والصلاة والصيام فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به بين الشرائع ومن أظهر ما لها من الشعائر فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة وشروطه
وأما مبدؤها فأقل أحواله أن تكون معصية وإلى هذا الاختصاص أشار النبي ﷺ بقوله إن لكل قوم عيدا وإن هذا عيدنا وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار ونحوه من علاماتهم فإن تلك علامة وضعية ليست من الدين وإنما الغرض منها مجرد التمييز بين المسلم والكافر وأما العيد وتوابعه فإنه من الدين الملعون هو واهله فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه
وإن شئت أن تنظم هذا قياسا تمثيليا قلت العيد شريعة من شرائع الكفر أو شعيرة من شعائره فحرمت موافقتهم فيها كسائر شعائر الكفر وشرائعه وإن كان هذا أبين من القياس الجزئي
ثم كل ما يختص به ذلك من عبادة وعادة فإنما سببه هو كونه يوما مخصوصا وإلا فلو كان كسائر الأيام لم يختص بشيء وتخصيصه ليس من دين الإسلام في شيء بل هو كفر به
الوجه الثاني من الاعتبار أن ما يفعلونه في أعيادهم معصية لله لأنه إما محدث مبتدع وإما منسوخ وأحسن أحواله ولا حسن فيه أن يكون بمنزلة صلاة المسلم إلى بيت المقدس هذا إذا كان المفعول مما يتدين به وأما ما يتبع ذلك من التوسع في العادات من الطعام واللباس واللعب والراحة فهو تابع لذلك العيد الديني كما أن ذلك تابع له في دين الإسلام فيكون بمنزلة أن يتخذ بعض المسلمين عيدا مبتدعا يخرجون فيه إلى الصحراء ويفعلون فيه من العبادات والعادات من جنس المشروع في يومي الفطر والنحر أو مثل أن ينصب بنية يطاف بها ويحج إليها
ويصنع لمن يفعل ذلك طعاما ونحو ذلك فلو كره المسلم ذلك لكره غير عادته ذلك اليوم كما يغير أهل البدع عاداتهم في الأمور العادية أو في بعضها بصنعهم طعاما أو زينة لباس أو توسيع في نفقة ونحو ذلك من غير أن يتعبدوا بتلك العادة المحدثة كان هذا من أقبل المنكرات فكذلك موافقة هؤلاء المغضوب عليهم والضالين وأشد
نعم هؤلاء يقرون على دينهم المبتدع والمنسوخ بشرط أن يكونوا مستسرين به والمسلم لا يقر على دين مبتدع ولا منسوخ لا سرا ولا علانية وأما مشابهة الكفار فكمشابهة أهل البدع وأشد
الوجه الثالث من الاعتبار يدل أنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس وتناسوا أصله حتى يصير عادة للناس بل عيدا حتى يضاهى بعيد الله بل قد يزيد عليه حتى يكاد أن يفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر كما قد سوله الشيطان لكثير ممن يدعي الإسلام فيما يفعلونه في آخر صوم النصارى من الهدايا والأفراح والنفقات وكسوة الأولاد وغير ذلك مما يصير به مثل عيد المسلمين بل البلاد المصاقبة للنصارى التي قل علم أهلها وإيمانهم قد صار ذلك أغلب عندهم وأبهى في نفوسهم من عيد الله ورسوله على ما حدثني به الثقات ويؤكد صحة ذلك ما رأيته بدمشق وما حولها من أرض الشام مع أنها أقرب إلى العلم والإيمان
فهذا الخميس الذي يكون في آخر صوم النصارى يدور بدوران صومهم الذي هو سبعة أسابيع وصومهم وإن كان في أوائل الفصل الذي تسميه العرب الصيف وتسميه العامة الربيع فإنه يتقدم ويتأخر ليس له حد واحد من السنة الشمسية كالخميس الذي هو في أول نيسان بل يدور في نحو ثلاثة وثلاثين يوما لا يتقدم أوله عن ثاني شباط ولا يتأخر أوله عن ثاني آذار بل يبتدئون من الاثنين الذي هو اقرب إلى اجتماع الشمس والقمر في هذه المدة ليراعوا التوقيت الشمسي والهلالي
وكل ذلك بدع أحدثوها باتفاق منهم خالفوا بها الشريعة التي جاءت بها الأنبياء فإن الأنبياء ما وقتوا العبادات إلا بالهلال وإنما اليهود والنصارى حرفوا الشرائع تحريفا ليس هذا موضع ذكره
ويلي هذا الخميس يوم الجمعة الذي جعلوه بإزاء يوم الجمعة التي صلب فيها المسيح على زعمهم الكاذب يسمونها جمعة الصلبوت ويليه ليلة السبت التي يزعمون أن المسيح كان فيها في القبر وأظنهم يسمونها ليلة النور وسبت النور ويصنعون مخرقة يروجونها على عامتهم لغلبة الضلال عليها ويخيلون إليهم أن النور ينزل من السماء في كنيسة القيامة ! التي ببيت المقدس حتى يحملوا ما يوقد من ذلك الضوء إلى بلادهم متبركين به وقد علم كل ذي عقل أنه مصنوع مفتعل
ثم يوم السبت يطلبون اليهود ويوم الأحد يكون العيد الكبير عندهم الذي يزعمون أن المسيح قام فيه
ثم الأحد الذي يلي هذا يسمونه الأحد الحديث يلبسون فيه الجديد من ثيابهم ويفعلون فيه أشياء وكل هذه الأيام عندهم أيام العيد كما أن يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام وهم يصومون عن الدسم وما فيه الروح ثم في مقدمة فطرهم يفطرون أو بعضهم على ما يخرج من الحيوان من لبن وبيض ولحم وربما كان أول فطرهم على البيض ويفعلون في أعيادهم وغيرها من أمور دينهم أقوالا وأعمالا لا تنضبط ولهذا تجد نقل العلماء لمقالاتهم وشرائعهم تختلف وعامته صحيح
وذلك أن القوم يزعمون أن ما وضعه رؤساء دينهم من الأحبار والرهبان من الدين فقد لزمهم حكمه وصار شرعا شرعه المسيح في السماء فهم في كل مدة ينسخون أشياء ويشرعون غيرها أشياء من الإيجابات والتحريمات وتأليف الاعتقادات وغير ذلك مخالفا لما كانوا عليه قبل ذلك زعما منهم أن هذا بمنزلة نسخ الله شريعة بشريعة أخرى
فهم واليهود في هذا الباب وغيره على طرفي نقيض اليهود تمنع أن ينسخ الله الشرائع أو يبعث رسولا بشريعة تخالف ما قبلها كما أخبر الله عنهم بقوله سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها والنصارى تجيز لأحبارهم ورهبانهم شرع الشرائع ونسخها فلذلك لا ينضبط للنصارى شريعة محكمة مستمرة على الأزمان
وغرضنا لا يتوقف على معرفة تفاصيل باطلهم ولكن يكفينا أن نعرف المنكر معرفة تميز بينه وبين المباح والمعروف والمستحب والواجب حتى نتمكن بهذه المعرفة من اتقائه واجتنابه كما نعرف سائر المحرمات إذ الفرض علينا تركها ومن لم يعرف المنكر لا جملة ولا تفصيلا لم يتمكن من قصد اجتنابه والمعرفة الجميلة كافية بخلاف الواجبات فإن الفرض لما كان فعلها والفعل لا يتأتى إلا مفصلا وجبت معرفتها على سبيل التفصيل
وإنما عددت أشياء من منكرات دينهم لما رأيت طوائف من المسلمين قد ابتلوا ببعضها وجهل كثير منهم أنها من دين النصارى الملعون هو وأهله
وقد بلغني أيضا أنهم يخرجون يوم الخميس الذي قبل ذلك أو يوم السبت أو غير ذلك إلى القبور ويبخرونها وكذلك يبخرون بيوتهم في هذه الأوقات وهم يعتقدون أن في البخور بركة ودفع أذى لا لكونه طيبا ويعدونه من القرابين مثل الذبائح ويرقونه بنحاس يضربونه كأنه ناقوس صغير وبكلام مصنف ويصلبون على أبواب بيوتهم إلى غير ذلك من الأمور المنكرة ولست أعلم جميع ما يفعلونه وإنما ذكرت ما ذكرته لما رأيت كثيرا من المسلمين يفعلونه وأصله مأخوذ عنهم حتى إنه كان في مدة الخميس تبقى الأسواق مملوءة من أصوات هذه النواقيس الصغار وكلام الرقايين من المنجمين وغيرهم بكلام أكثره باطل وفيه ما هو محرم أو كفر
وقد ألقي إلى الجماهير العامة أو جميعهم إلا من شاء الله وأعني بالعامة هنا كل من لم يعلم حقيقة الإسلام فإن كثيرا ممن ينتسب إلى فقه أو دين قد شارك في ذلك ألقي إليهم أن البخور المرقي ينفع ببركته من العين والسحر والأدواء والهوام ويصورون في أوراق صور الحيات والعقارب ويلصقونها في بيوتهم زعما منهم أن تلك الصور الملعون فاعلها التي لا تدخل الملائكة بيتا هي فيه تمنع الهوام وهو ضرب من طلاسم الصابئة
ثم كثير منهم على ما بلغني يصلب على باب البيت
ويخرج خلق عظيم في الخميس المتقدم على هذا الخميس يبخرون المقابر ويسمون هذا المتأخر الخميس الكبير وهو عند الله الخميس المهين الحقير هو وأهله ومن يعظمه فإن كل ما عظم بالباطل من زمان أو مكان أو حجر أو شجر او بنية يجب قصد إهانته كما تهان الأوثان المعبودة وإن كانت لولا عبادتها لكانت كسائر الأحجار
ومما يفعله الناس من المنكرات أنهم يوظفون على الأماكن وظائف أكثرها كرها من الغنم والدجاج واللبن والبيض فيجتمع فيها تحريمان أكل مال المسلم أو المعاهد بغير حق وإقامة شعار النصارى ويجعلونه ميقاتا لاخراج الوكلاء على المزارع ويطحنون فيه ويصبغون فيه البيض وينفقون فيه النفقات الواسعة ويزينون أولادهم إلى غير ذلك من الأمور التي يقشعر منها قلب المؤمن الذي لم يمت قلبه بل يعرف المعروف وينكر المنكر
وخلق كثير منهم يضعون ثيابهم تحت السماء رجاء البركة من مريم تنزل عليها فهل يستريب من في قلبه أدنى حياة من الايمان أن شريعة جاءت بما قدمنا بعضه من مخالفة اليهود والنصارى لا يرضى من شرعها ببعض هذه القبائح
ويفعلون ما هو أعظم من ذلك يطلون أبواب بيوتهم ودوابهم بالخلوق والمغراء وغير ذلك من أعظم المنكرات عند الله فالله تعالى يكفينا شر المبتدعة وبالله التوفيق
وأصل ذلك كله إنما هو اختصاص أعياد الكفار بأمر جديد أو مشابهتهم في بعض أمورهم
يوضح ذلك ان الأسبوع الذي يقع في آخر صومهم يعظمونه جدا بتسميته الخميس الكبير وجمعته الجمعة الكبيرة ويجتهدون في التعبد فيه مالا يجتهدون في غيره بمنزلة العشر الأواخر من رمضان في دين الله ورسوله والأحد الذي هو أول الأسبوع يصنعون فيه عيدا يسمونه الشعانين هكذا نقل بعضهم عنهم أن الشعانين هو أول أحد في صومهم يخرجون فيه بورق الزيتون ونحوه يزعمون أن ذلك مشابهة لما جرى للمسيح عليه السلام حين دخل إلى بيت المقدس راكبا أتانا مع جحشها فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فثار عليه غوغاء الناس وكان اليهود قد وكلوا قوما معهم عصى يضربونه بها فأورقت تلك العصي وسجد أولئك الغوغاء للمسيح فعيد الشعانين مشابهة لذلك الأمر وهو الذي سمي في شروط عمر وكتب الفقه أن لا يظهروه في دار الإسلام ويسمون هذا العيد وكل مخرج يخرجونه إلى الصحراء باعوثا فالباعوث اسم جنس لما يظهر به الدين كعيد الفطر والنحر عند المسلمين
فما يحكونه عن المسيح عليه الصلاة والسلام من المعجزات في حيز الإمكان لا نكذبهم فيه لإمكانه ولا نصدقهم لجهلهم وفسقهم
وأما موافقتهم في التعييد فإحياء دين أحدثوه أو دين نسخه الله
ثم الخميس الذي يسمونه الخميس الكبير يزعمون أن في مثله نزلت المائدة التي ذكرها الله في القرآن حيث قال قال عيسى بن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا الآيات فيوم الخميس هو يوم عيد المائدة ويوم الأحد يسمونه عيد الفصح وعيد النور والعيد الكبير ولما كان عيدا صاروا يصنعون فيه لأولادهم البيض المصبوغ ونحوه لأنهم فيه يأكلون ما يخرج من الحيوان من لحم ولبن أو بيض إذ صومهم هو عن الحيوان وما يخرج منه وإنما يأكلون في صومهم الحب وما يصنع منه من خبز وزبيب وشيرج ونحو ذلك
وعامة هذه الأعمال المحكية عن النصارى وغيرها مما لم يحك قد زينها الشيطان لكثير ممن يدعي الإسلام وجعل لها في قلوبهم مكانة وحسن ظن وزادوا في بعض ذلك ونقصوا وقدموا وأخروا إما لأن بعض ما يفعلونه قد كان يفعله بعض النصارى أو غيروه هم من عند انفسهم كما كانوا يغيرون بعض أمر الدين الحق لكن لما اختصت به هذه الأيام ونحوها من الأيام التي ليس لها خصوصية في دين الله وإنما خصوصها في الدين الباطل بل إنما أصل تخصيصها من دين الكافرين وتخصيصها بذلك فيه مشابهة لهم وليس لجاهل أن يعتقد أن بهذا تحصل المخالفة لهم كما في صوم يوم عاشوراء لأن ذلك فيما كان أصله مشروعا لنا وهم يفعلونه فإنا نخالفهم في وصفه فأما مالم يكن في ديننا بحال بل هو في دينهم المبتدع والمنسوخ فليس لنا أن نشابههم لا في أصله ولا في وصفه كما قدمنا قاعدة ذلك فيما مضى
فإحداث أمر ما في هذه الأيام التي يتعلق تخصيصها بهم لابنا هو مشابهة لهم في أصل تخصيص هذه الأيام بشيء فيه تعظيم وهذا بين على قول من يكره صوم يوم النيروز والمهرجان لا سيما إذا كانوا يعظمون ذلك اليوم الذي أحدث فيه ذلك العمل
ويزيد ذلك وضوحا أن الأمر قد آل إلى أن كثيرا من الناس صاروا في مثل هذا الخميس الذي هو عند الكفار عيد المائدة آخر خميس في صوم النصارى الذي يسمونه الخميس الكبير وهو الخميس الحقير يجتمعون في أماكن اجتماعات عظيمة ويصبغون البيض ويطبخون اللبن وينكتون بالحمرة دوابهم ويصطنعون الأطعمة التي لا تكاد تفعل في عيد الله ورسوله ويتهادون الهدايا التي تكون في مثل مواسم الحج وعامتهم قد نسوا أصل ذلك وعلته وبقي عادة مطردة كاعتيادهم بعيد الفطر والنحر وأشد واستعان الشيطان على إغوائهم في ذلك بأن الزمان زمان ربيع وهو مبدأ العام الشمسي فيكون قد كثر فيه اللحم واللبن والبيض ونحو ذلك مع أن عيد النصارى ليس هو يوما محدودا من السنة الشمسية وإنما يتقدم فيها ويتأخر في نحو ثلاثة وثلاثين يوما كما قدمناه
وهذا كله تصديق قول النبي ﷺ لتتبعن سنن من كان قبلكم والسنن مشابهة الكفار في القليل من أمر عيدهم وعدم النهي عن ذلك
وإذا كانت المشابهة في القليل ذريعة ووسيلة إلى بعض هذه القبائح كانت محرمة فكيف إذا أفضت إلى ما هو كفر بالله من التبرك بالصليب والتعميد في المعمودية أو قول القائل المعبود واحد وإن كانت الطرق مختلفة ونحو ذلك من الأقوال والأفعال التي تتضمن إما كون الشريعة النصرانية واليهودية المبدلتين المنسوختين موصلة إلى الله وإما استحسان بعض ما فيها مما يخالف دين الله أو التدين بذلك أو غير ذلك مما هو كفر بالله وبرسوله وبالقرآن وبالإسلام بلا خلاف بين الأمة الوسط في ذلك
وأصل ذلك المشابهة والمشاركة
وبهذا يتبين لك كمال موقع الشريعة الحنيفية وبعض حكمة ما شرعه الله لرسوله من مباينة الكفار ومخالفتهم في عامة أمورهم لتكون المخالفة أحسم لمادة الشر وأبعد عن الوقوع فيما وقع فيه الناس
واعلم أنا لو لم نر موافقتهم قد أفضت إلى هذه القبائح لكان علمنا بما فطرت الطبائع عليه واستدلالنا بأصول الشريعة يوجب النهي عن هذه الذريعة فكيف وقد رأينا من المنكرات التي أفضت إليها المشابهة ما قد يوجب الخروج من الإسلام بالكلية
وسر هذا الوجه أن المشابهة تفضي إلى كفر أو معصية غالبا أو تفضي إليهما في الجملة وليس في هذا المفضى مصلحة وما أفضى إلى ذلك كان محرما فالمشابهة محرمة والمقدمة الثانية لا ريب فيها فإن استقراء الشريعة في مواردها ومصادرها دل على أن ما أفضى إلى الكفر غالبا حرام وما أفضى إليه على وجه خفي حرام وما أفضى إليه في الجملة ولا حاجة تدعو إليه حرام كما قد تكلمنا على قاعدة الذرائع في غير هذا الكتاب
والمقدمة الأولى قد شهد بها الواقع شهادة لا تخفى على بصير ولا أعمى مع أن الإفضاء أمر طبيعي قد اعتبره الشارع في عامة الذرائع التي سدها كما قد ذكرنا من الشواهد على ذلك نحوا من ثلاثين أصلا منصوصة أو مجمعا عليها في كتاب إقامة الدليل على بطلان التحليل
الوجه الرابع من الاعتبار أن الأعياد والمواسم في الجملة لها منفعة عظيمة في دين الخلق ودنياهم كانتفاعهم بالصلاة والزكاة والصيام والحج ولهذا جاءت بها كل شريعة كما قال تعالى لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه وقال ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام
ثم إن الله شرع على لسان خاتم النبيين من الأعمال ما فيه صلاح الخلق على أتم الوجوه وهو الكمال المذكور في قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم
ولهذا أنزل الله هذه الآية في أعظم أعياد الأمة الحنيفية فإنه لاعيد في النوع أعظم من العيد الذي يجتمع فيه المكان والزمان وهو عيد النحر ولا عين من أعيان هذا النوع أعظم من يوم كان قد أقامه رسول الله ﷺ بعامة المسلمين وقد نفى الله تعالى الكفر وأهله والشرائع هي غذاء القلوب وقوتها كما قال ابن مسعود رضي الله عنه ويروى مرفوعا إن كل آدب يحب أن تؤتى مأدبته وإن مأدبة الله هي القرآن ومن شأن الجسد إذا كان جائعا فأخذ من طعام حاجته استغنى عن طعام آخر حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكراهة وتجشم وربما ضره أكله أو لم ينتفع به ولم يكن هو المغذي الذي يقيم بدنه فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته قلت رغبته في المشروع وانتفاعه به بقدر ما اعتاض من غيره بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع فإنه تعظم محبته له ومنفعته به ويتم دينه به ويكمل إسلامه
ولهذا تجد من أكثر من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه تنقص رغبته في سماع القرآن حتى ربما يكرهه ومن أكثر من السفر إلى زيارة المشاهد ونحوها لا يبقى لحج البيت المحرم في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنة ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع ومن أدمن على قصص الملوك وسيرهم لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام ونظائر هذه كثيرة
ولهذا جاء في الحديث عن النبي ﷺ ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها رواه الإمام أحمد
وهذا أمر يجده من نفسه من نظر في حاله من العلماء والعباد والأمراء والعامة وغيرهم
ولهذا عظمت الشريعة النكير على من أحدث البدع وحذرت منها لأن البدع لو خرج الرجل منها كفافا لا عليه ولا له لكان الأمر خفيفا بل لا بد أن توجب له فسادا في قلبه ودينه ينشأ من نقص منفعة الشريعة في حقه إذا القلب لا يتسع للعوض والمعوض عنه
ولهذا قال النبي ﷺ في العيدين الجاهليين إن الله قد أبدلكم بهما يومين خيرا منهما فيبقى اغتذاء قلبه من هذه الأعمال المبتدعة مانعا من الاغتذاء أو من كمال الاغتذاء بتلك الأعمال النافعة الشرعية فيفسد عليه حاله من حيث لا يعلم كما يفسد جسد المغتذي بالأغذية الخبيثة من حيث لا يشعر
وبهذا يتبين لك بعض ضرر البدع
إذا تبين هذا فلا يخفى ما جعل الله في القلوب من التشوق إلى العيد والسرور به والاهتمام بأمره إنفاقا واجتماعا وراحة ولذة وسرورا وكل ذلك يوجب تعظيمه لتعلق الأغراض به فلهذا جاءت الشريعة في العيد بإعلان ذكر الله فيه حتى جعل فيه من التكبير في صلاته وخطبته وغير ذلك مما ليس في سائر الصلوات فأقامت فيه من تعظيم الله وتنزيل الرحمة خصوصا العيد الأكبر ما فيه صلاح الخلق كما دل على ذلك قوله تعالى وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم فصار ما وسع على النفوس فيه من العادات الطبيعية عونا على انتفاعها بما خص به من العبادات الشرعية فإذا أعطيت النفوس في غير ذلك اليوم حظها أو بعض الذي يكون في عيد الله فترت عن الرغبة في عيد الله وزال ما كان له عندها من المحبة والتعظيم فنقص بسبب ذلك تأثير العمل الصالح فيه فخسرت خسرانا مبينا
وأقل الدرجات أنك لو فرضت رجلين أحدهما قد اجتمع اهتمامه بأمر العيد على المشروع والآخر مهتم بهذا وبهذا فإنك بالضرورة تجد المتجرد للمشروع أعظم اهتماما به من المشرك بينه وبين غيره ومن لم يدرك هذا فلغفلته أو إعراضه وهذا أمر يعلمه من يعرف بعض أسرار الشرائع
وأما الإحساس بفتور الرغبة فيجده كل أحد فإنا نجد الرجل إذا كسا أولاده أو وسع عليهم في بعض الأعياد المسخوطة فلا بد أن تنقص حرمة العيد المرضي من قلوبهم حتى لو قيل بل في القلوب ما يسع هذين قيل لو تجردت لأحدهما لكان أكمل
الوجه الخامس من الاعتبار أن مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل خصوصا إذا كانوا مقهورين تحت ذل الجزية والصغار فانهم يرون المسلمين قد صاروا فرعا لهم في خصائص دينهم فإن ذلك يوجب قوة قلوبهم وانشراح صدورهم وربما أطعمهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء وهذا أيضا أمر محسوس لا يستريب فيه عاقل فكيف يجتمع ما يقتضي إكرامهم بلا موجب مع شرع الصغار في حقهم
الوجه السادس من الاعتبار أن مما يفعلونه في عيدهم منه ما هو كفر ومنه ما هو حرام ومنه ما هو مباح لو تجرد عن مفسدة المشابهة ثم التمييز بين هذا وهذا يظهر غالبا وقد يخفى على كثير من العامة
فالمشابهة فيما لم يظهر تحريمه للعالم يوقع العامي في أن يشابههم فيما هو حرام وهذا هو الواقع
والفرق بين هذا الوجه ووجه الذريعة أنا هناك قلنا الموافقة في القليل تدعو إلى الموافقة في الكثير وهنا جنس الموافقة تلبس على العامة دينهم حتى لا يميزوا بين المعروف والمنكر
فذاك بيان الاقتضاء من جهة تقاضي الطباع بإدارتها وهذا من جهة جهل القلوب باعتقاداتها
الوجه السابع من الاعتبار ما قررته في وجه أصل المشابهة وذلك أن الله تعالى جبل بني آدم بل سائر المخلوقات على التفاعل بين الشيئين المتشابهين وكلما كانت المشابهة أكثر كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم حتى يؤول الأمر إلى أن لا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالعين فقط ولما كان بين الإنسان مشاركة في الجنس الخاص كان التفاعل فيه أشد ثم بينه وبين سائر الحيوان مشاركة في الجنس المتوسط فلا بد من نوع تفاعل بقدره ثم بينه وبين النبات مشاركة في الجنس البعيد مثلا فلا بد من نوع ما من المفاعلة
ولأجل هذا الأصل وقع التأثر والتأثير في بني آدم واكتساب بعضهم أخلاق بعض بالمشاركة والمعاشرة وكذلك الآدمي إذا عاشر نوعا من الحيوان اكتسب من بعض أخلاقه ولهذا صارت الخيلاء والفخر في أهل الإبل وصارت السكينة في أهل الغنم وصار الجمالون والبغالون فيهم أخلاق مذمومة من أخلاق الجمال والبغال وكذلك الكلابون وصار الحيوان الإنسي فيه بعض أخلاق الإنس من المعاشرة والمؤالفة وقلة النفرة
فالمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي
وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين هم أقل كفرا من غيرهم كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى هم أقل إيمانا من غيرهم ممن جرد الإسلام
والمشاركة في الهدي الظاهر توجب أيضا مناسبة وائتلافا وإن بعد المكان والزمان فهذا أيضا أمر محسوس
فمشابهتهم في أعيادهم ولو بالقليل هو سبب لنوع ما من اكتساب أخلاقهم التي هي ملعونة وما كان مظنة لفساد خفي غير منضبط علق الحكم به ودار التحريم عليه
فنقول مشابهتهم في الظاهر سبب ومظنة لمشابهتهم في عين الأخلاق والأفعال المذمومة بل في نفس الاعتقادات وتأثير ذلك لا يظهر ولا ينضبط ونفس الفساد الحاصل من المشابهة قد لا يظهر ولا ينضبط وقد يتعسر أو يتعذر زواله بعد حصوله لو تفطن له وكل ما كان سببا إلى مثل هذا الفساد فإن الشارع يحرمه كما دلت عليه الأصول المقررة
الوجه الثامن من الاعتبار أن المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة حتى إن الرجلين إذا كانا من بلد واحد ثم اجتمعا في دار غربة كان بينهما من المودة والموالاة والائتلاف أمر عظيم وإن كانا في مصر هما لم يكونا متعارفين أو كانا متهاجرين
وذلك لأن الاشتراك في البلد نوع وصف اختصا به عن بلد الغربة بل لو اجتمع رجلان في سفر أو بلد غريب وكانت بينهما مشابهة في العمامة أو الثياب أو الشعر أو المركوب ونحو ذلك لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما وكذلك تجد أرباب الصناعات الدنيوية يألف بعضهم بعضا مالا يألفون غيرهم حتى إن ذلك يكون مع المعاداة والمحاربة إما على الملك وإما على الدين وكذلك تجد الملوك ونحوهم من الرؤساء وإن تباعدت ديارهم وممالكهم بينهم مناسبة تورث مشابهة ورعاية من بعضهم لبعض وهذا كله بموجب الطباع ومقتضاها إلا أن يمنع عن ذلك دين أو غرض خاص
فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة فكيف بالمشابهة في أمور دينية فإن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين
وقال تعالى فيما يذم به أهل الكتاب لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون
فبين سبحانه وتعالى أن الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه مستلزم لعدم ولايتهم فثبوت ولايتهم يوجب عدم الإيمان لأن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم
وقال سبحانه وتعالى لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه
فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يوجد مؤمن يواد كافرا فمن واد الكفار فليس بمؤمن
فالمشابهة الظاهرة مظنة المودة فتكون محرمة كما تقدم تقرير مثل ذلك
واعلم أن وجوه الفساد في مشابهتهم كثيرة فلنقتصر على ما نبهنا عليه والله أعلم
فصل
[عدل]مشابهتهم فيما ليس من شرعنا قسمان
أحدهما مع العلم بأن هذا العمل هو من خصائص دينهم فهذا العمل الذي هو من خصائص دينهم إما أن يفعل لمجرد موافقتهم وهو قليل وإما لشهوة تتعلق بذلك العمل وإما لشبهة فيه تخيل أنه نافع في الدنيا وفي الآخرة وكل هذا لا شك في تحريمه لكن يبلغ التحريم في بعضه إلى أن يكون من الكبائر وقد يصير كفرا بحسب الأدلة الشرعية
وإما عمل لم يعلم الفاعل أنه من عملهم فهو نوعان
أحدهما ما كان في الأصل مأخوذا عنهم إما على الوجه الذي يفعلونه
وإما مع نوع تغيير في الزمان أو المكان أو الفعل ونحو ذلك فهو غالب ما يبتلى به العامة في مثل ما يصنعونه في الخميس الحقير والميلاد ونحوهما فإنهم قد نشئوا على اعتياد ذلك وتلقاه الأبناء عن الآباء وأكثرهم لا يعلمون مبدأ ذلك فهذا يعرف صاحبه حكمه فإن لم ينته وإلا صار من القسم الأول
النوع الثاني ما ليس في الأصل مأخوذا عنهم لكنهم يفعلونه أيضا فهذا ليس فيه محذور المشابهة ولكن قد تفوت فيه منفعة المخالفة فتوقف كراهة ذلك وتحريمه على دليل شرعي وراء كونه من مشابهتهم إذ ليس كوننا تشبهنا بهم بأولى من كونهم تشبهوا بنا فأما استحباب تركه لمصلحة المخالفة إذا لم يكن في تركه ضرر فظاهر لما تقدم من المخالفة
وهذا قد توجب الشريعة مخالفتهم فيه وقد توجب عليهم مخالفتنا كما في الزي ونحوه وقد يقتصر على الاستحباب كما في صبغ اللحية والصلاة في النعلين والسجود وقد تبلغ إلى الكراهة كما في تأخير المغرب والفطور
بخلاف مشابهتهم فيما كان مأخوذا عنهم فإن الأصل فيه التحريم لما قدمنا
فصل
[عدل]العيد اسم جنس يدخل فيه كل يوم أو مكان لهم فيه اجتماع وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة فليس النهي عن خصوص أعيادهم بل كل ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام وما يحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلك
وكذلك تحريم العيد هو وما قبله وما بعده من الأيام التي تحدث فيها أشياء لأجله أو ما يحدث بسبب أعماله من أعمال حكمها حكمه فلا يفعل شيء من ذلك فإن بعض الناس قد يمنع من إحداث أشياء في أيام عيدهم كيوم الخميس والميلاد ويقول لعياله أنا أصنع لكم في هذا الأسبوع أو الشهر الآخر وإنما المحرك له على إحداث ذلك وجود عيدهم ولولا هو لم يقتضوه ذلك فهذا من مقتضيات المشابهة لكن يحال الأهل على عيد الله ورسوله ويقضي لهم فيه من الحقوق ما يقطع استشرافهم إلى غيره فإن لم يرضوا فلا حول ولا قوة إلا بالله ومن أغضب أهله لله أرضاه الله وأرضاهم
وليحذر العاقل من طاعة النساء في ذلك ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد قال قال رسول الله ﷺ ما تركت بعدي على أمتي من فتنة أضر على الرجال من النساء
وأكثر ما يفسد الملك والدول طاعة النساء
وفي صحيح البخاري عن أبي بكر رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة
وروى أيضا هلكت الرجال حين أطاعت النساء
وقد قال ﷺ لإحدى أمهات المؤمنين حين راجعته في تقديم أبي بكر إنكن صواحب يوسف يريد أن النساء من شأنهن مراجعة ذي اللب كما في الحديث الآخر ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب ذي اللب من إحداكن
ولما أنشده الأعشى أعشى باهلة أبياته التي يقول فيها ... وهن شر غالب لمن غلب ...
جعل النبي ﷺ يرددها ويقول هن شر غالب لمن غلب ولذلك امتن الله على زكريا عليه السلام حيث قال وأصلحنا له زوجه
قال بعض العلماء ينبغي للرجل أن يجتهد في الرغبة إلى الله في إصلاح زوجه له
فصل
[عدل]أعياد الكفار كثيرة مختلفة وليس على المسلم أن يبحث عنها ولا يعرفها بل يكفيه أن يعرف في أي فعل من الأفعال أو يوم أو مكان أن سبب هذا الفعل أو تعظيم هذا المكان والزمان من جهتهم ولو لم يعرف أن سببه من جهتهم فيكفيه أن يعلم أنه لا أصل له في دين الإسلام فإنه إذا لم يكن له أصل فإما أن يكون قد أحدثه بعض الناس من تلقاء نفسه أو يكون مأخوذا عنهم فأقل أحواله أن يكون من البدع
ونحن ننبه على ما رأينا كثيرا من الناس قد وقعوا فيه
فمن ذلك الخميس الحقير الذي في آخر صومهم فإنه يوم عيد المائدة فيما يزعمون ويسمونه عيد العشاء وهو الأسبوع الذي يكون فيه من الأحد إلى الأحد عيدهم الأكبر فجميع ما يحدثه الإنسان فيه من المنكرات
فمنه خروج النساء وتبخير القبور ووضع الثياب على السطح وكتابة الأوراق وإلصاقها بالأبواب واتخاذ هذه الأيام موسما لبيع البخور وشرائه وكذلك شراء البخور في ذلك الوقت إذا اتخذ وقتا للبيع ورقي البخور مطلقا في ذلك الوقت أو غيره أو قصد شراء البخور المرقي فإن رقيا البخور واتخاذه قربانا هو دين النصارى والصابئين وإنما البخور طيب يتطيب بدخانه كما يتطيب بسائر الطيب من المسك وغيره مما له أجزاء بخارية وإن لطفت أو له رائحة محضة وإنما يستحب التبخر حيث يستحب التطيب
وكذلك اختصاصه بطبخ أرز بلبن أو بسمن أو بعدس أو صبغ بيض ونحو ذلك
وأما القمار بالبيض أو بيع البيض لمن يقامر به أو شراؤه من المقامرين فحكمه ظاهر
ومن ذلك ما يفعله الأكارون من نقط البقر بالنقط الحمر أو نكت الشجر أيضا او جمع أنواع الثياب والتبرك بها والاغتسال بمائها
ومن ذلك ما قد يفعله النساء من أخذ ورق الزيتون أو الاغتسال بمائه أو قصد الاغتسال بشيء من ذلك فإن أصل ذلك ماء المعمودية
ومن ذلك ترك الوظائف الراتبة من الصنائع أو التجارات أو حلق العلم أو غير ذلك واتخاذه يوم راحة وفرح واللعب فيه بالخيل أو غيرها على وجه يخالف ما قبله وما بعده من الأيام
والضابط أنه لا يحدث فيه أمر أصلا بل يجعل يوما كسائر الايام فإنا قد قدمنا عن النبي ﷺ أنه نهاهم عن اليومين اللذين كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية وأنه ﷺ نهى عن الذبح بالمكان إذا كان المشركون يعيدون فيه
ومن ذلك ما يفعله كثير من الناس في أثناء الشتاء في أثناء كانون الأول لأربع وعشرين خلت منه ويزعمون أنه ميلاد عيسى عليه السلام فجميع ما يحدث فيه هو من المنكرات مثل إيقاد النيران وإحداث طعام واصطناع شمع وغير ذلك فإن اتخاذ هذا الميلاد عيدا هو دين النصارى وليس لذلك أصل في دين الإسلام ولم يكن لهذا الميلاد ذكر أصلا على عهد السلف الماضين بل أصله مأخوذ عن النصارى وانضم إليه سبب طبيعي وهو كونه في الشتاء المناسب لإيقاد النيران ولأنواع مخصوصة من الأطعمة
ثم إن النصارى تزعم أنه بعد الميلاد بأيام أظنها أحد عشر يوما عمد يحيى عيسى عليهما السلام في ماء المعمودية فهم يتعمدون في هذا الوقت ويسمونه عيد الغطاس وقد صار كثير من جهال النساء يدخلن أولادهن إلى الحمام في هذا الوقت ويزعمن أن هذا ينفع الولد وهذا من دين النصارى وهو من أقبح المنكرات المحرمة
وكذلك أعياد الفرس مثل النيروز والمهرجان وأعياد اليهود أو غيرهم من أنواع الكفار أوالأعاجم والأعراب حكمها كلها على ما ذكرناه من قبل
وكما لا يتشبه بهم في الأعياد فلا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك بل ينهى عن ذلك فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب إجابة دعوته
ومن أهدى للمسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديته خصوصا إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم في مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد أو إهداء البيض واللبن والغنم في الخميس الصغير الذي في آخر صومهم
وكذلك أيضا لا يهدى لأحد من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد لا سيما إذا كان مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه
ولا يبيع المسلم ما يستعين المسلمون به على مشابهتهم في العيد من الطعام واللباس ونحو ذلك لأن في ذلك إعانة على المنكرات
فأما مبايعتهم ما يستعينون هم به على عيدهم أو شهود أعيادهم للشراء فيها
فقد قدمنا أنه قيل للإمام أحمد هذه الأعياد التي تكون عندنا بالشام مثل طور يابور أو دير أيوب وأشباهه يشهده المسلمون يشهدون الأسواق ويجلبون فيه الغنم والبقر والدقيق والبر وغير ذلك إلا أنه يكون في الأسواق يشترون ولا يدخلون عليهم بيعهم قال إذا لم يدخلوا عليهم بيعهم وإنما يشهدون السوق فلا بأس
وقال أبو الحسن الآمدي فأما ما يبيعون في الأسواق في أعيادهم فلا بأس بحضوره نص عليه أحمد في رواية مهنا
وقال إنما يمنعون أن يدخلوا عليهم بيعهم وكنائسهم وأما ما يباع في الأسواق من المأكل فلا وإن قصد إلى توفير ذلك وتحسينه لأجلهم
فهذا الكلام محتمل لأن يكون أجاز شهود السوق مطلقا بائعا أو مشتريا لأنه قال إذا لم يدخلوا عليهم كنائسهم وإنما يشهدون السوق فلا بأس هذا يعم البائع والمشتري لا سيما إن كان الضمير في قوله يجلبون عائدا إلى المسلمين فيكون قد نص على جواز كونهم جالبين إلى الأسواق
ويحتمل وهو أقوى أنه إنما أرخص في شهود السوق فقط ورخص في الشراء منهم ولم يتعرض للبيع منهم لأن السائل إنما سأله عن شهود السوق التي تقيمها الكفار لعيدهم وقال في آخر مسألته يشترون ولا يدخلون عليهم بيعهم وذلك لأن السائل مهنا بن يحيى الشامي وهو فقيه عالم
وكأنه والله أعلم قد سمع ما جاء في النهي عن شهود أعيادهم فسأل أحمد هل شهود أسواقهم بمنزلة شهود أعيادهم فأجاب أحمد بالرخصة في شهود السوق ولم يسأل عن بيع المسلم لهم إما لظهور الحكم عنده وإما لعدم الحاجة إليه إذ ذاك
وكلام الآمدي أيضا محتمل للوجهين لكن الأظهر فيه الرخصة في البيع أيضا لقوله إنما يمنعون أن يدخلوا عليهم بيعهم وكنائسهم وقوله وإن قصد إلى توفير ذلك وتحسينه لأجلهم
فما أجاب به أحمد من جواز شهود السوق فقط للشراء منها من غير دخول الكنيسة فيجوز لأن ذلك ليس فيه منكر ولا إعانة على معصية لأن نفس الابتياع منهم جائز ولا إعانة فيه على المعصية بل فيه صرف لما لعلهم يبتاعونه لعيدهم عنهم الذي يظهر أنه إعانة لهم وتكثير لسوادهم فيكون فيه تقليل الشر وقد كانت أسواق في الجاهلية كان المسلمون يشهدونها وشهد بعضها النبي عليه السلام ومن هذه الأسواق ما كان يكون في مواسم الحج ومنها ما كان يكون لأعياد باطلة
وأيضا فإن أكثر ما في السوق أن يباع فيها ما يستعان به على المعصية فهو كما لو حضر الرجل سوقا يباع فيها السلاح لمن يقتل به معصوما أو العصير لمن يخمره فحضرها الرجل يشتري منها بل هو أجود لأن البائع في هذا السوق ذمي وقد أقروا على هذه المبايعة
ثم إن الرجل لو سافر إلى دار الحرب ليشتري منها جاز عندنا كما دل عليه حديث تجارة أبي بكر رضي الله عنه في حياة رسول الله ﷺ إلى أرض الشام وهي حينذاك دار حرب وحديث عمر رضي الله عنه وأحاديث أخر بسطت القول فيها في غير هذا الموضع مع أنه لا بد أن تشتمل أسواقهم على بيع ما يستعان به على المعصية
فأما بيع المسلم لهم في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم من الطعام واللباس والريحان ونحو ذلك أو إهداء ذلك لهم فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرم وهو مبني على أصل وهو أنه لا يجوز أن يبيع الكفار عنبا أو عصيرا يتخذونه خمرا وكذلك لا يجوز بيعهم سلاحا يقاتلون به مسلما