انتقل إلى المحتوى

ألا فادع الذي ترجو ونادى

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

ألا فادعُ الذي ترجو ونادى

​ألا فادعُ الذي ترجو ونادى​ المؤلف رفاعة الطهطاوي


ألا فادعُ الذي ترجو ونادى
بُحبك وإن تكن في أيّ نادي
فمن غَرس الرجا في قلب حُرٍ
أصابَ جَنى النجا غِبّ الحصاد
ومن حُسن الخلائق سله صنعاً
جميلا فهو أوفى بالوداد
وحدثْ عن وفا خلٍ وفّى
بمرسلٍ حُبه في القلب بَادي
ورب أخ تلاهى عنك يوما
فربّ وداده أبداً ودادي
بنو الآدابِ إخوانٌ جميعاً
وأخدانٌ بمختلف البلاد
خلائفُ عنصرٍ كل تغذى
بأثداء العلا دونَ اقتصاد
وآدابُ الفتى تعليه يوماً
إلى الأنجاد من بعد الوهاد
وآدابِي تُسامى بي الدراري
على شعثى وتبلغني مُرادي
ومالي لا أتيه بها دلالا
وقد دلتْ على نَهج الرشاد
إلى سُبل الفخار تقود حزمي
وفي ميدانه عزمُ انقيادي
عِصاميٌّ طريفُ المجد سعياً
عظاميُّ شريفٌ بالتِّلاد
سوى نسب العلوم لي انتسابٌ
إلى خير الحواضرِ والبوادي
حُسينيُّ السلالة قاسميُّ
بطهطا معشري وبها مهادي
لسان العرب يُنسب لي نجاراً
ويدنيني إلى قُسّ الإياد
وحسبي أنني أبرزت كتباً
تبيدُ كتائباً يوم الطراد
فمنها منبعُ العرفان يجري
وكم طرسٍ تَحبَّر بالمداد
على عدد التواترِ مُعرباتي
تفي بفنون سلم أو جهاد
وملطبرون يشهدُ وهو عدل
ومنتسكو يقرُّ بلا تمادي
ومغترفو قراح فراتِ درسي
قد اقترحوا سِقاية كل صادي
ولاح لسان بَاريسٍ كشمسٍ
بقاهرة المعزّ على عبادي
ومحيي مصرَ أحيا كان قدري
وكافأني على قدر اجتهادي
سأشكرُ فضلَه ما دمتُ حياً
وما شكري لدى تلك الأيادي
رعى الحنان عهدَ زمان مصر
وأمطرَ ربعَها صوب العهاد
رحلتُ بصفقة المغبون عنها
وفضلي في سِواها في المزاد
وما السودانُ قطُ مُقامُ مثلي
ولا سَلماي فيه ولا سَعادي
بها ريحُ السمومُ يشم منه
زفيرَ لظى فلا يُطفيه وادي
عواصفها صباحاً أو مساءً
دواماً في اضطراب واطّراد
ونصفُ القوم أكثره وحوشٌ
وبعضُ القوم أشبهُ بالجماد
فلا تعجبْ إذا طبخوا خليطا
بمخ العظم مع صافي الرماد
ولطخُ الدُّهْنِ في بَدنٍ وشعر
كدهن الإبل من جَرب القراد
ويُضربُ بالسياط الزوجُ حتى
يُقال أخو ثَباتٍ في الجلاد
ويرتق ما بزوجتهِ زماناً
ويصعبُ فتقُ هذا الإنسداد
وإكراهُ الفتاة على بغاءٍ
مع النهى ارتضوْه باتحاد
نتيجته المولّدُ وهو غالٍ
به الرغباتُ دوماً باحتشاد
لهم شغفٌ بتعليم الجَواري
على شبقٍ مجاذبة السفاد
وشرحُ الحال منه يضيقُ صَدري
ولا يُحصيه طرسي أو مِدادي
وضبطُ القول فالأخيارُ نُزْرُ
وشرُ الناس منتشرُ الجراد
ولولا البيضُ من عُرْبٍ لكانوا
سواداً في سوادٍ في سواد
وحسبي فتكها بنصيف صحبي
كأن وظيفتي لبسُ الحِداد
وقد فارقتُ أطفالا صغاراً
بطهطا دونَ عَوْدي واعتيادي
أفكر فيهم سراً وجهراً
ولا سَمرى يطيب ولا رقادي
وعادت بهجتي بالنأي عنهم
بلوعة مهجةٍ ذاتِ اتقادِ
أريد وصَالَهم والدهرُ يأبى
مواصلتي ويطمعُ في عنادي
وطالت مدةُ التغريب عنهم
ولا غنمٌ لدىّ سوى الكساد
وما خلتُ العزيزَ يريدُ ذلي
ولا يُصغى لأخصامٍ حدادِ
لديه سعوا بألسنةٍ حدادٍ
فكيف صغى لألسنةٍ حدادٍ
مهازيلُ الفضائل خَادعوني
وهل في حربهم يكبو جوادي
وزخرفُ قولهم إذْ مَوهوهُ
على تزييفه نادى المنادي
فهل من صَيرفي المعنى بصير
صحيحِ الانتقاء والانتقاد
قياسُ مدارسي قالوا عقيمُ
بمصر فما النتيجةُ في بعادي
وكان البحرُ منهجَ سفن عزمي
فكدتُ الآن أغْرقُ في الثَّمادِ
ثلاثُ سنين بالخرطوم مرت
بدون مدارس طبق المراد
وكيف مدارس الخرطوم تُرجى
هناك ودونَها خَرطُ القتاد
نعم تُرجَى المصانعُ وهي أحرى
لتأييد المقاصد بالمبادي
علومُ الشرع قائمةٌ لديهم
لمرغوب المعاش أو المعاد
خدمتُ بموطني زمناً طويلا
ولي وصفُ الوفاء والاعتماد
فكنتُ بمنحة الإكرام أوْلى
بقدرٍ للتعيش مُستفاد
وغايةُ مطلبي عَوْدي لأهلي
ولو من دون راحلةٍ وزادي
وصبري ضاع منذ اشتدّ خطبي
وهوْنُ الخطب عند الاشتداد
وكم حسناً دعوتُ لحسن حَالي
وكم نادى فؤادي يا فؤادي
وأرجو صدرَ مصر لشرح صدري
وجهد الطول في طول النجاد
وكم بُشرتُ أن عزيزَ مصر
تفوهَ بالفكاك ولم يفاد
وحاشا أن أقولَ مقال غيري
وذلك ضد سرّي واعتقادي
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً
ولكن لا حياةَ لمن تُنادي
وفي دار العزازةِ لي عياذٌ
يَقيني نشبَ أظفار العوادي
أميرُ كبار أرباب المعالي
فنى في شرعة العرفان هادي
عروفُ ألمعي لا يُباري
بمضمار العلا طلقُ الجياد
يوافر فضله الركبانُ سارتْ
وغَنىّ باسمه حادٍ وشاد
وقالوا في معارفه فريدٌ
فقلتُ وفي الرياسة ذو انفراد
وفي الأحكام قالوا لا يُضاهَى
فقلتُ وذو تحر واجتهاد
وقالوا في الذكاء ذكا فقلنا
وثاقبُ ذهنه وارى الزناد
وقالوا وفقَ الحسنُ المُسَمَّى
فقلت وكم حدا بالوصف حاد
وبحر حجاه يبدو منه در
لغوّاصِ العلوم بلا نفاد
فيا حسنَ الفعال أغثْ أسيرا
بسجن الزنج يحكي ذا القياد
عليه دوائرُ الأسواء دارتْ
وطالتْ وفقَ أهواء الأعادي
وقد فوضتُ للمولى أموري
وذا عينُ الإصابة والسداد
عسى المولى يقول امضُوا بعبدي
فيقضى لي بتقريب ابتعادي
وما نظمُ القريض برأْسِ مالي
ولا سَندي أراهُ ولا سِنادي
وافرُ بحره إن جاد يوماً
فممدوحي له وصف الجواد
وليس لبكر فكري من صداقٍ
سوى تلطيف عودي في بلادي
فا أسمى ذراها من بيوتٍ
رَزانٍ في حماستها شداد
ومسكُ ختامها صلوات ربي
على طه المُشَفَّعِ في المعاد
وآل والصحابة وكلَّ وقت
مواصلةٍ إلى يوم التنادِ