أكرم بطيف خيالكم من زائر
المظهر
أكرم بطيف خيالكم من زائرِ
أكرم بطيف خيالكم من زائرِ
ما زار إلاّ مُؤْذناً ببشائر
وافى على بُعد المزار وربما
بلَّ الغليل بغائب من حاضر
والنجم يصرف للغروب عنانه
حتى بصرت به كليل الناظر
وكأنَّ ضوءَ في أثرَ الدجى
إظهارُ حُجّةِ مسلمٍ للكافر
لا تحسبوا أنّي سلوت غرامكم
هجراً فبعداً للمحب الهاجر
جمراك ذاك الوجد حشو جوانحي
وجمال ذاك الوجه ملء نواظري
أعِدِ ادّكارك يوم مجتمع الهوى
إنّي لأصبو عند ذكر الذاكر
أيام نرفل بالنعيم ونصطلي
نار المدامة من عصير العاصر
ولقد ذكرت العيش وهو كأنّما
برزت محاسنه بروض ناضر
ومليكه الأفراح في أقداحها
قد رصعت تيجانها بجواهر
صبغت بإكسير الحياة لجينها
فكأنها ملكت صناعة جابر
خلع العذار لها النزيف وبان في
جنح الظلام منادمي ومسامري
متجاهر يهفو إلى لذاته
أحبب إلى اللذات من متجاهر
ذهبت لذاذات الصبا وتصرّمت
أوقات أُنْسِكَ في الزمان الغابر
وإذا امرؤ فقد الشباب فما له
في اللهو بعد مشيبه من عاذر
ولقد أقول لطامع برجوعها
كيف اقتناصُك للغزال النافر؟
لله ما أورى بنا متلفت
يوم الفحيم بجيد أحوى الناظر
والركب مرتحل بكل غريرة
تبني الكناس بغاب ليث خادر
أرأيت ما فعل الوداع بمقلة
ما قرّحت بالدمع غير محاجري
وجَرَتْ على نَسَقٍ مدامعُ عبرة
شبّهتها باللؤلؤ المتناثر
شيعت هاتيك الظغون عشية
ورجعت بعدهم بصفقة خاسر
لا كان يوم وداعهم من موقف
وقف المتيم فيه وقفة حائر
والدمع يلحق آخراً في أوّلٍ
والبين يرفق أوّلاً في آخر
مَن ناصري منكم على مضض الهوى؟
هيهات ليس على الهوى من ناصر
لا تعذلنّ فللغرام قضية
سدَّت عليَّ مسامعي ومناظري
يا سعد حين ذكرت شرقيّ الحمى
هل كان قلبي في جناحي طائر
كشفت لديك سريرة أخفيتها
فعرفت ثمة باطني من ظاهري
وجفا الخيال ولم يزرني بعدها
أين الخيال من الكئيب الساهر
يا أهل هذا الحي كيف تصبري
عنكم ومن لي بالفؤاد الصابر
ولقد طربت لذكركم فكأنني
بغداد يوم قدوم عبد القادر
وافى من الشام العراق بطلعة
شمنا بها برق الحيا المتقاطر
فزها بطلعته العراق وأهله
والروض يزهو بالسحاب الماطر
وتقدمته قبل ذاك بشارة
ما جاءت البشرى لها بنظائر
وافى فأشرق كل فجٍّ مظلم
فيه وأحيا كل فضل داثر
وضفا السور على أفاضل بلدة
سرُّوا بمحياه البهي الباهر
نعموا بوجه للنعيم نضارة
فيه وقرّت فيه عين الناظر
بأغرَّ أبيضَ تتجلى بجنبينه
ظلمات سجف ستائر لدياجر
يبتاع بالمال الثناء وإنّما
في سوقه ربحت تجارة تاجر
صعب على صعب الخطوب وجائر
أبداً على جور الزمان الجائر
إن كان ذا البأس الشديد فرأفة
فيه أرقّ من النسيم الحاجري
حُيّيتَ ما بين الورى من قادم
ونعمت بين أكارمة وأكابر
قد زعزعت بك عن دمشق أبوَّةً
نتجت به أمُّ الزمان العاقر
وشحذت عزمك للمجيئ غرتره
ولرب عزم كالحسام الباتر
وطلعت كالقمر المنير إذا بدا
زاه بأنوار المحاسن زاهر
واخترتَ من بغداد أشرفَ منزلٍ
ما بين خير عصابة وأخاير
فانزل على سعة الوقار ورحبه
في منزل رحب وبيت عامر
بنيت قواعده على ما ينبغي
من سؤدد سامي العلى ومفاخر
فلئن تعبت فبعد هذا راحة
أو قيل ما قالوا فليس بضائر
ولسوف تبلغ بعد ذاك مآرباً
ما ليس يخطر بعضها بالخاطر
وكفاك ربك شر كل معاند
ركب الغرور فلا لعاً للعاثر
أبي جميلٍ إنَّني بجميلكم
ميزت بين الناس دون معاصري
إني لأفخر فيكم فيقال لي
لله شاعر مجدهم من شاعر
فلو کنني آتي بكل قصيدة
عذراء من غرر القصائد باكر
وجلوتها فكأنما هي غادة
حلّيتها من مدحكم بأساور
وإذا تناشدها الرواة حسبتها
أرواح انفاس النسيم العاطر
لم أقضِ حق الشكر من إحسانكم
لكن أطاوله بباع قاصر
عذبت لديكم في الأنام مواردي
حتّى رأيت من الغريب مصادري
هاتكم الأيدي التي لا ينقضي
مدح الجميل لها وشكر الشاكر