انتقل إلى المحتوى

أسرك من باد لعينيك حاضر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

أسرَّكَ من بادٍ لعَينَيْك حاضرِ

​أسرَّكَ من بادٍ لعَينَيْك حاضرِ​ المؤلف عبد الغفار الأخرس


أسرَّكَ من بادٍ لعَينَيْك حاضرِ
طروقُ خيال من أميمة زائر
سرى ليبلّ المستهام غليله
ويشهدُ ما بين الحشا والضمائر
وإنْ كان لم يغن الخيال ولم يكنْ
ليشفي جوىً في الحبّ من وصل هاجر
سلا من سلا قبلي وما كنت سالياً
وعيشك ما مرَّ السُّلوُّ بخاطري
وهيهات أنْ أسلو عن المجد بالهوى
وأصبو إلى غير العلى والمفاخر
وأقتحم الأمر المهول وما العلى
بغير العوالي والسيوف البواتر
ألا ثكلت أمُّ الجبان وليدها
ولا قررت منه بعين وناظر
إذا كشفت عن ساقها الحرب في الوغى
ودارت على أبطالها بالدوائر
فنلْ ما تمنّى عند مشتجر القنا
فَنَيْلُ الأماني بالقنا المتشاجر
وخاطرْ بنفسٍ لا أبا لك حرةٍ
فما يبلغ الآمال غيرُ المخاطر
كما بلغا في المجد أبناءُ راشدٍ
مكان الدراري والنجوم الزواهر
فمن يطلبُ العلياء فليطلينِّها
برأفةِ منصورٍ وسطوة ناصرٍ
هما ما هما ما في الرجال سواهما
إذا عدَّتِ الأشراف بين العشائر
رجالُ المنايا إذ يشبُّ ضرامها
بداهيةٍ دهياء ترمي بثائر
وهم موردوها والسُّيوف مناهل
مواردَ حتف ما لها من مصادر
وإنَّ بني السعدون بالجودُ والنّدى
لأشبهُ شيءٍ بالبحور الزواخر
فما وَلَدَت أمُّ المعالي لهم أخاً
وقد خاب من يرجو نتاج العواقر
أرى الناس إلاّ آل سعيدون أُمةً
تعدُّ من الأحياء موتى المقابر
أباحوا نداهم للعفاة وحرَّموا
على جارهم للدهر سطوة جائر
لقد أُشْرِبَتْ حُب المعالي صدورهم
هنّياً مرّياً غير داءٍ مخامر
وإنّي متى عرَّضت يوماً بمدحهم
وأوردتُ ما أوردته من خواطري
إذا قلت قولاً كنتُ أصدق قائل
وإنْ قلتُ شعراً كنتُ أشعر شاعر
ولو علم السلطان إقدامَ ناصر
لما استنصر السلطان إلاّ بناصر
همام أباد المفسدين ودمَّرتْ
صوارمه من كلّ باغ وفاجر
وقلَّم أظفار الخطوب فلم تَصُلْ
بأنياب أحداث ولا بأظافر
فليس ببدعٍ أن تراه لدى الوغى
بأشجع من ليث بخفّان خادر
يسافر عنه الصّيت شرقاً ومغرباً
مقيمٌ على الإحسان غير مسافر
يحدّثُ راويه عن البأس والندى
ويأتيك من أخباره بالنوادر
وما نام عن قوم تكفَّل حفظها يمانياً
كساه نجيعاً من نجع الخناجر
وإنْ كَتَبتْ أيديه في الجود حُرِّرَتْ
بياض العطايا من سواد المحابر
نظمتَ أمور الناس علماً وحكمة
فمن ناظم فيك الثناء وناثر
ودَّبرْتَ إكسير الرياسة والعلى
بما لا يفي يوماً به علم جابر
وقُمتَ مقاماً يخطبُ الناس منذراً
ويعلنُ من إرشاده بالبشائر
لؤئنْ خطبتْ أسيافك البيض خطبةً
فهامُ الأعادي عندها كالمنابر
ويا رُبَّ قوم طاولتك فقصَّرَتْ
وما كان منك الباع عنهم بقاصر
وجاءتك بالمكر الذي شَقِيَتْ به
فما رَجَعَتْ إلاّ بصفقة خاسر
وأرغمت آناف الطغاة فأصْبَحَت
تصعِّر مما أبْصَرتْ خدّ صاغر
ثَبَتَّ ثباتَ الراسيات لحربهم
وحَلَّقْتَ يومَ الفخر تحليق طائر
أذقتهم البأس عقوبة
ويا طالما أنذرتهم بالزواجر
وما خُلِقَ الإحسان إلاّ لصالح
ولا خُلق الصّمصام إلاّ لفاجر
عليك بِوُدّ الأقربين وإنْ أتَتْ
بغير الذي تهوي فليس بضائر
وأحسِنْ إليهم ما استطعت فإنّما
تشاهدُ بالإحسان صفو الضمائر
لعمرك إن ألفت بين قلوبهم
ظفرت من الدنيا بأسنى الذخائر
فما أفْلَحَتْ بين الأنام قبيلةٌ
إذا ابتليت يوماً بداء الضرائر
وإنك تعفو عن كثير وهكذا
وعيشك قد كانت صفات الأكابر
فما أنتَ إلاّ كابرٌ وابن كابرٍ
وما أنْتَ إلاّ طاهر وابن طاهر
يميناً بربّ البيت والركن والصفا
ومن حلَّ في أكتاف تلك المشاعر
لأنتم بنو السعدون في كلّ موطن
أكارم مذ كنتم كرام العناصر
عليكم ثنائي حيث كنت وطالماً
ملأت بأشعاري بطون الدفاتر
أزيد لكم شكراً وأداد نعمة
وما ازدادت النعماء إلاّ لشاكر
أقلِّدكم منّي الثناء وإنّه
قليلٌ ولو قلَّدتكُمْ بالجواهر