انتقل إلى المحتوى

أذكريني

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

أذكريني

​أذكريني​ المؤلف فهد العسكر


اُذْكُريني كُلَّما هَبَّ النَّدامى
لِتَحَسِّيها غَبوقاً، وَصَبوحْ
وإذا ما هَزَّتِ الذكرى الحَمَاما
فَغَدا في الدَّوْحِ يَشْدو، وَيَنُوحْ
اذكْرُيني كُلَّما زَفَّ الشَّمُولْ
ذاتَ دَلٍّ وَدَلالٍ أَوْ غُلامْ
وإذا ما اسْتَرْجَعَ الشَّرْبُ العُقولْ
فَغَفَوْا، تَكْلأُهُمْ عَينُ السَّلامْ
اذكريني كُلَّما «آذارُ» وَافَى
وارْتَمى سَكْرانَ ما بينَ يَدَيْكِ
وإذا «نَيْسانُ» عَاطاكِ السُّلافا
وَحَنَا شَوْقاً وَتَحْناناً إليْكِ
اذكريني كُلَّما هامَ الفَرَاشْ
لارْتِشافِ الرَّاحِ مِنْ ثَغْرِ الزُّهورْ
وإذا ما هاجَكِ الشَّوْقُ وَجَاشْ
صارِخاً في نَفْسِكِ الوَلْهَى الشُّعورْ
اذكُريني كُلَّما نَاغَى الهَزارْ
- ثَمِلاً - أفْراخَهُ عِنْدَ الشُّروقْ
وإذا ما هَزَمَ اللَّيْلُ النَّهارْ
واسْتَثارَ الوُرْقَ تَنْحَابُ المشوقْ
اذكريني كلَّما الشَّمْأَلُ هَبَّتْ
وَسَرَتْ يا زيْنَةَ الدُّنْيا جَنُوبْ
وإذا ما صَحَتِ الطَّيْرُ وَعَبَّتْ
خَمْرَةَ الفَجْرِ على نَفْحِ الطُّيوبْ
اذكريني كلَّما النَّايُ تَرَنَّمْ
وَهَفَا قَلْبٌ على قَرْع الكُؤوسْ
وإذا ما شاعِرُ الحيِّ تَأَلَّمْ
فَبَكى في الشَّجْنِ واسْتَبْكى النُّفوسْ
اذكريني كلَّما الصَّيْفُ أَتى
يَحْمِلُ البُشْرى لأَرْبابِ الغَرامْ
فَالْتَقَتْ كُلُّ فَتاةٍ وفَتى
فإذا الدُّنْيا سَلامٌ وابتِسامْ
اذكريني كلَّما نامَ السَّكارى
بَيْنَ أحْضانِ الرِّمالِ النّاعِمَهْ
وإذا ما سَامَرَ الموْجُ السَّهارى
حَوْلَ هاتِيكَ الصُّخورِ الجاثِمَهْ
اذكريني كلَّما لاحَ أَخُوكِ
في السَّماءِ اللازَوَرْديَّةِ لَيْلا
وإذا ناجَيْتِهِ - لا فُضَّ فوكِ -
في سُكونِ الليلِ يا ليلى لِكَيْلا
اذكريني كلَّما جاءَ الخَريفْ
ناثِراً ما نَظَمَتْ كَفُّ الرَّبيعْ
ماحِياً كُلَّ أنيقٍ ولَطيفْ
ماسِخاً كلَّ جَميلٍ وبَديعْ
اذكريني كلَّما حَلَّقْتِ فَجْرا
وانْتَشَتْ روحُكِ في دُنيا الخَيالِ
اذكريني يا فَتاتي (رُبَّ ذِكْرى
قَرَّبَتْ مَنْ نَزَحَا) رُغْمَ اللَّيالي
آهِ يا حبُّ، ولمْ أَشْكُ مَلالا
فَاضَتِ الكَأْسُ فَرُحْماكَ بِحالي
قَدَرٌ سَلَّطَهُ اللّهُ تَعالى
قَطَعَ اليُمْنى، ولمْ يَتْرُكْ شِمالي
أيُّهذا اللّيْلُ والصَّمْتُ الرَّهيبْ
جَدِّدِ اللّوْعَةَ في القَلْبِ الطَّعينِ
أَيْنَ قِيثارِي وَكُوبِي والحَبيبْ؟
وشُموعي، ونَديمي، وحَنِيني
يا مَلاهي الصَّحْبِ في تِلْكَ الرِّمالِ
أنا مُذْ أقْفَرْتِ، في عَيْشٍ مَريرْ
أنا مَوْتورٌ، ولكنْ ما احْتيالي
آهِ، وا شَوْقي إلى اليومِ الأخيرْ
أنا إنْ مِتُّ أَفِيكُمْ يا شبابْ
شاعرٌ يَرْثي شبابَ «العَسْكرِ»؟
بائساً مِثْليَ عَضَّتْهُ الذئابْ
فَغَدا مِنْ هَمِّهِ في سَقَرِ
يا رِفاقي أكْؤُسُ الصَّابِ المريرهْ
أجَّجَتْ نارَ الأسى في أضْلُعِي
فإذا ما انْطَلَقَتْ روحي الأسيرهْ
فادْفِنوا كُوبي، وقِيثاري، مَعي
فاشْهَقي يا روحُ، وازْفِرْ يا سَعيرْ
واضْطرِبْ يا عَقْلُ، واشْرُدْ يا أَمَلْ
واجْرِ يا دَمْعُ وأَقْبِلْ يا نَذيرْ
وابْكِ يا قَلْبُ وأَسْرِعْ يا أَجَلْ
واصْرَخي يا ريحُ وانْحَبْ يا وَتَرْ
واعْبِسي يا كَأْسُ، واغْرُبْ يا قَمَرْ
وتَعَالَيْ وَدِّعي قَبْلَ السَّفَرْ
بُلبُلاً قَصَّ جناحَيْهِ القَدَرْ