أدر أيها الساقي الكؤوس على صحبي
المظهر
أدِرْ أيّها السّاقي الكؤوسَ على صَحْبِي
أدِرْ أيّها السّاقي الكؤوسَ على صَحْبِي
وَدَعْنِيَ ظمآناً ففي غيرها نَحْبِي
وإنْ كنتَ تَبغي بالمُدامةِ نشوةً
"فعندِيَ" ما يُوفِي على نشوةِ الضَّربِ
أَبْيَتُ الهوَى دهرًا، ولمَّا عرفتُه
عرفتُ مطاعَ الأمرِ مُغتَفَر الذّنبِ
وهيَّمَ إطرابَ الفؤادِ أوانِسٌ
خَلَصْنَ إلى ذاك الممنَّعِ من حُبِّي
عَلَوْنَ النَّقا يوماً بأوفى من النّقا
ولُثْنَ على أبهَى منَ العَصْبِ بالعَصْبِ
ونادَمْنَنا وهْنًا بمنعَرَجِ اللِّوى
فضوَّأْنَ للسّارينَ داجِنَةَ السَّهْبِ
وعانقْنَ قُضباناً من الرَّندِ مرّةً
بأيدٍ سِباطٍ هنَّ أندى منَ القَضْبِ
وناعمةِ الأطرافِ حلّ ودادُها
مكانَ شَغافِ القلبِ من حبّةِ القلبِ
دعاني قبولٌ خَلَّفَتْهُ إلى الصّبا
وما كلُّ مَن تَمَّتْ محاسنُهُ يُصْبي
خُلِقتُ كما شاءَ الصَّديقُ مُحكِّمًا
عليَّ خليلي نازلاً في هوى صَحْبي
وذمَّ رجالٌ أنَّني غيرُ مُعْجَبٍ
فيا عَجَبًا ماذا يفيدهُمُ عُجْبي؟
"ولو" أنّني أزهى بشيءٍ مُنِحْتُه
زهيتُ بفخرِ الملكِ في العُجْم والعُرْبِ
حياتيَ منه بالمحلّ الذي به
يُحَسِّدُني قَومي ويِغبطُني شَعْبي
وأَرْكَبني أثباجَ كلّ فضيلةٍ
مُمَنَّعَةِ الأرجاءِ محميَّةِ الغَرْبِ
ففي خُلقِهِ ذاك المُفَسَّحِ مَرتعي
ومِنْ لفظهِ ذاك المشرِّفُ لي عُشبي
وكم جهدَ الأعداءُ فيما يسوؤني
فما خوّفوا أََمْني ولا ذَعْذَعوا سِرْبي
رضينا عن الدُّنيا وأنتَ تركتَنا
بلا سَخَطٍ في ذا الزَّمانِ ولا عَتْبِ
وجُدْتَ ولم تُسْألْ بكلِّ نفيسةٍ
وقبلك قومٌ لا يدرّون بالعَصْبِ
شربنا أُجاجاً مِنْهُمُ وتنازحوا
عنِ الموردِ المورودِ والمنهلِ
وما نِلْتَهُ إلاّ بحقٍّ أتيتَهُ
وكم نيلَتْ العظمى من الأمر بالغصْبِ
حلفتُ بمن ضحَّتْ مِنًى يومَ نحرِهمْ
وما عرقوا من أُمِّ سَقْبٍ ومن سَقْبِ
وبالنّفرِ الثّانين عُقْلَ رِكابِهِمْ
على عَرَفاتٍ يَبتغون رِضا الرَّبِّ
لقد نالَ فخرُ الملك ما شاءَ من عُلاً
حَلَلْنَ على أعلى محلِّ منَ السُّحْبِ
فتىً لم يزلْ يغدو بِعرْضٍ مُمَنَّعٍ
ومالٍ مُذال لا يُفيقُ منَ النَّهْبِ
ولم يرضَ سهلَ الأمرِ يرطبُ مسُّه
ولم تلْقَهُ إلاّ على مركبٍ صَعْبِ
ورام مداه المُترفون وإنّما
يَرومون ما رامَ الوِهادُ منَ الهَضْبِ
فللّهِ أيّامٌ مَضَين قطعتَها
بلا سَأَمٍ منها على ضُمَّرٍ قُبِّ
ولا ظِلَّ إلاَّ ما تُفيءُ لك القَنا
ولا زادَ إلاَّ نُجعةُ الطَّعنِ والضَّربِ
تصول بعضْبٍ في يديك وخلفَه
من الرأْي ما أمضى وأقضى من العَضْبِ
فصفْوُكَ لا يُبلى بشيءٍ من القذى
وخِصْبُكَ لا يُمنى بشيءٍ من الجَدْبِ
وطاولتَ أعماراً طِوالاً فطُلتَها
وأربيتَ حتى نِلتَ ما لم ينلْ مُربِ
ولا زال هذا العيد يتلوه مثلُهُ
تعاقُبَ أنواءِ السّحابِ على التُّربِ
ألا مَنْ معيني مِن خليلٍ أَعدُّهُ
على شكرِ نعماءٍ أَتَتْني بلا كسْبِ؟
تجشَّم خيرُ الناس طُرًّا عِيادتي
فجاءَ بما حَسْبي به شَرفًا حَسبي
ولم يَعرفوا شُكرًا لها ولربِّها
فلم يُعْلمونا كيف نشكرُ في الكُتْبِ؟
فإنْ أَعْيَ عن شكرٍ لها من صنيعةٍ
فذلك من ذنبِ البلاغةِ لا ذَنبي