انتقل إلى المحتوى

أدب الدنيا والدين

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
أدب الدنيا والدين
بسم الله الرحمن الرحيم


قال القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي رحمه الله تعالى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الطَّوْلِ وَالْآلَاءِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْأَتْقِيَاءِ.

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ شَرَفَ الْمَطْلُوبِ بِشَرَفِ نَتَائِجِهِ، وَعِظَمِ خَطَرِهِ بِكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ، وَبِحَسَبِ مَنَافِعِهِ تَجِبُ الْعِنَايَةُ بِهِ، وَعَلَى قَدْرِ الْعِنَايَةِ بِهِ يَكُونُ اجْتِنَاءُ ثَمَرَتِهِ، وَأَعْظَمُ الْأُمُورِ خَطَرًا وَقَدْرًا وَأَعُمُّهَا نَفْعًا وَرِفْدًا مَا اسْتَقَامَ بِهِ الدِّينُ وَالدُّنْيَا وَانْتَظَمَ بِهِ صَلَاحُ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى؛ لِأَنَّ بِاسْتِقَامَةِ الدِّينِ تَصِحُّ الْعِبَادَةُ، وَبِصَلَاحِ الدُّنْيَا تَتِمُّ السَّعَادَةُ.

وَقَدْ تَوَخَّيْت بِهَذَا الْكِتَابِ الْإِشَارَةَ إلَى آدَابِهِمَا، وَتَفْصِيلَ مَا أُجْمِلَ مِنْ أَحْوَالِهِمَا، عَلَى أَعْدَلِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ إيجَازٍ وَبَسْطٍ أَجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ تَحْقِيقِ الْفُقَهَاءِ، وَتَرْقِيقِ الْأُدَبَاءِ، فَلَا يَنْبُو عَنْ فَهْمٍ، وَلَا يَدِقُّ فِي وَهْمٍ، مُسْتَشْهِدًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ - جَلَّ اسْمُهُ - بِمَا يَقْتَضِيهِ، وَمِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - بِمَا يُضَاهِيهِ، ثُمَّ مُتْبِعًا ذَلِكَ بِأَمْثَالِ الْحُكَمَاءِ، وَآدَابِ الْبُلَغَاءِ، وَأَقْوَالِ الشُّعَرَاءِ؛ لِأَنَّ الْقُلُوبَ تَرْتَاحُ إلَى الْفُنُونِ الْمُخْتَلِفَةِ وَتَسْأَمُ مِنْ الْفَنِّ الْوَاحِدِ.

وَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الْأَبْدَانُ فَاهْدُوا إلَيْهَا طَرَائِفَ الْحِكْمَةِ. فَكَأَنَّ هَذَا الْأُسْلُوبَ، يُحِبُّ التَّنَقُّلَ فِي الْمَطْلُوبِ، مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَكَانَ الْمَأْمُونُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، يَتَنَقَّلُ كَثِيرًا فِي دَارِهِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَيُنْشِدُ قَوْلَ أَبِي الْعَتَاهِيَةِ:

لَا يُصْلِحُ النَّفْسَ إذْ كَانَتْ مُدَبِّرَةً
إلَّا التَّنَقُّلُ مِنْ حَالٍ إلَى حَالِ

وَجَعَلْت مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْكِتَابُ خَمْسَةَ أَبْوَابٍ:

وَإِنَّمَا أَسْتَمِدُّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى حُسْنَ مَعُونَتِهِ، وَأَسْتَوْدِعُهُ حِفَاظَ مَوْهِبَتِهِ، بِحَوْلِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَهُوَ حَسْبِي مِنْ مُعِينٍ وَحَفِيظٍ.



Wikipedia logo اقرأ عن أدب الدنيا والدين في ويكيبيديا، الموسوعة الحرة