أحقا علينا الدهر دارت دوائره
المظهر
أَحَقّاً عَلَينا الدَهرُ دارَت دَوائِرُه
أَحَقّاً عَلَينا الدَهرُ دارَت دَوائِرُه
أَما أَنَّهُ لِلدينِ صارَت مَصائِرُه
فَشَدَّ عَلى الإِسلامِ ذا اليَومَ ريبُهُ
بِخَطبٍ وَكانَت لا تُعَدُّ كَبائِرُه
إِلّا أَنَّهُ الدَهرَ المُصَرَّحُ بِاِسمِهِ
بِأَن لا فَتىً إِلّا غَدا وَهوَ داهِرُه
بَواتِرُهُ فينا مُجَرَّدَةٌ وَما
بَواتِرُهُ وَاللَهُ إِلّا بَوائِرُ
لَها كُلَّ يَومٍ في البَرِيَّةِ فَتكَةً
تُناديكَ لا مُنجاةُ مِمّا تُحاذِرُه
فَكَم مَلَكَ ضَخمٌ تَخطِفُهُ الرَدى
قَساوِرُهُ مِن حَولِهِ وَأُساوِرُه
تَخَرَّمَ كِسرى كاسِراً حَدَّ بِطشِهِ
وَقَيصَرَ أَردى ما وَقَتهُ مَقاصِرُه
وَما زالَ يُفنى كُلَّ عِزٍّ يَؤُمُّهُ
بِبَأسٍ وَيُلقى كُلِّ قِرنٍ يُساوِرُه
هُوَ المَوتُ مِن ذا دافِعٍ مُبرَمِ القَضا
إِذا الواحِدِ القَهّارِ وافَت أَوامِرُه
فَسُبحانَ مَن تَعنو الوُجهُ لِوَجهِهِ
وَلا حَيَّ إِلّا وَهوَ بِالمَوتِ قاهِرُه
دَعا اليَومَ مُحي الدينِ نَحوَ جَنابِهِ
يَقرُبُهُ مِن قُدسِهِ وَيُجاوِرُه
سَرى نَعيُهُ في كُلِّ حَيٍّ فَفي الوَرى
تَعازيهِ لَكِن في الجِنانِ بَشائِرُه
وَباتَت شُؤونُ الدينِ تَجري شُؤونُها
عَلى فَقدِهِ وَالفِقهُ تَدمى مَاجِرُه
وَكُلُّ اِمرِئٍ يَبكي عَلَيهِ دَماً
فَما عَواذِلُهُ في الحُزنِ إِلّا عَواذِرُه
لَعَمرُكَ ما لِلشَرقِ ذا اليضومَ اِقتَمَت
مَشارِقُهُ وَاليَومَ أَظلَمُ ناظِرُه
أَصابَ بَني الإِسلامِ خَطبَ عَرَمرَمٍ
بِذا اليَومَ فَالإِسلامُ تَبكى مَنابِرُه
فَطَبَّقَ آفاقَ البَرِيَّةِ ذِكرُهُ
وَسارَ بِهِ بادي الزَمانِ وَحاضِرُه
إِمامٌ بِأَفواهِ الجَميعِ عُلومُهُ
وَبَحرٌ بِأَعناقِ الجَميعِ جَواهِرُه
مُبارَكٌ خَلقُ طيبُ الذِكرِ عابِدٌ
مَهذَبُ طَبعٍ مُشرِقِ الوَجهِ سافِرُه
بَقِيَّةَ ذاكَ السالِفِ الصالِحِ الَّذي
بِأَمثالِهِ الأَقطابِ جَلَت ذَخائِرُه
قَد اِرتَفَعَت أَسرارُهُ وَتَطَهَّرَت
لَهُ سَيرَ غُرٌّ حَكَتها سَرائِرُه
وَأَصبَحَ في أَيّامِهِ عِلمَ الهُدى
تَعُمُّ البَرايا بِالضِياءِ مَنايِرُه
تَداعَت بِيَومِ العِلمِ يَومَ وَفاتِهِ
وَخَرُ عِمادِ الفَضلِ وَاِنهَدَّ عامِرُه
وَراحَ عَلَيهِ الفِقهُ يَلطُمُ وَجهَهُ
إِذا اِنتَكَثَت مِمّا دَهاهُ مَرائِرُه
وَلَم أَدرِ أَنَّ الصَبرَ تَفَنّى دُروعُهُ
إِذا أَن قَضى وَالعَزمُ تَفري مَغافِرُه
فَقَد فَرَغتُ مِن كُلِّ باكٍ دُموعِهِ
كَما نَزَفَت مِن كُلِّ راثٍ مَحابِرُه
تَرَحَّلَ عَن دارِ الفَناءِ إِلى الَّتي
بِها عَيشُهُ في الخُلدِ تَجري كَواثِرُه
فَقَد دَكَّ طَودُ باذِخِ المَجدِ شامِخٌ
وَغُيضَ بَحرُ زاعِبِ الفَيضِ زاخِرُه
وَأَغمَدَ سَيفَ صارِمِ الحَدِّ باتِرٌ
وَغُيبَ بَدرُ ثاقِبِالنورِ باهِرُه
سَلامٌ عَلى قَبرٍ تَضَمَّنَ تُربُهُ
فَذاكَ الحَدُّ ساطِعُ العُرفِ عاطِرُه
سَقَت تُربُهُ الوَطفا وَلا بَرِحَ الحَيا
يُراوِحهُ في رَجعِهِ وَيُباكِرُه
وَما المَوتُ إِلّا مَسلَكُ عَمِّ نَهجِهِ
وَجِسرُ جَميعِ الخَلقِ لا بُدَّ عابِرُه
وَما المَرءُ إِلّا مَيتٌ وَاِبنُ مَيتٍ
وَمَن بَدَؤَهُ الميلادُ فَالمَوتُ آخِرُه