أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين/ موقعة بزاخة وفرار طليحة إلى الشام - أسرعيينة بن حصن - مثال من كلام طليحة
وجه أبو بكر خالد بن الوليد لمحاربة طليحة فإذا فرغ من قتاله سار إلى مالك بن نُوَيرة بالبُطاح1.
وكان أبو بكر بعث عدي بن حاتم2 قبل خالد بن الوليد إلى طيء وأتْبعه خالداً وأمره أن يبدأ بطيء ومنهم يسير إلى بُزَاخة ثم إلى البُطاح ولا يبرح إذا فرغ من قوم حتى يأذن له وأظهر للناس أنه خارج بجيش إلى خيبر حتى يلاقي خالد وذلك بقصد إرهاب العدو . قدم عدي بن حاتم إلى طيء كما أمره أبو بكر ليدعوهم إلى الإسلام قبل أن يحاربهم خالد . فلما دعاهم وخوَّفهم طلبوا إليه أن يتوسط في تأخير الجيش عنهم ثلاثة أيام حتى يتمكنوا من سحب من انضم منهم إلى طليحة بن خويلد الأسدي ببزاخة لئلا يقتلهم . فعاد عدي وأخبر خالدة بالخبر فتأخر وأرسلت طيء إلى إخوانهم عند طليحة فلحقوا بهم فعادت طبيء إلى خالد بإسلامهم .
بعد ذلك هم خالد بالرحيل إلى جَديلة3 فاستمهله عدي أيضاً ريثما يكلمهم . فذهب إليهم يدعوهم إلى الإسلام فلم يزل بهم حتى أجابوه ، فعاد إلى خالد بإسلامهم ولحق بالمسلمين ألف راكب منهم وكان خير مولود في أرض طيء وأعظمه بركة عليهم لأنه كفاهم شر القتال بدخولهم في الإسلام وأفاد جيش المسلمين وأراحهم من قتالهم وأفادهم بما انضم إليهم منهم ، وفي الحقيقة فإن الخدمة التي أداها عديّ بن حاتم للطرفين خدمة جليلة لا تقدر .
وكان خالد قد أرسل عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم طليعة فلقيها حِبال أخو طليحة فقتلاه فبلغ خبره طليحة فخرج هو وأخوه سلمة فقتل طليحة عكاشة وقتل أخوه ثابتاً ورجعا . فلا أقبل خالد بجيشه رأوا عكاشة وثابتاً قتيلين فتحرج المسلمون لذلك وقالوا قتل سیدان من سادات المسلمين وفارسان من فرسانهم .
سار خالد بجيشه إلى بزاخة والتقى بجيش طليحة فتقاتلوا قتالاً شديداً وطليحة متلفف في كسائه يتنبأ لهم . وكان عُيينة بن حصْن4 يقاتل مع طليحة في 700 من بني فَزَارة قتالاً شديداً.
ولما اشتدت الحرب کر عيينة بن حصن على طليحة وقال له : هل جاءك جبريل ؟ قال لا . فرجع فقاتل ثم عاد إلى طليحة فقال له لا أبالك هل جاءك جبريل ؟ قال لا . فقال عيينة حتى متى ؟ قد والله بلغ منا . ثم رجع فقاتل قتالاً شديداً . ثم كر على طليحة . فقال هل جاءك جبريل ؟ فقال نعم . قال : فماذا قال لك ؟ قال : قال لي : إن لك رحمی کرحاه ، وحديثاً لا تنساه . فقال عيينة قد علم الله أنه سيكون حديث لا تنساه. "لا أنصرفوا يا بني فَزَارة فإنه كذاب » فانصرفوا، وانهزم الناس
وكان طليحة قد أعد فرسه وراحلة لامرأته «النَّوَار»، فلما غشوه ركب فرسه وحمل امرأته ثم نجابها وقال : «يا معشر فزارة من استطاع أن يفعل هكذا وينجو بامرأته فليفعل»، ثم انهزم فلحق بالشام ثم نزل على كلب وأسلم حين بلغه أن أسداً وغطفان قد أسلموا، ولم يزل مقيماً في كلب، حتى مات أبو بكر وكان قد خرج معتمراً، ومر بجنبات المدينة ؛ فقيل لأبي بكر : هذا طليحة فقال : ماذا أصنع به قد أسلم ؟
ولما أوقع الله بطليحة وفزارة ما أوقع أقبل أولئك يقولون : ندخل فيما خرجنا منه ونؤمن بالله ورسوله، ونسلّم لحكمه في أموالنا وأنفسنا . وقد بايع خالد من خضع وأسلم من القبائل، وهذا نص البيعة:
«عليكم عهد الله وميثاقه ، لتؤمننّض بالله ورسوله، ولتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة وتبایعون على ذلك أبناءكم ونساءكم».
ولم يقبل من أحد من أسد، وغطفان ، وطيء، وعامر إلا أن يأتوه بالذين حرقوا ومثّلوا وعدوا على الإسلام في حال ردتهم فأتوه بهم فمثل بهم وحرقهم ورضخهم بالحجارة ورمی بهم من الجبال ونكسهم في الآبار وأرسل إلى أبي بكر يعلمه ما فعل وأرسل إليه قرة ابن هبيرة ونفراً معه وزهيراً موثقين.
أما أم زمْل بنت مالك بن حذيفة بن بدر فكانت قد سپیت ایام أمها أم قرفة5، فوقعت لعائشة فأعتقتها ورجعت إلى قومها وارتدت، واجتمع إليها الفَلُّ، فأمرتهم بالقتال، وكثف جمعها، وعظمت شوكتها. فلما بلغ خالداً أمرها سار إليها فاقتتلوا قتالاً شديدهً أول يوم وهي واقفة على جمل كان لأمها وهي في مثل عزها فاجتمع على الحمل فوارس فعقروه وقتلوها، وقتل حول الجمل
مائة رجل، وبعث خالد بالفتح إلى أبي بكر. كان خالد بن الوليد أسر عيينة بن حصن فقدم به إلى أبي بكر فكان صبيان المدينة يقولون له وهو مكتوف : يا عدو الله أكفرتَ بعد إيمانك !؟ فيقول ما آمنتُ بالله طَرْفة عين فتجاوز عنه أبو بكر وحقن دمه
وأخذ من أصحاب طليحة رجلاً كان عالماً به فسأله خالد عما كان يقول فقال : إن مما آتي به : «الحمام واليَمَام ، والصُّردِ والصَّوام6، قد صمن قبلكم بأعوام ليبلغنَّ مُلِّكنا العراق والشام» ولم يبلغ ملك طليحة لا العراق ولا الشام بل هو الذي فر إلى الشام.
ويغلب على ظني أن خالداً هذا السجع السخيف لم يتمالك من الضحك مع أن طليحة كان شاعراً.
- ↑ البطاح : ماء في ديار بني أسد بن خزيمة
- ↑ عدي بن حاتم الطائي الذي يضرب بأبيه المثل في الجود، وقد وفد عدي على النبي ﷺ سنة تسع في شعبان فأسلم وكان نصرانية ووفد على أبي بكر في الردة بصدقات قومه وثبت على الإسلام ولم يرتد وكان جواد شريفاً في قومه معظم عندهم وعند غيرهم . محاضر الجواب وكان يفت الخبز للنمل ويقول انهن جارات ولهن حق . توفي سنة 67 ه.
- ↑ بطن من بطون طيء
- ↑ عيينة بن حصن يكنى أبا مالك أسلم بعد الفتح. وقيل أسلم قبل الفتح وكان من المؤلفة قلوبهم ومن الأعراب الجفاة، وارتد. وكان عيينة في الجاهلية من الجرارين يقود عشرة ألاف وتزوج عثمان بن عفان زوجته.
- ↑ راجع ام قرفة في كتاب محمد رسول الله للمؤلف، ص 307 و308.
- ↑ الصرد وزان عمر: نوع من الغربان، ورجل صائم وصوام مبالغة.