أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين/خالد يحج سرا
لما أيقن خالد من انهزام العدو اشتاق إلى زيارة مكة وإلى تأدية فريضة الحج متخفيا من غير أن يستأذن أبا بكر فأمر جيشه بالعودة إلى الحيرة وتظاهر بأنه سائر في مؤخرة الجيش، فبدأ رحلته إلى مكة ومعه عِدّة من أصحابه لخمس بقين من ذي القعدة ولم يكن معه دلیل، فاخترق الصحراء مسرعة رغماً عن صعوبة الطريق.
ولما أدى فريضة الحج عاد إلى الحيرة في أوائل فصل
الربيع فكانت غيبته على الجند يسيرة ، فما وصلت إلى
الحيرة مؤخرة الجيش حتى وافاهم خالد مع صاحب الساقة
فقدما معا، وخالد وأصحابه محلقون ، وقد كان تكتمه
شديداً حتى إنهم ظنوا أنه كان في هذه المدة بالفراض ولم
يعلم أبو بكر بحج خالد مع أنه كان في الحج أيضاً ، غير
أنه بعد قليل بلغه الخبر فاستاء جدًا وعتب عليه ، وكانت
عقوبته أن صرفه إلى الشام ليمد جموع المسلمين باليرموك
فأرسل إليه كتاباً هذا نصه :
« سر حتى تأتي جموع المسلمين باليرموك فإنهم قد
شجو(۱) وأشجوا وإياك أن تعود لمثل ما فعلت ، فإنه لم
يُشجِ الجموعَ من الناس بعون الله شجاك ، ولم ينزعِ
الشجى من الناس نزعك ، فليهنئك أبا سليمان النية
والحُظوة ، فأتمم يتمم الله لك ، ولا يدخلنك عُجبٌ
فتخسر و تخذل ، وإياك أن تدلّ بعمل فإن الله له المن وهو
وليّ الجزاء » .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شجي الرجل يشجي : حزن . وشجاه الهم يشجوه شجواً من باب قتل اذا احزنه.
الله عنه عاتكة بنت زيد، وفيها مات أبو مرثد الغنوي، وهو أبو مرثد کناز بن الحصين الذي حمل اللواء في بعث حمزة، وكان أول لواء عقده رسول الله1، وفيها مات أبو العاص بن الربيع في ذي الحجة ، وكان من الأسرى يوم بدر ثم أسلم ، وهو زوج زینب بنت رسول الله، وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد رضي الله عنها أخت خديجة أم المؤمنين، وأوصى إلى الزبير، وتزوج علي عليه السلام ابنته أمامة بنت زينب بنت رسول الله، وفيها اشتری عمر أسلم مولاه، [وحج] بالناس في هذه السنة أبو بكر، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان كا ذكر ذلك الواقدي.
هامش
- ↑ راجع بعث حمزة في كتاب و محمد رسول الله ، للمؤلف. صفحة 193