أبو وني بين الأنين والحنين
في يوم من الأيام كان الشاعر عبد الله الوني ـ والذي عاش في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري ، ومن شعراء نجد المعروفين ـ أقول كان منهمكاً في ري مزرعته بواسطة بعض السواني ، وكان لضيق ذات اليد يعتمد على البقر في استخراج المياه بدلاً من الأبل ، وخلال ذلك مر به أحد أصدقائه وهو الشاعر محمد السلمان ، فأراد أن يثير قريحة أبي وني الشعرية ، فقال له ما زحاً :
يا أبو وني هذي حياة كسيفه **** وما ذكر سناي البقر موفيٍ دين
الغرس يبغي له بكار عسيفه **** انا البقر مثلك من العام موذين
فرد عليه عبدالله الوني قائلاً :
يا أبو سلمان السرائر ضعيفه **** وما هي شارة خير قل البعارين
الذيب بالضيقات يفزع لليفه **** يا ليت ابن سلمان بيومه يعزين
بينتنا لأهل القلوب المحيفــه **** اللى علينا بالمجرات فرحين
لا توري العدوان حال رهيفه **** الضد يفرح والأقاريب كرهين
نطيت مرقاب بعيطا منيفه **** غربيها الروضه إمام المصلين
عسى لها وسم وربيع بصيفه **** وقت السماك وفات للزرع تسعين
من الثامريه للغميس وصريفه **** تخالف النوار للي مسيمين
دنيت كتَّاب بيمنى ظريفه **** وأخترت أخو عدوان(1) من بد الاثنين
مبيريك حيث أن علومه طريفه **** ابيه أنا وموضح العلم يشفين
أرخصت أنا لمضنون عيني(2) وريفه **** ولا النوم عقبه يا أبو سلمان هانين
ركبوا على موج البحور المخيفه **** بسفن لكن أذقالهن السمالين
حطوا بهن شرع نفخهن هفيفه **** وضربهم الغربي وراحوا مقفين
ثلاثة أشهر ما حروا للنكيفه **** ولاتريح غير يوم بدارين
ياحافظ زين الأنامي بليفه **** ويامسوي الحاجب حفظ ناظر العين
تفرج لعود من فراقه نحيفه **** الحال أقفت مع أفقاي المحبين
وهكذا أثار محمد السلمان قريحة صديقه الشاعر الكبير عبد الله الوني فأتحفنا بهذه القصيدة الرائعة في معانيها وجملها وألفاظها ، فقد ذكرته بحاله وقلة ذات يده ، في وقت كان يعاني أيضاً من فقد ولده وني الذي خرج للغوص ، وترك والده وحيداً ، فتذكره وتمنى من الله أن يحفظه ويعيده إليه سالماً .
هوامش
[عدل]1- مبيريك المرداسي أبو صالح رحمه الله .
2- ولده وني رحمه الله .