انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 895/الأدب والفن في أسبوع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 895/الأدب والفنّ في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 895
الأدب والفنّ في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 28 - 08 - 1950



للأستاذ عباس خضر

التعليم بين التوسيع والتجديد في المؤتمر الثقافي العربي:

أشارت الصحف في الأسبوع الماضي إلى أن وفد مصر في المؤتمر الثقافي العربي أبدى ملاحظات على جدول أعمال المؤتمر، وذهب بعضها إلى التساؤل هل ينسحب الوفد من المؤتمر. . . ثم نشر أخيراً أن الأمر قد استقر على تعديل الجدول بما لا يخالف وجهة النظر المصرية.

ذلك هو ما نشر، وهو كلام مجمل يدفع إلى التساؤل عن حقيقة المسألة. وتفصيل الموضوع أن اللجنة التي كانت الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية قد ألفتها لفحص الردود والتقارير المقدمة إلى المؤتمر، والتي ذكرت أسماء أعضائها في الأسبوع الماضي أخرجت كتيبا يشتمل على تمهيد للمسائل التي ستعالج في المؤتمر، و (تفريغ) للإجابات المختلفة التي وردت ردا على الأسئلة المرسلة من الإدارة الثقافية إلى الجهات والهيئات الثقافية، وتوصيات وضعتها اللجنة لتكون موضع مناقشة وبحث في المؤتمر.

بين الأسئلة التي وضعتها الإدارة الثقافية: هل يسير التوسع في التعليم وفقا لخطة مرسومة؟ ما الغرض الأساسي من تحديد التعليم؟ ما وسائل التحديد؟

وكانت وزارة المعارف المصرية - بطبيعة الحال - من الجهات التي وجهت إليها الأسئلة، ويظهر أنها شعرت من هذه الأسئلة بروح يخالف ما شرعت فيه - منذ تولى الأمر معالي الدكتور طه حسين بك - من التوسع في نشر التعليم، بل تعميمه وتيسيره لجميع المواطنين. وظاهر أنه لا مكان (للتحديد) فيما يجري بين الناس ميسراً للجميع كالماء والهواء، فلا مكان إذن للإجابة عن غرض أساسي للتحديد أو وسائل للتحديد. . .

شعرت الوزارة - على ما يبدو - بأن تلك الأسئلة (تستجوب) في أمور تجري عليها السياسة التعليمية في مصر، فظهر مكان إجابة وزارة المعارف المصرية في ذلك الكتيب أبيض. . . وبازائه تحت (ملاحظات) ما يلي (أشار التقرير إلى أن اللجنة الثقافية المصرية قررت أن تدرس هذه المسائل في جلسات خاصة توطئه لمناقشتها في المؤتمر).

أما (تمهيد) اللجنة و (توصياتها) فقد انبثت فيها أشياء (بيداجوجية) مما ضاق به الناس م قبل، لأنه كان يضيق مجال للتعليم أمام أبناء الأمة، فقد وجهت اللجنة ملاحظات، مثل التوسع في التعليم دون إعداد عدة ودون خطة مرسومة، وأوصت بالعناية بكيف التعليم وعدم الاقتصار على كمه، وألا يضحى بارتفاع المستوى في سبيل الزيادة العددية المجردة. . . غلى آخر هذه (البيداجوجيات) التي أشعبها معالي الدكتور طه حسين بك تهكماً وسخرية. . .

لقد ابتهج الناس في مصر، واستراح الرأي العام، إلى السياسة التعليمية الجديدة التي تقتضي تعميم التعليم، بل ترددت أنباؤها في أرجاء العالم مشفوعة بالثناء والإعجاب وقد كانت هذه السياسة استجابة لرغبة الشعب في تعليم أبنائه، وتلبية لإلحاحه، وأرواء لعطشه، والشعب يريد التعليم ولا يستطيع أن ينتظر الخطط (البيداجوجية) ولا شيء يقنع أحداً من الناس أن يظل ابنه خارج المدرسة حتى يتعلم غيره تعليما جامعاً لشرائط البيداجوجية، وما ينبغي لشيء أن يقنعه. فنحن الآن أمام حركة تعليمية هدفها التعميم قبل كل شيء، ثم يأتي بعده ما يأتي من تحسين ورفع مستوى وعناية بالكيف. . . إلخ.

ولقد اكتسبت تلك السياسة التعليمية صفة (القومية) لتأييد الرأي العام لها وفرح الأمة وانفعالها بها حتى تمثلتها وصارت جزءاً من كيانها، ولم تعد سياسة وزير فقط أو رأي مفكر فحسب، بعد أنت كانته.

وعلى ذلك لم يكن ينبغي للهيئات التي تحضر للمؤتمر أن تجعل (تحضيرها) لتلك السياسة التعليمية القومية. وقد يحتج بحرية الرأي من حيث أن اللجنة عبرت عن رأيها، ولكن هذا مؤتمر يمثل الرأي التعليمي العام في البلاد العربية، ولأفراد اللجنة أن يبدوا آراءهم الفردية في مجالات أخرى، على أنهم أربعة، وهناك عشرات بل مئات من رجال التعليم لا يرون رأي الأربعة، فهل من حرية الرأي أن يفرض رأي هؤلاء باعتبار أنهم لجنة مختارة تضع توصيات ليوافق عليها المؤتمر؟ ومن المعروف أن المؤتمرات تجيز في اجتماعاتها عادة معظم ما يحضر لها. وثمة سؤال آخر: ما الأساس الذي بني عليه اختيار اللجنة؟

وبعد فقد سلم الله. . . بالتوفيق بين وجهة النظر المصرية وجدول أعمال المؤتمر، وذلك بتوجيه مجرى المناقشة في المؤتمر إلى بحث الصعوبات التي تعترض نشر التعليم والتوسع فيه إلى جانب المسائل الأخرى التي يبحثها المؤتمر، وكان الفضل في ذلك لحكمة أعضاء وفد مصر، ولباقة المشرفين على إعداد المؤتمر ومرونتهم.

حول إنشاء مدارس مصرية في الباكستان:

نشرت (أخبار اليوم) في عددها الأخير، ما يلي: (أتهم محمد هلي علوبه باشا أمس الحكومة المصرية بأنها تركت يد الباكستان ممدودة في الهواء ولم تحقق طلبها الخاص بإنشاء مدارس مصرية في هذه الدولة التي يبلغ تعدادها ضعف عدد شعوب الجامعة العربية)

ونحن نعلم أن علوبة باشا كان قد اقترح على الحكومة المصرية حينما كان سفيراً في الباكستان - أن ننشئ مدارس مصرية هناك لتعليم اللغة العربية والدين الإسلامي. واستقال سعادته بعد ذلك من منصبه، ولكنه ظل يردد الدعوة إلى إنشاء تلك المدارس في خطبه بالحفلات التي يقيمها مكتب الصحافة والدعاية بسفارة الباكستان في القاهرة، وكانت آخر مناسبة لذلك الاحتفال الذي أقيم أخيراً لذكرى إنشاء دولة الباكستان.

وعلوبة باشا رجل طيب، وهو يصدر في ذلك عن عاطفة نشعر جميعاً بها نحو هذه الأمة الإسلامية، ولكن هذا الذي يقوله كلام غير عملي، فمصر الآن تواجه مشكلة تيسير التعليم وتعميمه، ووزير معارفها يتحايل على ميزانية الدولة تارة، وأخرى يشعر بضيق هذه الميزانية فيحث الأغنياء على إنشاء المدارس، والمصريون يترقبون آملين أن تتسع المدارس لأولادهم جميعاً، وفيهم متشائمون لصعوبة الأمر وكثرة الطلبات.

مع كل ذلك وفي هذه الظروف تطالب الحكومة المصرية بإنشاء مدارس مصرية بالخارج، في الباكستان أو غير الباكستان مع أن من يسمع ذلك الكلام الذي يلقيه علوبة باشا في الحفلات الباكستانية، يخيل إليه أن سعادته لا يعلم شيئاً من مسائل التعليم في مصر، ولعله يحسب أن الحكومة فرغت من تعليم المصريين جميعاً ولم يبق عليها إلا أن تنشر داعية تعليمية في قطر كبير العدد كالباكستان. . .

وإن استناد الحكومة الباكستانية أو سفارتها بالقاهرة إلى مثل تلك الدعوة، يدل على أنها غير جادة في هذا السبيل، لأن الطريق العملي هو أن تنشئ حكومة الباكستان تلك المدارس في بلادها وتستدعي للتدريس فيها مدرسين من مختلف البلاد العربية، لا أن تمد يدها في الهواء. . .

وقد كنت أتتبع أنباء تعليم اللغة العربية في الباكستان يأمل واستبشار، تلك الأنباء التي كانت تقول أن مدارس الباكستان أخذت في تعليم اللغة العربية، وإن الوزراء والكبراء أخذوا كذلك في تعلمها، وإن بعضهم تعلمها فعلا، وإن حاكم البنجاب أصبح يجيدها ويخطب بها. ولكن مر على ذلك ثلاث سنين ونحن لا نرى شيئاً من دلائل ذلك، فالسفير الباكستاني لا يزال يخطب في الجمهور المصري في القاهرة عاصمة العروبة باللغة الإنجليزية. . . فهل تمخضت الحركة كلها عن حاكم البنجاب. .؟

افتتاح المؤتمر الثقافي:

عقد المؤتمر الثقافي العربي جلسته الافتتاحية بكلية الآداب بجامعة فاروق الأول بالإسكندرية يوم الثلاثاء الماضي. وقد بدأ الاجتماع بكلمة الأمين العام لجامعة الدول العربي عبد الرحمن عزام باشا، وقد افتتح بها المؤتمر ورحب بالأعضاء ونوه بالغرض الذي أقبلوا من أجله وهو البحث والمناقشة في شؤون ثقافية قائلا بأن التعاوني الثقافي بين دول الجامعة هو أهم ما يربط بينها، وأشار إلى الجهود الثقافية التي قامت بها الإدارة الثقافية بالجامعة. وتحدث عن الأمة العربية باعتبارها أنها أمة موحدة الثقافة تجمع بينها العروبة والإسلام اللذان كان لهما الفضل في عدم نشوء قوميات منفصلة.

وقد ختم سعادة عزام باشا كلمته باقتراح انتخاب معالي الدكتور طه حسين بك رئيساً للمؤتمر، وأيد هذا الاقتراح رئيساً وفدي سوريا ولبنان. وقد قوبل ذلك بعاصفة قوية من التصفيق كانت إيذاناً بانتخاب معاليه رئيساً للمؤتمر. فنهض معاليه وألقى كلمة ضافية بدأها بقوله لأعضاء المؤتمر: لا أرحب بكم لأنكم في وطنكم، ولكني أنا في حاجة إلى أن أهدي إليكم أصدق الشكر على تفضلكم باختيار مصر موطناً لمؤتمركم الثاني، وقد أتحتم لنا بهذا الاختيار فرصة أن يلقى بعضنا بعضاً ويتحدث بعضناً إلى بعض في أحب الشؤون إلى النفس وهي الشؤون الثقافية. ثم قال: أما بعد فإنكم لم تأتوا إلى هنا لنتهادى التحيات ولم نجتمع لنثني على أنفسنا، وإنما لننظر فيما قدمنا من شؤون الثقافة والتعليم، وإنه لقليل، والكثير ما بقي، إنكم تزورون مصر في هذا الوقت الذي تقف فيه مصر من التعليم موقفاً دقيقاً ونحن نحتاج إلى أن نسمع منكم كما أنكم في حاجة إلى أن تسمعوا منا، وأفاض معاليه في الحديث عن فتح أبواب التعليم في مصر على مصاريعها، ولما جاء ذكر مجانية التعليم قال: إننا لم نأت بالمجانية من أوربا كما يقول بعضهم، فالمجانية عربية قبل كل شيء، فمدارسنا التي كانت تعلم التلاميذ في العصور الإسلامية الأولى وفي العصور الإسلامية أثناء القرون الوسطى وفي أوائل العصر الحديث كانت كلها تعلم الناس بغير أحر، وكانت الدولة العربية ترزق المعلمين دائماً والمتعلمين في أثر الأحيان، وما عرفنا بدعة بيع التعليم وشرائه إلا حين اتصلنا بأوربا أثناء القرن الماضي، والآن أخذت أوربا بالمجانية، ونعود نحن إلى المجانية، فلا يجب أن يقال إننا نستعيدها من أوربا، وإنما ينبغي أن يقال إننا نحيي السنة العربية ونعود بالمجانية إلى العهد الأول ونجعل المدارس كالمدارس التي لا تزال محتفظة بمجانيتها منذ ألف عام.

ثم انتقل معاليه بعد ذلك إلى شؤون الأدب والثقافة العامة، فقال: تعرفون أيها الزملاء، وأنتم قادة الثقافة والأدب في البلاد العربية أن لنا تراثاً يجب أن نحتفظ به وتراثاً لا ينبغي أن نكتفي بالاحتفاظ به دائماً، وإنما يجب أن نضيف إليه، وتعرفون أن علينا حقوقا أهملت في الأجيال الماضية وينبغي أن ينقطع هذا الإهمال، وأن أجيالا قصرت في ذات العرب والعروبة والثقافة وينبغي أن ينقطع هذا التقصير وترد إلى العرب حقوقها، وتعرفون أن العرب في العصور الإسلامية الأولى لم يقنعوا بما كان عندهم، وإن كان عندهم كثير، وإنما اتجهوا إلى الأمم المتحضرة التي سبقتهم إلى الحضارة وأخذوا خلاصة ما عندها وأضافوا إليه وكونوا الحضارة العربية الممتازة، ولا أقول ممتازة فخراً ولا استكباراً واستعلاء، وإنما أقول الحق الذي لا شك فيه، هذه الحضارة العربية التي حملت الثقافة قروناً ونقلت نور الثقافة من الشرق إلى الغرب وأتاحت لأوربا أن تكون كما هي الآن، هذه الحضارة قصر العرب في ذاتها وقتاً، وآن لهذا الوقت أن ينقضي، وآن أن نسترد مجدنا، ونأخذ من أوربا صفوة ما عندها، ونعطي العالم خلاصة ما عندنا، وأن نكون في العالم أمة قوية عزيزة بنفسها، وقد انقضى الوقت الذي كنا فيه نأخذ ولا نعطي، وآن الوقت الذي لا ينقطع أخذنا فيه عن غيرنا، ولكن يجب أن نضيف إلى ما نأخذ، ويكون غيرنا محتاجا إلينا كما أننا محتاجون إليه. يجب أن نقرر هذا ونتدبر ونتشاور في الوسائل التي تتيح لنا أن نسترد مكانتنا، وتتيح لأدبنا أن يكون أدباً عالمياً لا أدبا مقصوراً على الغرب، وتتيح لعلمائنا أن يكونوا علماء عالميين.

وبعد ذلك تعاقب رؤساء الوفود الرسميون، فألقى كل منهم كلمته، ثم فتح باب المناقشة في جدول الأعمال، فانبرى عدد من الأعضاء في مقدمتهم الأستاذ محمد سعيد العريان وحملوا على الإدارة الثقافية وتصرفها في وضع موضوعات المؤتمر حملة شديدة، وقد رد عليهم الأستاذ سعيد فهيم وكيل الإدارة الثقافية؛ وكان الوقت قد طال فأعلن معالي الرئيس انتهاء الجلسة على أن يستأنف الاجتماع غدا لمواصلة المناقشة في موضوعات المؤتمر. وأرجئ تفصيل ذلك إلى الأسبوع القادم.

عباس خضر