انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 775/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 775/البَريدُ الأدَبي

مجلة الرسالة - العدد 775
البَريدُ الأدَبي
ملاحظات: بتاريخ: 10 - 05 - 1948



طيبة تكشف عن أسرارها:

هاهي ذي جمعية الآثار القبطية تسجل نصراً جديداً. وهي، منذ إنشائها عام 1934، تعمل دائبة حتى نالت تقدير الأوساط العلمية في العالم. وقد استطاعت أخيراً، بفضل أريحية سيدة مصرية فاضلة، أن تباشر حفريتها الأولى. وعهدت بذلك إلى الأستاذ شارل بشتلي سكرتيرها النشط، والعضو بجمعيات علمية، مصرية وأجنبية، عديدة، والمعروف بأبحاثه القيمة في علمي الآثار والأجناس والتاريخ.

والآثار القبطية، كما نعلم، حلقة من حلقات الآثار المصرية، يبدو تاريخ مصر بدونها ناقصاً، ولقد كانت مسرحاً للمسيحية في أول عهدها الحافل بالآلام والاستشهاد. فانعزل النساك في صحاري طيبة. وكان رهبان طيبة يتكاتبون على كسرات الفخار ثم على الرقوق في عصر متأخر. فكان لرسائلهم تلك فضل الكشف عن طريقة معيشتهم ومشاغلهم والكثير من عادات عصرهم.

وفي 1914 قدر لمتحف المتروبوليتان للفن بنيويورك أن يكتشف ببلدة القرنة دير إيفانوس. وكان فيما اكتشف كسرات فخار وأوراق بردي تشير إلى دير الأنبا فيبامون.

وفي أواخر عام 1947 قام الأستاذ شارل بشتلي بالكشف عن هذه الدير.

ودير الأنبا فيبامون من القرن الرابع للميلاد. وهو يقع من الأقصر على ثمانية عشر كيلو متراً، في ظل صخرة عمودية تعلو إلى خمسة وعشرين متراً، وقد طمر تحت الرمال والأحجار. وقد وجد على الصخرة نقش جنائزي يذكر اسم راهب: الأنبا إبراهيم، واسم الدير، فقُطع الشك باليقين وشُرع في رفع الأنقاض.

وقد اكتشفت أول مخزن للنبيذ، وأكد ذلك تحليل المادة السوداء التي وجدت ببقايا الجرار. ثم الإسطبلات وحظائر الضأن والأفران والأهراء وملحقات الدير جميعاً.

واكتشف كذلك مومياوان، ولاشك أن إحداهما للأنبا إبراهيم، وهما ملفوفتان في كفن من الكتان وقد حنظتا تحنيطاً كاملا. ولم يعثر على غيرهما. ولاشك أن الرهبان الآخرين دفنوا في المقبرة القريبة من هذا المكان وقد اكتشف من عهد قريب.

وقد عثر أيضاً على الخلوات والكنيسة التي لم يبق منها غير المصاطب، وكان الرهبان يجلسو عليها وقت القداس، ثم بعض صلبان طليت بالأحمر، وبقايا صورة حائطية، ونقوش عديدة.

ونظام الخلوات على طريقة القديس باخوميوس، أي خلوات مشتركة؛ فتتضمن الحجرة سريرين أو ثلاثة أسرة من البنيان.

ويظهر بعض الرسوم حالة المسيحيين حينذاك. فيبدو فيها آثار مصر القديمة وذكرى عهد وثني غير بعيد.

اكتشف علماء الآثار مناطق اعتزال الرهبان فعلا، كما أنهم وصلوا بفضل النقوش وغيرها إلى معرفة الكثير من عاداتهم وعادات عصرهم. ولكن دائرة الفكر والعقيدة بقيت مغلقة. فهل قدّر لهذا الكشف أن يفتح لنا ما أغلق؟ إن الأستاذ شارل بشتلي يعد تقريره ليرفعه إلى جمعية الآثار القبطية، فنرجو له التوفيق.

عدلي طاهر نور

فلسطين والأدب:

فلسطين. . . اسم إذا ذكر دمعت العيون وتحرقت الأكباد وانفطرت القلوب، لا من بغي الصهاينة ووحشيتهم، ولا من شد أزر الدول الأجنبية لهم، فلم يجل بخاطر عربي ومسلم يوماً أن يترك الصهاينة عدوانهم وشرهم، أو يهجر الإنكليز خداعهم ومكرهم، أو يعدل الفرنسيون عن خصومتهم وجنونهم، أو يُعرض الامريكان عن تألبهم علينا (وحرانهم). . ولكن الذي تتقطع النفس عليه حسرات هو هذا الجمود الذي ران على عقول بعض الكبار فأبلاها، وتغلغل إلى حبات قلوبهم فأقساها، حتى غدوا لا يمدون فلسطين في هذه المحنة العصيبة إلا بخطب وبيانات ووعود وتصريحات، والشعوب مهتاجة، والأعداء يبطشون، والدنيا تنظر، والتاريخ يرتقب، ليروا ماذا نحن فاعلون!

فمن واجب الأدباء وقادة الفكر إزاء هذا أن يشعروا هؤلاء بواجبهم وينهضوا بهمهم ويشحذوا من عزائمهم. وللأدب في هذا الميدان جولة وصولة؛ فهو الذي يفصح عن رأي الشعب ويبين عن شعوره، ويفتح العيون الساهية على الواقع المرير، ويعرك بعض الآذان لينتبه أصحابها فيشعروا بشعور الناس ويفكروا بعقول الأمة ويتقدموا بعزيمة الشعوب. . .

وها قد شق الأستاذ (الزيات) للأدباء الطريق وضرب أحسن المثل، واستن الأستاذ (نقولا الحداد) هذه السنة الحسنة

والأمل أن يسير أدباؤنا في هذا الركب وينهجوا هذا النهج. فطوبى لمن حطم الكأس وكسر الدف وودع الحب وهجر الروح وتقدم إلى حلبة الكفاح ليذكي النار ويلهب النفوس واهباً قلبه وقلمه (لفلسطين) حتى يأتي نصر الله. إلا أن نصر الله قريب.

المعادي

(فتى الفيحاء)

الاتجاهات الدينية في الفلسفة الحديثة:

هذا هو موضوع المحاضرة القيمة التي ألقاها الأستاذ البطاوي في دار جماعة ابن رشد الثقافية في الأسبوع الماضي. وقد استحق الأستاذ منا الإعجاب والتقدير حينما عالج هذا الموضوع برغم خطورته حيث تكلم عن الفوضى الإجتماعية والتضارب الفكري والمذهبي بعد الحرب الثانية، وحيث تكلم عما يبدو - (بعد اكتشاف السلاح الذري) وقوف الدول الكبرى صاحبة الأمر والنهي عليه، وعن خشية الإنسانية من الفناء إن هي أقدمت على حرب عالمية أخرى - ما يبدوا بعد كل هذا وغيره من بشائر تتجه بالفلسفة الحديثة اتجاهاً شاملا سريعاً نحو الدين لكي تنقذ الإنسانية بوضعها إياها في حماه الأمين، وخاصة بعد أن تحقق كثير من الباحثين أن الفلسفة المادية تهوي بالمثل العليا إلى الحضيض وتدفع بالأمم إلى الأنانية البغيضة والتشاحن الذي يؤدي إلى الحروب والهلاك.

على هذا النمط سار الأستاذ في محاضرته مستشهداً بأحدث الآراء في الشرق والغرب للفلاسفة والباحثين في هذا الموضوع مقارنا بينها وبين أقوال القدماء عقب الحرب السبعينية وبعد الحرب العالمية الأولى ليخلص من كل هذا إلى تلك النتيجة الخالدة: وهي أن (الفلسفة الحديثة بدأت بالفعل تتجه اتجاهاً دينياً).

إلا أن إعجابنا بمقدرته لا يمكن أن يحملنا على التغاضي عن خطأ أو سهو عرض في أثناء الحديث عن (الأثنينية) وأحب أن يتفضل فيحدد موقفه منه على صفحات هذه المجلة الغراء؛ فإن له من الأهمية والخطورة ما يدركه كل دارس للفلسفة الحديثة فلكنا يعرف أن ديكارت لم يكن (دخيلا) على (الأثنينية) كما ذكر المحاضر في كلامه عن الفلسفة في فجر نهضتها الحديثة؛ بل نعرف أنه كان (أثنينيا) إلى أبعد حدود (الاثنينية)، وهو يعد حقاً وليس زعما كما قال - مؤسس الإثنينية التي تقول بوجود الروح مع وجود المادة في العصور الحديثة. وما كان هذا ليخفي على باحث مثل الأستاذ المحاضر يعلم تمام العلم أن جمهرة مؤرخي الفلسفة يعدون ديكارت مؤسس الفلسفة الحديثة، ويعلم من كتب ديكارت نفسه - كما ذكر في محاضرته القيمة أنه مؤمن بالله وبخلود الروح، أما جهلنكس الذي أثنى عليه الأستاذ وقدمه على ديكارت، فإني لست أعرف له من فضل سوى أنه هذب أقوال ديكارت في الأثنينية وعدّلها إلى مذهب أو (الإتفاقيين).

أما أن يكون الدخيل أصيلا والأصيل دخيلا فهذا أمر لا يستقيم أبداً ولا يمكن أن ترتاح إليه نفس.

دكتور سمير الناصري