انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 7/البيروني أيضا.

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 7/البيروني أيضاً.

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 04 - 1933



نشرتم في ص20 من الجزء الرابع من الرسالة ترجمة للبيروني حسنة التأليف والمضامين متناولة لكثير من مناحي الرجل العلمية والفنية، ولكنها مغفلة لمنحاه الأدبي المصطلح عليه في عصره، وهذا مما تعنى به الرسالة ويصيب منها هوى فيه، فللبيروني كتاب (شعر أبي تمام) قال ياقوت الحموي: (رأيته بخطه لم يتمه) وكتاب التعلل بإجالة الوهم في معاني نظم أولي الفضل، وكتاب تاريخ أيام السلطان محمود وأخبار أبيه، وكتاب المسامرة في أخبار خوارزم ذكره ياقوت أيضاً في مادة (خوارزم) وكتاب مختار الأشعار والآثار، قال ياقوت: (وإنما ذكرته أنا هاهنا لأنه كان أديباً أريباً لغوياً وله تصانيف في ذلك) ولم يذكر في الترجمة المذكورة في الرسالة كتابه (تقاسيم الأقاليم)، قال ياقوت (وجدت كتاب تقاسيم الأقاليم تصنيفه وخطه وقد كتبه في هذا العام) وليس هو الذي أشير إليه في الرسالة بما نصه (وعمل قانوناً جغرافياً كان أساساً لأكثر القسموغرافيات المشرقية) وله كتاب (اعتبار مقدار الليل والنهار) وسبب تأليفه أن السلطان محمود الغزني ورد عليه رسول من أقصى بلاد الترك وحدث بين يديه بما شاهد، في ما وراء البحر نحو القطب الجنوبي (كذا) من دور الشمس عليه ظاهرة في كل دورها فوق الأرض بحيث يبطل الليل، فتسارع السلطان على عادته في التشدد في الدين، إلى نسبة الرجل إلى الإلحاد والقرمطة، على كونه بريئاً منهما، فقال أبو نصر أبن مشكان للسلطان (أن هذا لا يذكر ذلك عن رأي يرتئيه ولكن عن مشاهدة يحكيه) وتلا قوله عز وجل (وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا) فسأل السلطان أبا الريحان عن ذلك فأخذ يصفه له على وجه الاختصار ويقرره على طريق الإقناع، وكان السلطان في بعض الأوقات يحسن الإصغاء ويبذل الإنصاف، فقبل ذلك وانقطع الحديث بينه وبينه وقتئذ، وبعد تولي ابنه مسعود للسلطنة انبعثت القضية ائتنافاً وفاوض البيروني يوماً فيها وفي سبب اختلاف مقادير الليل والنهار في الأرض وأحب من أبي الريحان البرهان ليجتزئ به عن العيان، فقال له أبو الريحان (أنت المنفرد اليوم بامتلاك الخافقين، والمستحق بالحقيقة اسم ملك الأرض، فأخلق بهذه المرتبة إيثار الاطلاع على مجاري الأمور وتصاريف أحوال الليل والنهار ومقدارها في عامرها وغامرها) وصنف له ذلك الكتاب المتقدم ذكراً بطريق يبعد عن مواضعات المنجمين وألقابهم ويقرب تصوره من فهم من لم يرتض بهذا العلم ولم يعتده، وكان السلطان قد مهر في العربية فسه له وقوفه عليه وأجزل إحسانه إليه، وكذلك صنف كتاباً في (لوازم الحركتين) بأمر هذا السلطان. قال ياقوت (وهو كتاب جليل لا مزيد عليه مقتبس أكثر كلماته عن آيات من كتاب الله عز وجل وكتابه الآخر المعنون بالدستور الذي صنفه باسم شهاب الدولة أبي الفتح مودود بن السلطان شهيد، مستوف أحاسن المحاسن) وذكر له صاحب روضات الجنات غير ما جيء به في الرسالة كتاب (تسطيح الكرة) وكتاب (الاستيعاب في علم الإسطرلاب) وهو غير (العمل بالإسطرلاب) وكان كبيراً على ما قال مؤلف الروضات، وكتاب (تحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن) وكتاب (التفهيم في صناعة التنجيم) بالعربية والفارسية، وكتاب (الأظلال) ورسالة في تهذيب الأقوال ومقالة في استعمال الإسطرلاب الكرى وأخرى في تلافي عوارض الزلة في دلائل القبلة، وكتاب اختصار بطليموس القلوذي، وكتاب الأطوال للفرس، وتاريخ الهند وهو مجلدات، ونفهم من كلام صاحب الروضات أن العلماء اختلفوا في أسمه فترجمه بعضهم في باب (المحمدين) وبعض مع الأحمدين وفعل هو الأمرين، وأن صلاح الدين الصفدي ذكره في تاريخ (الوافي بالوفيات) وذكره صاحب طبقات النحاة ومؤلف رياض العلماء وحمد الله المستوفي الفارسي في نزهة القلوب، وذكره القفطي في ترجمة (بطليموس القلوذي) الذي أسلفنا ذكراً له، قال (وما أعلم أحداً تعرض لتأليف مثل كتابه المعروف بالمجسطي ولا تعاطى معارضته بل تناوله بالشرح والتبيين كالفضل بن أبي حاتم التبريزي وبعضهم بالاختصار والتقريب كمحمد بن جابر البتاني وأبي الريحان البيروني الخوارزمي مصنف كتاب القانون المسعودي ألفه لمسعود بن محمود بن سبكتكين وحذا فيه حذو بطليموس. . .) وذكره شمس الدين الشهرزوري في تاريخ الحكماء فقال (أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني وبيرون مدينة في السند. . .) وقال ياقوت (وهذه النسبة معناها: البراني لأن بيرون بالفارسية معناه: برا، وسألت بعض الفضلاء عن ذلك فزعم أن مقامه بخوارزم كان قليلا وأهل خوارزم يسمون الغريب بهذا الاسم كأنه لما طالت غربته عنهم صار غريباً، وما أظنه يراد به إلا أنه من أهل الرستاق، يعني أنه من برا البلد) وأقول أن التكلف في تخريج نسبته ظاهر، فالشهرزوري اتبع قوله السابق ما صورته (وبيرون التي هي منشأه ومولده بلدة طيبة فيها عجائب وغرائب، ولا غرو فان الدر ساكن الصدف) وقد ألحق في كتابه آثار الباقية المطبوع في ليبزيج ثبت لكتبه فيه اسم (112) تأليفاً.

بغداد. مصطفى جواد

من طرائف الشعر

شوقية لم تنشر

نظم شاعر الخلود المغفور له شوقي بك هذه القصيدة في منفاه ولم يتمها. فنشرناها للأدب والتاريخ:

وسقيمة الأجفان لا من علة ... تحيي العميد بنظرة وتميته

وصلت كتربيها الحديث بضاحك ... ضاحٍ كمؤتلف الجمان شتيتُه

قالت تغربت الرجال، فقلت في ... ضيم أريد بجانبي فأبيته

قالت نُفيت، فقلت ذلك منزل ... وردَته كل يتيمة ووردته

قالت رماك الدهر، قلت فلم أكن ... نِكساً ولكن بالأناة رميته

قالت ركبت البحر وهو شدائد ... قلت الشدائد مركب عُوِّدته

قالت أخِفت الموت قلت أمُفلت ... أنا من حبائله إذا ما خفته؟

لو نلت أسباب السماء لحطني ... أجل يحل لحينه موقوته

قالت لقد شَمِتَ الحسود فقلت لو ... دام الزمان لشامت لحفلته

قالت كأني بالهجاء قلائداً ... سارت، فقلت هممت ثم تركته

أخذتْ به نفسي فقلت لها دعى ... ما شاءت الأخلاق لا ما شئته

من راح قال الهُجر أو نطق الخنا ... هذا بياني عنهما نُزَّهته

الله علمنيه سمحاً طاهرا ... نَزِه الخلال وهكذا علمته