مجلة الرسالة/العدد 456/ابن خرداذبه
مجلة الرسالة/العدد 456/ابن خُرداذَبهَ
3 - ابن خُرداذَبهَ
للأستاذ كوركيس عواد
لقد تطرق غير واحد من الكتبة والمؤلفين الأقدمين إلى ذكر هذا الكتاب، والكشف عن محاسنه ومساوئه. من ذلك ما حكاه المسعودي بشأنه، نورده هنا استتماماً للموضوع، وإظهاراً لرأي مؤرخ وبلدانيّ جليل، ارتآه في كتاب ثمين تتداوله الأيدي في يومنا. قال المسعودي:
(وقد ذكر عُبيْد الله بن خرداذبه، في كتابه المترجم بالمسالك والممالك، أن الطريق من موضع كذا إلى كذا مقدار كذا من المسافة، ولم يخبر من الملوك والممالك، ولا فائدة في معرفة المسافات والطريق، إذ كان ذلك من عمل الفتوح وحمال الخرائط والكتب. وذكر أيضاً أن خراج طساسيج العراق كذا وكذا من المال، وهذا ما ينخفض ويرتفع ويقل ويكثر على حسب الأحوال وتصرف الأزمان، وإن جبل العَرْج الذي بين مكة والمدينة متصل ببلاد الشام، إلا أن وصله بالجبل الأقرع من بلاد إنطاكية وإن ذلك متصل بجبل الآكام هذا عجيب من قوله، أما تراه علّم أنّ أجزاء الأرض مماسة بعضها لبعض، متصلة غير منفصلة ولا متباينة مما بين بعضها ببعض إلا أن الأرض ذات وهاد وأنجاد وحدب. على أنه أحسن كتاب في هذا المعنى) أهـ. أو قوله الآخر في هذا الكتاب:
(ومن كتبه النفيسة، كتابه في المسالك والممالك، وغير ذلك مما إذا طلبته وجدته، وإن تفقدته حمدته)
أو قوله الثالث في هذا السفر عينه:
(. . . وقد صنف أحمد بن الطيب السرخسي، صاحب يعقوب بن إسحاق الكندي، كتاباً حسناً في المسالك والممالك والبحار والأنهار وأخبار البلدان وغيرها؛ وكذلك أبو عبد الله محمد بن أحمد الجيهاني، وزير نصر بن أحمد بن إسماعيل بن احمد ابن أسد صاحب خراسان، ألَّف كتاباً في صفة العالم وأخباره، وما فيه من العجائب والمدن والأمصار والبحار والأنهار والأمم ومساكنهم، وغير ذلك من الأخبار العجيبة والقصص الظريفة؛ وأبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبه في كتابه المعروف بالمسالك والممالك، وهو أعم هذه الكتب شهرة في خواص الناس وعوامهم في وقتنا هذا) وقد أشار ابن حوقل إلى هذا الكتاب إشارة خفيفة بقوله:
(ولا يقارب هذا التأليف عنده (عند قارئ الكتاب أو الناظر فيه. والكلام هنا على كتاب صورة الأرض) كتاب الجيهاني ولا يوافق رسم ابن خرَّاداذَبه. . .)
ولابن حوقل كلمة ثانية بشأن هذا الكتاب، إلى القارئ نصها: (وكان لا يفارقني كتاب ابن خرداذبة وكان الجيهاني وتذكرة أبي الفرج قدامة بن جعفر. وإذا الكتابان الأولان قد لزمني أن أستغفر الله من حملهما واشتغالي بهما عن ما يلزمني من توخي العلوم النافعة والسنن الواجبة. . .)!
ومن الآراء الطريفة التي وقفنا عليها بصدد هذا الكتاب، ما حكاه البشاري المقدسي بقوله، وهو رأي تفرد به: (ومن مفاخر كتابنا (يعني كتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم) الإعراض عما ذكره غيرنا، وأوحش شيء في كتبهم ضد ما ذكرنا. ألا ترى أنك إذا نظرت في كتاب الجيهاني وجدته قد احتوى على جميع أصل ابن خرداذبة وبناه عليه، وإذا نظرت في كتاب ابن الفقيه، فكأنما أنت ناظر في كتاب الجاحظ والزيج الأعظم، وإذا نظرت في كتابنا وجدته نسيج وحده يتيماً في نظمه)
وكذلك ما ندد به البشاري المقدسي، حين قال:
(. . . وأما الجاحظ وابن خرداذبة، فإن كتابيهما (في المسالك والممالك) مختصران جداً لا يحصل منهما كثير فائدة. . .)
ومع ذلك، وجدنا المقدسي، ينقل غير مرة من كتاب ابن خرداذبة.
ولم يكن المقدسي الوحيد بين الكتبة الأقدمين الذين عرفوا كتاب المسالك والممالك ونقلوا عنه نقولاً مختلفة، بل هناك جماعة فعلوا فعله، نذكر منهم: ابن رسته، وابن الفقيه المهذاني، والمسعودي، وأبا الريحان البيروني، وياقوتاً الحموي، والشريف الإدريسي، والمقريزي، والقلقشندي.
أما ابن خرداذبة نفسه، فقد وجدناه ينقل أحاديث عن بعض معاصريه من ذلك قوله (المسالك والممالك ص 48)؛ وخبرني الفضل ابن مروان، والفضل هذا رجل من أهل البردان بالعراق استكتبه المعتصم وبلغ مقاماً رفيعاً في الدولة، ثم تقلبت به الأحوال بين صعود وهبوط، فذكر الطبري أن المعتصم غضب عليه سنة 220 وحبسه، ثم ذكر أن المتوكل عزله سنة 234 عن ديوان الخراج، وحكى في مكان آخر أن المستعين عزله سنة 249هـ عن ديوان الخراج
ومما أشار إليه ابن خرداذبة في نقوله هذه العبارة ص 106: فحدثني محمد بن موسى، وعبارته ص 114، وحدثني أبو بكر بن عمر القرشي وعبد الله بن أبي طالب القرشي من كورة تونس بالمغرب قالا. وقوله ص 162 - 170 فحدثني سلام الترجمان، وقوله ص 180 - 181 وحدث أبو الفضل رائض بن الحارث بن أسد، وقد ذكر الطبري أباه الحارث بن أسد في غير موضع من تاريخه وقد يعمد ابن خرداذبة أحياناً إلى إغفال من ينقل عنهم والاكتفاء بالقول ص 178: وحدثني بعض من أثق به، أو ص 181 وحدثني محدث أنه. . .
والآن بعد أن أطلنا الكلام على كتاب المسالك والممالك، نعود إلى بقية مؤلفات ابن خرداذبة
4 - كتاب الطبيخ
5 - كتاب اللهو والملاهي في خزانة الأستاذ حبيب زيات مخطوط عنوانه (مختار من كتاب اللهو والملاهي لابن خرداذبة) ولا ندري ما إذا كان هذا (المختار) للمؤلف نفسه، أم أنه لشخص آخر. وليت صاحب المخطوط، وهو الباحث الكبير المعروف بسعة اطلاعه وبُعد تحقيقه، يعني بنشره، فيضيف بذلك مأثرة جديدة إلى مآثره العلمية الجمة
6 - كتاب الشراب
7 - كتاب الأنواء
8 - كتاب الندماء والجلساء
والغريب أنّ هذه المصنّفات الثمانية باستثناء المسالك والممالك لم نقف البتة على ذكر لها، في ما سوى الفهرست لابن النديم. وهذا كشف الظنون للحاج خليفة، وهو من أوسع المراجع التي تَقِفُنَا على الكتب، لم يتطرق إلى تسمية شيء منها، اللهم إلا المسالك والممالك، وما قاله فيه لا يتعدى كونه رأياً منقولاً عمن سبقه، كما أسلفنا القول في ذلك في موطن آخر من بحثنا
هذا ونحن على يقين من أن لابن خرداذبة تصانيف أخرى، الثمانية المشار إليها أعلاه. فقد أورد المسعودي مقالة ابن خرداذبة في (الموسيقى)، وهي التي قالها بحضرة الخليفة المعتمد فهل تكون هذه (المقالة الموسيقية) فصلاً أو قطعة من أحد الكتب التي ألمعنا إليها، أم أنها شيءٌ قائم بذاته فات ابن النديم ذكره، فكان نصيبه الخلود على يدي المسعودي؟؟
وقد أثنى المسعودي ثناءً عاطراً على (تاريخ) ابن خرداذبة الذي لا ذِكْرَ له بين الكتب والمنوّه بها آنفاً. وهذا قوله بالحرف الواحد:
(. . . وعبيد الله بن عبد الله بن خرداذبه؛ فإنه كان إماماً في التأليف، متبرّعاً في ملاحة التصنيف، اتّبعه من هذه طريقته وأخذ منه ووطئ على عقبه وقفي أثره. وإذا أردت أن تعلم صحة ذلك فانظر إلى كتابه الكبير في التاريخ؛ فإنه أجمع هذه الكتب جداً، وأبرعها نظماً، وأكثرها علماً، وأحوى لأخبار الأمم وملوكها وسيرها من الأعاجم وغيرها. . .)
وهي لنعم الشهادة يُصدرها مؤرخ جليل ثَبْت كالمسعودي!
وفي مكان آخر لمّح المسعودي إلى (تاريخ ابن خرداذبه). فقال بعد كلام نقلناه في مطاوي بحثنا ما هذا نصه:
(على أنه - أي كتاب المسالك والممالك - أحسن كتاب في هذا المعنى. وكذلك كتابه في التاريخ وما كان من ذكر الأمم الماضية قبل مجيء الإسلام. . .)
(البقية في العدد القادم)
كوركيس عواد