مجلة الرسالة/العدد 199/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 199/البَريد الأدَبيّ
مظاهر علمية خطيرة:
تفيض الصحف الإنكليزية في التعليق على موقف الجامعات الإنكليزية من الدعوة التي وجهت إليها من جامعة تبنجن الألمانية للاشتراك في عيدها الذي سيقام في يونيه القادم احتفاء بانقضاء مائتي عام تأسيسها، فقد قررت الجامعات الإنكليزية كلها أن تعتذر عن قبول الدعوة وأن تقاطع هذا الاحتفال، ويقولون إن الجامعات الأمريكية قد تحذو حذو الجامعات الإنكليزية في هذه المقاطعة. وقد كان لهذه المقاطعة العلمية وقع عميق في ألمانيا. وقد شرحت الصحف الإنكليزية موقف الجامعات الإنكليزية، فقالت إنه لا يرجع إلى أية بواعث سياسية، ولا يرجع بالأخص إلى أية خصومة نحو ألمانيا أو الشعب الألماني، ولكنه يرجع إلى بواعث علمية محضة، ذلك أن ألمانيا الهتلرية قد أخضعت العلم للسياسة وبالغت في اضطهاد الفكر، وجعلت من الجامعات الألمانية أدوات للدعاية السياسية والجنسية، وسحقت بذلك هيبة العلم وثلت تراث الجامعات الألمانية، وقد كانت في مقدمة جامعات العالم صيتاً وهيبة؛ ولم تبق الجامعات الألمانية كما كانت قبل قيام الحكم الهتلري منابر الإعلان الحقائق العلمية، بل غدت منابر لبث النظريات العنصرية والسياسية والجرمانية الجديدة وتسخير الحقائق العلمية لخدمة مزاعم سادة ألمانيا الجددَ ومبادئهم المفرقة. وقد علقت مجلة (سبكتاتور) الإنكليزية على هذا الحادث بمقال رنان استعرضت فيه حالة التفكير الألماني الحاضر وما انتهى إليه في ظل الطغيان الهتلري من الانحلال، وأشارت بهذه المناسبة إلى ما صرح به وزير المعارف الألمانية في العام الماضي في الاحتفال بعيد جامعة هيدلبرج، من (أن العلم الألماني الجديد يرفض المبدأ القائل بأن شرف العلم وغايته ينحصران في البحث عن الحقيقة دائماً)؛ وأشارت إلى ما وقع في العهد الحاضر من تخريب الجامعات وتشريد الأساتذة بسبب كونهم من اليهود، أو لأنهم من خصوم النظام الحاضر حتى بلغ ما طرد منهم في الأعوام الثلاثة الأخيرة أكثر من ألف وسبعمائة أستاذ بينهم فطاحل العلم الألماني في كل فن وضرب.
وهذه أول مظاهرة دولية عالمية خطيرة ضد ألمانيا الهتلرية وسيكون لها بلا ريب مغزاها العميق في الحكم على المبادئ والمزاعم المفرقة التي تتخذها ألمانيا النازية شعاراً له وخصوصاً في المسائل العلمية التي تعتبر بالإجماع مسائل إنسانية تهم العالم بأسره، ولا يمكن أن تدعي فيها أية أمة أو دولة شيئاً من الاختصاص، ولا يمكن أن تسيرها سوى المباحث والحقائق المجردة عن كل اعتبار قومي أو جنسي أو سياسي.
كتاب عن الواحات المصرية النائية
أصدرت الجمعية الجغرافية الملكية المصرية أخيرا مؤلفا جديدا بالفرنسية عنوانه (الاكتشافات الأخيرة في صحراء لوبية) بقلم الكونت الماسي الرحالة المعروف؛ وفيه يقص المؤلف محاولاته لاستكشاف واحة (زرزورة) وهو اسم كان يجري على الألسن مجرى الأسطورة؛ وكان أول أوربي ذكره هو الرحالة الإنكليزي ولكنسون في كتابه الذي صدر سنة 1835، وهو يصف الاسم بأنه علم على واحة تقع بعيدا فيما وراء الواحات المصرية الغربية؛ وأسفرت الاكتشافات الصخرية في الأعوام الأخيرة عن اكتشاف صحراء (العوينات)، التي لم تكن معروفة في الناحية المصرية من الصحراء؛ وكان عرب الواحات المصرية يعتقدون أنه ليس بعد واحاتهم أي واحة أو بقعة خضراء أخرى تجاه الغرب. ثم اكتشفت واحة الكفرة بواسطة عرب من قبيلة الزاوية التي نزحت من برقة استطاعوا الاتصال ببعض سكان صحراء تيبو المجاورة. وفي سنة 1923 قام البرنس كمال الدين برحلته الأولى إلى العوينات، وتبعه بعد ذلك السير جلبرت كلايتون واكتشف كلاهما بعض الأودية الجديدة. وفي سنة 1933 قام الكونت الماسي برحلة أخرى إلى واحة العيونات، واتصل في واحة الكفرة ببعض زنوج تيبو، واكتشف بواسطتهم بعض وديان أخرى. ويستعرض المؤلف هذه الرحلات الصحراوية الشائقة، ويورد بعض النصوص والمقارنات التاريخية القديمة من أقوال هيرودوتوس وغيره، ويورد صورا لبعض النقوش العتيقة التي عثر عليها في بعض صخور الصحراء
الفن المصري القديم
صدرت أخيراً طبعة إنكليزية لكتاب الفن المصري القديم تأليف الدكتور هيرمان رانكه العلامة الأثري. وأهمية هذه الطبعة في أنها تسهل على القارئ اقتناء هذا السفر وقد كان من قبل بطبعته الألمانية التي أصدرتها شركة فيدون النمسوية الشهيرة محجوبا عن القارئ لارتفاع ثمنه إلى بضعة جنيهات للنسخة الواحدة، إذ تعتبر الطبعة الألمانية من حيث الصورة الفنية والتلوين تحفة فنية لا يستطيع اقتناءها سوى الهواة ودور الكتب. أما الطبعة الإنكليزية فمع أنها قد احتوت جميع اللوحات والصور الفنية فإن ثمنها لا يتجاوز ثمانية شلنات
ويحتوي الكتاب على تاريخ للفن المصري القديم بقلم الدكتور رانكه وعلى موجز لتاريخ مصر الفرعونية، وبه 340 لوحة وصورة فنية، منها صورة بديعة لرأس الملكة نفرتيتي تبين بوضوح سحابة عينها اليسرى وهو عيب لا يبدو في الصورة الجانبية، وصور عديدة لأبدع التماثيل والرسوم الفرعونية الشهيرة؛ وفي الاستعراض النقدي الذي يقدمه الدكتور رانكه عن الفن المصري القديم مقارنات وملاحظات قيمة جداً من الوجهة العلمية والفنية
كتاب للمرشال دي بونو عن الحرب الحبشية
شغلت الأوساط السياسية والأدبية في أوروبا هذه الأيام بالكتاب الخطير الذي ووضعه المارشال دي بونو أول قائد عام في الحملة الإيطالية على الحبشة عن هذه الحرب وأسماه (العام الثالث عشر، الاستيلاء على إمبراطورية) وسر الضجة العظيمة التي أثارها هذا الكتاب هو ما حواه من أسرار واعترافات عن تأهب إيطالية للحملة قبل ظهور الذرائع التي تذرعت بها لإرسال جيوشها والاصطدام بالأحباش، ثم ما جاء فيه عن الأساليب التي اتبعها للتمهيد للفوز في الحرب. فقد اعترف بأنه وضع مع السنيور موسوليني خطة الحرب من سنة 1933 وجعلاها سراً بينهما لكيلا يطلع عليها الجمهور فيقاوم الفكرة؛ ثم بين ما دفعته إيطالية الرشى لاشتراء بعض الأحباش والجواسيس الذين بثهم في أرجاء الإمبراطورية فصار يعرف كل كبيرة وصغيرة فيها. وأشار أن إيطاليا أنفقت في هذا الباب بسخاء عظيم وقد أفادتها الدعاية فحرمت الإمبراطورية من حوالي 200 , 000 محارب
ويسهب دي بونو في وصف الاستعدادات العظيمة التي قامت بها إيطاليا قبل الحملة سرا أو كيف زادت قواتها في الإريترية وأنشأت المطارات وأرسلت الطيارات للاستكشاف على الأراضي الحبشية وأخذ الصور.
والظاهر أن إيطاليا كانت متوقعة أن تعلنها بريطانيا بالحرب فقد أشار إلى أن موسوليني أرسل إليه قبيل الحملة يأمره أن يوقف الحرب الحبشية إذا أعلنت بريطانيا الحرب والتزام الدفاع عن الإريترية.
والكتاب مصدر بمقدمة من السنيور موسوليني نفسه
المبرد
من مزايا ابن خلكان في كتابه ضبط الأسماء وقد قال:
(والمبرد بضم الميم وفتح الباء الموحدة والراء المشددة وبعدها دال مهملة وهو لقب عرف به. واختلف العلماء في سبب تلقيبه بذلك) ثم ذكر قصة (المزملة) التي أوردها ابن الجوزي في (كتاب الألقاب) وان صحت رواية في (إرشاد الأريب) وهي (لما صنف المازني كتاب الألف واللام سأل (المبرد) عن دقيقه وعويصه فأجابه بأحسن جواب، فقال له المازني: قم فأنت المبرد (بكسر الراء) أي المثبت لحق فحرفه الكوفيون وفتحوا الراء - فإن صح ذلك فقد غلب عليه اللقب المحرف على أن ابن خلكان يقول أن الذي لقبه بالمبرد (بفتح الراء) هو شيخه أبو عثمان المازني. مما يثبت قول (وفيات الأعيان) هذه الطرفة: (لقي برد الخيار المغني أبا العباس المبرد في يوم ثلج بالجسر فقال له: أنت المبرد وأنا برد الخيار واليوم كما ترى، اعبر بنا لا يهلك الناس من الفالج بسببنا).
أحد القراء
تركية تحي ذكرى الفيلسوف العظيم ابن سينا
نشطت اللجنة التي تألفت أخيراً برعاية جمعية التاريخ التركي وبرآسة نائب سيواس في المجلس الوطني الكبير شمس الدين وعضوية كبار العلماء المشتغلين في جمعية التاريخ التركي في اتخاذ التدابير اللازمة للاحتفال بذكرى وفاة الحكيم الفيلسوف ابن سينا، وذلك في يوم 20 يونيه القادم إذ يصادف ذلك اليوم بلوغ وفاة الفيلسوف الأشهر العام التسعمائة. وستقام هذه الحفلة الكبرى في أبهاء الجامعة التركية بعد إنجاز جميع المعدات
وتشير جريدة قورون التركية إلى هذا الاحتفال الممتاز قائلة:
(إن الفيلسوف ابن سينا الذي طبقت شهرته الشرق والغرب، كان أبوه من بخارى، وأمه من بلخ، فهو ولا ريب كان تركياً؛ بيد أنه لما كانت اللغة العربية على عهده هي لغة الثقافة في العالم الإسلامي قاطبة فقد كتب ابن سينا جميع تآليفه بالعربية باستثناء مؤلفين وضعهما باللغة الفارسية.
أما تآليف ابن سينا فتقسم إلى ثلاثة أقسام كبيرة: الطب والفلسفة والأخلاق، ويؤلف كل من هذه الأقسام الثلاثة مجلدات ضخمة، وكتابه الموضوع في الطب باسم (القانون) قد ترجم إلى اللغة التركية ترجمه عالم تركي يدعى توقاتلي مصطفى؛ وهذه الترجمة موجودة اليوم في مكتبة بايزيد وهي مكتوبة بالخط وفي مجلدات يبلغ عددها العشرين مجلداً
وإننا لمغتبطون جداً لانصراف الهمة إلى طبع كتاب ابن سينا (القانون) طبعا جديدا لمناسبة الاحتفال بذكراه. وستنشر لجنة الحفلة مؤلفا تضمنه شخصية ابن سينا العلمية والفلسفية تشرف على تأليف طائفة من كبار العلماء المتضلعين في الطب والفلسفة والأخلاق. وستعرض في الحفلة تآليف ابن سينا المطبوعة والمخطوطة)