انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 126/لبنان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 126/لُبْنَان

ملاحظات: بتاريخ: 02 - 12 - 1935



(تهدى إلى أخي الأستاذ علي طنطاوي)

لشاعر الشباب السوري أنور العطار

غاَبَ لُبْنَانُ في رَقيقٍ من الغَي ... مِ كما غَابَ في مَدَى اليَمّ زَوْرَقْ

ضَفَرَ الثَّلْجَ والسَّحَائِبَ تَاجاً ... وَاخْتَفَى في الضَّباَبِ ثُمَّ تَعَلَّقْ

الهِضَابُ الشمُّ اكتَسَتْ وَرَقَ الخُلْ ... د وَطَافَ الرَّبيعُ فيها وَأحْدَقْ

والرَّوَابي تَوَسَّدَتْ رَاحة السُّحْ ... بِ ونَامَتْ على وِشَاحٍ مُرَقَّق

والذُّرَى البيِضُ في العَلاءِ نُسُورٌ ... حَوَّمتَ تَكشِف الخَفيَُّ المُغَلَّقْ

نَشَرَت في الفَضاءِ أَجنُحَها الزُّه ... رَ فأَسنى بها الوجودُ وأشرَقْ

والقُرَى غلغلَتْ بأَخبيِةِ الغيْ ... بِ وَضاعت بين الغَمامِ المنمَّقْ

غَرَقٌ ملؤُهُ فُتُونٌ وسَحرٌ ... ونعيمٌ ضافٍ وحُلمٌ مزوَّقْ

والينابيعُ ضاحكاتٌ من الزَّهْ ... وِ ترامى فيها السَّنا وتأَلقْ

سردتْ قِصَّةً من النَّغمِ الحُلْ ... وِ ومنْ سجعةِ الحَمامِ المُطوقْ

ضَجَّتِ الرَّبوةُ الأنِيسةُ بالشَّدْ ... وِ وغنَّى السفحُ الحَبِيبُ وزقزَقْ

وتَمَشَّتْ بالغابِ موجةُ أُنَسٍ ... فَشَدا الأَرزُ والصَنوبرُ صفقْ

وتَرَاَءى البحرُ البَعيدُ كَحُلمٍ ... مُبهمٍ راجِفِ الخيالِ مُلفَّقْ

سَرَقَتهُ في السماء الأُفقِ النَّا ... ئي فمن أَبصرَ الخضمَّاتِ تُسْرَقْ

حَبّذا في رِباعِ (زَحْلَةَ) وادٍ ... برعمَ الحبُّ في حِماهُ وأورَقْ

وبِأفْياَئِهِ اللِّطافِ الحَوَاني ... سَرَبَ النَّهرُ كاللَّجينِ المُطرَّقْ

وترامى الصَّفصافُ في مائِهِ الرَّق ... راقِ يَسجُوا على الضَّفافِ ويغرَقْ

وعلى السّفحِ تَسترِيحُ الدَّوالي ... في نِظامٍ حلوٍ ونهجٍ مُنسَّقْ

والعناقيدُ بينهُنَّ نَشَاوى ... ثَمِلاتٌ مِنَ الرَّحيقِِ المُعتَّقْ

رَنَّتِ الخَمرُ في ظُرُوفٍ من النُّو ... رِ وَكادَ الشذا يُشمُّ وينشَقْ

ذاكَ (صِنِّينُ) فَيلَقٌ في السموَا ... تِ وفي الأرضِ جاثمٌ منه فيلقْ

هوَ جارُ النُّسورِ حَطَّ على الغي ... مِ وَأَسرى إلى العَلاءِ وحَلق والسُّهولُ الفِساحُ دُنيا من الإلْ ... هامِ تَندَى مِنَ الطُيوبِ وتعبَقْ

والمساءُ السَّاجي البهيُّ رُسُومٌ ... وَرُؤىٌ كلها تحبَّ وتُعشَقْ

والقطيعُ المِمرَاحُ غَنَّاهُ راعيِ ... هِ فأصغى مستمهِلاً وتشوَّقْ

هَدهَدَتهُ الرَّبابُ فَانسَابَ كالنْه ... رِ وأهوى من الرُّبى يتَدَفَّقْ

ملأَ الكونَ بالثُّغاءِ فما تَس ... مَعُ إلاَّ صدى يطِنُّ وَيزعَقْ

عَادَ واللَّيلُ مُتعَبٌ هبطَا لأَر ... ضَ وأَغيا على الجِبَالِ وَأَطبَقْ

إِيهِ لُبنَانُ يا نَشيدَ الأَناشي ... دِ ويا صُورَةَ النّعِيمِ المُحَقّقْ

عَالَمٌ أَنتَ للهَوَى والأَماني ... يُشتَهَى السَّحرُ في حِماكَ فيُخلَقْ

دَرَجَ الحُبُّ في ثَرَاكَ نَقِيَّا ... ولهُ فتنةٌ تَرُوعُ وَرَونقْ

وبِأعطافِكَ الرَّقاقِ الحَوَاشِي ... وَقفَ الحُسنُ خاشِعا ًثُمَّ أَطرقْ

. . . وتطَلعتُ مِنْ مشارفِ لُبْناَ ... نَ أُناجي منْ صفحةِ الغَيْبِ جلّقْ

تلكَ مأْوَى رَغَادَتِي وَخَيالِي ... وبها قَلْبَي اللهيفُ مُعَلقْ

أنور العطار