زارت وقد صرف العنان الغيهب
المظهر
(حولت الصفحة من زارَتْ وقَدْ صَرَفَ العِنانَ الغَيْهَبُ)
زارَتْ وقَدْ صَرَفَ العِنانَ الغَيْهَبُ
زارَتْ وقَدْ صَرَفَ العِنانَ الغَيْهَبُ
والصُّبْحُ يُنشر منه بَنْدٌ مُذْهَبُ
والزَّهْرُ في نَهْر المجرَّةِ بعضها
يطْفو بِصِفْحَتِها وبعضٌ يَرْسُبُ
وكأنما الفَلَكُ المُكَوْكَبُ غادةٌ
زُفَّت وحَلَّ لها الحُلِيّ المَغْرِبُ
والدَّوْحُ صلَّى بالتَّحيات التي
ألْقَى بمَسْمَعِهِ النَّسيمُ الطَّيب
والطَّيرُ قد نَفَضَ الجناحَ مُؤذّنا
والوُرْقُ تَتْلُو والبلابِلُ تَخْطُب
بِكْرٌ من الحيّ الحلال ببابل
تُنْمَى إلى هارُوتِهِ إذْ تُنْسَب
محْجوبَةٌ في خَدْرِ طِرْسٍ دُونها
للحُسْنِ من غُرِّ المعاني مَرْكَبُ
ممْنوعَةُ الأبياتِ بالبيضِ الظّبا
فالنّجْمُ للطُّرَّاقِ منها أقْرَب
ألباب ربّاتُ الحِجالِ بلِ الحِجا
كيف اهْتَدَيْتَ وما اسْتبانَ المذْهبُ
قد كُنْتُ أقْنَعُ منك في سِنةِ الكَرى
بالطَّيفِ فضلا عن مزارِ يَقْرُب
ويئسْتُ إذ عاقَتْكَ أحراسُ العِدا
عن زَوْرتي وتألَّفوا وتألَّبوا
تالله لو أرسلتَ طيفَكَ لانْثَنى
خَوْفَ القواطِعِ خائفا يترقَّبُ
فأبيْتَ إلا أن تُبَرِّدَ غُلّةً
لو عُلِّلَتْ بالبحْرِ كانت تَلْهَبُ
فَرَغَ الإلاهُ عن الحُظوظِ فَعَدِّ عن
حظٍ تَكِدُّ له فحظُّك يطلبُ
قسماً بِمُهْديك الذي أنوارُه
كالشمسِ إلا أنها لا تَغْربُ
لنَعَشت مني مُهْجةً مَطْلُولةً
وأنلْتني فوقَ الذي أنا أطلبُ
إيهٍ أبا حسَنٍ بأي عبارة
أثْنِي على عُلْياكَ عَزَّ المطلبُ
طَوَّقتني منها قِلادَة مَفْخرٍ
في مثلها باغي المكارِمِ يَرْغَبُ
هذا وكم لك منْ يدٍ مَشفُوعةٍ
لا يسْتَقلُّ بحمْلِها لي مَنْكِبُ
وإليكَها كالبَحْر قِيسَ بمذْنَبٍ
والشمسُ نازَعَها الضِّياءَ الكَوْكَبُ
وتوَخَّني بالعُذْرِ إنَّ قريحتي
كالضَّرْع جفَّ وشحَّ مما يُحْلبُ
أمَّا دُعاؤكَ لي فعِلْمي أنَّه
ما إنْ له إلا العِنايَةَ مُوجِب
والوقْتُ فيه للقَبُولِ مَظِنَّةٌ
وبِساطُ حالِ الوقتِ عنه يُعْربُ
هذا جنًى غَرَسَتْه كفُّ رِضاكَ لي
فهَصَرْتُه وهو الكثيرُ الأطْيَبُ
ونَتِجَةٌ قَدَّمْتُ عند قِياسها
ما يوجب الإحسانَ لا ما يَسْلُبُ
لكنْ غَدَوْت برغم أنفي قاعِدا
والدّمعُ من عيني يفيضُ ويَسْكُبُ
وتنازعَ القَصْدانِ عَزْمي عندها
فالضّعفُ يُمْسك والتَّشوُّقَ يَجْذبُ
والعزْمُ بين المقصِدَين مُرَدَّدٌ
والقلبُ بين الحالتينِ مُذَبْذَبُ
ولو أنني ألْفيَتُ طِرْفاً يُرْتَضى
للفَرِّ والتأويلُ فيه يُجَنَّبُ
وإذا تَبَيَّنَتِ المقاصِدُ لم يكن
فيها أخو جِدٍّ كمن هو يلْعبُ
لبذلتُ فيه كلّ ما مَلكَتْ يدي
وحثَثْتُه للحرْبِ فيما أحْسِبُ
وهزَزْتُ فيه كلّ أسمَرَ ذابلٍ
يشْقَى بطَعْنتِه العدُوُّ الأصهَبُ
ما بِنْتُ عنه لفَرْطِ جبنٍ فاضِحٍ
كلا فما قلبي لذُعْرٍ يَنْحَبُ
والحتْفُ غايةُ من يرُوحُ ويغتدي
فإذا فررْتَ إليه منه المهْرَبُ
وحَذَرْتَ لي عُقْبى القطيعة جاهداً
وهي الطَّريقةُ والسَّبيلُ الأصْوبُ
لكن لديَّ فراسةٌ معضْودَةٌ
فإذا ظَننْتُ فإنها لا تكْذِبُ
والشّرْعُ يعتبرُ الظُّنونَ وسيما
ظنٌّ يكادٌ الحقُّ فيه يَغْلبُ
كِلْني لعلمي في صحابي إنني
بهِمُ خبيرٌ ماهرٌ ومُجَرِّبُ
لك ظاهِرٌ منهم حَكَمْتَ به ولي
منهُم بواطِنٌ عن عِيانِك غُيَّبُ
سِيانِ منهم واصلٌ أو هاجِرٌ
أو عاذِرٌ أو عاذِلٌ ومُؤنِّبُ
مهما جفاني صاحِبٌ في الناس لي
سَعةٌ وفي عرْضِ البسيطةِ مَذْهبُ
لا تسْتَقِرُّ على التّنافُس صُحْبَةٌ
وموَدّةُ الأكفاءِ أمرٌ يَصْعُب
والماءُ إن ألف الثَّواء تغيَّرتْ
أوصافُه وعلا عليه الطُّحْلُبُ
إنّ الصّداقةَ لفْظةٌ مدْلُولها
في الدّهْرِ كالعنْقاءِ بل هو أغْربُ
كم فضّةٍ فُضَّتْ وكم من ضَيْعةٍ
ضاعت وكم ذهبٍ رأينا يَذْهبُ
إلا الصداقَةَ فهي ذُخْرٌ خالدٌ
أسْمى وأسْنى ما اكْتَسَبْتَ وتَكْسِبُ
وإذا رَضِيَت وقد رَضِيتَ فليس لي
عِلْمٌ بمن يرضى ومن يغْضَب
وإذا بَقيتَ فلستُ أبكي مَنْ مَضَى
لم لا وأنت الأهلُ عِنْدي والأبُ
أمحلَ والدي الذي لجَنابِه
آوي وفي مَرْضاتِهِ أتَقَلَّبُ
خيَّرتَني بين المُقام أو السُّرى
والأمرُ يُفْصِحُ بالمسير ويُعْرِب
فترجَّحَ العزْمُ الحثيثُ وساقِطٌ
حُكْمُ الإباحةِ ما اسْتبانَ الأوجب
ووعَدَت بالعذْرِ الجميلِ وإنني
لأخافُ من يَبْغي عليَّ ويَعْتِبُ
نَبهَت لمَّا نِمْتُ عنك مُؤمَّلا
يُرْدِي الأعادي منك ماضٍ مُقْضِب
فامدُدْ لها كُفّا بُنَيَّة ساعةٍ
لكن أبوها دونَ فَخْرٍ مُنْجِب
وإذا أتَتْكَ عشيةً فامْدُدْ لها
عَرَضْتَ لنا أصلا فقلنا الرَّبرب