انتقل إلى المحتوى

الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
(حولت الصفحة من الصواعق المحرقة)
​الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة​ المؤلف ابن حجر الهيتمي
ملاحظات:


المقدمات

المقدمة الأولى

اعلم أن الحامل الداعي لي على التأليف في ذلك وإن كنت قاصرًا عن حقائق ما هنالك ما أخرجه الخطيب البغدادي في الجامع وغيره أنه قال ( إذا ظهرت الفتن أو قال البدع وسبت أصحابي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلا ). وما أخرجه الحاكم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي قال ( ما ظهر أهل بدعة إلا أظهر الله فيهم حجته على لسان من شاء من خلقه ). وأخرج أبو نعيم: أهل البدع شر الخلق والخليقة، قيل هما مترادفان وقيل المراد بالأول البهائم وبالثاني الناس. وأخرج أبو حاتم الخزاعي في جزئه: أصحاب البدع كلاب النار. والرافعي: عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة. والطبراني: من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام. والبيهقي وابن أبي عاصم في السنة: أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته. والخطيب والديلمي: إذا مات صاحب بدعة فقد فتح في الإسلام فتح. والطبراني والبيهقي والضياء: إن الله احتجز التوبة عن كل صاحب بدعة. والطبراني: إن الإسلام يشيع ثم يكون له فترة فمن كانت فترته إلى غلو وبدعة فأولئك أهل النار. والبيهقي: لا يقبل الله لصاحب بدعة صلاة ولا صومًا ولا صدقة ولا حجًا ولا عمرة ولا جهادًا ولا صرفًا ولا عدلا يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين.

وسيتلى عليك ما تعلم منه علمًا قطعيًا أن الرافضة والشيعة ونحوهما من أكابر أهل البدعة فيتناولهم هذا الوعيد الذي في هذه الأحاديث على أنه ورد فيهم أحاديث بخصوصهم. وأخرج المحاملي والطبراني والحاكم عن عويم بن ساعدة أنه قال: ( إن الله اختارني واختار لي أصحابًا فجعل لي منهم وزراء وأنصارًا وأصهارًا فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلًا ). والخطيب عن أنس: إن الله اختارني واختار لي أصحابًا واختار لي منهم أصهارًا وأنصارًا فمن حفظني فيهم حفظه الله ومن آذاني فيهم آذاه الله. وأخرج العقيلي في الضعفاء عن أنس: إن الله اختارني واختار لي أصحابًا وأصهارًا وسيأتي قوم يسبونهم ويتنقصونهم فلا تجالسوهم ولا تشاربوهم ولا تؤاكلوهم ولا تناكحوهم. وأخرج البغوي والطبراني وأبو نعيم في المعرفة وابن عساكر عن عياض الأنصاري: احفظوني في أصحابي وأصهاري وأنصاري فمن حفظني فيهم حفظه الله في الدنيا والآخرة ومن لم يحفظني فيهم تخلى الله منه ومن تخلى الله منه يوشك أن يأخذه. وأخرج أبو ذر الهروي نحوه عن جابر والحسن بن علي وابن عمر رضي الله عنهما. وأخرج هو والذهبي عن ابن عباس رضي الله عنهم مرفوعًا: يكون في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة يرفضون الإسلام فاقتلوهم فإنهم مشركون. وأخرج أيضًا عن إبراهيم بن حسن بن حسي بن علي عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال رسول الله ( يظهر في أمتي في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة يرفضون الإسلام ). وأخرج الدارقطني عن علي عن النبي قال ( سيأتي من بعدي قوم لهم نبز يقال لهم الرافضة فإن أدركتهم فاقتلهم فإنهم مشركون ) قال قلت يا رسول الله ما العلامة فيهم قال: يقرظونك بما ليس فيك ويطعنون على السلف. وأخرجه عنه من طريق أخرى نحوه وكذلك من طريق أخرى وزاد عنه ينتحلون حبنا أهل البيت وليسوا كذلك وآية ذلك أنهم يسبون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما. وأخرج أيضًا من طرق عن فاطمة الزهراء وعن أم سلمة رضي الله عنهما نحوه، قال ولهذا الحديث عندنا طرق كثيرة. وروى الطبراني عن ابن عباس: من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وعن علي رضي الله عنه: من سب الأنبياء قتل ومن سب أصحابي جلد. والديلمي عن أنس: إذا أراد الله برجل من أمتي خيرًا ألقى حب أصحابي في قلبه. والترمذي عن عبد الله بن مغفل: الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضًا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد أذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه. والخطيب عن ابن عمر: إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي فقولوا لعنة الله على شركم. وابن عدي عن عائشة: إن شرار أمتي أجرؤهم على أصحابي. وابن ماجه عن عمر: احفظوني في أصحابي ثم الذين يلونهم ٠٠٠ الحديث. والشيرازي في الألقاب عن أبي سعيد: احفظوني في أصحابي فمن حفظني فيهم كان عليه من الله حافظ ومن لم يحفظني فيهم تخلى الله منه ومن تخلى الله منه يوشك أن يأخذه. والخطيب عن جابر والدارقطني في الأفراد عن أبي هريرة: إن الناس يكثرون وأصحابي يقلون فلا تسبوا أصحابي فمن سبهم فعليه لعنة الله. روى الحاكم عن أبي سعيد: أما إنه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدكم. وأخرج ابن عساكر عن الحسن مرسلا: ما شأنكم وشأن أصحابي ذروا لي أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما أدرك مثل عمل أحدهم يومًا واحدًا. وأحمد والشيخان وأبو داود والترمذي عن أبي سعيد ومسلم وابن ماجه عن أبي هريرة: لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. وأحمد وأبو داود والترمذي عن ابن مسعود: لا يبلغني أحد عن أصحابي شيئًا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر. وأحمد عن أنس: دعوا لي أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد ذهبًا ما بلغتم أعمالهم. والدارقطني: من حفظني في أصحابي ورد علي الحوض ومن لم يحفظني في أصحابي لم يرد علي الحوض ولم يرني. والطبراني والحاكم عن عبد الله بن بسر: طوبى لمن رآني وآمن بي طوبى لمن رأى من رآني ولمن رأى من رأى من رآني وآمن بي طوبى لهم وحسن مآب. وعبد بن حميد عن أبي سعيد وابن عساكر عن واثلة: طوبى لمن رآني ولمن رأى من رأى من رآني. والطبراني عن ابن عمر: لعن الله من سب أصحابي. والترمذي والضياء عن بريدة: ما من أحد من أصحابي يموت بأرض إلا بعث قائدًا ونورًا لهم يوم القيامة. وأبو يعلى عن أنس: مثل أصحابي في أمتي مثل الملح في الطعام لا يصلح الطعام إلا بالملح. وأحمد ومسلم عن أبي موسى: النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أنا أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون. والترمذي والضياء عن جابر: لا تمس النار مسلمًا رآني أو رأى من رآني. والترمذي والحاكم خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم الحديث. والطبراني والحاكم عن جعدة بن هبيرة: خير الناس قرني الذي أنا فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم والآخرون أراذل. ومسلم عن أبي هريرة: خير أمتي القرن الذي بعثت فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، الحديث. والحكيم الترمذي عن أبي الدرداء: خير أمتي أولها وآخرها وفي وسطها الكدر. وأبو نعيم في الحلية مرسلا: خير هذه الأمة أولها وآخرها أولها فيهم رسول الله وآخرها فيهم عيسى ابن مريم وبين ذلك نهج أعوج ليسوا مني ولست منهم. والطبراني عن ابن مسعود: خير الناس قرني ثم الثاني ثم الثالث ثم يجيء قوم لا خير فيهم. وابن ماجه عن أنس: أمتي على خمس طبقات فأربعون سنة أهل بر وتقوى ثم الذين يلونهم إلى عشرين ومائة أهل تواصل وتراحم ثم الذين يلونهم إلى ستين ومائة أهل تدابر وتقاطع ثم الهرج والمرج النجا النجا. وله عنه أيضًا: كل طبقة أربعون فأما طبقتي وطبقة أصحابي فأهل علم وإيمان وأما الطبقة الثانية ما بين الأربعين إلى الثمانين فأهل بر وتقوى ثم ذكر نحوه. والحسن بن سفيان وابن مندة وأبو نعيم في المعرفة عن دارم التميمي: الطبقة الأولى أنا ومن معي أهل علم ويقين إلى الأربعين والطبقة الثانية أهل بر وتقوى إلى الثمانين والطبقة الثالثة أهل تراحم وتواصل إلى العشرين ومائة والطبقة الرابعة أهل تقاطع وتظالم إلى الستين ومائة والطبقة الخامسة أهل هرج ومرج إلى المائتين، ولابن عساكر مثله إلا أنه قال: فطبقتي وطبقة أصحابي أهل العلم والإيمان وقال بدل المرج الحروب.

وكفى فخرًا لهم أن الله تبارك وتعالى شهد لهم بأنهم خير الناس حيث قال تعالى { كنتم خير أمة أخرجت للناس } فإنهم أول داخل في هذا الخطاب كذلك شهد لهم رسول الله بقوله في الحديث المتفق على صحته ( خير القرون قرني ) ولا مقام أعظم من مقام قوم ارتضاهم الله عز وجل لصحبة نبيه ونصرته وقال تعالى { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم } الآية وقال تعالى { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه } فتأمل ذلك فإنك تنجو من قبيح ما اختلقته الرافضة عليهم مما هم بريئون منه كما سيأتي بسط ذلك وإيضاحه فالحذر الحذر من اعتقاد أدنى شائبة من شوائب النقص فيهم معاذ الله لم يختر الله لأكمل أنبيائه إلا أكمل من عداهم من بقية الأمم كما أعلمنا ذلك بقوله { كنتم خير أمة أخرجت للناس }. ومما يرشدك إلى أن ما نسبوه إليهم كذب مختلق عليهم أنهم لم ينقلوا شيئًا منه بإسناد عرفت رجاله ولا عدلت نقلته وإنما هو شيء من إفكهم وحمقهم وجهلهم وافترائهم على الله سبحانه وتعالى فإياك أن تدع الصحيح وتتبع السقيم ميلا إلى الهوى والعصبية. وسيتلى عليك عن علي كرم الله وجهه وعن أكابر أهل بيته من تعظيم الصحابة سيما الشيخان وعثمان وبقية العشرة المبشرين بالجنة ما فيه مقنع لمن الهم رشده. وكيف يسوغ لمن هو من العترة النبوية أو من المتمسكين بحبلهم أن يعدل عما تواتر عن إمامهم علي رضي الله عنه من قوله إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، وزعم الرافضة لعنهم الله أن ذلك تقية سيتكرر عليك رده وبيان بطلانه وأن ذلك أدى بعض الرافضة إلى أن كفر عليا قال لأنه أعان الكفار على كفرهم فقاتلهم الله ما أحمقهم وأجهلهم. وروى الطبراني وغيره عن علي رضي الله عنه: الله الله في أصحاب نبيكم فإنه أوصى بهم خيرًا

المقدمة الثانية

اعلم أيضًا أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين أجمعوا على أن نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوة واجب بل جعلوه أهم الواجبات حيث اشتغلوا به عن دفن رسول الله واختلافهم في التعيين لا يقدح في الإجماع المذكور ولتلك الأهمية لما توفي رسول الله قام أبو بكر رضي الله عنه خطيبًا كما سيأتي فقال أيها الناس من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ولا بد لهذا الأمر ممن يقوم به فانظروا وهاتوا آراءكم فقالوا صدقت ننظر فيه. ثم ذلك الوجوب عندنا معشر أهل السنة والجماعة وعند أكثر المعتزلة بالسمع أي من جهة التواتر والإجماع المذكور وقال كثير بالعقل ووجه ذلك الوجوب أنه أمر بإقامة الحدود وسد الثغور وتجهيز الجيوش للجهاد وحفظ بيضة الإسلام وما لا يتم الواجب المطلق إلا به وإن كان مقدورًا فهو واجب ولأن في نصبه جلب منافع لا تحصى ودفع مضار لا تستقصى وكل ما كان كذلك يكون واجبًا. أما الصغرى على ما في شرح المقاصد فتكاد تلحق بالضروريات بل بالمشاهدات بشهادة ما نراه من الفتن والفساد وانفصام أمور العباد بمجرد موت الإمام وإن لم يكن على ما ينبغي من الصلاح والسداد. وأما الكبرى فبالإجماع عندنا وبالضرورة عند من قال بالوجوب عقلا من المعتزلة كأبي الحسين والجاحظ والخياط والكعبي. وأما مخالفة الخوارج ونحوهم في الوجوب فلا يعتد بها لأن مخالفتهم كسائر المبتدعة لا تقدح في الإجماع ولا تخل بما يفيده من القطع بالحكم المجمع عليه ودعوى أن في نصبه ضررًا من حيث إن إلزام من هو مثله بامتثال أوامره فيه إضرار به فيؤدي إلى الفتنة ومن حيث إنه غير معصوم من نحو الكفر والفسوق فإن لم يعتزل أضر بالناس وإن عزل أدى إلى محاربته وفيها ضرر أي ضرر باطلة لا ينظر إليها لأن الإضرار اللازم من ترك نصبه أعظم وأقبح بل لا نسبة بينهما ودفع الضرر الأعظم عند التعارض واجب وفرض انتظام حال الناس بدون إمام محال عادة كما هو مشاهد

المقدمة الثالثة

الإمامة تثبت إما بنص من الإمام على استخلاف واحد من أهلها وإما بعقدها من أهل الحل والعقد لمن عقدت له من أهلها كما سيأتي بيان ذلك في الأبواب وإما بغير ذلك كما هو مبين في محله من كتب الفقهاء وغيرهم. واعلم أنه يجوز نصب المفضول مع وجود من هو أفضل منه لإجماع العلماء بعد الخلفاء الراشدين على إمامة بعض من قريش مع وجود أفضل منهم ولأن عمر رضي الله عنه جعل الخلافة بين ستة من العشرة منهم عثمان وعلي رضي الله تعالى عنهما وهما أفضل أهل زمانهما بعد عمر فلو تعين الأفضل لعين عمر عثمان فدل عدم تعيينه أنه يجوز نصب غير عثمان وعلي مع وجودهما. والمعنى في ذلك أن غير الأفضل قد يكون أقدر منه على القيام بمصالح الدين وأعرف بتدبير الملك وأوفق لانتظام حال الرعية وأوثق في اندفاع الفتنة واشتراط العصمة في الإمام وكونه هاشميًا وظهور معجزة على يديه يعلم بها صدقه من خرافات نحو الشيعة وجهالاتهم لما سيأتي بيانه وإيضاحه من حقية خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم مع انتفاء ذلك فيهم. ومن جهالاتهم أيضًا قولهم إن غير المعصوم يسمى ظالمًا فيتناوله قوله تعالى { لا ينال عهدي الظالمين }. وليس كما زعموا إذ الظالم لغة من يضع الشيء في غير محله وشرعًا العاصي وغير المعصوم قد يكون محفوظًا فلا يصدر عنه ذنب أو يصدر عنه ويتوب منه حالا توبة نصوحًا فالآية لا تتناوله وإنما تتناول العاصي على أن العهد في الآية كما يحتمل أن يراد به الإمامة العظمى يحتمل أيضًا أن المراد به النبوة أو الإمامة في الدين أو نحوهما من مراتب الكمال وهذه الجهالة منهم إنما اخترعوها ليبنوا عليها بطلان خلافة غير علي وسيأتي ما يرد عليهم ويبين عنادهم وجهلهم وضلالهم نعوذ بالله من الفتن والمحن آمين

الباب الأول في بيان كيفية خلافة الصديق رضي الله عنه والاستدلال على حقيتها بالأدلة النقلية والعقلية وما يتبع ذلك

وفيه فصول

الفصل الأول في بيان كيفيتها

روى الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب بعد القرآن بإجماع من يعتد به أن عمر رضي الله عنه خطب الناس مرجعه من الحج فقال في خطبته قد بلغني أن قائلا منكم يقول لو مات عمر بايعت فلانا فلا يغترن امرؤ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة ألا وإنها كذلك إلا أن الله وقى شرها وليس فيكم اليوم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر وإنه كان من خيارنا حين توفي رسول الله إن عليًا والزبير ومن معهما تخلفوا في بيت فاطمة وتخلفت الأنصار عنا بأجمعها في سقيفة بني ساعدة واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت له يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار فانطلقنا نؤمهم أي نقصدهم حتى لقينا رجلان صالحان فذكرا لنا الذي صنع القوم قالا أين تريدون يا معشر المهاجرين فقلنا نريد إخواننا من الأنصار فقالا لا عليكم أن لا تقربوهم واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين فقلت والله لنأتينهم فانطلقا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا هم مجتمعون فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت من هذا قالوا سعد بن عبادة فقلت ما له قالوا وجع فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله وقال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا وقد دفت دافة منكم أي دب قوم منكم بالاستعلاء والترفع علينا تريدون أن تخذلونا من أصلنا وتحضنونا من الأمر أي تنحونا منه وتستبدون به دوننا فلما سكت أردت أن أتكلم وقد كنت زورت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها بين يدي أبي بكر وقد كنت أداري منه بعض الحد وهو كان أحلم مني وأوقر فقال أبو بكر على رسلك فكرهت أن أغضبه وكان أعلم مني والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته وأفضل حتى سكت فقال أما بعد فما ذكرتم من خير فأنتم أهله ولم تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبًا ودارًا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح فلم أكره ما قال غيرها ولأن والله أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر فقال قائل من الأنصار أي هو الحُباب بمهملة مضمومة فموحدة ابن المنذر أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب أي أنا الذي يشتفى برأيي وتدبيري وأمنع بجلدتي ولحمتي كل نائبة تنوبهم كما دل على ذلك ما في كلامه من الاستعارة بالكناية المخيل لها بذكر ما يلائم المشبه به إذ موضوع الجذيل المحكك وهو بجيم فمعجمة تصغير جذل عود ينصب في العطن لتحتك به الإبل الجرباء والتصغير للتعظيم والعذق بفتح العين النخلة بحملها فاستعارها لما ذكرناه والمرجب بالجيم وغلط من قال بالحاء من قولهم نخلة رجبية وترجيبها ضم أعذاقها إلى سعفاتها وشدها بالخوص لئلا ينفضها الريح أو يصل إليها آكل منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش وكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى خشيت الاختلاف فقلت ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته ثم بايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار أما والله ما وجدنا فيما حضرنا أمرًا هو أوفق من مبايعة أبي بكر خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة فإما أن نبايعهم على ما لا نرضى وإما أن نخالفهم فيكون فيه فساد. وفي رواية أن أبا بكر احتج على الأنصار بخبر الأئمة من قريش وهو /حديث صحيح /ورد من طرق عن نحو أربعين صحابيًا. وأخرج النسائي وأبو يعلى والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال لما قبض رسول الله قالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير فأتاهم عمر بن الخطاب فقال يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس وأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر فقال الأنصار نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر. وأخرج ابن سعد والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري أنهم لما اجتمعوا بالسقيفة بدار سعد بن عبادة وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما قام خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول يا معشر المهاجرين إن رسول الله كان إذا استعمل الرجل منكم يقرن معه رجلا منا فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان منا ومنكم فتتابعت خطباؤهم على ذلك فقام زيد بن ثابت فقال أتعلمون أن رسول الله كان من المهاجرين وخليفته من المهاجرين ونحن كنا أنصار رسول الله فنحن أنصار خليفته كما كنا أنصاره ثم أخذ بيد أبي بكر فقال هذا صاحبكم فبايعه عمر ثم بايعه المهاجرون والأنصار وصعد أبو بكر المنبر ونظر في وجوه القوم فلم ير الزبير فدعا به فجاء فقال قلت ابن عمة رسول الله وحواريه أردت أن تشق عصا المسلمين فقال لا تثريب يا خليفة رسول الله فقام فبايعه ثم نظر في وجوه القوم فلم ير عليًا فدعا به فجاء فقال قلت ابن عم رسول الله وختنه على بنته أردت أن تشق عصا المسلمين فقال لا تثريب يا خليفة رسول الله فبايعه. وروى ابن إسحاق عن أنس أنه لما بويع في السقيفة جلس الغد على المنبر فقام عمر فتكلم قبله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله وثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ما هو أهله ثم قال أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله تعالى لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله. وأخرج موسى بن عقبة في مغازية والحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال خطب أبو بكر رضي الله عنه فقال والله ما كنت حريصا على الإمارة يوما ولا ليلة قط ولا كنت راغبًا فيها ولا سألتها الله في سر ولا علانية ولكني أشفقت من الفتنة ومالي في الإمارة من راحة لقد قلدت أمرًا عظيمًا ما لي به من طاقة ولا يد إلا بتقوية الله فقال علي والزبير ما غضبنا إلا لأنا أخرنا عن المشورة وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها إنه لصاحب الغار وإنا لنعرف شرفه وخيره ولقد أمره رسول الله بالصلاة بالناس وهو حي. وأخرج ابن سعد عن إبراهيم التيمي أن عمر أتى أبا عبيدة أولا ليبايعه وقال إنك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله فقال له ما رأيت لك فهة أي ضعف رأي قبلها منذ أسلمت أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين. وأخرج أيضًا أن أبا بكر قال لعمر ابسط يدك لأبايعك فقال له أنت أفضل مني فأجابه بأنت أقوى مني ثم كرر ذلك فقال عمر فإن قوتي لك مع فضلك فبايعه. وأخرج أحمد أن أبا بكر لما خطب يوم السقيفة لم يترك شيئًا أنزل في الأنصار وذكره رسول الله في شأنهم إلا ذكره وقال لقد علمتم أن رسول الله قال ( لو سلك الناس واديًا وسلكت الأنصار واديًا لسلكت وادي الأنصار ) ولقد علمت يا سعد أن رسول الله قال وأنت قاعد قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم فقال له سعد صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء. ويؤخذ منه ضعف ما حكاه ابن عبد البر أن سعدًا أبى أن يبايع أبا بكر حتى لقي الله. وأخرج أحمد عن أ بي بكر أنه اعتذر عن قبوله البيعة خشية فتنة يكون بعدها ردة وفي رواية عند ابن إسحاق وغيره أن سائله قال له ما حملك على أن تلي أمر الناس وقد نهيتني أن أتأمر على اثنين فقال لم أجد من ذلك بدًا خشيت على أمة محمد الفرقة. وأخرج أحمد أنه بعد شهر نادى في الناس الصلاة جامعة وهي أول صلاة نادى لها بذلك ثم خطب فقال أيها الناس وددت أن هذا كفانيه غيري ولئن أخذتموني بسنة نبيكم ما أطيقها إنه كان لمعصومًا من الشيطان وإنه كان لينزل عليه الوحي من السماء. وفي رواية لابن سعد أما بعد فإني قد وليت هذا الأمر وأنا له كاره ووالله لوددت أن بعضكم كفانيه ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله لم أقم به كان رسول الله عبدًا أكرمه الله بالوحي وعصمه به ألا وإنما أنا بشر ولست بخير من أحدكم فراعوني فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني وإذا رأيتموني زغت فقوموني واعلموا أن لي شيطانًا يعتريني فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم. وفي أخرى لابن سعد والخطيب أنه قال: أما بعد فإني قد وليت أمركم ولست بخيركم ولكنه نزل القرآن وسن النبي السنن فعلمنا فاعلموا أيها الناس أن أكيس الكيس التقى وأعجز العجز الفجور وأن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه وأن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع فإذا أحسنت فأعينوني وإذا أنا زغت فقوموني. قال مالك لا يكون أحد إمامًا أبدًا إلا على هذا الشرط. وأخرج الحاكم أن أبا قحافة لما سمع بولاية ابنه قال هل رضي بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة قالوا نعم قال لا واضع لما رفعت ولا رافع لما وضعت. وأخرج الواقدي من طرق أنه بويع يوم مات رسول الله. والطبراني عن ابن عمر أنه لم يجلس مجلس النبي من المنبر ولا جلس عمر مجلس أبي بكر ولا جلس عثمان مجلس عمر

الفصل الثاني في بيان انعقاد الإجماع على ولايته رضي الله عنه

تنبيه قد علم مما قدمناه أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على ذلك وأن ما حكي من تخلف سعد بن عبادة عن البيعة مردود. ومما يصرح بذلك أيضًا ما أخرجه الحاكم وصححه عن ابن مسعود قال ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيء. وقد رأى الصحابة جميعًا أن يستخلف أبو بكر فانظر إلى ما صح عن ابن مسعود وهو من أكابر الصحابة وفقهائهم ومتقدميهم من حكاية الإجماع من الصحابة جميعًا على خلافة أبي بكر ولذلك كان هو الأحق بالخلافة عند جميع أهل السنة وا لجماعة في كل عصر منا إلى الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وكذلك عند جميع المعتزلة وأكثر الفرق وإجماعهم على خلافته قاض بإجماعهم على أنه أهل لها مع أنها من الظهور بحيث لا تخفى. فلا يقال إنها واقعة يحتمل أنها لم تبلغ بعضهم ولو بلغت الكل لربما أظهر بعضهم خلافًا على أن هذا إنما يتوهم أن لو لم يصح عن بعض الصحابة المشاهدين لذلك الأمر من أوله إلى آخره حكاية الإجماع وأما بعد أن صح عن مثل ابن مسعود حكاية إجماعهم كلهم فلا يتوهم ذلك أصلا سيما وعلي كرم الله وجهه ممن حكى الإجماع على ذلك أيضًا كما سيأتي عند أنه ما قدم البصرة سئل عن مسيره هل هو بعهد من النبي فذكر مبايعته هو وبقية الصحابة لأبي بكر وأنه لم يختلف عليه منهم اثنان. وأخرج البيهقي عن الزعفراني قال سمعت الشافعي يقول أجمع الناس على خلافة أبي بكر رضي الله عنه وذلك أنه اضطراب الناس بعد رسول الله فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرًا من أبي بكر فولوه رقابهم. وأخرج أسد السنة عن معاوية بن قرة قال ما كان أصحاب رسول الله يشكون أن أبا بكر خليفة رسول الله وما كانوا يسمونه إلا خليفة رسول الله وما كانوا يجتمعون على خطأ ولا ضلالة. وأيضًا فالأمة أجمعت على حقية إمامة أحد الثلاثة أبي بكر وعلي والعباس رضي الله عنهم ثم إنهما لم ينازعاه بل بايعاه فتم بذلك الإجماع له على إمامته دونهما إذ لو لم يكن على حق لنازعاه كما نازع علي معاوية مع قوة شوكة معاوية عدة وعددًا على شوكة أبي بكر فإذا لم يبال علي بها ونازعه فكانت منازعته لأبي بكر أولى وأحرى فحيث لم ينازعه دل على اعترافه بحقية خلافته ولقد سأله العباس في أن يبايعه فلم يقبل ولو علم نصًا عليه لقبل سيما ومعه الزبير مع شجاعته وبنو هاشم وغيرهم. ومر أن الأنصار كرهوا بيعة أبي بكر وقالوا منا أمير ومنكم أمير فدفعهم أبو بكر بخبر الأئمة من قريش فانقادوا له وأطاعوه وعلي أقوى منهم شوكة وعدة وعددًا وشجاعة فلو كان معه نص لكان أحرى بالمنازعة وأحق بالإجابة ولا يقدح في حكاية الإجماع تأخر علي والزبير والعباس وطلحة مدة لأمور منها أنهم رأوا أن الأمر تم بمن تيسر حضوره حينئذ من أهل الحل والعقد ومنها أنهم لما جاءوا وبايعوا اعتذروا كما مر عن الأولين من طرق بأنهم أخروا عن المشورة مع أن لهم فيها حقًا لا للقدح في خلافة الصديق هذا مع الاحتياج في هذا الأمر لخطره إلى الشورى التامة ولهذا مر عن عمر بسند صحيح أن تلك البيعة كانت فلتة ولكن وقى الله شرها. ويوافق ما مر عن الأولين من الاعتذار ما أخرجه الدراقطني من طرق كثيرة أنهما قالا عند مبايعتهما لأبي بكر إلا أنا أخرنا عن المشورة وإنا لنرى أن أبا بكر أحق الناس بها إنه لصاحب الغار وثاني اثنين وإنا لنعرف له شرفه وخيره وفي آخرها أنه اعتذر إليهم فقال والله ما كنت حريصًا على الإمارة يومًا قط ولا ليلة ولا كنت فيها راغبًا ولا سألتها الله عز وجل في سر ولا علانية ولكني أشفقت من الفتنة وما لي في الإمارة من راحة ولقد قلدت أمرًا عظيمًا إلى آخر ما مر فقبلوا منه ذلك وما اعتذر به. وأخرج الدارقطني أيضًا عن عائشة أن عليًا بعث لأبي بكر رضي الله عنهما أن ائتنا فأتاهم أبو بكر رضي الله تعالى عنه وقد اجتمعت بنو هاشم إلى علي فخطب ومدح أبا بكر ثم اعتذر عن تخلفه عن البيعة بأنه كان له حق في المشاورة ولم يشاوروه فلما فرغ من خطبته خطب أبو بكر واعتذر بنحو ما تقدم ثم بعد ذلك بايعه علي في يومه فرأى المسلمون أنه قد أصاب وفي /الحديث المتفق على صحته / التصريح بهذه القصة بأبسط من هذا. روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن فاطمة رضي الله عنها أرسلت إلى أبي بكر رضي الله عنه تسأله عن ميراثها من النبي مما أفاء الله على رسوله من المدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر إن رسول الله قال ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال ) وإني والله لا أغير شيئًا من صدقة رسول الله عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله ولأعملن فيها بما عمل رسول الله فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئًا فوجدت فاطمة على أبي بكر ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن بايع تلك الأشهر فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتينا معك أحد كراهية ليحضر عمر فقال عمر لا والله ما تدخل عليهم وحدك فقال أبو بكر وما عسيتهم أن يفعلوا بي والله لآتينهم فدخل عليهم أبو بكر رضي الله عنه فتشهد علي فقال إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله ولم ننفس عليك خيرًا ساقه الله إليك ولكنك استبددت علينا الأمر وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله لنا نصيبا حتى فاضت عينا أبي بكر فلما تكلم أبو بكر قال والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله أحب إلي أن أصل من قرابتي وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فإني لم آل فيه عن الخير ولم أترك أمرًا رأيت رسول الله يصنعه فيها إلا صنعته فقال علي لأبي بكر موعدك العشية للبيعة فلما صلى أبو بكر الظهر رقى المنبر فتشهد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر إليهم ثم استغفر وتشهد علي فعظم حق أبي بكر وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ولا إنكارًا للذي فضله الله به ولكنا كنا نرى لنا في هذا الأمر أي المشورة كما يدل عليه بقية الروايات نصيبًا فاستبد علينا فوجدنا في أنفسنا فسر بذلك المسلمون وقالوا أصبت وكان المسلمون إلى علي قريبًا حين راجع الأمر بالمعروف. فتأمل عذره وقوله لم ننفس على أبي بكر خيرًا ساقه الله إليه وأنه لا ينكر ما فضله الله به وغير ذلك مما اشتمل عليه هذا الحديث تجده بريئًا مما نسبه إليه الرافضة ونحوهم فقاتلهم الله ما أجهلهم وأحمقهم. ثم هذا الحديث فيه التصريح بتأخر بيعة علي إلى موت فاطمة فينافي ما تقدم عن أبي سعيد أن عليًا والزبير بايعا من أول الأمر لكن هذا الذي مر عن أبي سعيد من تأخر بيعته هو الذي صححه ابن حبان وغيره. قال البيهقي وأما ما وقع في صحيح مسلم عن أبي سعيد من تأخر بيعته هو وغيره من بني هاشم إلى موت فاطمة رضي الله عنها فضعيف فإن الزهري لم يسنده وأيضًا فالرواية الأولى عن أبي سعيد هي الموصولة فتكون أصح. وعليه فبينه وبين خبر البخاري المار عن عائشة تناف لكن جمع بعضهم بأن عليًا بايع أولا ثم انقطع عن أبي بكر لما وقع بينه وبين فاطمة رضي الله عنها ما وقع في مخلفه ثم بعد موتها بايعه مبايعة أخرى فتوهم من ذلك بعض من لا يعرف باطن الأمر أن تخلفه إنما هو لعدم رضاه ببيعته فأطلق ذلك من أطلق ومن ثم أظهر علي مبايعته لأبي بكر ثانيًا بعد موتها على المنبر لإزالة هذه الشبهة على أنه سيأتي في الفصل الرابع من فضائل علي أنه لما أبطأ عن البيعة لقيه أبو بكر فقال له أكرهت إمارتي فقال لا ولكن آليت لا أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن فزعموا أنه كتبه على تنزيله. فانظر إلى هذا العذر الواضح منه رضي الله عنه تعلم مما قررناه إجماع الصحابة ومن بعدهم على حقية خلافة الصديق وأنه أهل لها وذلك كاف لو لم يرد نص عليه بل الإجماع أقوى من النصوص التي لم تتواتر لأن مفاده قطعي ومفادها ظني كما سيأتي. وحكى النووي بأسانيد صحيحة عن سفيان الثوري أن من قال إن عليًا كان أحق بالولاية فقد خطأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار وما أراه يرتفع له مع هذا عمل إلى السماء. وأخرج الدارقطني عن عمار بن ياسر نحوه

الفصل الثالث في النصوص السمعية الدالة على خلافته رضي الله عنه من القرآن والسنة

أما النصوص القرآنية

فمنها قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}. أخرج البيهقي عن الحسن البصري أنه قال هو والله أبو بكر لما ارتدت العرب جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتى ردهم إلى الإسلام. وأخرج يونس بن بكير عن قتادة قال لما توفي النبي ارتدت العرب فذكر قتال أبي بكر لهم إلى أن قال فكنا نتحدث أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وأصحابه ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ) وشرح هذه القصة ما أخرجه الذهبي أن وفاة النبي لما اشتهرت بالنواحي ارتد طوائف كثيرة من العرب عن الإسلام ومنعوا الزكاة فنهض أبو بكر لقتالهم فأشار عليه عمر وغيره أن يفتر عن قتالهم فقال والله لو منعوني عقالا أو عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها فقال عمر وكيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فمن قالها عصم مني ماله ودمه إلا بحقها وحسابه على الله ) فقال أبو بكر والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال وقد قال إلا بحقها قال عمر فوالله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق. وفي رواية أنه لما خرج أبو بكر لقتالهم وبلغ قريب نجد هربت الأعراب فكلمه الناس يؤمر عليهم رجلا ويرجع فأمّر خالدًا ورجع. وأخرج الدارقطني عن ابن عمر قال لما برز أبو بكر واستوى على راحلته أخذ علي بزمامها وقال إلى أين يا خليفة رسول الله أقول لك ما قال لك رسول الله يوم أحد شم سيفك ولا تفجعنا بنفسك وارجع إلى المدينة فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدًا. وبعث خالدًا إلى بني أسد وغطفان فقتل من قتل وأسر من أسر ورجع الباقون إلى الإسلام ثم إلى اليمامة إلى قتال مسيلمة الكذاب فالتقى الجمعان ودام الحصار أيامًا ثم قتل الكذاب لعنه الله قتله وحشي قاتل حمزة. ثم في السنة الثانية من خلافته بعث العلاء ابن الحضرمي إلى البحرين وكانوا قد ارتدوا فالتقوا بجواثا فنصر المسلمون وبعث عكرمة بن أبي جهل إلى عمان وكانوا قد ارتدوا وبعث المهاجر بن أمية إلى طائفة من المرتدين وزياد ابن لبيد الأنصاري إلى طائفة أخرى ومن ثم أخرج البيهقي وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال والله الذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف ما عبد الله ثم قال الثانية ثم قال الثالثة فقيل له مه يا أبا هريرة فقال إن رسول الله وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام فلما نزل بذي خشب قبض النبي وارتدت العرب حول المدينة واجتمع إليه أصحاب النبي فقالوا رد هؤلاء توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة فقال والذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج النبي ما رددت جيشًا وجهه رسول الله ولا حللت لواءً عقده، فوجه أسامة لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم فلقوهم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام. قال النووي في تهذيبه واستدل أصحابنا على عظم علم الصديق بقوله في الحديث السابق في الصحيحين والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى النبي لقاتلتهم على منعه واستدل الشيخ أبو إسحاق بهذا وغيره في طبقاته على أن أبا بكر أعلم الصحابة لأنهم كلهم وقفوا على فهم الحكم في المسألة إلا هو ثم ظهر لهم بمباحثته لهم أن قوله هو الصواب فرجعوا إليه. قال أعني النووي وروينا عن ابن عمر أنه سئل من كان يفتي الناس في زمن رسول الله فقال أبو بكر وعمر ما أعلم غيرهما لكن أخرج ابن سعد عن القاسم بن محمد قال كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي يفتون على عهد رسول الله. ثم استدل على أعلميته بالخبر الرابع من الأخبار الدالة على خلافته. وقال ابن كثير كان الصديق أقرأ الصحابة أي أعلمهم بالقرآن لأنه قدمه إمامًا للصلاة بالصحابة مع قوله ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ) وسيأتي خبر ( لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر ان يؤمهم غيره ) وكان مع ذلك أعلمهم بالسنة كلما رجع إليه الصحابة في غير موضع يبرز عليهم بنقل سنن عن النبي يحفظها ويستحضرها عند الحاجة إليها ليست عندهم وكيف لا يكون كذلك وقد واظب صحبة رسول الله من أول البعثة إلى الوفاة وهو مع ذلك من أزكى عباد الله وأفضلهم وإنما لم يرو عنه من الأحاديث إلا القليل لقصر مدته وسرعة وفاته بعد النبي وإلا فلو طالت مدته لكثر ذلك عنه جدًا ولم يترك الناقلون عنه حديثًا إلا نقلوه ولكن كان الذي في زمانه من الصحابة لا يحتاج أحد منهم أن ينقل عنه ما قد شاركه هو في روايته فكانوا ينقلون عنه ما ليس عندهم. وأخرج أبو القاسم البغوي عن ميمون بن مهران قال كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله في ذلك الأمر سنة قضى بها فإن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول الله قضى في ذلك بقضاء فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر عن رسول الله فيه قضاء فيقول أبو بكر الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله جمع رؤوس الناس وخيارهم واستشارهم فإن أجمع أمرهم على رأي قضى به وكان عمر يفعل ذلك فإن أعياه أن يجد في القرآن أو السنة نظر هل كان لأبي بكر فيه قضاء فإن وجد أبا بكر قد قضى فيه بقضاء قضى به وإلا دعا رؤوس المسلمين فإذا اجتمعوا على أمر قضى به. ومن الآيات الدالة على خلافته أيضًا قوله تعالى ( قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي باس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرًا حسنًا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابًا أليمًا ). أخرج ابن أبي حاتم عن جويبر أن هؤلاء القوم هم بنو حنيفة ومن ثم قال ابن أبي حاتم وابن قتيبة وغيرهما هذه الآية حجة على خلافة الصديق لأنه الذي دعا إلى قتالهم. قال الشيخ أبو الحسن الأشعري رحمه الله إمام أهل السنة سمعت الإمام أبا العباس بن سريج يقول خلافة الصديق في القرآن في هذه الآية قال لأن أهل العلم أجمعوا على أنه لم يكن بعد نزولها قتال دعوا إليه إلا دعاء أبي بكر لهم وللناس إلى قتال أهل الردة ومن منع الزكاة قال فدل ذلك على وجوب خلافة أبي بكر وافتراض طاعته إذ أخبر الله أن المتولي عن ذلك يعذب عذابًا أليمًا قال ابن كثير ومن فسر القوم بأنهم فارس والروم فالصديق هو الذي جهز الجيوش إليهم وتمام أمرهم كان على يد عمر وعثمان وهما فرعا الصديق. فإن قلت يمكن أن يراد بالداعي في الآية النبي أو علي رضي الله عنه. قلت لا يمكن ذلك مع قوله تعالى ( قل لن تتبعونا ) ومن ثم لم يدعوا إلى محاربة في حياته إجماعًا كما مر وأما علي فلم يتفق له في خلافته قتال لطلب الإسلام أصلا بل لطلب الإمامة ورعاية حقوقها وأما من بعده فهم عندنا ظلمة وعندهم كفار فتعين أن ذلك الداعي الذي يجب باتباعه الأجر الحسن وبعصيانه العذاب الأليم أحد الخلفاء الثلاثة وحينئذ فيلزم عليه حقية خلافة أبي بكر على كل تقدير لأن حقية خلافة الآخرين فرع عن حقية خلافته إذ هما فرعاها الناشئان عنها والمترتبان عليها. ومن تلك الآيات أيضًا قوله تعالى ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأ رض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنًا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا ). قال ابن كثير هذه الآية منطبقة على خلافة الصديق. وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن عبد الرحمن بن عبد الحميد المهري قال إن ولاية أبي بكر وعمر في كتاب الله يقول الله تعالى ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ) الآية ٣. ومنها قوله تعالى ( للفقراء المهاجرين ) إلى قوله ( أولئك هم الصادقون ). 1 وجه الدلالة أن الله تعالى سماهم صادقين ومن شهد له الله سبحانه وتعالى بالصدق لا يكذب فلزم أن ما أطبقوا عليه من قولهم لأبي بكر يا خليفة رسول الله صادقون فيه فحينئذ كانت الآية ناصة على خلافته أخرجه الخطيب عن أبي بكر بن عياش وهو استنباط حسن كما قاله ابن كثير. ومنها قوله تعالى ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ). قال الفخر الرازي هذه الآية تدل على إمامة أبي بكر رضي الله تعالى عنه لأنه ذكر أن تقدير الآية اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم والله تعالى قد بين في الآية الأخرى أن الذين أنعم عليهم من هم بقوله تعالى ( فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ) ولا شك أن رأس الصديقين ورئيسهم أبو بكر رضي الله عنه فكان معنى الآية أن الله تعالى أمر أن نطلب الهداية التي كان عليها أبو بكر وسائر الصديقين ولو كان أبو بكر رضي الله عنه ظالمًا لما جاز الاقتداء به فثبت بما ذكرناه دلالة هذه الآية على إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وأما النصوص الواردة عنه المصرحة بخلافته والمشيرة إليها فكثيرة جدًا

الأول أخرج الشيخان عن جبير بن مطعم قال أتت امرأة إلى النبي فأمرها أن ترجع إليه فقالت أرأيت إن جئت ولم أجدك كأنها تقول الموت قال ( إن لم تجديني فأت أبا بكر ). وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال جاءت امرأة إلى النبي تسأله شيئًا فقال لها ( تعودين ) فقالت يا رسول الله إن عدت فلم أجدك تعرض بالموت فقال ( إن جئت فلم تجديني فأت أبا بكر فإنه الخليفة من بعدي ).

الثاني أخرج أبو القاسم البغوي بسند حسن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله يقول ( يكون خلفي اثنا عشر خليفة أبو بكر لا يلبث إلا قليلا ) قال الأئمة صدر هذا الحديث مجمع على صحته وأورد من طرق عدة أخرجه الشيخان وغيرهما فمن تلك الطرق لا يزال هذا الأمر عزيزًا ينصرون على من ناوأهم عليه إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش ) رواه عبد الله بن أحمد بسند صحيح. ومنها لا يزال هذا الأمر صالحًا. ومنها لا يزال هذا الأمر ماضيًا رواهما أحمد. ومنها لا يزال أمر الناس ماضيًا ما وليهم اثنا عشر رجلا. ومنها إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة. ومنها لا يزال الإسلام عزيزًا منيعًا إلى اثني عشر خليفة رواها مسلم. ومنها للبزار لا يزال أمر أمتي قائمًا حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش زاد أبو داود فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا ثم يكون ماذا قال ثم يكون الهرج. ومنها لأبي داود لا يزال هذا الدين قائمًا حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة. وعن ابن مسعود بسند حسن أنه سئل كم يملك هذه الأمة من خليفة فقال سألنا عنها رسول الله فقال ( اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل ). قال القاضي عياض لعل المراد بالاثني عشر في هذه الأحاديث وما شابهها أنهم يكونون في مدة عزة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والإجماع على من يقوم بالخلافة وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أمية ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد فاتصلت تلك الفتن بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوا أمرهم. قال شيخ الإسلام في فتح الباري كلام القاضي هذا أحسن ما قيل في هذا الحديث وأرجحه لتأييده بقوله في بعض طرقه الصحيحة كلهم يجتمع عليه الناس والمراد باجتماعهم انقيادهم لبيعته والذي اجتمعوا عليه الخلفاء الثلاثة ثم علي إلى أن وقع أمر الحكمين في صفين فتسمى معاوية يومئذ بالخلافة ثم اجتمعوا عليه عند صلح الحسن ثم على ولده يزيد ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ثم لما مات يزيد اختلفوا إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بعد قتل ابن الزبير ثم على أولاده الأربعة الوليد فسليمان فيزيد فهشام وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين والثاني عشر الوليد ابن يزيد بن عبد الملك اجتمعوا عليه لما مات عمه هشام فولي نحو أربع سنين ثم قاموا عليه فقتلوه وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك لوقوع الفتن بين من بقي من بني أم ية ولخروج المغرب الأقصى عن العباسيين بتغلب المروانيين على الأندلس إلى أن تسموا بالخلافة وانفرط الأمر إلى أن لم يبق في الخلافة إلا الاسم بعد أن كان يخطب لعبد الملك في جميع أقطار الأرض شرقًا وغربًا يمينًا وشمالا مما غلب عليه المسلمون ولا يتولى أحد في بلد إمارة في شيء إلا بأمر الخليفة. وقيل المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة الإسلام إلى القيامة يعملون بالحق وإن لم يتوالوا ويؤيده قول أبي الجلد كلهم يعمل بالهدى ودين الحق منهم رجلان من أهل بيت محمد فعليه المراد بالهرج الفتن الكبار كالدجال وما بعده وبالاثني عشر الخلفاء الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز قيل ويحتمل أن يضم إليهم المهدي العباسي لأنه في العباسيين كعمر بن عبد العزيز في الأمويين والطاهر العباسي أيضًا لما أوتيه من العدل ويبقى الاثنان المنتظران أحدهما المهدي لأنه من آل بيت محمد. وحمل بعض المحدثين الحديث السابق على ما يأتي بعد المهدي لرواية ثم يلي الأمر بعده اثنا عشر رجلا ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسين وآخر من غيرهم لكن سيأتي في الكلام على الآية الثانية عشرة من فضائل أهل البيت أن هذه الرواية واهية جدًا فلا يعول عليها.

الثالث أخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه والحاكم وصححه عن حذيفة قال قال رسول الله ( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ) وأخرجه الطبراني من حديث أبي الدرداء والحاكم من حديث ابن مسعود. وروى أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن حذيفة إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر وتمسكوا بهدي عمار وما حدثكم ابن مسعود فصدقوا. والترمذي عن ابن مسعود والروياني عن حذيفة وابن عدي عن أنس اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن مسعود.

الرابع أخرج الشيخان عن أبي سعيد الخدري قال خطب رسول الله الناس وقال ( إن الله تبارك وتعالى خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله ) فبكى أبو بكر وقال بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد خيره الله فكان رسول الله هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا فقال رسول الله إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر ولو كنت متخذًا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقين باب إلا سد إلا باب أبي بكر. وفي لفظ لهما لا يبقين في المسجد غير خوخة إلا خوخة أبي بكر. وفي آخر لعبد الله بن أحمد أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار سدوا كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر. وفي آخر للبخاري ليس في الناس أحد أمن علي في نفسي ومالي من أبي بكر بن أبي قحافة ولو كنت متخذًا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن خلة الإسلام أفضل سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر. وفي آخر لابن عدي سدوا هذه الأبواب الشارعة في المسجد إلا باب أبي بكر وطرقه كثيرة منها عن حذيفة وأنس وعائشة وابن عباس ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهم. قال العلماء في هذه الأحاديث إشارة إلى خلافة الصديق رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه لأن الخليفة يحتاج إلى القرب من المسجد لشدة احتياج الناس إلى ملازمته له للصلاة بهم وغيرها.

الخامس أخرج الحاكم وصححه عن أنس قال بعثني بنو المصطلق إلى رسول الله أن سله إلى من ندفع صدقاتنا بعدك فأتيته فسألته فقال إلى أبي بكر ومن لازم دفع الصدقة إليه كونه خليفة إذ هو المتولي قبض الصدقات.

السادس أخرج مسلم عن عائشة قالت قال لي رسول في مرضه الذي مات فيه ( ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابًا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ). وأخرجه أحمد وغيره من طرق عنها وفي بعضها قال لي رسول الله في مرضه الذي مات فيه ادعي لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب لأبي بكر كتابًا لا يختلف عليه أحد ثم قال دعيه معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر. وفي رواية عن عبد الله بن أحمد أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر.

السابع أخرج الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال مرض النبي فاشتد مرضه فقال ( مروا أبا بكر فليصل بالناس ) قالت عائشة يا رسول الله إنه رجل رقيق القلب إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس فقال ( مري أبا بكر فليصل بالناس ) فعادت فقال ( مري أبا بكر فليصل بالناس فإنكن صواحب يوسف ) فأتاه الرسول فصلى بالناس في حياة رسول الله. وفي رواية أنها لما راجعته فلم يرجع لها قالت لحفصة قولي له يأمر عمر فقالت له فأبى حتى غضب وقال ( أنتن أو إنكن أو لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر ).

اعلم أن هذا الحديث متواتر فإنه ورد من حديث عائشة وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن زمعة وأبي سعيد وعلي بن أبي طالب وحفصة وفي بعض طرقه عن عائشة لقد راجعت رسول الله في ذلك وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدًا ولا كنت أرى أنه لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به فأردت أن يعدل ذلك رسول الله عن أبي بكر. وفي حديث ابن زمعة أن رسول الله بالصلاة وكان أبو بكر غائبا فتقدم عمر فصلى فقال رسول الله لا لا يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر فيصلي بالناس أبو بكر. وفي رواية عنه أنه قال له ( أخرج وقل لأبي بكر يصلي بالناس ) فخرج فلم يجد على الباب إلا عمر في جماعة ليس فيهم أبو بكر فقال يا عمر صل بالناس فلما كبر وكان صيتًا وسمع صوته قال ( يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر ) وفي حديث ابن عمر كبر عمر فسمع رسول الله تكبيره فأطلع رأسه مغضبًا فقال ( أين ابن أبي قحافة ). قال العلماء في هذا الحديث أوضح دلالة على أن الصديق أفضل الصحابة على الإطلاق وأحقهم بالخلافة وأولاهم بالإمامة. قال الأشعري قد علم بالضرورة أن رسول الله أمر الصديق أن يصلي بالناس مع حضور المهاجرين والأنصار مع قوله ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ) فدل على أنه كان أقرأهم أي أعلمهم بالقرآن انتهى. وقد استدل الصحابة أنفسهم بهذا على أنه أحق بالخلافة منهم عمر ومر كلامه في فصل المبايعة ومنهم علي فقد أخرج ابن عساكر عنه لقد أمر النبي أبا بكر أن يصلي بالناس وإني لشاهد وما أنا بغائب وما بي مرض فرضينا لدنيانا ما رضيه النبي لديننا. قال العلماء وقد كان معروفًا بأهلية الإمامة في زمان النبي. وأخرج أحمد وأبو داود وغيرهما عن سهل بن سعد قال كان قتال بين بني عمرو وبني عوف فبلغ النبي فأتاهم بعد الظهر ليصلح بينهم فقال ( يا بلال إن حضرت الصلاة ولم آت فمر أبا بكر فليصل بالناس ) فلما حضرت صلاة العصر أقام بلال الصلاة ثم أمر أبا بكر فصلى. ووجه ما تقرر من أن الأمر بتقديمه للصلاة كما ذكر فيه الإشارة أو التصريح بأحقيته بالخلافة إذ القصد الذاتي من نصب الإمام العالم إقامة شعائر الدين على الوجه المأمور به من أداء الواجبات وترك المحرمات وإحياء السنن وإماتة البدع وأما الأمور الدنيوية وتدبيرها كاستيفاء الأموال من وجوهها وإيصالها لمستحقها ودفع الظلم ونحو ذلك فليس مقصودًا بالذات بل ليتفرغ الناس لأمور دينهم إذ لا يتم تفرغهم له إلا إذا انتظمت أمور معاشهم بنحو الأمن على الأنفس والأموال ووصول كل ذي حق إلى حقه فلذلك رضي النبي لأمر الدين وهو الإمامة العظمى أبا بكر بتقديمه للإمامة في الصلاة كما ذكرنا ومن ثم أجمعوا على ذلك كما مر. وأخرج ابن عدي عن أبي بكر بن عياش قال قال لي الرشيد يا أبا بكر كيف استخلف الناس أبا بكر الصديق رضي الله عنه قلت يا أمير المؤمنين سكت الله وسكت رسوله وسكت المؤمنون قال والله ما زدتني إلا عماء قلت يا أمير المؤمنين مرض النبي ثمانية أيام فدخل عليه بلال فقال يا رسول الله من يصلي بالناس قال ( مر أبا بكر فل يصل بالناس ) فصلى أبو بكر بالناس ثمانية أيام والوحي ينزل عليه فسكت رسول الله لسكوت الله وسكت المؤمنون لسكوت رسول الله فأعجبه فقال بارك الله فيك.

الثامن أخرج ابن حبان عن سفينة لما بنى رسول الله المسجد وضع في البناء حجرًا وقال لأبي بكر ( ضع حجرك إلى جنب حجري ) ثم قال لعمر ( ضع حجرك إلى جنب حجر أبي بكر ) ثم قال لعثمان ( ضع حجرك إلى جنب حجر عمر ) ثم قال ( هؤلاء الخلفاء بعدي ) قال أبو زرعة إسناده لا بأس به وقد أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه والبيهقي في الدلائل وغيرهما وقوله لعثمان ما ذكر يرد على من زعم أن هذا إش ارة إلى قبورهم على أن قوله آخر الحديث هؤلاء الخلفاء بعدي صريح فيما أفاده الترتيب الأول أن المراد به ترتيب الخلافة.

التاسع أخرج الشيخان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي قال ( رأيت كأني أنزع بدلو بكرة بسكون الكاف على قليب أي بئر لم تطو فجاء أبو بكر فنزع ذنوبًا أي بفتح المعجمة دلوًا ممتلئة ماء أو قريبة من ملئه أو ذنوبين نزعًا ضعيفًا والله يغفر له ثم جاء عمر فاستقى فاستحالت غربًا أي دلوًا عظيمًا فلم أر عبقريًا أي رجلا قويًا شديدًا من الناس يفري فريه أي يعمل عمله حتى روي الناس وضربوا بعطن ) والعطن ما تناخ فيه الإبل إذا رويت. وفي رواية لهما بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع ذنوبًا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له ضعفه ثم استحالت غربًا فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقريًا من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن. وفي أخرى لهما بينا أنا على بئر أنزع منها إذ جاءني أبو بكر وعمر فأخذ أبو بكر الدلو فنزع ذنوبًا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف يغفر الله له ضعفه ثم أخذ ابن الخطاب من يد أبي بكر فاستحالت في يده غربًا فلم أر عبقريًا من الناس يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن وفي رواية فلم يزل ينزع حتى تولى الناس والحوض يتفجر وفي رواية فأتاني أبو بكر فأخذ الدلو من يدي ليريحني وفي رواية رأيت الناس اجتمعوا فقام أبو بكر فنزع ذنوبًا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف إلى آخره. قال النووي في تهذيبه قال العلماء هذا إشارة إلى خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وكثرة الفتوح وظهور الإسلام في زمن عمر. وقال في غيره هذا المنام مثال لما جرى للخليفتين من ظهور آثارهما الصالحة وانتفاع الناس بهما وكل ذلك مأخوذ من النبي لأنه صاحب الأمر فقام به أكمل مقام وقرر قواعد الدين ثم خلفه أبو بكر فقاتل أهل الردة وقطع دابرهم ثم خلفه عمر فاتسع الإسلام في زمنه فشبه أمر المسلمين بقليب فيه الماء الذي فيه حياتهم وصلاحهم وأميرهم بالمستسقي منها لهم وفي قوله ( أخذ أي أبو بكر الدلو من يدي ليريحني ) إشارة إلى خلافة أبي بكر بعد موته لأن الموت راحة من كد الدنيا وتعبها فقام أبو بكر بتدبير أمر الأمة ومعاناة أحوالهم وأما قوله ( وفي نزعه ضعف ) فهو إخبار عن حاله في قصر مدة ولايته وأما ولاية عمر فإنها لما طالت كثر انتفاع الناس بها واتسعت دائرة الإسلام بكثرة الفتوح وتمصير الأمصار وتدوين الدواوين وليس في قوله ( ويغفر الله له ) نقص ولا إشارة إلى أنه وقع في ذنب وإنما هي كلمة كانوا يقولونها عند الاعتناء بالأمر. وأخرج أحمد وأبو داود عن سمرة بن جندب أن رجلا قال يا رسول الله رأيت كأن دلوًا دلي من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بها فشرب شربًا ضعيفًا ثم جاء عمر فأخذ بها وشرب حتى تضلع ثم جاء عثم ان فأخذ بها فشرب حتى تضلع ثم جاء علي فانتشطت أي اجتذبت ورفعت وانتضح عليه منها شيء.

العاشر أخرج أبو بكر الشافعي في الغيلانيات وابن عساكر عن حفصة أنها قالت لرسول الله إذا أنت ترمت قدمت أبا بكر قال ( لست أنا أقدمه ولكن الله قدمه ).

الحادي عشر أخرج أحمد عن سفينة وأخرجه أيضًا أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره قال سمعت النبي يقول ( الخلافة ثلاثون عامًا ثم يكون بعد ذلك الملك ). وفي رواية الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكًا عضوضًا أي يصيب الرعية فيه عنف وظلم كأنهم يعضون فيه عضًا. قال العلماء لم يكن في الثلاثين بعده إلا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن ووجه الدلالة منه أنه حكم بحقية الخلافة عنه في أمر الدين هذه المدة دون ما بعدها وحينئذ فيكون هذا دليلا واضحًا في حقية خلافة كل من الخلفاء الأربعة. وقيل لسعيد بن جمهان إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم فقال كذب بنو الزرقاء بل هم ملوك من شر الملوك. فإن قلت ينافي هذا خبر الاثني عشر خليفة السابق. قلت لا ينافيه لأن أل هنا للكمال فيكون المراد هنا الخلافة الكاملة ثلاثون سنة وهي منحصرة في الخلفاء الأربعة والحسن لأن مدته هي المكملة للثلاثين والمراد ثم مطلق الخلافة التي فيه اكمال وغيره لما مر أن من جملتهم نحو يزيد بن معاوية وعلى القول الثاني السابق ثم فليس الخلفاء المذكورون على هذا القول حاوين من الكمال ما حواه الخمسة.

الثاني عشر أخرج الدارقطني والخطيب وابن عساكر عن علي قال قال لي رسول الله ( سألت الله أن يقدمك ثلاثًا فأبى علي إلا تقديم أبي بكر ).

الثالث عشر أخرج ابن سعد عن الحسن قال قال أبو بكر يا رسول الله ما أزال أراني أطأ في عذرات الناس قال ( لتكونن من الناس بسبيل ) قال ورأيت في صدري كالرقمتين قال ( سنتين ).

الرابع عشر أخرج البزار بسند حسن عن أبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة أنه قال قال رسول الله ( إن أول دينكم بدء بنبوة ورحمة ثم يكون خلافة ورحمة ثم يكون ملكًا وجبرية ) وجه الدلالة منه أنه اثبت لخلافة أبي بكر أنها خلافة ورحمة إذ هي التي وليت مدة النبوة والرحمة وحينئذ فيلزم حقيتها ويلزم من حقيتها حقية خلافة بقية الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم. وأخرج ابن عساكر عن أبي بكرة قال أتيت عمر وبين يديه قوم يأكلون فرمى ببصره في مؤخر القوم إلى رجل فقال ما تجد فيما يقرأ قبلك من الكتب قال خليفة النبي صديقه. وأخرج ابن عساكر عن محمد بن الزبير قال أرسلني عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري أسأله عن أشياء فجئته فقلت له أشفني فيما اختلف فيه الناس هل كان رسول الله استخلف أبا بكر فاستوى الحسن قاعدًا فقال أو في شك هو لا أبا لك أي والله الذي لا إله إلا هو لقد استخلفه ولهو كان أعلم بالله وأتقى له وأشهد له مخافة من أن يموت عليها لو لم يؤمره

الخامس عشر أخرج البزار عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله لما اشتد به وجعه قال ( ائتوني بداوة وكتف أو قرطاس أكتب لأبي بكر كتابًا أن لا يختلف الناس عليه ) ثم قال ( معاذ الله أن يختلف الناس على أبي بكر ). فهذا نص صريح كما قاله بعض المحققين على خلافة أبي بكر وأنه إنما ترك معولا كتابه على أنه لا يقع إلا كذلك وبهذا يبطل قول من ظن أنه إنما أراد أن يكتب كتابًا بزيادة أحكام خشي عمر عجز الناس عنها بل الصواب أنه إنما أراد أن يكتب في ذلك الكتاب النص على خلافة أبي بكر لكن لما تنازعوا واشتد مرضه عدل عن ذلك معولا على ما هو الأصل في ذلك من استخلافه على الصلاة. وفي مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنه قال ( ادعي لي أباك وأخاك أكتب كتابًا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر(

الفصل الرابع في بيان أن النبي هل نص على خلافة أبي بكر رضي الله عنه

اعلم أنهم اختلفوا في ذلك ومن تأمل الأحاديث التي قدمناها علم من أكثرها أنه نص عليها نصًا ظاهرًا وعلى ذلك جماعة من المحققين وهو الحق وقال جمهور أهل السنة والمعتزلة والخوارج لم ينص على أحد. ويؤيدهم ما أخرجه البزار في مسنده عن حذيفة قال قالوا يا رسول الله ألا تستخلف علينا قال ( إني إن استخلف عليكم فتعصون خليفتي ينزل عليكم العذاب ) وأخرجه الحاكم في المستدرك لكن في /سنده ضعف /. وما أخرجه الشيخان عن عمر رضي الله عنه أنه قال حين طعن إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني يعني أبا بكر وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني رسول الله. وما أخرجه أحمد والبيهقي /بسند حسن / عن علي رضي الله عنه أنه لما ظهر علي يوم الجمل قال أيها الناس إن رسول الله لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئًا حتى رأينا من الرأي أن نستخلف أبا بكر فأقام واستقام حتى مضى لسبيله ثم إن أبا بكر رأى من الرأي أن يستخلف عمر فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه ثم إن أقوامًا طلبوا الدنيا فكانت أمور يقضي الله فيها. والجران بكسر الجيم باطن عنق البعير يقال ضرب بجرانه الشيء أي استقر وثبت. وأخرج الحاكم وصححه أنه قيل لعلي ألا تستخلف علينا فقال ما استخلف رسول الله فأستخلف ولكن إن يرد الله بالناس خيرًا فسيجمعهم بعدي على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم. وما أخرجه ابن سعد عن علي أيضًا قال قال علي لما قبض النبي نظرنا في أمرنا فوجدنا النبي قد قدم أبا بكر في الصلاة فرضينا لدنيانا ما رضيه النبي لديننا فقدمنا أبا بكر، وقول البخاري في تاريخه روي عن ابن جمهان عن سفينة أن النبي لأبي بكر وعمر وعثمان ( هؤلاء الخلفاء بعدي ) قال البخاري ولم يتابع على هذا لأن عمر وعليًا وعثمان قالوا لم يستخلف النبي انتهى. ومر أن هذا الحديث أعني قوله هؤلاء الخلفاء بعدي صحيح ولا منافاة بين القول بالاستخلاف والقول بعدمه لأن مراد من نفاه أنه لم ينص عند الموت على استخلاف أحد بعينه ومراد من أثبته أنه نص عليه وأشار إليه قبل ذلك ولا شك أن النص على ذلك قبل قرب الوفاة يتطرق إليه الاحتمال وإن بعد بخلافه عند الموت فلذلك نفى الجمهور كعلي وعمر وعثمان الاستخلاف ويؤيد ذلك قول بعض المحققين من متأخري الأصوليين معنى لم ينص عليها لأحد لم يأمر بها لأحد على أنه قد يؤخذ مما في البخاري عن عثمان أن خلافة أبي بكر منصوص عليها والذي فيه في هجرة الحبشة عنه من جملة حديث أنه قال وصحبت رسول الله وبايعته ووالله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله ثم استخلف الله أبا بكر فوالله ما عصيته ولا غششته ثم استخلف عمر فوالله ما عصيته ولا غششته الحديث. فتأمل قوله في أبي بكر ثم استخلف الله أبا بكر وفي عمر ثم استخلف عمر تعلم دلالته على ما ذكرته من النص على خلافة أبي بكر وإذا أفهم كلامه هذا ذلك مع ما مر عنه من أنها غير منصوص عليها تعين الجمع بين كلاميه بما ذكرناه وكان اشتمال كلاميه على ذينك مؤيدًا للجمع الذي قدمناه وعلى كل فهو كان يعلم لمن هي بعده بإعلام الله له ومع ذلك فلم يؤمر بتبليغ الأمة النص على واحد بعينه عند الموت وإنما وردت عنه ظواهر تدل على أنه علم بإعلام الله له أنها لأبي بكر فأخبر بذلك كما مر وإذا أعلمها فأما أن يعلمها علمًا واقعًا موافقًا للحق في نفس الأمر أو أمرًا واقعًا مخالفًا له وعلى كل حال لو وجب على الأمة مبايعة غير أبي بكر لبالغ رسول الله في تبليغ ذلك الواجب إليهم بأن ينص عليه نصًا جليًا ينقل مشتهرًا حتى يبلغ الأمة ما لزمهم ولما لم ينقل كذلك مع توفر الدواعي على نقله دل على أنه لا نص وتوهم أن عدم تبليغه لعلمه بأنهم لا يأتمرون بأمره فلا فائدة فيه باطل فإن ذلك غير مسقط لوجوب التبليغ عليه ألا ترى أنه بلغ سائر التكاليف للآحاد مع الذين علم منهم أنهم لا يأتمرون فلم يسقط العلم بعدم ائتمارهم التبليغ عنه واحتمال أنه بلغ أمر الإمامة سرًا واحدًا واثنين ونقل كذلك لا يفيد لأن سبيل مثله الشهرة لصيرورته بتعدد التبليغ وكثرة المبلغين أمرًا مشهورًا إذ هو من أهم الأمور لما يتعلق به من مصالح الدين والدنيا كما مر مع ما فيه من دفع ما قد يتوهم من إثارة فتنة. واحتمال أنه بلغه مشتهرًا ولم ينقل أو نقل ولم يشتهر فيما بعد عصره باطل أيضًا إذ لو اشتهر لكان سبيله أن ينقل نقل الفرائض لتوفر الدواعي على نقل مهمات الدين فالشهرة هنا لازمة لوجود النص فحيث لا شهرة لا نص بالمعنى المتقدم لا لعلي ولا لغيره فلزم من ذلك بطلان ما نقله الشيعة وغيرهم من الأكاذيب وسودوا به أوراقهم من نحو خبر: أنت الخليفة من بعدي وخبر: سلموا على علي بإمرة المؤمنين وغير ذلك مما يأتي إذ لا وجود لما نقلوه فضلا عن اشتهاره كيف وما نقلوه لم يبلغ مبلغ الآحاد المطعون فيها إذ لم يصل علمه لأئمة الحديث المثابرين على التنقيب عنه كما اتصل بهم كثير مما ضعفوه وكيف يجوز في العادة أن ينفرد هؤلاء أن بعلم صحة تلك الآحاد مع أنهم لم يتصفوا قط برواية ولا بصحبة محدث ويجهل تلك الآحاد مهرة الحديث وسباقه الذين أفنوا أعمارهم في الرحلات والأسفار البعيدة وبذلوا جهدهم في طلبه وفي السعي إلى كل من ظنوا عنده قليلا منه فلذلك قضت العادة المطردة القطيعة بكذبهم واختلافهم فيما زعموه من نص على علي صح آحادًا عندهم دون غيرهم مع عدم اتصافهم برواية حديث ولا صحبة لمحدث كما تقرر. نعم روي آحادًا خبر: أنت مني بمنزلة هارون من موسى وخبر من كنت مولاه فعلي مولاه. وسيأتي الجواب عنهما واضحًا مبسوطًا وأنه لا دلالة لواحد منهما على خلافة علي لا نصًا ولا إشارة وإلا لزم نسبة جميع الصحابة إلى الخطأ وهو باطل لعصمتهم من أن يجتمعوا على ضلالة فإجماعهم على خلاف ما زعمه أولئك المبتدعة الجهال قاطع بأن ما توهموه من هذين الحديثين غير مراد إذ لو فرض احتمالهما لما قالوه فكيف وهما لا يحتملانه كما يأتي فظهر أن ما سودوا به أوراقهم من تلك الآحاد لا تدل لما زعموه. واحتمال أن ثم نصًا غير ما زعموه يعلمه علي أو أحد المهاجرين أو الأنصار باطل أيضًا وإلا لأورده العالم به يوم السقيفة حين تكلموا في الخلافة أو فيما بعده لوجوب إيراده حينئذ. وقوله ترك علي إيراده مع علمه به تقية باطل إذ لا خوف يتوهمه من له أدنى مسكة وإحاطة بعلم أحوالهم في مجرد ذكره لهم ومنازعته في الإم امة به كيف وقد نازع من هو أضعف منه وأقل شوكة ومنعة من غير أن يقيم دليلا على ما يقوله ومع ذلك فلم يؤذ بكلمة فضلا عن أن يقتل فبان بطلان هذه التقية المشؤومة عليهم سيما وعلي قد علم بواقعة الحباب وبعدم إيذائه بقول أو فعل مع أن دعواه لا دليل عليها ومع ضعفه وضعف قومه بالنسبة لعلي وقومه. وأيضًا فيمتنع عادة من مثلهم أنه يذكره لهم ولا يرجعون إليه كيف وهم أطوع لله وأعمل بالوقوف عند حدوده وأبعد عن اتباع حظوظ النفس لعصمتهم السابقة وللخبر الصحيح خير القرون قرني ثم الذين يلونهم. وأيضًا ففيهم العشرة المبشرون بالجنة ومنهم أبو عبيدة أمين هذه الأمة كما صح من طرق فلا يتوهم فيهم وهم بهذه الأوصاف الجليلة أنهم يتركون العمل بما يرويه لهم من تقبل روايته بلا دليل أرجح يعولون عليه معاذ الله أن يجوز ذلك عليهم شرعًا أو عادة إذ هو خيانة في الدين وإلا لارتفع الأمان في كل ما نقلوه عنه من القرآن والأحكام ولم يجزم بشيء من أمور الدين مع أنه بجميع أصوله وفروعه إنما أخذ منهم. على أن في نسبة علي إلى الكتم غاية نقص له لما يلزم عليه من نسبته وهو أشجع الناس إلى الجبن والظلم ولهذا التوهم كفره بعض الملحدين كما يأتي فعلم مما تقرر جميعه أنه لا نص على إمامة علي حتى ولا بالإشارة وأما أبو بكر فقد علمت من النصوص السابقة المصرحة بخلافته وعلى فرض أن لا نص عليه أيضًا ففي إجماع الصحابة عليها غنى عن النص إذ هو أقوى منه لأن مدلوله قطعي ومدلول خبر الواحد ظني. وأما تخلف جمع كعلي والعباس والزبير والمقداد عن البيعة وقت عقدها فمر الجواب عنه مستوفى وحاصله مع الزيادة أن أبا بكر أرسل إليهم بعد فجاؤوا فقال للصحابة هذا علي ولا بيعة لي في عنقه وهو بالخيار في أمره ألا فأنتم بالخيار جميعًا في بيعتكم إياي فإن رأيتم لها غيري فأنا أول من يبايعه فقال علي لا نرى لها أحدًا غيرك فبايعه هو وسائر المتخلفين

الفصل الخامس في ذكر شبه الشيعة والرافضة ونحوهما وبيان بطلانها بأوضح الأدلة وأظهرها

الشبهة الأولى

زعموا أنه لم يول أبا بكر عملا يقيم فيه قوانين الشرع والسياسة فدل ذلك على أنه لا يحسنهما وإذا لم يحسنهما لم تصح إمامته لأن من شروط الإمام أن يكون شجاعًا.

والجواب عن ذلك بطلان ما زعموه من أنه لم يوله عملا ففي البخاري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه غزوت مع رسول الله سبع غزوات وخرجت فيما يبعث من البعوث تسع غزوات مرة علينا أبو بكر ومرة علينا أسامة. وولاه الحج بالناس سنة تسع. وما زعموه من أنه لا يحسن ذلك باطل أيضًا كيف وعلي كرم الله وجهه معترف بأنه أشجع الصحابة فقد أخرج البزار في مسنده عن علي أنه قال أخبروني من أشجع الناس قالوا أنت قال أما إني ما بارزت أحدًا إلا انتصفت منه ولكن أخبروني بأشجع الناس قالوا لا نعلم فمن قال أبو بكر إنه لما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله عريشًا فقلنا من يكون مع رسول الله لئلا يهوي إليه أحد من المشركين فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهرًا بالسيف على رأس رسول الله لا يهوي إليه أحد إلا أهوى إليه فهذا أشجع الناس قال علي ولقد رأيت رسول الله وأخذته قريش فهذا يجؤه وهذا يتلتله وهم يقولون أنت الذي جعلت الآلهة إلهًا واحدًا قال فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ويجؤ هذا ويتلتل هذا وهو يقول ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ثم رفع علي بردة كانت عليه فبكى حتى اخضلت لحيته ثم قال أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر فسكت القوم فقال ألا تجيبوني فوالله لساعة من أبي بكر خير من مثل مؤمن آل فرعون ذلك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه. وأخرج البخاري عن عروة بن الزبير سألت عبد الله بن عمرو بن العاص عن أشد ما صنع المشركون برسول الله قال رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه خنقًا شديدًا فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه وقال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم. وأخرج ابن عساكر عن علي رضي الله عنه قال لما أسلم أبو بكر أظهر إسلامه ودعا إلى الله وإلى رسوله. وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال تباشرت الملائكة يوم بدر فقالوا أما ترون أن أبا بكر الصديق مع رسول الله في العريش. وأخرج أحمد وأبو يعلى والحاكم عن علي قال قال لي رسول الله يوم بدر ولأبي بكر مع أحد كما جبريل ومع الآخر ميكائيل. قال بعضهم ومن الدليل على أنه أشجع من علي أن عليًا أخبره النبي بقتله على يد ابن ملجم فكان إذا لقي ابن ملجم يقول له متى تخضب هذه من هذه وكان يقول إنه قاتلي كما يأتي في أواخر ترجمته فحينئذ كان إذا دخل الحرب ولاقى الخصم يعلم أنه لا قدرة له على قتله فهو معه كأنه نائم على فراش وأما أبو بكر فلم يخبر بقاتله فكان إذا دخل الحرب لا يدري هل يقتل أم لا فمن يدخل الحرب وهو لا يدري ذلك يقاسي من الكر والفر والجزع والفزع ما يقاسي بخلاف من يدخلها كأنه نائم على فراشه. ومن باهر شجاعته ما وقع له في قتال أهل الردة فقد أخرج الإسماعيلي عن عمر رضي الله عنه لما قبض رسول الله ارتد من ارتد من العرب وقالوا لا نصلي ولا نزكي فأتيت أبا بكر فقلت يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم فإنهم بمنزلة الوحش فقال رجوت نصرتك وجئتني بخذلانك جبار في الجاهلية خوار في الإسلام بماذا شئت أتألفهم بشعر مفتعل أو بسحر مفترى هيهات هيهات مضى النبي وانقطع الوحي والله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي وإن منعوني عقالا قال عمر فوجدته في ذلك أمضى مني وأحزم وأدب الناس على أمور هانت علي كثيرًا من مؤنتهم حين وليتهم. فعلم بما تقرر عظم شجاعته ولقد كان عنده وكذلك الصحابة من العلم بشجاعته وثباته في الأمر ما أوجب لهم تقديمه للإمامة العظمى إذ هذان الوصفان هما الأهمان في أمر الإمامة لا سيما في ذلك الوقت المحتاج فيه إلى قتال أهل الردة وغيرهم. ومن الدليل على اتصافه بهما أيضًا قوله كما في الصحيح في صلح الحديبية لعروة بن مسعود الثقفي حين قال للنبي كأني بك وقد فر عنك هؤلاء امصص بظر اللات أنحن نفر عنه أو ندعه استبعاد أن يقع ذلك. قال العلماء وهذا مبالغة من أبي بكر رضي الله عنه في سب عروة فإنه أقام معبود عروة وهو صنمه مقام أمته وحمله على ذلك ما أغضبه به من نسبته إلى الفرار والبظر بموحدة مفتوحة فمعجمة ساكنة قطعة تبقى بفرج المرأة بعد الختان واللات اسم صنم والعرب تطلق هذا اللفظ في معرض الذم. فانظر كيف نطق لهذا الكافر الشديد القوة والمنعة حينئذ بهذا السب الذي لا سب فوقه عند العرب ولم يخش شوكته مع قوتها بحيث صدوا النبي عن دخول مكة ذلك العام ووقع الصلح على أن يدخلها من العام القابل ولم يجسر أحد من الصحابة غير الصديق على أن يتفوه لعروة بكلمة مع أنه نسبهم أجمعين إلى الفرار وإنما أجابه الصديق فقط فدل ذلك على أنه أشجعهم كما مر عن علي. ومن شجاعته العظمى قتاله لمانعي الزكاة وعزمه عليه ولو لوحده كما قدمته مبسوطًا أول الفصل الثالث ومختصرًا آنفًا فراجعه. ومن ذلك أيضًا قتاله مسيلمة اللعين وقومه بني حنيفة مع أن الله وصفهم بأنهم أولو بأس شديد بناء على أن الآية نزلت فيهم كما قاله جمع من المفسرين منهم الزهري والكلبي. ومن ذلك أيضًا ثباته عند مصادمة المصائب المدهشة التي تذهل الحليم لعظم ها كثباته حين دهش الناس لموت رسول الله فإنهم ذهلوا حتى عمر وهو من هو في الثبات فجزم بأنه لم يمت وقال من زعم ذلك ضربت عنقه حتى قدم أبو بكر من مسكنه بالعوالي فدخل على النبي وكشف عن وجهه فعرف أنه قد مات فأكب عليه يقبله ويبكي ثم خرج إليهم فاستسكت عمر عن قوله ما مر فأبى لما هو فيه من الدهش فتركه وتكلم فانحازوا إليه لعلمهم بعلو شأنه وتقدمه فخطبهم فقال أما بعد فمن كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم قرأ ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أع قابكم ) الآية رواه البخاري وغيره فحينئذ صدقوا بوفاته وكرروا هذه الآية كأنهم لم يسمعوها قبل لعظيم ما استولى عليهم من الدهش ومن ثم كان أسد الصحابة رأيًا وأكملهم عقلا فقد أخرج تمام وابن عساكر أتاني جبريل فقال إن الله يأمرك أن تستشير أبا بكر. والطبراني وأبو نعيم وغيرهما أنه لما أراد أن يسرح معاذًا إلى اليمن استشار ناسًا من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وأسيد بن حضير فتكلم القوم كل إنسان برأيه فقال ( ما ترى يا معاذ ) فقلت ____ أرى ما قال أبو بكر فقال ( إن الله يكره أن يخطئ أبو بكر ). وأخرج الطبراني بسند رجاله ثقات إن الله يكره أن يخطأ أبو بكر فهذا دليل أي دليل على أنه أكملهم عقلا ورأيًا وعلى أنه أعلمهم ولا مرية في ذلك. فثبت بهذه الأدلة عظم شجاعته وثباته وكمال عقله ورأيه وعلمه ومن ثم قال العلماء إنه صحب النبي من حين أسلم إلى أن توفي لم يفار قه سفرًا ولا حضرًا إلا فيما أذن له في الخروج فيه من حج أو غزو وشهد معه المشاهد كلها وهاجر معه وترك عياله وأولاده رغبة في الله ورسوله وقام بنصرته في غير موضع وله الآثار الحميدة في المشاهد وثبت يوم أحد ويوم حنين وقد فر الناس فكيف مع ذلك كله ينسب إليه عدم شجاعة أو عدم ثبات في الأمر كلا بل له فيهما الغاية القصوى والآثار الحميدة التي لا تستقصى فرضي الله تعالى عنه وكرم الله وجهه.

الشبهة الثانية

زعموا أيضًا أنه لما ولاه قراءة براءة على الناس بمكة عزله وولى عليًا فدل ذلك على عدم أهليته.

وجوابها بطلان ما زعموه هنا أيضًا وإنما أتبعه عليًا لقراءة براءة لأن عادة العرب في أخذ العهد ونبذه أن يتولاه الرجل أو أحد من بني عمه ولذلك لم يعزل أبا بكر عن إمرة الحج بل أبقاه أميرًا وعليًا مأمورًا له فيما عدا القراءة على أن عليًا لم ينفرد بالأذان بذلك ففي صحيح البخاري أن أبا هريرة قال بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان قال حميد بن عبد الرحمن ثم أردف رسول الله بن أبي طالب فأمره أن يؤذن ببراءة قال أبو هريرة فأذن معنا علي يوم النحر في أهل منى ببراءة أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فتأمله تجد عليًا إنما أذن مع مؤذني أبي بكر ومما يصرح بما ذكرناه أن أبا بكر لما جاء علي لم يعزل مؤذنيه فعدم عزله له وجعله إياهم شركاء لعلي صريح في أن عليًا إنما جاء وفاءً بعادة العرب التي قلناها لا لعزل أبي بكر وإلا لم يسع أبا بكر أن يبقي مؤذنيه يؤذنون مع علي فاتضح بذلك ما قلناه وأنه لا دلالة لهم في ذلك بوجه من الوجوه غير ما يفترونه من الكذب وينتحلونه من العناد والجهل.

الشبهة الثالثة

زعموا أن النبي لما ولاه الصلاة أيام مرضه عزله عنها.

وجوابها أن ذلك من قبائح كذبهم وافترائهم فقبحهم الله وخذلهم كيف وقد قدمنا في سابع الأحاديث الدالة على خلافته من الأحاديث الصحيحة المتواترة ما هو صريح في بقائه إمامًا يصلي إلى أن توفي رسول الله. وفي البخاري عن أنس قال إن المسلمين بينما هم في صلاة الفجر من يوم الاثنين وأبو بكر يصلي بهم لم يفجأهم إلا رسول الله قد كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة ثم تبسم يضحك فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن رسول الله يريد أن يخرج إلى الصلاة قال أنس وهم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحًا بالنبي فأشار إليهم بيده أن أتموا صلاتكم ثم دخل الحجرة وأرخى الستر ثم قبض وقت الضحى من ذلك اليوم. فتأمل عظيم افترائهم وحمقهم على أن صلاته بالناس خلافة عنه متفق عليها ومجمع منا ومنهم على وقوعها فمن ادعى انعزاله عنها فعليه البيان ولا بيان عندهم وإنما الذي انطووا عليه خبائث الافتراء والبهتان. وعن ابن عباس وغيره لم يصل النبي خلف أحد من أمته إلا خلف أبي بكر. وأما عبد الرحمن بن عوف فصلى خلفه ركعة واحدة في سفر ولم يقل أحد قط إنه صلى خلف علي فهذه منقبة لأبي بكر أي منقبة وخصوصية أي خصوصية.

الشبهة الرابعة

زعموا أنه أحرق من قال أنا مسلم وقطع يد السارق اليسرى وتوقف في ميراث الجدة حتى روي له أن لها السدس وأن ذلك قادح في خلافته.

وجوابها بطلان زعمهم قدح ذلك في خلافته وبيانه أن ذلك لا يقدح إلا إذا ثبت أنه ليس فيه أهلية للاجتهاد وليس كذلك بل هو من أكابر المجتهدين بل هو أعلم الصحابة على الإطلاق للأدلة الواضحة على ذلك. منها ما أخرجه البخاري وغيره أن عمر رضي الله عنه في صلح الحديبية سأل رسول الله عن ذلك الصلح قال علام نعطي الدنية في ديننا فأجابه النبي ثم ذهب إلى أبي بكر فسأله عما سأل عنه رسول الله من غير أن يعلم بجواب النبي فأجابه بمثل ذلك الجواب سواء بسواء. ومنها ما أخرجه أبو القاسم البغوي وأبو بكر الشافعي في فوائده وابن عساكر عن عائشة قالت لما توفي رسول الله أشرأب النفاق أي رفع رأسه وارتدت العرب وانحازت الأنصار فلو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها أي فتتها فما اختلفوا في لفظة إلا طار أبي بعبائها وفصلها قالوا أين ندفن رسول الله فما وجدنا عند أحد في ذلك علمًا فقال أبو بكر سمعت رسول الله يقول ( ما من نبي يقبض إلا دفن تحت مضجعه الذي مات فيه ) واختلفوا في ميراثه فما وجدنا عند أحد في ذلك علمًا فقال أبو بكر سمعت رسول الله يقول ( إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ) قال بعضهم وهذا أول اختلاف وقع بين الصحابة فقال بعضهم فدفنه بمكة مولده ومنشئه وبعضهم بمسجده وبعضهم بالبقيع وبعضهم ببيت المقدس مدفن الأنبياء حتى أخبرهم أبو بكر بما عنده من العلم. قال ابن زنجويه وهذه سنة تفرد بها الصديق من بين المهاجرين والأنصار ورجعوا إليه فيها ومر آنفًا خبر أتاني جبريل فقال إن الله يأمرك أن تستشير أبا بكر وخبر إن الله يكره أن يخطئ أبو بكر /سنده صحيح / وخبر لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره ومر أول الفصل الثالث خبر أنه وعمر كانا يفتيان الناس في زمن النبي. وعن تهذيب النووي أن أصحابنا استدلوا على عظيم علمه بقوله والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة إلى آخره وأن الشيخ أبا إسحاق استدل به على أنه أعلم الصحابة بأنهم كلهم وقفوا عن فهم الحكم في المسألة إلا هو ثم ظهر لهم بمباحثته لهم أن قوله هو الصواب فرجعوا إليه. ولا يقال بل علي أعلم منه للخبر الآتي في فضائله أنا مدينة العلم وعلي بابها لأنا نقول سيأتي أن ذلك الحديث مطعون فيه وعلى تسليم صحته أو حسنه فأبو بكر محرابها ورواية فمن أراد العلم فليأت الباب لا تقتضي الأعلمية فقد يكون غير الأعلم يقصد لما عنده من زيادة الإيضاح والبيان والتفرغ للناس بخلاف الأعلم على أن تلك الرواية معارضة بخبر الفردوس أنا مدينة العلم وأبو بكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلي بابها فهذه صريحة في أن أبا بكر أعلمهم وحينئذ فالأمر بقصد الباب إنما هو لنحو ما قلناه لا لزيادة شرفه على ما قبله لما هو معلوم ضرورة أن كلا من الأساس والحيطان والسقف أعلى من الباب وشذ بعضهم فأجاب بأن معنى وعلي بابها أي من العلو على حد قراءة ( هذا صراط علي مستقيم ) برفع على وتنوينه كما قرأ به يعقوب. وأخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين وهو المقدم في علم تعبير الرؤيا بالاتفاق أنه قال كان أبو بكر أعبر هذه الأمة بعد النبي. وأخرج الديلمي وابن عساكر أمرت أن أولي الرؤيا أبا بكر ومن ثم كان يعبر الرؤيا في زمن النبي وبحضرته فقد أخرج ابن سعد عن ابن شهاب قال رأى رسول الله رؤيا فقصها على أبي بكر فقال ( رأيت كأني استبقت أنا وأنت ودرجة فسبقتك بمرقاتين ونصف ) قال يا رسول الله يقبضك الله إلى مغفرة ورحمة وأعيش بعدك سنتين ونصفًا وكان كما عبر فقد عاش بعده سنتين وسبعة أشهر أخرجه الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما. وأخرج سعيد بن منصور عن عمرو بن شرحبيل قال قال رسول الله ( رأيتني في غنم سود ثم أردفتها غنم بيض حتى ما ترى السود فيها ) فقال أبو بكر يا رسول الله أما الغنم السود فإنها العرب يسلمون ويكثرون والغنم البيض الأعاجم يسلمون على يدي العرب حتى لا يرى العرب فيهم من كثرتهم فقال رسول الله ( كذلك عبرها الملك سحيرًا ). فثبت بجميع ما قررناه أنه من أكابر المجتهدين بل أكبرهم على الإطلاق وإذا ثبت أنه مجتهد فلا عتب عليه في التحريق لأن ذلك الرجل كان زنديقًا وفي قبول توبته خلاف وأما النهي عن التحريق فيحتمل أنه لم يبلغه ويحتمل أنه بلغه وتأوله على غير نحو الزنديق وكم من أدلة تبلغ المجتهدين ويؤولونها لما قام عندهم لا ينكر ذلك إلا جاهل بالشريعة وحامليها. وأما قطعه يسار السارق فيحتمل أنه خطأ من الجلاد ويحتمل أنه لسرقة ثالثة من أين لهم أنها السرقة الأولى وأنه قال للجلاد اقطع يساره وعلى التنزل فالآية شاملة لما فعله فيحتمل أنه كان يرى بقاءها على إطلاقها وإن قطعه اليمنى في الأولى ليس على الحتم بل الإمام مخير في ذلك وعلى فرض إجماع في المسألة فيحتمل أنهم أجمعوا على ذلك بعده بناء على انعقاد الإجماع في مثل ذلك وفيه خلاف محله كتب الأصول وقراءة أيمانهما يحتمل أنها لم تبلغه فعلى كل تقدير لا يتوجه عليه في ذلك عتب ولا اعتراض بوجه من الوجوه. ثم رأيت ان الاحتمال الأول هو الحق الواقع فقد أخرج مالك رضي الله عنه عن القاسم بن محمد أن رجلا من أهل اليمن أقطع اليد والرجل قدم فنزل على أبي بكر فشكا إليه أن عامل اليمن ظلمه فكان يصلي من الليل فيقول أبو بكر وأبيك ما ليلك بليل سارق ثم إنهم افتقدوا حليًا لأسماء بنت عميس امرأة أبي بكر فجعل يطوف معهم ويقول اللهم عليك بمن بيت أهل هذا البيت الصالح فوجدوا الحلي عند صائغ زعم أن الأقطع جاءه به فاعترف الأقطع أو شهد عليه وأمر به أبو بكر فقطعت يده اليسرى وقال أبو بكر والله لدعاؤه على نفسه أشد عندي من سرقته فاتضح الأمر وبطلت شبهة المعاندين. وأما توقفه في مسألة الجدة إلى أن بلغه الخبر فينبغي سياق حديثه فإن فيه أبلغ رد على المعترضين. أخرج أصحاب السنن الأربعة ومالك عن قبيصة قال جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها قال ما لك في كتاب الله وما علمت لك في سنة نبي الله شيئًا فارجعي حتى أسأل الناس فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله أعطاها السدس فقال أبو بكر هل معك غيرك فقام محمد بن مسلمة فقال مثل ما قال المغيرة فأنفذه لها أبو بكر. فتأمل هذا السياق تجده قاضيًا بالكمال الأسنى لأبي بكر فإنه نظر أولا في القرآن وفي محفوظاته من السنة فلم يجد لها شيئًا ثم استشار المسلمين ليستخرج ما عندهم من شيء حفظوه من السنة فأخرج له المغيرة وابن مسلمة ما حفظاه فقضى به وطلبه انضمام آخر إلى المغيرة احتياط فقط إذ الرواية لا يشترط فيها تعدد وهذا يؤيد ما قدمناه عنه أنه كان إذا جاءه الخ صم نظر في القرآن ثم فيما يحفظه من السنة يشاور فيه وهذا هو شأن المجتهدين على أنه غير بدع من المجتهد أن يبحث عن مدارك الأحكام. وأخرج الدارقطني عن القاسم بن محمد أن جدتين أتتا أبا بكر تطلبان ميراثهما أم أم وأم أب فأعطى الميراث أم الأم فقال له عبد الرحمن بن سهل الأنصاري البدري أعطيت التي لو أنها ماتت لم يرثها فقسمه بينهما فتأمل رجوعه مع كماله إلى الحق لما رآه مع أصغر منه.

الشبهة الخامسة

زعموا أن عمر ذمه والمذموم من مثل عمر لا يصلح للخلافة.

وجوابها أن هذا من كذبهم وافترائهم أيضًا ولم يقع من عمر ذم له قط وإنما الواقع منه في حقه غاية الثناء عليه واعتقاد أنه أكمل الصحابة علمًا ورأيًا وشجاعة كما يعلم مما قدمناه عنه في قصة المبايعة وغيرها على أن إمامة عمر إنما هي بعهد أبي بكر إليه فلو قدح فيه لكان قادحًا في نفسه وإمامته. وأما إنكاره على أبي بكر كونه لم يقتل خالد بن الوليد لقتله مالك بن نويرة وهو مسلم ولتزوجه امرأته من ليلته ودخل بها فلا يستلزم ذمًا له ولا إلحاق نقص به لأن ذلك إنما هو من إنكار بعض المجتهدين على بعض في الفروع الاجتهادية وهذا كان شأن السلف كانوا لا يرون فيه نقصًا وإنما يرونه غاية الكمال على أن الحق عدم قتل خالد لأن مالكًا ارتد ورد على قومه صدقاتهم لما بلغه وفاة رسول الله كما فعل أهل الردة وقد اعترف أخو مالك لعمر بذلك وتزوجه امرأته لعله لانقضاء عدتها بالوضع عقب موته أو يحتمل أنها كانت محبوسة عنده بعد انقضاء عدتها عن الأزواج على عادة الجاهلية وعلى كل حال فخالد أتقى لله من أن يظن به مثل هذه الرذالة التي لا تصدر من أدنى المؤمنين فكيف بسيف الله المسلول على أعدائه فالحق ما فعله أبو بكر لا ما اعترض به عليه عمر رضي الله تعالى عنهما ويؤيد ذلك أن عمر لما أفضت إليه الخلافة لم يتعرض لخالد ولم يعاتبه ولا تنقصه بك لمة في هذا الأمر قط فعلم أنه ظهر له حقية ما فعله أبو بكر فرجع عن اعتراضه وإلا لم يتركه عند استقلاله بالأمر لأنه كان أتقى لله من أن يداهن في دين الله أحدًا.

الشبهة السادسة

زعموا أن قول عمر إن بيعة أبي بكر كانت فلتة لكن وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه قادح في حقيتها.

وجوابها أن هذه من غباوتهم وجهالتهم إذ لا دلالة في ذلك لما زعموه لأن معناه أن الإقدام على مثل ذلك من غير مشورة الغير وحصول الاتفاق منه مظنة الفتنة فلا يقدمن أحد على ذلك على أني أقدمت عليه فسلمت على خلاف العادة ببركة صحة النية وخوف الفتنة لو حصل توان في هذا الأمر كما مر مبسوطًا في فصل المبايعة.

الشبهة السابعة

زعموا أنه ظالم لفاطمة بمنعه إياها من مخلف أبيها وأنه لا دليل له في الخبر الذي رواه نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة لأن فيه احتجاجًا بخبر الواحد مع معارضته لآية المواريث وفيه ما هو مشهور عند الأصوليين. وزعموا أيضًا أن فاطمة معصومة بنص ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا ) وخبر فاطمة بضعة مني وهو معصوم فتكون معصومة وحينئذ فيلزم صدق دعواها الإرث.

وجوابها أما عن الأول فهو لم يحكم بخبر الواحد الذي هو محل الخلاف وإنما حكم بما سمعه من رسول الله وهو عنده قطعي فساوى آية المواريث في قطيعة المتن وأما حمله على ما فهمه منه فلانتقاء الاحتمالات التي يمكن تطرقها إليه عنه بقرينة الحال فصار عنده دليلا قطعيًا مخصصًا لعموم تلك الآيات. وأما عن الثاني فمن أهل البيت أزواجه على ما يأتي في فضائل أهل البيت ولسن بمعصومات اتفاقًا فكذلك بقية أهل البيت. وأما بضعة مني فمجاز قطعًا فلم يستلزم عصمتها وأيضًا فلا يلزم مساواة البعض للجملة في جميع الأحكام بل الظاهر أن المراد أنها كبضعة مني فيما يرجع للخير والشفقة. ودعواها أنه نحلها فدك لم تأت عليها ببينة إلا بعلي وأم أيمن فلم يكمل نصاب البينة على أن في قبول شهادة الزوج لزوجته خلافًا بين العلماء وعدم حكمه بشاهد ويمين وإما لعلة كونه ممن لا يراه ككثيرين من العلماء أو أنها لم تطلب الحلف مع من شهد لها. وزعمهم أن الحسن والحسين وأم كلثوم شهدوا لها باطل على أن شهادة الفرع والصغير غير مقبولة وسيأتي عن الإمام زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم أنه صوب ما فعله أبو بكر وقال لو كنت مكانه لحكمت بمثل ما حكم به وفي رواية تأتي في الباب الثاني أن أبا بكر كان رحيمًا وكان يكره أن يغير شيئًا تركه رسول الله فأتته فاطمة فقالت إن رسول الله أعطاني فدكًا فقال هل لك بينة فشهد لها علي وأم أيمن فقال لها فبرجل وامرأة تستحقيها ثم قال زيد والله لو رفع الأمر فيها إلي لقضيت بقضاء أبي بكر رضي الله عنه. وعن أخيه الباقر أنه قيل له أظلمكم الشيخان من حقكم شيئًا فقال لا ومنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا ما ظلمانا من حقنا ما يزن حبة خردلة. وأخرج الدارقطني أنه سئل ما كان يعمل علي في سهم ذوي القربى قال عمل فيه بما عمل به أبو بكر وعمر وكان يكره أن يخالفهما. وأما عذر فاطمة في طلبها مع روايته لها الحديث فيحتمل أنه لكونها رأت أن خبر الواحد لا يخصص القرآن كما قيل به فاتضح عذره في المنع وعذرها في الطلب فلا يشكل عليك ذلك وتأمله فإنه مهم. ويوضح ما قررناه في هذا المحل حديث البخاري فإنه مشتمل على نفائس تزيل ما في نفوس القاصرين من شبه وهو عن الزهري قال أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان النضري أن عمر بن الخطاب دعاه إذ جاءه حاجبه يرفأ فقال هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد يستأذنون قال نعم فأدخلهم فلبث قليلا ثم جاء فقال هل لك في عباس وعلي يستأذنان قال نعم فلما دخلا قال عباس يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا وهما يختصمان في الذي أفاء الله على رسوله من بني النضير فاستب علي وعباس فقال الرهط يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر فقال عمر اتئدوا أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله قال ( لا نورث ما تركناه صدقة ) يريد بذلك نفسه قالوا قد قال ذلك فأقبل عمر على علي وعباس فقال أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله قد قال ذلك قالا نعم قال فإني أحدثكم عن هذا الأمر إن الله كان خص رسوله في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدًا غيره فقال ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) إلى قوله ( قدير ) فكانت هذه خالصة لرسول الله ثم والله ما اختارها دونكم ولا استأثر بها عليكم لقد أعطاكموها وقسمها فيكم حتى بقي هذا المال منها فكان رسول الله ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله فعمل بذلك رسول الله حياته ثم توفي النبي فقال أبو بكر رضي الله عنه فأنا ولي رسول الله فقبضه أبو بكر فعمل فيه بما عمل فيه رسول الله وأنتم حينئذ حاضرون وأقبل على علي والعباس وقال تذكران أن أبا بكر كان فيه كما تقولان والله يعلم إنه فيه لصادق بار راشد تابع للحق ثم توفى الله أبا بكر فقلت أنا ولي رسول الله وأبي بكر فقبضته سنتين من إمارتي أعمل فيه بما عمل فيه رسول الله وأبو بكر والله يعلم إني في لصادق بار راشد تابع للحق ثم جئتماني كلاكما وكلمتكما واحدة وأمركما جميع فجئتني يعني عباسًا فقلت لكما إن رسول الله قال ( لا نورث ما تركناه صدقة ) فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت إن شئتما دفعته إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيه بما عمل فيه رسول الله وأبو بكر وما عملت فيه منذ وليت وإلا فلا تكلماني فقلتما ادفعه إلينا بذلك فدفعته إليكما أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيه بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنه فادفعاه إلي فأنا أكفيكماه قال فحدثت هذا الحديث عروة بن الزبير فقال صدق مالك ابن أوس أنا سمعت عائشة زوج النبي تقول أرسل أزواج النبي عثمان إلى أبي بكر يسألنه ثمنهن مما أفاء الله على رسوله فكنت أنا أردهن فقلت لهن ألا تتقين الله ألم تعلمن أن رسول الله كان يقول ( لا نورث ما تركناه صدقة ) يريد بذلك نفسه إنما يأكل آل محمد في هذا المال فانتهى أزواج النبي إلى ما أخبرتهن قال فكانت هذه الصدقة بيد علي منعها علي عباسًا فغلبه عليها ثم كانت بيد الحسن بن علي رضي الله عنهما ثم بيد الحسين بن علي ثم بيد علي بن الحسين وحسن بن حسن كلاهما كانا يتداولانها ثم بيد زيد بن حسن رضي الله عنهم وهي صدقة رسول الله حقًا. ثم ذكر البخاري بسنده أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما أرضه من فدك وسهمه من خيبر فقال أبو بكر سمعت رسول الله يقول ( لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال ) والله لقرابة رسول الله أحب إلي أن أصل من قرابتي. فتأمل ما في حديث عائشة والذي قبله تعلم حقية ما عليه أبو بكر رضي الله عنه وذلك أن استباب علي والعباس صريح في أنهما متفقان على أنه غير إرث وإلا لكان للعباس سهمه ولعلي سهم زوجته ولم يكن للخصام بينهما وجه فخصامهما إنما هو لكونه صدقة وكل منهما يريد أن يتولاها فأصلح بينهما عمر رضي الله عنه وأعطه لهما بعد أن بين لهما وللحاضرين السابقين وهم من أكابر العشرة المبشرين بالجنة أن النبي قال ( لا نورث ما تركناه صدقة ) وكلهم حتى علي والعباس أخبر بأنه يعلم أن النبي قال ذلك فحينئذ أثبت عمر أنه غير إرث ثم دفعه إليهما ليعملا فيه بسنة رسول الله وبسنة أبي بكر فأخذاه على ذلك وبين لهما أن ما فعله أبو بكر فيه كان فيه صادقًا بارًا راشدًا تابعًا للحق فصدقاه على ذلك فهل بقي لمعاند بعد ذلك من شبهة فإن زعم بقاء شبهة قلنا يلزمك أن تغلب عليًا على الجميع وأخذه من العباس ظلم لأنه يلزم على قولكم بالإرث أن لعباس فيه حصة فكيف مع ذلك ساغ لعلي أن يتغلب على الجميع ويأخذه من العباس ثم كان في يد بنيه وبنيهم من بعده ولم يكن منه شيء في يد بني العباس فهل هذا من علي وذريته إلا صريح الاعتراف بأنه صدقة وليس بإرث وإلا لزم عليه عصيان علي وبنيه وظلمهم وفسقهم وحاشاهم الله من ذلك بل هم معصومون عند الرافضة ونحوهم فلا يتصور لهم ذنب فإذا استبدوا بذلك جميعه دون العباس وبنيه علمنا بأنهم قائلون بأنه صدقة وليس بإرث وهذا عين مدعانا وتأمل أيضًا أن أبا بكر رضي الله عنه منع أزواج النبي من ثمنهن أيضًا فلم يخص المنع بفاطمة والعباس ولو كان مداره على محاباة لكان أولى من يحابيه ولده فلما لم يحاب عائشة ولم يعطها شيئًا علمنا أنه على الحق المر الذي لا يخشى فيه لومة لائم. وتأمل أيضًا تقرير عمر رضي الله عنه للحاضرين ولعلي والعباس رضي الله عنهما بحديث لا نورث وتقرير عائشة لأمهات المؤمنين به أيضًا وقول كل منهما ألم تعلموا يظهر لك من ذلك أن أبا بكر لم ينفرد برواية هذا الحديث وأن أمهات المؤمنين وعليًا والعباس وعثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعدًا كلهم كانوا يعلمون أن النبي قال ذلك وأن أبا بكر إنما انفرد باستحضاره أولا ثم استحضره الباقون وعلموا أنهم سمعوه منه فالصحابة رضوان الله عليهم لم يعملوا برواية أبي بكر وحدها وإن كانت كافية أي كفاية في ذلك وإنما عملوا بها وبما انضم إليها من علم أفاضلهم الذين ذكرناهم بها أيضًا فبان بذلك اتضاح ما فعله أبو بكر رضي الله عنه وأنه لا شبهة فيه بوجه من الوجوه وأنه الحق الصدق الذي لا يشوبه أدنى شائبة تعصب ولا حمية وأن من خالف في ذلك فهو كاذب جاهل أحمق معاند لا يعبأ الله به ولا بقوله ولا يبالي به في أي واد هلك نسأل الله السلامة في العقل والدين. ولا يقال أقر أبو بكر أمهات المؤمنين في حجرهن وكان يتعين صرفها للفقراء كما فعل في فدك وكيف استجاز هو وعمر أن يدفنا معه مع قوله تعالى ( لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ) ولم دفع لعلي بغلة رسول الله وسيفه وهو لا تحل له الصدقة ولم كان أبو بكر وعمر يعطيان عائشة في كل سنة عشرة آلاف درهم وهل هذه إلا محاباة إذ هو فاضل عن نفقتها المرتبة في تركة رسول الله من فدك وغيرها لأنا نقول. الجواب عن الأول أن الحجر ملكهن واختصاصهن بدليل ( وقرن في بيوتكن ) إذ يحتمل أنه قسمها بينهن في حياته فلم يجز إخراجهن منها كما لم تخرج فاطمة من حجرتها أو أنه رأى الصلاح في إقرارها بأيديهن كيد فاطمة على حجرتها ولأنهن في حكم المعتدات لبقاء تحريمهن ولهذا قال ( ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عيالي فهو صدقة ) فاستثناء نفقتهن صريح فيما قلناه. وعن الثاني أنه بان أن حجرة عائشة ملكها أو اختصاصها ولم يدفنا إلا بإذنها ولهذا استأذنها عمر في ذلك ثم أوصى أن تستأذن بعد موته خوفًا أنها لم تأذن أولا إلا حياء منه. وأيضًا فالرأي في الحجر كما كان له في حياته يكون لخليفته بعده فيحتمل أنهما أرادا ذلك لمصلحة رأياها كدفن ظالم ثم أو أنه أذن لهما في ذلك في حياته أو أشار إليه كما في قصة بئر أريس ووضع أحجار مسجد قباء وغيرهما وقد أشار إليه بكونهما كانا أقرب الناس مكانًا له وأكثر ملازمة ومن ثم قال علي لما دخل على عمر حين وضع على سريره رضي الله عنهما يرحمك الله إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك لأني كثيرًا ما كنت اسمع رسول الله يقول ( كنت أنا وأبا بكر وعمر وفعلت أنا وأبا بكر وعمر وانطلقنا أنا وأبو بكر وعمر وإني كنت لأرجو الله أن يجعلك معهما وقد أوصى الحسن رضي الله عنه أن يدفن معهم فمنعه من ذلك مروان وغيره فما أجابوا به عنه كان جوابنا. وعن الثالث أنه لم يدفع ذلك لعلي ميراثًا ولا صدقة لما مر بل بطريق الوصية منه إليه على ما ورد وعلى فرض عدم الوصية فيحتمل أنه دفعهما إليه عارية أو نحوها ليستعين بهما في الجهاد ولتميزه عن غيره بالشجاعة العظمى أوثر بذلك ويحتمل أن غيره اشترى ذلك ودفعه إليه والصدقة لا تحرم عليه نفلها. وأما البردة التي كانت بيد الخلفاء فليست من مخلفه وإنما هي التي كساها كعب بن زهير لما أنشده بانت سعاد فاشتراها معاوية منه واستمر الخلفاء يتوارثونها. وعن الرابع أن بر أمهات المؤمنين واجب على كل أحد والإمام أولى بذلك على أنه إنما يتوجه أن لو خصا عائشة وحفصة بذلك وليس كذلك بل أعطياه لكل منهن على أن عليًا كان يفعله فإن توجه إليهما به عتب توجه إليه كعثمان بل استزادت عائشة عليًا فمنعها بقوله لا أزيدها على ما كان يدفع إليها عمر. وأدل دليل وأقواه على أن عليًا لم يكن معتقدًا أن رسول الله يورث وأن الشيخان ظلما أنه لما ولي وصار مخلف رسول الله بيده لم يغير شيئًا مما فعلاه ولم يقسم لبني العباس ولا لأمهات المؤمنين منها ولا لأولاده من فاطمة نصيبهم منها مما ورثته فدل ذلك دلالة قطعية على أن اعتقاده موافق لاعتقادهما كبقية الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.

تنبيه لا يعارض قوله ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ) قوله تعالى ( وورث سليمان داود ) لأن المراد ليس وراثة المال بل النبوة والملك ونحوهما بدليل اختصاص سليمان بالإرث مع أن له تسعة عشر أخًا فلو كان المراد المال لم يختص به سليمان وسياق ( علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء ) قاض بما ذكرناه. ووراثة العلم قد وقعت في آيات منها ( ثم أورثنا الكتاب ) ( فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب ) وقوله تعالى ( فهب لي من لدنك وليًا يرثني ) لأن المراد ذلك فيها أيضًا بدليل ( وإني خفت الموالي من ورائي ) أي أن يضيعوا العلم والدين وبدليل ( من آل يعقوب ) وهم أولاده الأنبياء على أن زكريا لم يحك أحد أنه كان له مال حتى يطلب ولدًا يرثه ولو سلم فمقام النبي يأبى طلب ذلك إذ القصد بالولد إحياء ذكر الأب والدعاء له وتكثير سواد الأمة فمن طلبه لغير ذلك كان ملومًا سيما إن قصد به حرمان عصبته من إرثه لو لم يوجد له ولد.

الشبهة الثامنة

زعموا أن النبي نص على الخلافة لعلي إجمالا قالوا لأنا نعلم قطعًا وجود نص جلي وإن لم يبلغنا لأن عادته في حياته قاضية بالاستخلاف على المدينة عند غيبته عنها حتى لا يتركهم فوضى أي متساوين لا رئيس لهم فإذا لم يخل بذلك في حياته فبعد وفاته أولى.

وجوابها مر مبسوطًا في الفصل الرابع بأدلته ومنه إنما ترك ذلك لعلمه بأن الصحابة يقومون به ويبادرون إليه لعصمتهم عن الخطأ اللازم لتركهم له ومن ثم لم ينص على كثير من الأحكام بل وكلها إلى آراء مجتهديهم. على أنا نقول انتفاء النص الجلي معلوم قطعًا وإلا لم يمكن ستره عادة إذ هو مما تتوفر الدواعي على نقله وأيضًا لو وجد نص لعلي لمنع به غيره كما منع أبو بكر مع أنه أضعف من علي عندهم الأنصار بخبر الأئمة من قريش فأطاعوه مع كونه خبر واحد وتركوا الإمامة وادعاءها لأجله فكيف حينئذ يتصور وجود نص جلي بتعين علي وهو بين قوم لا يعصون خبر الواحد في أمر الإمامة وهم من الصلابة في الدين بالمحل الأعلى بشهادة بذلهم الأنفس والأموال ومهاجرتهم الأهل والوطن وقتلهم الأولاد والآباء في نصرة الدين ثم لا يحتج علي عليهم بذلك النص الجلي بل ولا قال أحد منهم عند طول النزاع في أمر الإمامة ما لكم تتنازعون فيها والنص الجلي قد عين فلانًا لها فإن زعم زاعم أن عليًا قال لهم ذلك فلم يطيعوه كان جاهلا ضالا مفتريًا منكرًا للضروريات فلا يلتفت إليه. وأما الخبر الآتي في فضائل علي أنه قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أنشد الله من شهد يوم غدير خم إلا قام ولا يقوم رجل يقول نبئت أو بلغني إلا رجل سمعت أذناه ووعاه قلبه فقام سبعة عشر صحابيًا وفي رواية ثلاثون فقال هاتوا ما سمعتم فذكروا الحديث الآتي ومن جملته من كنت مولاه فعلي مولاه فقال صدقتم وأنا على ذلك من الشاهدين فإنما قال ذلك علي بعد أن آلت إليه الخلافة لقول أبي الطفيل راويه كما ثبت عند أحمد والبزار جمع علي الناس بالرحبة يعني بالعراق ثم قال لهم أنشد الله من شهد يوم غدير خم إلى آخر ما مر فأراد به حثهم على التمسك به والنصرة له حينئذ.

الشبهة التاسعة

زعموا وجود نص على الخلافة لعلي تفصيلا وهو قوله تعالى ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ) وهي تعم الخلافة وعلي من أولي الأرحام دون أبي بكر.

وجوابها منع عموم الآية بل هي مطلقة فلا تكون نصًا في الخلافة فرق ظاهر بين المطلق والعام إذ عموم الأول بدلي والثاني شمولي.

الشبهة العاشرة

زعموا أن من النص التفصيلي المصرح بخلافة علي قوله تعالى ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ) الآية قالوا والوالي إما الأحق والأولى بالتصرف كولي الصبي وإما المحب والناصر وليس له في اللغة معنى ثالث والناصر غير مراد لعموم النصرة لكل المؤمنين بنص قوله تعالى ( والمؤمنون المؤمنات بعضهم أولياء بعض ) فلم يصح الحصر بإنما في المؤمنين الموصوفين بما في الآية فتعين أنه في الآية المتصرف وهو الإمام وقد أجمع أهل التفسير على أن المراد بالذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون علي إذ سبب نزولها أنه سئل وهو راكع فأعطى خاتمه وأجمعوا أن غيره كأي بكر غير مراد فتعين أنه المراد في الآية فكانت نصا في إمامته.

وجوابها منع جميع ما قالوه إذ هو حزر وتخمين من غير إقامة دليل يدل له بل الولي فيها بمعنى الناصر ويلزم على ما زعموه أن عليًا أولى بالتصرف حال حياة رسول الله ولا شبهة في بطلانه وزعمهم الإجماع على إرادة علي دون أبي بكر كذب قبيح لأن أبا بكر داخل في جملة الذين آمنوا والذين يقيمون الصلاة الخ لتكرر صيغة الجمع فيه فكيف يحمل على الواحد ونزولها في حق علي لا ينافي شمولها لغيره ممن يجوز اشتراكه معه في تلك الصفة وكذلك زعمهم الإجماع على نزولها في علي باطل أيضًا فقد قال الحسن وناهيك به جلالة وإمامة إنها عامة في سائر المؤمنين ويوافقه أن الباقر وهو من هو سئل عمن نزلت فيه هذه الآية أهو علي فقال علي من المؤمنين ولبعض المفسرين قوله ( إن الذين آمنوا ) ابن سلام وأصحابه ولبعض آخر منهم قول إنه عبادة بن الصامت لما تبرأ من حلفائه من اليهود وقال عكرمة وناهيك به حفظًا لعلوم مولاه ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما إنها نزلت في أبي بكر فبطل ما زعموه. وأيضًا فحمل الولي على ما زعموه لا يناسب ما قبلها وهو ( لا تتخذوا اليهود ) إلخ إذ الولي فيها بمعنى الناصر جزمًا ولا ما بعدها وهو من يتول الله ورسوله الخ إذ التولي هنا بمعنى النصرة فوجب حمل ما بينهما عليها أيضًا لتتلاءم أجزاء الكلام.

الشبهة الحادية عشرة

زعموا أن من النص التفصيلي المصرح بخلافة علي قوله يوم غدير خم موضع بالجحفة مرجعه من حجة الوداع بعد أن جمع الصحابة وكرر عليهم ( ألست أولى بكم من أنفسكم ) ثلاثًا وهم يجيبون بالتصديق والاعتراف ثم رفع يد علي وقال ( من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وابغض من أبغضه وانصر من نص ره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار ) قالوا فمعنى المولى الأولى أي فلعلي عليهم من الولاء ماله عليهم منه بدليل قوله ( ألست أولى بكم ) لا الناصر وإلا لما احتاج إلى جمعهم كذلك مع الدعاء له لأن ذلك يعرفه كل أحد قالوا ولا يكون هذا الدعاء إلا لإمام معصوم مفترض الطاعة قالوا فهذا نص صريح صحيح على خلافته انتهى.

وجواب هذه الشبهة التي هي أقوى شبههم يحتاج إلى مقدمة وهي بيان الحديث ومخرجيه وبيانه أنه /حديث صحيح / لا مرية فيه وقد /أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد /و طرقه كثيرة جدًا ومن ثم رواه ستة عشر صحابيًا وفي رواية لأحمد أنه سمعه من النبي ثلاثون صحابيًا وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته كما مر وسيأتي وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ولا التفات لمن قدح في صحته ولا لمن رده بأن عليًا كان باليمن لثبوت رجوعه منها وإدراكه الحج مع النبي وقول بعضهم إن زيادة اللهم وال من والاه الخ موضوعة مردود فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيرًا منها. وبالجملة فما زعموه مردود من وجوه نتلوها عليك وإن طالت لمسيس الحاجة إليها فاحذر أن تسأمها أو تغفل عن تأملها. أحدها أن فرق الشيعة اتفقوا على اعتبار التواتر فيما يستدل به على الإمامة وقد علم نفيه لما مر من الخلاف في صحة هذا الحديث بل الطاعنون في صحته جماعة من أئمة الحديث وعدوله المرجوع إليهم فيه كأبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي وغيرهم فهذا الحديث مع كونه آحادًا مختلف في صحته فكيف ساغ لهم أن يخالفوا ما اتفقوا عليه من اشتراط التواتر في أحاديث الإمامة ويحتجون بذلك ما هذا إلا تناقض قبيح وتحكم لا يعتضد بشيء من أسباب الترجيح. ثانيها لا نسلم أن معنى الولي ما ذكروه بل معناه الناصر لأنه مشترك بين معان كالمعتق والعتيق والمتصرف في الأمر والناصر والمحبوب وهو حقيقة في كل منها وتعيين بعض معاني المشترك من غير دليل يقتضيه تحكم لا يعتد به وتعميمه في معانيه كلها لا يسوغ لأنه إن كان مشتركًا لفظيًا بأن تعدد وضعه بحسب تعدد معانيه كان فيه خلاف والذي عليه جمهور الأصوليين وعلماء البيان واقتضاه استعمالات الفصحاء للمشترك أنه لا يعم جميع معانيه على أنا لو قلنا بتعميمه على القول الآخر أو بناء على أنه مشترك معنوي بأن وضع وضعًا واحدًا للقدر المشترك وهو القرب المعنوي من الولي بفتح فسكون لصدقه بكل ما مر فلا يأتي تعميمه هنا لامتناع إرادة كل من المعتق والعتيق فتعين إرادة البعض ونحن وهم متفقون على صحة إرادة الحب بالكسر وعلي رضي الله عنه سيدنا وحبيبنا على أن كون المولى بمعنى الإمام لم يعهد لغة ولا شرعًا أما الثاني فواضح وأما الأول فلأن أحدًا من أئمة العربية لم يذكر أن مفعلا يأتي بمعنى افعل وقوله تعالى ( مأواكم النار هي مولاكم ) أي مقركم أو ناصرتكم مبالغة في نفي النصرة كقولهم الجوع زاد من لا زاد له وأيضًا فالاستعمال يمنع من أن مفعلا بمعنى افعل إذ يقال هو أولى من كذا دون مولى من كذا وأولى الرجلين دون مولاهما وحينئذ فإنما جعلنا من معانيه المتصرف في الأمور نظرًا للرواية الآتية من كنت وليه فالغرض من التنصيص على موالاته اجتناب بغضه لأن التنصيص عليه أوفى بمزيد شرفه وصدره الست أولى بكم من أنفسكم ثلاثًا ليكون ابعث على قبولهم وكذا بالدعاء لأجل ذلك أيضًا ويرشد لما ذكرناه حثه في هذه الخطبة على أهل بيته عمومًا وعلى علي خصوصًا ويرشد إليه أيضًا ما ابتدئ به هذا الحديث ولفظه عند الطبراني وغيره / بسند صحيح /أنه خطب بغدير خم تحت شجرات فقال ( أيها الناس إنه قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي يليه من قبله وإني لأظن أني يوشك أن أدعى فأجيب وإني مسؤول وإنكم مسؤولون فماذا أنتم قائلون ) قالوا نشهد إنك قد بلغت وجاهدت ونصحت فجزاك الله خيرًا فقال ( أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله وأن جنته حق وأن ناره حق وأن الموت حق وأن البعث حق بعد الموت وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ) قالوا بلى نشهد بذلك قال ( اللهم اشهد ) ثم قال ( يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى لبم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا مولاه يعني عليًا اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) ثم قال ( يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون علي الحوض حوض أعرض مما بين بصرى إلى صنعاء فيه عدد النجوم قدحان من فضة وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا علي الحوض ). وأيضًا فسبب ذلك كما نقله الحافظ شمس الدين الجزري عن ابن إسحاق أن عليًا تكلم فيه بعض من كان معه في اليمن فلما قضى رسول الله حجه خطبها تنبيهًا على قدره وردًا على من تكلم فيه كبريدة كما في البخاري أنه كان يبغضه وسبب ذلك ما صححه الذهبي أنه خرج معه إلى اليمن فرأى منه جفوة فنقصه للنبي فجعل يتغير وجهه ويقول ( يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) قلت بلى يا رسول الله قال ( من كنت مولاه فعلي مولاه ). وأما رواية ابن بريدة عنه لا تقع يا بريدة في علي فإن عليًا مني وأنا منه وهو وليكم بعدي ففي سندها الأجلح وهو وإن وثقه ابن معين لكن ضعفه غيره على أنه شيعي وعلى تقدير الصحة فيحتمل أنه رواه بالمعنى بحسب عقيدته وعلى فرض أنه رواه بلفظه فيتعين تأويله على ولاية خاصة نظير قوله ( أقضاكم علي ) على أنه وإن لم يحتمل التأويل فالإجماع على حقية ولاية أبي بكر وفرعيها قاض بالقطع بحقيتها لأبي بكر وبطلانهما لعلي لأن مفاد الإجماع قطعي ومفاد خبر الواحد ظني ولا تعارض بين ظني وقطعي بل يعمل بالقطعي ويلغى الظني على أن الظني لا عبرة به فيها عند الشيعة كما مر. ثالثها سلمنا أنه أولى لكن لا نسلم أن المراد أنه الأولى بالإمامة بل بالاتباع والقرب منه فهو كقوله تعالى ( إن أولى الن اس بإبراهيم للذين اتبعوه ) ولا قاطع بل ولا ظاهرعلى نفي هذا الاحتمال بل هو الواقع إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر وناهيك بهما من الحديث فإنهما لما سمعاه قالا له أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة /أخرجه الدارقطني /و أخرج أيضًا أنه قيل لعمر إنك تصنع بعلي شيئًا لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي فقال إنه مولاي. رابعها سلمنا أنه أولى بالإمامة فالمراد المآل وإلا كان هو الإمام مع وجوده ولا تعرض فيه لوقت المآل فكان المراد حين يوجد عقد البيعة له فلا ينافي حينئذ تقديم الأئمة الثلاثة عليه لانعقاد الإجماع حتى من علي عل يه كما مر وللأخبار السابقة المصرحة بإمامة أبي بكر وأيضًا فلا يلزم من أفضلية علي على معتقدهم بطلان تولية غيره لما مر أن أهل السنة أجمعوا على صحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل بدليل إجماعهم على صحة خلافة عثمان واختلافهم في أفضليته على علي وإن كان أكثرهم على أن عثمان أفضل منه كما يأتي وقد صح عن سفيان الثوري رضي الله تعالى عنه أنه قال من زعم أن عليًا كان أحق بالولاية من الشيخين فقد خطأهما والمهاجرين والأنصار وما أراه يرفع له عمل مع هذا إلى السماء نقل ذلك النووي عنه كما مر ثم قال هذا كلامه وقد كان حسن اعتقاده في علي رضي الله تعالى عنه بالمحل المعروف انتهى. وما أشار إليه من حسن اعتقاده في علي مشهور بل أخرج أبو نعيم عن زيد ابن الحباب أنه كان يرى رأي أصحابه الكوفيين يفضل عليًا على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلما صار إلى البصرة رجع إلى القول بتفضيلهما عليه. خامسها كيف يكون ذلك نصًا على إمامته ولم يحتج به هو ولا العباس رضي الله تعالى عنهما ولا غيرهما وقت الحاجة إليه وإنما احتج به علي في خلافته كما مر في الجواب على الثامنة من الشبه فسكوته عن الاحتجاج به إلى أيام خلافته قاض على من عنده أدنى فهم وعقل بأنه علم منه أنه لا نص فيه على خلافته عقب وفاة النبي على أن عليًا نفسه صرح بأنه لم ينص عليه ولا على غيره كما سيأتي عنه. وفي البخاري وغيره حديث خروج علي والعباس من عند النبي بطوله وهو صريح فيما ذكره من أنه لم ينص عند موته على أحد وكل عاقل يجزم بأن حديث من كنت مولاه فعلي مولاه ليس نصًا في إمامة علي وإلا لم يحتج هو والعباس إلى مراجعته المذكورة في حديث البخاري ولما قال العباس فإن كان هذا الأمر فينا علمناه مع قرب العهد جدًا بيوم الغدير إذ بينهما نحو الشهرين وتجويز النسيان على سائر الصحابة السامعين لخبر يوم الغدير مع قرب العهد وهم من هم في الحفظ والذكاء والفطنة وعدم التفريط والغفلة فيما سمعوه منه محال غير عادي يجزم العاقل بأدنى بديهته بأنه لم يقع منهم نسيان ولا تفريط وأنهم حال بيعتهم لأبي بكر كانوا متذكرين لذلك الحديث عالمين به وبمعناه على أنه خطب بعد يوم الغدير وأعلن بحق أبي بكر للحديث الثالث بعد المائة التي في فضائله فانظره ثم وسيأتي في الآية الرابعة في فضائل أهل البيت أحاديث أنه في مرض موته وإنما حث على مودتهم ومحبتهم واتباعهم وفي بعضها آخر ما تكلم به النبي ( اخلفوني في أهل بيتي ) فتلك وصية بهم وشتان ما بينهما وبين مقام الخلافة. وزعم الشيعة والرافضة بأن الصحابة علموا هذا النص ولم ينقادوا له عناد ومكابرة بالباطل كما مر وقوله إنما تركها على تقية كذب وافتراء أيضًا لما تلوناه عليك مبسوطًا فيما مر ومنه أنه كان في منعه من قومه مع كثرتهم وشجاعتهم ولذا احتج أبو بكر رضي الله تعالى عنه على الأنصار لما قالوا منا أمير ومنكم أمير بخبر الأئمة من قريش فكيف سلموا له هذا الاستدلال ولأي شيء لم يقولوا له ورد النص على إمامة علي فكيف تحتج بمثل هذا العموم. وقد أخرج البيهقي عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال أصل عقيدة الشيعة تضليل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. وإنما نبه رحمه الله على الشيعة لأنهم أقل فحشًا في عقائدهم من الرافضة وذلك لأن الرافضة يقولون بتكفير الصحابة لأنهم عاندوا بترك النص على إمامة علي بل زاد أبو كامل من رؤوسهم فكفر عليًا زاعمًا أنه أعان الكفار على كفرهم وأيدهم على الكتمان وعلى ستر ما لا يتم الدين إلا به أي لأنه لم يرد عنه قط أنه احتج بالنص على إمامته بل تواتر عنه أن أفضل الأمة أبو بكر وعمر وقبل من عمر إدخاله إياه في الشورى وقد اتخذ الملحدون كلام هؤلاء السفلة الكذبة ذريعة لطعنهم في الدين والقرآن. وقد تصدى بعض الأئمة للرد على الملحدين المحتجين بكلام الرافضة. ومن جملة ما قاله أولئك الملحدون كيف يقول الله ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) وقد ارتدوا بعد وفاة نبيهم إلا نحو ستة أنفس منهم لامتناعهم من تقديم أبي بكر على علي المرتضى الموصى به فانظر إلى حجة هذا الملحد تجدها عين حجة الرافضة قاتلهم الله أنى يؤفكون بل هم أشد ضررًا على الدين من اليهود والنصارى وسائر فرق الضلال كما صرح به علي رضي الله عنه بقوله تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة شرها من ينتحل حبنا ويفارق أمرنا ووجهه ما اشتملوا عليه من افترائهم من قبائح البدع وغايات العناد والكذب حتى تسلطت الملاحدة بسبب ذلك على الطعن في الدين وأئمة المسلمين. بل قال القاضي أبو بكر الباقلاني: إن فيما ذهبت إليه الرافضة مما ذكر إبطالا للإسلام رأسًا لأنه إذا أمكن اجتماعهم على الكتم للنصوص وأمكن فيهم نقل الكذب والتواطؤ عليه لغرض فيمكن أن سائر ما نقلوه من الأحاديث زور ويمكن أن القرآن عورض بما هو أفصح منه كما تدعيه اليهود والنصارى فكتمه الصحابة وكذا ما نقله سائر الأمم عن جميع الرسل يجوز الكذب فيه والزور والبهتان لأنهم إذا ادعوا ذلك في هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس فادعاؤهم إياه في باقي الأمم أحرى وأولى، فتأمل هذه المفاسد التي ترتبت على ما أصله هؤلاء وقد أخرج البيهقي عن الشافعي رضي الله عنه ما من أهل الأهواء أشهد بالزور من الرافضة وكان إذا ذكرهم عابهم أشد العيب. سادسها ما المانع من قوله في خطبته السابقة يوم الغدير هذا الخليفة بعدي فعدوله إلى ما سبق من قوله من كنت مولاه إلخ ظاهر في عدم إرادة ذلك بل ورد بسند رواته مقبولون كما قاله الذهبي وله طرق عن علي رضي الله تعالى عنه قال قيل يا رسول الله من نؤمر بعدك فقال إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينًا زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة وإن تؤمروا عمر تجدوه قويًا أمينًا لا يخاف في الله لومة لائم وإن تؤمروا عليًا ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديًا مهديًا يأخذ بكم الطريق المستقيم ورواه البزار بسند رجاله ثقات أيضًا كما قال البيهقي. فهو يدل على أن أمر الإمام موكول إلى من يؤمره المسلمون بالبيعة وعلى عدم النص بها لعلي. وقد أخرج جمع كالبزار /بسند حسن /و الإمام أحمد وغيرهما /بسند قوي /كما قاله الذهبي عن علي أنهم لما قالوا له استخلف علينا قال لا ولكن أترككم كما ترككم رسول الله. وأخرج البزار ورجاله رجال الصحيح ما استخلف رسول الله فأستخلف عليكم /وأخرجه الدارقطني /أيضًا وفي بعض طرقه زيادة دخلنا على رسول الله فقلنا يا رسول الله استخلف علينا قال ( لا إن يعلم الله فيكم خيرًا يول عليكم خيركم ) قال علي رضي الله عنه فعلم الله فينا خيرًا فولى علينا أبا بكر فقد ثبت بذلك أنه صرح بأن النبي لم يستخلف. وأخرج مسلم أنه قال من زعم أن عندنا شيئًا نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة فيها أسنان الإبل وشيء من الجراحات فقد كذب. وأخرج جمع كالداقطني وابن عساكر والذهبي وغيرهم إن عليًا لما قام بالبصرة قام إليه رجلان فقالا له أخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه لتستولي على الأمراء وعلى الأمة تضرب بعضهم ببعض أعهد من رسول الله عهده إليك فحدثنا فأنت الموثوق به والمأمون على ما سمعت فقال أما أن يكون عندي عهد من النبي عهده إلي في ذلك فلا والله لئن كنت أول من صدق به فلا أكون أول من كذب عليه ولو كان عندي منه عهد في ذلك ما تركت أخا بني تميم بن مرة وعمر بن الخطاب يثوبان على منبره ولقاتلتهما بيدي ولو لم أجد إلا بردتي هذه ولكن رسول الله لم يقتل قتلا ولم يمت فجأة مكث في مرضه أيامًا وليالي يأتيه المؤذن أو بلال يؤذنه بالصلاة فيأمر أبا بكر ليصلي بالناس وهو يرى مكاني ولقد أرادت امرأة من نسائه تصرفه عن أبي بكر فأبى وغضب وقال ( أنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس ) فلما قبض رسول الله نظرنا في أمورنا فاخترنا لدنيانا من رضيه رسول الله لديننا وكانت الصلاة عظم الإسلام وقوام الدين فبايعنا أبا بكر رضي الله تعالى عنه وكان لذلك أهلا لم يختلف عليه منا اثنان. وفي رواية فأقام بين أظهرنا الكلمة واحدة والأمر واحد لا يختلف عليه منا اثنان. وفي رواية فاخترنا لدنيانا من اختاره لديننا فأديت إلى أبي بكر حقه وعرفت له طاعته وغزوت معه في جنوده وكنت آخذ إذا أعطاني وأغزو إذا أغزاني وأضرب بين يديه الحدود بسوطي فلما قبض ولاها عمر فأخذها بسنة صاحبه وما يعرف من أمره فبايعنا عمر لم يختلف عليه منا اثنان فأديت له حقه وعرفت له طاعته وغزوت معه في جيوشه وكنت آخذ إذا أعطاني وأغزو إذا أغزاني وأضرب بين يديه الحدود بسوطي فلما قبض تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وفضلي وأنا أظن أن لا يعدل بي ولكن خشي أن لا يعمل الخليفة بعده شيئًا إلا لحقه في قبره فأخرج منها نفسه وولده ولو كانت محاباة لآثر ولده بها وبرئ منها لرهط أنا أحدهم وظننت أن لا يعدلوا بي فأخذ عبد الرحمن بن عوف مواثيقنا على أن نسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا ثم بايع عثمان فنظرت فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي وإذا ميثاقي قد أخذ لغيري فبايعنا عثمان فأديت له حقه وعرفت له طاعته وغزوت معه في جيوشه وكنت آخذ إذا أعطاني وأغزو إذا أغزاني وأضرب بين يديه الحدود بسوطي فلما أصيب نظرت فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله إليهما بالصلاة قد مضيا وهذا الذي أخذ له ميثاقي قد أصيب فبايعني أهل الحرمين وأهل هذين المصرين أي الكوفة والبصرة فوثب فيها من ليس مثلي ولا قرابته كقرابتي ولا علمه كعلمي ولا سابقته كسابقتي وكنت أحق بها منه يعني معاوية. وأخرجه أيضًا هؤلاء وإسحاق بن راهوية من طرق أخرى قال الذهبي وهذه طرق يقوي بعضها بعضًا قال وأصح ها ما رواه إسماعيل بن علية وذكره وفيه أنه لما قيل لعلي أخبرنا عن مسيرك هذا أعهد عهده إليك أم رأي رأيته فقال بل رأى رأيته وأخرج أحمد عنه أنه قال يوم الجمل لم يعهد إلينا رسول الله عهدًا نأخذ به في الإمارة ولكن شيء رأيناه من قبل أنفسنا. وأخرج الهروي والدارقطني نحوه بزيادة فهذه الطرق كلها عن علي متفقة على نفي النص بإمامته ووافقه على ذلك علماء أهل بيته فقد أخرج أبو نعيم عن الحسن المثنى بن الحسن السبط أنه لما قيل له ذلك أي أن خبر من كنت مولاه فعلي مولاه نص في إمامة علي فقال أما والله لو يعني النبي بذلك الإمارة والسلطان لأفصح لهم به فإن رسول الله كان أنصح الناس للمسلمين ولقال لهم أيها الناس هذا ولي أمري والقائم عليكم بعدي فاسمعوا له وأطيعوا ما كان من هذا شيء فوالله لئن كان الله ورسوله اختارا عليًا لهذا الأمر والقيام به للمسلمين من بعده ثم ترك علي أمر الله ورسوله أن يقوم به أو يعذر فيه إلى المسلمين إن كان أعظم الناس خطيئة لعلي إذ ترك أمر الله ورسوله الله وحاشاه من ذلك وفي رواية ولو كان هذا الأمر كما تقول وأن الله اختار عليا للقيام على الناس لكان علي أعظم الناس خطيئة أن ترك أمر رسول الله ولم يقم به فقال الرجل ألم يقل رسول الله من كنت مولاه فعلي مولاه فقال الحسن أما والله لو عنى به القيام على الناس والإمرة لأفصح به وأفصح عنه كما أفصح عن الصلاة والزكاة ولقال أيها الناس إن عليًا ولي أمركم من بعدي والقائم في الناس بأمري فلا تعصوا أمره. وأخرج الدارقطني عن أبي حنيفة أنه لما قدم المدينة سأل أبا جعفر الباقر عن أبي بكر وعمر فترحم عليهما فقال له أبو حنيفة إنهم يقولون عندنا بالعراق إنك تتبرأ منهما فقال معاذ الله كذبوا ورب الكعبة ثم ذكر لأبي حنيفة تزويج علي بنته أم كلثوم بنت فاطمة من عمر وأنه لو لم يكن لها أهلا ما زوجه إياها فقال له أبو حنيفة لو كتبت إليهم فقال لا يطيعوني بالكتب وتزويجه إياها يقطع ببطلان ما زعمه الرافضة وإلا لكان قد تعاطى تزويج بنته من كافر على زعمهم الفاسد قبحهم الله. سابعها قولهم هذا الدعاء وهو قوله ( اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) لا يكون إلا لإمام معصوم دعوى لا دليل عليها إذ يجوز الدعاء بذلك لأدنى المؤمنين فضلا عن أخصائهم شرعًا وعقلا فلا يستلزم كونه إمامًا معصومًا. وأخرج أبو ذر الهروي أن رسول الله قال ( عمر معي وأنا مع عمر والحق بعدي مع عمر حيث كان ) ولا قيل بدلالته على إمامة عمر عقب وفاة النبي ولا على عصمته ثم إن أرادوا بالعصمة ما ثبت للأنبياء قطعًا فباطل أو الحفظ فهذا يجوز لدون علي من المؤمنين. ودعواهم وجوب عصمة الإمام مبني على تحكيمهم العقل وهو وما بني عليه باطل لأمور بينها القاضي أبو بكر الباقلاني في كتابه في الإمامة أتم بيان وأوفى تحرير وقد أخرج الحاكم وصححه وحسنه غيره عن علي أنه قال يهلك في محب مفرط يقرظني بما ليس في ومبغض مفتر يحمله شنآني على أن يبهتني بما ليس في ثم قال وما أمرتكم بمعصية فلا طاعة لأحد في معصية الله تعالى فعلم به أنه لم يثبت لنفسه العصمة. ثامنها أنهم اشترطوا في الإمام أن يكون أفضل الأمة وقد ثبت بشهادة علي الواجب العصمة عندهم أن أفضلها أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما فوجبت صحة إمامتهما كما انعقد عليه الإجماع السابق.

الشبهة الثانية عشرة

زعموا أنه من النص التفصيلي على علي قوله له لما خرج إلى تبوك واستخلفه على المدينة ( أنت مني بم نزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) قالوا ففيه دليل على أن جميع المنازل الثابتة لهارون من موسى سوى النبوة ثابتة لعلي من النبي وإلا لما صح الاستثناء ومما ثبت لهارون من موسى استحقاقه الخلافة عنه لو عاش بعده إذ كان خليفته في حياته فلو لم يخلفه بعد مماته لو عاش بعده لكان لنقص فيه وهو غير جائز على الأنبياء وأيضًا فمن جملة منازله منه أنه كان شريكًا له في الرسالة ومن لازم ذلك وجوب الطاعة لو بقي بعده فوجب ثبوت ذلك لعلي إلا أن الشركة في الرسالة ممتنعة في حق علي فوجب أن يبقى مفترض الطاعة على الأمة بعد النبي عملا بالدليل بأقصى ما يمكن.

وجوابها أن الحديث إن كان غير صحيح كما يقوله الآمدي فظاهر وإن كان صحيحًا كما يقوله أئمة الحديث والمعول في ذلك ليس إلا عليهم كيف وهو في الصحيح فهو من قبيل الآحاد وهم لا يرونه حجة في الإمامة. وعلى التنزل فلا عموم له في المنازل بل المراد ما دل عليه ظاهر الحديث أن عليًا خليفة عن النبي مدة غيبته بتبوك كما كان هارون خليفة عن موسى عليه السلام في قومه مدة غيبته عنهم للمناجاة وقوله عليه السلام اخلفني في قومي لا عموم له حتى يقتضي الخلافة عنه في كل زمن حياته وزمن موته بل المتبادر منه ما مر أنه خليفته مدة غيبته فقط وحينئذ فعدم شموله لما بعد وفاة موسى عليه السلام إنما هو لقصور اللفظ عنه لا لعزله كما لو صرح باستخلافه في زمن معين. ولو سلمنا تناوله لما بعد الموت وأن عدم بقاء خلافته بعده عزل له لم يستلزم نقصًا يلحقه بل إنما يستلزم كمالا له أي كم ال لأنه يصير بعده مستقلا بالرسالة والتصرف من الله تعالى وذلك أعلى من كونه خليفة وشريكًا في الرسالة. سلمنا أن الحديث يعم المنازل كلها لكنه عام مخصوص إذ من منازل هارون كونه أخًا نبيًا والعام المخصوص غير حجة في الباقي أو حجة ضعيفة على الخلاف فيه ثم نفاذ أمر هارون بعد وفاة موسى لو فرض إنما هو للنبوة لا للخلافة عنه وقد نفيت النبوة هنا لاستحالة كون علي نبيًا فيلزم نفس مسببه الذي هو افتراض الطاعة ونفاذ الأمر. فعلم مما تقرر أنه ليس المراد من الحديث مع كونه آحادًا لا يقاوم الإجماع إلا إثبات بعض المنازل الكائنة له ارون من موسى وسياق الحديث وسببه يبينان ذلك البعض لما مر أنه قاله لعلي حين استخلفه فقال علي كما في الصحيح أتخلفني في النساء والصبيان كأنه استنقص تركه وراءه فقال له ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى يعني حيث استخلفه عند توجهه إلى الطور إذ قال اخلفني في قومي وأصلح وأيضًا فاستخلافه على المدينة لا يستلزم أولويته بالخلافة بعده من كل معاصريه افتراضًا ولا ندبًا بل كونه أهلا لها في الجملة وبه نقول وقد استخلف في مرار أخرى غير علي كابن أم مكتوم ولم يلزم منه بسبب ذلك أنه أولى بالخلافة بعده.

الشبهة الثالثة عشرة

زعموا أيضًا أن من النصوص التفصيلية الدالة على خلافة علي قوله لعلي ( أنت أخي ووصيي وخليفتي وقاضي ديني ) أي بكسر الدال وقوله ( أنت سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين ) وقوله ( سلموا على علي بإمرة الناس ).

وجوابها مر مبسوطًا قبيل الفصل الخامس ومنه أن هذه الأحاديث كذب باطلة موضوعة مفتراة عليه ألا لعنة الله على الكاذبين ولم يقل أحد من أئمة الحديث أن شيئًا من هذه الأكاذيب بلغ مبلغ الآحاد المطعون فيها بل كلهم مجمعون على أنها محض كذب وافتراء فإن زعم هؤلاء الجهلة الكذبة على الله ورسوله وعلى أئمة الإسلام ومصابيح الظلام أن هذه الأحاديث صحت عندهم قلنا لهم هذا محال في العادة إذ كيف تتفردون بعلم صحة تلك مع أنكم لم تتصفوا قط برواية ولا صحبة محدث ويجهل ذلك مهرة الحديث وسباقه الذين أفنوا أعمارهم في الأسفار البعيدة لتحصيله وبذلوا جهدهم في طلبه وفي السعي إلى كل من ظنوا عنده شيئًا منه حتى جمعوا الأحاديث ونقبوا عنها وعلموا صحيحها من سقيمها ودونوها في كتبهم على غاية من الاستيعاب ونهاية من التحرير وكيف والأحاديث الموضوعة جاوزت مئات الألوف وهم مع ذلك يعرفون واضع كل حديث منها وسبب وضعه الحامل لواضعه على الكذب والافتراء على نبيه فجزاهم الله خير الجزاء وأكمله إذ لولا حسن صنيعهم هذا لاستولى المبطلون والمتمردة [و]على المفسدون الدين وغيروا معالمه وخلطوا الحق بكذبهم حتى لم يتميز عنه فضلوا وأضلوا ضلالا مبينًا لكن لما حفظ الله على نبيه شريعته من الزيغ والتبديل بل والتحريف وجعل من أكابر أمته في كل عصر طائفة على الحق لا يضرهم من خذلهم لم يبال الدين بهؤلاء الكذبة المبطلة الجهلة ومن ثم قال تركتكم على الواضحة البيضاء ليلها كنهارها ونهارها كليلها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك. ومن عجيب أمر هؤلاء الجهلة أنا إذا استدللنا عليهم بالأحاديث الصحيحة الدالة صريحًا على خلافة أبي بكر كخبر اقتدوا باللذين من بعدي وغيره من الأخبار الناصة على خلافته التي قدمتها مستوفاة في الفصل الثالث قالوا هذا خبر واحد فلا يغني فيما يطلب فيه التعيين وإذا أرادوا أن يستدلوا على ما زعموه من النص على خلافة علي أتوا بأخبار تدل لزعمهم كخبر من كنت مولاه وخبر أنت مني بمنزلة هارون من موسى مع أنها آحاد وإما بأخبار باطلة كاذبة متيقنة البطلان واضحة الوضع والبهتان لا تصل إلى درجة الأحاديث الضعيفة التي هي أدنى مراتب الآحاد فتأمل هذا التناقض الصريح والجهل القبيح لكنهم لفرط جهلهم وع نادهم وميلهم عن الحق يزعمون التواتر فيما يوافق مذهبهم الفاسد وإن أجمع أهل الحديث والأثر على أنه كذب موضوع مختلق ويزعمون فيما يخالف مذهبهم أنه آحاد وإن اتفق أولئك على صحته وتواتر رواته تحكمًا وعنادًا وزيغًا عن الحق فقاتلهم الله ما أجهلهم وأحمقهم.

الشبهة الرابعة عشرة

زعموا أنه لو كان أهلا للخلافة لما قال لهم أقيلوني أقيلوني لأن الإنسان لا يستقيل من الشيء إلا إذا لم يكن أهلا له.

وجوابها منع الحصر فيما عللوا به فهو من مفترياتهم وكم وقع للسلف والخلف التورع عن أمور هم لها أهل وزيادة بل لا تكمل حقيقة الورع والزهد إلا بالإعراض عما تأهل له المعرض وأما مع عدم التأهل فالإعراض واجب لا زهد ثم سببه هنا أنه إما خشي من وقوع عجز ما منه عن استيفاء الأمور على وجهها الذي يليق بكماله أو أنه قصد بذلك استبانة ما عندهم وأنه هل فيهم من يود عزله فأبرز ذلك لذلك فرآهم جميعهم لا يودون ذلك أو أنه خشي من لعنته لإمام قوم وهم له كارهون فاستعلم أنه هل فيهم أحد يكرهه أو لا. والحاصل أن زعم أن ذلك يدل على عدم أهليته غاية في الجهالة والغباوة والحمق فلا ترفع بذلك رأسًا.

الشبهة الخامسة عشرة

زعموا أيضًا أن عليًا إنما سكت عن النزاع في أمر الخلافة لأن النبي أوصاه أن لا يوقع بعده فتنة ولا يسل سيفًا. وجوابها أن هذا افتراء وكذب وحمق وجهالة مع عظيم الغباوة عما يترتب عليه إذ كيف يعقل مع هذا الذي زعموه أنه جعله إمامًا واليًا على الأمة بعده ومنعه من سل السيف على من امتنع من قبول الحق ولو كان ما زعموه صحيحًا لما سل علي السيف في حرب صفين وغيرها ولما قاتل بنفسه وأهل بيته وشيعته وجالد وبارز الألوف منهم وحده أعاذه الله من مخالفة وصية رسول الله وأيضًا فكيف يتعقلون أنه يوصيه بعدم سل السيف على من يزعمون فيهم أنهم يجاهرون بأقبح أنواع الكفر مع ما أوجبه الله من جهاد مثلهم. قال بعض أئمة أهل البيت النبوي والعترة الطاهرة وقد تأملت كلماتهم فرأيت قومًا أعمى الهوى بصائرهم فلم يبالوا بما ترتب على مقالاتهم من المفاسد ألا ترى إلى قولهم إن عمر رضي الله عنه قاد عليًا بحمائل سيفه وحصر فاطمة فهابت فأسقطت ولدًا اسمه المحسن فقصدوا بهذه الفرية القبيحة والغباوة التي أورثتهم العار والبوار والفضيحة إيغار الصدور على عمر رضي الله عنه ولم يبالوا بما يترتب على ذلك من نسبة علي رضي الله عنه إلى الذل والعجز والخور بل ونسبة جميع بني هاشم وهم أهل النخوة والنجدة والأنفة إلى ذلك العار اللاحق بهم الذي لا أقبح منه عليهم بل ونسبة جميع الصحابة رضي الله عنهم إلى ذلك وكيف يسع من له أدنى ذوق أن ينسبهم إلى ذلك مع ما استفاض وتواتر عنهم من غيرتهم لنبيهم وشدة غضبهم عند انتهاك حرماته حتى قاتلوا وقتلوا الآباء والأبناء في طلب مرضاته ولا يتوهم إلحاق أدنى نقص أو سكوت على باطل بهؤلاء العصابة الكمل الذين طهرهم الله من كل رجس ودنس ونقص على لسان نبيه في الكتاب والسنة كما قدمته في المقدمة الأولى أول الكتاب بواسطة صحبتهم له وموته وهو عنهم راض وصدقهم في محبته واتباعه إلا عبدًا أضله الله وخذله ولعنه فباء منه تعالى بعظيم الخسار والبوار وأحله الله تعالى نار جهنم وبئس القرار نسأل الله السلامة في الدين آمين

خاتمة

قال شيخ الإسلام مجتهد عصره التقي السبكي رحمه الله ورضي عنه كنت بالجامع الأموي ظهر يوم الاثنين سادس عشر جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وسبعمائة فأحضر إلي شخص شق صفوف المسلمين في الجامع وهم يصلون الظهر ولم يصل وهو يقول لعن الله من ظلم آل محمد وهو يكرر ذلك فسألته من هو فقال أبو بكر قلت أبو بكر الصديق قال أبو بكر وعمر وعثمان ويزيد ومعاوية فأمرت بسجنه وجعل غل في عنقه ثم أخذه القاضي المالكي فضربه وهو مصر على ذلك وزاد فقال إن فلانًا عدو الله شهد عليه عندي بذلك شاهدان وقال إنه مات على غير الحق وإنه ظلم فاطمة ميراثها وأنه يعني أبا بكر كذب على النبي في منعه ميراثها وكرر عليه المالكي الضرب يوم الاثنين ويوم الأربعاء الذي يليه وهو مصر على ذلك ثم أحضروه يوم الخميس بدار العدل وشهد عليه في وجهه فلم ينكر ولم يقر ولكن صار كلما سئل يقول إن كنت قلت فقد علم الله تعالى فكرر السؤال عليه مرات وهو يقول هذا الجواب ثم أعذر عليه فلم يبد دافعًا ثم قيل له تب فقال تبت عن ذنوبي وكرر عليه الاستتابة وهو لا يزيد في الجواب على ذلك فطال البحث في المج لس على كفره وعدم قبول توبته فحكم نائب القاضي بقتله فقتل وسهل عندي قتله ما ذكرته من هذا الاستدلال فهو الذي انشرح صدري لتكفيره بسبسه ولقتله لعدم توبته وهو منزع لم أجد غيري سبقني إليه إلا ما سيأتي في كلام النووي وضعفه. وأطال السبكي الكلام في ذلك وهاأنا أذكر حاصل ما قاله مع الزيادة عليه مما يتعلق بهذه المسألة وتوابعها منها على ما أزيده بأي ونحوها فأقول. ادعى بعض الناس أن هذا الرجل الرافضي قتل بغير حق وشنع السبكي في الرد على مدعي ذلك بحسب ما ظهر له ورآه مذهبًا وإلا فمذهبنا كما ستعلمه أنه لا يكفر بذلك. فقال كذب من قال إنه قتل بغير حق بل قتل بحق لأنه كافر مصر على كفره وإنما قلنا إنه كافر لأمور. أحدها قوله في /الحديث الصحيح / ( من رمى رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إن كان كما قال وإلا رجعت عليه ). ونحن نتحقق أنا أبا بكر مؤمن وليس عدو الله ويرجع على هذا القائل ما قاله بمقتضى نص هذا الحديث على الحكم بكفره وإن لم يعتقد الكفر كما يكفر ملقي المصحف بقذر وإن لم يعتقد الكفر وقد حمل مالك رضي الله عنه هذا الحديث على الخوارج الذين كفروا أعلام الأمة فلم استنبطته من هذا الحديث موافق لما نص عليه مالك أي فهو موافق لقواعد مالك لا لقواعد الشافعي رضي الله عنهما. على أنه سيعلم مما سيأتي عن المالكية أن المعتمد عندهم في ذلك هذا الحديث وإن كان خبر واحد إلا أن خبر الواحد يعمل به في الحكم بالتكفير وإن كان جحده لا كفر به إذ لا يكفر جاحد الظني بل القطعي وقول النووي رحمه الله إن حمل مالك للحديث على الخوارج ضعيف لأن المذهب الصحيح عدم تكفيرهم فيه نظر وإنما يتجه ضعفه إن لم يصدر منهم سبب مكفر غير الخروج والقتال ونحوه وأما مع التكفير لمن تحقق إيمانه فمن أين للنووي ذلك انتهى. ويجاب بأن نص الشافعي رضي الله عنه وهو قوله أقبل شهادة أهل البدع والأهواء إلا الخطابية صريح فيما قاله النووي مع أن المعنى يساعده وأيضًا فتصريح أئمتنا في الخوارج بأنهم لا يكفرون وإن كفرونا لأنه بتأويل فلهم شبهة غير قطعية البطلان صريح فيما قاله النووي ويؤيده قول الأصوليين إنما لم تكفر الشيعة والخوارج لكونهم كفروا أعلام الصحابة المستلزم لتكذيبه في قطعه لهم بالجنة لأن أولئك المكفرين لم يعلموا قطعًا تزكية من كفروه على الإطلاق إلى مماته وإنما يتجه لتكفيرهم أن لو علموا ذلك لأنهم حينئذ يكونون مكذبين له. وبهذا تعلم أن جميع ما يأتي عن السبكي إنما هو اختيار له مبني على غير قواعد الشافعية وهو قوله جواب الأصوليين المذكور إنما نظروا فيه إلى عدم الكفر لأنه لا يستلزم تكذيبه ولم ينظروا لما قلناه إن الحديث السابق دال على كفره. وقد قال إمام الحرمين وغيره يكفر نحو الساجد لصنم وإن لم يكذب بقلبه وإلا يلزم على ذلك كفر من قال لمسلم يا كافر لأن محل ذلك في المقطوع بإيمانهم كالعشرة المبشرين بالجنة وعبد الله بن سلام ونحوهم بخلاف غيرهم لأنه أشار إلى اعتبار الباطن بقوله ( إن كان كما قال وإلا رجعت عليه ) نعم يلحق عندي وإن لم يذكر ذلك متكلم ولا فقيه بمن ورد النص فيهم من أجمعت الأمة على صلاحه وإمامته كابن المسيب والحسن وابن سيرين ومالك والشافعي. فإن قلت الكفر جحد الربوبية أو الرسالة وهذا المقتول مؤمن بالله ورسوله وآله وكثير من صحابته فكيف يكفر. قلت التكفير حكم شرعي سببه جحد ذلك أو قول أو فعل حكم الشارع بأنه كفر وإن لم يكن جحدًا وهذا منه فهو من أحسن الأدلة في المسألة وينضم إليه خبر الحلية من آذى لي وليًا فقد آذنته بالحرب /والخبر الصحيح /لعن المؤمن كقتله وأبو بكر أكبر أولياء المؤمنين فهذا هو المأخذ الذي ظهر لي في قتل هذا الرافضي وإن كنت لم أتقلده لا فتوى ولا حكمًا وانضم إلى احتجاجي بالحديث السابق ما اشتملت عليه أفعال هذا الرافضي من إظهاره ذلك في الملأ وإصراره عليه وإعلائه البدعة وأهلها وغمصه السنة وأهلها وهذا المجموع في هذه الشناعة وقد يحصل بمجموع أمور حكم لا يحصل بكل واحد منها وهذا معنى قول مالك تحدث للناس أحكام بقدر ما يحدث لهم من الفجور ولسنا نقول تتغير الأحكام بتغير الزمان بل باختلاف الصورة الحادثة. فهذا نهاية ما انشرح صدري له بقتل هذا الرجل له وأما السبب وحده ففيه ما قدمته وما سأذكره وإيذاؤه أمر عظيم إلا أنه ينبغي ضابط فيه وإلا فالمعاصي كلها تؤذيه ولم أجد في كلام أحد من العلماء أن سب الصحابي يوجب القتل إلا ما يأتي من إطلاق الكفر من بعض أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة ولم يصرحوا بالقتل وقد قال ابن المنذر لا أعلم أحدًا يوجب القتل لمن سب من بعد النبي. نعم حكي القتل عن بعض الكوفيين وغيرهم بل حكاه بعض الحنابلة رواية عن أحمد وعندي أنهم غلطوا فيه لأنهم أخذوه من قوله شتم عثمان زندقة وعندي أنه لم يرد أن شتمه كفر وإلا لم يكن زندقة لأنه أظهرها وإنما أراد قوله المروي عنه في موضع آخر من طعن في خلافة عثمان فقد طعن في المهاجرين والأنصار يعني أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أقام ثلاثة أيام ليلا ونهارًا يطوف على المهاجرين والأنصار ويخلو بكل واحد منهم رجالهم ونسائهم يستشيرهم فيمن يكون خليفة حتى اجتمعوا على عثمان فحينئذ بايعه فمعنى كلام أحمد أن شتم عثمان في الظاهر شتم له وفي الباطن تخطيئه لجميع المهاجرين والأنصار وتخطئة جميعهم كفر فكان زندقة بهذا الاعتبار فلا يؤخذ منه أن شتم أبي بكر وعمر كفر هذا لم ينقل عن أحمد أصلا فمن خرج من أصحابه رواية عنه مما قاله في شتم عثمان بقتل ساب أبي بكر مثلا لم يصنع شيئًا. والضابط أن كل شتم قصد به أذى النبي كما وقع من عبد الله بن أبي كفر وما لا فلا كما وقع من مسطح وحمنة في قصة الإفك وفي /الحديث الصحيح / ( لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ). وفي حديث رجاله ثقات وإن قال الترمذي إنه غريب ( الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضًا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه ). وقوله أصحابي الظاهر أن المراد بهم من أسلم قبل الفتح وأنه خطاب لمن أسلم بعده بدليل تفاوت الإنفاق فيه الموافق له قوله تعالى ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ) الآية فلا بد من تأويل بهذا أو بغيره ليكون المخاطبون غير الأصحاب الموصى بهم فهم كبار الأصحاب وإن شمل اسم الصحبة الجميع. وسمعت شيخنا التاج بن عطاء الله متكلم الصوفية على طريق الشاذلية يذكر في وعظه تأويلا آخر هو أنه له تجليات يرى فيها من بعده فهذا خطاب لمن بعده في حق جميع الصحابة الذين قبل الفتح وبعده. فإن ثبت ما قاله فالحديث شامل لجميعهم وإلا فهو فيمن قبل الفتح ويلحق بهم في ذلك من بعده فإنهم بالنسبة لغير الصحابة كالذين بعد الفتح بالنسبة لمن قبله وعلى كلا التقديرين فالظاهر أن هذه الحرمة ثابتة لكل واحد منهم أي وكلام النووي وغيره صحيح في ذلك. ثم الكلام إنما هو في سب بعضهم أما سب جميعهم فلا شك أنه كفر وكذا سب واحد منهم من حيث هو صحابي لأنه استخفاف بالصحبة فيكون استخفافًا به وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول الطحاوي بغضهم كفر فبغض الصحابة كلهم وبغض بعضهم من حيث الصحبة لا شك أنه كفر وأما سب أو بغض بعضهم لأمر آخر فليس بكفر حتى الشيخين رضي الله عنهما نعم حكى القاضي في كفر سابهما وجهين وجه عدم الكفر أن سب المعين أو بغضه قد يكون لأمر خاص به من الأمور الدنيوية أو غيرها كبغض الرافضي لهما فإنه إنما هو جهة الرفض وتقديمه عليًا واعتقاده بجهله أنه ما ظلماه وهما مبرآن عن ذلك فهو معتقد لجهله أنه ينتصر لعلي لقرابته رضي الله عنه للنبي فعلم أن بغض الرافضي للشيخين إنما هو لما استقر في ذهنه لجهله وما نشأ عليه من الفساد من اعتقاده ظلمهما لعلي وليس كذلك ولا علي يعتقد ذلك قطعًا. ومأخذ تكفير الرافضي بذلك أنه يعود من اعتقاده ذلك فيهما نقص في الدين لأنهما الأصل بعد النبي في إقامة الدين وإظاهره ومجاهدة المرتدين والمعاندين ومن ثم قال أبو هريرة رضي الله عنه لولا أبو بكر ما عبد الله بعد محمد أي لأنه الذي رأى قتال المرتدين مع مخالفة أكثر الصحابة له حتى أقام عليهم الأدلة الواضحة على قتال المرتدين ومانعي الزكاة إلى أن رجعوا إليه وقاتلوهم بأمره فكشف الله به وبهم تلك الغمة وأزال عن الإسلام والمسلمين تلك المحنة ثانيها أعني الأمور الدالة على قتل ذلك الرافضي أنه استحل لعن الشيخين وعثمان رضي الله عنهم بإقراره بذلك ومن استحل ما حرم الله فقد كفر ولعن الصديق وسبه محرمان واللعنة أشد وتحريم لعن الصديق معلوم من الدين بالضرورة لما تواتر عنه من حسن إسلامه وأفعاله الدالة على إيمانه وأنه دام على ذلك إلى أن قبضه الله تعالى هذا لا يشك فيه ولا يرتاب وإن شك فيه الرافضي نعم شرط الكفر بجحد الضروري أن يكون ضروريًا عند الجاحد حتى يستلزم جحده حينئذ تكذيبه وليس الرافضي يعتقد تحريم لعن أبي بكر فضلا عن كونه يعتقد أن تحريمه ضروري وقد ينفصل عنه بأن تواتر تحريم ذلك عند جميع الخلق يلغي شبهة الرافضي التي غلظت على قلبه حتى لم يعلم ذلك وهذا محل نظر وجدل وميل القلب إلى بطلان هذا العذر أي باعتبار ما ظهر للسبكي وإلا فقواعد المذهب قاضية بقبول هذا العذر بالنسبة لعدم التكفير لأنه إنما يسب أو يلعن متأولا وإن كان تأويله جهلا وعصبية وحمية لكن باب الكفر يحتاط فيه كما هو مقرر في محله. ثالثها إن هذه الهيئة الاجتماعية التي حصلت من هذا الرافضي ومجاهرته ولعنه لأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم واستحلاله ذلك على رؤوس الأشهاد وهم أئمة الإسلام والذين أقاموا الدين بعد النبي وما علم لهم من المناقب والمآثر كالطعن في الدين والطعن فيه كفر فهذه ثلاثة أدلة ظهرت لنا في قتله أي باعتبار ما ظهر وإلا فمذهب الشافعي رضي الله عنه ما قد علمت. رابعها المنقول عن العلماء فمذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أن من أنكر خلافة الصديق أو عمر فهو كافر على خلاف حكاه بعضهم وقال الصحيح أنه كافر والمسالة مذكورة في كتبهم في الغاية للسروجي والفتاوى الظهيرية والأصل لمحمد بن الحسن وفي الفتاوى البديعية فإنه قسم الرافضة إلى كفار وغيرهم وذكر الخلاف في بعض طوائفهم وفيمن أنكر إمامة أبي بكر وزعم أن الصحيح أنه يكفر. وفي المحيط أن محمدًا لا يجوز الصلاة خلف الرافضة ثم قال لأنهم أنكروا خلافة أبي بكر وقد اجتمعت الصحابة على خلافته. وفي الخلاصة من كتبهم أن من أنكر خلافة الصديق فهو كافر. وفي تتمة الفتاوى والرافضي المتغالي الذي ينكر خلافة أبي بكر يعني لا تجوز الصلاة خلفه. وفي المرغيناني وتكره الصلاة خلف صاحب هوى أو بدعة ولا تجوز خلف الرافضي ثم قال وحاصله إن كان هوى يكفر به لا يجوز وإلا يجوز ويكره. وفي شرح المختار وسب أحد من الصحابة وبغضه لا يكون كفرًا لكن يضلل فإن عليًا رضي الله عنه لم يكفر شاتمه. وفي الفتاوى البديعية من أنكر إمامة أبي بكر رضي الله عنه فهو كافر وقال بعضهم وهو مبتدع والصحيح أنه كافر وكذلك من أنكر خلافة عمر في أصح الأقوال ولم يتعرض أكثرهم للكلام على ذلك. وأما أصحابنا الشافعيون فقد قال القاضي حسين في تعليقه من سب النبي يكفر بذلك ومن سب صحابيًا فسق وأما من سب الشيخين أو الختنين ففيه وجهان أحدهما يكفر لأن الأمة أجمعت على إمامتهم والثاني يفسق ولا يكفر ولا خلاف أن من لا يحكم بكفره من أهل الأهواء لا يقطع بتخليدهم في النار وهل يقطع بدخولهم النار وجهان انتهى. وقال القاضي إسماعيل المالكي إنما قال مالك في القدرية وسائر أهل البدع يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا لأنه من الفساد في الأرض كما قال في المحارب وهو فساده في مصالح الدنيا وقد يدخل في الدين من قطع سبيل الحج والجهاد وفساد أهل البدع معظمه على الدين وقد يدخل في الدنيا بما يلقونه بين المسلمين من العداوة وقد اختلف قول مالك والأشعري في التكفير والأكثر على ترك التكفير. قال القاضي عياض لأن الكفر خصلة واحدة وهو الجهل بوجود الباري تعالى ووصف الرافضة بالشرك وإطلاق اللعنة عليهم وكذا الخوارج وسائر أهل الأهواء حجج للمكفرين وقد يجيب الآخرون بأنه قد ورد مثل هذه الألفاظ في غير الكفر تغليظًا وكفر دون كفر وإشراك دون إشراك وقوله في الخوارج اقتلوهم قتل عاد يقتضي الكفر والمانع يقول هو حد لا كفر. قال القاضي عياض في سب الصحابة قد اختلف العلماء فيه ومشهور مذهب مالك فيه الاجتهاد والأدب الموجع قال مالك رحمه الله من شتم النبي قتل وإن شتم الصحابة أدب وقال أيضًا من شتم أحدًا من أصحاب النبي أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص فإن قال كانوا على ضلال أو كفر قتل وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس نكل نكالا شديدًا انتهى. وقوله يقتل من نسبهم إلى ضلال أو كفر حسن إذا نسبهم إلى كفر لأنه شهد لكل منهم بالجنة فإن نسبهم إلى الظلم دون الكفر كما يزعم بعض الرافضة فهو محل التردد لأنه ليس من حيث الصحبة ولا لأمر يتعلق بالدين وإنما هو لخصوصيات تتعلق بأعيان بعض الصحابة ويرون أن ذلك من الدين لا تنقيص فيه. ولا شك أن الروافض ينكرون ما علم بالضرورة ويفترون على الصحابة بما يزعمون أنه موافق له ونحن نكذبهم في ذلك فلم يتحقق إلى الآن من مالك ما يقتضي قتل من هذا شأنه. وقال ابن حبيب من غلا من الشيعة إلى بغض عثمان والبراءة منه أدب أدبًا شديدًا ومن زاد إلى بغض أبي بكر وعمر فالعقوبة عليه أشد ويكرر ضربه ويطال سجنه حتى يموت ولا يبلغ به القتل إلا في سب النبي. قال سحنون من كذب أحدًا من أصحاب النبي عليًا أو عثمان أو غيرهما يوجع ضربًا. وحكى ابن أبي زيد عن سحنون من قال في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي إنهم كانوا على ضلال وكفر قتل ومن شتم غيرهم من الصحابة بمثل هذا نكل النكال الشديد انتهى. وقتل من كفر الأربعة ظاهر لأنه خلاف إجماع الأمة إلا الغلاة من الروافض فلو كفر الثلاثة ولم يكفر عليًا لم يصرح سحنون فيه بشيء وكلام مالك المتقدم أصرح فيه وروي عن مالك رضي الله عنه من سب أبا بكر جلد ومن سب عائشة قتل. وقال أحمد بن حنبل فيمن سب الصحابة أما القتل فأجبن عنه لكن اضربه ضربًا نكالا. وقال أبو يعلى الحنبلي الذي عليه الفقهاء في سب الصحابة إن كان مستحلا لذلك كفر وإن لم يكن مستحلا فسق ولم يكفر. قال وقد قطع طائفة من الفقهاء من أهل الكوفة وغيرهم وسئل عمن شتم أبا بكر قال كافر قيل يصلى عليه قال لا. وممن كفر الرافضة أحمد بن يونس وأبو بكر بن هانئ وقالا لا تؤكل ذبائحهم لأنهم مرتدون. وقال عبد الله بن إدريس أحد أئمة الكوفة ليس للرافضي شفعة لأنه لا شفعة إلا لمسلم. وقال أحمد في رواية أبي طالب شتم عثمان زندقة وأجمع القائلون بعدم تكفير من سب الصحابة على أنه فاسق وممن قال بوجوب القتل على من سب أبا بكر وعمر عبد الرحمن بن أبزى الصحابي رضي الله عنه وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قطع لسان عبيد الله بن عمر إذ شتم مقداد بن الأسود رضي الله عنه فكلم في ذلك فقال دعوني أقطع لسانه حتى لا يشتم أحدًا من أصحاب النبي وفي كتاب ابن شعبان من قال في واحد منهم إنه ابن زانية وأمه مسلمة حد حد عنه بعض أصحابنا حدين حدًا له وحدًا لأمه ولا أجعله كقاذف الجماعة في كلمة لفضل هذا على غيره ولقوله ( من سب أصحابي فاجلدوه ) قال ومن قذف أم أحدهم وهي كافرة حد حد الفرية لأنه سب له وإن كان أحد من ولد هذا الصحابي حيًا قام بما يجب له وإلا فمن قام من المسلمين كان على الإمام قبول قيامه قال وليس هذا كحقوق غير الصحابة لحرمة هؤلاء بنبيهم ولو سمعه الإمام وأشهد عليه وكان ولي القيام به. ومن سب عائشة رضي الله عنها ففيه قولان أحدهما يقتل والآخر كسائر الصحابة يجلد حد المفتري قال وبالأول أقول. وروى أبو مصعب عن مالك من سب آل بيت محمد يضرب ضربًا وجيعًا ويشهر ويحبس طويلا حتى يظهر توبته لأنه استخفاف بحق رسول الله. وأفتى أبو مطرف فيمن أنكر تحليف امرأة بالليل وقال لو كانت بنت أبي بكر ما حلفت إلا بالنهار بالأدب الشديد لذكر ابنة أبي بكر في مثل هذا. قال هشام بن عمار سمعت مالكًا يقول من سب أبا بكر وعمر قتل ومن سب عائشة رضي الله عنها قتل لأن الله تعالى يقول فيها ( يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدًا إن كنتم مؤمنين ) فمن رماها فقد خالف القرآن ومن خالف القرآن قتل. قال ابن حزم وهذا قول صحيح. واحتج المكفرون للشيعة والخوارج بتكفيرهم أعلام الصحابة رضي الله عنهم وتكذيب النبي في قطعه لهم بالجنة وهو احتجاج صحيح فيمن ثبت عليه تكفير أولئك. ومر أن أئمة الحنفية كفروا من أنكر خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والمسألة في الغاية وغيرها من كتبهم كما مر وفي الأصل لمحمد بن الحسن رحمه الله والظاهر أنهم أخذوا ذلك عن إمامهم أبي حنيفة رضي الله عنه وهو أعلم بالروافض لأنه كوفي والكوفة منبع الرفض والروافض طوائف منهم من يجب تكفيره ومنهم من لا يجب تكفيره فإذا قال أبو حنيفة بتكفير من ينكر إمامة الصديق رضي الله عنه فتكفير لاعنه عنده أولى أي إلا أن يفرق إذ الظاهر أن سبب تكفير منكر إمامته مخالفته للإجماع بناء على أن جاحد الحكم المجمع عليه كافر وهو المشهور عند الأصوليين وإمامته رضي الله عنه مجمع عليها من حين بايعه عمر رضي الله عنه ولا يمنع من ذلك تأخر بيعة بعض الصحابة فإن الذين تأخرت بيعتهم لم يكونوا مخالفين في صحة إمامته ولهذا كانوا يأخذون عطاءه ويتحاكمون إليه فالبيعة شيء والإجماع شيء ولا يلزم من أحدهما الآخر ولا من عدم أحدهما عدم الآخر فافهم ذلك فإنه قد يغلط فيه. فإن قلت شرط الكفر بإنكار المجمع عليه أن يعلم من الدين بالضرورة قلت وخلافة الصديق رضي الله عنه كذلك لأن بيعة الصحابة له ثبتت بالتواتر المنتهي إلى حد الضرورة فصارت كالمجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة وهذا لا شك فيه ولم يكن أحد من الروافض في أيام الصديق رضي الله عنه ولا في أيام عمر وعثمان وإنما حدثوا بعده فمقالتهم حادثة. وجوابه أن الخلافة من الوقائع الحاثة وليست حكمًا شرعيًا وجاحد الضروري إنما يكفر إذا كان ذلك الضروري حكمًا شرعيًا كالصلاة والحج لاستلزامه تكذيب النبي بخلاف الخلافة المذكورة إلا أن يقال إنه يتعلق بها أحكام شرعية كوجوب الطاعة وما أشبهه ومر عن القاضي حسين أن في كفر ساب الشيخين أو الختنين وجهين ولا ينافيه جزمه في موضع آخر بفسق ساب الصحابة وكذا ابن الصباغ وغيره وحكوه عن الشافعي رضي الله عنه لأنهما مسألتان فالثانية في مجرد السب وهو مفسق وإن كان المسبوب من آحاد الصحابة وأصاغرهم بخلاف الأول فإنها خاصة بسب الشيخين أو الختنين وهو أشد وأغلظ في الزجر بأن فيه وجهًا بالكفر وأما تكفير أبي بكر ونظرائه ممن شهد لهم النبي بالجنة فلم يتكلم فيها أصحاب الشافعي والذي أراه الكفر فيها قطعًا موافقة لمن مر ومر عن أحمد أن الطعن في خلافة عثمان طعن في المهاجرين والأنصار وصدق في ذلك فإن عمر جعل الخلافة شورى بين ستة عثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص فالثلاثة الأخيرون أسقطوا حقوقهم وعبد الرحمن لم يردها لنفسه وإنما أراد أن يبايع أحد الأولين عثمان أو عليًا فاحتاط لدينه وبقي ثلاثة أيام بلياليها لا ينام وهو يدور على المهاجرين والأنصار ويستشيرهم فيمن يتقدم عثمان أو علي ويجتمع بهم جماعات وفرادى ورجالا ونساء ويأخذ ما عند كل واحد منهم في ذلك إلى أن اجتمعت آراؤهم كلهم على عثمان رضي الله عنهم فبايعه فكانت بيعة عثمان عن إجماع قطعي من المهاجرين والأنصار فالطعن فيها طعن في الفريقين ومن ثم قال أحم أيضًا شتم عثمان زندقة ووجهه أنه بظاهره ليس بكفر وبباطنه كفر لأنه يؤدي إلى تكذيب الفريقين كما علمت فلا يفهم من كلامه كفر ساب الصحابة خلافًا لبعض أصحابه كما مر. فتلخص أن سب أبي بكر كفر عند الحنفية وعلى أحد الوجهين عند الشافعية ومشهور مذهب مالك أنه يجب به الجلد فليس بكفر نعم قد يخرج عنه ما مر عنه في الخوارج أنه كفر فتكون المسألة عنده على حالين إن اقتصر على السب من غير تكفير لم يكفر وإن كفر كفر فهذا الرافضي السابق ذكره كافر عند مالك وأبي حنيفة وأحد وجهي الشافعي وزنديق عند أحمد بتعرضه إلى عثمان المتضمن لتخطئة المهاجرين والأنصار وكفره هذا ردة لأن حكمه قبل ذلك حكم المسلمين والمرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل فكان قتله على مذهب جمهور العلماء أو جميعهم لأن القائل بأن الساب لا يكفر لم يتحقق منه أن يطرده فيمن يكفر أعلام الصحابة رضوان الله عليهم فأحد الوجهين عندنا إنما اقتصر على الفسق في مجرد السب دون التكفير وكذلك أحمد إنما جبن عن قتل من لم يصدر منه إلا السب والذي صدر من هذا الرجل أعظم من السب ومر أن الطحاوي قال في عقيدته وبغض الصحابة كفر فيحتمل أن يحمل على مجموع الصحابة وان يحمل على كل منهم لكن إذا بغضه من حيث الصحبة وأما جعل مجرد بغضه كفرًا فيحتاج لدليل وهذا الرافضي وأشباهه بغضهم للشيخين وعثمان رضي الله عنهم ليس لأجل الصحبة لأنهم يحبون عليًا والحسنين وغيرهما بل لهوى أنفسهم واعتقادهم بجهلهم وعنادهم ظلمهم لأهل بيت النبي فالظاهر أنهم إذا اقتصروا على السب من غير تكفير ولا جحد مجمع عليه لا يكفرون. خامسها يمكن التمسك أيضًا في قتل هذا الرافضي بأن هذا المقام الذي قامه لا شك أنه يؤذي النبي وإيذاؤه موجب للقتل بدليل /الحديث الصحيح / أنه قال فيمن آذاه ( من يكفيني عدوي ) فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه أنا أكفيكه فبعثه إليه النبي فقتله. لكن مر ما يخدش في ذلك وهو أن كل أذى لا يقتضي القتل وإلا لعم سائر المعاصي لأنها تؤذيه قال تعالى ( إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم ) الآية وهذا الرافضي إنما قصد بزعمه انتصاره لآل بيت النبي فلم يقصد إيذاءه أي فلم يتضح دليل على قتله. وأما الوقيعة في عائشة رضي الله عنها فموجبة للقتل إما لأن القرآن شهد ببراءتها فقذفها تكذيب له وتكذيبه كفر وإما لكونها فراشًا له والوقيعة فيها تنقيص له وتنقيصه كفر وينبني على ذلك حكم الوقيعة في بقية أمهات المؤمنين فعلى الأول لا يكون كفرًا وعلى الثاني يكون كفرًا وهو الأرجح عند بعض المالكية وإنما لم يقتل قذفة عائشة لأن قذفهم كان قبل نزول الآية فلم يتضمن تكذيب القرآن ولأن ذلك حكم نزل بعد نزول الآية فلم ينعطف حكمه على ما قبلها. سادسها مر في /الخبر الصحيح / لا تسبوا أصحابي من أحبهم أحبني ومن أبغضهم أبغضني ومن آذاهم آذاني وهذا يشمل سائر الصحابة لكنهم درجات فيتفاوت حكمهم في ذلك بتفاوت درجاتهم ومراتبهم والحرمة تزيد بزيادة من تعلقت به فلا يقتصر في سب أبي بكر رضي الله عنه على الجلد الذي يقتصر عليه في جلد غيره لأن ذلك الجلد لمجرد حق الصحبة فإذا انضاف إلى الصحبة غيرها مما يقتضي الاحترام لنصرة الدين وجماعة المسلمين وما حصل على يده من الفتوح وخلافة النبي وغير ذلك كان كل واحد من هذه الأمور يقتضي مزيد حق موجب لزيادة العقوبة عند الاجتراء عليه فتزداد العقوبة وليس ذلك لتجدد حكم بعد النبي بل لأنه شرع أحكامًا وأناطها بأسباب فنحن نتبع تلك الأسباب ونرتب على كل سبب منها حكمه وكان الصديق في حياة النبي له حق السبق إلى الإسلام والتصديق والقيام في الله تعالى والمحبة التامة والإنفاق العظيم البالغ أقصى غايات الوسع والإمكان على النبي وأصحابه والنصرة التامة وغير ذلك من خصاله الحميدة المذكورة في هذا الكتاب وغيره ثم بعد النبي ترتبت له خصوصيات وفضائل أخر كخلافته التي قام فيها بما لم يمكن أن يقوم به أحد من الأمة بعده كما هو معلوم مقطوع به لا ينكره إلا معاند مكابر جاهل غبي كمقاتلته لأهل الردة ومانعي الزكاة وما ظهر عنه في ذلك من الشجاعة التي لم يشق أحد فيها غباره ولم يدرك آثاره فبكل من ذلك يزداد حقه وحرمته ويستحق من اجترأ عليه زيادة العذاب والنكال فلا يبعد لكونه من الدين والفضل بهذا المحل الأسنى والمقام الأسمى أن يكون سابه طاعنًا في الدين فيستحق القتل على ما مر ولقد قتل الله بسبب يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام خمسة وسبعين ألفًا قال بعض العلماء وذلك دية كل نبي ويقال إن الله تعالى أوحى إلى نبينا ( أني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفًا ولأقتلن بالحسين ابن ابنتك سبعين ألفًا وسبعين ألفًا ) وهكذا الصديق رضي الله عنه يظهر تعالى حرمته وحقه بأخذ كثير من الروافض لعنهم الله الذين أخزاهم الله تعالى بقتل هذا الرافضي الخبيث الملعون وكانت ترتفع أنوفهم لو صفح عنه وقد قال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة رضي الله عنه التعزير يجوز بالقتل وتجرؤ هذا الرافضي على هذا المقام العلي الذي هو مقام الصديق والخلفاء الراشدين من أعلى الأسباب المقتضية للتعزير الذي يجوز به عند أبي يوسف الارتقاء إلى القتل أي فعلم أن قتل هذا الرافضي حق صحيح لا اعتراض عليه بناءً على مذهب الحاكم الذي قتله وهو المالكي بناء على ما مر من مذهبهم وكذا على مذهب أبي حنيفة وكذا على وجه عند الشافعية وكذا على ما مر عند الحنابلة. فتدبر هذه الواقعة وما سقته لك من كلام العلماء فيها فإن فيها أحكامًا مهمة وفوائد جمة قلما تجدها مجموعة في كتاب مرفوعًا عنها النقاب سالمة من الطعن والريب منزهة عن التعصب والعيب ذكرت في كتابي الملقب بالإعلام في قواطع الإسلام ما يوضح ما أشرت إليه خلال كلام السبكي مما يفرع ما قاله على اختياره الموافق لغير قواعد مذهبنا فاطلب بيان ذلك من الكتاب المذكور فإنه لم يصنف في بابه مثله بل لم أظفر بأحد من أئمتنا ألف كتابًا في المكفرات وحدها ولا استوعب حكمها على المذاهب الأربعة مع الكلام على كل من مسائله بما ينشرح له الصدر وتقر به العين فاستوفيت كل ذلك في ذلك المؤلف العديم النظير عند من سلم من داء الحسد والسخيمة ولم ينطو على الفساد أديمه نفعني الله به وبغيره وأدام علي من جوده وفضله وكرمه وخيره إنه الرؤوف الكريم الجواد الرحمن الرحيم وحسبنا الله ونعم الوكيل

الباب الثاني فيما جاء عن أكابر أهل البيت من مزيد الثناء على الشيخين

ليعلم براءتهما مما يقول الشيعة والرافضة من عجائب الكذب والافتراء وليعلم بطلان ما زعموه من أن عليًا إنما فعل ما مر عنه تقية ومدارة وخوفًا وغير ذلك من قبائحهم

أخرج الدارقطني عن عبد الله الملقب بالمحض لقب به لأنه أول من جمع ولادة الحسن والحسين رضي الله عنهم وكان شيخ بني هاشم ورئيسهم وولده كان يلقب بالنفس الزكية وكان من أئمة الدين بويع بالخلافة زمن الإمام مالك بن أنس بالمدينة فأرسل المنصور جيشًا فقتلوه أنه سئل أمسح على الخفين فقال المسح فقد مسح عمر فقال له السائل إنما أسألك أنت تمسح قال ذلك أعجز لك أخبرك عن عمر وتسألني عن رأيي فعمر خير مني وملء الأرض مثلي فقيل له هذا تقية فقال ونحن بين القبر والمنبر اللهم هذا قولي في السر والعلانية فلا تسمع قول أحد بعدي ثم قال من هذا الذي يزعم أن عليًا كان مقهورًا وأن النبي أمره بأمر فلم ينفذه فكفى بهذا إزراء ومنقصة له. وأخرج الدارقطني أيضًا عن ولده الملقب بالنفس الزكية أنه قال لما سئل عن الشيخين لهما عندي أفضل من علي وأخرج عن محمد الباقر أنه قال أجمع بنو فاطمة رضي الله عنهم على أن يقولوا في الشيخين أحسن ما يكون من القول. وأخرج أيضًا عن جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر أن رجلا جاء إلى أبيه زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهم فقال أخبرني عن أبي بكر فقال عن الصديق؟ فقال وتسميه الصديق؟ فقال: ثكلتك أمك قد سماه رسول الله والمهاجرون والأنصار ومن لم يسمه صديقًا فلا صدق الله عز وجل قوله في الدنيا والآخرة اذهب فأحب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما. وأخرج أيضًا عن عروة عن عبد الله قال سألت أبا جعفر الباقر عن حلية السيف قال لا بأس به قد حلى أبو بكر الصديق رضي الله عنه سيفه قال قلت وتقول الصديق قال نعم الصديق نعم الصديق نعم الصديق فمن لم يقل الصديق فلا صدق الله قوله في الدنيا والآخرة. وأخرجه ابن الجوزي في صفة الصفوة وزاد فوثب وثبة واستقبل القبلة فقال نعم الصديق نعم الصديق نعم الصديق، الخبر. وأخرج أيضًا عن جعفر الصادق أنه قال ما أرجو من شفاعة علي شيئًا إلا وأنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله ولقد ولدني مرتين. وأخرج أيضًا عن زيد بن علي أنه قال لمن يتبرأ منهما اعلم والله أن البراءة من الشيخين البراءة من علي فتقدم أو تأخر. وزيد هذا كان إمامًا جليلا استشهد في صفر سنة إحدى وعشرين ومائة ولما صلب عريانًا جاءت العنكبوت ونسجت على عورته حتى حفظت عن رؤية الناس فإنه استمر مصلوبًا مدة طويلة وكان قد خرج وبايعه خلق من الكوفة وحضر إليه كثير من الشيعة فقالوا له ابرأ عن الشيخين ونحن نبايعك فأبى فقالوا إنا نرفضك فقال اذهبوا فأنتم الرافضة فمن حينئذ سموا الرافضة وسميت شيعته بالزيدية. وأخرج الحافظ عمر بن شبة أن زيدًا هذا الإمام الجليل قيل له إن أبا بكر انتزع من فاطمة فدك فقال إنه كان رحيمًا وكان يكره أن يغير شيئًا تركه رسول الله فأتته فاطمة رضي الله عنها فقالت له إن رسول الله أعطاني فدك فقال هل لك بينة فشهد لها علي وأم أيمن فقال لها فبرجل وامرأة تستحقيها ثم قال زيد والله لو رجع الأمر فيها إلي لقضيت بقضاء أبي بكر رضي الله عنه. وأخرج عنه أيضًا قال انطلقت الخوارج فبرئت ممن دون أبي بكر وعمر ولم يستطيعوا أن يقولوا فيهما شيئًا وانطلقتم أنتم فطفرتم أي وثبتم فوق ذلك فبرئتم منهما فمن بقي فوالله ما بقي أحد إلا برئتم منه. وأخرج أيضًا ابن عساكر عن سالم بن أبي الجعد قلت لمحمد ابن الحنفية هل كان أبو بكر أول القوم إسلامًا قال لا قلت فبم علا أبو بكر وسبق حتى لا يذكر أحد غير أبي بكر قال لأنه كان أفضلهم إسلامًا حين أسلم حتى لحق بربه. وأخرج الدارقطني عن سالم بن أبي حفصة وهو شيعي لكنه ثقة قال سألت أبا جعفر محمد بن علي وجعفر بن محمد عن الشيخين فقالا يا سالم تولهما وابرأ من عدوهما فإنهما كانا إمامي هدى. وأخرج عنه أيضًا قال دخلت على أبي جعفر وفي رواية على جعفر بن محمد فقال وأراه قال ذلك من أجلي اللهم إني أتولى أبا بكر وعمر وأحبهما اللهم إن كان في نفسي غير هذا فلا نالتني شفاعة محمد يوم القيامة. وأخرج عنه أيضًا دخلت على جعفر بن محمد وهو مريض فقال اللهم إني أحب أبا بكر وعمر وأتولاهما اللهم إن كان في نفسي غير هذا فلا نالتني شفاعة محمد. وأخرج عنه أيضًا قال لي جعفر يا سالم أيسب الرجل جده؟ أبو بكر جدي لا نالتني شفاعة محمد إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما. وأخرج عن جعفر أيضًا أنه قيل إن فلانًا يزعم أنك تبرأ من أبي بكر فقال برئ الله من فلان إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر ولقد مرضت فأوصيت إلى خالي عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم. وأخرج هو أيضًا والحافظ عمر بن شبة عن كثير قلت لأبي جعفر محمد بن علي أخبرني أظلمكم أبو بكر وعمر من حقكم شيئًا فقال ومنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا ما ظلمانا من حقنا ما يزن حبة خردلة قال قلت أفأتولاهما جعلني الله فداك قال نعم يا كثير تولهما في الدنيا والآخرة قال وجعل يصك عنق نفسه ويقول ما أصابك فبعنقي هذا ثم قال برئ الله ورسوله من المغيرة بن سعيد وبيان فإنهما كذبا علينا أهل البيت. وأخرج أيضًا عن بسام الصيرفي قلت لأبي جعفر ما تقول في أبي بكر وعمر فقال والله إني لأتولاهما وأستغفر لهما وما أدركت أحدًا من أهل بيتي إلا وهو يتولاهما. وأخرج أيضًا عن الشافعي رضي الله عنه عن جعفر بن أبي طالب قال: ولينا أبو بكر خير خليفة وأرحمه لنا وأحناه علينا وفي رواية فما ولينا أحد من الناس مثله وفي أخرى فما رأينا قط كان خيرًا منه. وأخرج أيضًا عن أبي جعفر الباقر أنه قيل له إن فلانًا حدثني أن علي بن الحسين قال إن هذه الآية ( ونزعنا ما في صدورهم من غل ) الحجر ٤٧ نزلت في أبي بكر وعمر وعلي قال والله إنها لفيهم أنزلت ففيمن أنزلت إلا فيهم قال فأي غل هو قال غل الجاهلية إن بني تيم وعدي وبني هاشم كان بينهم شيء في الجاهلية فلما أسلم هؤلاء القوم تحابوا فأخذ أبا بكر وجع الخاصرة فجعل علي يسخن يده ويكمد بها خاصرة أبي بكر فنزلت هذه الآية فيهم. وفي رواية له عنه أيضًا قلت لأبي جعفر وسألته عن أبي بكر وعمر فقال من شك فيهما فقد شك في السنة ثم ذكر أنه كان بين تلك القبائل شحناء فلما أسلموا تحابوا ونزع الله ذلك من قلوبهم حتى إن أبا بكر لما اشتكى خاصرته سخن علي يده وضمده بها فنزلت فيه الآية. وأخرجه أيضًا عن علي أن هذه الآية نزلت في هذه البطون الثلاثة تيم وعدي وبني هاشم وقال منهم أنا وأبو بكر وعمر. وأخرج أيضًا عن أبي جعفر الباقر أنه قيل له هل كان أحد من أهل البيت يسب أبا بكر وعمر قال معاذ الله بل يتولونهما ويستغفرون لهما ويترحمون عليهما. وأخرج عن أبي جعفر أيضًا عن أبيه علي بن الحسين رضي الله عنهم أنه قال لجماعة خاضوا في أبي بكر وعمر ثم في عثمان ألا تخبروني أنتم المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانًا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون فقالوا لا. قال فأنتم الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون قالوا لا قال أما أنتم فقد برئتم أن تكونوا في أحد هذين الفريقين وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عز وجل فيهم ( والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ). وأخرج أيضًا عن فضيل بن مرزوق سمعت إبراهيم بن الحسن بن الحسن أخا عبد الله بن الحسن يقول والله قد مرقت علينا الرافضة كما مرقت الحرورية على علي رضي الله عنه. وأخرج عنه أيضًا قال سمعت حسن بن حسن يقول لرجل من الرافضة والله لئن أمكن الله منكم لنقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولا نقبل منكم توبة. وأخرج أيضًا عن محمد بن حاطب قال ذكر عثمان عند الحسن والحسين رضي الله عنهم فقالا هذا أمير المؤمنين أي علي آتيكم الآن به يخبركم عنه إذ جاء علي قال الرواي ما أدري أسمعهم يذكرون عثمان أو سألوه عنه فقال عثمان من الذين اتقوا وآمنوا ثم من الذين اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين. وأخرج عنه أيضًا من طرق قال دخلت على علي فقلت يا أمير المؤمنين إني أردت الحجاز وإن الناس يسألوني فما تقول في قتل عثمان وكان متكئًا فجلس وقال يا ابن حاطب والله إني لأرجو أن أكون أنا وهو كما قال الله تعالى ( ونزعنا ما في صدورهم من غل ) الآية. وأخرج أيضًا عن سالم بن أبي الجعد قال كنت جالسًا عند محمد ابن الحنفية فذكروا عثمان فنهانا محمد وقال كفوا عنه فغدونا يومًا آخر فنلنا منه أكثر ما كان قبل فقال ألم أنهكم عن هذا الرجل قال وابن عباس جالس عنده فقال يا ابن عباس تذكر عشية الجمل وأنا عن يمين علي وفي يده الراية وأنت عن يساره إذ سمع هدة في المربد فأرسل رسولا فجاء الرسول فقال هذه عائشة تلعن قتلة عثمان في المربد فرفع علي يديه حتى بلغ بهما وجهه مر تين أو ثلاثًا وقال وأنا ألعن قتلة عثمان لعنهم الله في السهل والجبل قال فصدقه ابن عباس ثم أقبل علينا فقال في وفي هذا لكم شاهدا عدل. وأخرج أيضًا عن مروان بن الحكم أنه قال ما كان أحد أدفع عن عثمان من علي فقيل له ما لكم تسبونه على المنابر قال إنه لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك. وأخرج أيضًا عن الحسين بن محمد ابن الحنفية أنه قال يا أهل الكوفة اتقوا الله عز وجل ولا تقولوا لأبي بكر وعمر ما ليسا له بأهل إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان مع رسول الله في الغار ثاني اثنين وإن عمر أعز الله به الدين. وأخرج أيضًا عن جندب الأسدي أن محمد بن عبد الله بن الحسن أتاه قوم من أهل الكوفة والجزيرة فسألوه عن أبي بكر وعمر فالتفت إلي فقال انظر إلى أهل بلادك يسألوني عن أبي بكر وعمر لهما عندي أفضل من علي. وأخرج أيضًا عن عبد الله بن الحسن أنه قال والله لا يقبل الله عز وجل توبة عبد تبرأ من أبي بكر وعمر وإنهما ليعرضان على قلبي فأدعو الله عز وجل لهما أتقرب به إلى الله عز وجل. وأخرج أيضًا عن فضيل بن مرزوق أنه قال قلت لعمر بن علي بن الحسن بن علي رضي الله عنهم أفيكم إمام تفترض طاعته تعرفون ذلك له من لم يعرف ذلك له فمات مات ميتة جاهلية فقال لا والله ما ذاك فينا من قال هذا فهو كاذب فقلت إنهم يقولون إن هذه المنزلة كانت لعلي إن رسول الله أوصى إليه ثم كانت للحسن إن عليًا أوصى إليه ثم كانت للحسين بن علي إن الحسن أوصى إليه ثم كانت لعلي بن الحسين إن الحسين أوصى إليه ثم كانت لمحمد بن علي أي الباقر أخي عمر المذكور إن علي بن الحسين أوصى إليه فقال عمر بن علي بن الحسين فوالله ما أوصى أبي بحرفين اثنين فقاتلهم الله لو أن رجلاٍ وصى في ماله وولده وما يترك بعده ويلهم ما هذا من الدين والله ما هؤلاء إلا متأكلين بنا. وأخرج أيضًا عن عبد الجبار الهمداني أن جعفرًا الصادق أتاهم وهم يريدون أن يرتحلوا من المدينة فقال إنكم إن شاء الله من صالحي أهل مصر فأبلغوهم عني من زعم أني إمام مفترض الطاعة فأنا منه بريء ومن زعم أني أبرأ من أبي بكر وعمر فأنا منه بريء. وأخرج أيضًا عنه أنه سئل عنهما فقال أبرأ ممن ذكرهما إلا بخير فقيل له لعلك تقول ذلك تقية فقال أنا إذًا من المشركين ولا نالتني شفاعة محمد. وأخرج عنه أيضًا أنه قال إن الخبثاء من أهل العراق يزعمون أنا نقع في أبي بكر وعمر وهما والداي أي لأن أمه أم فروة بنت القاسم الفقيه بن محمد بن أبي بكر وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ومن ثم سبق قوله ولدني أبو بكر مرتين. وأخرج أيضًا عن أبي جعفر الباقر قال من لم يعرف فضل أبي بكر وعمر فقد جهل السنة. قال بعض أئمة أهل البيت صدق والله إنما نشأ من الشيعة والرافضة وغيرهما ما نشأ من البدع والجهالات من جهلهم بالسنة. وفي الطيوريات بسنده إلى جعفر بن محمد عن أبيه قال قال رجل لعلي بن أبي طالب نسمعك تقول في الخطبة اللهم أصلحنا بما أصحلت به الخلفاء الراشدين المهديين فمن هم فاغرورقت عيناه فقال هم حبيباي أبو بكر وعمر إماما الهدى وشيخا الإسلام ورجلا قريش المقتدى بهما بعد رسول الله من اقتدى بهما عصم ومن تبع آثارهما هدي إلى الصراط المستقيم ومن تمسك بهما فهو من حزب الله المفلحين. فهذه أقاويل المعتبرين من أهل البيت رواها عنهم الأئمة الحفاظ الذين عليهم المعول في معرفة الأحاديث والآثار وتمييز صحيحها من سقيمها بأسانيدهم المتصلة فكيف يسع المتمسك بحبل أهل البيت ويزعم حبهم أن يعدل عما قالوه من تعظيم أبي بكر وعمر واعتقاد حقية خلافتهما وما كانا عليه وصرحوا بتكذيب من نقل عنهم خلافه ومع ذلك يرى أن ينسب إليهم ما تبرؤا منه ورأوه ذمًا في حقهم حتى قال زين العابدين علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما أيها الناس أحبونا حب الإسلام فوالله ما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارًا وفي رواية حتى نقصتمونا إلى الناس أي بسبب ما نسبوه إليهم مما هم برءاء منه فلعن الله من كذب على هؤلاء الأئمة ورماهم بالزور والبهتان

الباب الثالث في بيان أفضلية أبي بكر على سائر هذه الأمة ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم أجمعين

وفي ذكر فضائل أبي بكر الواردة فيه وحده أو مع عمر أو مع الثلاثة أو مع غيرهم

وفيه فصول

الفصل الأول في ذكر أفضليتهم على هذا الترتيب وفي تصريح علي بأفضلية الشيخين على سائر الأمة

وفي بطلان ما زعمه الرافضة والشيعة من أن ذلك منه قهر وتقية

اعلم أن الذي أطبق عليه عظماء الملة وعلماء الأمة أن أفضل هذه الأمة أبو بكر الصديق ثم عمر ثم اختلفوا فالأكثرون ومنهم الشافعي وأحمد وهو المشهور عن مالك أن الأفضل بعدهما عثمان ثم علي رضي الله عنهم وجزم الكوفيون ومنهم سفيان الثوري بتفضيل علي على عثمان وقيل بالوقف عن التفاضل بينهما وهو رواية عن مالك فقد حكى أبو عبد الله المازري عن المدونة أن مالكًا رحمه الله سئل أي الناس أفضل بعد نبيهم فقال أبو بكر ثم عمر ثم قال أوفي ذلك شك فقيل له وعلي وعثمان فقال ما أدركت أحدًا ممن أقتدي به يفضل أحدهما على الآخر انتهى. وقوله رضي الله عنه أوفي ذلك شك يريد ما يأتي عن الأشعري أن تفضيل أبي بكر ثم عمر على بقية الأمة قطعي وتوقفه هذا رجع عنه فقد حكى القاضي عياض عنه أنه رجع عن التوقف إلى تفضيل عثمان قال القرطبي وهو الأصح إن شاء الله تعالى. ومال إلى التوقف إمام الحرمين فقال وتتعارض الظنون في عثمان وعلي ونقله ابن عبد البر عن جماعة من السلف من أهل السنة منهم مالك ويحيى القطان ويحيى بن معين قال ابن معين ومن قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعرف لعلي سابقته وفضله فهو صاحب سنة. ولا شك أن من اقتصر على عثمان ولم يعرف لعلي فضله فهو مذموم وزعم ابن عبد البر أن حديث الاقتصار على الثلاثة أبي بكر وعمرو وعثمان مخالف لقول أهل السنة إن عليًا أفضل الناس بعد الثلاثة مردود بأنه لا يلزم من سكوتهم إذ ذاك عن تفضيله عدم تفضيله. وأما حكاية أبي منصور البغدادي الإجماع على أفضلية عثمان على علي فمدخولة وإن نقل ذلك عن بعض الحفاظ وسكت عليه لما بيناه من الخلاف. ثم الذي مال إليه أبو الحسن الأشعري إمام أهل السنة أن تفضيل أبي بكر على من بعده قطعي وخالفه القاضي أبو بكر الباقلاني فقال إنه ظني واختاره إمام الحرمين في الإرشاد وبه جزم صاحب المفهم في شرح مسلم ويؤيده قول ابن عبد البر في الاستيعاب ذكر عبد الرزاق عن معمر قال لو أن رجلا قال عمر أفضل من أبي بكر ما عنفته وكذلك لو قال علي عندي أفضل من أبي بكر وعمر لم أعنفه إذا ذكر فضل الشيخين وأحبهما وأثنى عليهما بما هما أهله فذكرت ذلك لوكيع فأعجبه واشتهاه، انتهى. وليس ملحظ عدم تعنيف قائل ذلك إلا أن التفضيل المذكور ظني لا قطعي ويؤيده أيضًا ما حكاه الخطابي عن بعض مشايخه أنه كان يقول أبو بكر خير وعلي أفضل. لكن قال بعضهم إن هذا تهافت من القول أي أنه لا معنى للخيرية إلا الأفضلية فإن أريد أن خيرية أبي بكر من بعض الوجوه وأفضلية علي من وجه آخر لم يكن ذلك من محل الخلاف ولم يكن الأمر في ذلك خاصًا بأبي بكر وعلي بل أبو بكر وأبو عبيدة مثلا يقال فيهما ذلك فإن الأمانة التي في أبي عبيدة وخصه بها رسول الله لم يخص أبا بكر بمثلها فكان خيرًا من أبي بكر من هذا الوجه والحاصل أن المفضول قد توجد فيه مزية بل مزايا لا توجد في الفاضل فإن أراد شيخ الخطابي ذلك وأن أبا بكر أفضل مطلقًا إلا أن عليًا وجدت فيه مزايا لم توجد في أبي بكر فكلامه صحيح وإلا فكلامه في غاية التهافت خلافًا لمن انتصر له ووجهه بما لا يجدي بل لا يفهم. فإن قلت ينافي ما قدمته من الإجماع على أفضلية أبي بكر قول ابن عبد البر إن السلف اختلفوا في تفضيل أبي بكر وعلي رضي الله عنهما وقوله أيضًا قبل ذلك روي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد ابن أرقم أن عليًا أول من أسلم وفضله هؤلاء على غيره أه. قلت أما ما حكاه أولا من أن السلف اختلفوا في تفضيلهما فهو شيء غريب انفرد به عن غيره ممن هو أجل منه حفظًا واطلاعًا فلا يعول عليه فكيف والحاكي لإجماع الصحابة والتابعين على تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على سائر الصحابة جماعة من أكابر الأئمة منهم الشافعي رضي الله تعالى عنه كما حكاه عنه البيهقي وغيره وأن من اختلف منهم إنما اختلف في علي وعثمان وعلى التنزل في أنه حفظ ما لم يحفظ غيره فيجاب عنه بأن الأئمة إنما أعرضوا عن هذه المقالة لشذوذها ذهابًا إلى أن شذوذ المخالف لا يقدح فيه أو رأوا أنها حادثة بعد انعقاد الإجماع فكانت في حيز الطرح والرد على أن المفهوم من كلام ابن عبد البر أن الإجماع استقر على تفضيل الشيخين على الختنين. وأما ما وقع في طبقات ابن السبكي الكبرى عن بعض المتأخرين من تفضيل الحسنين من حيث إنهما بضعة فلا ينافي ذلك لما قدمناه من أن المفضول قد توجد فيه مزية ليست في الفاضل على أن هذا تفضيل لا يرجع لكثرة الثواب بل لمزيد شرف ففي ذات أولاده من الشرف ما ليس في ذات الشيخين ولكنهما أكثر ثوابًا وأعظم نفعًا للإسلام والمسلمين وأخشى لله وأتقى ممن عداهما من أولاده فضلا عن غيرهم وأما ما حكاه أعني ابن عبد البر ثانيًا عن أولئك الجماعة فلا يقتضي أنهم قائلون بأفضلية علي على أبي بكر مطلقًا بل إما من حيث تقدمه عليه إسلامًا بناء على القول بذلك أو مرادهم بتفضيل علي على غيره ما عدا الشيخين وعثمان لقيام الأدلة الصريحة الصحيحة على أفضلية هؤلاء عليه. فإن قلت ما مستند إجماعهم على ذلك قلت الإجماع حجة على كل أحد وإن لم يعرف مستنده لأن الله عصم هذه الأمة من أن تجتمع على ضلالة ويدل لذلك بل يصرح به قوله تعالى ( ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) النساء ١١٥ وقد أجمعوا أيضًا على استحقاقهم الخلافة على هذا الترتيب لكن هذا قط عي كما مر بأدلته مبسوطًا. فإن قلت لم لم يكن التفضيل بينهم على هذا الترتيب قطعيًا أيضًا حتى عند غير الأشعري للإجماع عليه قلت أما بين عثمان وعلي فواضح للخلاف فيه كما تقدم وأما بين أبي بكر ثم عمر ثم غيرهما فهو وإن أجمعوا عليه إلا أن في كون الإجماع حجة قطعية خلاف فالذي عليه الأكثرون أنه حجة قطعية مطلقًا فيقدم على الأدلة كلها ولا يعارضه دليل أصلا ويكفر أو يبدع ويضلل مخالفه وقال الإمام الرازي والآمدي إنه ظني مطلقًا والحق في ذلك التفضيل فما اتفق عليه المعتبرون حجة قطعية وما اختلفوا كالإجماع السكوتي والإجماع الذي ندر مخالفه فهو ظني. وقد علمت مما قررته لك أن هذا الإجماع له مخالف نادر فهو وإن لم يعتد به في الإجماع على ما فيه من الخلاف في محله لكنه يورث انحطاطه عن الإجماع الذي لا مخالف له فالأول ظني وهذا قطعي وبهذا يترجح ما قاله غير الأشعري من أن الإجماع هنا ظني لأ نه اللائق بما قررناه من أن الحق عند الأصوليين التفضيل المذكور وكان الأشعري من الأكثرين القائلين بأنه قطعي مطلقًا. ومما يؤكد أنه هنا ظني أن المجمعين أنفسهم لم يقطعوا بالأفضلية المذكورة وإنما ظنوها فقط كما هو المفهوم من عبارات الأئمة وإشاراتهم وسبب ذلك أن المسألة اجتهادية ومن مستنده أن هؤلاء الأربعة اختارهم الله لخلافة نبيه وإقامة دينه فكان الظاهر أن منزلتهم عنده بحسب ترتيبهم في الخلافة وأيضًا ورد في أبي بكر وغيره كعلي نصوص متعارضة يأتي بسطها في الفضائل وهي لا تفيد القطع لأنها بأسرها آحاد وظنية الدلالة مع كونها متعارضة أيضًا وليس الاختصاص بكثرة أسباب الثواب موجبًا لزيادته المستلزمة للأفضلية قطعًا بل ظنًا لأنه تفضل من الله فله أن لا يثيب المطيع ويثيب غيره وثبوت الإمامة وإن كان قطعيًا لا يفيد القطع بالأفضلية بل غايته الظن كيف ولا قاطع على بطلان إمامة المفضول مع وجود الفاضل لكننا وجدنا السلف فضلوهم كذلك وحسن ظننا بهم قاض بأنهم لو لم يطلعوا على دليل في ذلك لما أطبقوا عليه فلزمنا اتباعهم فيه وتفويض ما هو الحق فيه إلى الله تعالى. قال الآمدي وقد يراد بالتفضيل اختصاص أحد الشيخين عن الآخر إما بأصل فضيلة لا وجود لها في الآخر كالعالم والجاهل وإما بزيادة فيها لكونه أعلم مثلا وذلك أيضًا غير مقطوع به فيما بين الصحابة إذ ما من فضيلة تبين اختصاصها بواحد منهم إلا ويمكن بيان مشاركة غيره له فيها وبتقدير عدم المشاركة فقد يمكن بيان اختصاص الآخر بفضيلة أخرى ولا سبيل إلى الترجيح بكثرة الفضائل لاحتمال أن تكون الفضيلة الواحدة أرجح من فضائل كثيرة إما لزيادة شرفها في نفسها أو لزيادة كميتها فلا جزم بالأفضلية لهذا المعنى أيضًا. وأيضًا فحقيقة الفضل ما هو فضل عند الله وذلك لا يطلع عليه إلا بالوحي وقد ورد الثناء عليهم ولا يتحقق إدراك حقيقة ذلك الفضل عند عدم دليل قطعي متنًا وسندًا إلا المشاهدون لزمن الوحي وأحواله معهم لظهور القرائن الدالة على التفضيل حينئذ بخلاف من لم يشهد ذلك نعم وصل إلينا سمعيات أكدت عندنا الظن بذلك التفضيل على ذلك الترتيب لإفادتها له صريحًا أو استنباطًا وستأتي مبسوطة في الفضائل. ويؤيد ما مر أنه لا يلزم من الإجماع على الأحقية بالخلافة من علي مع اختلافهم في أيهما أفضل وقد التبس هذا المقام على بعض من لا فطنة عنده فظن أن من قال من الأصوليين إن أفضلية أبي بكر إنما ثبتت بالظن لا بالقطع يدل على أن خلافته كذلك وليس كما زعم على أنهم كما صرحوا بذلك صرحوا معه بأن خلافته قطعية فكيف حينئذ يتأتى ما ظنه ذلك البعض هذا ولك أن تقول إن أفضلية أبي بكر ثبتت بالقطع حتى عند غير الأشعري أيضًا بناء على معتقد الشيعة والرافضة وذلك لأنه ورد عن علي وهو معصوم عندهم والمعصوم لا يجوز عليه الكذب أن أبا بكر وعمر أفضل الأمة. قال الذهبي وقد تواتر ذلك عنه في خلافته وكرسي مملكته وبين الجم الغفير من شيعته ثم بسط الأسانيد الصحيحة في ذلك قال ويقال رواه عن علي نيف وثمانون نفسًا وعدد منهم جماعة ثم قال فقبح الله الرافضة ما أجهلهم انتهى. ومما يعضد ذلك ما في البخاري عنه أنه قال خير الناس بعد النبي أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما ثم رجل آخر فقال ابنه محمد ابن الحنفية ثم أنت فقال إنما أنا رجل من المسلمين. وصحح الذهبي وغيره طرقًا أخرى عن علي بذلك وفي بعضها ألا وإنه بلغني أن رجالا يفضلوني عليهما فمن وجدته فضلني عليهما فهو مفتر عليه ما على المفتري ألا ولو كنت تقدمت في ذلك لعاقبت ألا وإني أكره العقوبة قبل التقدم. وأخرج الدارقطني عنه لا أجد أحدًا فضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري. وصح عن مالك عن جعفر الصادق عن أبيه الباقر أن عليًا رضي الله عنه وقف على عمر بن الخطاب وهو مسجى وقال ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أحدًا أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى وفي رواية صحيحة أنه قال له وهو مسجى صلى الله عليك ودعا له. قال سفيان في رواية قيل للباقر أليست الصلاة على غير الأنبياء منهيًا عنها فقال هكذا سمعت وعل يه فيوجه باحتمال أن عليًا قائل بعدم الكراهة عملا بقوله ( اللهم صل على آل أبي أوفى ). وأخرج أبو بكر الآجري عن أبي جحيفة سمعت عليًا على منبر الكوفة يقول إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم خيرهم عمر. وأخرج الحافظ أبو ذر الهروي من طرق متنوعة والدارقطني وغيرهما عنه أيضًا دخلت على علي في بيته فقلت يا خير الناس بعد رسول الله فقال مهلا يا أبا جحيفة ألا أخبرك بخير الناس بعد رسول الله أبو بكر وعمر ويحك يا أبا جحيفة لا يجتمع حبي وبغض أبي بكر وعمر في قلب مؤمن وأخباره بكونهما خير الأمة ثبتت عنه من رواية ابنه محمد بن الحنفية وجاء عنه من طرق كثيرة بحيث يجزم من تتبعها بصدور هذا القول من علي والرافضة ونحوهم لما لم يكن يمكنهم إنكار صدور هذا القول منه لظهوره عنه بحيث لا ينكره إلا جاهل بالآثار أو مباهت قالوا إنما قال علي ذلك تقية ومر أن ذلك كذب وافتراء وسيأتي أيضًا وأحسن ما يقال في هذا المحل ألا لعنة الله على الكاذبين. وأخرج الدارقطني أن أبا جحيفة كان يرى أن عليًا أفضل الأمة فسمع أقوامًا يخالفونه فحزن حزنًا شديدًا فقال له علي بعد أن أخذ بيده وأدخله بيته ما أحزنك يا أبا جحيفة فذكر له الخبر فقال ألا أخبرك بخير هذه الأمة خيرها أبو بكر ثم عمر قال أبو جحيفة فأعطيت الله عهدًا أن لا أكتم هذا الحديث بعد أن شافهني به علي ما بقيت. وقول الشيعة والرافضة ونحوهما إنما ذكر علي ذلك تقية كذب وافتراء على الله إذ كيف يتوهم ذلك من له أدنى عقل أو فهم مع ذكره له في الخلاء في مدة خلافته لأ نه قاله على منبر الكوفة وهو لم يدخلها إلا بعد فراغه من حرب أهل البصرة وذلك أقوى ما كان أمرًا وأنفذ حكمًا وذلك بعد مدة مديدة من موت أبي بكر وعمر. قال بعض أئمة أهل البيت النبوي بعد أن ذكر ذلك فكيف يتعقل وقوع مثل هذه التقية المشؤومة التي أفسدوا بها عقائد أكثر أهل البيت النبوي لإظهارهم لهم كمال المحبة والتعظيم فمالوا إلى تقليدهم حتى قال بعضهم أعز الأشياء في الدنيا شريف سني فلقد عظمت مصيبة أهل البيت بهؤلاء وعظم عليهم أولا وآخرًا انتهى. وما أحسن ما أبطل به الباقر هذه التقية المشؤومة لما سئل عن الشيخين فقال إني أتولاهما فقيل له إنهم يزعمون أن ذلك تقية فقال إنما يخاف الأحياء ولا يخاف الأموات فعل الله بهشام بن عبد الملك كذا وكذا أخرجه الدارقطني وغيره فانظر ما أبين هذا الاحتجاج وأوضحه من مثل هذا الإمام العظيم المجمع على جلالته وفضله بل أولئك الأشقياء يدعون فيه العصمة فيكون ما قاله واجب الصدق ومع ذلك فقد صرح لهم ببطلان تلك التقية المشؤومة عليهم واستدل لهم على ذلك بأن اتقاء الشيخين بعد موتهما لا وجه له إذ لا سطوة لهما حينئذ ثم بين لهم بدعائه على هشام الذي هو والي زمنه وشوكته قائمة أنه إذا لم يتقه مع أنه يخاف يخشى لسطو ته وملكه وقوته وقهره فكيف مع ذلك يتقي الأموات الذين لا شوكة لهم ولا سطوة وإذا كان هذا حال الباقر فما ظنك بعلي الذي لا نسبة بينه وبين الباقر في إقدامه وقوته وشجاعته وشدة بأسه وكثرة عدته وعدده وأنه لا يخاف في الله لومة لائم ومع ذلك فقد صح عنه بل تواتر كما مر مدح الشيخين والثناء عليهما وأنهما خير الأمة ومر أيضًا الأثر الصحيح عن مالك عن جعفر الصادق عن أبيه الباقر أن عليًا وقف على عمر وهو مسجى بثوبه وقال ما سبق فما أحوج عليًا أن يقول ذلك تقية وما أحوج الباقر أن يرويه لابنه الصادق تقية وما أحوج الصادق أن يرويه لم الك تقية فتأمل كيف يسع العاقل أن يترك مثل هذا الإسناد الصحيح ويحمله على التقية لشيء لم يصح وإنما هو من جهالاتهم وغباواتهم وكذبهم وحمقهم وما أحسن ما سلكه بعض الشيعة المنصفين كعبد الرزاق فإنه قال أفضل الشيخين بتفضيل علي إياهما على نفسه وإلا لما فضلتهما كفى بي وزرًا أن أحبه ثم أخالفه. ومما يكذبهم في دعوى تلك التقية المشؤومة عليهم ما أخرجه الدارقطني أن أبا سفيان بن حرب رضي الله عنه قال لعلي بأعلى صوته لما بايع الناس أبا بكر رضي الله عنه يا علي غلبكم على هذا الأمر أذل بيت في قريش أما والله لأملأنها عليه خيلا ورجالا إن شئت فقال علي رضي الله عنه يا عدو الإسلام وأهله فما أضر ذلك للإسلام وأهله فعلم بطلان ما زعموه وافتروه من أن عليًا إنما بايع تقية وقهرًا ولو كان لما زعموه من ذلك أدنى صحة لنقل واشتهر عن علي إذ لا داعي لكتمه بل أخرج الدارقطني وروى معناه من طرق كثيرة عن علي أنه قال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو عهد إلي رسول الله عهدًا لجاهدت عليه ولو لم أجد إلا ردائي ولم أترك ابن أبي قحافة يصعد درجة واحدة من منبره ولكنه رأى موضعي وموضعه فقال له قم فصل بالناس وتركني فرضينا به لدنيانا كما رضي به رسول الله لديننا ومر لذلك مزيد بيان في خامس الأجوبة عن خبر من كنت مولاه فعلي مولاه وفي الباب الثاني وفي غيرهما فراجع ذلك كله فإنه مهم. ومما يلزم من المفاسد والمساوئ والقبائح العظيمة على ما زعموه من نسبة علي إلى التقية أنه كان جبانًا ذليلا مقهورًا أعاذه الله من ذلك وحروبه للبغاة لما صارت الخلافة له ومباشرته ذلك بنفسه ومبارزته للألوف من الأمور المستفيضة التي تقطع بكذب ما نسبه إليه أولئك الحمقى والغلاة إذ كانت الشوكة من البغاة قوية جدًا ولا شك أن بني أمية كانوا أعظم قبائل قريش شوكة وكثرة جاهلية وإسلامًا وقد كان أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه هو قائد المشركين يوم أحد ويوم الأحزاب وغيرهما وقد قال لعلي لما بويع أبو بكر ما مر آنفًا فرد عليه ذلك الرد الفاحش. وأيضًا فبنو تيم ثم بنو عدي قوما الشيخين من أضعف قبائل قريش فسكوت علي لهما مع أنهما كما ذكر وقيامه بالسيف على المخالفين لما انعقدت البيعة له مع قوة شكيمتهم أوضح دليل على أنه كان دائرًا مع الحق حيث دار وأنه من الشجاعة بالمحل الأسنى وأنه لو كان معه وصية من رسول الله في أمر القيام على الناس لأنفذ وصية رسول الله ولو كان السيف على رأسه مسلطًا لا يرتاب في ذلك إلا من اعتقد فيه رضي الله عنه ما هو بريء منه. ومما يلزمهم أيضًا على تلك التقية المشؤومة عليهم أنه رضي الله عنه لا يعتمد على قوله قط لأنه حيث لم يزل في اضطراب من أمره فكل ما قاله يحتمل أنه خالف فيه الحق خوفًا وتقية ذكره شيخ الإسلام الغزالي قال غيره بل يلزمهم ما هو أشنع من ذلك وأقبح كقولهم إن النبي لم يعين الإمامة إلا لعلي فمنع من ذلك فقال مروا أبا بكر تقية فيتطرق احتمال ذلك إلى كل ما جاء عنه ولا يفيد حينئذ إثبات العصمة شيئًا. وأيضًا فقد استفاض عن علي رضي الله عنه أنه كان لا يبالي بأحد حتى قيل للشافعي رضي الله عنه ما نفر الناس عن علي إلا أنه كان لا يبالي بأحد فقال الشافعي إنه كان زاهدًا والزاهد لا يبالي بالدنيا وأهلها وكان عالمًا والعالم لا يبالي بأحد وكان شجاعًا والشجاع لا يبالي بأحد وكان شريفًا والشريف لا يبالي بأحد أخرجه البيهقي. وعلى تقدير أنه قال ذلك تقية فقد انتفى مقتضيها بولايته وقد مر عنه من مدح الشيخين فيها وفي الخلوة وعلى منبر الخلافة مع غاية القوة والمنعة ما تلي عليك قريبًا فلا تغفل عنه. وأخرج أبو ذر الهروي والدارقطني من طرق أن بعضهم مر بنفر يسبون الشيخين فأخبر عليًا وقال لولا أنهم يرون أنك تضمر ما أعلنوا ما اجترءوا على ذلك فقال علي أعوذ بالله رحمهما الله ثم نهض فأخذ بيد ذلك المخبر وأدخله المسجد فصعد المنبر ثم قبض على لحيته وهي بيضاء فجعلت دموعه تتحادر على لحيته وجعل ينظر البقاع حتى اجتمع الناس ثم خطب خطبة بليغة من جملتها ما بال أقوام يذكرون أخوي رسول الله ووزيريه وصاحبيه وسيدي قريش وأبوي المسلمين وأنا مما يذكرون بريء وعليه معاقب صحبا رسول الله بالجد والوفاء والجد في أمر الله يأمران وينهيان ويقضيان ويعاقبان لا يرى رسول الله كرأيهما رأيًا ولا يحب كحبهما حبًا لما يرى من عزمهما في أمر الله فقبض وهو عنهما راض والمسلمون راضون فما تجاوزا في أمرهما وسيرتهما رأي رسول الله وأمره في حياته وبعد موته فقبضا على ذلك رحمهما الله فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن فاضل ولا يبغضهما ويخالفهما إلا شقي مارق حبهما قربة وبغضهما مروق. ثم ذكر أمر النبي لأبي بكر بالصلاة وهو يرى مكان علي ثم ذكر أنه بايع أبا بكر ثم ذكر استخلاف أبي بكر لعمر ثم قال ألا ولا يبلغني عن أحد أنه يبغضهما إلا جلدته حد المفتري. وفي رواية وما اجترؤا على ذلك أي سب الشيخين إلا وهم يرون أنك موافق لهم منهم عبد الله بن سبأ وكان أول من أظهر ذلك فقال علي معاذ الله أن أضمر لهما ذلك لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل وسترى ذلك إن شاء الله تعالى ثم أرسل إلى ابن سبأ فسيره إلى المدائن وقال لا يساكني في بلدة أبدًا. قال الأئمة وكان ابن سبأ هذا يهوديًا فأظهر الإسلام وكان كبير طائفة من الروافض وهم الذين أخرجهم علي رضي الله عنه لما ادعوا فيه الألوهية. وأخرج الدارقطني من طرق أن عليًا بلغه أن رجلا يعيب أبا بكر وعمر فأحضره وعرض له بعيبهما لعله يعترف ففطن فقال له أما والذي بعث محمدًا بالحق أن لو سمعت منك الذي بلغني أو الذي نبئت عنك وثبت عليك ببيته لأفعلن بك كذا وكذا. إذا تقرر ذلك فاللائق بأهل البيت النبوي اتباع سلفهم في ذلك والإعراض مما يدسه إليهم الرافضة وغلاة الشيعة من قبائح الجهل والغباوة والعناد فالحذر الحذر عما يلقونه إليهم أن كل من اعتقد تفضيل أبي بكر على علي رضي الله عنهما كان كافرًا لأن مرادهم بذلك أن يقرروا عندهم تكفير الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الدين وعلماء الشريعة وعوامهم وأنه لا مؤمن غيرهم وهذا مؤد إلى هدم قواعد الشريعة من أصلها وإلغاء العمل بكتب السنة وما جاء عن النبي وعن صحابته وأهل بيته إذ الراوي لجميع آثارهم وأخبارهم وللأحاديث بأسرها بل والناقل للقرآن في كل عصر من عصر النبي وإلى هلم هم الصحابة والتابعون وعلماء الدين إذ ليس لنحو الرافضة رواية ولا دراية يدرون بها فروع الشريعة وإنما غاية أمرهم أن يقع في خلال بعض الأسانيد من هو رافضي أو نحوه والكلام في قبولهم معروف عند أئمة الأثر ونقاد السنة فإذا قدحوا فيهم قدحوا في القرآن والسنة وأبطلوا الشريعة رأسًا وصار الأمر كما في زمن الجاهلية الجهلاء فلعنة الله وأليم عقابه وعظائم نقمته على من يفتري على الله وعلى نبيه بما يؤدي إلى إبطال ملته وهدم شريعته وكيف يسع العاقل أن يعتقد كفر السواد الأعظم من أمة محمد مع إقرارهم بالشهادتين وقبلولهم لشريعة نبيهم محمد من غير موجب للتكفير وهب أن عليًا أفضل من أبي بكر رضي الله عنهما في نفس الأمر أليس القائلون بأفضلية أبي بكر معذورين لأنهم إنما قالوا بذلك لأدلة صرحت به هم مجتهدون والمجتهد إذا أخطأ له أجر فكيف يقال حينئذ بالتكفير وهو لا يكون إلا بإنكار مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة عنادًا كالصوم والصلاة وأما ما يفتقر إلى نظر واستدلال فلا كفر بإنكاره وإن أجمع عليه على ما فيه من الخلاف. وانظر إلى إنصافنا معشر أهل السنة والجماعة الذين طهرنا الله من الرذائل والجهالات والعناد والتعصب والحمق والغباوة فإننا لم نكفر القائلين بأفضلية علي على أبي بكر وإن كان ذلك عندنا خلاف ما أجمعنا عليه في كل عصر منا إلى النبي على ما مر أول هذا الباب بل أقمنا لهم العذر المانع من التكفير ومن كفر الرافضة من الأمة فلأمور أخرى من قبائحهم انضمت إلى ذلك فالحذر الحذر من اعتقاد كفر من قلبه مملوء بالإيمان بغير مقتض تقليدًا للجهال الضالة الغالية وتأمل ما صح وثبت عن علي وأهل بيته من تصريحهم بتفضيل الشيخين على علي فإن هؤلاء الحمقى وإن حملوه على التقية الباطلة المشؤومة عليهم فلا أقل من أن يكون عذرًا لأهل السنة في اتباعهم لعلي وأهل بيته فيجتنب اعتقاد الكفر فيهم فإنهم لم يشقوا عن قلب علي حتى يعلموا أن ذلك تقية بل قرائن أحواله وما كان عليه من عظيم الشجاعة والإقدام وأنه لا يهاب أحدًا ولا يخشى في الله لومة لائم قاطعة بعدم التقية فلا أقل أن يجعلوا ذلك منهم شبهة لأهل السنة مانعة من اعتقادهم كفرهم سبحانك هذا بهتان عظيم

خاتمة

سئل شيخ الإسلام محقق عصره أبو زرعة الولي العراقي رحمه الله عمن اعتقد في الخلفاء الأربعة الأفضلية على الترتيب المعلوم ولكنه يحب أحدهم أكثر هل يأثم.

فأجاب بأن المحبة قد تكون لأمر ديني وقد تكون لأمر دنيوي فالمحبة الدينية لازمة للأفضلية فمن كان أفضل كانت محبتنا الدينية له أكثر فمتى اعتقدنا في واحد منهم أنه أفضل ثم أحببنا غيره من جهة الدين أكثر كان تناقضًا نعم إن أحببنا غير الأفضل أكثر من محبة الأفضل لأمر دنيوي كقرابة وإحسان ونحوه فلا تناقض في ذلك ولا امتناع فمن اعترف بأن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي لكنه أحب عليًا أكثر من أبي بكر مثلا فإن كانت المحبة المذكورة محبة دينية فلا معنى لذلك إذ المحبة الدينية لازمة للأفضلية كما قررناه وهذا لم يعترف بأفضلية أبي بكر إلا بلسانه وأما بقلبه فهو مفضل لعلي لكونه أحبه محبة دينية زائدة على محبة أبي بكر وهذا لا يجوز وإن كانت المحبة المذكورة محبة دنيوية لكونه من ذرية علي أو لغير ذلك من المعاني فلا امتناع فيه والصحيح الامتناع لما تقدم من قول علي رضي الله عنه لا يجتمع حبي وبغض أبي بكر في قلب مؤمن يعرف ضعف ذلك عقلا ونقلا وأهل البيت مطهرون مبرؤون لا يصدر عنهم إلا المحبة والمودة انتهى

الفصل الثاني في ذكر فضائل أبي بكر الواردة فيه وحده وفيها آيات وأحاديث

أما الآيات

فالأولى قوله تعالى ( وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عند من نعمة تجز ى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى ) الليل١٧ ٢١ ) قال ابن الجوزي أجمعوا أنها نزلت في أبي بكر ففيها التصريح بأنه أتقى من سائر الأمة والأتقى هو الأكرم عند الله لقوله تعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) والأكرم عند الله هو الأفضل فنتج أنه أفضل من بقية الأمة ولا يمكن حملها على علي خلافًا لما افتراه بعض الجهلة لأن قوله ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى ) يصرفه عن حمله على علي لأن النبي رباه فله عليه نعمة أي نعمة تجزى وإذا خرج علي تعين أبو بكر للإجماع على أن ذلك الأتقى هو أحدهما لا غير. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني أن أبا بكر أعتق سبعة كلهم يعذب في الله فأنزل الله قوله ( وسيجنبها الأتقى ) إلى آخر السورة

الآية الثانية قوله تعالى ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى ). أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود أن أبا بكر اشترى بلالا من أمية بن خلف وأبي بن خلف ببردة وعشرة أواق فأعتقه لله فأنزل الله هذه الآية أي إن سعي أبي بكر وأمية وأبي لمفترق فرقانًا عظيمًا فشتان ما بينهما.

الآية الثالثة قوله ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها ). أجمع المسلمون على أن المراد بالصاحب هنا أبو بكر ومن ثم من أنكر صحبته كفر إجماعًا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن الضمير في ( فأنزل الله سكينته عليه ) لأبي بكر أي ولا ينافيه وأيده بجنود إرجاعًا للضمير في كل إلى ما يليق به جلالة ابن عباس قاضية بأنه لولا علم في ذلك نصًا لما حمل الآية عليه مع مخالفة ظاهرها له.

الآية الرابعة قوله تعالى ( والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ). أخرج البزار وابن عساكر أن عليًا رضي الله عنه قال في تفسيرها الذي جاء بالحق هو محمد والذي صدق به أبو بكر قال ابن عساكر هكذا الرواية بالحق ولعلها قراءة لعلي.

الآية الخامسة قوله تعالى ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ). أخرج ابن أبي حاتم عن ابن شوذب أنها نزلت في أبي بكر.

الآية السادسة قوله تعالى ( وشاورهم في الأمر ). أخرج الحاكم عن ابن عباس أنها نزلت في أبي بكر وعمر ويؤيده الخبر الآتي إن الله أمرني أن أستشير أبا بكر.

الآية السابعة قوله تعالى ( فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ). أخرج الطبراني عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم أنها نزلت فيهما.

الآية الثامنة قوله تعالى ( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور ). أخرج عبد بن حميد عن مجاهد لما نزل ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا ) قال أبو بكر يا رسول الله ما أنزل الله عليك خيرًا إلا أشركنا فيه فنزل ( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرج كم من الظلمات إلى النور ).

الآية التاسعة قوله تعالى ( ووصينا الإنسان بوالديه إحسانًا حملته أمه كرهًا ووضعته كرهًا وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحًا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيآتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ). أخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ذلك جميعه نزل في أبي بكر. ومن تأمل ذلك وجد فيه من عظم المنقبة له والمنة عليه ما لم يوجد نظيره لأحد من الصحابة رضوان الله عليهم.

الآية العاشرة قوله تعالى ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا على سرر متقابلين ). نزلت في أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم كما مر ذلك عن علي بن الحسين رضي الله عنهما.

الآية الحادية عشرة قو له تعالى ( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ). نزلت كما في البخاري وغيره عن عائشة في أبي بكر لما حلف أن لا ينفق على مسطح لكونه كان من جملة من رمى عائشة بالإفك الذي تولى الله سبحانه براءتها منه بالآيات التي أنزلها في شأنها ولما نزلت قال أبو بكر بلى والله يا ربنا إنا لنحب أن تغفر لنا وعاد له بما كان يصنع أي ينفقه عليه. وفي رواية للبخاري أيضًا عنها في حديث الإفك الطويل وأنزل الله تعالى ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ) العشر الآيات كلها فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد الذي قال في عائشة ما قال فأنزل الله ( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ) وذكرت الآية السابقة ثم قالت قال أبو بكر بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها منه أبدًا.

تنبيه: علم من حديث الإفك المشار إليه أن من نسب عائشة إلى الزنا كان كافرًا وهو ما صرح به أئمتنا وغيرهم لأن في ذلك تكذيب النصوص القرآنية ومكذبها كافر بإجماع المسلمين وبه يعلم القطع بكفر كثيرين من غلاة الروافض لأنهم ينسبونها إلى ذلك قاتلهم الله أنى يؤفكون.

الآية الثانية عشرة قوله تعالى ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين ) الآية. أخرج ابن عساكر عن ابن عيينة قال عاتب الله المسلمين كلهم في رسول الله إلا أبا بكر وحده فإنه خرج من المعاتبة ثم قرأ ( إلا تنصروه فقد نصره الله ) الآية.

وأما الأحاديث

فهي كثيرة مشهورة وقد مر في الفصل الثالث من الباب الأول منها جملة إذ الأربعة عشر السابقة ثم الدالة على خلافته وغيرها من رفيع شأنه وقدره غاية في كماله وغرة في فضائله وأفضاله فلذلك بنيت عليها في العد هنا فقلت:

الحديث الخامس عشر أخرج الشيخان عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سأل النبي فقال أي الناس أحب إليك قال ( عائشة ) فقلت من الرجال فقال ( أبوها ) فقلت ثم من فقال ( عمر بن الخطاب ) فعد رجالا وفي رواية لست أسألك عن أهلك إنما أسألك عن أصحابك.

الحديث السادس عشر أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما كنا في زمن رسول الله لا نعدل بأبي بكر أحدًا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي لا نفاضل بينهم. وفي رواية له أيضًا كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله نخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان. وفي رواية لأبي داود كنا نقول ورسول الله حي أفضل أمته بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان زاد الطبراني فبلغ ذلك رسول الله فلم ينكره. وفي البخاري أيضًا عن محمد ابن الحنفية قلت لأبي يعني عليًا رضي الله عنهما أي الناس خير بعد رسول الله فقال أبو بكر فقلت ثم من قال عمر وخشيت أن يقول عثمان قلت ثم أنت قال ما أنا إلا واحد من المسلمين. وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر كنا وفينا رسول الله نفضل أبا بكر وعمر وعثمان وعليًا. وأخرج أيضًا عن أبي هريرة كنا معشر أصحاب رسول الله ونحن متوافرون نقول أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت وأخرج الترمذي عن جابر أن عمر قال لأبي بكر يا خير الناس بعد رسول الله فقال أبو بكر أما أنك لو قلت ذلك فلقد سمعته يقول ( ما طلعت الشمس على خير من عمر ) ومر أنه تواتر عن علي خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وأنه قال لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري أخرجه ابن عساكر. وأخرج الترمذي والحاكم عن عمر قال أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله، وابن عساكر أن عمر صعد المنبر ثم قال ألا إن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر فمن قال غير هذا فهو مفتر عليه ما على المفتري.

الحديث السابع عشر أخرج عبد بن حميد في مسنده وأبو نعيم وغيرهما من طرق عن أبي الدرداء أن رسول الله قال ( ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد أفضل من أبي بكر إلا أن يكون نبيًا ) وفي لفظ ما طلعت الشمس على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر وورد أيضًا في حديث جابر ولفظه ما طلعت الشمس على أحد منكم أفضل منه. وأخرجه الطبراني وغيره وله شواهد من وجوه أخر تقضي له بالصحة أو الحسن وقد أشار ابن كثير إلى الحكم بصحته.

الحديث الثامن عشر أخرج الطبراني عن أسعد بن زرارة أن رسول الله قال ( إن روح القدس جبريل أخبرني إن خير أمتك بعدك أبو بكر ).

الحديث التاسع عشر أخرج الطبراني وابن عدي عن سلمة بن الأكوع قال قال رسول الله ( أبو بكر خير الناس إلا أن يكون نبي ).

الحديث العشرون أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار سدوا كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر ).

الحديث الحادي والعشرون أخرج الديلمي عن عائشة أن رسول الله قال ( أبو بكر مني وأنا منه وأبو بكر أخي في الدنيا والآخرة ).

الحديث الثاني والعشرون أخرج أبو داود والحاكم عن أبي هريرة أن النبي قال ( أتاني جبريل وأخذ بيدي فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي فقال أبو بكر وددت أني كنت معك حتى أنظر إليه فقال أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي ).

الحديث الثالث والعشرون أخرج الطبراني عن سمرة أن النبي قال ( إن أبا بكر يؤول الرؤيا وإن رؤياه الصالحة حظه من النبوة ) أي نصيبه من آثار نبوة رسول الله المفاضة عليه لمزيد صدقه وتخليه لها عن سائر حظوظه وأغراضه وعظيم فنائه عن نفسه وأهله.

الحديث الرابع والعشرون أخرج الديلمي عن سمرة أن رسول الله قال ( أمرت أن أولي الرؤيا أبا بكر ).

الحديث الخامس والعشرون أخرج أحمد والبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال ( إنه ليس في الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ولو كنت متخذًا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن خلة الإسلام أفضل سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر.

الحديث السادس والعشرون أخرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي قال لأبي بكر ( أنت عتيق من النار ).

الحديث السابع والعشرون عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال لأبي بكر ( أنت صاحبي على الحوض وصاحبي في الغار ).

الحديث الثامن والعشرون أخرج أبو يعلى في مسنده وابن سعد والحاكم وصححه عن عائشة رضي الله عنها قالت إني لفي بيتي ذات يوم ورسول الله وأصحابه في الفناء والستر بيني وبينهم إذ أقبل أبو بكر فقال النبي ( من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى أبي بكر ) وإن اسمه الذي سماه أهله عبد الله فغلب عليه اسم عتيق.

الحديث التاسع والعشرون أخرج الحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال لأبي بكر ( أيا أبا بكر أنت عتيق الله من النار ) فمن يومئذ سمي عتيقًا.

الحديث الثلاثون أخرج البزار والطبراني /بسند جيد / عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال كان اسم أبي بكر عبد الله فقال له النبي ( أنت عتيق الله من النار ) فسمي عتيقًا.

تنبيه يستفاد من هذه الأحاديث ما هو الأصح عند العلماء أن اسم أبي بكر عبد الله وأن لقبه عتيق.

الحديث الحادي والثلاثون أخرج الحاكم /بسند جيد / أن عائشة قالت جاء المشركون إلى أبي بكر فقالوا هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس قال وقال ذلك قالوا نعم فقال لقد صدق إني لأصدقه بأبعد من ذلك بخبر السماء غدوة وروحة فلذلك سمي الصديق. وورد هذا الحديث أيضًا من حديث أنس وأبي هريرة وأم هانئ أسند الأولين ابن عساكر والثالث الطبراني.

الحديث الثاني والثلاثون أخرج سعيد بن منصور في سننه عن أبي وهب مولى أبي هريرة قال لما رجع رسول الله ليلة أسري به فكان بذي طوى فقال ( يا جبريل إن قومي لا يصدقوني فقال يصدقك أبو بكر وهو الصديق ) ووصله الطبراني في الأوسط عن أبي وهب عن أبي هريرة. وأخرج الحاكم عن النزال بن سبرة قلنا لعلي يا أمير المؤمنين أخبرنا عن أبي بكر فقال ذاك امرؤ سماه الله الصديق على لسان محمد لأنه خليفة رسول الله رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا /إسناده جيد / وصح عن حكم ابن سعيد سمعت عليًا يحلف لأنزل الله اسم أبي بكر من السماء الصديق.

الحديث الثالث والثلاثون أخرج الحاكم عن أنس أن النبي قال ما صحب النبين والمرسلين أجمعين ولا صاحب يس أفضل من أبي بكر.

الحديث الرابع والثلاثون أخرج الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال ( ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه بها ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدًا يكافئه الله بها يوم القيامة وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر ولو كنت متخذًا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ألا إن صاحبكم أي محمدًا خليل الله ).

الحديث الخامس والثلاثون أخرج الشيخان وأحمد والترمذي والنسائي عن أبي هريرة أن النبي قال ( من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير لك فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة قال أبو بكر وهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها قال نعم وأرجو أن تكون منهم ).

الحديث السادس والثلاثون أخرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي قال ( لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره ) ولهذا الحديث تعلق تام ومناسبة ظاهرة بأحاديث الخلافة الأربعة عشر السابقة.

الحديث السابع والثلاثون أخرج الشيخان وأحمد والترمذي عن أبي بكر أن رسول الله قال له في الغار ( يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ).

الحديث الثامن والثلاثون أخرج عبدان المروزي وابن قانع عن فهزاذ أن النبي قال ( يا أيها الناس احفظوني في أبي بكر فإنه لم يسؤني منذ صحبني ).

الحديث الحادي التاسع والثلاثون أخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله قال ( إذا كان يوم القيامة نادى مناد لا يرفعن أحد من هذه الأمة كتابة قبل أبي بكر ).

الحديث الأربعون أخرج الطبراني عن أبي أمامة أن رسول الله قال ( إن الله اتخذ لي خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا وإن خليلي أبو بكر ) وفيه معارضته لما مر آنفًا في رابع أحاديث الخلافة إلا أن يحمل ذاك على كمال الخلة وهذا على نوع منها.

الحديث الحادي والأربعون أخرج الحارث والطبراني وابن شاهين عن معاذ أن النبي قال ( إن الله يكره فوق سمائه أن يخطئ أبو بكر في الأرض ) وفي رواية إن الله يكره أن يخطأ أبو بكر رجاله ثقات.

الحديث الثاني والأربعون أخرج الطبراني عن ابن عباس مرفوعًا ( ما أحد عندي أعظم يدًا من أبي بكر واساني بنفسه وماله وأنكحني ابنته.

الحديث الثالث والأربعون أخرج الطبراني عن معاذ أن النبي قال ( رأيت أني وضعت في كفة وأمتي في كفة فعدلتها ثم وضع أبو بكر في كفة وأمتي في كفة فعدلها ثم وضع عمر في كفة وأمتي في كفة فعدلها ثم وضع عثمان في كفة وأمتي في كفة فعدلها ثم رفع الميزان.

الحديث الرابع والأربعون أخرج مسلم والنسائي والترمذي وابن ماجة والحاكم والبيهقي أن رسول الله قال ( أرحم أمتي بأمتي أبو بكر ) وستأتي تتمته.

الحديث الخامس والأربعون أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة والضياء عن سعيد بن زيد أن رسول الله قال ( عشرة في الجنة النبي في الجنة وأبو بكر في الجنة ) الحديث وستأتي تتمته أيضًا.

الحديث السادس والأربعون أخرج أحمد والضياء عن سعيد بن زيد والترمذي عن عبد الرحمن بن عوف أن النبي قال ( أبو بكر في الجنة ) الحديث وسيأتي بطوله.

الحديث السابع والأربعون أخرج الترمذي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله قال ( رحم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة وأعتق بلالا من ماله وما نفعني مال في الإسلام ما نفعني مال أبي بكر ) وقوله ( حملني إلى دار الهجرة ) قد ينافيه حديث البخاري أنه لم يأخذ الراحلة من أبي بكر إلا بالثمن إلا أن يجمع بأنه أخذها أولا بالثمن ثم ابرأ أبو بكر ذمته للحديث وستأتي تتمته.

الحديث الثامن والأربعون أخرج البخاري عن أبي الدرداء قال كنت جالسًا عند النبي إذ اقبل أبو بكر فسلم وقال إني كان بيني وبين عمر بن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت إليك فقال ( يغفر الله لك يا أبا بكر يغفر الله لك يا أبا بكر يغفر الله لك يا أبا بكر ) ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فلم يجده فأتى النبي فسلم فجعل وجه النبي يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال يا رسول الله أنا كنت أظلم منه أنا كنت أظلم منه فقال النبي ( إن الله بعثني إل يكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي فهل أنتم تاركو لي صاحبي ) فما أوذي أبو بكر بعدها. وأخرج ابن عدي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما نحوه وفيه فقال رسول الله ( لا تؤذوني في صاحبي فإن الله بعثني بالهدى ودين الحق فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت ولولا أن الله سماه صاحبًا لاتخذته خليلا ولكن أخوة الإسلام ).

الحديث التاسع والأربعون أخرج ابن عساكر عن المقدام قال استب عقيل ابن أبي طالب وأبو بكر قال وكان أبو بكر سبابًا أو نسابًا غير أنه تحرج من قرابة عقيل من النبي فأعرض عنه وشكاه إلى النبي فقام رسول الله عن الناس فقال ( ألا تدعون لي صاحبي ما شأنكم وشأنه فوالله ما منكم رجل إلا على باب بيته ظلمة إلا باب أبي بكر فإن على بابه النور ولقد قلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت وأمسكتم الأموال وجاد لي بماله وخذلتموني وواساني واتبعني ).

الحديث الخمسون أخرج البخاري عن ابن عمر قال رسول الله ( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ) فقال أبو بكر إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال رسول الله ( إنك لست تصنع ذلك خيلاء ).

الحديث الحادي والخمسون أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ( من أصبح منكم اليوم صائمًا قال أبو بكر أنا قال فمن تبع منكم اليوم جنازة قال أبو بكر أنا قال فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا قال أبو بكر أنا قال فمن عاد منكم اليوم مريضًا قال أبو بكر أنا فقال رسول الله ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة ) وفي رواية عن أنس وجبت لك الجنة

الحديث الثاني والخمسون أخرج البزار عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال صلى رسول الله صلاة الصبح ثم اقبل على أصحابه بوجهه فقال ( من أصبح منكم اليوم صائمًا فقال عمر يا رسول الله لم أحدث نفسي بالصوم البارحة فأصبحت مفطرًا فقال أبو بكر ولكن حدثت نفسي بالصوم البارحة فأصبحت صائمًا فقال هل منكم أحد اليوم عاد مريضًا فقال عمر يا رسول الله لم نبرح فكيف نعود المريض فقال أبو بكر بلغني أن أخي عبد الرحمن بن عوف شاك فجعلت طريقي عليه لأنظر كيف أصبح فقال هل منكم من أطعم اليوم مسكينًا فقال عمر صلينا يا رسول الله لم نبرح فقال أبو بكر دخلت المسجد فإذا سائل فوجدت كسرة من خبز الشعير في يد عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها إليه فقال أنت فأبشر بالجنة ثم قال كلمة أرضى بها عمر زعم أنه لم يرد خيرًا قط إلا سبقه إليه أبو بكر كذا لفظ هذا الحديث في النسخة التي را يتها وفيه ما يحتاج إلى التأمل. وأخرج أبو يعلى عن ابن مسعود قال كنت في المسجد أصلي فدخل رسول الله ومعه أبو بكر وعمر فوجدني أدعو فقال ( سل تعطه ) ثم قال ( من أراد أن يقرأ القرآن غضًا طريًا فليقرأ بقراءة ابن أم عبد ) فرجعت إلى منزلي فأتاني أبو بكر فبشرني ثم أتاني عمر فوجد أبا بكر خارجًا قد سبقه فقال ( إنك لسباق بالخير ).

الحديث الثالث والخمسون أخرج أحمد /بسند حسن/ عن ربيعة الأسلمي قال جرى بيني وبين أبي بكر كلام فقال لي كلمة كرهتها وندم فقال لي يا ربيعة رد علي مثلها حتى يكون قصاصًا فقلت لا أفعل فقال أبو بكر لتقولن أو لأستعدين عليك رسول الله قلت ما أنا بفاعل فانطلق أبو بكر إلى النبي فانطلقت أتلوه وجاء الناس من أسلم فقالوا رحم الله أبا بكر أي شيء يستعدي عليك وهو الذي قال لك ما قال فقلت أتدرون من هذا هذا أبو بكر هذا ثاني اثنين وهذا ذو شيبة المسلمين إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله فيغضب لغضبه فيغضب الله لغضبهما فيهلك ربيعة قالوا فما تأمرنا قلت ارجعوا وانطلق أبو بكر وتبعته وحدي حتى أتى رسول الله فحدثه الحديث كما كان فرفع إلي رأسه فقال ( يا ربيعة ما لك والصديق ) فقلت يا رسول الله كان كذا وكذا فقال لي كلمة كرهتها فقال لي قل لي كما قلت لك حتى يكون قصاصًا فأبيت فقال رسول الله ( أجل لا ترد عليه ولكن قل غفر الله لك يا أبا بكر ) فقلت غفر الله لك يا أبا بكر.

الحديث الرابع والخمسون أخرج الترمذي عن ابن عمر وحسنه أن رسول الله قال لأبي بكر ( أنت صاحبي على الحوض وصاحبي في الغار ومؤنسي في الغار ).

الحديث الخامس والخمسون أخرج البيهقي عن حذيفة قال قال رسول الله ( إن في الجنة طيرًا كأمثال البخاتي ) قال أبو بكر إنها لناعمة يا رسول الله قال ( أنعم منها من يأكلها وأنت ممن يأكلها ) وقد ورد هذا الحديث من رواية أنس أيضًا.

الحديث السادس والخمسون عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ( عرج بي إلى السماء فما مررت بسماء إلا وجدت فيها اسمي محمد رسول الله وأبو بكر الصديق خلفي ). وورد هذا الحديث أيضًا من رواية ابن عباس وابن عمر وأنس وأبي سعيد وأبي الدرداء رضي الله عنهم وأسانيدها كلها ضعيفة لكنها ترتقي بمجموعها إلى درجة الحسن.

الحديث السابع والخمسون أخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم عن سعيد بن جبير قال قرئت عند النبي ( يا أيتها النفس المطمئنة ) فقال أبو بكر يا رسول الله إن هذا لحسن فقال رسول الله ( أما إن الملك سيقولها لك عند الموت ).

الحديث الثامن والخمسون أخرج ابن أبي حاتم عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال لما نزلت ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو أخرجوا من دياركم ) قال أبو بكر يا رسول الله لو أمرتني أن أقتل نفسي لفعلت قال ( صدقت ).

الحديث التاسع والخمسون أخرج الطبراني في الكبير وابن شاهين في السنة عن ابن عباس رضي الله عنهما موصولا وأبو القاسم البغوي قال حدثنا داود بن عمرو حدثنا عبد الجبار بن الورد عن ابن أبي مليكة وتابعه وكيع عن عبد الجبار بن الورد أخرجه ابن عساكر وعبد الجبار ثقة وشيخه ابن أبي مليكة إمام إلا أنه من هذه الطريق مرسل قال دخل رسول الله وأصحابه غديرًا فقال ( ليسبح كل رجل إلى صاحبه ) فسبح كل رجل منهم إلى صاحبه حتى بقي رسول الله وأبو بكر فسبح رسول الله إلى أبي بكر حتى اعتنقه فقال ( لو كنت متخذًا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكنه صاحبي ).

الحديث الستون أخرج ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق وابن عساكر من طريق صدقة بن ميمون القرشي عن سليمان بن يسار قال قال رسول الله ( خصال الخير ثلاثمائة وستون خصلة إذا أراد الله بعبد خيرًا جعل فيه خصلة منها بها يدخل الجنة ) فقال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله أفي شي ء منها قال ( نعم جميعًا من كل ). وأخرج ابن عساكر من طريق آخر أنه قال خصال الخير ثلاثمائة وستون ) فقال أبو بكر يا رسول الله لي منها شيء قال ( كلها فيك فهنيئًا لك يا أبا بكر ).

الحديث الحادي والستون أخرج ابن عساكر من طريق مجمع الأنصاري عن أبيه قال إن كانت حلقة رسول الله لتشتبك حتى تصير كالإسوار وإن مجلس أبي بكر منها لفارغ ما يطمع فيه أحد من الناس فإذا جاء أبو بكر جلس ذلك المجلس وأقبل عليه النبي بوجهه وألقى إليه حديثه ويسمع الناس.

الحديث الثاني والستون أخرج ابن عساكر عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله ( حب أبي بكر وشكره واجب على كل أمتي ). وأخرج مثله من حديث سهل بن سعد.

الحديث الثالث والستون أخرج ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله ( الناس كلهم يحاسبون إلا أبا بكر ).

الحديث الرابع والستون أخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال ( ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر ) فبكى أبو بكر وقال هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله. وأخرج أبو يعلى من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا مثله قال ابن كثير مروي أيضًا من حديث علي وابن عباس وأنس وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم. وأخرجه الخطيب عن ابن المسيب مرسلا وزاد وكان رسول الله يقضي في مال أبي بكر كما يقضي في مال نفسه. وأخرج ابن عساكر من طرق عن عائشة وعروة رضي الله عنهما أن أبا بكر أسلم يوم أسلم له أربعون ألف دينار وفي لفظ أربعون ألف درهم فأنفقها على رسول الله.

الحديث الخامس والستون أخرج البغوي وابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كنت عند النبي وعنده أبو بكر الصديق وعليه عباءة قد خللها في صدره بخلال فنزل عليه جبريل فقال يا محمد مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خللها في صدره بخلال فقال يا جبريل أنفق ماله علي قبل الفتح قال فإن الله يقرأ عليه السلام ويقول قل له أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط فقال أبو بكر أسخط على ربي أنا عن ربي راض أنا عن ربي راض أنا عن ربي راض ) /وسنده غريب ضعيف جدا/. وأخرج أبو نعيم عن أبي هريرة وابن مسعود رضي الله عنهم مثله / وسندهما ضعيف / أيضًا وابن عساكر نحوه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وأخرج الخطيب /بسند واه/ عن ابن عباس عن النبي قال ( هبط جبريل عليه السلام وعليه طنفسة متخلل بها فقلت يا جبريل ما هذا قال إن الله تعالى أمر الملائكة أن تتخلل في السماء لتخلل أبي بكر في الأرض ). قال ابن كثير وهذا منكر جدًا ولولا أن هذا والذي قبله يتداوله كثير من الناس لكان الإعراض عنهما أولى.

الحديث السادس والستون صح عن عمر أنه قال أمرنا رسول الله أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا فجئت بنصف مالي فقال رسول الله ( ما أبقيت لأهلك ) قلت مثله فأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك قال أبقيت لهم الله ورسوله فقلت لا أسبقه إلى شيء أبدًا.

الحديث السابع والستون أخرج ابن عساكر أنه قيل لأبي بكر في مجمع من الصحابة هل شربت الخمر في الجاهلية فقال أعوذ بالله فقيل ولم قال كنت أصون عرضي وأحفظ مروءتي فإن من شرب الخمر كان مضيعًا في عرضه ومروءته فبلغ ذلك رسول الله فقال صدق أبو بكر صدق أبو بكر ) /وهو مرسل غريب سندًا ومتنا/. وأخرج ابن عساكر /بسند صحيح /عن عائشة قالت والله ما قال أبو بكر شعرًا قط في جاهلية ولا إسلام ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية. وأخرج أبو نعيم /بسند جيد / عنها قالت لقد حرم أبو بكر الخمر على نفسه في الجاهلية.

الحديث الثامن والستون أخرج أبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال ( ما كلمت في الإسلام أحدًا إلا أبي علي وراجعني الكلام إلا ابن أبي قحافة فإني لم أكلمه في شيء إلا قبله واستقام عليه ). وفي رواية لابن إسحاق ( ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وتردد ونظر إلا أبا بكر ما عتم أي تلبث عنه حين ذكرته وما تردد فيه ). قال البيهقي وهذا لأنه كان يرى دلائل نبوة رسول الله ويسمع آثاره قبل دعوته فحين دعاه كان سبق له فيه تفكر ونظر فأسلم في الحال. ويؤيد ما قاله ما أخرجه أبو نعيم عن فرات بن السائب قال سألت ميمون بن مهران علي أفضل عندك أم أبو بكر وعمر قال فارتعد حتى سقطت عصاه من يده ثم قال ما كنت أظن أن أبقى إلى زمان يعدل بهم الله درهما كانا رأس الإسلام قلت فأبو بكر كان أول إسلامًا أو علي قال والله لقد آمن أبو بكر بالنبي زمن بحيرا الراهب حين مر به واختلف فيما بينه وبين خديجة حتى أنكحها إياه وذلك كله قبل أن يولد علي. وصح عن زيد بن أرقم أول من صلى مع النبي أبو بكر.

الحديث التاسع والستون وأخرج الترمذي وابن حبان في صحيحه عن أبي بكر أنه قال ألست أحق الناس بها أي الخلافة ألست أول من أسلم الحديث. والطبراني في الكبير وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن الشعبي قال سألت ابن عباس أي الناس كان أول إسلامًا قال أبو بكر ألم تسمع إلى قول حسان. (

إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة ** فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا

خير البرية أتقاها وأعدلها ** إلى النبي وأوفاها بما حملا

والثاني التالي المحمود مشهده ** وأول الناس منهم صدق الرسلا

ومن ثم ذهب خلائق من الصحابة والتابعين وغيرهم إلى أنه أول ال ناس إسلامًا بل ادعى بعضهم عليه الإجماع. وجمع بين هذا وغيره من الأحاديث المنافية له بأنه أول الرجال إسلامًا وخديجة أول الناس في النساء وعلي أول الصبيان وزيد أول الموالي وبلال أول الأرقاء وخالف في ذلك ابن كثير فقال الظاهر أن أهل بيته آمنوا قبل كل أحد زوجته خديجة ومولاه زيد وزوجته أم أيمن وعلي وورقة ويؤيده ما صح عن سعد بن أبي وقاص أنه أسلم قبله أكثر من خمسة قال ولكن كان خيرنا إسلامًا.

الحديث السبعون أخرج أبو يعلى وأحمد والحاكم عن علي قال قال لي رسول الله يوم بدر ولأبي بكر ( مع أحد كما جبريل ومع الآخر ميكائيل ).

الحديث الحادي والسبعون أخرج تمام في فوائده وابن عساكر عن عبد الله ابن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله يقول ( أتاني جبريل فقال إن الله يأمرك أن تستشير أبا بكر(

الفصل الثالث في ذكر فضائل أبي بكر الواردة فيه مع ضميمة غيره كعمر وعثمان وعلي وغيرهم إليه

وأفردت بترجمة لما بينها وبين الأولى من نوع مغايرة باعتبار السياق وأما من حيث إفادتها أفضلية أبي بكر وتشريفه فهي مع ما قبلها جنس واحد فلذا بنيت عدها على عد الأولى فقلت:

الحديث الثاني والسبعون أخرج الحاكم في الكنى وابن عدي في الكامل والخطيب في تاريخه عن أبي هريرة أن رسول الله قال ( أبو بكر وعمر خير الأولين والآخرين وخير أهل السموات وخير أهل الأرض إلا النبيين والمرسلين ).

الحديث الثالث والسبعون أخرج الطبراني عن أبي الدرداء مرفوعًا اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر فإنهما حبل الله الممدود من تمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها وله طرق أخرى مرت في أحاديث الخلافة.

الحديث الرابع والسبعون أخرج أبو نعيم أن رسول الله قال ( إذا أنا مت وأبو بكر وعمر وعثمان فإن استطعت أن تموت فمت. (

الحديث الخامس والسبعون أخرج البخاري في تاريخه والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة أن النبي قال ( نعم الرجل أبو بكر نعم الرجل عمر ).

الحديث السادس والسبعون أخرج الترمذي عن أبي سعيد أن النبي قال ( ما من نبي إلا وله وزيران من أهل السماء ووزيران من أهل الأرض فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر ).

الحديث السابع والسبعون أخرج أحمد والشيخان والنسائي عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله يقول ( وبينا راع في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منه شاة فطلبه الراعي فالتفت إليه الذئب فقال من لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري وبينا رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفت إليه فكلمته فقالت إني لم أخلق لهذا ولكني خلقت للحرث ) قال الناس سبحان الله قال النبي ( فإني أومن بذلك وأبو بكر وعمر ) وما ثم أبو بكر وعمر. أي لم يكونا في المجلس شهد لهما بالإيمان لعلمه بكمال إيمانهما. وفي رواية بينا رجل راكب على بقرة فالتفتت إليه فقالت له لم أخلق لهذا إنما خلقت للحرث فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وبينا رجل في غنمه إذ عدا الذئب فذهب منها بشاة فطلبه حتى استنقذها منه فقال له الذئب استنقذتها مني فمن لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر.

الحديث الثامن والسبعون أخرج أحمد والترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد والطبراني عن جابر بن سمرة وابن عساكر عن ابن عمر وعن أبي هريرة أن النبي ( ) قال ( إن أهل الدرجات العلى ليراهم من هو أسفل منهم كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما ).

الحديث التاسع والسبعون أخرج ابن عساكر عن أبي سعيد ( إن أهل عليين ليشرف أحدهم على الجنة فيضيء وجهه لأهل الجنة كما يضيء القمر ليلة البدر لأهل الدنيا وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما.

الحديث الثمانون أخرج أحمد والترمذي عن علي وابن ماجة عنه أيضًا وعن أبي جحيفة أبو يعلى في مسنده والضياء في المختارة عن أنس والطبراني في الأوسط عن جابر وعن أبي سعيد أن رسول الله قال ( هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين ) يعني أيا بكر وعمر. وفي الباب عن ابن عباس وابن عمر.

الحديث الحادي والثمانون أخرج الترمذي والحاكم وصححه عن عبد الله بن حنطب أن رسول الله رأى أبا بكر وعمر فقال ( هذان السمع والبصر ). وأخرجه الطبراني من حديث ابن عمر وابن عمرو.

الحديث الثاني والثمانون أخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس والخطيب عن جابر وأبو يعلى أن رسول الله قال ( أبو بكر وعمر مني بمنزلة السمع والبصر من الرأس ).

الحديث الثالث والثمانون أخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس أن النبي قال ( إن الله أيدني بأربعة وزراء اثنين من أهل السماء جبريل وميكائيل واثنين من أهل الأرض أبي بكر وعمر ). الحديث الرابع والثمانون أخرج الطبراني عن ابن مسعود قال قال النبي ( إن لكل نبي خاصة من أصحابه وإن خاصتي من أصحابي أبو بكر وعمر ).

الحديث الخامس والثمانون أخرج ابن عساكر عن أبي ذر أن رسول الله قال ( إن لكل نبي وزيرين وزيراي وصاحباي أبو بكر وعمر ).

الحديث السادس والثمانون أخرج ابن عساكر عن علي والزبير معًا أن النبي قال ( خير أمتي بعدي أبو بكر وعمر ). الحديث السابع والثمانون أخرج الخطيب في تاريخه أن رسول الله قال ( سيدا كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر وإن أبا بكر في الجنة مثل الثريا في السماء ).

الحديث الثامن والثمانون أخرج ابن النجار عن أنس قال قال رسول الله ( ما قدمت أبا بكر وعمر لكن الله قدمهما ).

الحديث التاسع والثمانون أخرج ابن قانع عن الحجاج السهمي أن رسول الله قال ( من رأيتموه يذكر أبا بكر وعمر بسوء فإنما يريد الإسلام ).

الحديث التسعون أخرج ابن عساكر عن ابن مسعود أن النبي قال ( القائم بعدي في الجنة والذي يقوم بعده في الجنة والثالث والرابع في الجنة ).

الحديث الحادي والتسعون أخرج ابن عساكر عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله قال ( أربعة لا يجتمع حبهم في قلب منافق ولا يحبهم إلا مؤمن أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ).

الحديث الثاني والتسعون أخرج الترمذي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله قال ( رحم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة وأعتق القائم بعدي في الجنة والذي يقوم بعده في الجنة والثالث والرابع في الجنة.

الحديث الحادي والتسعون أخرج ابن عساكر عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله قال أربعة لا يجتمع حبهم في قلب من منافق ولا يحبهم إلا مؤمن أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.

الحديث الثاني والتسعون أخرج الترمذي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله قال رحم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة وأعتق من ماله وما نفعني مال في الإسلام ما نفعني مال أبي بكر رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مرًا لقد تركه الحق وماله من صديق رحم الله عثمان تستحي منه الملائكة وجهز جيش العسرة وزاد في مسجدنا حتى وسعنا رحم الله عليًا اللهم أدر الحق معه حيث دار ).

الحديث الثالث والتسعون أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة والضياء عن سعيد بن زيد أن رسول الله قال ( عشرة في الجنة النبي في الجنة وأبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير بن العوام في الجنة وسعد بن مالك في الجنة أي وهو سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة ) وأخرجه بمعناه أحمد والضياء عن سعيد بن زيد والترمذي عن عبد الرحمن بن عوف.

الحديث الرابع والتسعون أخرج البخاري في تاريخه والنسائي والترمذي والحاكم عن أبي هريرة أن رسول الله قال ( نعم الرجل أبو بكر نعم الرجل عمر نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح نعم الرجل أسيد بن حضير نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس نعم الرجل معاذ بن جبل نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح نعم الرجل سهيل بن بيضاء ).

الحديث الخامس والتسعون أخرج أحمد والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم والبيهقي عن انس أن رسول الله قال ( أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في دين الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب وأفرضهم زيد بن ثابت وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ). وفي رواية الطبراني في الأوسط أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأرفق أمتي لأمتي عمر وأصدق أمتي حياء عثمان وأقضى أمتي علي بن أبي طالب وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل يجيء يوم القيامة أمام العلماء وأقرأ أمتي أبي بن كعب وأفرضها زيد بن ثابت وقد أوتي عويمر عبادة يعني أبا الدرداء. وفي أخرى عند ابن عساكر أرحم أمتي أبو بكر الصديق وأحسنهم خلقًا أبو عبيدة بن الجراح وأصدقهم لهجة أبو ذر وأشدهم في الحق عمر وأقضاهم علي رضي الله عنهم أجمعين. وفي أخرى عن العقيلي أرحم هذه الأمة بها أبو بكر وأقواهم في دين الله عمر وافرضهم زيد بن ثابت وأقضاهم علي بن أبي طالب وأصدقهم حياء عثمان بن عفان وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح واقرؤهم لكتاب الله عز وجل أبي بن كعب وابو هريرة وعاء من العلم وسلمان عالم لا يدرك ومعاذ بن جبل أعلم الناس بحلال الله وحرامه وما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر. وفي الأخرى لأبي يعلى أرأف أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في الدين عمر وأصدقهم حياء عثمان وأقضاهم علي وافرضهم زيد بن ثابت واقرؤهم أبي وأعلمهم الحلال والحرام معاذ بن جبل ألا وإن لكل أمة أمينًا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح.

الحديث السادس والتسعون أخرج الترمذي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله كان يخرج عن أصحابه من المهاجرين والأنصار وهم جلوس فيهم أبو بكر وعمر فلا يرفع إليه أحد منهم بصره إلا أبو بكر وعمر فإنهما كانا ينظران إليه وينظر إليهما ويبتسمان إليه ويبتسم إليهما.

الحديث السابع والتسعون أخرج الترمذي والحاكم عن عمر والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة أن رسول الله خرج ذات يوم فدخل المسجد وأبو بكر وعمر أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله وهو آخذ بأيديهما وقال ( هكذا نبعث يوم القيامة ).

الحديث الثامن والتسعون أخرج الترمذي والحاكم عن ابن عمر قال قال رسول الله ( أنا أول من تنشق عنه الأرض ثم أبو بكر ثم عمر ).

الحديث التاسع والتسعون أخرج البزار عن أبي أروى الدوسي قال كنت عند النبي فأقبل أبو بكر وعمر فقال ( الحمد لله الذي أيدني بكما ) وورد هذا أيضًا من حديث البراء بن عازب أخرجه الطبراني في الأوسط.

الحديث المكمل للمائة أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن أنس مرفوعًا إني لأرجو لأمتي في حبهم لأبي بكر وعمر ما أرجو لهم في قول لا إله إلا الله

الحديث الأول بعد المائة أخرج أبو يعلى عن عمار بن ياسر قال قال رسول الله ( أتاني جبريل آنفًا فقلت يا جبر يل حدثني بفضائل عمر بن الخطاب فقال لو حدثتك بفضائل عمر منذ ما لبث نوح في قومه ما نفدت فضائل عمر وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر ).

الحديث الثاني بعد المائة أخرج أحمد عن عبد الرحمن بن غنم أن رسول الله قال لأبي بكر وعمر ( لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما ) وأخرجه الطبراني من حديث البراء بن عازب.

الحديث الثالث بعد المائة أخرج الطبراني عن سهل قال لما قدم النبي من حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ( يا أيها الناس إن أبا بكر لم يسؤني قط فاعرفوا له ذلك أيها الناس إني راض عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف والمهاجرين والأولين فاعرفوا ذلك لهم ).

الحديث الرابع بعد المائة أخرج ابن سعد عن بسطام بن أسلم قال قال رسول الله لأبي بكر وعمر ( لا يتأمر عليكما أحد بعدي ).

الحديث الخامس بعد المائة أخرج ابن عساكر عن أنس مرفوعًا ( حب أبي بكر وعمر إيمان وبغضهما كفر ).

الحديث السادس بعد المائة أخرج ابن عساكر أيضا أن رسول الله قال حب أبي بكر وعمر من السنة.

الحديث السابع بعد المائة أخرج أحمد والبخاري والترمذي وأبو حاتم عن أنس قال صعد النبي وأبو بكر وعمر وعثمان أحدًا فرجف بهم فضربه النبي برجله وقال ( اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ). وإنما قال له ذلك ليبين أن هذه الرجفة ليست كرجفة الجبل بقوم موسى لما حرفوا الكلم لأن تلك رجفة غضب وهذه هزة الطرب ولذا نص على مقام النبوة والصديقية والشهادة الموجبة لسرور ما اتصلت به لا لرجفانه فأقر الج بل بذلك واستقر. وأخرج الترمذي والنسائي والدارقطني عن عثمان أنه كان على ثبير بمكة ومعه أبو بكر وعمر وأنا فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض أي قرار الأرض عن منقطع الجبل فركضه أي ضربه برجله وقال ( اسكن ثبير فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ). وأخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله كان على حراء هو وأبو بكر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فال رسول الله ( اسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان ). وفي رواية له وسعد بن أبي وقاص ولم يذكر عليًا. وخرجه الترمذي وصححه ولم يذكر سعدًا. وفي رواية له كان عليه العشرة إلا أبا عبيدة. وهذه الروايات محمولة على أنها وقائع تكررت ولا نظر إلى المنازعة فيها بأن المخرج متحد لصحة أحاديث كل فتعين الجمع بينهما بذلك وفي مسلم من حديث أبي هريرة ما يؤيد التعدد.

الحديث الثامن بعد المائة أخرج محمد بن يحيى الذهلي في الزه ريات عن أبي ذر قال هجرت يومًا من الأيام فإذا النبي قد خرج من بيته فسألت عنه الخادم فأخبرني عنه أنه ببيت عائشة فأتيته وهو جالس ليس عنده أحد من الناس وكان حينئذ أرى أنه في وحي فسلمت عليه فرد علي السلام ثم قال لي ( ما جاء بك قلت الله ورسوله أعلم فأمرني أن أج لس فجلست إلى جنبه لا أسأله عن شيء إلا ذكره لي فمكث غير كثير فجاء أبو بكر يمشي مسرعًا فسلم عليه فرد عليه السلام ثم قال ( ما جاء بك قال جاء بي الله ورسوله فأشار بيده أن اجلس فجلس إلى ربوة مقابل النبي ثم جاء عمر ففعل مثل ذلك وقال له رسول الله مثل ذلك وجلس إلى جنب أبي بكر ثم جاء عثمان كذلك وجلس إلى جنب عمر ثم قبض رسول الله على حصيات سبع أو تسع أو ما قرب من ذلك فسبحن في يده حتى سمع لهن حنين كحنين النحل في كف رسول الله ثم ناولهن أبا بكر وجاوزني فسبحن في كف أبي بكر ثم أخذهن منه فوضعهن في الأرض فخرسن وصرن حصى ثم ناولهن عمر فسبحن في كفه كما سبحن في كف أبي بكر ثم أخذهن منه فوضعهن في الأرض فخرسن ثم ناولهن عثمان فسبحن في كفه كنحو ما سبحن في كف أبي بكر وعمر ثم أخذهن فوضعهن في الأرض فخرسن ). وأخرجه البزار والطبراني في الأوسط عن أبي ذر أيضًا لكن بلفظ تناول النبي سبع حصيات فسبحن في يده حتى سمعت لهن حنينًا ثم وضعهن في يد أبي بكر فسبحن ثم وضعهن في يد عمر فسبحن ثم وضعهن في يد عثمان فسبحن زاد الطبراني فسمع تسبيحهن من في الحلقة ثم دفعهن إلينا فلم يسبحن مع أحد منا. وتأمل سر ما في الرواية الأولى من إعطاء النبي إياهن لأبي بكر من يده من قبل وضعهن بالأرض بخلافه في عمر وعثمان تعلم أن ذلك كله لمزيد قرب أبي بكر حتى صير يده ليست أجنبية من يد النبي فلم يفصل بينهما بزوال حياة تلك الحصيات بخلافه في عمر وعثمان.

الحديث التاسع بعد المائة أخرج الملا في سيرته أن النبي قال ( إن الله افترض عليكم حب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي كما افترض الصلاة والزكاة والصوم والحج فمن أنكر فضلهم فلا تقبل منه الصلاة ولا الزكاة ولا الصوم ولا الحج ).

الحديث العاشر بعد المائة أخرج الحافظ السلفي في مشيخته من حديث أنس أن النبي قال ( حب أبي بكر واجب على أمتي ).

الحديث الحادي عشر بعد المائة أخرج الشيخان وأحمد وغيرهم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه خرج إلى المسجد فسأل عن النبي فقالوا توجه ههنا فخرجت في إثره حتى دخل بئر أريس فجلست عند الباب وبابها من جريد حتى قضى رسول الله حاجته فتوضأ فقمت إليه فإذا هو جالس على بئر أريس وتوسط قفها أي رأسها فجلست عند الباب فقلت لأكونن بوابًا للنبي اليوم فجاء أبو بكر فدفع الباب فقلت من هذا فقال أبو بكر فقلت على رسلك ثم ذهبت إلى رسول الله فقلت هذا أبو بكر يستأذن فقال ( ائذن له وبشره بالجنة ) فأقبلت حتى قلت لأبي بكر ادخل ورسول الله يبشرك بالج نة فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله معه في القف ودلى رجليه في البئر كما صنع رسول الله وكشف عن ساقيه ثم رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضأ فقلت إن يرد الله بفلان خيرًا يعني أخاه يأت به فإذا إنسان يحرك الباب فقلت من هذا على الباب قال عمر بن الخطاب فقلت على رس لك ثم جئت إلى النبي فقلت هذا عمر بن الخطاب يستأذنك فقال ( ائذن له وبشره بالجنة ) فجئته فقلت ادخل وبشرك رسول الله بالجنة فجلس مع رسول الله في القف عن يساره ودلى برجليه في البئر فرجعت فجلست وقلت إن يرد الله بفلان خيرًا يأت به فجاء إنسان فحرك الباب فقلت من هذا فقال عثمان بن عفان فقلت على رسلك وجئت إلى النبي فأخبرته فقال ( ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه ) فجئت فقلت ادخل ورسول الله يبشرك بالجنة على بلوى تصيبك فدخل فوجد القف قد ملئ فجلس وجاهه من الصف الآخر قال شريك قال سعيد بن المسيب تأويلها قبورهم انتهى. وأقول تأويلها أيضًا على خلافة الثلاثة على ترتيب مجيئهم ممكن بل هو الموافق لحديث البئر السابقة رواياته وطرقه في تاسع الأحاديث الدالة على خلافة أبي بكر ويكون جلوس الشيخين بجانبه وضيق المحل عن عثمان حتى جلس أمامهم إشارة إلى عظيم خلافتهما وسلامتها من تطرق الفتن إليها على أتم الوجوه وأكملها وإلى أن صدور المؤمنين وأحوالهم فيها كانت على غاية من السرور واعتدال الأمر. وأما خلافة عثمان وعلي فإنها وإن كانت صدقًا وحقًا وعدلًا لكن اقترن بها أحوال من أحوال بني أمية وسفهائهم كدرت القلوب وشوشت على المسلمين وتولد بسببها تلك الفتن العظيمة. ويؤيد ما ذكرته أن النبي أشار إلى ذلك بقوله في عثمان ( على بلوى تصيبه ) وتلك البلوى لم تتولد إلا لما ذكرته من قبيح أحوال بني أمية كما سيأتي بسط ذلك في مبحث خلافة عثمان وذكر فضائله ومآثره. واعلم أنه وقع في روايات أخر ما فيه مخالفة لبعض ما مر في تلك الرواية فقد أخرج أبو داود نحو تلك الرواية عن أبي سلمة عن نافع عن عبد الحارث الخزاعي قال دخل رسول الله حائطًا من حوائط المدينة فقال لبلال ( أمسك الباب فجاءه أبو بكر يستأذن ) فذكر نحوه. قال الطبراني وفي حديث أن نافع بن الحارث هو الذي كان يستأذنه وهذا يدل على تكرر القصة انتهى. وهو أظهر من تصويب شيخ الإسلام ابن حجر عدم التعدد وإنها عن أبي موسى الأشعري ووهم القول بغيره.

الحديث الثاني عشر بعد المائة أخرج الحافظ عمر بن محمد بن خضر الملا في سيرته أن الشافعي رضي الله عنه روى بسنده أنه قال ( كنت أنا وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أنوارًا على يمين العرش قبل أن يخلق آدم بألف عام فلما خلق اسكنا ظهره ولم نزل ننتقل في الأصلاب الطاهرة حتى نقلني الله تعالى إلى صلب عبد الله ونقل أبا بكر إلى صلب أبي قحافة ونقل عمر إلى صلب الخطاب ونقل عثمان إلى صلب عفان ونقل عليًا إ لى صلب أبي طالب ثم اختارهم لي أصحابًا فجعل أبا بكر صديقًا وعمر فاروقًا وعثمان ذا النورين وعليًا وصيًا فمن سب أصحابي فقد سبني ومن سبني فقد سب الله تعالى ومن سب الله أكبه الله في النار على منخريه ).

الحديث الثالث عشر بعد المائة أخرج المحب الطبري في رياضه وعهدته عليه أنه قال ( أخبرني جبريل أن الله تعالى لما خلق آدم وأدخل الروح في جسده أمرني أن آخذ تفاحة من الجنة وأعصرها في حلقه فعصرتها في فيه فخلق الله من النقطة الأولى أنت ومن الثانية أبا بكر ومن الثالثة عمر ومن الرابعة عثمان ومن الخامسة عليًا فقال آدم يا رب من هؤلاء الذين أكرمتهم فقال الله تعالى هؤلاء خمسة أشياخ من ذريتك وهم أكرم عندي من جميع خلقي أي أنت أكرم الأنبياء والرسل وأهم أكرم أتابع الرسل فلما عصى آدم ربه قال يا رب بحرمة أولئك الأشياخ الخمسة الذين فضلتهم إلا تبت علي فتاب الله عليه ).

الحديث الرابع عشر بعد المائة أخرج البخاري عن أبي قتادة رضي الله عنه قال خرجنا مع النبي عام حنين فلما التقينا كان للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر فقلت ما بال الناس قال أمر الله عز وجل ثم رجعوا فجلس النبي فقال ( من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه ) فقلت من يشهد لي ثم جلست فقال النبي مثله فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال مثله فقمت فقال ( ما لك يا أبا قتادة ) فأخبرته فقال رجل صدق وسلبه عندي فأرضه مني قال أبو بكر لاها الله إذًا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه فقال النبي ( صدق أعطه سلبه ) فأعطانيه الحديث. وفي رواية له فقال أبو بكر أصيبغ أي بإهمال أوله وإعجام آخره أو عكسه تحقير له بوصفه باللون الرديء أو مذمة بسواد اللون وبغيره أو وصف له بالمهانة والضعف أو تصغير صبغ شاذًا شبهه به لضعف افتراسه وما يوصف به من الضعف لأنه لما عظم أبا قتادة بجعله كالأسد ناسب أن يصف خصمه بضده في قريش يدع أسدًا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله. قال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي الأندلسي سمعت بعض أهل العلم وقد جرى ذكر هذا الحديث فقال لو لم يكن من فضيلة أبي بكر رضي الله عنه إلا هذا فإنه بثاقب علمه وشدة حزامته وقوة رأيه وإنصافه وصحة تدقيقه وصدق تحقيقه بادر إلى القول بالحق فزجر وأفتى وحكم وأمضى وأخبر في الشريعة عن المصطفى بحضرته وبين يديه بما صدقه فيه وأجرى عليه قوله وهذا من خصائصه الكبرى إلى مالا يحصى من فضائله الأخرى

الفصل الرابع فيما ورد من كلام العرب والصحابة والسلف الصالح في فضله

أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله طرفي النهار بكرة وعشيًا فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر رضي الله عنه نحو أرض الحبشة مهاجرًا حتى إذا بلغ برك الغماد أي بفتح الموحدة وكسرها وبالغين المعجمة المكسورة وقد تضم واد في أقاصي هجر قاله الزركشي وقال غيره مدينة بالحبشة لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال أين تريد يا أبا بكر فقال أبو بكر أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي فقال ابن الدغنة فإن مثلك لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار فارجع واعبد ربك ببلدك فرجع وارتحل معه ابن الدغنة فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال لهم إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج رجل يكسب المعدوم ويصل الرحم ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق فلم تكذب قريش لجوار ابن الدغنة الحديث بطوله. وفيه من الخصوصيات لأبي بكر ما لا يخفي على من تأمله فإنه اشتمل على هجرته مع النبي من مكة إلى المدينة وما وقع له في تلك السفرة من المآثر والفضائل والكرامات والخصوصيات التي لم يقع نظير واحدة منها لغيره من الصحابة وينبغي لك أن تتأمل فيما وصفه به ابن الدغنة بين أشراف قريش من تلك الأوصاف الجليلة المساوية لما وصفت به خديجة النبي فسكت أشراف قريش على تلك الأوصاف ولم يطعنوا فيها بكلمة مع ما هم متلبسون به من عظيم بغضه ومعاداته بسبب إسلامه فإن هذا منهم اعتراف أي اعتراف بأن أبا بكر كان مشهورًا بينهم بتلك الأوصاف شهرة تامة بحيث لا يمكن أحد أن ينازع فيها ولا أن يجحد شيئًا منها وإلا لبادروا إلى جحدها بكل طريق أمكنهم لما تحلوا به من قبيح العداوة له بسبب ما كانوا يرون منه من صدق ولائه لرسول الله وعظم محبته له وذبه عنه كما مر طرف من ذلك في شجاعته. وأخرج البخاري أن عمر قال أبو بكر سيدنا. والبيهقي أنه قال لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم. وعبد الله بن أحمد أنه قال إن أبا بكر كان سابقًا مبرزًا. ومسدد في مسنده أنه قال لوددت أني شعرة في صدر أبي بكر. وابن أبي الدنيا وابن عساكر أنه قال وددت أني من الجنة حيث أرى أبا بكر. وأبو نعيم أنه قال لقد كان ريح أبي بكر أطيب من ريح المسك. وابن عساكر عن علي أنه دخل على أبي بكر وهو مسجى فقال ما أحد لقي الله بصحيفة أحب إلي من هذا المسجى. وابن عساكر عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال قال رسول الله ( حدثني عمر بن الخطاب أنه ما سابق أبا بكر إلى خير إلا سبقه أبو بكر ). والطبراني في عن علي قال والذي نفسي بيده ما استبقنا إلى خير قط إلا سبقنا إليه أبو بكر. وابن سعد عن الزهري قال قال رسول الله لحسان ( هل قلت في أبي بكر شيئًا ) فقال نعم فقال ( قل وأنا أستمع ) فقال. (

وثاني اثنين في الغار المنيف وقد** طاف العدو به إذ صعد الجبلا

وكان حب رسول الله قد علموا ** من البرية لم يعدل به رجلا

فضحك حتى بدت نواجذه ثم قال ( صدقت يا حسان هو كما قلت ). وهذا يصلح أن ينظم في سلك الأحاديث السابقة لكن لإرساله أخرته إلى هنا. وابن سعد عن إبراهيم النخعي قال كان أبو بكر يسمى الأواه لرأفته ورحمته. وابن عساكر عن الربيع بن انس قال مكتوب في الكتاب الأول مثل أبي بكر مثل القطر أينما وقع نفع. وقال نظرنا في صحابة الأنبياء فما وجدنا نبيًا كان له صاحب مثل أبي بكر. وأخرج عن الزهري أنه قال من فضل أبي بكر أنه لم يشك في الله ساعة قط. وأخرج عن أبي حصين قال ما ولد لآدم في ذريته بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر ولقد قام أبو بكر يوم الردة مقام نبي من الأنبياء. والدينوري وابن عساكر عن الشعبي قال خص الله أبا بكر بأربع خصال لم يخص بها أحدًا من الناس سماه الصديق ولم يسم أحدًا الصديق غيره وهو صاحب الغار مع رسول الله ورفيقه في الهجرة وأمره بالصلاة والمسلمون شهود. وابن أبي داود عن أبي جعفر قال كان أبو بكر يسمع مناجاة جبريل للنبي ولا يراه. والحاكم عن ابن المسيب قال كان أبو بكر من النبي مكان الوزير فكان يشاوره في جميع أموره وكان ثانية في الإسلام وثانيه في الغار وثانيه في العريش يوم بدر وثانيه في القبر ولم يكن رسول الله يقدم عليه أحدًا. والزبير بن بكار وابن عساكر عن معروف بن خربوذ قال كان أبو بكر أحد عشرة من قريش اتصل بهم شرف الجاهلية بشرف الإسلام فكان إليه أمر الديات والغرم وذلك أن قريشًا لم يكن لها ملك ترجع الأمور إليه بل كان في كل قبيلة ولاية عامة تكون لرئيسها فكانت في بني هاشم السقاية والرفادة ومعنى ذلك أنه لا يأكل ولا يشرب أحد إلا من طعامهم وشرابهم وكانت في بني عبد الدار الحجابة واللواء والندوة أي لا يدخل البيت أحد إلا بإذنهم وإذا عقدت قريش راية حرب عقدها لهم بنو عبد الدار وإذا اجتمعوا لأمر إبرامًا ونقضًا لا يكون اجتماعهم لذلك إلا في دار الندوة ولا ينفذ إلا بها وكانت لبني عبد الدار. ولقد أحسن النووي في تهذيبه حيث ترجم فيه الصديق بترجمة حسنة أشار فيها مع اختصارها إلى كثير من غرر فضائله ومواهبه التي قدمتها مبسوطة مستوفاة فقال من جملتها أجمعت الأمة على تسميته بالصديق لأنه بادر إلى تصديق رسول الله ولازم الصدق فلم يقع منه هناة ولا وقفة في حال من الأحوال وكانت له في الإسلام المواقف الرفيعة منها قصة يوم ليلة الإسراء وثباته وجوابه للكفار في ذلك وهجرته مع رسول الله وترك عياله وأطفاله وملازمته له في الغار وسائر الطريق ثم كلامه ببدر ويوم الحديبية حين اشتبه على غيره الأمر في تأخر دخول مكة ثم بكاؤه حين قال رسول الله ( إن عبدًا خيره الله بين الدنيا والآخرة ) ثم ثباته في وفاة رسول الله وخطبة الناس وتسكينهم ثم قيامه في قضية البيعة لمصلحة المسلمين ثم اهتمامه وثباته في بعث جيش أسامة بن زيد إلى الشام وتصميمه في ذلك ثم قيامه في قتال أهل الردة ومناظرته الصحابة حتى حجهم بالدلائل وشرح الله صدورهم لما شرح له صدره من الحق وهو قتال أهل الردة ثم تجهيز الجيوش إلى الشام ثم ختم ذلك بمهم من أحسن مناقبه وأجل فضائله وهو استخلافه عمر على المسلمين وكم للصديق من موقف وأثر ومناقب وفضائل لا تحصى انتهى. وفي التهذيب أنه أحد الذين حفظوا القرآن كله. وذكره جماعة غيره واعتمده بعض محققي المتأخرين المطلعين قال وأما حديث أنس جمع القرآن في عهد رسول الله أربعة فمراده من الأنصار. وأما ما أخرجه ابن أبي داود عن الشعبي قال مات أبو بكر الصديق ولم يجمع القرآن كله فهو مدفوع أو مؤول على أن المراد جمعه في المصحف على الترتيب الموجود اليوم لأن عثمان هو الذي فعل ذلك. ومن فضائله العظيمة جمعه للقرآن فقد أخرج أبو يعلى عن علي قال أعظم الناس أجرًا في المصاحف أبو بكر إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين. وأخرج البخاري عن زيد بن ثابت قال أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر فقال أبو بكر إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة وإني لأخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه وإني لأرى أن تجمع القرآن قال أبو بكر فقلت لعمر كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله فقال عمر هو والله خير فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري فرأيت الذي رأى عمر قال زيد وعمر عنده جالس لا يتكلم فقال أبو بكر إنك شاب عاقل ولا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن فقلت كيف تفعلان شيئًا لم يفعله النبي فقال أبو بكر وهو والله خير فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب أي العصى من الجريد وصدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة بن ثابت لم أجدهما مع غيره ( لقد جاءكم رسول ) إلى آخرها فكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنها. ومن خواصه أيضًا أنه أول خليفة فرض له رعيته العطاء. أخرج البخاري عن عائشة قالت لما استخلف أبو بكر قال لقد علمتم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤنة أهلي وشغلت بأمر المسلمين فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال ويحترف للمسلمين فيه. وأخرج ابن سعد عن عطاء بن السائب قال لما بويع أبو بكر أصبح وعلى ساعده أبراد وهو ذاهب إلى السوق فقال عمر أين تريد قال السوق قال تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين قال فمن أين أطعم عيالي قال انطلق يفرض لك أبو عبيدة فانطلق إلى أبي عبيدة فقال أفرض لك قوت رجل من المهاجرين ليس بأوكسهم ولا أكسبهم وكسوة الشتاء والصيف إذا أخلقت شيئًا رددته وأخذت غيره ففرض له كل يوم نصف شاة وما كساه في البطن والرأس. وأخرج ابن سعد عن ميمون قال لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين فقال زيدوني فإن لي عيالا وقد شغلتموني عن التجارة فزادوه خمسمائة. وأخرج الطبراني عن الحسن بن علي بن أبي طالب قال لما احتضر أبو بكر قال يا عائشة انظري اللقحة التي كنا نشرب من لبنها والجفنة التي كنا نصطبغ فيها والقطيفة التي كنا نلبسها فإنا كنا ننتفع بذلك حين نلي أمر المسلمين فإذا مت فاردديه إلى عمر فلما مات أبو بكر أرسلت به إلى عمر فقال عمر رحمك الله يا أبا بكر لقد أتعبت من جاء بعدك. وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي بكر بن حفص قال قال أبو بكر لما احتضر لعائشة يا بنية إنا ولينا أمر المسلمين فلم نأخذ لنا دينارًا ولا درهمًا ولكنا أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا وإنه لم يبق عندنا من فيء المسلمين لا قليل ولا كثير إلا هذا العبد الحبشي وهذا البعير الناضح وجرد هذه القطيفة فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر

الباب الرابع في خلافة عمر

وفيه فصول

الفصل الأول في حقية خلافته رضي الله عنه

اعلم أنا لا نحتاج في هذا إلى قيام برهان على حقية خلافة عمر لما هو معلوم عند كل ذي عقل وفهم أنه يلزم من حقية خلافة أبي بكر رضي الله عنه حقية خلافة عمر وقد قام الإجماع ونصوص الكتاب والسنة على حقية خلافة أبي بكر فيلزم قيام الإجماع ونصوص الكتاب والسنة على حقية خلافة عمر لأن الفرع يثبت له من حيث كونه فرعًا ما ثبت للأصل فحينئذ لا مطمع لأحد من الرافضة والشيعة في النزاع في حقية خلافة عمر لما قدمناه من الأدلة الواضحة القطعية على حقية خلافة مستخلفه وإذا ثبت حقيتها قطعًا صار النزاع فيها عنادًا وجهلا وغباوة وإنكارًا للضروريات ومن هذا وصفه كهؤلاء الجهلة الحمقى حقيق بأن يعرض عنه وعن أكاذيبه وأباطيله فلا يلتفت إليه ولا يعول في شيء من الأمور عليه. إذا تحقق ذلك فقد مر أن من أعظم فضائل الصديق استخلافه عمر على المسلمين لما حصل به من عموم النفع وفتح البلاد وظهور الإسلام ظهورًا تامًا كما يأتي وتقدم في تلك الأحاديث التي في الخلافة التصريح بخلافة عمر في غير حديث كحديث اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر بطرقه السابقة وكحديث أمره لأبي بكر بوضع حجره إلى جنب حجر النبي وأمره لعمر أن يضع حجره إلى جنب حجر أبي بكر ثم أمره لعثمان بوضع حجره إلى جنب حجر عمر ثم قال ( هؤلاء الخلفاء بعدي ). وكحديث رؤياه أنه ينزع بدلو بكرة على قليب فجاء أبو بكر ونزع دلوًا أو دلوين ثم جاء عمر فاستقى فاستحالت غربًا قال ( فلم أر عبقريًا يفري في الناس فريه ). وكحديث الخلافة ثلاثون سنة. وكحديث إن أول دينكم بدأ نبوة ورحمة ثم يكون خلافة ورحمة فهذه الأحاديث كلها فيها دلالة أي دلالة على حقية خلافة عمر رضي الله عنه لو فرض عدم الإجماع عليها فكيف وقد قام الإجماع عليها ودلت عليها النصوص الدالة على خلافة أبي بكر كما مر

الفصل الثاني في استخلاف أبي بكر لعمر رضي الله عنهما في مرض موته ونقدم عليه سبب موته

أخرج سيف والحاكم عن بن عمر قال كان سبب موت أبي بكر وفاة رسول الله كمد فما زال جسمه ينقص حتى مات. وصح عن ابن شهاب أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر فقال الحارث لأبي بكر ارفع يدك يا خليفة رسول الله والله إن فيها سم سنة وأنا وأنت نموت في يوم واحد فرفع يده فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة. ولا ينافيه خبر اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان لأن أخص أوصاف أبي بكر تسميته بالصديق كما علم مما مر فأوثر على وصف الشهادة لاشتراكه ولذلك لم يصف نفسه إلا بالنبوة لأنها أخص أوصافه وإلا فهو مات بالسم أيضًا لما في الحديث الصحيح أنه صرح في مرض موته أنه من أكلة خيبر وأن تلك الأكلة لا زالت تعاوده حتى انقطع أبهره. وأخرج الواقدي والحاكم عن عائشة قالت أول بدء مرض أبي بكر أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة وكان يومًا باردًا فحم خمسة عشر يومًا لا يخرج إلى الصلاة وتوفي يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وله ثلاث وستون سنة. وأخرج الواقدي من طرق أن أبا بكر لما ثقل دعا عبد الرحمن بن عوف فقال أخبرني عن عمر بن الخطاب فقال ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني فقال أبو بكر وإن يكن فقال عبد الرحمن هو والله أفضل من رأيك فيه ثم دعا عثمان ابن عفان فقال أخبرني عن عمر فقال أنت أخبرنا به فقال على ذلك فقال اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته وأنه ليس فينا مثله وشاور معهما سعيد ابن زيد وأسيد بن حضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار فقال أسيد اللهم أعلمه الخير بعدك يرضى للرضا ويسخط للسخط الذي يسر خير من الذي يعلن ولن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه. ودخل عليه بعض الصحابة فقال له قائل منهم ما أنت قائل لربك إذا سألك عن تولية عمر علينا وقد ترى غلظته فقال أبو بكر أبالله تخوفني أقول اللهم استخلفت عليهم خير أهلك ابلغ عني ما قلت من ورائك ثم دعا عثمان فقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجًا منها وعند أول عهده بالآخرة داخلا فيها حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب أني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا وأني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرًا فإن عدل فذلك ظني فيه وعلمي به وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب والخير أردت ولا أعلم الغيب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والسلام عليكم ورحمة الله. ثم أمر بالكتاب فختمه ثم أمر عثمان فخرج بالكتاب مختومًا فبايع الناس ورضوا به دعا أبو بكر عمر خاليًا فأوصاه بما أوصاه به ثم خرج من عنده فرفع أبو بكر يده فقال اللهم إني لم أرد بذلك إلا إصلاحهم وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم به واجتهدت لهم رأيي فوليت عليهم خيرهم وأقواهم وأحرصهم على ما أرشد لهم وقد حضرني من أمرك ما حضر فاخلفني فيهم فهم عبادك ونواصيهم بيدك أصلح واليهم واجعله من خلفائك الراشدين وأصلح له رعيته. وأخرج ابن سعد والحاكم عن ابن مسعود قال أفرس الناس ثلاثة أبو بكر حين استخلف عمر وصاحبة موسى حين قالت استأجره والعزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته أكرمي مثواه قيل ويلحق بهم سليمان بن عبد الملك حين استخلف عمر بن عبد العزيز. وأخرج ابن عساكر عن يسار بن حمزة قال لما ثقل أبو بكر أشرف على الناس من كوة فقال أيها الناس إني قد عهدت عهدًا أفترضون به فقال الناس رضينا يا خليفة رسول الله فقام علي فقال لا نرضى إلا أن يكون عمر قال فإنه عمر. وأخرج ابن سعد عن شداد قال كان أول كلام تكلم به عمر حين صعد المنبر أنه قال اللهم إني شديد فليني وإني ضعيف فقوني وإني بخيل فسخني. قال الزهري استخلف عمر يوم توفي أبو بكر فقام بالأمر أتم قيام وكثرت الفتوح في أيامه كثرة عظيمة لم يقع نظيرها في أيام خليفة بعده كيف ومن ذلك أكثر إقليم الشام والعراق وفارس والروم ومصر والإسكندرية والمغرب. وقد أشار بذلك في سابع الأحاديث المارة في الأحاديث الدالة على خلافة الصديق ولفظه عند الشيخين من بعض تلك الطرق عن ابن عمر وأبي هريرة قالا قال رسول الله ( بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها أبو بكر فنزع منها ذنوبًا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له ثم جاء عمر فاستقى فاستحالت في يده غربًا فلم أر عبقريًا من الناس يفري فريه حتى روي الناس وضربوا بعطن ) ومر أيضًا عن العلماء أن هذه إشارة إلى خلافة أبي بكر وعمر وإلى كثرة الفتوح وظهور الإسلام في زمن عمر

الفصل الثالث في سبب تسميته بأمير المؤمنين دون خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم

أخرج العسكري في الأوائل والطبراني في الكبير والحاكم من طريق ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر بن سليمان بن أبي خيثمة لأي شيء كان يكتب من خليفة خليفة رسول الله في عهد أبي بكر ثم كان عمر كتب أولا من خليفة أبي بكر فمن أول من كتب من أمير المؤمنين رضي الله عنه فقال حدثتني الشفاء وكانت من المهاجرات أن أبا بكر كان يكتب من خليفة رسول الله وعمر كان يكتب من خليفة رسول الله حتى كتب عمر إلى عامل العراق أن يبعث إليه رجلين جلدين يسألهما عن العراق وأهله فبعث إليه لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم الطائي فقدما المدينة ودخلا المسجد فوجدا عمرو بن العاص فقالا استأذن لنا على أمير المؤمنين فقال عمرو أنتما والله أصبتما اسمه فدخل عليه عمرو فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال ما بدا لك في هذا الاسم لتخرجن مما قلت فأخبره فقال أنت الأمير ونحن المؤمنين فجرى الكتاب بذلك من يومئذ. وفي تهذيب النووي أن عديًا ولبيدًا المذكورين هما اللذان سمياه بذلك أي لأن عمرًا لم يقل له ذلك إلا تقليدًا لهما وقيل إن أول من سماه به المغيرة بن شعبة. وأخرج ابن عساكر عن معاوية بن قرة قال كان يكتب من أبي بكر خليفة رسول الله فلما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرادوا أن يقولوا خليفة خليفة رسول الله فقال عمر هذا يطول قالوا لا ولكنا أمرناك علينا وأنت أميرنا قال نعم أنتم المؤمنون وأنا أميركم فكتب أمير المؤمنين. ولا ينافي ما تقرر أن عبد الله بن جحش في سريته التي نزل فيها قوله تعالى ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ) سمي أمير المؤمنين لأن تلك التسمية كانت خاصة والكلام في تسمية الخليفة بذلك فعمر أول من وضع عليه هذا الاسم من حيث الخلافة

الباب الخامس في فضائله وخصوصياته

وفيه فصول

الفصل الأول في إسلامه

قال الذهبي أسلم في السنة السادسة من النبوة وله سبع وعشرون سنة وكان من أشراف قريش وإليه فيهم كانت السفارة فكانوا إذا أرادوا حربًا بعثوه رسولا وإذا نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر أرسلوه له منافرًا ومفاخرًا وكان إسلامه بعد أربعين رجلا أو تسعة وثلاثين أو خمسة وأربعين رجلاٍ وإحدى عشرة امرأة أو ثلاث وعشرين امرأة ففرح به المسلمون وظهر الإسلام بمكة عقب إسلامه. وقد أخرج الترمذي عن ابن عمر والطبراني عن ابن مسعود وأنس أن النبي قال ( اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام ). وأخرج الحاكم عن ابن عباس والطبراني عن أبي بكر الصديق وثوبان رضي الله عنهم أنه قال ( اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب ) خاصة. وأخرج أحمد عن عمر قال خرجت أتعرض رسول الله فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أتعجب من تأليف القرآن فقلت والله هذا شاعر كما قالت قريش فقرأ ( إنه لقول رسول الله كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ) فوقع في قلبي الإسلام كل موقع. وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر قال كان أول إسلام عمر أن عمر قال ضرب أختي المخاض ليلا فخرجت من البيت فدخلت في ستار الكعبة فجاء النبي فدخل الحجر فصلى ما شاء الله ثم انصرف فسمعت شيئًا لم اسمع مثله فخرج فاتبعته فقال من هذا قلت عمر قال يا عمر ما تدعني لا ليلا ولا نهارًا فخشيت أن يدعو علي فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال يا عمر استره فقلت لا والذي بعثك بالحق نبيًا لأعلننه كما أعلنت الشرك. وأخرج أبو يعلى والحاكم والبيهقي عن أنس قال خرج عمر متقلدًا سيفه فلقيه رجل من بني زهرة فقال أين تعمد يا عمر فقال أريد أن أقتل محمدًا قال وكيف تأمن من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمدًا قال ما أراك إلا قد صبوت قال أفلا أدلك على العجب إن ختنك وأختك قد صبئا وتركا دينك فمشى عمر فأتاهما وعندهما خباب فلما سمع بحس عمر توارى في البيت فدخل فقال ما هذه الهينمة وكانوا يقرأون طه قالا ما عدا حديثًا تحدثناه بيننا قال فلعلكما قد صبوتما فقال له ختنه يا عمر إن كان الحق في غير دينك فوثب عليه عمر فوطئه وطئًا شديدًا فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها فنفحها نفحة بيده فدمى وجهها فقالت وهي غضبي إن كان الحق في غير دينك إني اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله فقال عمر أعطوني الكتاب الذي هو عندكم فأقرؤه وكان يقرأ الكتاب فقالت أخته إنك رجس وإنه لا يسمه إلا المطهرون فقم واغتسل وتوضأ فقام وتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ ( طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) حتى انتهى إلى ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ) فقال عمر دلوني على محمد فلما سمع خباب قول عمر خرج فقال أبشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله ليلة الخميس ( اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام ) وكان رسول الله في أصل الدار التي في أصل الصفا فانطلق عمر حتى أتى الدار وعلى بابها حمزة وطلحة وناس فقال حمزة هذا عمر إن يرد الله به خيرًا يسلم وإن يكن غير ذلك يكن قتله علينا هينًا قال والنبي داخل يوحى إليه فخرج حتى أتى إلى عمر فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف فقال ما أنت بمنته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة فقال عمر أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبد الله ورسوله. وأخرج البزار والطبراني وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل عن أسلم قال قال لنا عمر كنت أشد الناس بأسًا على رسول الله فبينا أنا في يوم حار بالهاجرة في بعض طريق مكة إذ لقيني رجل فقال عجبًا لك يا ابن الخطاب إنك تزعم وأنك وأنك قد دخل عليك الأمر في بيتك قلت وما ذاك قال أختك قد أسلمت فرجعت مغضبًا حتى قرعت الباب قيل من هذا قلت عمر فتبادروا واختفوا وقد كانوا يقرؤون في صحيفة بين أيديهم تركوها أو نسوها فقامت أختي تفتح الباب فقلت يا عدوة نفسها أصبوت وضربت بشيء في يدي على رأسها فسال الدم وبكت فقالت يا ابن الخطاب ما كنت فاعلا فافعل فقد صبوت قال ودخلت حتى جلست على السرير فنظرت إلى الصحيفة فقلت ما هذا ناولنيها فقالت لست من أهلها أنت لا تطهر من الجنابة وهذا كتاب لا يمسه إلا المطهرون فما زلت حتى ناولتنيها ففتحتها فإذا فيها بسم الله الرحمن الرحيم فلما مررت باسم من أسماء الله تعالى ذعرت منه فألقيت الصحيفة ثم رجعت إلي نفسي فتناولتها فإذا فيها ( سبح لله ما في السماوات والأرض ) فذعرت فقرأت إلى ( فآمنوا بالله ورسوله ) فقلت أشهد أن لا إله إلا الله فخرجوا إلي مبادرين فكبروا وقالوا أبشر فإن رسول الله دعا يوم الاثنين فقال ( اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك إما أبو جهل بن هشام وإما عمر ) ودلوني على النبي في بيته بأسفل الصفا فخرجت حتى قرعت الباب فقالوا من قلت عمر بن الخطاب وقد علموا شدتي على رسول الله فما اجترأ أحد بفتح الباب حتى قال ( افتحوا له ) ففتحوا لي فأخذ رجلان بعضدي حتى أتيا بي النبي فقال ( خلوا عنه ) ثم أخذ بمجامع قميصي وجذبني إليه ثم قال ( أسلم يا ابن الخطاب اللهم اهده ) فتشهدت فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بفجاج مكة وكانوا مستخفين فلم أشأ أن أرى رجلا يضرب ويضرب إلا رأيته ولا يصيبني من ذلك شيء فجئت خالي أي أبا جهل بن هشام وكان شريفًا فقرعت عليه الباب فقال من هذا قلت ابن الخطاب وقد صبوت قال لا تفعل ثم دخل وأجاف الباب دوني فقلت ما هذا شيء فذهبت إلى رجل من عظماء قريش فناديته فخرج إلي فقلت مثل مقالتي لخالي وقال لي مثل ما قال خالي فدخل وأجاف الباب دوني فقلت ما هذا بشيء إن المسلمين يضربون وأنا لا أضرب فقال لي رجل أتحب أن يعلم بإسلامك قلت نعم قال فإذا جلس الناس في الحجر فأت فلانًا لرجل لم يكن يكتم السر فقل له فيما بينك وبينه إني قد صبوت فإنه قلما يكتم السر. فجئت وقد اجتمع الناس في الحجر فقلت له فيما بيني وبينه إني قد صبوت قال أوقد فعلت قلت نعم فنادى بأعلى صوته إن ابن الخطاب قد صبأ فبادروا إلي فما زلت أضربهم ويضربوني واجتمع علي الناس فقال خالي ما هذه الجماعة قيل عمر قد صبأ فقام على الحجر فأشار بكمه ألا إني قد أجرت ابن أختي فكفوا عني فكنت لا أشاء أن أرى رجلا من المسلمين يضرب ويضرب إلا رأيته فقلت ما هذا شيء حتى يصيبني فأتيت خالي فقلت جوارك رد عليك فما زلت أضرب وأضرب حتى أعز الله الإسلام

الفصل الثاني في تسميته بالفاروق

أخرج أبو نعيم في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس قال سألت عمر لأي شيء سميت بالفاروق فقال أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام فخرجت إلى المسجد فأسرع أبو جهل إلى النبي ليسبه فأخبر حمزة فأخذ قوسه وجاء إلى المسجد إلى حلقة قريش التي فيها أبو جهل فاتكأ على قوسه مقابل أبي جهل فنظر إليه فعرف أبو جهل الشر في وجهه فقال ما لك يا أبا عمارة فرفع القوس فضرب بها أخدعه فقطعه فسالت الدماء فأصلحت ذلك قريش مخافة الشر قال ورسول الله مختف في دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي فانطلق حمزة فأسلم فخرجت بعده بثلاثة أيام فإذا فلان المخزومي فقلت له أرغبت عن دين آبائك واتبعت دين محمد قال إن فعلت فقد فعله من هو أعظم عليك حقًا مني فقلت من هو قال أختك وختنك فانطلقت فوجدت هينمة فدخلت فقلت ما هذا فما زال الكلام بيننا حتى أخذت برأس ختني فضربته وأدميته فقامت إلي أختي وأخذت برأسي وقالت قد كان ذلك على رغم أنفك فاستحييت حين رأيت الدم فجلست وقلت أروني هذا الكتاب فقالت إنه لا يمسه إلا المطهرون فقمت فاغتسلت فأخرجوا إلي صحيفة فيها ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقلت أسماء طيبة طاهرة ( طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) إلى قوله ( له الأسماء الحسنى ) فتعظمت في صدري وقلت من هذا فرت قريش فأسلمت وقلت أين رسول الله قالت فإنه في دار الأرقم فأتيت فضربت الباب فاستجمع القوم فقال لهم حمزة مالكم قالوا عمر قال افتحوا له الباب فإن أقبل قبلنا منه وإن أدبر قتلناه فسمع ذلك رسول الله فخرج فتشهد عمر فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد فقلت يا رسول الله ألسنا على الحق قال بلى قلت ففيم الاختفاء فخرجنا صفين أنا في أحدهما وحمزة في الآخر حتى دخلنا المسجد فنظرت قريش إلي وإلى حمزة فأصابتهم كآبة شديدة فسماني رسول الله الفاروق يومئذ وفرق بين الحق والباطل. وأخرج ابن سعد عن ذكوان قال قلت لعائشة رضي الله عنها من سمى عمر الفاروق قالت رسول الله. وابن ماجه والحاكم عن ابن عباس قال لما أسلم عمر نزل جبريل فقال يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر. والبزار والحاكم وصححه عن ابن عباس قال لما أسلم عمر قال المشركون قد انتصف القوم اليوم منا وأنزل الله ( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ). والبخاري وغيره عن ابن مسعود قال ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر. وابن سعد عنه أيضًا قال كان إسلام عمر فتحًا وكانت هجرته نصرًا وكانت إمامته رحمة ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصل إلى البيت حتى أسلم عمر فلما أسلم قاتلهم حتى تركونا وخلوا سبيلنا. وأخرج ابن سعد والحاكم عن حذيفة قال لما أسلم عمر كان الإسلام كالرجل المقبل لا يزداد إلا قوة فلما قتل عمر كان الإسلام كالرجل المدبر لا يزداد إلا بعدًا. والطبراني عن ابن عباس /بسند حسن / أول من جهر بالإسلام عمر بن الخطاب. وابن سعد عن صهيب قال لما أسلم عمر ظهر الإسلام ودعي إليه علانية وجلسنا حول البيت حلقًا وطفنا بالبيت وانتصفنا فمن غلظ علينا رددنا عليه بعض ما يأتي به

الفصل الثالث في هجرته

أخرج ابن عساكر عن علي رضي الله عنه قال ما علمت أحدًا هاجر إلا مختفيًا إلا عمر بن الخطاب فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه تنكب قوسه وانتضى في يده أسهمًا وأتى الكعبة وأشراف قريش بفنائها فطاف سبعًا ثم صلى ركعتين خلف المقام ثم أتى حلقهم واحدة واحدة فقال شاهت الوجوه من أراد أن تثكله أمه ويؤتم ولده وترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي فما تبعه منهم أحد. وأخرج عن البراء قال أول من قدم علينا مهاجرًا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم ثم عمر بن الخطاب في عشرين راكبًا فقلنا ما فعل رسول الله فقال هو على أثري ثم قدم رسول الله وأبو بكر معه

الفصل الرابع في فضائله

قد مر منها أربعة وثلاثون حديثًا بل أكثر مقرونة ببعض أحاديث أبي بكر الدالة على خلافته وفضله.

والخامس والثلاثون الخبر السابق آنفًا اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب.

والسادس والثلاثون الخبر السابق آنفًا أيضًا لما أسلم عمر نزل جبريل فقال يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر.

والخبر السابع والثلاثون الخبر السابق آنفًا أيضًا لما أسلم عمر قال المشركون لقد انتصف القوم اليوم منا وأنزل الله ( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ).

الحديث الثامن والثلاثون أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر قلت لمن هذا القصر قالوا لعمر فذكرت غيرتك فوليت مدبرًا ) فبكى وقال عليك أغار يا رسول الله.

الحديث التاسع والثلاثون أخرج أحمد والشيخان عن جابر أن النبي قال ( رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة وسمعت خشفًا أمامي فقلت ما هذا يا جبريل قال هذا بلال ورأيت قصرًا أبيض بفنائه جارية فقلت لمن هذا القصر قالوا لعمر بن الخطاب فأردت أن أدخله أنظر إليه فذ كرت غيرتك ).

الحديث الأربعون أخرج الشيخان عن ابن عمر أن رسول الله قال ( بينا أنا نائم شربت يعني اللبن حتى أنظر إلى الري يجري في أظفاري ثم ناولته عمر ) قالوا فما أولته يا رسول الله قال ( العلم ).

الحديث الحادي والأربعون أخرج أحمد والشيخان والترمذي والنسا ئي عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله يقول ( بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك وعرض علي عمر وعليه قميص يجره ) قالوا فما أولته يا رسول الله قال ( الدين ). وفيه رواية للحكيم الترمذي على ماذا تؤول هذا يا رسول الله وفيها فمنهم من كان قميصه إلى سرته ومنهم من كان قميصه إلى ركبته ومنهم من كان قميصه إلى أنصاف ساقيه. وقوله الدين يجوز فيه النصب والرفع وعبر بدله في هذه الرواية بالإيمان وقد قيل في وجه تعبير القميص بالدين أن القميص يستر العورة في الدنيا والدين يسترها في الآخرة ويحجبها عن كل مكروه والأصل فيه ( ولباس التقوى ذلك خير ) واتفق المعبرون على ذلك أعني تعبير القميص بالدين وان طوله يدل على بقاء آثار صاحبه من بعده. وقال ابن العربي إنما أوله به لأنه يستر عورة الجهل كما أن القميص يستر عورة البدن وأما غير عمر فما يبلغ ثدييه هو ما يستر قلبه عن الكفر وإن عصى وما يبلغ أسفل منه وفرجه باد هو من لم يستر رجله عن المشي للمعصية والذي يستر رجله هو الذي احتجب بالتقوى من جميع الوجوه والذي يجر قميصه زاد على ذلك بالعمل الصالح الخالص. وقال العارف ابن أبي جمرة المراد بالناس في الحديث مؤمنو هذه الأمة وبالدين امتثال الأوامر واجتناب النواهي وكان لعمر في ذلك المقام العالي ويؤخذ من الحديث أن كل ما يرى في القميص من حسن أو غيره عبر بدين لابسه ونقصه إما لنقص الإيمان أو العمل وفي الحديث أن أهل الدين يتفاضلون في الدين بالقلة والكثر ة وبالقوة والضعف وهذا من أمثلة ما يحمد في المنام ويذم في اليقظة شرعًا أعني جر القميص لما ورد من الوعيد في تطويله.

الحديث الثاني والأربعون أخرج الشيخان عن سعد بن أبي وقاص قال قال رسول الله ( يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًا قط إلا سلك فجًا غير فجك ).

الحديث الثالث والأربعون أخرج أحمد والبخاري عن أبي هريرة وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي عن عائشة أن رسول الله قال ( لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر ). وأخرج البخاري عن ابن عمر ما سمعت عمر لشيء قط يقول إني لأظنه كذا إلا كان كما يظن بينما عمر جالس إذ مر به رجل جميل أي هو سواد ابن قارب فقال عمر لقد أخطأ ظني إن هذا على دينه في الجاهلية أو لقد كان كاهنهم علي بالرجل فدعا به فقال له ذلك فقال ما رأيت كاليوم أستقبل به رجلا مسلمًا قال فإني أعزم عليك إلا ما أخبر تني قال كنت كاهنهم في الجاهلية قال فما أعجب ما جاءتك به جنيتك في الجاهلية قال بينما أنا يومًا في السوق جاءتني أعرف منها الفزع فقالت ألم تر الجن وإبلاسها.

الحديث الرابع والأربعون أخرج أحمد والترمذي عن ابن عمر وأحمد وأبو داود والحاكم عن أبي ذر وابو يعلى وا لحاكم عن أبي هريرة والطبراني عن بلال وعن معاوية رضي الله عنهم أن رسول الله قال ( إن الله تعالى جعل الحق على لسان عمر وقلبه ) قال ابن عمر وما نزل بالناس أمر قط فقالوا وقال إلا أنزل القرآن على نحو ما قال عمر.

الحديث الخامس والأربعون أخرج أحمد والترمذي والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر والطبراني عن عصمة بن مالك قال قال رسول الله ( لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب ). وأخرجه الطبراني عن أبي سعيد الخدري وغيره وابن عساكر من حديث ابن عمر.

الحديث السادس والأربعون أخرج الترمذي عن عائشة إني لأنظر إلى شياطين الجن والإ نس قد فروا من عمر. وأخرج ابن عدي عنها رأيت شياطين الإنس والجن فروا من عمر.

الحديث السابع والأربعون أخرج ابن ماجة والحاكم عن أبي بن كعب قال قال رسول الله ( أول من يصافحه الحق عمر وأول من يسلم عليه وأول من يأخذه بيده فيدخله الجنة ). والمصافحة هنا كناية عن مزيد الإنعام والإقبال ومر أن أبا بكر أول من يدخل الجنة أيضًا ويجمع بحمل ما هنا على أن الأولية في عمر نسبية أي الأول من يدخلها بعد أبي بكر.

الحديث الثامن والأربعون أخرج ابن ماجه والحاكم عن أبي ذر قال سمعت رسول الله يقول ( إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به ).

الحديث التاسع والأربعون أخرج أحمد والبزار عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ). وأخرجه الطبراني من حديث عمر بن الخطاب وبلال ومعاوية بن أبي سفيان وعائشة رضي الله عنهم. وأخرج ابن منيع في مسنده عن علي قال كنا اصحاب محمد لا نشك أن السكينة تنطق على لسان عمر.

الحديث الخمسون أخرج البزار عن ابن عمر وأبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة وابن عساكر عن الصعب بن جثامة أن رسول الله قال ( عمر سراج أهل الجنة ).

الحديث الحادي والخمسون أخرج البزار عن قدامة بن مظعون عن عمه عثمان بن مظعون قال قال رسول الله ( هذا غلق الفتنة ) وأشار بيده إلى عمر ( لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش هذا بين أظهركم ).

الحديث الثاني والخمسون أخرج الطبراني في الأوسط والحكيم في نوادر الأصول والضياء عن ابن عباس قال جاء جبريل إلى النبي وقال أ قرئ عمر السلام وأخبره أن غضبه عز ورضاه حكم وفي رواية أتى جبريل فقال أقرىء عمر السلام وقل له إن رضاه حكم وإن غضبه عز.

الحديث الثالث والخمسون أخرج ابن عساكر عن عائشة أن النبي قال ( إن الشيطان يفر من عمر ). وأخرج أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه من طريق بريدة إن الشيطان ليفرق منك يا عمر.

الحديث الرابع والخمسون أخرج ابن عساكر وابن عدي عن ابن عباس قال قال رسول الله ( ما في السماء ملك إلا وهو يوقر عمر ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفرق من عمر ).

الحديث الخامس والخمسون أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( إن الله باهى بأهل عرفة عامة وباهى بعمر خاصة ) وأخرج في الكبير مثله من حديث ابن عباس.

الحديث السادس والخمسون أخرج الطبراني والديلمي عن الفضل ابن عباس قال قال رسول الله ( الحق بعدي مع عمر حيث كان ).

الحديث السابع والخمسون أخرج الطبراني عن سديس ة قالت قال رسول الله ( إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه ) وأخرجه الدارقطني في الأفراد من طريق سديسة عن حفصة.

الحديث الثامن والخمسون أخرج الطبراني عن أبي بن كعب قال قال لي رسول الله ( قال لي جبريل ليبك الإسلام على موت عمر ).

الحديث التاسع والخم سون أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ( من أبغض عمر فقد ابغضني ومن أحب عمر فقد أحبني وإن الله باهى بالناس عشية عرفة عامة وباهى بعمر خاصة وإنه لم يبعث الله نبيًا إلا كان في أمته محدث وإن يكن في أمتي منهم أحد فهو عمر قالوا يا رسول الله كيف محدث قال تتكلم الملائكة على لسانه ) /إسناده حسن /.

الحديث الستون أخرج أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم عن بريدة أن رسول الله قال ( يا بلال بم سبقتني إلى الجنة ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي فأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب فقلت لمن هذا القصر قالوا لرجل من العرب قلت أنا عربي لمن هذا القصر قالوا لرجل من قريش فقلت أنا من قريش لمن هذا القصر قالوا لرجل من أمة محمد فقلت أنا محمد لمن هذا القصر قالوا لعمر بن الخطاب ).

الحديث الحادي والستون أخرج أبو داود عن عمر أن رسول الله قال له ( لا تنسنا يا أخي من دعائك ).

الحديث الثاني والستون أخرج أحمد وابن ماجة عن عمر أيضًا أن النبي قال له ( يا أخي أشركنا في صالح دعائك ولا تنسنا ).

الحديث الثالث والستون أخرج ابن النجار عن ابن عباس أن رسول الله قال ( الصدق بعدي مع عمر حيث كان ).

الحديث الرابع والستون أخرج الطبراني وابن عدي عن ابن عباس أن رسول الله قال ( عمر معي وأنا مع عمر والحق بعدي مع عمر حيث كان ).

الحديث الخامس والستون أخرج أحمد والترمذي وابن حبان رضي الله عنه في صحيحه عن أنس وأحمد والشيخان عن جابر وأحمد عن بريدة وعن معاذ رضي الله عنهم أن رسول الله قال ( دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب فقلت لمن هذا القصر قالوا لشاب من قريش فظننت أني أنا هو فقلت ومن هو قالوا عمر بن الخطاب فلولا ما علمت من غيرتك لدخلته ).

الحديث السادس والستون أخرج الترمذي والحاكم عن أبي بكر أن النبي قال ( ما طلعت الشمس على خير من عمر ).

الحديث السابع والستون أخرج ابن سعد عن أيوب بن موسى مرسلا قال قال رسول الله ( إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه وهو الفاروق فرق الله به بين الحق والباطل ).

الحديث الثامن والستون أخرج الطبراني عن عصمة بن مالك أن رسول الله قال ( ويحك إذا مات عمر فإن استطعت أن تموت فمت(

الفصل الخامس في ثناء الصحابة والسلف عليه رضي الله عنه

أخرج ابن عساكر عن الصديق رضي الله عنه قال ما على ظهر الأرض رجل أحب إلي من عمر. وابن سعد عنه أنه قيل له في مرضه ماذا تقول لربك وقد وليت عمر قال أقول له وليت عليهم خيرهم. والطبراني عن علي قال إذ ذكر الصالحون فحيهلا بعمر ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر. وابن سعد عن ابن عمر قال ما رأيت أحدًا بعد رسول الله من حين قبض أجد ولا أجود من عمر. والطبراني والحاكم عن ابن مسعود قال لو أن علم عمر يوضع في كفة ميزان ووضع علم أحياء الأرض في كفة لرجح علم عمر بعلمهم ولقد كانوا يرون أنه ذهب بتسعة أعشار العلم. والزبير بن بكار عن معاوية قال أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يردها وأما نحن فتمر غنا فيها ظهرًا لبطن. والحاكم عن علي أنه دخل على عمر وهو مسجى فقال رحمة الله عليك ما من أحد أحب إلي أن ألقى الله بما في صحيفته بعد صحيفة النبي من هذا المسجى وتقدم لهذا طرق عن علي. والطبراني والحاكم عن ابن مسعود قال إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر إن عمر كان أعلمنا بكتاب الله وأفهمنا في دين الله. والطبراني عن عمر بن ربيعة أن عمر قال لكعب الأحبار كيف تجد نعتي قال أجد نعتك قرن من حديد قال وما قرن من حديد قال أمير شديد لا تأخذه في الله لومة لائم قال ثم مه قال ثم يكون من بعدك خليفة تقتله فئة ظالمة قال ثم مه قال ثم يكون البلاء. وأحمد والبزار والطبراني عن ابن مسعود قال فضل عمر بن الخطاب الناس بأربع بذكر الأسرى يوم بدر أمر بقتلهم فأنزل الله ( لولا كتاب من الله سبق ) وبذكر الحجاب أمر نساء النبي أن يحتجبن فقالت له زينب وإنك لتغار علينا يا ابن الخطاب والوحي ينزل في بيوتنا فأنزل الله ( وإذا سألتموهن متاعًا ) وبدعوة النبي ( اللهم أيد الإسلام بعمر ) وبرأيه في أبي بكر كان أول من بايعه. وابن عساكر عن مجاهد قال كنا نتحدث أن الشياطين كانت مصفدة في إمارة عمر فلما أصيب بثت

الفصل السادس في موافقات عمر للقرآن والسنة والتوراة

أخرج ابن مردويه عن مجاهد قال كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن. وأخرج ابن عساكر عن علي قال إن في القرآن لرأيًا من رأي عمر. وأخرج عن ابن عمر مرفوعًا ما قال الناس في شيء وقال فيه عمر إلا جاء القرآن بنحو ما يقول عمر. إذا تقرر ذلك فموافقاته كثيرة. الأولى والثانية والثالثة أخرج الشيخان عن عمر قال وافقت ربي في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) وقلت يا رسول الله يدخل على نسائك البر والفاجر فلو أمرتهن يحتجبن فنزلت آية الحجاب واجتمع نساء النبي عليه في الغيرة فقلت ( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن ) فنزلت كذلك. الرابعة أسارى بدر أخرج مسلم عن سالم عن عمر قال وافقت ربي في ثلاث في الحجاب وفي أسارى بدر وفي مقام إبراهيم. الخامسة تحريم الخمر أخرج أصحاب السنن والحاكم أن عمر قال اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شافيًا فأنزل الله تحريمها. السادسة ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن أنس قال قال عمر وافقت ربي في أربع نزلت هذه الآية ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ) فلما نزلت قلت أنا فتبارك الله أحسن الخالقين. السابعة قصة عبد الله بن أبي وحديثها في الصحيح عنه أي عن عمر قال لما توفي عبد الله بن أبي دعي رسول الله للصلاة عليه فقام إليه فقمت حتى وقفت في صدره فقلت يا رسول الله أعلى عدو الله ابن أبي القائل يوم كذا وكذا كذا وكذا فوالله ما كان يسيرًا حتى نزلت ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ). الثامنة قصة الاستغفار لقوم من المنافقين قال عمر سواء عليهم فأنزل الله ( سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم ). التاسعة الاستشارة في الخروج إلى بدر وذلك أنه استشار أصحابه في الخروج إلى بدر فأشار عمر بالخروج فنزل قوله تعالى ( كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون ). العاشرة الاستشارة في قصة الإفك وذلك أنه لما استشار الصحابة في قصة الإفك قال عمر من زوجكها يا رسول الله قال الله قال أفتظن أن ربك دلس عليك فيها ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) فنزلت كذلك. الحادية عشرة قصته في الصيام لما جامع زوجته أخرج أحمد في مسنده أيضًا لما جامع زوجته بعد الانتباه وكان ذلك محرمًا في أول الإسلام فنزل ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ). الثانية عشرة قوله تعالى ( من كان عدوًا ) إلى آخره أخرجه ابن جرير وغيره من طرق عديدة أقربها للموافقة ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن يهوديًا لقي عمر فقال إن جبريل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا فقال عمر ( من كان عدوًا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين ) فنزلت على لسان عمر الآية. الثالثة عشرة ( فلا وربك لا يؤمنون ) الآية أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي الأسود قال اختصم رجلان إلى النبي فقضى بينهما فقال الذي قضى عليه ردنا إلى عمر بن الخطاب فأتيا إليه فقال الرجل قضى لي رسول الله على هذا فقال لي ردنا إلى عمر فقتله وأدبر الآخر فقال يا رسول الله قتل عمر والله صاحبي فقال ( ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمن ) فأنزل الله ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا ) فأهدر دم الرجل وبرئ عمر من قتله وله شاهد موصول. الرابعة عشرة مسألة الاستئذان في الدخول وذلك أنه دخل عليه غلامه وكان نائمًا فقال اللهم حرم الدخول فنزلت آية الاستئذان. الخامسة عشرة موافقته لقوله تعالى ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) أخرجه ابن عساكر في تاريخه عن جابر وقصتها مذكورة في أسباب النزول. السادسة عشرة موافقته في بعض الأذان أخرج ابن عدي في الكامل من طريق عبد الله بن نافع وهو ضعيف عن أب يه عن ابن عمر أن بلالا كان يقول إذا أذن أشهد أن لا إله إلا الله حي على الصلاة فقال له عمر قل في إثرها أشهد أن محمدًا رسول الله فقال رسول الله ( قل كما قال عمر ). والحديث الصحيح الثابت في أول مشروعية الأذان يرد هذا. السابعة عشرة أخرج عثمان بن سعيد الدارمي من طريق ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن كعب الأحبار قال ويل لملك الأرض من ملك السماء فقال عمر إلا من حاسب نفسه فقال كعب الأحبار والذي نفسي بيده إنها مكتوبة في التوراة فخر عمر ساجدًا

الفصل السابع في كراماته رضي الله عنه

الأولى أخرج البيهقي وابو نعيم واللالكائي وابن الأعرابي والخطيب عن نافع عن ابن عمر /بإسناد حسن /قال وجه عمر جيشًا ورأس عليهم رجلا يدعى سارية فبينا عمر رضي الله عنه يخطب جعل ينادي يا سارية الجبل ثلاثًا ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر فقال يا أمير المؤمنين هزمنا فبينا نحن كذلك إذ سمعنا صوتًا ينادي يا سارية الجبل ثلاثًا فأسندنا ظهرنا إلى الجبل فهزمهم الله قال قيل لعمر إنك كنت تصيح بذلك. وذلك الجبل الذي كان سارية عنده بنهاوند من أرض العجم. وأخرج ابن مردويه من طريق ميمون بن مهران عن ابن عمر رضي الله عنه قال كان عمر يخطب يوم الجمعة فعرض في خطبته أن قال يا سارية الجبل من استرعى الذئب ظلم فالتفت الناس بعضهم لبعض فقال لهم علي ليخرجن مما قال فلما فرغ سألوه فقال وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا وإنهم يمرون بجبل فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجه واحد وإن جاوزوا هلكوا فخرج مني ما تزعمون أنكم سمعتموه فقال فجاء البشير بعد شهر فذكر أنهم سمعوا صوت عمر في ذلك اليوم قال فعدلنا إلى الجبل ففتح الله علينا. وأخرج أبو نعيم عن عمرو بن الحارث قال بينا عمر يخطب يوم الجمعة إذ ترك الخطبة وقال يا سارية الجبل مرتين أو ثلاثًا ثم أقبل على خطبته فقال بعض الحاضرين لقد جن إنه لمجنون فدخل عليه عبد الرحمن بن عوف وكان يطمئن إليه فقال إنك لتجعل لهم على نفسك مقالا بينا أنت تخطب إذ أنت تصيح يا سارية الجبل أي شيء هذا قال إني والله ما ملكت ذلك رأيتهم يقاتلون عند جبل يؤتون من بين أيديهم ومن خلفهم فلم أملك أن قلت يا سارية الجبل ليلحقوا بالجبل فلبثوا إلى أن جاء رسول سارية بكتابه إن القوم لقونا يوم الجمعة فقاتلناهم حتى إذا حضرت الجمعة سمعنا مناديًا ينادي يا سارية الجبل مرتين فلحقنا بالجبل فلم نزل قاهرين لعدونا حتى هزمهم الله وقتلهم فقال أولئك الذين طعنوا عليه دعوا هذا الرجل فإنه مصنوع له.

الثانية أخرج أبو القاسم بن بشران من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال قال عمر بن الخطاب لرجل ما اسمك قال جمرة قال ابن من قال ابن شهاب قال ممن قال من الحرقة قال أين مسكنك قال الحرة قال بأيها قال بذات لظى قال عمر أدرك أهلك فقد احترقوا فرجع الرجل فوجد أهله قد احترقوا وأخرج مالك في الموطأ نحوه وكذلك أخرجه آخرون.

الثالثة أخرج أبو الشيخ في العظمة بسنده إلى قيس بن الحجاج عمن حدثه قال لما فتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص حين دخل يوم من أشهر العجم فقالوا أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها قال وما ذاك قالوا إذا كان أحد عشر ليلة تخلو من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الثياب والحلي أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل فقال لهم عمرو إن هذا لا يكون في إسلام أبدًا وإن الإسلام يهدم ما كان قبله فأقاموا والن يل لا يجري قليلا ولا كثيرًا حتى هموا بالجلاء فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك فكتب له أن قد أصبت بالذي فعلت وإن الإسلام يهدم ما كان قبله وبعث بطاقة في داخل كتابه وكتب إلى عمرو إني قد بعثت إليك بطاقة في داخل كتابي فألقها في النيل فلما قدم كتاب عمر إلى عمرو بن العاص أخذ البطاقة ففتحها فإذا فيها من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر وإن كان الله يجريك فأسأل الله الواحد القهار أن يجريك فألقى البطاقة عمرو في النيل قبل الصليب بيوم فأصبحوا وقد أجراه الله ستة عشر ذراعًا في ليلة واحدة فقطع الله تلك السنة عن أهل مصر إلى اليوم.

الرابعة أخرج ابن عساكر عن طارق بن شهاب قال إن كان الرجل ليحدث عمر بالحديث فيكذبه الكذبة فيقول احبس هذه ثم يحدثه بالحديث فيقول له احبس هذه فيقول له كل ما حدثتك حق إلا ما أمرتني أن أحبسه. وأخرج أيضًا عن الحسن قال إن كان أحد يعرف الكذب إذا حدث به أنه كذب فهو عمر بن الخطاب.

الخامسة أخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هدبة الحمصي قال أخبر عمر أن أهل العراق قد حصبوا أميرهم فخرج غضبان فصلى فسها في صلاته فلما سلم قال اللهم إنهم قد لبسوا علي فالبس عليهم وعجل عليهم بالغلام الثقفي يحكم فيهم بحكم الجاهلية لا يقبل من محسنهم ولا يتجاوز عن مسيئهم قال ابن لهيعة وما ولد الحجاج يومئذ

خاتمة في نبذ سيرته رضي الله عنه

أخرج ابن سعد عن آصف بن قيس قال كنا جلوسًا بباب عمر فمرت جارية فقالوا سرية أمير المؤمنين فقال ما هي لأمير المؤمنين بسرية ولا تحل له إنها من مال الله فقلنا فما يحل له من مال الله تعالى قال إنه لا يحل لعمر من مال الله إلا حلتين حلة للشتاء وحلة للصيف وما حج به واعتمر وقوتي وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم ثم أنا بعد رجل من المسلمين. وأخرج ابن سعد وسعيد بن منصور وغيرهما من طرق عن عمر قال إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة والي اليتيم من ماله إن أيسرت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف فإن أيسرت قضيت. واحتاج للتداوي بعسل وفي بيت المال عكة فقال إن أذنتم لي وإلا فهي علي حرام فأذنوا له. ومكث زمانًا لا يأكل من مال بيت المال شيئًا حتى أصابته خصاصة فاستشار الصحابة فقال قد شغلت نفسي في هذا المال فما يصلح لي منه فقال علي غداء وعشاء فأخذ بذلك عمر. وكانت جملة نفقته في حجه ستة عشر دينارًا ومع ذلك يقول أسرفنا في هذا المال. ولما كلمته حفصة وعبد الله وغيرهما فقالوا له لو أكلت طعامًا طيبًا لكان أقوى لك على الحق قال أكلكم على هذا الرأي قالوا نعم قال قد علمت نصحكم ولكني تركت صاحبي على جادة فإن تركت جادتهما لم أدركهما في المنزل. قال وأصاب الناس سنة فما أكل عامئذ سمنًا ولا سمينًا وقال مرة أخرى لمن كلمه في طعامه ويحك آكل طيباتي في حياتي الدنيا وأستمتع بها. وقال لابنه عاصم وهو يأكل لحمًا كفى بالمرء سرفًا أن يأكل كل ما اشتهى وكان يلبس وهو خليفة جبة من صوف مرقوعة بعضها بأدم ويطوف في الأسواق على عاتقه الدرة يؤدب الناس بها ويمر بالنوى فيلتقطه ويلقيه في منازل الناس ينتفعون به. وقال أنس رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع في قميصه. وقال أبو عثمان الفهري رأيت على عمر إزارًا مرقوعًا بأدم ولما حج لم يستظل إلا تحت كساء أو نطع يلقيه على شجرة وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء وكان يمر بالآية من ورده فيسقط حتى يعاد منها أيامًا. وأخذ تبنة من الأرض وقال يا ليتني هذه التبنة وليتني لم أك شيئًا ليت أمي لم تلدني. وكان يدخل يده في وبرة البعير ويقول إني لخائف أن أسأل عما بك وحمل قربة على عنقه فقيل له في ذلك فقال إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلها. وقال أنس تقرقر بطن عمر من أكل الزيت عام الرمادة وكان قد حرم على نفسه السمن فنقر بطنه بأصبعه وقال إنه ليس عندنا غيره حتى يحيا الناس ومن ثم تغير لونه في هذا العام حتى صار آدم. وقال أحب الناس إلي من رفع إلي عيوبي. وقال ابن عمر ما رأيت عمر غضب قط فذكر الله عنده أو خوف أو قرأ عنده إنسان آية من القرآن إلا وقف عما كان يريد وجيء له بلحم فيه سمن فأبى أن يأكلهما وقال كل واحد منهما أدم. وانكشف فخذه فرأى به أهل نجران علامة سوداء فقالوا هذا الذي نجد في كتابنا أنه يخرجنا من أرضنا. وقال له كعب الأحبار إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقعوا فيها فإذا مت لم يزالوا يقتحمون فيها إلى يوم القيامة. وأمر عماله منهم سعد بن أبي وقاص فكتبوا أموالهم فشاطرهم فيها أخذ نصفها وأبقى لهم نصفها أخرج ذلك كله ابن سعد. وأخرج عبد الرزاق عن جابر أنه شكا إلى عمر ما يلقى من النساء فقال عمر إنا لنجد ذلك حتى إني لأريد الحاجة فتقول لي ما تذهب إلا إلى فتيات بني فلان فتنظر إليهن فقال له عبد الله بن مسعود ما يكفيك أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام شكا إلى الله خلق سارة فقيل له إنها خلقت من ضلع أعوج فالبسها على ما كان فيها ما لم تر عليها حرمة في دينها. ودخل عليه ابن له عليه ثياب حسنة فضربه بالدرة حتى أبكاه وقال رأيته قد أعجبته نفسه فأحببت أن أصغرها إليه. وأخرج الخطيب أنه وعثمان كانا يتنازعان في المسألة حتى يقول الناظر إنهما لا يجتمعان أبدًا فما يفترقان إلا على أحسنه وأجمله

الباب السادس في خلافة عثمان رضي الله عنه

وذلك يستدعي ذكر عهد عمر إليه وسببه ومقدماته

توفي رضي الله عنه بعد صدوره من الحج شهيدًا. أخرج الحاكم عن ابن المسيب أن عمر لما نفر من منى وأناخ بالأبطح استلقى ورفع يده إلى السماء وقال اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل. وقال له كعب أجدك في التوراة تقتل شهيدًا فقال وأنى لي بالشهادة وأنا بجزيرة العرب. وأخرج البخاري عنه أنه قال اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك. وأخرج الحاكم أنه خطب فقال رأيت كأن ديكًا نقرني نقرة أو نقرتين وإني لا أراه إلا حضر أجلي وإن قومًا يأمروني أن أستخلف وإن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله وهو عنهم راض. وقال له رجل ألا تستخلف عبد الله بن عمر فقال له قاتلك الله والله ما أردت الله بهذا أستخلف رجلا لم يحسن أن يطلق امرأته أي لأنه في زمن رسول الله طلقها في الحيض فقال لعمر ( مره فليراجعها ). وكان لا يأذن لسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب إليه المغيرة بن شعبة وهو على الك وفة يذكر غلامًا عنده يحسن أعمالا كثيرة فيها منافع للناس كالحدادة والنقش والتجارة ويصنع الأرحاء فأذن له في دخول المدينة واسمه أبو لؤلؤة وهو مجوسي فجاء لعمر يشتكي من ثقل خراجه وهو أربعة دراهم كل يوم فقال له ما خراجك بكثير فانصرف مغضبًا وقال وسع الناس كلهم عدله غيري ثم بعد يسير أرسل إليه عمر فقال له ألم أخبر أنك تقول لو أشاء لصنعت رحا تطحن بالريح فالتفت إلى عمر عابسًا وقال لأصنعن لك رحا يتحدث الناس بها فلما ولى قال عمر لأصحابه أوعدني العبد آنفًا وكان كذلك فأضمر قتله وأعد خنجرًا وشحذه وسمه ثم كمن له في الغلس بزاوية من زوايا المسجد حتى خرج عمر يوقظ الناس للصلاة وكان عمر يأمر بتسوية الصفوف قبل الإحرام فجاء أبو لؤلؤة إلى أن دنا من عمر فضربه بذلك الخنجر ثلاثًا في كتفه وفي خاصرته فوقع عمر وطعن معه ثلاثة عشر رجلا فمات منهم ستة فألقى عليه رجل من أهل العراق ثوبًا فلما اغتم فيه قتل نفسه وحمل عمر إلى أهله وكادت تطلع الشمس فصلى عبد الرحمن بن عوف بالناس بأقصر سورتين. وأتى عمر بنبيذ فشربه فخرج من جرحه فلم يتبين فسقوه لبنًا فخرج من جرحه فقالوا لا بأس عليك فقال عمر إن يكن بالقتل بأس فقد قتلت فجعل الناس يثنون عليه ويقولون كنت وكنت فقال أما والله وددت أني خرجت منها كفافًا لا علي ولا لي وأن صحبة رسول الله سلمت لي. وأثنى عليه ابن عباس فقال لو أن لي طلاع الأرض ذهبًا لافتديت به من هول المطلع وقد جعلتها شورى في عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد. وأمر صهيبًا أن يصلي بالناس وأجل الستة ثلاثًا وكانت إصابته يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين ودفن يوم الأحد وصح أن الشمس انكسفت يوم موته وناحت الجن عليه. وفي رواية أنه قال الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام ثم قال لابنه عبد الله انظر ما علي من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفًا أو نحوها فقال إن وفى مال آل عمر أده من أموالهم وإلا فاسأل في بني عدي فإن لم تف أموالهم فاسأل في قريش واذهب إلى أم المؤمنين عائشة فقل يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه فذهب إليها فقال كنت أريده تعني المكان لنفسي ولأوثرنه اليوم على نفسي فأتى عبد الله فقال قد أذنت فحمد الله تعالى وقيل له أوص يا أمير المؤمنين واستخلف قال ما أرى أحدًا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفى رسول الله وهو عنهم راض فسمى الستة وقال يشهد عبد الله بن عمر معهم وليس له من الأمر شيء فإن أصابت الإمرة سعدًا فهو ذاك وإلا فليستعن به أيكم ما أمر فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة ثم قال أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله تعالى وأوصيه بالمهاجرين والأنصار وأوصيه بأهل الأمصار خيرًا في مثل ذلك من الوصية فلما توفي خرجنا به نمشي فسلم عليها عبد الله بن عمر وقال عمر يستأذن فقالت عائشة أدخلوه فأدخل فوضع هناك مع صاحبيه فلما فرغ من دفنه ورجعوا اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن بن عوف اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم فقال الزبير قد جعلت أمري إلى علي وقال سعد قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن وقال طلحة قد جعلت أمري إلى عثمان فخلا هؤلاء الثلاثة فقال عبد الرحمن أنا لا أريدها فأيكما يبرأ من هذا الأمر ونجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه وليحرص على صلاح الأمة فسكت الشيخان علي وعثمان فقال عبد الرحمن اجعلوه إلي ولله علي أن لا آلوكم عن أفضلكم قالا نعم فخلا بعلي وقال لك من القدم في الإسلام والقرابة من رسول الله ما قد علمت الله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عليك لتسمعن ولتطيعن قال نعم ثم خلا بالآخر فقال له كذلك فلما أخذ ميثاقهما بايع عثمان وبايعه علي. وكانت مبايعته بعد موت عمر بثلاث ليال وروي أن الناس كانوا يجتمعون في تلك الأيام إلى عبد الرحمن يشاورونه ويناجونه فلا يخلو به رجل ذو رأي فيعدل بعثمان أحدًا ولما جلس عبد الرحمن للمبايعة حمد الله وأثنى عليه وقال في كلامه إني رأيت الناس يأبون إلا عثمان أخرجه ابن عساكر. وفي رواية أنه قال أما بعد يا علي فإني قد نظرت في الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعلن على نفسك سبيلا ثم أخذ بيد عثمان فقال نبايعك على سنة الله وسنة رسوله وسنة الخليفتين بعده فبايعه عبد الرحمن وبايعه المهاجرون والأنصار. وأخرج ابن سعد عن أنس قال أرسل عمر إلى أبي طلحة الأنصاري قبل أن يموت بساعة فقال كن في خمسين من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى فإنهم فيما أحسب سيجتمعون في بيت فقم على ذلك الباب بأصحابك فلا تترك أحدًا يدخل عليهم ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم. وفي مسند أحمد عن أبي وائل قلت لعبد الرحمن بن عوف كيف بايعتم عثمان وتركتم عليًا فقال ما ذنبي قد بدأت بعلي فقلت أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر فقال فيما استطعت ثم عرضت ذلك على عثمان فقال نعم. ويروى أن عبد الرحمن قال لعثمان في خلوة إن لم أبايعك فمن تشير علي قال علي وقال لعلي إن لم أبايعك فمن تشير علي قال عثمان ثم دعا سعدًا فقال له من تشير علي فأما أنا وأنت فلا نريدها فقال عثمان ثم استشار عبد الرحمن الأعيان فرأى هوى أكثرهم في عثمان. وأخرج ابن سعد والحاكم عن ابن مسعود أنه قال لما بويع عثمان أمرنا خير من بقي ولم نأل. فثبت بذلك جميعه صحة بيعة عثمان وإجماع الصحابة عليها وأنه لا مرية في ذلك ولا نزاع فيه وأن عليًا رضي الله عنه من جملة من بايعه وقد مر ثناؤه عليه وقوله إنه غزا معه وأقام الحدود بين يديه ومر أيضًا أحاديث كثيرة دالة على خلافته وأنها بعد خلافة عمر فلا تحتاج إلى إعادة ذلك هنا وأنها فرع عن خلافة عمر التي هي فرع عن خلافة الصديق وقد قام الإجماع وأدلة الكتاب والسنة على حقية خلافة أبي بكر ولزم من ذلك قيامها على حقية خلافة عمر ثم على حقية خلافة عثمان فكانت بيعة صحيحة وخلافة حقًا لا مطعن فيها

الباب السابع في فضائله ومآثره رضي الله عنه

وفيه فصول

الفصل الأول في إسلامه وهجرته وغيرهما

أسلم قديمًا وهو ممن دعاه الصديق رضي الله عنه إلى الإسلام وهاجر الهجرتين إلى الحبشة الأولى والثانية إلى المدينة وتزوج رقية بنت رسول الله قبل النبوة وماتت عنده في ليالي غزوة بدر فتأخر عنها لتمريضها بإذن رسول الله فضرب له بسهمه وأجره فهو معدود من البدريين بذلك وجاء البشير بنصر المسلمين يوم دفنوها بالمدينة ثم زوجه رسول الله أختها أم كلثوم وتوفيت عنده سنة تسع من الهجرة. قال العلماء ولا يعرف أحد تزوج بنتي نبي غيره ولذا سمي ذا النورين. فهو من السابقين الأولين وأول المهاجرين وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة الذين توفي رسول الله وهو عنهم راض وأحد الصحابة الذين جمعوا القرآن ومر أن الصديق رضي الله عنه جمعه أيضًا وإنما تميز عثمان بجمعه في المصحف على ترتيبه المعروف اليوم واستخلفه رسول الله على المدينة في غزوة ذات الرقاع وإلى غطفان. قال ابن إسحاق وكان أول الناس إسلامًا بعد أبي بكر وعلي وزيد بن حارثة وكان ذا جمال مفرط. وقد أخرج ابن عساكر عن أسامة بن زيد قال بعثني رسول الله إلى منزل عثمان بصحفة فيها لحم فدخلت فإذا رقية جالسة فجعلت مرة أنظر إلى وجه رقية ومرة إلى وجه عثمان فلما رجعت سألني رسول الله قال لي ( دخلت عليهما ) قلت نعم قال ( فهل رأيت زوجًا أحسن منهما ) قلت لا يا رسول الله. وأخرج ابن سعد أنه لما أسلم أخذه عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية فأوثقه رباطًا وقال ترغب عن ملة آبائك إلى دين محمد والله لا أفكك أبدًا حتى تدع ما أنت عليه فقال عثمان والله لا أدعه أبدًا ولا أفارقه فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه. وأخرج أبو يعلى عن أنس قال أول من هاجر إلى الحبشة بأهله عثمان بن عفان فقال رسول الله ( صحبهما الله إن عثمان لأول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوط ). وأخرج ابن عدي عن عائشة رضي الله عنها قالت لما زوج النبي بنته أم كلثوم بعثمان قال لها ( إن بعلك أشبه الناس بجدك إبراهيم وأبيك محمد (

الفصل الثاني في فضائله رضي الله عنه

مر منها جملة في أحاديث خلافة أبي بكر وفضائله ومن جملة ما مر ما يدل على خلافته وأنها عقب خلافة عمر ومن جملته أيضًا أنه وزن بالأمة بعد الشيخين فعدلها ثم رفع الميزان.

الحديث الأول أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي جمع ثيابه حين دخل عثمان وقال ( ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة ).

الحديث الثاني أخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال ( أشد أم تي حياء عثمان بن عفان ).

الحديث الثالث أخرج الخطيب عن ابن عباس وابن عساكر عن عائشة أن النبي قال ( إن الله تعالى أوحى إلي أن أزوج كريمتي يعني رقية وأم كلثوم من عثمان ).

الحديث الرابع أخرج أحمد ومسلم عن عائشة أيضًا أن رسول الله قال ( إن عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له وأنا على تلك الحالة أن لا يبلغ إلي في حاجته ).

الحديث الخامس أخرج أحمد ومسلم عن عائشة أيضًا أن رسول الله قال ( ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة ).

الحديث السادس أخرج ابن عساكر عن أبي هريرة أن رسول الله قال إن عثمان حيي تستحيي منه الم لائكة ).

الحديث السابع أخرج أبو نعيم عن ابن عمر أن رسول الله قال ( عثمان أحيى أمتي وأكرمها ).

الحديث الثامن أخرج أبو نعيم عن أبي أمامة أن رسول الله قال ( إن أشد هذه الأمة بعد نبيها حياء عثمان بن عفان ).

الحديث التاسع أخرج أبو يعلى عن عائشة أن رسول الله قال ( إن عثمان حيي ستير تستحي منه الملائكة ).

الحديث العاشر أخرج الطبراني عن أنس أن رسول الله قال ( إن عثمان لأول من هاجر بأهله إلى الله بعد لوط ).

الحديث الحادي عشر أخرج ابن عدي وابن عساكر عن ابن عمر قال قال رسول الله ( إنما نشبه عثمان بأبينا إبراهيم ).

الحديث الثاني عشر أخرج الطبراني عن أم عياش أن رسول الله قال ( ما زوجت عثمان أم كلثوم إلا بوحي من السماء ).

الحديث الثالث عشر أخرج ابن ماجه عن أبي هريرة أن رسول الله قال لعثمان ( يا عثمان هذا جبريل يخبرني أن الله قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها ).

الحديث الرابع عشر أخرج أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم عن عائشة أن النبي قال لعثمان ( يا عثمان إن الله مقمصك قميصًا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني ). وهذا من الأحاديث الظاهرة في خلافته الدالة دلالة واضحة على حقيتها لنسبة القميص في الحديث المكنى به عن الخلافة إلى الله تعالى.

الحديث الخامس عشر أخرج أبو يعلى عن جابر أن النبي قال ( عثمان بن عفان وليي في الدنيا ووليي في الآخرة ).

الحديث السادس عشر أخرج ابن عساكر عن جابر أن النبي قال ( عثمان في الجنة ).

الحديث السابع عشر أخرج ابن عساكر عن أبي هريرة أن رسول الله قال ( لكل نبي خليل في أمته وإن خليلي عثمان بن عفان ). ومر في أحاديث فضائل الصديق نحو هذا الحديث في حق الصديق أيضًا وأنه لا ينافي الخبر المشهور لو كنت متخذًا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا.

الحديث الثامن عشر أخرج الترمذي عن طلحة وابن ماجه عن أبي هريرة أن النبي قال لكل نبي رفيق في الجنة ورفيقي فيها عثمان.

الحديث التاسع عشر أخرج ابن عساكر عن ابن عباس أن رسول الله قال ( ليدخلن بشفاعة عثمان سبعون ألفًا كلهم قد استوجبوا النار الجنة بغير حساب ).

الحديث العشرون أخرج الطبراني عن زيد بن ثابت أن رسول الله قال ( ما كان بين عثمان ورقية وبين لوط من مهاجر ).

الحديث الحادي والعشرون أخرج البخاري عن أبي عبد الرحمن السلمي أن عثمان حين حوصر أشرف عليهم فقال أنشدكم بالله ولا أنشد إلا أصحاب النبي ألستم تعلمون أن رسول الله قال ( من جهز جيش العسرة فله الجنة ) فجهزتهم ألستم تعلمون أن رسول الله قال ( من حفر بئر رومة فله الجنة ) فحفرتها فصدقوه بما قال.

الحديث الثاني والعشرون أخرج الترمذي عن عبد الرحمن بن خباب قال شهدت النبي وهو يحث على جيش العسرة فقال عثمان بن عفان يا رسول الله علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش فقال عثمان يا رسول الله علي مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش فقال عثمان يا رسول الله علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله فنزل رسول الله وهو يقول ( ما على عثمان ما فعل بعد هذه ).

الحديث الثالث والعشرون أخرج الترمذي والحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن سمرة قال جاء عثمان إلى النبي بألف دينار حين جهز جيش العسرة فنثرها في حجره فجعل رسول الله يقبلها ويقول ( ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم ).

الحديث الر ابع والعشرون أخرج الترمذي عن أنس قال لما أمر رسول الله ببيعة الرضوان كان عثمان رسول رسول الله إلى أهل مكة فبايع الناس فقال النبي ( إن عثمان في حاجة الله وحاجة رسول الله ) فضرب بإحدى يديه على الأخرى فكانت يد رسول الله لعثمان خيرًا من أيديهم لأنفسهم ونسبة الحاجة إلى الله تعالى على طريق الاستعارة والتمثيل المقرر في علم البيان.

الحديث الخامس والعشرون أخرج الترمذي عن ابن عمر قال ذكر رسول الله فتنة فقال ( يقتل فيها هذا مظلومًا ) لعثمان.

الحديث السادس والعشرون أخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه عن مرة بن كعب قال سمعت رسول الله يذكر فتنة يقربها فمر رجل مقنع في ثوب فقال ( هذا يومئذ على الهدى ) فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفان فأقبلت إليه بوجهي فقلت هذا قال ( نعم ).

الحديث السابع والعشرون أخرج الترمذي عن عثمان أنه قال يوم الدار إن رسول الله عهد إلي عهدًا فأنا صابر عليه وأشار بذلك إلى قوله في الخبر السابق ( إن الله مقمصك قميصًا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني ).

الحديث الثامن والعشرون أخرج الحاكم عن أبي هريرة قال اشترى عثمان الجنة من النبي مرتين حين حفر بئر رومة وحين جهز جيش العسرة.

الحديث التاسع والعشرون أخرج ابن عساكر عن أبي هريرة أن النبي قال ( عثمان من أشبه أصحابي بي خلقًا ).

الحديث الثلاثون أخرج الطبراني عن عصمة بن مالك قال لما ماتت بنت رسول الله تحت عثمان قال رسول الله ( زوجوا عثمان لو كان لي ثالثة لزوجته وما زوجته إلا بوحي من السماء ). الحديث الحادي والثلاثون أخرج ابن عساكر عن علي قال سمعت النبي يقول لعثمان ( لو أن لي أربعين ابنة زوجتك واحدة بعد واحدة حتى لا تبقى منهن واحدة ).

الحديث الثاني والثلاثون أخرج ابن عساكر عن زيد بن ثابت قال سمعت رسول الله يقول ( مر بي عثمان وعندي ملك من الملائكة فقال شهيد يقتله قومه إنا نستحيي منه ).

الحديث الثالث والثلاثون أخرج أبو يعلى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال ( إن الملائكة لتستحيي من عثمان كما تستحيي من الله ورسوله ). وأخرج ابن عساكر عن الحسن أنه ذكر عنده حياء عثمان فقال إن كان ليكون في جوف البيت والباب عليه مغلق فيضع ثوبه ليفيض عليه الماء فيمنعه الحياء أن يرفع صلبه.

الحديث الرابع والثلاثون أخرج ابن عدي وابن عساكر من حديث أنس مرفوعًا ( إن لله سيفًا مغمودًا في غمده ما دام عثمان حيًا فإذا قتل عثمان جرد ذلك السيف فلم يغمد إلى يوم القيامة ) تفرد به عمرو بن فائد وله مناكير

الفصل الثالث في نبذ من مآثره وبقية غرر من فضائله

وفيما أكرمه الله به من الشهادة التي وعده بها النبي وأخبر وهو الصادق المصدوق أنه مظلوم وأنه يومئذ على الهدى

قال ( يقتل هذا مظلومًا ) وأشار إلى عثمان رضي الله عنه أخرجه البغوي في المصابيح من الحسان والترمذي وقال /حسن غريب / وأخرجه أحمد فكان كما قال ( فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ). وفي الشفا أنه قال يقتل عثمان وهو يقرأ في المصحف وإن الله عسى أن يلبسه قميصًا وأنهم يريدون خلعه وأنه يسيل دمه على قوله ( فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ) أه. وقد أخرجه الحاكم عن ابن عباس بلفظ إن رسول الله قال ( يا عثمان تقتل وأنت تقرأ سورة البقرة فتقع قطرة من دمك على ( فسيكفيكهم الله ) ) لكن قال الذهبي إنه / حديث موضوع / أي قوله فيه وأنت تقرأ إلى آخره وأما الإخبار بأصل القتل فصحيح كما في أحاديث كثيرة منها حديث البئر السابق آخر فضائل أبي بكر رضي الله عنه ومنها /الحديث الصحيح / أنه ذكر فتنة فمر رجل فقال يقتل فيها هذا يومئذ ظلمًا قال ابن عمر رواية فنظرت فإذا هو عثمان. كان مقتله سنة خمس وثلاثين في أوسط أيام التشريق وصلى عليه الزبير وكان أوصى إليه ودفن في حش كوكب بالبقيع وهو أول من دفن به. وقيل قتل ثامن عشر ذي الحجة يوم الجمعة وقيل لست بقين منه وعمره اثنتان وثمانون سنة على خلاف طويل فيه. وأخرج ابن عساكر عن جمع أن قاتله رجل من أهل مصر أزرق أشقر يقال له حمار. وأخرج أحمد عن المغيرة بن شعبة أنه دخل عليه وهو محصور الحصر الآتي في الباب الآتي فقال له إنك إمام العامة وقد نزل بك ما ترى وإني أعرض عليك خصالا ثلاثًا اختر إحداهن إما أن تخرج فتقاتلهم فإن معك عددًا وقوة وأنت على الحق وهم على الباطل وإما أن تخرق لك بابًا سوى الباب الذي هم عليه فتقعد على راحل تك فتلحق بمكة فإنهم لن يستحلوك وأنت بها وإما أن تلحق بالشام فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية فقال عثمان أما أن أخرج فأقاتل فلن أكون أول من خلف رسول الله في أمته بسفك الدماء وأما أن أخرج إلى مكة فإني سمعت رسول الله يقول ( يلحد رجل من قريش بمكة يكون عليه مثل عذاب العالم ) فلن أكون أنا وأما أن ألحق بالشام فلن أفارق دار هجرتي ومجاورة رسول الله. وأخرج ابن عساكر عن أبي ثور الفهري قال دخلت على عثمان وهو محصور فقال لقد اختبأت عند ربي عشرًا إني لرابع أربعة في الإسلام وأنكحني رسول الله ابنته ثم توفيت فأنكحني ابنته الأخرى وما تغنيت ولا تمنيت ولا وضعت يميني على فرجي منذ بايعت بها رسول الله وما مرت بي جمعة منذ أسلمت إلا وأنا أعتق فيها رقبة إلا أن لا يكون عندي شيء فأعتقها بعد ذلك أي فجملة ما أعتقه ألفان وأربعمائة رقبة تقريبًا ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام قط ولا شربت في جاهلية ولا إسلام ولقد جمعت القرآن على عهد رسول الله. وأخرج ابن عساكر عن يزيد بن أبي حبيب قال بلغني أن عامة الركب الذين ساروا إلى عثمان جنوا. وأخرج ابن عساكر عن حذيفة قال أول الفتن قتل عثمان وآخر الفتن خروج الدجال والذي نفسي بيده لا يموت رجل وفي قلبه مثقال حبة من حب قتل عثمان إلا تبع الدجال إن أدركه وإن لم يدركه آمن به في قبره. وعن ابن عباس لو لم يطلب الناس بدم عثمان لرموا بالحجارة من السماء. وأخرج أيضًا عن الحسن قال قتل عثمان وعلي غائب في أرض له فلما بلغه قال اللهم إني لم أرض ولم أمالئ. وأخرج الحاكم وص ححه عن قيس بن عبادة قال سمعت عليًا يوم الجمل يقول اللهم إني ابرأ إليك من دم عثمان ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان وأنكرت نفسي وجاؤوني للبيعة فقلت والله إني لأستحيي أن أبايع قوما قتلوا عثمان وإني لأستحيي من الله أن أبايع وعثمان لم يدفن بعد فانصرفوا فلما رجع الناس فسألوني البيعة قلت اللهم إني مشفق مما اقدم عليه ثم جاءت عزيمة فبايعت فقالوا يا أمير المؤمنين فكأنما صدع قلبي وقلت اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى. وأخرج ابن عساكر عن أبي خلدة الحنفي قال سمعت عليًا يقول إن بني أمية يزعمون أني قتلت عثمان ولا والله الذي لا إله إلا هو ما قتلت ولا مالأت ولقد نهيت فعصوني. وأخرج عن سمرة قال إن الإسلام في حصن حصين وإنهم ثلموا في الإسلام ثلمة عظيمة بقتلهم عثمان لا تنسد إلى يوم القيامة. وأخرج عبد الرزاق أن عبد الله بن سلام كان يدخل على محاصري عثمان فيقول لا تقتلوه فوالله لا يقتله رجل منكم إلا لقي الله أجذم لا يد له وإن سيف الله لم يزل مغمودًا وإنكم والله إن قتلتموه ليسلنه الله ثم لا يغمد عنكم أبدًا وما قتل نبي قط إلا قتل به سبعون ألفًا ولا خليفة إلا قتل به خمسة وثلاثون ألفًا قبل أن يجتمعوا. وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن مهدي قال خصلتان لعثمان ليستا لأبي بكر ولا لعمر رضي الله عنهم صبره نفسه حتى قتل وجمعه الناس على المصحف. وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عمر أن جهجاه الغفاري قام إلى عثمان وهو يخطب فأخذ العصا من يده فكسرها على ركبته فما حال الحول حتى أرسل الله في رجله الآكلة فمات منها

تتمة نقم الخوارج عليه رضي الله عنه أمورًا هو منها بريء

منها عزله أكابر الصحابة من أعمالهم وولاها دونهم من أقاربه كأبي موسى الأشعري عن البصرة وعمرو بن العاص عن مصر وعمار بن ياسر عن الكوفة والمغيرة بن شعبة عنها أيضًا وابن مسعود عنها أيضًا وأشخصه إلى المدينة.

وجوابه أنه إنما فعل ذلك لأعذار أوجبت عليه ذلك فأما أبو موسى فإن جند عمله شكوا شحه وجند الكوفة نقموا عليه أنه أمرهم بأمر عمر لهم بطاعته بفتح رامهرمز ففتحوها وسبوا نساءها وذراريها فلما بلغه ذلك قال إني كنت أمنتهم فكتبوا لعمر فأمر بتحليفه فحلف فأمر برد ما أخذ منهم فرفعوه لعمر فعتب عليه وقال لو وجدنا من يكفينا عملك عزلناك فلما توفي عمر اشتد غضب الجنديين عليه فعزله عثمان خوف الفتنة. وأما عمرو بن العاص فلإكثار أهل مصر شكايته وقد عزله عمر لذلك ثم رده لما ظهر له التنصل مما شكوه منه وتوليته ابن أبي سرح بدله فهو وإن كان ارتد في زمنه فأهدر دمه يوم الفتح أسلم وصلح حاله بل ظهرت منه في ولايته آثار محمودة كفتح طائفة كثيرة من تلك النواحي وكفاه فخرًا أن عبد الله بن عمرو بن العاص قاتل تحت رايته ككثير من الصحابة بل وجدوه أقوم لسياسة الأمر من عمرو بن العاص ومن أحسن محاسنه اعتزاله الفريقين لما قتل عثمان وأنه لم يقاتل مسلمًا بعد قتاله المشركين. وأما عمار فالذي عزله عمر لا عثمان. وأما المغيرة فأنهي لعثمان أنه ارتشى فلما رأى تصميمهم على ذلك ظهر أن المصلحة في عزله وإن كانوا كاذبين عليه. وأما ابن مسعود فكان ينقم على عثمان كثيرًا فظهرت له المصلحة في عزله على أن المجتهد لا يعترض عليه في الأمور الاجتهادية لكن أولئك الملاعين المعترضين لا فهم لهم بل ولا عقل.

ومنها أنه أسرف في بيت المال حيث أعطى أكثره لأقاربه كالحكم الذي رده للمدينة وكان النبي نفاه عنها إلى الطائف وكاتبه مروان أعطاه مائة ألف وخمس أفريقية والحارث أعطاه عشر ما يباع بسوق المدينة وجاءه أبو موسى بحلية ذهب وفضة فقسمها بين نسائه وبناته وأنفق أكثر بيت المال في ضياعه ودوره.

وجواب ذلك أن أكثر ذلك مختلق عليه ورده الحكم إنما كان لكونه وعده بذلك لما استأذنه فيه فنقله للشيخين فلم يقبلاه لكونه واحدًا فلما ولي قضى بعلمه كما هو قول أكثر الفقهاء على أن الحكم تاب مما نفي لأجله. والحق في مروان أن ما تعذر نقله من أثاث إفريقية وحيوانها اشتراه من ابن أبي سرح الأمير بمائة ألف نقد أكثرها وسبق مبشرًا بفتحها فترك عثمان له البقية جزاء لبشارته فإن قلوب المسلمين كانت في غاية القلق بشدة أمر إفريقية وللإمام أن يعطي المبشر ما يراه لائقًا بتعبه وخطر بشارته وتلك المئة ألف إنما جهزها من مال بيت الحارث وثروة عثمان جاهلية وإسلامًا لا تنكر وما ذكروه في العشور غير صحيح نعم جعل له السوق لينظر فيه بالمصلحة فوقع منه جور فعزله. وقصة أبي موسى ذكرها ابن إسحاق /بسند فيه مجهول /وهو ليس بحجة في ذلك وغنى عثمان الواسع وإنفاقه في غزوة تبوك بما هو مشهور عنه يمنع نسبة ذلك وأقل منه وأكثر إليه غاية الأمر أنه لو سلم أنه أكثر من إعطاء أقاربه من بيت المال كان اجتهادًا منه فلا يعترض به عليه وزعم أنه منع أن لا يشتري أحد قبل وكيله وأن لا تسير سفينة من البحرين إلا في تجارته باطل على أنه كان متبسطًا في التجارات فلعله حمى سفنه أن لا يركب فيها غيره وفوض لزيد بن ثابت نظر بيت المال ففضلت منه فضلة فصرفها في عمارة ما زاده في مسجده فتقولوا أنه صرفها في عمارة دوره كما تقولوا أنه حمى لنفسه مع أنه حمى لإبل الصدقة وأنه أقطع أكثر أراضي بيت المال مع أنه إنما أذن في الإحياء على أنه عوض أشراف اليمن مثل ما تركوه من أراضيهم لما جاءوا إلى المدينة ليستمروا بها تجاه الأعداء وذلك فيه مصلحة عامة فلا يعترض به.

ومنها أنه حبس عطاء ابن مسعود وأبي بن كعب ونفى أبا ذر إلى الربذة وأشخص عبادة بن الصامت من الشام إلى المدينة لما اشتكاه معاوية وهجر ابن مسعود وقال لابن عوف إنك منافق وضرب عمار بن ياسر وانتهك حرمة كعب بن عجرة فضربه عشرين سوطًا ونفاه إلى بعض الجبال وكذلك حرمة الأشتر النخعي.

وجواب ذلك أن حبسه لعطاء ابن مسعود وهجره له فلما بلغه عنه مما يوجب ذلك إبقاء لأبهة الولاية لا سيما وكل منهما مجتهد فلا يعترض ما فعله أحدهما مع الآخر نعم زعم أن عثمان أمر بضربه باطل ولو فرضت صحته لم يكن بأعظم من ضرب عمر لسعد بن أبي وقاص بالدرة على رأسه حيث لم يقم له وقال إنك لم تهب الخلافة فأردت أن تعرف أن الخلافة لا تهابك ولم يتغير سعد من ذلك فابن مسعود أولى لأنه كان يجبه عثمان بما لا يبقي له حرمة ولا أبهة أصلا بل رأى عمر أبيًا يمشي وخلفه جماعة فعلاه بالدرة وقال إن هذا فتنة لك ولهم فلم يتغير أبي، على أن عثمان جاء لابن مسعود وبالغ في استرضائه فقيل قبله واستغفر له وقيل لا وكذلك ما وقع له مع أبي ذر فإنه كان يتجاسر عليه بما يخرم أبهة ولايته فما فعله معه ومع غيره إنما هو صيانة لمنصب الشريعة وحماية لحرمة الدين وإن عذر أبو ذر بقصده منه أن يجري على ما كان عليه الشيخان على أنه جاء أن أبا ذر إنما اختار التحول اعتزالا للناس مع أمر عثمان له بعدمه وقوله له أقم عندي تغدو عليك اللقاح وتروح فقال لا حاجة لي في الدنيا وقضية عبادة باطلة من أصلها وكذا قصة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما وإنما كان مستوحشًا منه لأنه كان يجبهه كثيرًا ولم يضرب عمارًا إنما ضربه غلمانه لما كرر إرسالهم إليه ليجيء إلى المسجد حتى يعاتبه في أشياء نقمها عليه وهو يعتذر إليه فلم يقبل وقد حلف عثمان وغلظ أنه لم يأمرهم بذلك ثم بالغ في استرضائه وظهر منه ما يدل على أنه رضي عنه. وفعله بكعب ما ذكر فعذره فيه أنه كتب إليه فأغلظ عليه ثم استدرك عثمان ذلك فبالغ في استرضائه فخلع قميصه ودفع إليه سوطًا ليقتص منه فعفا ثم صار من خواصه. وما فعله بالأشتر معذور فيه فإنه رأس فتنة في زمان عثمان بل هو السبب في قتله بل جاء أنه هو الذي باشر قتله بيده فأعمى الله بصائرهم كيف لم يذموا فعل هذا المارق وذموا فعل من شهد له الصادق المصدوق بأنه الإمام الحق وأنه يقتل شهيدًا مظلومًا وأنه من أهل الجنة.

ومنها أنه أحرق المصاحف التي فيها القرآن.

وجوابه أن هذا من فضائله لأن حذيفة وغيره أنهوا إليه أن أهل الشام والعراق اختلفوا في القرآن ويقول بعضهم لبعض قرآني خير من قرآنك وهذا يكاد أن يكون كفرًا فرأى عثمان أن يجمع الناس على مصحف واحد فأخذ صحف أبي بكر التي جمع القرآن فيها فانتسخ منها مصحفًا وأمر الناس بالتزام ما فيه ثم كتب منه مصاحف وأرسلها إلى البلدان وأمر بذلك لاختلاف الأمة ومن ثم قال علي كرم الله وجهه والله لو وليت لفعلت الذي فعل عثمان وقال لا تسبوا عثمان في جمعه ذلك فإنه لم يعمله إلا عن ملأ منا وقد بسطت هذه القصة وما فيها من الفوائد في شرح المشكاة.

ومنها تركه قتل عبيد الله بن عمر بقتله الهرمزان وجفينة وبنتًا صغيرة لأبي لؤلؤة قاتل عمر مع إشارة علي والصحابة بقتله.

وجواب ذلك أن جفينة نصراني وابنة أبي لؤلؤة أبوها مجوسي وأمها حالها مجهول فلم يتحقق إسلامها وأما الهرمزان فهو المشير والآمر لأبي لؤلؤة على قتل عمر وجماعة مجتهدون على أن الآمر يقتل كالمأمور على أنه خشي ثوران فتنة عظيمة لما أراد قتله لو توفرت فيه الشروط لقالت قبائل من قريش لا يقتل عمر أمس وابنه اليوم فترك قتل عبيد الله واسترضى أهل الهرمزان.

ومنها إتمامه الصلاة بمنى لما حج بالناس.

وجوابه أن هذه مسألة اجتهادية فالاعتراض بها جهل قبيح وغباو ة ظاهرة إذ أكثر العلماء على أن القصر جائز لا واجب. ومنها أنه كان غادرًا لما وقع له مع محمد بن أبي بكر رضي الله عنه مما يأتي قريبًا.

وجوابه إنه حلف لهم كما يأتي فصدقوه إلا من في قلبه مرض. والحاصل أنه صح عن الصادق المصدوق أنه على الحق وأن له الجنة وأنه يقتل مظلومًا وأمر باتباعه ومن هو كذلك كيف يعترض عليه بأكثر تلك الترهات أو بجميع ما مر من الاعتراضات وصح أيضًا أنه أشار إليه أنه سيتولى الخلافة وأن المنافقين سيراودونه على خلعه وأنه لا يطيعهم هذا مع ما علم من سابقته وكثرة إنفاقه في سبيل الله وغيرهما مما مر في مآثره رضي الله تعالى عنه

الباب الثامن في خلافة علي كرم الله وجهه

ولنقدم عليها قصة قتل عثمان رضي الله عنه لما أنها مترتبة على قتله بمبايعة أهل الحل والعقد له حينئذ كما يأتي

مقتل عثمان وخلافة علي رضي الله عنهما

أخرج ابن سعد عن الزهري قال ولي عثمان اثنتي عشرة سنة فلم ينقم عليه الناس شيئًا مدة ست سنين بل كان أحب إلى قريش من عمر لأن عمر كان شديدًا عليهم فلما وليهم عثمان لان لهم ووصلهم ثم توانى في أمرهم واستعمل أقاربه وأهل بيته في الست الأواخر وأعطاهم المال متأولا في ذلك الصلة التي أمر الله بها وقال إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما كان لهما وإني أخذته فقسمته في أقربائي فأنكر عليه ذلك. وأخرج ابن عساكر عن الزهري قال قلت لابن المسيب هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان ما كان شأن الناس وشأنه ولم خذله أصحاب محمد فقال ابن المسيب قتل عثمان مظلومًا ومن قتله كان ظالمًا ومن خذله كان معذورًا فقلت كيف قال لأنه لما ولي كره ولايته نفر من الصحابة لأنه كان يحب قومه فكان كثيرًا ما يولي بني أمية ممن لم يكن له صحبة فكان يجيء من أمرائه ما تنكره الصحابة وكان يستعتب فيهم فلا يعزلهم فلما كان في الست الأواخر استأثر بني عمه فولاهم دون غيرهم وأمرهم بتقوى الله فولى عبد الله بن أبي سرح مصر فمكث عليها سنين فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه وقد كان قبل ذلك من عثمان هنات إلى عبد الله بن مسعود وأبي ذر وعمار بن ياسر فكانت بنو هذيل وبنو زهرة في قلوبهم ما فيها وكانت بنو مخزوم قد حنقت على عثمان لحال عمار بن ياسر وجاء أهل مصر يشكون ابن أبي سرح فكتب إليه كتابًا يتهدده فيه فأبى ابن أبي سرح أن يقبل ما نهاه عنه عثمان وضرب بعض من أتاه من قبل عثمان من أهل مصر ممن كان أتى عثمان فقتله فخرج من أهل مصر سبعمائة رجل فنزلوا المسجد وشكوا إلى الصحابة في مواقيت الصلاة ما صنع ابن أبي سرح بهم فقام طلحة بن عبيد الله فكلم عثمان بكلام شديد وأرسلت عائشة إليه تقول له تقدم إليك أصحاب محمد وسألوك عزل هذا الرجل فأبيت فهذا قد قتل منهم رجلا فأنصفهم من عاملك ودخل عليه علي بن أبي طالب فقال إنما يسألونك رجلا مكان رجل وقد ادعوا قبله دمًا فاعزله عنهم واقض بينهم فإن وجب عليه حق فأنصفهم منه فقال لهم اختاروا رجلا أوليه عليكم مكانه فأشار الناس عليه بمحمد بن أبي بكر فكتب عهده وولاه وخرج معهم عدد من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وبين ابن أبي سرح فخرج محمد ومن معه فلما كان على مسيرة ثلاث من المدينة إذ هم بغلام أسود على بعير يخبط البعير خبطًا كأنه رجل يطلب أو يطلب فقال أصحاب محمد بن أبي بكر ما قضيتك وما شأنك كأنك هارب أو طالب فقال لهم أنا غلام أمير المؤمنين وجهني إلى عامل مصر فقال له رجل منهم هذا عامل مصر قال ليس هذا أريد وأخبر بأمره محمد بن أبي بكر فبعث في طلبه رجلا فأخذه وجاء به إليه فقال له رجل غلام من أنت فأقبل مرة يقول أنا غلام أمير المؤمنين ومرة يقول أنا غلام مروان حتى عرفه رجل أنه لعثمان فقال له محمد إلى من أرسلت قال إلى عامل مصر قال له بماذا قال برسالة قال معك كت اب قال لا ففتشوه فلم يجدوا معه كتابًا وكانت معه إداوة قد يبست فيها شيء يتقلقل فحركوه ليخرج فلم يخرج فشقوا الإداوة فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح فجمع محمد من كان عنده من المهاجرين والأنصار وغيرهم ثم فك الكتاب بمحضر منهم فإذا فيه إذا أتاك محمد وفلان وفلان فاحتل في قتلهم وأبطل كتابه وقر على عملك حتى يأتيك رأيي واحبس من يجيء يتظلم إلي منك حتى يأتيك رأيي في ذلك إن شاء الله تعالى فلما قرأوا الكتاب فزعوا ورجعوا إلى المدينة وختم محمد الكتاب بخواتيم نفر كانوا معه ودفعوا الكتاب إلى رجل منهم وقدموا المدينة فجمعوا طلحة والزبير وعليًا وسعدًا ومن كان من أصحاب محمد ثم فضوا الكتاب بمحضر منهم وأخبروهم بقصة الغلام واقرأوهم الكتاب فلم يبق أحد من أهل المدينة إلا حنق على عثمان وزاد ذلك من كان غضب لابن مسعود وأبي ذر وعمار حنقا وغيظًا وقام أصحاب محمد فلحقوا بمنازلهم ما منهم أحد إلا وهو مغتم لما قرأوا الكتاب وحاصر الناس عثمان وأجلب عليه محمد بن أبي بكر بني تيم وغيرهم فلما رأى ذلك علي بعث إلى طلحة والزبير وسعد وعمار ونفر من الصحابة كلهم بدري ثم دخل على عثمان ومعه الكتاب والغلام والبعير فقال له علي أهذا الغلام غلامك قال نعم قال والبعير بعيرك قال نعم قال فأنت كتبت هذا الكتاب قال لا وحلف بالله ما كتب هذا الكتاب ولا أمرت به ولا علم لي به قال له علي فالخاتم خاتمك قال نعم قال فكيف يخرج غلامك ببعيرك وبكتاب عليه خاتمك لا تعلم به فحلف بالله ما كتبت هذا الكتاب ولا أمرت به ولا وجهت هذا الغلام إلى مصر قط فعرفوا أنه خط مروان وشكوا في أمر عثمان وسألوه أن يدفع إليهم مروان فأبى وكان مروان عنده في الدار فخرج أصحاب محمد من عنده غضابًا وشكوا في أمره وعلموا أن عثمان لا يحلف بباطل إلا أن قومًا قالوا لا يبرأ عثمان من قلوبنا إلا أن يدفع إلينا مروان حتى نبحثه ونعرف حال الكتاب وكيف يأمر بقتل رجلين من أصحاب محمد بغير حق فإن يكن عثمان كتبه عزلناه وإن يكن مروان كتبه على لسان عثمان نظرنا ما يكون منا في أمر مروان ولزموا بيوتهم وأبى عثمان أن يخرج إليهم مروان وخشي عليه القتل وحاصر الناس عثمان ومنعوه الماء فأشرف على الناس فقال أفيكم علي فقالوا لا قال أفيكم سعد قالوا لا فسكت ثم قال ألا أحد يبلغ عليًا فيسقينا ماء فبلغ ذلك عليًا فبعث إليه بثلاث قرب مملوءة فما كادت تصل إليه وجرح بسببها عدة من موالي بني هاشم وبني أمية حتى وصل الماء إليه فبلغ عليًا أن عثمان يراد قتله فقال إنما أردنا منه مروان فأما قتل عثمان فلا وقال للحسن والحسين اذهبا بسيفكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعا أحدًا يصل إليه وبعث الزبير ابنه وطلحة ابنه وبعث عدة من أصحاب محمد أبناءهم يمنعون الناس أن يدخلوا على عثمان ويسألونه إخراج مروان فلما رأى ذلك محمد بن أبي بكر ورمى الناس باب عثمان بالسهام حتى خضب الحسن بالدماء على بابه وأصاب مروان سهم وهو في الدار وخضب محمد بن طلحة وشج قنبر مولى علي فخشي محمد بن أبي بكر أن يغضب بنو هاشم لحال الحسن والحسين فيثيرونها فتنة فأخذ بيد الرجلين فقال لهما إن جاءت بنو هاشم فرأوا الدم على وجه الحسن كشفوا الناس عن عثمان وبطل ما نريد ولكن مروا بنا حتى نتسور عليه الدار فنقتله من غير أن يعلم أحد فتسور محمد وصاحباه من دار رجل من الأنصار حتى دخلوا على عثمان ولا يعلم أحد ممن كان معه لأن كل من كان معه كانوا فوق البيوت ولم يكن معه إلا امرأته فقال لهما محمد مكانكما فإن معه امرأته حتى أبدأكما بالدخول فإذا أنا ضبطته فادخلا فتوجآه حتى تقتلاه فدخل محمد فأخذ بلحيته فقال له عثمان والله لو رآك أبوك لساءه مكانك مني فتراخت يده ودخل الرجلان عليه فتوجآه حتى قتلاه وخرجوا هاربين من حيث دخلوا وصرخت امرأته فلم يسمع صراخها أحد لما كان في الدار من الجلبة وصعدت امرأته إلى الناس وقالت إن أمير المؤمنين قد قتل فدخل الناس فوجدوه مذبوحًا فبلغ الخبر عليًا وطلحة والزبير وسعدًا ومن كان بالمدينة فخرجوا وقد ذهبت عقولهم للخبر الذي أتاهم حتى دخلوا على عثمان فوجدوه مقتولا فاسترجعوا فقال علي لابنيه كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب ورفع يده فلطم الحسن وضرب صدر الحسين وشتم محمد بن طلحة وعبد الله بن الزبير وخرج وهو غضبان حتى أتى منزله وجاء الناس يهرعون إليه فقالوا له نبايعك فمد يدك فلا بد من أمير فقال علي ليس ذلك إليكم إنما ذلك إلى أهل بدر فمن رضي به أهل بدر فهو خليفة فلم يبق أحد من أهل بدر إلا أتى عليًا فقالوا ما نرى أحدًا أحق بها منك مد يدك نبايعك فبايعوه وهرب مروان وولده وجاء علي إلى امرأة عثمان فقال لها من قتل عثمان قالت لا أدري دخل عليه رجلان لا أعرفهما ومعهما محمد بن أبي بكر وأخبرت عليًا والناس بما صنع فدعا علي محمدًا فسأله عما ذكرت امرأة عثمان فقال محمد لم تكذب قد والله دخلت عليه وأنا أريد قتله فذكرني أبي فقمت عنه وأنا تائب إلى الله تعالى والله ما قتلته ولا أمسكته فقالت امرأته صدق ولكنه أدخلهما. قال ابن سعد وكانت مبايعة علي بالخلافة الغد من قتل عثمان بالمدينة فبايعه جميع من كان بها من الصحابة ويقال إن طلحة والزبير بايعا كارهين غير طائعين ثم خرجا إلى مكة وعائشة رضي الله عنها بها فأخذاها وخرجا إلى البصرة يطلبون بدم عثمان وبلغ ذلك عليًا فخرج إلى العراق فلقي بالبصرة طلحة والزبير ومن معهم وهي وقعة الجمل وكانت في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وقتل بها طلحة والزبير وبلغ عدد القتلى ثلاثة عشر ألفًا وقد أقام علي بالبصرة خمس عشرة ليلة ثم انصرف إلى الكوفة ثم خرج عليه معاوية ومن معه بالشام فبلغ عليًا فسار فالتقوا بصفين في صفر سنة سبع وثلاثين ودام القتال بها أيامًا فرفع أهل الشام المصاحف يدعون إلى ما فيها مكيدة من عمرو بن العاص وكتبوا بينهم كتابًا أن يوافوا رأس الحول بأذرح فينظروا في أمر الأمة وافترق الناس ورجع معاوية إلى الشام وعلي إلى الكوفة فخرجت عليه الخوارج من أصحابه ومن كان معه وقالوا لا حكم إلا لله وعسكروا بحروراء فبعث إليهم ابن عباس فخاصمهم وحجهم فرجع منهم قوم كثير وثبت قوم وساروا إلى النهروان فسار إليهم علي فقتلهم وقتل منهم ذي الثدية الذي أخبر به النبي وذلك سنة ثمان وثلاثين واجتمع الناس بأذرح في شعبان من هذه السنة وحضرها سعد بن أبي وقاص وابن عمر وغيرهما من الصحابة فقدم عمرو أبا موسى الأشعري مكيدة منه فتكلم فخلع عليًا وتكلم عمرو فأمّر معاوية وبايع له وتفرق الناس على هذا وصار علي في خلاف من أصحابه حتى صار يعض على أصبعه ويقول أعصى ويطاع معاوية. هذا ملخص تلك الوقائع ولها بسط لا تحتمله هذه العجالة على أن الاختصار في هذا المقام هو اللائق فقد قال ( إذا ذكر أصحابي فأمسكوا ) وقد أخبر بوقعة الجمل وصفين وقتال عائشة رضي الله عنها والزبير عليًا كما أخرجه الحاكم وصححه البيهقي عن أم سلمة قالت ذكر رسول الله خروج أمهات المؤمنين فضحكت عائشة رضي الله عنها فقال ( انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت ) ثم التفت إلى علي فقال ( إن وليت من أمرها شيئًا فارفق ). وأخرج البزار وأبو نعيم عن ابن عباس مرفوعًا أيتكن صاحبة الجمل الأحمر تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب فيقتل حولها قتلى كثيرة تنجو بعد ما كادت لا تنجو. وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي الأسود قال شهدت الزبير خرج يريد عليًا فقال له علي أنشدك الله هل سمعت رسول الله يقول ( تقاتله وأنت له ظالم ) فمضى الزبير منصرفًا وفي رواية أبي يعلى والبيهقي فقال الزبير بلى ولكن نسيت.

تنبيه علم مما مر أن الحقيق بالخلافة بعد الأئمة الثلاثة هو الإمام المرتضى والولي المجتبى علي بن أبي طالب باتفاق أهل الحل والعقد عليه كطلحة والزبير وأبي موسى وابن عباس وخزيمة بن ثابت وأبي الهيثم بن التيهان ومحمد بن مسلمة وعمار بن ياسر. وفي شرح المقاصد عن بعض المتكلمين أن الإجماع انعقد على ذلك ووجه انعقاده في زمن الشورى على أنها له أو لعثمان وهذا إجماع على أنه لولا عثمان لكانت لعلي فحين خرج عثمان بقتله من البيت علم أنها بقيت لعلي إجماعًا ومن ثم قال إمام الحرمين ولا اكتراث من قال لا إجماع على إمامة علي فإن الإمامة لم تجحد له وإنما هاجت الفتنة لأمور أخرى

الباب التاسع في مآثره وفضائله ونبذ من أحواله رضي الله عنه

وفيه فصول

الفصل الأول في إسلامه وهجرته وغيرهما

أسلم رضي الله عنه وهو ابن عشر سنين وقيل تسع وقيل ثمان وقيل دون ذلك قديما بل قال ابن عباس وأنس وزيد بن أرقم وسلمان الفارسي وجماعة إنه أول من أسلم ونقل بعضهم الإجماع عليه ومر الجمع بين هذا الإجماع والإجماع على أن أبا بكر أول من أسلم. ونقل أبو يعلى عنه قال بعث رسول الله يوم الاثنين وأسلمت يوم الثلاثاء. وأخرج ابن سعد عن الحسن بن زيد بن الحسن قال لم يعبد الأوثان قط لصغره. أي ومن ثم يقال فيه كرم الله وجهه وألحق به الصديق في ذلك لما قيل إنه لم يعبد صنما قط. وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأخو رسول الله بالمؤاخاة وصهره على فاطمة سيدة نساء العالمين وأحد السابقين إلى الإسلام وأحد العلماء الربانيين والشجعان المشهورين والزهاد المذكورين والخطباء المعروفين وأحد من جمع القرآن وعرضه على رسول الله وعرض عليه أبو الأسود الدؤلي وأبو عبد الرحمن السلمي وعبد الرحمن بن أبي ليلى. ولما هاجر النبي إلى المدينة أمره أن يقيم بعده بمكة أياما حتى يؤدي عنه أمانته والودائع والوصايا التي كانت عند النبي ثم يلحقه بأهله ففعل ذلك. وشهد مع النبي سائر المشاهد إلا تبوك إنه استخلفه على المدينة وقال له حينئذ ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى ) كما مر. له في جميع المشاهد الآثار المشهورة وأصابه يوم أحد ست عشرة ضربة وأعطاه النبي اللواء في مواطن كثيرة سيما يوم خيبر وأخبر أن الفتح يكون على يده كما في الصحيحين وحمل يومئذ باب حصنها على ظهره حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها وأنهم جروه بعد ذلك فلم يحمله إلا أربعون رجلا وفي رواية أنه تناول بابا من الحصن حصن خيبر فتترس به عن نفسه فلم يزل يقاتل وهو في يده حتى فتح الله عليهم ثم ألقاه فأراد ثمانية أن يلقوه فما استطاعوا

الفصل الثاني في فضائله رضي الله عنه وكرم الله وجهه

وهي كثيرة عظيمة شهيرة حتى قال أحمد ما جاء لأحد من الفضائل ما جاء لعلي. وقال إسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر مما جاء في علي. قال بعض المتأخرين من ذرية أهل البيت النبوي وسبب ذلك والله أعلم أن الله تعالى أطلع نبيه على ما يكون بعده مما ابتلي به علي وما وقع من الاختلاف لما آل إليه أمر الخلافة فاقتضى ذلك نصح الأمة بإشهاره بتلك الفضائل لتحصل النجاة لمن تمسك به ممن بلغته ثم لما وقع ذلك الاختلاف والخروج عليه نشر من سمع من الصحابة تلك الفضائل وبثها نصحا للأمة أيضا ثم لما اشتد الخطب واشتغلت طائفة من بني أمية بتنقيصه وسبه على المنا بر ووافقهم الخوارج لعنهم الله بل قالوا بكفره اشتغلت جهابذة الحفاظ من أهل السنة ببث فضائله حتى كثرت نصحا للأمة ونصرة للحق. ثم اعلم أنه سيأتي في فضائل أهل البيت أحاديث مستكثرة من فضائله فلتكن منك على ذكر وإنه مر في كثير من الأحاديث السابقة في فضائل أبي بكر جمل من فضائل علي واقتصرت هنا على أربعين حديثا لأنها من غرر فضائله.

الحديث الأول أخرج الشيخان عن سعد بن وقاص وأحمد والبزار عن أبي سعيد الخدري والطبراني عن أسماء بنت عميس وأم سلمة وحبشي ابن جنادة وابن عمر وابن عباس وجابر بن سمرة وعلي والبراء بن عازب وزيد بن أرقم أن رسول الله خلف علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان فقال ( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ). ومر الكلام على هذا الحديث مستوفى في الثاني عشر من الشبه.

الحديث الثاني أخرج الشيخان أيضا عن سهل بن سعد والطبراني عن ابن عمر وابن أبي ليلى وعمران بن حصين والبزار عن ابن عباس أن رسول الله قال يوم خيبر ( لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ) فبات الناس يذكرون أي يخوضون ويتحدثون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أص بح الناس غدوا على رسول الله كلهم يرجو أن يعطاها فقال ( أين علي بن أبي طالب ) فقيل يشتكي عينيه. قال ( فأرسلوا إليه ) فأتي به فبصق رسول الله في عينيه ودعا له فبرىء حتى كان لم يكن به وجع فأعطاه الراية. وأخرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها كانت فاطمة أحب الن اس إلى رسول الله وزوجها علي أحب الرجال إليه.

الحديث الثالث أخرج مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال لما نزلت هذه الآية ( ندع أبناءنا وأبناءكم ) آل عمران ٦١ دعا رسول الله عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال ( اللهم هؤلاء أهلي ).

الحديث الرابع قال يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه الحديث وقد مر في حادي عشر الشبه وأنه رواه عن النبي ثلاثون صحابيا وأن كثيرا من طرقه صحيح أو حسن ومر الكلام ثم على معناه مستوفى. وروى البيهقي أنه ظهر علي من البعد. فقال ( أنا سيد العالمين وهو سيد العرب ). ورواه الحاكم في صحيحه عن ابن عباس بلفظ ( أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب ). وقال إنه صحيح ولم يخرجاه وله شواهد كلها ضعيفة كما بينه بعض محققي المحدثين. بل جنح الذهبي إلى الحكم على ذلك بالوضع وعلى فرض صحته فسيادته لهم إما من حيث النسب أو نحوه فلا يستلزم أفضليته على الخلفاء الثلاثة قبله لما مر من الأدلة الصريحة في ذلك.

الحديث الخامس أخرج الترمذي والحاكم وصححه عن بريدة قال قال رسول الله ( إن الله أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم ). قيل يا رسول الله سمهم لنا. قال ( علي منهم ) يقول ذلك ثلاثا وأبو ذر والمقداد وسلمان.

الحديث السادس أخرج أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه عن حبشي بن جنادة قال قال رسول الله ( علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي ).

الحديث السابع أخرج الترمذي عن ابن عمر قال آخى النبي بين أصحابه فجاء علي تدمع عيناه فقال يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد. فقال ( أنت أخي في الدنيا والآخرة ).

الحديث الثامن أخرج مسلم عن علي قال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق. وأخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال كنا نعرف المنافقين ببغضهم عليا.

الحديث التاسع أخرج البزار والطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله والطبراني والحاكم والعقيلي في الضعفاء وابن عدي عن ابن عمر والترمذي والحاكم عن علي قال قال رسول الله ( أنا من مدينة العلم وعلي بابها ) وفي رواية ( فمن أراد العلم فليأت الباب ) وفي أخرى عند الترمذي عن علي ( أنا دار الحكمة وعلي بابها ). وفي أخرى عند ابن عدي ( علي باب علمي ). وقد اضطرب الناس في هذا الحديث فجماعة على أنه موضوع منهم ابن الجوزي والنووي وناهيك بهما معرفة بالحديث وطرقه حتى قال بعض محققي المحدثين لم يأت بعد النووي من يدانيه في علم الحديث فضلا عن أن يساويه. وبالغ الحاكم على عادته وقال إن الحديث صحيح وصوب بعض محققي المتأخرين المطلعين من المحدثين أنه حديث حسن ومر الكلام عليه.

الحديث العاشر أخرج الحاكم وصححه عن علي قال بعثني رسول الله إلى اليمن فقلت يا رسول الله بعث تني وأنا شاب أقضي بينهم ولا أدري ما القضاء. فضرب صدري بيده ثم قال ( اللهم اهد قلبه وثبت لسانه ) فوالذي فلق الحبة ما شككت في قضاء بين اثنين. قيل وسبب قوله ( أقضاكم علي ) السابق في أحاديث أبي بكر أن رسول الله كان جالسا مع جماعة من أصحابه فجاء خصمان فقال أحد هما يا رسول الله إن لي حمارا وإن لهذا بقرة وإن بقرته قتلت حماري فبدأ رجل من الحاضرين فقال لا ضمان على البهائم فقال. اقض بينهما يا علي فقال علي لهما أكانا مرسلين أم مشدودين أم أحدهما مشدودا والآخر مرسلا فقال كان الحمار مشدودا والبقرة مرسلة وصاحبها معها فقال علي على صاحب البقرة ضمان الحمار فأقر رسول الله حكمه وأمضى قضاءه.

الحديث الحادي عشر أخرج ابن سعد عن علي أنه قيل له مالك أكثر أصحاب رسول الله حديثا قال إني كنت إذا سألته أنبأني وإذا سكت ابتدأني.

الحديث الثاني عشر أخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله ( الناس من شجر شتى وأنا وعلي من شجرة واحدة ).

الحديث الثالث عشر أخرج البزار عن سعد قال قال رسول الله لعلي ( لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك ).

الحديث الرابع عشر أخرج الطبراني والحاكم وصححه عن أم سلمة قالت كان رسول الله إذا غضب لم يحترىء أحد أن يكلمه إلا علي. الحديث الخامس عشر أخرج الطبراني والحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي قال ( النظر إلى علي عبادة ) إسناده حسن.

الحديث السادس عشر أخرج أبو يعلى والبزار عن سعد بن أبي وقاص قال قال رسول الله ( من آذى عليا فقد آذاني ).

الحديث السابع عشر أخرج الطبراني بسند حسن عن أم سلمة عن رسول الله قال ( من أحب عليا فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ومن أبغض عليا فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله ). الحديث الثامن عشر أخرج أحمد والحاكم وصححه عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله يقول ( من سب عليا فقد سبني ).

الحديث التاسع عشر أخرج أحمد والحاكم بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال لعلي ( إنك تقاتل عن تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ).

الحديث العشرون أخرج البزار وأبو يعلى والحاكم عن علي قال دعاني رسول الله فقال ( إن فيك مثلا من عيسى أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه وأحبته النصارى حتى نزلوه بالمنزلة الذي ليس به ) ألا وإنه يهلك في اثنان محب مفرط يقرظني بما ليس في ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني.

الحديث الحادي والعشرون أخرج الطبراني في الأوسط عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله يقول ( علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض ).

الحديث الثاني والعشرون أخرج أحمد والحاكم بسند صحيح عن عمار بن ياسر أن النبي قال لعلي ( أشقى الناس رجلان أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا علي على هذه يعني قرنه حتى يبل منه هذه يعني لحيته ) وقد ورد ذلك من حديث علي وصهيب وجابر بن سمرة وغيرهم. وأخرج أبو يعلى عن عائشة قالت رأيت النبي التزم عليا وقبله وهو يقول ( بأبي الوحيد الشهيد ). وروى الطبراني وأبو يعلى بسند رجاله ثقات إلا واحدا منهم فإنه موثق أيضا أنه قال له يوما ( من أشقى الأولين ) قال الذي عقر الناقة يا رسول الله. قال صدقت. قال ( فمن أشقى الآخرين ) قال لا علم لي يا رسول الله قال ( الذي يضربك على هذه ) وأشار إلى يافوخه كان علي رضي الله عنه يقول لأهل العراق أي عند تضجره منهم وددت أنه قد انبعث أشقاكم فخضب هذه يعني لحيته من هذه ووض عيده على مقدم رأسه. وصح أيضا أن ابن سلام قال له لا تقدم العراق فإني أخشى أن يصيبك بها ذباب السيف. فقال علي وأيم الله لقد أخبرني به رسول الله قال أبو الأسود فما رأيت كاليوم قط محاربا يخبر بذا عن نفسه.

الحديث الثالث والعشرون أخرج الحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال اشتكى الناس عليا فقام رسول الله فينا خطيبا. فقال ( لا تشكو عليا فوالله إنه لأخيشن في ذات الله أو في سبيل الله ).

الحديث الرابع والعشرون أخرج أحمد والضياء عن زيد بن أرقم أن رسول الله قال ( إني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي فقال فيه قائلكم وإني والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكني أمرت بشيء فاتبعته ). ولا يشكل هذا الحديث بما مر في أحاديث خلافة أبي بكر من أمره بسد الخوخ جميعها إلا خوخة أبي بكر لأن ذلك فيه التصريح بأن أمره بالسد كان في مرض موته وهذا ليس فيه ذلك فيحمل هذا على أمر متقدم على المرض فلأجل ذلك اتضح قول العلماء إن ذاك فيه إشارة إلى خلافة أبي بكر على أن ذاك الحديث أصح من هذا وأشهد.

الحديث الخامس والعشرون أخرج الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين أن رسول الله قال ( ما تريدون من علي ما تريدون من علي ماتريدون من علي إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي ) ومر الكلام في حادي عشر الشبه على هذا الحديث وبيان معناه وما فيه.

الحديث السادس والعشرون أخرج الطبراني عن أنب مسعود أن النبي قال ( إن الله تبارك وتعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي ).

الحديث السابع والعشرون أخرج الطبراني عن جابر والخطيب عن ابن عباس أن النبي قال ( إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب ).

الحديث الثامن والعشرون أخرج الديلمي عن عائشة أن النبي قال ( خير إخوتي علي وخير أعمامي حمزة ).

الحديث التاسع والعشرون أخرج الديلمي أيضا عن عائشة والطبراني وابن مر دويه عن ابن عباس أن النبي قال ( السبق ثلاثة فالسابق إلى موسى يوشع بن نون والسابق إلى عيسى صاحب يس والسابق إلى محمد علي بن أبي طالب ).

الحديث الثلاثون أخرج ابن النجار عن ابن عباس أن النبي قال ( الصديقون ثلاثة حزقيل مؤمن آل فرعون وحبيب النجار صاحب يس وعلي ابن أبي طالب ).

الحديث الحادي والثلاثون أخرج أبو نعيم وابن عساكر عن أبي ليلى أن رسول الله قال ( الصديقون ثلاثة حبيب النجار مؤمن آل يس قال يا قوم اتبعوا المرسلين وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم ).

الحديث الثاني والثلاثون أخرج الخطيب عن أنس أن النبي قال ( عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب ).

الحديث الثالث والثلاثون أخرج الحاكم عن جابر أن النبي قال ( علي إمام البررة وقاتل الفجرة منصور من نصره مخذول من خذله ).

الحديث الرابع والثلاثون أخرج الدارقطني في الأفراد عن ابن عباس أن النبي قال ( علي باب حطة من دخل منه كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا ).

الحديث الخامس والثلاثون أخرج الخطيب عن البراء والديلمي عن ابن عباس أن النبي قال ( علي مني بمنزلة رأسي من بدني ).

الحديث السادس والثلاثون أخرج البيهقي والديلمي عن أنس أن النبي قال ( علي يزهر في الجنة ككوكب الصبح لأهل الدنيا ).

الحديث السابع والثلاثون أخرج ابن عدي عن علي أن النبي قال ( علي يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين ).

الحديث الثامن والثلاثون أخرج البزار عن أنس أن النبي قال ( علي يقضي ديني ).

الحديث التاسع والثلاثون أخرج الترمذي والنسائي والحاكم أن النبي قال ( إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة علي وعمار وسلمان ).

الحديث الأربعون أخرج الشيخان عن سهل أن النبي وجد عليا مضطجعا في المسجد وقد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب فجعل النبي يمسحه عنه ويقول قم أبا تراب. فلذلك كانت هذه الكنية أحب الكنى إليه لأنه كناه بها ومر أن النبي قال ( أربعة لا يجتمع حبهم في قلب منافق ولا يحبهم إلا مؤمن أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ). وأخرجه النسائي والحاكم عن علي أن النبي قال إن كل نبي أعطي سبعة نجباء رفقاء وأعطيت أنا أربعة عشر علي والحسن والحسين وجعفر وحمزة وأبو بكر وعمر. الحديث. وأخرج ابن المظفر وابن أبي الدنيا عن أبي سعيد الخدري قال خرج علينا رسول الله في مرضه الذي توفي فيه ونحن في صلاة الغداة فقال ( إني تركت فيكم كتاب الله عز وجل وسنتي فاستنطقوا القرآن بسنتي فإنه لن تعمى أبصاركم ولن تزل أقدامكم ولن تقصر أيديكم ما أخذتم بهما ثم قال ( أوصيكم بهذين خيرا وأشار إلى علي والعباس لا يكف عنهما أحد ولا يحفظهما علي إلا أعطاه الله نورا حتى يرد به علي يوم القيامة ). وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن عوف قال لما فتح رسول الله مكة انصرف إلى الطائف فحصرها سبع عشرة ليلة أو تسع عشرة ليلة ثم قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ( أوصيكم بعترتي خيرا وإن موعدكم الحوض مني والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة أو لأبعثن إليكم رجلا مني أو كنفسي يضرب أعناقكم ) ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه ثم قال ( هو هذا ) وفيه رجل اختلف في تضعيفه وبقية رجاله ثقات. وفي رواية أنه قال في مرض موته ( أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا قينطلق بي وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ألا إني مخلف فيكم كتاب ربي عز وجل وعترتي أهل بيتي ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض فأسألهما ما خلفت فيهما ). وأخرج أحمد في المناقب عن علي قال طلبني النبي في حائط فضربني برجله وقال ( قم فوالله لأرضيك أنت أخي وأبو ولدي فقاتل على سنتي من مات على عهدي فهو في كنز الجنة ومن مات على عهدك فقد قضى نحبه ومن مات يحبك بعد موتك ختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت ). وأخرج الدارقطني أن عليا قال للستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم كلاما طويلا من جملته أنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله ( يا علي أنت قسيم الجنة والنار يوم القيامة غيري قالوا اللهم لا ). ومعناه ما رواه غيره عن علي الرضا أنه قال له ( أنت قسيم الجنة والنار فيوم القيامة تقول النار هذا لي وهذا لك ). وروى ابن السماك أن أبا بكر قال له رضي الله عنهما سمعت رسول الله يقول ( لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب له علي الجواز ). وأخرج البخاري عن علي رضي الله عنه أنه قال أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة. قال قيس وفيهم نزلت هذه الآية ( هذان خصمان اختصموا في ربهم ) الحج ١٩ قال هم الذين بارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والو ليد بن عتبة

الفصل الثالث في ثناء الصحابة والسلف عليه

أخرج ابن سعد عن أبي هريرة قال قال عمر بن الخطاب علي أقضانا. وأخرج الحاكم عن ابن مسعود قال أقضي أهل المدينة علي وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال إذا حدثنا ثقة عن علي الفتيا لا نعدوها. أي لا نتجاوزها. وأخرج عن سعيد بن المسيب قال كان عمر بن الخطاب يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن يعني عليا. وأخرج عنه قال لم يكن أحد من الصحابة يقول سلوني إلا علي. وأخرج ابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال أفرض أهل المدينة وأقضاها علي. وذكر عند عائشة رضي الله عنها فقالت إنه أعلم من بقي بالسنة. وقال مسروق انتهى علم أصحاب رسول الله إلى عمر وعلي وابن مسعود. وقال عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة كان لعلي ما شئت من ضرس قاطع في العلم وكان له القدم في الإسلام والصهر برسول الله والفقه في السنة والنجدة في الحرب والجود في المال. وأخرج الطبراني وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ما أنزل الله ( يا أيها الذين آمنوا ) إلا وعلي أميرها وشريفها ولقد عاتب الله أصحاب محمد في غير مكان وما ذكر عليا إلا بخير. وأخرج ابن عساكر عنه قال ما نزل في أحد من كتاب الله تعالى ما نزل في علي. وأخرج ابن عساكر عنه قال نزل في علي ثلاثمائة آية. وأخرج الطبراني عنه قال كانت لعلي ثمان عشرة منقبة ما كانت لأحد من هذه الأمة. وأخرج أبو يعلى عن أبي هريرة قال قال عمر بن الخطاب لقد أعطي علي ثلاث خصال لأن تكون لي خصلة منها أحب إلي من حمر النعم فسئل ما هي قال تزويجه ابنته وسكناه في المسجد لا يحل لي فيه ما يحل له والراية يوم خيبر. وروى أحمد بسند صحيح عن ابن عمر نحوه. وأخرج أحمد وأبو يعلى بسند صحيح عن علي قال ما رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله وجهي وتفل في عيني يوم خيبر حين أعطاني الراية. ولما دخل الكوفة دخل عل يه حكم من العرب فقال والله يا أمير المؤمنين لقد زينت الخلافة وما زينتك ورفعتها وما رفعتك وهي كانت أحوج إليك منك إليها. وأخرج السلفي في الطيوريات عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال سألت أبي عن علي ومعاوية فقال اعلم أن عليا كان كثير الأعداء ففتش له أعداؤه شيئا فلم يجدوه فجاؤا إلى رجل قد حاربه وقاتله فأطروه كيدا منهم له

الفصل الرابع في نبذ من كلماته وقضاياه الدالة علىعلو قدره علما وحكمة وزهدا ومعرفة بالله تعالى

أخرج ابن سعد عنه قال والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا ناطقا. وأخرج ابن سعد وغيره عن أبي الطفيل قال قال علي سلوني عن كتاب الله فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم جبل. وأخرج ابن أبي داود عن محمد بن سيرين قال لما توفي رسول الله أبطأ علي عن بيعة أبي بكر فلقيه أبو بكر فقال أكرهت إمارتي فقال لا ولكن آليت لا أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن فزعموا أنه كتبه على تنزيله قال محمد ابن سيرين لو أصبت ذلك الكتاب كان فيه العلم. ومن كراماته الباهرة أن الشمس ردت علي لما كان رأس النبي في حجره والوحي ينزل عليه وعلي لم يصل العصر فما سري عنه إلا وقد غربت الشمس فقال النبي ( اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس ) فطلعت بعدما غربت. وحديث ردها صححه الطحاوي والقاضي في الشفاء وحسنه شيخ الإسلام أبو زرعة وتبعه غيره وردوا على جمع قالوا إنه موضوع وزعم فوات الوقت بغروبها فلا فائدة لردها في محل المنع. بل نقول كما أن ردها خصوصية كذلك إدراك العصر الآن أداء خصوصية وكرامة على أن في في ذلك أعني أن الشمس إذا غربت ثم عادت هل يعود الوقت بعودها ترددا حكيته مع بيان المتجه منه في شرح العباب في أوائل كتاب الصلاة. قال سبط ابن الجوزي وفي الباب حكاية عجيبة حدثني بها جماعة من مشايخنا بالعراق أنهم شاهدوا أبا منصور المظفر بن أردشير القباوي الواعظ ذكر بعد العصر هذا الحديث ونمقه بألفاظه وذكر فضائل أهل البيت فغطت سحابة الشمس حتى ظن الناس أنها قد غابت فقام على المنبر وأومأ إلى الشمس وأنشد.

لا تغربي يا شمس حتى ينتهي ** مدحي لآل المصطفى ولنجله

واثني عنانك إن أردت ثناءهم ** أنسيت إذ كان الوقوف لأجله

إن كان للمولى وقوفك فليكن ** هذا الوقوف لخيله ولرجله

قالوا فانجاب السحاب عن الشمس وطلعت. وأخرج عبد الرزاق عن حجر المرادي قال قال لي علي كيف بك إذا أمرت أن تلعنني قلت أو كائن ذلك قال نعم. قلت فكيف أصنع قال العني ولا تبرأ مني. قال فأمرني محمد بن يوسف أخو الحجاج وكان أميرا من قبل عبد الملك بن مروان على اليمن أن ألعن عليا فقلت إن الأمير أمرني إن ألعن عليا فالعنوه لعنه الله فما فطن لها إلا رجل. أي لأنه إنما لعن الأمير ولم يلعن عليا فهذا من كرامات علي وإخباره بالغيب. ومن كراماته أيضا أنه حدث بحديث فكذبه رجل فقال له أدعو عليك إن كنت كاذبا قال ادع فدعا عليه فلم يبرح حتى ذهب بصره. وأخرج ابن المدائني عن مجمع أن عليا كان يكنس بيت المال ثم يصلى فيه رجاء أن يشهد له أنه لم يحبس فيه المال عن المسلمين. وجلس رجلان يتغديان مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة أرغفة فمر بهما ثالث فأجلساه فأكلوا الأرغفة الثمانية على السواء ثم طرح لهما الثالث ثمانية دراهم عوضا عما أكله من طعامهما فتنازعا فصاحب الخمسة أرغفة يقول إن له خمسة دراهم ولصاحب الثلاثة ثلاثة وصاحب الثلاثة يدعي أن له أربعة ونصفا فاختصما إلى علي فقال لصاحب الثلاثة خذ ما رضي به صاحبك وهو الثلاثة فإن ذلك خير لك. فقال لا رضيت إلا بمر الحق فقال علي ليس لك في مر الحق إلا درهم واحد فسأله عن بيان وجه ذلك فقال علي أليست الثمانية أرغفة أربعة وعشرين ثلثا أكلتموها وأنتم ثلاثة ولا يعلم أكثركم أكلا فتحملون على السواء فأكلت أنت ثمانية أثلاث والذي لك تسعة أثلاث وأكل صاحبك ثمانية أثلاث والذي له خمسة عشر ثلثا فبقي له سبعة ولك واحد فله سبعة بسبعته ولك واحد بواحدك فق ال رضيت الآن. وأتى برجل فقيل له زعم هذا أنه احتلم بأمي. فقال اذهب فأقمه في الشمس فاضرب ظله.

ومن كلامه: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم. لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا. ماهلك امرؤ عرف قدره. قيمة كل امرىء ما يحسنه. من عرف نفسه فقد عرف ربه كذا نسب هذا إليه والمشهور أنه من كلام يحيى بن معاذ الرازي المرء مخبوء تحت لسانه. من عذب لسانه كثر إخوانه. بالبر يستعبد الحر. بشر مال البخيل بحادث أو وارث. لا تنظر الذي قال وانظر إلى ما قال. الجزع عند البلاء تمام المحنة. لا ظفر مع البغي. لا ثناء مع الكبر. ولا صحة مع النهم والتخم. لا شرف مع سوء الأدب. لا راحة مع الحسد. لا سؤدد مع الانتقام. لا صواب مع ترك المشورة. لا مروءة للكذوب. لا كرم أعز من التقى. لا شفيع أنجح من التوبة. لا لباس أجمل من العافية. لا داء أعيى من الجهل. المرء عدو ما جهله. رحم الله امرءا عرف قدره ولم يتعد طوره. إعادة الاعتذار تذكير بالذنب. النصح بين الملأ تقريع. نعمة الجاهل كروضة على مزبلة. الجزع أتعب من الصبر. المسؤول حر حتى يعد. أكبر الأعداء أخفاهم مكيدة. الحكمة ضالة المؤمن. البخل جامع لمساوىء العيوب. إذا حلت المقادير ضلت التدابير. عبد الشهوة أذل من عبد الرق. الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له. كفى بالذنب شفيعا للمذنب. السعيد من وعظ بغيره. الإحسان يقطع اللسان. أفقر الفقر الحمق. أغنى الغنى العقل. الطامع في وثاق الذل. ليس العجب ممن هلك كيف هلك بل العجب ممن نجا كيف نجا. احذروا نفار النعم فما شارد بمردود. أكثر مصارع العقول تحت بروق الأطماع. إذا وصلت إليكم النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر. إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكر القدرة عليه. ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه وعلى صفحات وجهه. البخيل يستعجل الفقر ويعيش في الدنيا عيش الفقراء ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء. لسان العاقل وراء قلبه وقلب الأحمق وراء لسانه. العلم يرفع الوضيع والجهل يضع الرفيع. العلم خير من المال. العلم يحرسك وأنت تحرس المال. العلم حاكم والمال محكوم عليه. قصم ظهري عالم متهتك وجاهل متنسك هذا يفتى وينفر الناس بتهتكه وهذا يضل الناس بتنسكه. أقل الناس قيمة أقلهم علما إذ قيمة كل امرىء ما يحسنه. وكلامه رضي الله عنه في هذا الأسلوب البديع كثير تركته خوف الإطالة. ومن كلامه أيضا كونوا في الناس كالنحلة في الطير إنه ليس في الطير شيء إلا وهو يستضعفها ولو يعلم الطير ما في أجوافها من البركة لم يفعلوا ذلك بها. خالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم وزايلوهم بأعمالكم وقلوبكم فإن للمرء ما اكتسب وهو يوم القيامة مع من أحب. ومنه: كونوا بقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل. فإنه لن يقل عمل مع التقوى وكيف يقل عمل متقبل. ومنه يا حملة القرآن اعملوا به فإن العالم من عمل بما علم ووافق علمه عمله وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم تخالف سريرتهم علانيتهم ويخالف عملهم علمهم يجلسون حلقا فيباهي بعضهم بعضا حتى إن الرجل يغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله. ومنه لا يخافن أحد منكم إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه ولا يستحيي من لا يعلم أن يتعلم ولا يستحيي من يعلم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول أعلم. الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد. ومنه الفقيه كل الفقيه من لا يقنط الناس من نفسه رحمة الله ولا يرخص لهم في معاصي الله ولم يؤمنهم عذاب الله ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره. ومنه لا خير في عبادة لا علم فيها ولا خير في علم لا فهم معه ولا خير في قراءة لا تدبر فيها. ومنه ما أبردها على كبدي إذا سئلت عما لا أعلم أن أ قول الله أعلم. ومنه من أراد أن ينصف الناس من نفسه فليحب لهم ما يحب لنفسه. ومنه سبع من الشيطان شدة الغضب وشدة العطاس وشدة التثاؤب والقيء والرعاف والنجوى والنوم عند الذكر. ومنه الحزم سوء الظن وهو حديث ولفظه ( إن من الحزم سوء الظن ). ومنه التوفيق خير قائد وحسن الخلق خير قرين والعقل خير صاحب والأدب خير ميراث ولا وحشة أشد من العجب. وقال لما سئل عن القدر طريق مظلم لا تسلكه وبحر عميق لا تلجه سر الله قد خفي عليك فلا تفشه. أيها السائل إن الله خلقك كما شاء أو كما شئت قال بل كما شاء. قال فيستعملك كما شاء. وقال إن للنكبات نهايات لا بد لأحد إذا نكب أن ينتهي إليها فينبغي للعاقل إذا أصابته نكبة أن ينام لها حتى تنقضي مدتها فإن في رفعها قبل انقضاء مدتها زيادة في مكروهها. وسئل عن السخاء فقال ما كان منه ابتداء فأما ما كان عن مسألة فحياء وتكرم. وأثنى عليه عدو له فأطراه فقال إني لست كما تقول وأنا فوق ما في نفسك. وقال جزاء المعصية الوهن في العبادة والضيق في المعيشة والنغص في اللذة قيل وما النغص قال لا ينال شهوة حلال إلا جاءه ما ينغصه إياها. وقال له عدوه ثبتك الله فقال على صدرك. ولما ضربه ابن ملجم قال للحسن وقد دخل عليه باكيا يا بني احفظ عني أربعا وأربعا قال وما هن يا أبت قال إن أغنى الغنى العقل وأكبر الفقر الحمق وأوحش الوحشة العجب وأكرم الكرم حسن الخلق. قال فالأربع الأخر قال إياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك وإياك ومصادقة الكذاب فإنه يقرب عليك البعيد ويبعد عليك القريب وإياك ومصادقة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه وإياك ومصادقة الفاجر فإنه يبيعك بالتافه. وقال له يهودي متى كان ربنا فتغير وجهه قال لم يكن فكان هو كان ولا كينونة كان بلا كيف كان ليس له قبل ولا غاية انقطعت الغايات دونه فهو غاية كل غاية فأسلم اليهودي. وافتقد درعا وهو بصفين فوجدها عند يهودي فحاكمه فيها إلى قاضيه شريح وجلس بجنبه وقال لولا أن خصمي يهودي لاستويت معه في المجلس ولكني سمعت رسول الله يقول ( لا تسووا بينهم في المجالس ) وفي رواية ( أصغروهم من حيث أصغرهم الله ) ثم ادعى بها فأنكر اليهودي فطلب شريح بينة من علي فأتى بقنبر والحسن فقال له شريح شهادة الابن لأبيه لا تجوز فقال اليهودي أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه وقاضيه قضى عليه أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وأن الدرع درعك. وأخرج الواقدي عن ابن عباس قال كان مع علي أربعة دراهم لا يملك غيرها فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية فنزل فيه ( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف بم ولا هم يحزنون ) البقرة ٢٧٤. وقال معاوية لضرار بن حمزة صف لي عليا فقال اعفني فقال أقسمت عليك بالله فقال كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من لسانه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته بالنهار وكان غزير الدمعة طويل الفكرة يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن وكان فينا كأحدنا يجي بنا إذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له يعظم أهل الدين ويقرب المساكين لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله وأشهد لقدر رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه قابضا على لحيته يتململ السليم أي اللديغ ويبكي بكاء الحزين ويقول يا دنيا غري غيري ألي أو إلي تشوفت هيهات هيهات قد باينتك ثلاثا لا رجعة فيها فعمرك قصير وخطرك قليل آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. فبكى معاوية وقال رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك. وسبب مفارقة أخيه عقيل له أنه كان يعطيه كل يوم من الشعير ما يكفي عياله فاشتهى عليه أولاده مريسا فصار يوفر كل يوم شيئا قليلا حتى اجتمع عنده ما اشترى به سمنا وتمرا وصنع لهم فدعوا عليا إليه فلما جاء وقدم له ذلك سأل عنه فقصوا عليه ذلك فقال أو كان يكفيكم ذاك بعد الذي عزلتم منه قالوا نعم فنقص عنه مما كان يعطيه مقدار ما كان يعزل كل يوم وقال لا يحل لي أن أزيد من ذلك. فغضب فحمى له حديدة وقربها من خده وهو غافل فتأوه فقال تجزع من هذه وتعرضني لنار جهنم فقال لأذهبن إلى من يعطيني تبرا ويطعمني تمرا فلحق بمعاوية. وقد قال معاوية يوما لولا علم بأني خير له من أخيه ما أقام عندنا وتركه. فقال له عقيل أخي خير لي في ديني وأنت خير لي في دنياي وقد آثرت دنياي وأسأل الله خاتمة خير. وأخرج ابن عساكر أن عقيلا سأل عليا فقال إني محتاج وإني فقير فأعطني قال اصبر حتى يخرج عطاؤك مع المسلمين فأعطيك فألح عليه فقال لرجل خذ بيده وانطلق به إلى حوانيت أهل السوق فقل له دق هذه الأقفال وخذ ما في الحوانيت. قال تريد أن تتخذني سارقا قال وأنت تريد أن تتخذني سارقا أن آخذ أموال المسلمين فأعطيكما دونهم. قال لآتين معاوية. قال أنت قال أنت وذاك فأتى معاوية فسأله فأعطاه مئة ألف ثم قال اصعد على المنبر فاذكر ما أولاك به علي وما أوليتك فصعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إني أخبركم إني أردت عليا على دينه فاختار دينه وإني أردت معاوية على دينه فاختارني على دينه. وقال معاوية لخالد بن معمر لم أحببت عليا علينا قال على ثلاث خصال على حلمه إذا غضب وعلى صدقه إذا قال وعلى عدله إذا حكم. ولما وصل إليه فخر من معاوية قال لغلامه اكتب إليه ثم أملى عليه

محمد النبي أخي وصهري ** وحمزة سيد الشهداء عمي

وجعفر الذي يمسي ويضحي ** يطير مع الملائكة ابن أمي

وبنت محمد سكني وعرسي ** منوط لحمها بدمي ولحمي

وسبطا أحمد ابناي منها ** فأيكمو له سهم كسهمي

سبقتكم إلى الإسلام طرا ** غلاما ما بلغت أوان حلمي

قال البيهقي إن هذا الشعر مما يجب على كل أحد متوان في علي حفظه ليعلم مفاخره في الإسلام. ومناقب علي وفضائله أكثر من أن تحصى. ومن كلام الشافعي رضي الله عنه

إن نحن فضلنا عليا فإننا ** روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل

وفضل أبي بكر إذا ما ذكرته ** رميت بنصب عند ذكري للفضل

فلا زلت ذا رفض ونصب كلاهما ** بحبهما حتى أوسد في الرمل

وقال أيضا رضي الله عنه

قالوا ترفضت قلت كلا ** ما الرفض ديني ولا اعتقادي

لكن توليت غير شك ** خير إمام وخير هادي

إن كان حب الولي رفضا ** فإنني أرفض العباد

وقال أيضا رضي الله عنه

يا راكبا قف بالمحصب من منى ** واهتف بساكن خيفها والناهض

سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى ** فيضا كملتطم الفرات الفائض

إن كان رفضا حب آل محمد ** فليشهد الثقلان إني رافضي

قال البيهقي وإنما قال الشافعي في ذلك حين نسبه الخوارج إلى الرفض حسدا وبغيا. وله أيضا وقد قال له المزني إنك رجل توالي أهل البيت فلو عملت في هذا الباب أبياتا فقال

وما زال كتما منك حتى كأنني ** برد جواب السائلين لأعجم

وأكتم ودي مع صفاء مودتى ** لتسلم من قول الوشاة وأسلم

الفصل الخامس في وفاته رضي الله عنه

سببها أنه لما طال النزاع بينه وبين معاوية رضي الله عنهما انتدب ثلاثة نفر من الخوارج عبد الرحمن بن ملجم المرادي البرك وعمرو التيميين فاجتمعوا بمكة وتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلن هؤلاء الثلاثة عليا ومعاوية وعمرو بن العاص ويريحوا العباد منهم فقال ابن ملجم أنا لكم بعلي وقال البرك أنا لكم بمعاوية وقال عمرو أنا لكم بعمرو وتعاهدوا على أن ذلك يكون ليلة حادي عشر أو ليلة سابع عشر رمضان ثم توجه كل منهم إلى مصر صاحبه. فقدم ابن ملجم الكوفة فلقي أصحابه من الخوارج فكاتمهم ما يريد ووافقه منهم شبيب بن عجرة الأشجعي وغيره فلما كانت ليلة الجمعة سابع عشر رمضان سنة أربعين استيقظ علي سحرا وقال لابنه الحسن رأيت الليلة رسول الله فقلت يا رسول الله ما لقيت من أمتك خيرا فقال لي ادع الله عليهم فقلت اللهم أبدلني بهم خيرا لي منهم وأبدلهم بي شرا لهم مني. وأقبل عليه الأوز يصحن في وجهه فطردوهن فقال دعوهن فإنهن نوائح ودخل عليه المؤذن فقال الصلاة فخرج علي من الباب ينادي أيها الناس الصلاة الصلاة فشد عليه شبيب فضربه بالسيف فوقع سيفه بالباب وضربه ابن ملجم بسيفه فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل دماغه وهرب فشبيب دخل منزله فدخل عليه رجل من بني أمية فقتله. وأما ابن ملجم فشد عليه الناس من كل جانب فلحقه رجل من همدان فطرح عليه قطيفة ثم صرعه وأخذ السيف منه وجاء به إلىعلي فنظر إليه وقال النفس بالنفس إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني وإن سلمت رأيت فيه رأيي. وفي رواية والجروح قصاص. فأمسك وأوثق وأقام علي الجمعة والسبت وتوفي ليلة الأحد وغسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر ومحمد بن الحنفية يصب الماء وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص وصلى عليه الحسن وكبر عليه سبعا ودفن بدار الإمارة بالكوفة ليلا أو بالقرى موضع يزار الآن أو بين منزله والجامع الأعظم أقوال. ثم قطعت أطراف ابن ملجم وجعل في قوصرة وأحرقوه بالنار. وقيل بل أمر الحسن بضرب عنقه ثم حرقت جيفته أم الهيثم بنت الأسود النخعية وكان علي في شهر رمضان الذي قتل فيه يفطر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبد الله بن جعفر ولا يزيد على ثلاث لقم ويقول أحب أن ألقى الله وأنا خميص فلما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها أكثر الخروج والنظر إلى السماء وجعل يقول والله ما كذبت ولا كذبت وإنها الليلة التي وعدت فلما خرج وقت السحر ضربه ابن ملجم الضربة الموعود بها كما قدمنا في أحاديث فضائله. وعمي قبر علي لئلا ينبشه الخوارج. وقال شريك نقله ابنه الحسن إلى المدينة. وأخرج ابن عساكر أنه لما قتل حملوه ليدفنوه مع رسول الله فبينما هم في مسيرهم ليلا إذ ند الجمل الذي عليه فلم يدر أين ذهب ولم يقدر عليه فلذلك يقول أهل العراق هو في السحاب. وقال غيره إن البعير وقع في بلاد طيء فأخذوه ودفنوه. وكان لعلي حين قتل ثلاث وستون سنة وقيل أربع وستون وقيل خمس وستون وقيل سبع وخمسون وقيل ثمان وخمسون. وسئل وهو على المنبر بالكوفة عن قوله تعالى ( رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) الأحزاب ٢٣ فقال اللهم غفرا هذه الآية نزلت في وفي عمي حمزة وفي ابن عمي عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب فأما عبيدة فقضى نحبه شهيدا يوم بدر وحمزة قضى نحبه شهيدا يوم أحد وأما أنا فأنتظر أشقاها يخضب هذه من هذه وأشار بيده إلى لحيته ورأسه عهد عهده إلي حبيبي أبو القاسم. ولما أصيب دعا الحسن والحسين رضي الله عنهم فقال لهما أوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا وإن بغتكما ولا تبكيا على شيء زوي منها عنكما وقولا الحق وارحما اليتيم وأع ينا الضعيف واصنعا للآخرة وكونا للظالم خصما وللمظلوم أنصارا واعملا لله ولا تأخذكما في الله لومة لائم ثم نظر إلى ولده محمد ابن الحنفية فقال له هل حفظت ما أوصيت به أخويك قال نعم. فقال أوصيك بمثله وأوصيك بتوقير أخويك لعظم حقهما عليك ولا توثق أمرا دونهما ثم قال أوصيكما به فإنه أخوكما وابن أبيكما وقد علمتما أن أباكما كان يحبه. ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله إلى أن قبض كرم الله وجهه. وروي أن عليا جاءه ابن ملجم يستحمله فحمله ثم قال رضي الله عنه

أريد حياته ويريد قتلي ** عذيرك من خليلك من مراد

ثم قال هذا والله قاتلي فقيل له ألا تقتله فقال فمن يقتلني. وفي المستدرك عن السدي قال كان ابن ملجم عشق امرأة من الخوارج يقال لها قطام فنكحها وأصدقها ثلاثة آلاف درهم وقتل علي وفي ذلك يقول الفرزدق

فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة ** كمهر قطام بينا غير معجم - وفي رواية من فصيح وأعجم

ثلاثة آلاف وعبد وقينة ** وضرب علي بالحسام المصمم

فلا مهر أعلى من علي وإن علا ** ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم

الباب العاشر في خلافة الحسن وفضائله ومزاياه وكراماته

وفيه فصول

الفصل الأول في خلافته

هو آخر الخلفاء الراشدين بنص جده ولي الخلافة بعد قتل أبيه بمبايعة أهل الكوفة فأقام بها ستة أشهر وأياما خليفة حق وإمام عدل وصدق تحقيقا لما اخبر به جده الصادق المصدوق بقوله ( الخلافة بعدي ثلاثون سنة ). فإن تلك الستة الأشهر هي المكملة لتلك الثلاثين فكانت خلافته منصوصا عليها وقام عليها إجماع من ذكر فلا مرية في حقيتها ولذا أناب معاوية عنه وأقر له معاوية بذلك كما ستعلمه مما يأتي قريبا في خطبته حيث قال إن معاوية نازعني حقا وهو لي دونه. وفي كتاب الصلح والنزول عن الخلافة لمعاوية. وبعد تلك الأشهر الستة سار إلى معاوية في أربعين ألفا وسار إليه معاوية فلما تراءى الجمعان علم الحسن أنه لن يغلب أحد الفئتين حتى يذهب أكثر الأخرى فكتب إلى معاوية بخبر أنه يصير الأمر إليه على أن تكون له الخلافة من بعده وعلى أن لا يطلب أحدا من أهل المدينة والحجاز والعراق بشيء مما كان أيام أبيه وعلى أن يقضي عنه ديونه فأجابه معاوية إلى طلب إلا عشرة فلم يزل يراجع حتى بعث إليه برق أبيض وقال اكتب ما شئت فيه فأنا ألتزمه. كذا في كتب السير. والذي في صحيح البخاري عن الحسن البصري رضي الله عنه قال استقبل الحسن بن علي معاوية بكتائب لا أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص لمعاوية إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها فقال معاوية وكان والله خير الرجلين أي عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور المسلمين من لي بنسائهم من لي بضيعتهم فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس عبد الرحمن بن سمرة وعبد الرحمن بن عامر فقال اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه فدخلا عليه وتكلما وقالا له وطلبا إليه فقال لهما الحسن بن علي رضي الله عنهما إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وإن هذه الأمة قد عامت في دمائها. قالا له فإنه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب إليك ويسألك. قال من لي بهذا قالا نحن لك به. فما سألهما شيئا إلا قالا نحن لك به فصالحه. انتهى. ويمكن الجمع بأن معاوية أرسل إليه أولا فكتب الحسن إليه يطلب ما ذكر ولما تصالحا كتب به الحسن كتابا لمعاوية صورته:

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه الحسن بن علي رضي الله عنهما معاوية بن أبي سفيان. صالحه على أن يسلم إليه ولاية المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعالى في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه وأن لا يبتغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول الله غائلة سرا ولا جهرا ولا يخيف أحدا منهم في أفق من الآفاق. أشهد عليه فلان وفلان بن فلان وكفى بالله شهيدا. ولما انبرم الصلح التمس معاوية من الحسن أن يتكلم بجمع من الناس ويعلمهم أنه قد بايع معاوية وسلم إليه الأمر فأجابه إلى ذلك فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه محمد وقال أيها الناس إن أكيس الكيس التقى وأحمق الحمق الفجور... إلى أن قال وقد علمتم أن الله تعالى جل ذكره وعز اسمه هداكم بجدي وأنقذكم من الضلالة وخلصكم من الجهالة وأعزكم به بعد الذلة وكثركم به بعد القلة إن معاوية نازعني حقا هو لي دونه فنظرت إصلاح الأمة وقطع الفتنة وقد كنتم بايعتموني علىأن تسالموا من سالمني وتحاربوا من حاربني فرأيت أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه وقد بايعته ورأيت أن حقن الدماء خير من سفكها ولم أرد بذلك إلا صلاحكم وبقاءكم وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين. ومما شرح الله به صدره في هذا الصلح ظهور معجزة النبي في قوله في حق الحسن ( إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ). /رواه البخاري /. وأخرج الدولابي أن الحسن قال إن كانت جماجم العرب بيدي يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت فتركتها ابتغاء وجه الله وحقن دماء المسلمين. وكان نزوله عنها سنة إحدى وأربعين في شهر ربيع الأول وقيل الآخر وقيل في جمادى الأولى فكان أصحابه يقولون له يا عار المؤمنين. فيقول العار خير من النار. وقال رجل السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال لست بمذل المؤمنين ولكني كرهت أن أقتلكم على الملك. ثم ارتحل من الكوفة إلىالمدينة وأقام بها

الفصل الثاني في فضائله رضي الله عنه

الحديث الاول أخرج الشيخان عن البراء قال رأيت رسول الله والحسن على عاتقه وهو يقول ( اللهم إني أحبه فأحبه ).

الحديث الثاني أخرج البخاري عن أبي بكرة قال سمعت رسول الله على الم نبر والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة ويقول ( إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين ).

الحديث الثالث أخرج عن ابن عمر قال قال النبي ( هما ريحانتاي من الدنيا ) يعني الحسن والحسين.

الحديث الرابع أخرج الترمذي والحاكم عن أبي سع يد الخدري قال قال رسول الله ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ).

الحديث الخامس أخرج الترمذي عن أسامة بن زيد قال رأيت رسول الله والحسن والحسين على وركيه فقال ( هذان ابناي وابنا ابنتي اللهم إني أحبهما وأحب من يحبهما ).

الحديث السادس أخرج الترمذي عن أنس قال سئل رسول الله أي أهل بيتك أحب إليك قال ( الحسن والحسين ).

الحديث السابع أخرج الحاكم عن ابن عباس قال أقبل النبي وقد حمل الحسن على رقبته فلقيه رجل المركب فقال نعم الركب ركبت يا غلام فقال رسول الله ( ونعم الراكب هو ).

الحديث الثامن أخرج ابن سعد عن عبد الله بن الزبير قال أشبه أهل النبي به وأحبهم إليه الحسن رأيته يجيء وهو ساجد فيركب رقبته أو قال ظهره فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل ولقد رأيته وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر.

الحديث التاسع أخرج ابن سعد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال كان رسول الله يدفع لسانه للحسن بن علي فإذا رأى الصبي حمرة اللسان يهش إليه.

الحديث العاشر أخرج الحاكم عن زهير بن الأقمر قال قام الحسن بن علي يخطب فقام رجل من أزد شنوءة فقال أشهد لقد رأيت رسول الله واضعه على حبوته وهو يقول ( من أحبني فليحبه وليبلغ الشاهد الغائب ) ولولا كرامة النبي ما حدثت به أحدا.

الحديث الحادي عشر أخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي بكرة قال كان النبي يصلي بنا فيجيء الحسن وهو ساجد وهو إذ ذاك صغير فيجلس على ظهره مرة ومرة على رقبته فيرفعه النبي رفعا رفيقا فلما فرغ من الصلاة قالوا يا رسول الله إنك تصنع بهذا الصبي شيئا لا تصنعه بأحد. فقال النبي ( إن هذا وإن هذا رحانتي ابني سيد وحسبي أن يصلح الله تعالى به بين فئتين من المسلمين ).

الحديث الثاني عشر أخرج الشيخان عن أبي هريرة أن النبي قال ( اللهم إني أحبه وأحب من يحبه ) يعني الحسن. وفي رواية ( اللهم إني إحبه فأحبه وأحب من يحبه ). قال أبو هريرة فما كان أحد أحب إلي من الحسن بعد أن قال رسول الله ما قال. وفي حديث أبي هريرة أيضا عند الحافظ السلفي فقال ما رأيت الحسن بن علي قط إلا فاضت عيناي دموعا وذلك أن رسول الله خرج يوما وأنا في المسجد فأخذ بيدي واتكأ علي حتى جئنا سوق بني قينقاع فنظر فيه ثم رجع حتى جلس في المسجد ثم قال ادع ابني قال فأتى الحسن بن علي يشتد حتى وقع في حجره فجعل رسول الله يفتح فمه ثم يدخل فمه في فمه ويقول ( اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه ) ثلاث مرات. وروى أحمد ( من أحبني وأحب هذين يعني حسنا وحسينا وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة ) ورواه الترمذي بلفظ ( كان معي في الجنة. وقال /حديث غريب /. وليس المراد بالمعية هنا المعية من حيث المقام بل من جهة رفع الحجاب نظير ما في قوله تعالى ( فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) النساء ٦٩

الفصل الثالث في بعض مآثره

كان رضي الله عنه سيدا كريما حليما زاهدا ذا سكينة ووقار وحشمة جوادا ممدوحا وسيأتي بسط شيء من ذلك. أخرج أبو نعيم في الحلية أنه قال إني لأستحيي من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته. فمشى عشرين حجة. وأخرج الحاكم عن عبد الله بن عمر قال لقد حج الحسن خمسا وعشرين حجة ماشيا وإن النجائب لتقاد بين يديه. وأخرج أبو نعيم أنه خرج من ماله مرتين وقاسم الله تعالى ماله ثلاث مرات حتى أنه كان ليعطي نعلا ويمسك نعلا ويعطي خفا ويمسك خفا. وسمع رجلا يسأل ربه عز وجل عشرة آلاف درهم فبعث بها إليه. وجاءه رجل يشكو إليه حاله وفقره وقلة ذات يده بعد أن كان مثريا فقال يا هذا حق سؤالك يعظم لدي معرفتي بما يجب لك ويكبر علي ويدي تعجز عن نيلك ما أنت أهله والكثير في ذات الله قليل وما في ملكي وفاء لشكرك فإن قبلت الميسور ورفعت عني مؤنة الاحتفال والاهتمام لما أتكلفه فعلت. فقال يا ابن بنت رسول الله أقبل القليل وأشكر العطية وأعذر على المنع. فأحضر الحسن وكيله وحاسبه وقال هات الفاضل. فأحضر خمسين ألف درهم وقال ما فعلت في الخمسمائة دينار التي معك قال هي عندي قال أحضرها فأحضرها. فدفعها والخمسين ألفا إلى الرجل واعتذر منه. وإضافته هو والحسين وعبد الله بن جعفر عجوز فأعطاها ألف دينار وألف شاة وأعطاها الحسين مثل ذلك وأعطاها عبد الله بن جعفر مثلهما ألفي شاة وألفي دينار. وأخرج البزار وغيره عنه أنه لما استخلف بينما هو يصلي إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر وهو ساجد ثم خطب الناس فقال يا أهل العراق اتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم وضيفانكم ونحن أهل البيت الذين قال الله فيهم ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) الأحزاب ٢٣ فما زال يقولها حتى ما بقي أحد في المسجد إلا وهو يبكي. وأخرج ابن سعد عن عمير بن إسحاق أنه لم يسمع منه كلمة فحش إلا مرة كان بينه وبين عمرو بن عثمان بن عفان خصومة في أرض فقال ليس له عندنا إلا ما أرغم أنفه. قال فهذه أشد كلمة فحش سمعتها منه. وأرسل إليه مروان يسبه وكان عاملا على المدينة ويسب عليا كل جمعة على المنبر فقال الحسن لرسوله ارجع إليه فقل له إني والله لا أمحو عنك شيئا مما قلت بأن أسبك ولكن موعدي وموعدك الله فإن كنت صادقا فجزاك الله خيرا بصدقك وإن كنت كاذبا فالله أشد نقمة. وأغلظ عليه مروان مرة وهو ساكت ثم امتخط بيمينه فقال له الحسن ويحك أما علمت أن اليمين للوجه والشمال للفرج أف لك. فسكت مروان. وكان رضي الله عنه مطلاقا للنساء وكان لا يفارق امرأة إلا وهي تحبه وأحصن تسعين امرأة. وأخرج ابن سعد عن علي أنه قال يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن فإنه رجل مطلاق. فقال رجل من همدان لنزوجنه فما رضي أمسك وما كره طلق. ولما مات بكى مروان في جنازته فقال له الحسين أتبكيه وقد كنت تجرعه ما تجرعه فقال إني كنت أفعل ذلك إلى أحلم من هذا وأشار بيده إلى الجبل. وأخرج ابن عساكر أنه قيل له إن أبا ذر يقول الفقر أحب إلي من الغنى والسقم أحب إلى من الصحة إلي فقال رحم الله أبا ذر أما أنا فأقول من اتكل إلى حسن اختيار الله لم يتمن أنه في غير الحالة التي اختار الله له. وكان عطاؤه كل سنة مائة ألف فحبسها عنه معاوية في بعض السنين فحصل له إضافة شديدة. قال فدعوت بداوة لأكتب إلى معاوية لأذكره نفسي ثم أمسكت فرأيت رسول الله في المنام فقال كيف أنت يا حسن فقلت بخير يا أبت وشكوت إليه تأخر المال عني فقال أدعوت بدواة لتكتب إلى مخلوق مثلك تذكره ذلك قلت نعم يا رسول الله فكيف أصنع فقال قل اللهم اقذف في قلبي رجاءك واقطع رجائي عمن سواك حتى لا أرجو أحدا غيرك اللهم وما ضعفت عنه قوتي وقصر عنه عملي ولم تنته إليه رغبتي ولم تبلغه مسألتي ولم يجر على لساني مما أعطيت أحدا من الأولين والآخرين من اليقين فخصني به يا أرحم الراحمين. قال فوالله ما ألححت فيه أسبوعا حتى بعث إلي معاوية بألف ألف وخمسمائة ألف فقلت الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ولا يخيب من دعاه فرأيت النبي في المنام فقال ( يا حسن كيف أنت ) فقلت بخير يا رسول الله وحدثته بحديثي فقال ( يا بني هكذا من رجا الخالق ولم يرج المخلوق ). ولما احتضر قال لأخيه يا أخي إن أباك قد استشرف لهذا الأمر فصرفه الله عنه ووليها أبو بكر ثم استشرف لها وصرفت عنه إلى عمر ثم لم يشك وقت الشورى أنها لا تعدوه فصرفت عنه إلى عثمان فلما قتل عثمان بويع ثم نوزع حتى جرد السيف فما صفت له وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا النبوة والخلافة فلا أعرفن بما استخفك سفهاء الكوفة فأخرجوك. وقد كنت طلبت إلى عائشة رضي الله عنها أن أدفن مع رسول الله فقالت نعم فإذا مت فأطلب ذلك إليها وما أظن القوم إلا سيمنعونك فإن فعلوا فلا تراجعهم. فلما مات أتى الحسين عائشة رضي الله عنها فقالت نعم وكرامة فمنعهم مروان فلبس الحسين ومن معه السلاح حتى رده أبو هريرة ثم دفن بالبقيع إلى جنب أمه رضي الله عنهما. وكان سبب موته أن زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي دس إليها يزيد أن تسمه ويتزوجها وبذل لها مائة ألف درهم ففعلت فمرض أربعين يوما فلما مات بعثت إلى يزيد تسأله الوفاء بما وعدها فقال لها إنا لم نرضك للحسن فنرضاك لأنفسنا. وبموته مسموما شهيدا جزم غير واحد من المتقدمين كقتادة وأبي بكر بن حفص والمتأخرين كالزبن العراقي في مقدمة شرح التقريب. وكانت وفاته سنة بسع وأربعين أو خمسين أو إحدى وخمسين أقوال والأكثرون على الثاني كما قاله جماعة وغلط الواقدي ما عدا الأول سيما من قال سنة ست وخمسين. ومن قال سنة تسع وخمسين. وجهد به أخوه أن يخبره بمن سقاه فلم يخبره وقال الله أشد نقمة إن كان الذي أظن وإلا فلا يقتل بي والله برىء. وفي رواية يا أخي قد حضرت وفاتي ودنا فراقي لك وإني لاحق بربي وأجد كبدي تقطع وإني لعارف من أين دهيت فأنا أخاصمه إلى الله تعالى فبحقي عليك لا تكلمت في ذلك بشيء فأذا أذا قض يت نحبي فقمصني وغسلني وكفني واحملني على سريري إلى قبر جدي رسول الله أجدد به عهدا ثم ردني إلى قبر جدتي فاطمة بنت أسد فاطمة بنت أسد فادفني هناك وأقسم عليك بالله أن لا تريق في أمري محجمة دم. وفي رواية إني يا أخي سقيت السم ثلاث مرات لم أسقه مثل هذه المرة. فقال من سقاك قال ما سؤالك عن هذا تريد أن تقاتلهم أكل أمرهم إلى الله. أخرجه ابن عبد البر. وفي أخرى لقد سقيت السم مرارا ما سقيته مثل هذه المرة ولقد لفظت طائفة من كبدي فرأيتني أقلبها بعود فقال له الحسين أي أخي من سقاك قال وما تريد إليه أتريد أن تقتله قال نعم. قال لئن كان الذي أظن فالله أشد نقمة وإن كان غيره فلا يقتل بي بريء. ورأى كأن مكتوبا بين عينيه ( قل هو الله أحد ) فاستبشر به هو وأهل بيته فقصوها على ابن المسيب فقال إن صدقت رؤياه فقل ما بقي من أجله فما بقي إلا أياما حتى مات. وصلى عليه سعيد بن العاص لأنه كان واليا على المدينة من قبل معاوية ودفن عند جدته بنت أسد بقبته المشهورة وعمره سبع وأربعون سنة كان منها مع رسول الله سبع سنين ثم مع أبيه ثلاثون سنة ثم خليفة ستة أشهر ثم تسع سنين ونصف سنة بالمدينة رضي الله عنه

الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي

وفيه فصول ولنقدم على ذلك أصله وهو تزويج النبي فاطمة من علي كرم الله وجههما وذلك أواخر السنة الثانية من الهجرة على الأصح وكان سنها خمس عشرة سنة ونحو نصف سنة وسنة إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ولم يتزوج عليها حتى ماتت وأراده فمنعه خوفا عليها لشدة غيرتها عن أنس كما عند ابن أبي حاتم ولأحمد نحوه قال جاء أبو بكر وعمر يخطبان فاطمة إلى النبي فسكت ولم يرجع إليهما شيئا فانطلقا إلى علي كرم الله وجهه يأمرانه بطلب ذلك. قال علي فنبهاني لأمر فقمت أجر ردائي حتى أتيت إلى النبي فقلت تزوجني فاطمة قال وعندك شيء قلت فرسي وبدني فقال أما فرسك فلا بدلك منها وأما بدنك فبعها فبعتها بأربعمائة وثمانين فجئته بها فوضعها في حجره فقبض منها قبضة فقال أي بلال ابتع لنا بها طيبا وأمرهم أن يجهزوها فجعل لها سرير مشروط ووسادة من أدم حشوها ليف. وقال لعلي إذا أتتك فلا تحدث شيئا حتى آتيك فجاءت مع أم أيمن فقعدت في جانب البيت وأنا في جانب وجاء رسول الله فقال ههنا أخي فقالت أم أيمن أخوك وقد زوجته ابنتك قال نعم ودخل فقال لفاطمة ائتيني بماء فقامت إلى قعب في البيت فأتت فيه بماء فأخذه ومج فيه ثم قال لها تقدمي فتقدمت فنضح بين ثدييها وعلى رأسها وقال اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ثم قال لها أدبري فأدبرت فصب بين كتفيها ثم فعل مثل ذلك بعلي ثم قال ادخل بأهلك بسم الله والبركة. وفي رواية أخرى عن أنس أيضا عند أبي الخير القزويني الحاكمي خطبها علي بعد أن خطبها أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهم فقال قد أمرني ربي بذلك قال أنس ثم دعاني النبي بعد أيام فقال ادع أبا بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن وعدة من الأنصار فلما اجتمعوا وأخذوا مجالسهم وكان علي غائبا قال ( الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب من عذابه وسطوته النافذ أمره في سمائه وأرضه الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بأحكامه وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه محمد إن الله تبارك اسمه وتعالت عظمته جعل المصاهرة سببا لاحقا وأمرا مفترضا أوشج به الأرحام أي ألف بينها وجعلها مختلطة مشتبكة وألزمها الأنام فقال عز من قائل ( وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نس با وصهرا وكان ربك قديرا ) الفرقان ٥٤ فأمر الله تعالى يجري إلى قضائه وقضاؤه يجري إلى قدره ولكل قضاء قدر ولكل قدر أجل ولكل أجل كتاب ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) الرعد ٣٩ ثم إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي بن أبي طالب فاشهدوا أني قد زوجته على أربعمائة مثقال فضة إن رضي بذلك علي ). ثم دعا بطبق من بسر ثم قال انتهبوا فانتهبنا ودخل علي فتبسم النبي في وجهه ثم قال ( إن الله عز وجل أمرني أن أزوجك فاطمة على أربعمائة مثقال فضة أرضيت بذلك ) قال قد رضيت بذلك يا رسول الله. فقال ( جمع الله شملكما وأعز جدكما وبارك عليكما وأخرج منكما كثيرا طيبا ). قال أنس فوالله لقد أخرج الله منهما الكثير الطيب.

تنبيه ظاهر هذه القصة لا يوافق مذهبنا من اشتراط الإيجاب والقبول فورا بلفظ التزويج أو النكاح دون نحو رضيت واشتراط عدم التعليق لكنها واقعة حال محتملة أن عليا قبل فورا لما بلغه الخبر. وعندنا أن من زوج غائبا بإيجاب صحيح كما هنا فبلغه الخبر فقال فورا قبلت تزويجها أو قبلت نكاحها صح. وقوله إن رضي بذلك. ليس تعليقا حقيقيا لأن الأمر منوط برضا الزوج وإن لم يذكر فذكره تصريح بالواقع ووقع لبعض الشافعية ممن لم يتقن الفقه هنا كلام غير ملائم فليجتنب.

تنبيه آخر أشار الذهبي في الميزان إلى أن هذه الرواية كذب فقال في ترجمة محمد بن دينار راوي الحديث أتى بحديث كذب ولا ندري من هو. انتهى. قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر في لسان الميزان والخبر المذكور أسنده عن أنس قال بينا أنا عند النبي إذ غشيه الوحي فلما سري عنه قال ( إن ربي أمرني أن أزوج فاطمة من علي فانطلق فادع أبا بكر وعمر ) وسمى جماعة من المهاجرين وبعددهم من الأنصار فلما أخذوا مجالسهم خطب النبي فقال ( الحمد لله المحمود بنعمته ) فذكر الخطبة والعقد وقدر الصداق وذكر البشر والدعاء. أخرجه ابن عساكر في ترجمته عن أبي القاسم النسيب بسند له إلى محمد بن نهار بن أبي المحياة عن عبد الملك بن خيار ابن عم يحيى بن معين عن محمد هذا عن هشيم عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس. قال ابن عساكر غريب ثم نقل عن محمد بن طاهر أنه ذكره في تكملة الكامل والر اوي فيه جهالة. انتهى. وبه يعلم أن إطلاق الذهبي كونه كذبا فيه نظر وإنما هو غريب في سنده مجهول وسيأتي في الآية الثانية عشرة بسط يتعلق بذلك وفيه عن النسائي بسند صحيح ما يرد على الذهبي ويبين أن للقصة أصلا أصيلا فليكن منك على ذكر

الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم

الآية الأولى قال الله تعالى ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) الأحزاب ٣٣. أكثر المفسرين على أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين لتذكير ضمير عنكم وما بعده. وقيل نزلت في نسائه لقوله ( واذكرن ما يتلى في بيوتكن ) الأحزاب ٣٤ ونسب لابن عباس ومن ثم كان مولاه عكرمة ينادي به في السوق. وقيل المراد النبي وحده وقال آخرون نزلت في نسائه لأنهم في بيت سكناه ولقوله تعالى ( واذكرن ما يتلى في بيوتكن ) وأهل بيته نسبة وهم من تحرم الصدقة عليهم. واعتمده جمع ورجحوه وأيده ابن كثير بأنهن سبب النزول وهو داخل قطعا إما وحده على قوله أو مع غيره على الأصح. وورد في ذلك أحاديث منها ما يصلح متمسكا للأول ومنها ما يصلح متمسكا للآخر وهو أكثرها فلذا كان هو المعتمد كما تقرر. ولنذكر من تلك الأحاديث جملة فنقول أخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت في خمسة النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين. وأخرجه ابن جرير مرفوعا بلفظ ( أنزلت هذه الآية في خمسة في وفي علي والحسن والحسين وفاطمة ). وأخرجه الطبراني أيضا. ولمسلم أنه أدخل أولئك تحت كساء عليه وقرأ هذه الآية. وصح أنه جعل على هؤلاء كساء وقال ( اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي أي خاصتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ) فقالت أم سلمة وأنا معهم قال ( إنك على خير ). وفي رواية أنه قال بعد تطهيرا ( أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم ). وفي أخرى ألقى عليهم كساء ووضع يده عليهم ثم قال ( اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد إنك حميد مجيد ). وفي أخرى أن الآية نزلت ببيت أم سلمة فأرسل إليهم وجللهم بكساء ثم قال نحو ما مر وفي أخرى أنهم جاءوا واجتمعوا فنزلت فإن صحتا حمل على نزولها مرتين. وفي أخرى أنه قال ( اللهم أهلي اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ) ثلاثا وأن أم سلمة قالت له ألست من أهلك قال بلى وأنه أدخلها في الكساء بعدما قضى دعاءه لهم. وفي أخرى أنه لما جمعهم ودعا لهم بأطول مما مر قال واثلة وعلي يا رسول الله فقال ( اللهم وعلى واثلة ). وفي رواية صحيحة قال واثلة وأنا من أهلك قال وأنت من أهلي قال واثلة إنها لمن أرجى ما أرجو. قال البيهقي وكأنه جعله في حكم الأهل تشبيها بمن يستحق هذا الاسم لا تحقيقا. وأشار المحب الطبري إلى أن هذا الفعل تكرر منه في بيت أم سلمة وبيت فاطمة وغيرهما وبه جمع بين اختلاف الروايات في هيئة اجتماعهم وما جللهم به وما دعا به لهم وما أجاب به واثلة وأم سلمة ويؤيد ذلك رواية أنه قال نحو ذلك لهؤلاء وهم في بيت فاطمة وفي رواية أنه ضم إلى هؤلاء بقية بناته وأقاربه وأزواجه وصح عن أم سلمة فقلت يا رسول الله أما أنا من أهل بيتك فقال بلى إن شاء الله. وذهب الثعلبي إلى أن المراد من أهل البيت في الآية جميع بني هاشم. ويؤيده الحديث الحسن أنه اشتمل على العباس وبنيه بملاءة ثم قال ( يا رب هذا عمي وصنو أبي وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من الناسر كستري إياهم بملاءتي هذه ) فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت فقالت آمين ثلاثا. وفي رواية فيها من وثقه ابن معين وضعفه غيره ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا وذلك قوله عز وجل ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) الأحزاب ٣٣. والحاصل أن أهل بيت السكنى داخلون في الآية لأنهم المخاطبون بها ولما كان أهل بيت النسب تخفى إرادتهم منها بين بما فعله مع من مر أن المراد من أهل البيت هنا ما يعم أهل بيت سكناه كأزواجه وأهل بيت نسبه وهم جميع بني هاشم والمطلب وقد ورد عن الحسن من طرق بعضها سنده حسن وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فبيت النسب مراد في الآية كبيت السكنى ومن ثم أخرج مسلم عن زيد ابن أرقم أنه لما سئل أنساؤه من أهل بيته فقال نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الله الصدقة عليهم. فأشار إلى أن نساءه من أهل بيت سكناه الذين امتازوا بكرامات وخصوصيات أيضا لا من أهل بيت نسبه وإنما أولئك من حرمت عليهم الصدقة. ثم هذه الآية منبع فضائل أهل البيت النبوي لاشتمالها على غرر من مآثرهم والاعتناء بشأنهم حيث ابتدئت بإنما المفيدة لحصر إرادته تعالى في أمرهم على إذهاب الرجس الذي هو الإثم أو الشك فيما يجب الإيمان به عنه وتطهيرهم من سائر الأخلاق والأحوال المذمومة. وسيأتي في بعض الطرق تحر يمهم على النار وهو فائدة ذلك التطهير وغايته إذ منه إلهام الإنابة إلى الله تعالى وإدامة الأعمال الصالحة ومن ثم لما ذهبت عنهم الخلافة الظاهرة لكونها صارت ملكا ولذا لم تتم للحسن عوضوا عنها بالخلافة الباطنة حتى ذهب قوم إلى ان قطب الأولياء في كل زمن لا يكون إلا منهم وممن قال يكون من غيرهم الأستاذ أبو العباس المرسي كما نقله عنه تلميذه التاج ابن عطاء الله. ومن تطهيرهم تحريم صدقة الفرض بل والنفل على قول لمالك عليهم لأنها أوساخ الناس مع كونها تنبىء عن ذل الآخذ وعز المأخوذ منه وعوضوا عنها خمس خمس الفيء والغنيمة المنبىء عن عز الآخذ وذل المأخوذ منه ومن ثم كان المعتمد دخول أهل بيت النسب في الآية ولذا اختصوا بمشاركته في تحريم صدقة الفرض والزكاة والنذر والكفارة وغيرها. وخالف بعض المتأخرين فبحث أن النذر كالنفل وليس كما قال وامتاز بحرمة النفل وإن كان على جهة عامة أو غير مت قوم على الأصح واختار الماوردي حل صلاته في المساجد وشربه من سقاية زمزم وبئر رومة واستدل الشافعي رضي الله عنه لحل النفل لهم بقول الباقر لما عوتب في شربه من سقايات بين مكة والمدينة إنما حرم علينا الصدقة المفروضة. ووجهه أن مثله لا يقال من قبل الرأي لتعلقه بالخصائص فيكون مرسلا لأن الباقر تابعي جليل وقد اعتضد مرسله بقول أكثر أهل العلم وتحريم ذلك يعم بني هاشم والمطلب مواليهم قيل وأزواجه وهو ضعيف وإن حكى ابن عبد البر الإجماع عليه ولزوم نفقتهن بعد الموت لا يحرم الأخذ إلا من جهة الفقر والمسكنة بخلافه بجهة أخرى كدين أو سفر كما هو مقرر في الفقه وفي خبر أنها تحل لبعض بني هاشم من بعض لكنه ضعيف مرسل فلا حجة فيه. وشربه من سقاية زمزم واقعة حال تحتمل أن الماء الذي فيها من نزعه أو نزع مأذونه فلم يتحقق أنه من صدقة العباس. وحكمة ختم الآية بتطهير المبالغة في وصولهم لأعلاه وفي رفع التجوز عنه ثم تنويه تنوين التعظيم والتكثير والإعجاز المفيد إلى أنه ليس من جنس ما يتعارف ويؤلف ثم أكد ذلك كله بتكرير طلب ما في الآية لهم بقوله ( اللهم هؤلاء أهل بيتي ) إلى آخر ما مر وبإدخاله نفسه معهم في العد لتعود عليهم بركة اندراجهم في سلكه بل في رواية أنه اندرج معهم جبريل وميكائيل إشارة إلى علي قدرهم وأكده أيضا بطلب الصلاة عليهم بقوله ( فاجعل صلاتك... ) إلى آخر ما مر وأكده أيضا بقوله ( أنا حرب لمن حاربهم... ) إلى آخر ما مر أيضا وفي رواية أنه قال بعد ذلك ( ألا من آذى قرابتي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تعالى ). وفي أخرى ( والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد بي حتى يحبني ولا يحبني يحب ذوي قرابتي فأقامهم مقام نفسه ومن ثم صح أنه قال ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي ) وألحقوا به أيضا في قصة المباهلة في آية ( قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) آل عمران ٦١ الآية فغدا محتضنا الحسن آخذا بيد الحسين وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها. وهؤلاء هم أهل الكساء فهم المراد في آية المباهلة كما أنهم من جملة المراد بآية ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) فالمراد بأهل البيت فيها وفي كل ما جاء في فضلهم أو فضل الآل أو ذوي القربى جميع آله وهم مؤمنو بني هاشم والمطلب وخبر ( آلي كل مؤمن تقي ) ضعيف بالمرة ولو صح لتأيد به. جمع بعضهم بين الأحاديث بأن الآل في الدعاء لهم في نحو الصلاة يشمل كل مؤمن تقي وفي حرمة الصدقة عليهم مختص بمؤمن بني هاشم والمطلب وأ يد ذلك الشمول بخبر البخاري ( ما شبع آل محمد من خبز مأدوم ثلاثا ). ( اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا ). وفي قول إن الآل هم الأزواج والذرية فقط. الآية الثانية قوله تعالى ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) الأحزاب ٥٦. صح عن كعب بن عجرة قال لما نزلت هذه الآية قلنا يا رسول لله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك فقال ( قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ) إلى آخره وفي رواية الحاكم فقلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت قال ( قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ) إلى آخره فسؤالهم بعد نزول الآية وإجابتهم باللهم صل على محمد وعلى آل محمد إلى آخره دليل ظاهر على ان الأمر بالصلاة على أهل بيته وبقية آله عقب نزولها ولم يجابوا بما ذكر فلما أجيبوا به دل على ان الصلاة عليهم من جملة المأمور به وأنه أقامهم في ذلك مقام نفسه لأن القصد من الصلاة عليه مزيد تعظيمه ومنه تعظيمهم ومن ثم لما أدخل من مر في الكساء قال ( اللهم إنهم مني وأنا منهم فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك علي وعليهم ). وقضية استجابة هذا الدعاء أن الله صلى عليهم معه فحينئذ طلب من المؤمنين صلاتهم عليهم معه ويروى ( لا تصلوا علي الصلاة البتراء ) فقالوا وما الصلاة البتراء قال ( تقولون اللهم صل على محمد وتمسكون بل قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ) ولا ينافي ما تقدم حذف الآل في حديث الصحيحين قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك قال ( قولوا اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم ) إلى آخره لأن ذكر الآل ثبت في روايات أخر وبه يعلم أنه قال ذلك كله فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظه الآخر ثم عطف الأزواج والذرية على الآل في كثير من الروايات يقتضي أنهما ليسا من الآل وهو واضح في الأزواج بناء على الأصح في الآل أنهم مؤمنو بني هاشم والمطلب وأما الذرية فمن الآل على سائر الأقوال فذكرهم بعد الآل للإشارة إلى عظيم شرفهم. روى أبو داود ( من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل اللهم صل على النبي محمد وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد ). وقولهم علمنا كيف نسلم عليك. أشاروا به إلى السلام عليه في التشهد كما قال البيهقي وغيره. ويدل له خبر مسلم أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك فسكت النبي حتى تمنينا أننا لم نسأله ثم قال ( قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ) الحديث. وزاد آخره ( والسلام كما قد علمتم ) أي من العلم ويروى من التعليم لأنه كان يعلمهم التشهد كما يعلمهم السورة وصح أن رجلا قال يا رسول الله أما السلام عليكم فقد عرفناه فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا صلى الله عليك فصمت حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله فقال ( إذا أنتم صليتم علي فقولوا اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد ) الحديث. ولا يقال تفرد به ابن إسحق ومسلم لم يخرج له إلا في المتابعات لأنا نقول الأئمة وثقوه وإنما هو مدلس فقط وقد زالت علة التدليس بتصريحه فيه بالتحديث فاتضح أن ذلك خرج مخرج البيان للأمر الوارد في الآية. ويوافقه قوله قولوا فإنها صيغة أمر وهو للوجوب وما صح عن ابن مسعود بتشهيد الرجل في الصلاة ثم يصلي على النبي ثم يدعو لنفسه فهذا الترتيب منه لا يكون من قبل الرأي فيكون في حكم المرفوع. وصح أيضا أنه سمع رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على النبي فقال ( عجل هذا ) ثم دعاه فقال له أو لغيره ( إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النبي ثم يدعو بما شاء ). ومحل البداءة بالتحميد والثناء على الله تعالى جلوس التشهد. وبهذا كله اتضح قول الشافعي رضي الله عنه بوجوب الصلاة على النبي في التشهد لما علمت منه أنه صح عنه الأمر بوجوبها فيه ومن أنه صح عن ابن مسعود تعيين محلها وهو بين التشهد والدعاء فكان القول بوجوبها لذلك الذي ذهب إليه الشافعي هو الحق الموافق لصريح السنة ولقواعد الأصوليين ويدل له أيضا أحاديث صحيحة كثير ة استوعبتها في شرحي الإرشاد والعباب مع بيان الرد الواضح على من شنع على الشافعي وبيان أن الشافعي لم يشذ بل قال به قبله جماعة من الصحابة كابن مسعود وابن عمر وجابر وأبي مسعود البدري وغيرهم والتابعين كالشعبي والباقر وغيرهم كإسحاق بن راهويه وأحمد بل لمالك قول مو افق للشافعي رجحه جماعة من أصحابه. قال شيخ الإسلام خاتمة الحفاظ ابن حجر لم أر عن أحد من الصحابة والتابعين التصريح بعدم الوجوب إلا ما نقل عن إبراهيم النخعي من إشعاره بأن غيره كان قائلا بالوجوب انتهى. فزعم أن الشافعي شذ وأنه خالف في ذلك فقهاء الأمصار مجرد دعة باطلة لا يلتفت إليها ولا يعول عليها ومن ثم قال ابن القيم أجمعوا على مشروعية الصلاة عليه في التشهد وإنما أختلفوا في الوجوب والاستحباب ففي تمسك من لم يوجبها بعمل السلف نظر لأنهم كانوا يأتون بها في صلاتهم فإن أريد بعملهم اعتقادهم احتاج إلى نقل صريح عنهم بعدم الوجوب وأنى يوجد ذلك قال وأما قول عياض إن الناس شنعوا على الشافعي. فلا معنى له فأي شناعة في ذلك لأنه لم يخالف في ذلك نصا ولا إجماعا ولا قياسا ولا مصلحة راجحة بل القول بذلك من محاسن مذهبه ولله در القائل حيث قال

وإذا محاسني اللاتي أدل بها ** صارت ذنوبا فقل لي كيف أعتذر

واعلم أن النووي نقل عن العلماء كراهة إفراد الصلاة والسلام عليه ومن ثم قال بعض الحفاظ كنت أكتب الحديث فأكتب الصلاة فقط فرأيت النبي في النوم. فقال لي أما تتم الصلاة في كتابك فما كتبت بعد ذلك إلا صليت عليه وسلمت. ولا يحتج بتعليمهم كيفية الصلاة السابقة لأن السلام سبقها في التشهد فلا إفراد فيه وقد جاء ذكر الصلاة مقرونة بالسلام في مواطن منها عقب ما يقال عند ركوب الدابة كما رواه الطبراني في الدعاء مرفوعا وكذا في غيره وإنما حذف في بعض المواطن اختصارا وكذا حذف الآل. وقد أخرج الديلمي أنه قال ( الدعاء محجوب حتى يصلى على محمد وأهل بيته اللهم صل على محمد وآله ). وكأن قضية الأحاديث السابقة وجوب الصلاة على الآل في التشهد الأخير كما هو قول الشافعي خلافا لما يوهمه. كلام الروضة وأصلها ورجحه بعض أصحابه ومال إليه البيهقي ومن ادعى الإجماع علىعدم الوجوب فقد سها لكن بقية الأصحاب قد ذهبوا إلى أن اختلاف تلك الروايات من أجل أنها وقائع متعددة فلم يوجبوا إلا ما اتفقت الطرق عليه وهو أصل الصلاة عليه وما زاد فهو من قبيل الأكمل ولذا استدلوا على عدم وجوب قوله ( كما صليت على إبراهيم ) بسقوطه في بعض الطرق وللشافعي رضي الله عنه

يا أهل بيت رسول الله حبكم ** فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنكم ** من لم يصل عليكم لا صلاة له

فيحتمل لا صلاة له صحيحة فيكون موافقا لقوله بوجوب الصلاة على الآل ويحتمل لا صلاة له كاملة فيوافق أظهر قوليه.

الآية الثالثة قوله تعالى ( سلام على آل ياسين ) الصافات ١٣٠. فقد نقل جماعة من المفسرين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بذلك سلام على آل محمد. وكذا قاله الكلبي وعليه فهو داخل بطريق الأولى أو النص كما في اللهم صل على آل أبي أوفى. لكن أكثر المفسرين على أن المراد إلياس عليه السلام وهو قضية السياق.

تنبيه لفظ السلام في نحو هذه الجملة خبر مراد به الإنشاء والطلب على الأصح والطلب يستدعي مطلوبا منه وطلبه تعالى من غيره محال فالمراد بسلامه تعالى على عباده إما بشارتهم بالسلامة وإما حقيقة الطلب فكأنه طلب من نفسه إذ سلامه تع الى يرجع لكلامه النفسي الأزلي وتضمنه الطلب منه لإنالة السلامة الكاملة للمسلم عليه غير محال إذ هو طلب نفسي مقتض لتعلق الإرادة به والطلب من النفس معقول يعلمه كل أحد من نفسه فالحاصل أنه تعالى طلب لهم منه إنالتهم السلامة الكاملة فيتعلق ذلك بهم في الوقت الذي أر اد الله تعالى تخصيصهم به كما في أمره ونهيه المتعلقين بنا مع قدمهما. وذكر الفخر الرازي أن أهل بيته يساوونه في خمسة أشياء في السلام قال السلام عليك أيها النبي وقال تعالى ( سلام على إل ياسين ) الصافات ١٣٠. وفي الصلاة عليهم في التشهد. وفي الطهارة قال تعالى ( طه ) طه ١ أي يا طاهر وقال ( ويطهركم تطهيرا ) الأحزاب ١٣٣. وفي تحريم الصدقة. وفي. المحبة قال تعالى ( فاتبعوني يحببكم الله ) آل عمران وقال ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) الشورى ٢٣ الآية الرابعة قوله تعالى ( وقفوهم إنهم مسؤولون ) الصافات ٢٤. أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري أن النبي قال ( وقفوهم إنهم مسؤولون عن ولاية علي ). وكأن هذا هو مراد الواحدي بقوله روي في قوله تعالى ( وقفوهم إنهم مسؤولون ) أي عن ولاية علي وأهل البيت لأن الله أمر نبيه أن يعرف الخلق أنه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجرا إلا المودة في القربى والمعنى أنهم يسألون هل والوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي أم أضاعوها وأهملوها فتكون عليهم المطالبة والتبعة. انتهى. وأشار بقوله كما أوصاهم النبي إلى الأحاديث الواردة في ذلك وهي كثيرة وسيأتي منها جملة في الفصل الثاني. ومن ذلك حديث مسلم عن زيد بن أرقم قال قام فينا رسول الله خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال. ( أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتني رسول ربي عز وجل فأجيبه وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله عز وجل فيه الهدى والنور فتمسكوا بكتاب الله عز وجل وخذوا به وحث فيه ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله عز وجل في أهل بيتي ) ثلاث مرات فقيل لزيد من أهل بيته أليس نساؤه من أهل بيته قال بلى إن نساءه من أهل بيته لكن أهل بيته من حرم عليهم الصدقة بعده قال ومن هم قال هم علي وآل جعفر وآل عقيل وآل عباس قال كل هؤلا ء حرم عليهم الصدقة قال نعم. وأخرج الترمذي وقال حسن غريب أنه قال ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ). وأخرجه أحمد في مسنده بمعناه ولفظه ( إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا بم تخلفوني فيهما وسنده لا بأس به. وفي رواية أن ذلك كان في حجة الوداع وفي اخرى مثله يعني كتاب الله كسفينة نوح من ركب فيها نجا ومثلهم أي أهل بيته كمثل باب حطة من دخله غفرت له الذنوب. وذكر ابن الجوزي لذلك في العلل المتناهية وهم أو غفلة عن استحضار بقية طرقه بل في مسلم عن زيد بن أرقم أنه قال ذلك يوم غدير خم وهو ماء بالجحفة كما مر وزاد ( أذكركم الله في أهل بيتي ) قلنا لزيد من أهل بيته نساؤه قال لا وأيم الله إن المرأة تكون من الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها أهل بيته أهله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده. وفي رواية صحيحة ( إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن تبعتموهما وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي ). زاد الطبراني ( إني سألت ذلك لهما فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ). وفي رواية كتاب الله وسنتي وهي المراد من الأحاديث المقتصرة على الكتاب لأن السنة مبينة له فأغنى ذكره عن ذكرها. والحاصل أن الحث وقع على التمسك بالكتاب وبالسنة وبالعلماء بهما من أهل البيت ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأمور الثلاثة إلى قيام الساعة. ثم اعلم أن لحديث التمسك بذلك طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا ومر له طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه وفي بعض تلك الطرق انه قال ذلك بحجة الوداع بعرقة وفي أخرى أنه قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه وفي أخرى أنه قال ذلك بغدير خم وفي أخرى أنه قاله لما قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف كما مر ولا تنافي إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المو اطن وغيرها اهمتاما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة. وفي رواية عند الطبراني عن ابن عمر آخر ما تكلم به النبي ( أخلفوني في أهل بيتي ). وفي أخرى عند الطبراني وأبي الشيخ ( إن لله عز وجل ثلاث حرمات فمن حفظهن حفظ الله دينه ودنياه ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله دنياه ولا آخرته ) قلت ما هن قال ( حرمة الإسلام وحرمتي وحرمة رحمي ). وفي رواية للبخاري عن الصديق رضي الله عنه من قوله يا أيها الناس ارقبوا محمدا في أهل بيته. أي احفظوه فيهم فلا تؤذوهم. وأخرج ابن سعد والملا في سيرته أنه قال ( استوصوا بأهل بيتي خيرا فإني أخ اصمكم عنهم غدا ومن أكن خصمه أخصمه ومن أخصمه دخل النار ). وأنه قال ( من حفظني في أهل بيتي فقد اتخذ عند الله عهدا ). وأخرج الأول ( أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ). والثاني حديث ( في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله عز وجل فانظروا من توفدون ). وأخرج أحمد خبر ( الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت ). وفي خبر حسن ( ألا إن عيبتي وكرشي أهل بيتي والأنصار فاقبلوا من محس نهم وتجاوزوا عن مسيئهم ).

تنبيه سمى رسول الله القرآن وعترته وهي بالمثناة الفوقية الأهل والنسل والرهط الأدنون ثقلين لأن الثقل كل نفيس خطير مصون وهذان كذلك إذ كل منهما معدن العلوم الدينة والأسرار والحكم العلية والأحكام الشرعية ولذا حث على الاقتداء والتمسك بهم والتعلم منهم وقال ( الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت ). وقيل سميا ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما ثم الذين وقع الحث عليهم منهم إنما هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض ويؤيده الخبر السابق ( ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ). وتميزوا بذلك لأنهم عن بقية العلماء لأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة وقد مر بعضها وسيأتي الخبر الذي في قريش ( تعلموا منهم فإنهم أعلم منكم ) فإذا ثبت هذا العموم لقريش فأهل البيت منهم أولى منهم بذ لك امتازوا عنهم بخصوصيات لا يشاركهم فيها بقية قريش. وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة كما أن الكتاب العزيز كذلك ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض كما يأتي ويشهد لذلك الخبر السابق ( في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ) إلى آخره. ثم أحق من يتمسك به منهم إمامهم وعالمهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لما قدمناه من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته ومن ثم قال أبو بكر رضي الله عنه علي عترة رسول الله. أي الذين حث على التمسك بهم فخصه بما قلنا وكذلك خصه بما مر يوم غدير خم. والمراد بالعيبة والكرش في الخبر السابق آنفا أنهم موضع سره وأمانته ومعادن نفائس معارفه وحضرته إذ كل من العيبة والكرش مستودع لما يخفى فيه مما به القوام والصلاح لأن الأول لما يحرز فيه نفائس الأمتعة والثاني مستقر الغذاء الذي به النمو وقوام البنية وق يل هما مثلان لاختصاصهم بالأمور الظاهرة والباطنة إذ مظروف الكرش باطن والعيبة ظاهر وعلى كل فهذا غاية في التعطف عليهم والوصية بهم. ومعنى ( وتجاوزوا عن مسيئهم ) أي في غير الحدود وحقوق الآدميين. وهذا أيضا محمل الخبر الصحيح ( أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ) ومن ثم ورد في رواية ( إلا الحدود ) وفسرهم الشافعي بأنهم الذين لا يعرفون بالشر. ويقرب منه قول غيره هم أصحاب الصغائر دون الكبائر وقيل من إذا أذنب تاب. الآية الخامسة قوله تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) آل عمران ١٠٣. أخرج الثعلبي في تفسيرها عن جع فر الصادق رضي الله عنه أنه قال نحن حبل الله الذي قال الله فيه ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) وكان جده زين العابدين إذا تلا قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) التوبة ١١٩ يقول دعاء طويلا يشتمل على طلب اللحوق بدرجة الصادقين والدرجات العلية وعلى وصف المحن وما انتحلته المبتدعة المفارقون لأئمة الدين والشجرة النبوية ثم يقول وذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا واحتجوا بمتشابه القرآن فتأولوا بآرائهم واتهموا مأثور الخبر... إلى أن قال فإلى من يفزع خلف هذه الأمة وقد درست أعلام هذه الملة ودانت الأمة بالفرقة والاختلاف يكفر بعضهم بعضا والله تعالى يقول ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ) آل عمران ١٠٥ فمن الموثوق به على إبلاغ الحجة وتأويل الحكم إلى أهل الكتاب وأبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى الذين احتج الله بهم على عباده ولم يدع الخلق سدى من غير حجة هل تعرفونهم أو تجدونهم إلا من فروع الشجرة المباركة وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وبرأهم من الآفات وافترض مودتهم في الكتاب. الآية السادسة قوله تعالى ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) النساء ٥٤. أخرج أبو الحسن المغازلي عن الباقر رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية نحن الناس والله.

الآية السابعة قوله تعالى ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) الأنفال ٣٣. أشار إلى وجود ذلك المعنى في أهل بيته وإنهم أمان لأهل الأرض كما كان هو أمانا لهم وفي ذلك أحاديث كثيرة يأتي بعضها ومنها ( النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي ) أخرجه جماعة كلهم بسند ضعيف وفي رواية ضعيفة أيضا ( أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون ). وفي أخرى لأحمد ( فإذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض ). وفي رواية صححها الحاكم على شرط الشيخين ( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ). وجاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضا ( إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ) وفي رواية مسلم ( ومن تخلف عنها غرق ) وفي رواية ( هلك وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له ) وفي رواية ( غفر له الذنوب ). وقال بعضهم يحتمل أن المراد بأهل البيت الذين هم أمان علم اؤهم لأنهم الذين يهتدى بهم كالنجوم والذين إذا فقدوا جاء أهل الأرض من الآيات ما يوعدون وذلك عند نزول المهدي لما يأتي في أحاديثه أن عيسى يصلي خلفه ويقتل الدجال في زمنه وبعد ذلك تتتابع الايات بل في مسلم أن الناس بعد قتل عيسى للدجال يمكثون سبع سنين ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال حبة من خير أو إيمان إلا قبضه فيبقى شرار في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا. الحديث. قال ويحتمل وهو الأظهر عندي أن المراد بهم سائر أهل البيت فإن الله لما خلق الدنيا بأسرها من أجل النبي جعل دوامها بدوامه ودوام أهل بيته لأنهم يساوونه في أشياء مر عن الرازي بعضها ولأنه قال في حقهم ( اللهم إنهم مني وأنا منهم ) ولأنهم بضعة منه بواسطة أن فاطمة رضي الله عنها أمهم بضعته فأقيموا مقامه في الأمان. انتهى ملخصا. ووجه تشبيههم بالسفينة فيما مر أن من أحبهم وعظمهم شكرا لنعمة مشرفهم وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات ومن تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم وهلك في مفاوز الطغيان. ومر في خبر ( أن من حفظ حرمة الإسلام وحرمة النبي وحرمة رحمه حفظ الله تعالى دينه ودنياه ومن لم يح فظ لم يحفظ الله دنياه ولا آخرته ). وورد ( يرد الحوض أهل بيتي ومن أحبهم من أمتي كهاتين السبابتين ) ويشهد له خبر ( المرء مع من أحب ). وبباب حطة أن الله تعالى جعل دخول ذلك الباب الذي هو باب أريحاء أو بيت المقدس مع التواضع والاستغفار سببا للمغفرة وجعل لهذه الأمة مودة أهل البيت سببا لها كما سيأتي قريبا.

الآية الثامنة قوله تعالى ( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ) طه ٨٢. قال ثابت البناني اهتدى إلى ولاية أهل بيته. وجاء ذلك عن أبي جعفر الباقر أيضا. وأخرج الديلمي مرفوعا ( إنما سميت ابنتي فاطمة لأن الله فطمها ومحبيها عن النار ). وأخرج أحمد أنه أخذ بيد الحسنين وقال ( من أحبني وأحب هذين واباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيام ). ولفظ الترمذي وقال حسن غريب ( وكان معي في الجنة ). ومعنى المعية هنا معية القرب والشهود لا معية المكان والمنزل. وأخرج ابن سعد عن علي أخبرني رسول الله أن أول من يدخل الجنة أنا وفاطمة والحسن والحسين قلت يا رسول الله فمحبونا قال من ورائكم. ومر في فضائل أبي بكر رضي الله عنه أنه أول من يدخل الجنة. وفي فضائل عمر رضي الله عنه ذلك أيضا ومر الجمع بينهما بما يعلم به محمل هذا الحديث. ولا تتوهم الرافضة والشيعة قبحهم الله من هذه الأحاديث أنهم محبو أهل البيت لأنهم أفرطوا في محبتهم حتى جرهم ذلك إلى تكفير الصحابة وتضليل الأمة وقد قال علي يهلك في محب مفرط يقرظني بما ليس في. ومر خبر لا يجتمع حب علي وبغض أبي بكر وعمر في قلب مؤمن. وهؤلاء الضالون الحمقى أفرطوا فيه وفي أهل بيته فكانت محبتهم عارا عليهم وبوارا قاتلهم الله أنى يؤفكون. وأخرج الطبراني بسند ضعيف أن عليا أتي يوم البصرة بذهب وفضة فقال ابيضي واصفري غري غيري غري أهل الشام غدا إذا ظهروا عليك. فشق قوله ذلك على الناس فذكر ذلك له فأذن في الناس فدخلوا عليه فقال إن خليلي قال ( يا علي إنك ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيين ويقدم عليه عدوك غضابا مقمحين ) ثم جمع علي يده إلى عنقه يريهم الإقماح. وشيعته هم أهل السنة لأنهم الذين أحبوهم كما أمر الله أمرنا ورسوله وأما غيرهم فاعداؤه في الحقيقة لأن المحبة الخارجة عن الشرع الجائرة عن سنن الهدى هي العداوة الكبرى فلذا كانت سببا لهلاكهم كما مر آنفا عن الصادق المصدوق. وأعداؤهم الخوارج ونحوهم من أهل الشام لا معاوية ونحوه من الصحابة لأنهم متأولون فلهم أجر وله هو وشيعته أجران رضي الله عنهم. ويؤيد ما قلناه من أن أولئك المبتدعة الرافضة والشيعة ونحوهما ليسوا من شيعة علي وذريته بل من أعدائهم ما أخرجه صاحب المطالب العالية عن علي ومن جملته أنه مر على جمع فأسرعوا إليه قياما فقال من القوم فقالوا من شيعتك يا أمير المؤمنين. فقال لهم خيرا ثم قال يا هؤلاء مالي لا أرى فيكم سمة شيعتنا وحلية أحبتنا فأمسكوا حياء فقال له من معه نسألك بالذي أكرمكم أهل البيت وخصكم وحباكم لما أنبأتنا بصفة شيعتكم. فقال شيعتنا هم العارفون بالله العاملون بأمر الله أهل الفضائل الناطقون بالصواب مأكولهم القوت وملبوسهم الاقتصاد ومشيهم التواضع نجعوا لله بطاعته وخضعوا إليه بعبادته مضوا غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم رامقين أسماعهم على العلم بربهم نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت منهم في الرخاء رضوا عن الله تعالى بالقضاء فلولا الآجال التي كتب الله تعالى لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شو قا إلى لقاء الله والثواب وخوفا من أليم العقاب عظم الخالق في انفسهم وصغر ما دونه في أعينهم فهم والجنة كمن رآها فهم على أرائكها متكئون وهم والنار كمن رآها فهم فيها معذبون صبروا أياما قليلة فأعقبتهم راحة طويلة أرادتهم الدنيا فلم يريدوها وطلبتهم فأعجزوها أما الليل فصافون أقدامهم تالون لأجزاء القرآن ترتيلا يعظون أنفسهم بأمثاله ويستشفون لدائهم بدوائه تارة وتارة يفترشون جباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم تجري دموعهم على خدودهم يمجدون جبارا عظيما ويجأرون إليه في فكاك رقابهم. هذا ليلهم فأما نهارهم فحكماء علماء برر ة أتقياء براهم خوف باريهم فهم كالقداح تحسبهم مرضى أو قد خولطوا وما هم بذلك بل خاسرهم من عظمة ربهم وشدة سلطانه ما طاشت له قلوبهم وذهلت منه عقولهم فإذا أشفقوا من ذلك بادروا إلى الله تعالى بالأعمال الزاكية لا يرضون له بالقليل ولا يستكثرون له الجزيل فهم لأنفسهم متهمون ومن أعمالهم مشفقون ترى لأحدهم قوة في دين وحزما في لين وإيمانا في يقين وحرصا على علم وفهما في فقه وعلما في حلم وكيسا في قصد وقصدا في غنى وتجملا في فاقة وصبرا في شفقة وخشوعا في عبادة ورحمة لمجهود وإعطاء في حق ورفقا في كسب وطلبا في حلال ونشاطا في هدى واعتصاما في شهوة لا يغره ما جهله ولا يدع إحصاء ما عمله يستبطىء نفسه في العلم وهو من صالح عمله على وجل يصبح وشغله الذكر ويمسي وهمه الشكر يبيت حذرا من سنة الغفلة ويصبح فرحا بما أصاب من الفضل والرحمة ورغبته فيما يبقى وزهادته فيما يفنى وقد قرن العلم بالعمل والعلم بالحلم دائما نشاطه بعيدا كسله قريبا أمله قليلا زلله متوقعا أجله عاشقا قلبه شاكرا ربه قانعا نفسه محرزا دينه كاظما غيظه آمنا منه جاره سهلا أمره معدوما كبره بينا صبره كثيرا ذكره لا يعمل شيئا من الخير رياء ولا يتركه حياء. أولئك شيعتنا وأحبتنا ومنا ومعنا ألا هؤلاء شوقا إليهم. فصاح بعض من معه وهو همام بن عباد بن خيثم وكان من المتعبدين صيحة فوقع مغشيا عليه فحركوه فإذا هو فارق الدنيا فغسل وصلى عليه أمير المؤمنين ومن معه. فتأمل وفقك الله لطاعته وأدام عليك من سوابغ نعمه وحمايته هذه الأوصاف الجليلة الرفيعة الباهرة الكاملة المنيعة تعلم أنها لا توجد إلا في أكابر العارفين لأئمة الوارثين فهؤلاء هم شيعة علي رضي الله تعالى عنه وأهل بيته. وأما الرافضة والشيعة ونحوهما إخوان الشياطين وأعداء الدين وسفهاء العقول ومخالفو الفروع والأصول ومنتحلو الضلال ومستحقو عظيم العقاب والنكال فهم ليسوا بشيعة لأهل البيت المبرئين من الرجس المطهرين من شوائب الدنس لأنهم أفرطوا وفرطوا في جنب الله فاستحقوا منه أن يبقيهم متحيرين في مهالك الضلال والاشتباه وإنما هم شيعة إبليس اللعين وحلفاء أبنائه المتمردين فعليهم لعنة الله وملائكته والناس أجمعين وكيف يزعم محبة قوم من لم يتخلق قط بخلق من أخلاقهم ولا عمل في عمره بقول من أقوالهم ولا تأسى في دهره بفعل من أفعالهم ولا تأهل لفهم شيء من أحوالهم ليست هذه محبة في الحقيقة بل بغضة عند أئمة الشريعة والطريقة إذ حقيقة المحبة طاعة المحبوب وإيثار محابه ومرضاته على محاب النفس ومرضاتها والتأدب بآدابه وأخلاقه ومن ثم قال علي كرم الله وجهه لا يجتمع حبي وبغض أبي بكر وعمر. لأنهما ضدان وهما لا يجتمعان. الآية التاسعة قوله تعالى ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونسائنا منساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) آل عمران ٦١. قال في الكشاف لا دليل أقوى من هذا على فضل أصحاب الكساء وهم علي وفاطمة والحسنان لأنها لما نزلت دعاهم فاحتضن الحسين وأخذ بيد الحسن ومشت فاطمة خلفه وعلي خلفهما فعلم أنهم المراد من الآية وأن أولاد فاطمة وذريتهم يسمون أبناءه وينسبون إليه نسبة صحيحة نافعة في الدنيا والآخرة. ويوضح ذلك أحاديث نذكرها مع ما يتعلق بها تتميما للفائدة فنقول. صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال على المنبر ( ما بال أقوام يقولون إن رحم رسول الله لا ينفع قومه يوم القيامة بلى والله إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة وإني أيها الناس فرط لكم على الحوض ). وفي رواية ضعيفة وإن صححها الحاكم أنه بلغه أن قائلا قال لبريدة إن محمدا لن يغني عنك من الله شيئا. فخطب ثم قال ( ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا ينفع بل حتى حاء وحكم أي هما قبيلتان من اليمن أني لأشفع فأشفع حتى إن من أشفع له فيشفع حتى إن إبليس ليتطاول طمعا في الشفاعة ). وأخرج الدارقطني أن عليا يوم الشورى احتج على أهلها فقال لهم أنشدكم بالله هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله في الرحم مني ومن جعله نفسه وأبناءه أبناءه ونساؤه نساءه غيري قالوا اللهم لا الحديث. وأخرج الطبراني إن الله عز وجل جعل ذرية كل نبي في صلبه وإن الله تعالى جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب. وأخرج أبو الخير الحاكمي وصاحب كنوز المطالب في بني أبي طالب أن عليا دخل على النبي وعنده العباس فسلم فرد عليه السلام وقام فعانقه وقبل ما بين عينيه وأجلسه عن يمينه فقال له العباس أتحبه قال يا عم والله لله أشد حبا له مني إن الله عز وجل جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب هذا زاد الثاني في روايته إنه إذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسماء أمهاتهم سترا من الله عليهم إلا هذا وذريته فإنهم يدعون بأسماء آبائهم لصحة ولادتهم. وأبو يعلى والطبراني أنه قال ( كل بني أم ينتمون إلى عصبة إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم ) وله طرق يقوي بعضها بعضا وقول ابن الجوزي بعد أن أورد ذلك في العلل المتناهية إنه لا يصح غير جيد كيف وكثرة طرقه ربما توصله إلى درجة الحسن بل صح عن عمر أنه خطب أم كلثوم من علي فاعتل بصغرها وبأنه أعدها لابن أخيه جعفر فقال له ما أردت الباءة ولكن سمعت رسول الله يقول ( كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة ما خلا سببي ونسبي وكل بني أنثى عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم ) وفي رواية أخرجها البيهقي والدارقطني بسند رجاله من أكابر أهل البيت أن عليا عزل بناته لولد أخيه جعفر فلقيه عمر رضي الله تعالى عنهما فقال له يا أبا الحسن أنكحني ابنتك أم كلثوم بنت فاطمة بنت رسول الله. فقال قد حبستها لولد أخي جعفر. فقال عمر إنه والله ما على وجه الأرض من يرصد من حسن صحبتها ما أرصد فأنكحني يا أبا الحسن فقال قد أنكحتكها فعاد عمر إلى مجلسه بالروضة مجلس المهاجرين والأنصار فقال رفئوني قالوا بمن يا أمير المؤمنين قال بأم كلثوم بنت علي وأخذ يحدث أنه سمع رسول الله يقول ( كل صهر أو سبب أو نسب ينقطع يوم القيامة إلا صهري وسببي ونسبي ) وأنه كان لي صحبة فأحببت أن يكون لي معها سبب. وبهذا الحديث المروي من طريقة أهل البيت يزداد التعجب من إنكار جماعة من جهلة أهل البيت في أزمنتنا تزويج عمر بأم كلثوم. لكن لا عجب لأن أولئك لم يخالطوا العلماء ومع ذلك استولى على عقولهم جهلة الروافض فأدخلوا فيها ذلك فقلدوهم فيه وما دروا أنه عين الكذب ومكابرة للحس إذ من مارس العلم وطالع كتب الأخبار والسنن علم ضرورة أن عليا زوجها له وأن إنكار ذلك جهل وعناد ومكابرة للحس وخبال في العقل وفساد في الدين. وفي رواية للبيهقي أن عمر لما قال فأحببت ان يكون لي من رسول الله سبب ونسب فقام علي للحسنين زوجا عمكما. فقالا هي امرأة من النساء تختار لنفسها. فقام علي مغضبا فأمسك الحسن ثوبه وقال لا صبر لنا على هجرانك يا أبتاه فزوجاه. وفي رواية أن عمر صعد المنبر فقال أيها الناس إنه والله ما حملني على الإلحاح على علي في ابنته إلا أني سمعت رسول الله يقول كل سبب ونسب وصهر ينقطع إلا سببي وصهري وإنهما يأتيان يوم القيامة فيشفعان لصاحبهما وفي رواية أنه لما أكثر تردده إلى علي اعتل بصغرها فقال له ما حملني على كثرة ترددي إليك إلا أني سمعت رسول الله يقول كل حسب ونسب وسبب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا حسبي ونسبي وسببي وصهري فأمر بها علي فزينت وبعث بها إليه فلما رآها قام إليها وأجلسها في حجره وقبلها ودعا لها فلما قامت أخذ بساقها وقال لها قولي لأبيك قد رضيت قد رضيت فلما جاءت قال لها ما قال لك فذكرت له جميع ما فعله وما قاله وأنكحها إياه فولدت له زيدا مات رجلا. وفي رواية أنه لما خطبها إليه قال حتى استأذن فاستأذن ولد فاطمة فأذنوا له. وفي رواية أن الحسين سكت وتكلم الحسن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أبتاه من بعد عمر صحب رسول الله وتوفي وهو عنه راض ثم ولي الخلافة فعدل. فقال له أبوه صدقت ولكن كرهت أن أقطع أمرا دونكما ثم قال لها انطلقي إلى أمير المؤمنين فقولي له إن أبي يقرئك السلام ويقول لك إنا قد قضينا حاجتك التي طلبت فأخذها عمر وضمها إليه وأعلم من عنده أنه تزوجها فقيل له إنها صبية صغيرة فذكر الحديث السابق وفي آخره أردت أن يكون بيني وبين رسول الله سبب وصهر. وتقبيله وضمه لها على جهة الإكرام لأنها لصغرها لم تبلغ حدا تشتهى حتى يحرم ذلك ولولا صغرها لما بعث بها أبوها كذلك ثم حديث عمر هذا جاء عن جماعة آخرين من الصحابة كالمنذر وابن عباس وابن الزبير وابن عمر. قال الذهبي وإسناده صالح.

تنبيه علم مما ذكر في هذه الأحاديث عظيم نفع الانتساب إليه ولا ينافيه ما في أحاديث أخر من حثه لأهل بيته على خشية الله واتقائه وطاعته وأن القرب إليه يوم القيامة إنما هو بالتقوى فمن ذلك الحديث الصحيح أنه لما نزل قوله تعالى ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) الشعراء ٢١٤ دعا قريشا فاجتمعوا فعم وخص وطلب منهم أن ينقذوا أنفسهم من النار إلى أن قال ( يا فاطمة بنت محمد يا صفية بنت عبد المطلب يا بني عبد المطلب لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها ). وأخرج أبو الشيخ عن ابن حبان ( يا بني هاشم لا يأتين الناس يوم القيامة بالآخرة يحملونها على ظهورهم وتأتون بالدنيا على ظهوركم لا أغني عنكم من الله شيئا ). وأخرج البخاري في الأدب المفرد ( إن أوليائي يوم القيامة المتقون وإن كان نسب أقرب من نسب لا تأتي الناس بالأعمال وتأتون بالدنيا تحملونها على رقابكم فتقولون يا محمد فأقول هكذا وهكذا ) وأعرض في كلا عطفيه. وأخرج الطبراني ( إن أهل بيتي هؤلاء يرون أنهم أولى الناس بي وليس كذلك إن أوليائي منكم المتقون من كانوا وحيث كانوا ). وأخرج الشيخان عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال سمعت رسول الله جهارا غير سر يقول ( إن آل أبي فلان ليسوا بأوليائي إنما وليي الله وصالح المؤمنين ) زاد البخاري ( لكن لهم رحم سأبلها ببلالها ). يعني سأصلها بصلتها. ووجه عدم المنافاة كما قاله المحب الطبري وغيره من العلماء أنه لا يملك لأحد شيئا لا نفعا ولا ضرا لكن الله عز وجل يملكه نفع أقاربه وجميع أمته بالشفاعة العامة والخاصة فهو لا يملك إلا ما يملكه له مولاه كما أشار إليه بقوله ( غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها ) وكذا معنى قوله ( لا أغني عنكم من الله شيئا ) أي بمجرد نفسي من غير ما يكرمني به الله من نحو شفاعة أو مغفرة وخاطبهم بذلك رعاية لمقام التخويف والحث على العمل والحرص على أن يكونوا أولى الناس حظا في تقوى الله وخشيته ثم أومأ إلى حق رحمه إشارة إلى إدخال نوع طمأنينة عليهم. وقيل هذا قبل علمه بأن الانتساب إليه ينفع وبأنه يشفع في إدخال قوم الجنة بغير حساب ورفع درجات آخرين وإخراج قوم من النار ولما خفي ذلك الجمع عن بعضهم حمل حديث ( كل سبب ونسب ) على أن المراد أن أمته يوم القيامة ينسبون إليه بخلاف أمم الأنبياء لا ينسبون إليهم وهو بعيد. وإن حكاه وجها في الروضة بل يرده ما مر من استناد عمر إليه في الحرص على تزويجه بأم كلثوم وإقرار علي والمهاجرين والأنصار له على ذلك ويرده على ذلك ويرده أيضا ذكر الصهر والحسب مع السبب والنسب كما مر وغضبه لما قيل إن قرابته لا تنفع. على أن في حديث البخاري ما يقتضي نسبة بقية الأمم إلى أنبيائهم فإن فيه ( يجيء نوح عليه السلام وأمته فيقول الله تعالى هل بلغت فيقول أي رب نعم فيقول لأمته هل بلغ كم.. ) الحديث. وكذا جاء في غيره. واعلم أنه استفيد من قوله في الحديث السابق ( إن أوليائي منكم المتقون ) وقوله ( إنما وليي الله وصالح المؤمنين ) أن نفع رحمه وقرابته وشفاعته للمذنبين من أهل بيته وإن لم تنتف لكن ينتفي عنهم بسبب عصيانهم ولاية الله ورسوله لك فرانهم نعمة قرب النسب إليه بارتكابهم ما يسوءه عند عرض عملهم عليه ومن ثم يعرض عمن يقول له منهم يوم القيامة يا محمد كما في الحديث السابق. وقد قال الحسن بن الحسن السبط لبعض الغلاة فيهم ويحكم أحبونا لله فإن أطعنا الله فأحبونا وإن عصيناه فابغضونا ويحكم لو كل الله نافعا بقرابة من رسول الله بغير عمل بطاعته لنفع بذلك من هو أقرب إليه منا والله إني أخاف أن يضاعف للعاصي منا العذاب ضعفين وإن يؤتى المحسن منا أجره مرتين. وكأنه أخذ ذلك من قوله تعالى ( يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين ) الأحزاب ٣٠.

خاتمة

علم من الأحاديث السابقة اتجاه قول صاحب التلخيص من أصحابنا من خصائصه أن أولاد بناته ينسبون إليه وأولاد بنات غيره لا ينسبون إلى جدهم من الكفاءة وغيرها وأنكر ذلك القفال وقال لا خصوصية بل كان أحد ينسب إليه اولاد بناته. ويرده الخبر السابق ( كل بني أم ينتمون إلى عصبة ) إلى آخره ثم معنى الانتساب إليه الذي هو من خصوصياته أنه يطلق عليه أنه أب لهم وأنهم بنوه حتى يعتبر ذلك في الكفاءة فلا يكافىء شريفة هاشمية غير شريف. وقولهم إن بني هاشم والمطلب أكفاء محله فيما عدا هذه الصورة كما بينته بما فيه كفاية في إفتاء طويل مسطر في الفتاوى وحتى. يدخلون في الوقف على أولاده والوصية لهم وأما أولاد بنات غيره فلا تجري فيهم مع جدهم لأمهم هذه الأحكام. نعم يستوي الجد للأب والأم في الانتساب إليهما من حيث تطلق الذرية والنسل والعقب عليهم فأراد صاحب التلخيص بالخصوصية ما مر وأراد القفال بعدمها هذا وحينئذ فلا خلاف بينهما في الحقيقة. ومن فوائد ذلك أيضا أنه يجوز أن يقال للحسنين أبناء رسول الله وهو أب لهما اتفاقا ولا يجري فيه القول الضعيف لأنه لا يجوز أن يقال له أب المؤمنين ولا عبرة بمن منع ذلك حتى في الحسنين من الأمويين للخبر الصحيح الآتي في الحسن إن ابني هذا سيد. ومعاوية وإن نقل القرطبي عنه ذلك لكن نقل عنه ما يقتضي أنه رجع عن ذلك وغير معاوية من بقية الأمويين المانع لذلك لا يعتد به وعلى الأصح فقوله تعالى ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ) الأحزاب ٤٠ إنما سيق لانقطاع حكم التبني لا لمنع هذا الإطلاق المراد به أنه أبو المؤمنين في الاحترام والإكرام.

الآية العاشرة قوله تعالى ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) الضحى ٥. نقل القرطبي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال رضي محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار وقاله السدي. انتهى. وأخرج الحاكم وصححه أنه قال ( وعدني ربي في أهل بيتي من أقر منهم لله بالتوحيد ولي بالبلاغ أن لا يعذبهم ). وأخرج الملا ( سألت ربي أن لا يدخل النار أحد من أهل بيتي فأعطاني ذلك ). وأخرج أحمد في المناقب أنه قال ( يا معشر بني هاشم والذي بعثني بالحق نبيا لو أخذت بحلقة الجنة ما بدأت إلا بكم ). وأخرج الطبراني عن علي قال سمعت رسول الله يقول ( أول من يرد علي الحوض أهل بيتي ومن أحبني من أمتي ). وهو ضعيف والذي صح ( أول من يرد علي الحوض فقراء المهاجرين ) فإن صح الأول أيضا حمل على أن أولئك أول من يرد بعد هؤلاء. وأخرج المخلص والطبر اني والدارقطني ( أول من أشفع له من أمتي أهل بيتي ثم الأقرب فالأقرب من قريش ثم الأنصار ثم من آمن بي واتبعني من اليمن ثم سائر العرب ثم الأعاجم ومن أشفع له أولا أفضل ). وعند البزار والطبراني وغيرهما ( أول من أشفع له من أمتي من أهل المدينة ثم أهل مكة ثم أهل الطائف ). ويجمع بينهما بأن ذاك فيه ترتيب من حيث القبائل وهذا فيه ترتيب من حيث البلدان فيحتمل أن المراد البداءة في قريش بأهل المدينة ثم مكة ثم الطائف وكذا في الأنصار ثم من بعدهم ومن أهل مكة بذلك على هذا الترتيب ومن أهل الطائف بذلك كذلك. وأخرج تمام والبزار والطبراني وأبو نعيم أنه قال ( إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار ) وفي رواية ( فحرمها الله وذريتها على النار ). وأخرج الحافظ أبو القاسم الدمشقي أنه قال ( يا فاطمة لم سميت فاطمة ) قال علي لم سميت فاطمة يا رسول الله قال ( إن الله قد فطمها وذريتها من النار ). وأخرج النسائي ( إن ابنتي فاطمة حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث إنما سماها فاطمة لأن الله فطمها ومحبيها عن النار ). وأخرج الطبراني بسند رجاله ثقات أنه قال لها ( إن الله غير معذبك ولا أحد من ولدك ). وورد أيضا ( يا عباس إن الله غير معذبك ولا أحد من ولدك ). وصح ( يا بني عبد المطلب ) وفي رواية ( يا بني هاشم إني قد سألت الله عز وجل لكم أن يجعلكم رحماء نجباء وسألته أن يهدي ضالكم ويؤمن خائفكم ويشبع جائعكم ). وأخرج الديلمي وغيره أنه قال ( نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة أنا وحمزة وجعفر بن أبي طالب والحسن والحسين والمهدي ). وفي حديث ضعيف عن علي شكوت إلى رسول الله حسد الناس فقال لي ( أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذريتنا خلف أزواجنا ). وأخرج أحمد في المناقب أنه قال لعلي ( أما ترضى أنك معي في الجنة والحسن والحسين وذريتنا خلف ظهورنا وأزواجنا خلف ذريتنا وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا ). ومر عن علي في الآية الثامنة بيان صفة تلك الشيعة فراجع ذلك فإنه مهم وبه تبين لك أن أن الفرقة المسماة بالشيعة الآن إنما هم شيعة إبليس لأنه استولى على عقولهم فأضلها ضلالا مبينا. وأخرج الطبراني أنه قال لعلي ( أول أربعة يدخلون الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وذرياتنا خلف ظهورنا وأزواجنا خلف ذرياتنا وشيعتنا عن. وسنده ضعيف لكن يشهد له ما صح عن ابن عباس ( إن الله يرفع ذرية المؤمن معه في درجته وإن كانوا دونه في الع مل ) ثم قرأ ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ) الطور ٢١ الآية. وأخرج الديلمي ( يا علي إن الله قد غفر لك ولذريتك ولولدك ولأهلك ولشيعتك ولمحبي شيعتك فأبشر فإنك الأنزع البطين ). وهو /ضعيف /. وكذا خبر ( أنت وشيعتك تردون علي الحوض روا ة مرويين مبيضة وجوهكم وإن عدوك يردون علي الحوض ظماء مقمحين ). ضعيف أيضا. ومر بيان صفات شيعته فاحذر من غرور الضالين وتمويه الجاحدين الرافضة والشيعة ونحوهما ( قاتلهم الله أنى يؤفكون ) التوبة ٣٠.

الآية الحادية عشرة قوله تعالى ( إن الذين آمنوا وعملوا الصا لحات أولئك هم خير البرية ) البينة ٧. أخرج الحافظ جمال الدين الزرندي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الآية لما نزلت قال النبي لعلي ( هو أنت وشيعتك تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ويأتي عدوك غضابا مقمحين ) قال ومن عدوي قال ( من تبرأ منك ولعنك ). وخبر ( السابقون إلى ظل العرش يوم القيامة طوبى لهم ). قيل ومن هم يا رسول الله قال ( شيعتك يا علي ومحبوك ) فيه كذاب. واستحضر ما مر في صفات شيعته واستحضر أيضا الأخبار السابقة في المقدمات أول الباب في الرافضة. وأخرج الدارقطني ( يا أبا الحسن أما أنت وشيعتك في الجنة وإن قوما يزعمون أنهم يحبونك يصغرون الإسلام ثم يلفظونه يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية لهم نبز يقال لهم الرافضة فإن أدركتهم فقاتلهم فإنهم مشركون ). قال الدارقطني لهذا الحديث عندنا طرقات كثيرة ثم أخرج عن أم سلمة رضي الله عنها قالت كانت ليلتي وكان النبي عندي فأتته فاطمة فتبعها علي رضي الله عنهما فقال النبي ( يا علي أنت وأصحابك في الجنة أنت وشيعتك في الجنة إلا أنه ممن يزعم ممن يحبك أقوام يصغرون الإسلام يلفظونه يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم لهم نبز يقال لهم الرافضة فجاهدهم فإنهم مشركون ) قالوا يا رسول الله ما العلامة فيهم قال ( لا يشهدون جمعة ولا جماعة ويطعنون على السلف ). ومن ثم قال موسى بن علي بن الحسين بن علي وكان فاضلا عن أبيه عن جده إنما شيعتنا منأطاع الله ورسوله وعمل أعمالنا. الآية الثانية عشرة قوله تعالى ( وإنه لعلم للساعة ) الزخرف ٦١. قال مقاتل بن سليمان ومن تبعه من المفسرين إن هذه الآية نزلت في المهدي وستأتي الأحاديث المصرحة بأنه من أهل البيت النبوي وحينئذ ففي الآية دلالة على البركة في نسل فاطمة رضي الله عنهما وأن الله ليخرج منهما كثيرا طيبا وأن يجعل نسلهما مفاتيح الحكمة ومعادن الرحمة. وسر ذلك أنه أعاذها وذريتها من الشيطان الرجيم. ودعا لعلي بمثل ذلك وشرح ذلك كله يعلم بسياق الأحاديث الدالة عليه. وأخرج النسائي بسند صحيح أن نفرا من الأنصار قالوا لعلي رضي الله عنه لو كانت عندك فاطمة. فدخل على النبي يعني ليخطيها فسلم عليه فقال له ( ما حاجة ابن أبي طالب ) قال فذكرت فاطمة. فقال ( مرحبا وأهلا ) فخرج إلى الرهط من الأنصار ينتظرونه فقالوا له ما وراءك قال ما أدري غير أنه قال لي مرحبا وأهلا قالوا يكفيك من رسول الله أحدهما قد أعطاك الأهل وأعطاك الرحب فلما كان بعد ما زوجه قال له ( يا علي إنه لا بد للعرس من وليمة ). قال سعد رضي الله عنه عندي كبش وجمع له رهط من الأنصار آصعا من ذرة فلما كان ليلة البناء قال ( يا علي لا تحدث شيئا حتى تلقاني ) فدعا بماء فتوضأ به ثم أفرغه على علي وفاطمة رضي الله تعالى عنهما فقال ( اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في نسلهما ) وفي رواية ( في شملهما ) وهو بالتحريك الجماع وفي أخرى ( شبليهما ) قيل وهو تضعيف فإن صحت فالشبل ولد الأسد فيكون ذلك كشفا واطلاعا منه على أنها تلد الحسنين فأطلق عليهما شبلين وهما كذلك. وأخرج أبو علي الحسن بن شاذان أن جبريل جاء إلى النبي فقال إن الله يأمرك أن تزوج فاطمة من علي فدعا جماعة من أصحابه فقال ( الحمد لله المحمود بنعمته ) الخطبة المشهورة ثم زوج عليا وكان غائبا وفي آخرها ( فجمع الله شملهما وأطاب نسلهما وجعل نسلهما مفاتيح الرحمة ومعادن الحكمة وأمن الأمة ) فلما حضر علي تبسم وقال له ( إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة على أربعمائة مثقال فضة أرضيت بذلك ) فقال قد رضيتها يا رسول الله ثم خر علي ساجدا لله شكرا فلما رفع رأسه قال له ( بارك الله لكما وبارك فيكما وأعز جدكما وأخرج منكما الكثير الطيب ). قال أنس رضي الله عنه والله لقد أخرج الله منهما الكثير الطيب وأخرج أكثره أبو الخير القزويني الحاكمي. والعقد له مع غيبته سائغ لأن من خصائصه أن ينكح من شاء لمن شاء بلا إذن لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم على أنه يحتمل أنه بحضور وكيله ويحتمل أنه إعلام لهم بما سيفعله وقوله قد رضيتها يحتمل أنه إخبار عن رضاه بوقوع العقد السابق من وكيله فهي واقعة حال محتملة. وأخرج أبو داود السجستاني أن أبا بكر خطبها فأعرض عنه ثم عمر فأعرض عنه فأتيا عليا فنبهاه إلى خطبتها فجاء فخطبها فقال له ( ما معك ) فقال فرسي وبدني. قال ( أما فرسك فلا بد لك منه وأما بدنك فبعها وائتني بها ) فباعها بار بعمائة وثمانين ثم وضعها في حجره فقبض منها قبضة وأمر بلالا أن يشتري بها طيبا ثم أمرهم أن يجهزوها فعمل لها سريرا شريط وفي شريط وسادة من أدم حشوها ليف وملأ البيت كثيبا يعني رملا وأمر أم أيمن أن تنطلق إلى ابنته وقال لعلي ( لا تعجل حتى آتيك ) ثم أتاهم فقال لأم أيمن ههنا أخي قالت أخوك وتزوجه ابنتك قال ( نعم ) فدخل على فاطمة ودعا بماء فأتته بقدح فيه ماء فمج فيه ثم نضح على رأسها وبين ثدييها وقال ( اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) ثم قال لعلي ( ائتني بماء ) فعلمت ما يريد فملأت القعب فأتيته به فنضح منه على رأسي وبين كتفي وقال ( اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم ). ثم قال ( ادخل بأهلك على اسم الله تعالى وبركته ) وأخرج أحمد وأبو حاتم نحوه. وقد ظهرت بركة دعائه في نسلهما فكان منه من مضى ومن يأتي ولو لم يكن في الآتين إلا الإمام المهدي لكفى وسيأتي في الفصل الثاني جملة مستكثرة من الأحاديث المبشرة به. ومن ذلك ما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي وآخرون ( المهدي من عترتي من ولد فاطمة ). وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه ( لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله فيه رجلا من عترتي ) وفي رواية ( رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا ) وفي رواية لمن عدا الأخير ( لا تذهب الدنيا ولا تنقضي حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي ) وفي أخرى لأبي داود والترمذي ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ). وأحمد وغيره ( المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة ). والطبراني ( المهدي منا يختم الدين بنا كما فتح بنا ). والحاكم في صحيحه ( يحل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه حتى لا يجد الرجل ملجأ فيبعث الله رجلا من عترتي أهل بيتي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يحبه ساكن الأرض وساكن السماء وترسل السماء قطرها وتخرج الأرض نباتها لا تمسك فيها شيئا يعيش فيهم سبع سنين أو ثمانيا أو تسعا يتمنى الأحياء الأموات مما صنع الله بأهل الأرض من خيره ). وروىا الطبراني والبزار نحوه وفيه ( يمكث فيكم سبعا أو ثمانيا فإن أكثر فتسعا ). وفي رواية لأبي داود والحاكم ( يملك فيكم سبع سنين ) وفي أخرى للترمذي. ( إن في أمتي المهدي يخرج يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا فيجيء إليه الرجل فيقول يا مهدي أعطني أعطني فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن ) يعمل رواية وفي رواية ( فيلبث في ذلك ستا أو سبعا أو ثمانيا أو تسع سنين ). وسيأتي أن الذي اتفقت عليه الأحاديث سبع سنين من غير شك. وأخرج أحمد ومسلم ( يكون في آخر الزمان خليفة يحثو المال حثيا ولا يعده عدا ). وابن ماجه مرفوعا ( يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي سلطانه ). وصح أن اسمه يوافق اسم النبي واسم أبيه اسم أبيه. وأخرج ابن ماجة بينما نحن عند رسول الله إذ أقبل فئة من بني هاشم فلما رآهم اغرورقت عيناه وتغير لونه. قال فقلت ما نز ال نرى في وجهك شيئا نكرهه فقال ( إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء شديدا وتطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسالون الخير فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطا كما ملأوها جورا فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوا على الثلج ). وفي سنده من هو سيء الحفظ مع اختلاطه في آخر عمره. وأخرج أحمد عن ثوبان مرفوعا ( إذا رأيتم الرايات السود قد خرجت من خراسان فأتوها ولو حبوا على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي ) وفي سنده مضعف له مناكير. وإنما أخرج له مسلم متابعة ولا حجة في هذا والذي قبله لو فرض انهما صحيحان لمن زعم أن المهدي ثالث خلفاء بني العباس. وأخرج نصير بن حماد مرفوعا ( هو رجل من عترتي يقاتل عن سنتي كما قاتلت انا على الوحي. وأخرج أبو نعيم ليبعثن الله رجلا من عترتي أفرق الثنايا أجلى الجبهة يملأ الأرض عدلا يفيض المال فيضا ). وأخرج الروياني والطبراني وغيرهما ( المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدري اللون لون عربي والجسم جسم إسرائيلي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضى لخلافته أهل السماء وأهل الأرض والطير في الجو يملك عشرين سنة ). وأخرج الطبراني مرفوعا ( يلتفت المهدي وقد نزل عيسى ابن مريم عليه السلام كأنما يقطر من شعره الماء فيقول المهدي تقدم فصل بالناس فيقول عيسى إنما أقيمت الصلاة لك فيصلي خلف رجل من ولدي ) الحديث. وفي صحيح ابن حبان في إمامة المهدي نحوه. وصح مرفوعا ( ينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا فيقول لا إن بعضكم أئمة على بعض تكرمة الله هذه الأمة ). وأخرج ابن ماجة والحاكم أنه قال ( لا يزداد الأمر إلا شدة ولا الدنيا إلا إدبارا ولا الناس إلا شحا ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ولا مهدي إلا عيسى ابن مريم ) أي لا مهدي على الحقيقة سواه لوضعه الجزية وإهلاكه الملل المخالفة لملتنا كما صحت به الأحاديث أو لا مهدي معصوما إلا هو ولقد قال إبراهيم بن ميسرة لطاوس عمر بن عبد العزيز المهدي قال لا إنه لم يستكمل العدل كله. أي فهو من جملة المهديين ول يس الموعود به آخر الزمان وقد صرح أحمد وغيره بأنه من المهديين المذكورين في قوله ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ). ثم تأويل حديث ( لا مهدي إلا عيسى ) إنما هو على تقدير ثبوته وإلا فقد قال الحاكم أوردته تعجبا لا محتجا به. وقال البيهقي تفرد به محمد بن خالد وقد قال الحاكم إنه مجهول واختلف عنه في إسناده وصرح النسائي بأنه منكر وجزم غيره من الحفاظ بان الأحاديث التي قبله أي الناصة على أن المهدي من ولد فاطمة أصح إسنادا. وأخرج ابن عساكر عن علي ( إذا قام قائم آل محمد جمع الله أهل المشرق وأهل المغرب فأما الرفقاء فمن أهل الكوفة وأما الأبدال فمن أهل الشام ) وصح أنه قال ( يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من المدينة هاربا إلى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام ويبعث إليهم بعث من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال أهل الشام وعصائب أهل العراق فيبايعونه ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم وذلك بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيقسم المال ويعمل في الناس بسنة نبيهم ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض ) وأخرج الطبراني أنه قال لفاطمة ( نبينا خير الأنبياء وهو أبوك وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك حمزة ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث شاء هو ابن عم أبيك جعفر ومناسبطا هذه الأمة الحسن والحسين وهما ابناك ) والمراد أنه يتشعب منهما قبيلتان ويكون من نسلهما خلق كثير ومنا المهدي. وأخرج ابن ماجه أنه قال ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي يملك جبل الديلم والقسطنطينية ). وصح عند الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما منا أهل البيت أربعة منا السفاح ومنا المنذر ومنا المنصور ومنا المهدي. فإن أراد بأهل البيت ما يشمل جميع بني هاشم ويكون الثلاثة الأول من نسل العباس والأخير من نسل فاطمة فلا إشكال فيه. وإن أراد أن هؤلاء الأربعة من نسل العباس أمكن حمل المهدي في كلامه على ثالث خلفاء بني العباس لأنه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أمية لما أوتيه من العدل التام والسيرة الحسنة ولأنه جاء في الحديث الصحيح أن اسم المهدي يوافق اسم النبي واسم أبيه اسم أبيه. والمهدي هذا كذلك لأنه محمد بن عبد الله المنصور ويؤيد ذلك خبر ابن عدي المهدي من ولد العباس عمي لكن قال الذهبي تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم وكان يضع الحديث. ولا ينافي هذا الحمل وصف ابن عباس للمهدي في كلامه بأنه يملأ الأرض عدلا كما ملئث جورا وتأمن البهائم السباع في زمنه وتلقي الأرض أفلاذ كبدها أي أمثال الأسطوان من الذهب والفضة لأن هذه الأوصاف يمكن تطبيقها على المهدي العباسي وإذا أمكن حمل كلامه على ما ذكرناه لم يناف الأحاديث الصحيحة السابقة أن المهدي من ولد فاطمة لأن المراد بالمهدي فيها الآتي آخر الزمان الذي يأتم به عيسى صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم. ورواية ( إنه يلي الأمر بعد المهدي اثنا عشر رجلا ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسين وآخر من غيرهم ) واهية جدا. كما قاله شيخ الإسلام والحافظ الشهاب ابن حجر أي مع مخالفتها للأحاديث الصحيحة أنه آخر الزمان وأن عيسى يأتم به ولخبر الطبراني ( سيكون من بعدي خلفاء ثم من بعد الخلفاء أمراء ثم من بعد الأمراء ملوك ومن بعد الملوك جبابرة ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ثم يؤمر القحطاني فوالذي بعثني بالحق ما هو دونه ) وفي نسخة ما يقوونه وعلى ما حملنا عليه كلام ابن عباس يمكن أن يحمل ما رواه هو عن النبي ( لن تهلك أمة أنا أولها وعيسى ابن مريم آخرها والمهدي وسطها ) أخرجه أبو نعيم. فيكون المراد به المهدي العباسي ثم رأيت بعضهم قال المراد بالوسط في خبر ( لن تهلك أمة أنا أولها ومهديها وسطها والمسيح ابن مريم آخرها ) ما قبل الآخر. وأخرج أحمد والماوردي أنه قال ( أبشروا بالمهدي رجل من قريش من عترتي يخرج في اختلاف من الناس وزلزال فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ويقسم المال صحاحا بالسوية ويملأ قلوب أمة محمد غنى ويسعهم عدله حتى إنه يأمر مناديا فينادي من له حاجة إلي فما يأتيه أحد إلا رجل واحد يأتيه فيسأله فيقول ائت السادن حتى يعطيك فيأتيه فيقول أنا رسول المهدي إليك لتعطيني مالا فيقول أحث فيحثي مالا يستطيع أن يحمله فيلقي حتى يكون قدر ما يستطيع أن يحمل فيخرج به فيندم فيقول أنا كنت أجشع أمة محمد نفسا كلهم دعي إلى هذا المال فتركه غيري فيرد عليه فيقول إنا لا نقبل شيئا أعطيناه فيلبث في ذلك ستا أو سبعا أو ثمانيا أو تسع سنين ولا خير في الحياة بعده ).

تنبيه الأظهر أن خروج المهدي قبل نزول عيسى عليه السلام وقيل بعده. قال أبو الحسن الآبري قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى بخروجه وأنه من أهل بيته وأنه يملأ الأرض عدلا وأنه يخرج مع عيسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام فيساعده على قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه. انتهى. وما ذكره من أن المهدي يصلي بعيسى هو الذي دلت عليه الأحاديث كما علمت. وأما ما صححه السعد التفتازاني من أن عيسى هو الإمام بالمهدي لأنه أفضل فإمامته أولى فلا شاهد له فيما علل به لأن القصد بإمامة المهدي لعيسى إنما هو إظهار أنه نزل تابعا لنبينا حاكما بشريعته غير مستقل بشيء من شريعة نفسه واقتداؤه ببعض هذه الأمة مع كونه أفضل من ذلك الإمام الذي اقتدى به فيه من إذاعة ذلك وإظهاره ما لا يخفى على أنه يمكن الجمع بأن يقال إن عيسى يقتدي بالمهدي أو لا لإظهار ذلك الغرض ثم بعد ذلك يقتدي المهدي به على أصل القاعدة من اقتداء المفضول بالفاضل وبه يجتمع القولان. وروى أبو داود في سننه أنه من ولد الحسن. وكأن سره ترك الحسن الخلافة لله عز وجل شفقة على الأمة فجعل الله القائم بالخلافة الحق عند شدة الحاجة إليها من ولده ليملأ الأرض عدلا. ورواية كونه من ولد الحسين واهية جدا ومع ذلك لا حجة فيه لما زعمته الرافضة أن المهدي هو الإمام أبو القاسم محمد الحجة بن الحسن العسكري ثاني عشر الأئمة الآتين في الفصل الآتي على اعتقاد الإمامية. ومما يرد عليهم ما صح أن اسم أبي المهدي يوافق اسم أبي النبي واسم أبي محمد الحجة لا يوافق ذلك ويرده أيضا قول علي مولد المهدي بالمدينة. ومحمد الحجة هذ إنما ولد بسر من رأى سنة خمس وخمسين ومائتين. ومن المجازفات والجهالات زعم بعضهم أن رواية إنه من أولاد الحسن ورو اية اسم أبيه اسم أبي كل منهما وهم. وزعمه أيضا أن الأمة أجمعت على أنه من أولاد الحسين وأنى له بتوهيم الرواة بالتشهي ونقل الإجماع بمجرد التخمين والحدس والقائلون من الرافضة بأن الحجة هذا هو المهدي يقولون لم يخلف أبوه غيره ومات وعمره خمس سنين آتاه الله فيها الحكمة كما آتاها يحيى عليه الصلاة والسلام صبيا وجعله إماما في حال الطفولية كما جعل عيسى عليه السلام. كذلك توفي أبوه بسر من رأى وتستر هو بالمدينة وله غيبتان صغرى من منذ ولادته إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وكبرى وفي آخرها يقوم وكان فقده يوم الجمعة سنة ست وتسعين ومائتين. فلم يدر أين ذهب خاف على نفسه فغاب فقال ابن خلكان والشيعة ترى فيه أنه المنتظر والقائم المهدي وهو صاحب السرداب عندهم وأقاويلهم فيه كثيرة وهم ينتظرون خروجه آخر الزمان من السرداب بسر من رأى دخله في دار أبيه وأمه تنظر إليه سنة خمس وستين ومائتين وعمره حينئذ تسع سنين فلم يعد يخرج إليها وقيل دخله وعمره أربع وقيل خمس وقيل سبعة عشر. انتهى ملخصا. والكثير على أن العسكري لم يكن له ولد لطلب أخيه جعفر ميراثه من تركته لما مات فدل طلبه أن أخاه لا ولد له وإلا لم يسعه الطلب وحكى السبكي عن جمهور الرافضة أنهم قائلون بأنه لا عقب للعسكري وأنه لم يثبت له ولد بعد أن تعصب قوم لإثباته وأن أخاه جعفرا أخذ ميراثه. وجعفر هذا ضللته فرقة من الشيعة ونسبوه للكذب في ادعائه ميراث أخيه ولذا سموه واتبعه فرقة وأثبتوا له الإمامة. والحاصل أنهم تنازعوا في المنتظر بعد وفاة العسكري على عشرين فرقة وأن الجمهور غير الإمامية على أن المهدي غير الحجة هذا إذ تغيب شخص هذه المدة المديدة من خوارق العادات فلو كان هو لكان وصفه بذلك أظهر من وصفه بغير ذلك مما مر. ثم المقرر في الشريعة المطهرة أن الصغير لا تصح ولايته فكيف ساغ لهؤلاء الحمقى المغ فلين أن يزعموا إمامة من عمره خمس سنين وأنه أوتي الحكم صبيا مع أنه لم يخبر به ما ذلك إلا مجازفة وجراءة على الشريعة الغراء. قال بعض أهل البيت وليت شعري من المخبر لهم بهذا وما طريقه ولقد صاروا بذلك وبوقوفهم بالخيل على ذلك السرداب وصياحهم بأن يخرج إليهم ضحكة لأ ولي الألباب ولقد أحسن القائل

ما آن للسرداب أن يلد الذي ** كلمتموه وبجهلكم ما آنا

فعلى عقولكم العفاء فإنكم ** ثلثتم العنقاء والغيلانا

وزعمت فرقة من الشيعة أن الإمام المهدي هو أبو القاسم محمد بن علي بن عمر بن الحسين السبط حبسه المعتصم فنقبت شيعته الحبس وأخرجوه وذهبوا به فلم يعرف له خبر. وفرقة أن الإمام المهدي محمد ابن الحنفية. قيل فقد بعد أخويه السبطين وقيل قبلهما وأنه حي بجبال رضوى. ولم تعد الرافضة من أهل البيت زيد بن علي بن الحسين مع أنه إمام جليل من الطبقة الثانية من التابعين بايعه كثيرون بالكوفة وطلبت منه الرافضة أن يتبرأ من الشيخين لينصروه فقال بل أتولاهما فقالوا إذا نرفضك. فقال اذهبوا فأنتم الرافضة. فسموا بذلك من حينئذ. وكان جملة من بايعه خمسة عشر ألفا وعند مبايعتهم قال له بعض بني العباس يا ابن عم لا يغرنك هؤلاء من نفسك ففي أهل بيتك لك أتم العبر وفي خذلانهم إياهم كفاية. ولما أبى إلا الخروج تقاعد عنه جماعة ممن بايعه وقالوا الإمام جعفر الصادق ابن أخيه الباقر فلم يبق معه إلا مائتا رجل وعشرون رجلا فجاء الحجاج بجموعه فهزم زيدا وأصابه سهم في جبهته فمات فدفن بأرض نهر وأجري الماء عليه ثم علم الحجاج به فنبشه ثم بعث برأسه وصلب جثته سنة إحدى أو اثنتين وعشرين ومائة واستمر مصلوبا حتى مات هشام بن عبد الملك وقام الوليد فدفنه وقيل بل كتب لعامله اعمد إلى عجل أهل العراق فحرقه ثم انسفه في اليم نسفا ففعل به ذلك. ورؤي النبي مستندا إلى جذعه المصلوب عليه وهو يقول للناس هكذا تفعلون بولدي. وروى غير واحد أنهم صلبوه مجردا فنسجت العنكبوت على عورته في يومه. ولم يعدوا أيضا إسحاق بن جعفر الصادق مع جلالة قدره حتى كان سفيان بن عيينة يقول عنه حدثني الثقة الرضى. وذهبت فرقة من الشيعة إلى إمامته. ثم من عجيب تناقض الرافضة أنهم لم يدعوها لزيد وإسحاق مع جلالتهما وادعاء زيد لها ومن قواعدهم أنها تثبت لمن ادعاها من أهل البيت وأظهر خوارق العادة الدالة على صدقه وادعوها لمحمد الحجة مع أنه لم يدعها ولا أظهر ذلك لغيبته عن أبيه صغيرا على ما زعموا واختفائه بحيث لم يره إلا آحاد زعموا رؤيته وكذبهم غيرهم فيها وقالوا لا وجود له أصلا كما مر فكيف يثبت له ذلك بمجرد الإمكان ويكتفي العاقل بذلك في باب العقائد ثم أي فائدة في إثبات الإمامة لعاجز عن أعبائها ثم ما هي الطريق المثبتة لأن كل واحد من الأئمة المذكورين ادعى الإمامة بمعنى ولاية الخلق وأظهر الخوارق على ذلك مع أن الطافح من كلماتهم الثابتة دال علىأنهم لا يدعون ذلك بل يبعدون منه وإن كانوا أهلا له ذكر ذلك بعض أهل البيت النبوي الذين طهر الله قلوبهم من الزيغ والضلال ونزه عقولهم من السفه وتناقض الآراء لتمسكهم بواضح البرهان وصحيح الاستدلال وألسنتهم عن الكذب والبهتان الموجب لأولئك غاية البوار والنكار.

الآية الثالثة عشرة قوله تعالى ( وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ) الأعراف ٤٦. أخرج الثعلبي في تفسير هذه الآية عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال الأعراف موضع عال من الصراط عليه العباس وحمزة وعلي بن أبي طالب وجعفر ذو الجناحين يعرفون محبيهم ببياض الوجوه مبغضيهم بسواد الوجوه. وأورد الديلمي وابنه معا لكن بلا إسناد أن عليا رضي الله عنه قال قال رسول الله ( اللهم ارزق من أبغضني وأهل بيتي كثرة المال والعيال ). كفاهم بذلك أن يكثر مالهم فيطول حسابهم وأن تكثر عيالهم فتكثر شياطينهم. وحكمة الدعاء عليهم بذلك أنه لا حامل على بغضه وبغض أهل بيته إلا الميل إلى الدنيا لما جبلوا عليه من محبة المال والولد فدعا عليهم بتكثير ذلك مع سلبهم نعمته فلا يكون إلا نقمة عليهم لكفرانهم نعمة من هدوا على يديه إيثارا للدنيا بخلاف من دعا له بتكثير ذلك كأنس رضي الله عنه إذ القصد به كون ذلك نعمة عليهم فيتوصل به إلى ما رتبه عليه من الأمور الأخروية والدنيوية النافعة.

الآية الرابعة عشرة قوله تعالى ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له ٢٥. اعلم أن هذه فيها حسنا ) إلى قوله ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ) الشورى ٢٣ الآية مشتملة على مقاصد وتوابع

المقصد الأول في تفسيرها

أخرج أحمد والطبراني وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الآية لما نزلت قالوا يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال ( علي وفاطمة وابناهما ). وفي سنده شيعي غال لكنه صدوق. وروى أبو الشيخ وغيره عن علي كرم الله وجهه فينا آل حم آية لا يحفظ مودتنا إلى كل مؤمن ثم قرأ ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ). وأخرج البزار والطبراني عن الحسن رضي الله عنه من طرق بعضها حسان أنه خطب خطبة من جملتها من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد ثم تلا ( واتبعت ملة آبائي إبراهيم ) الآية يوسف ٣٨ ثم قال أنا ابن البشير أنا ابن النذير ثم قال وأنا من أهل البيت الذين افترض الله عز وجل مودتهم وموالاتهم فقال فيما أنزل على محمد ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) وفي رواية الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم وأنزل فيهم ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ) الشورى ٢٣ واقتراف الحسنات مودتنا أهل البيت. وأخرج الطبراني عن زين العابدين أنه لما جيء به أسيرا عقب مقتل أبيه الحسين رضي الله عنهما وأقيم علىدرج دمشق قال بعض جفاة أهل الشام الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة فقال له ما قرأت ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلى المودة في القربى ) قال وأنتم هم قال نعم. وللشيخ الجليل شمس الدين ابن العربي رحمه الله

رأيت ولائي آل طه فريضة ** على رغم أهل البعد يورثني القربا

فما طلب المبعوث أجرا على الهدى ** بتبليغه إلا المودة في القربى

وأخرج أحمد عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية قالوا يا رسول الله من قرابتك... الحديث. وأخرج الثعلبي عن ابن عباس في ( ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ) قال المودة لآل محمد. ونقل الثعلبي والبغوي عنه أنه لما نزل قوله تعالى ( قل لا اسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال قوم في نفوسهم ما يريد إلا أن يحثنا على قرابته من بعده فأخبر جبريل النبي أنهم اتهموه فأنزل ( أم يقولون افترى على الله كذبا ) الشورى ٢٤ الآية فقال القوم يا رسول الله إنك صادق. فنزل ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ) الشورى ٢٥. ونقل القرطبي وغيره عن السدي أنه قال في قوله تعالى ( إن الله لغفور شكور ) الشورى ٢٣ غفور لذنوب آل محمد شكور لحسناتهم. ورأى ابن عباس حمل القربى في الآية على العموم ففي البخاري وغيره عنه أن ابن جبير لما فسر القربى بآل محمد قال له عجلت أي في التفسير إنه لم يكن بطن في قريش إلا كان فيه قرابة فقال ( إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة ) وفي رواية عنه ( قل لا أسألكم على ما أدعوكم عليه أجرا إلا المودة تودوني بقرابتي فيكم وتحفظوني في ذلك ). وفي أخرى عنه أنهم لما أبوا أن يبايعوه أنزل الله عليه ذلك فقال ( يا قوم إذا أبيتم أن تبايعوني فاحفظوا قرابتي ولا تؤذوني ) وتبعه على ذلك عكرمة فقال كانت قريش تصل الأرحام في الجاهلية فلما دعاهم إلى الله خالفوه وقاطعوه فأمرهم بصلة الرحم التي بينهم وبينهم. فقال ( إن لم تحفظوني فيما جئت به فاحفظوني لقرابتي فيكم ). وجرى على ذلك أيضا قتادة والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغ يرهم ويؤيده أن السورة مكية ورواية نزولها بالمدينة لما فخرت الأنصار على العباس وابنه ضعيفة. وعلى فرض صحتها تكون نزلت مرتين ومع ذلك فهذا كله لا ينافي ما مر من تخصيص القربى بالآل لأن من ذهب إليه كابن جبير اقتصر على أخص أفراد القربى وبين أن حفظهم آكد من حفظ بقية تلك الأفراد ويستفاد من الاقتصار عليهم طلب مودته وحفظه بالأولى لأنه إذا طلب حفظهم لأجله فحفظه هو أولى بذلك وأحرى ولذا لم ينسب ابن عباس ابن جبير إلى الخطأ بل إلى العجلة أي عن تأمل ان القصد من الآية العموم والأهم منها أولا وبالذات وده. ومما يؤيد أن لا مضادة بين تفسيري ابن جبير وابن عباس أن ابن جبير كان يفسر الآية تارة بهذا وتارة بهذا فافهم صحة إرادة كل منهما فيها بل جاء عن ابن عباس ما يوافق تفسير ابن جبير وهو روايته للحديث الذي ذكرنا أن في سنده شيعيا غاليا ولا ينافي ذلك كله أيضا تفسيرها بأن المراد إلا ال تودد إلى الله لما أخرجه غير واحد عن ابن عباس مرفوعا ( لا أسألكم على ما أتيتكم به من البينات والهدى أجرا إلا أن تودوا الله وتتقربوا إليه بطاعته ) ووجه عدم المنافاة أن من جملة مودة الله سبحانه والتقرب إليه مودة رسوله وأهل بيته وذكر بعض معاني اللفظ لا ينافي ما لا يضاده منها فضلا عما يومىء ويشير إليه. وقيل الآية منسوخة لأنها نزلت بمكة والمشركون يؤذونه أمرهم بمودته وصلة رحمه فلما هاجر إلى المدينة وآواه الأنصار ونصروه ألحقه الله بإخوانه من الأنبياء فأنزل ( قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله ) سبأ ٤٧ ورده البغوي بأن مودته وكف الأذى عنه ومودة أقاربه والتقرب إلى الله بالطاعة والعمل الصالح من فرائض الدين أي الباقية على ممر الأبد فلم يجز ادعاء بنسخ الآية الدالة على ذلك فإن هذا الحكم الذي دلت عليه باق مستمر فكيف يدعي رفعه ونسخ وإلا المودة استثناء منقطع أي لكني أذكركم أن تودوا القرابة التي بيني وبينكم فليس ذلك أجرا في مقابلة أداء الرسالة حتى تكون هذه الآية منافية للآية المذكورة التي استدلوا بها على النسخ. وقد بالغ الثعلبي في الرد عليهم فقال وكفى قبحا بقول من زعم أن التقرب إلى الله بطاعته ومودة نبيه وأهل بيته منسوخ انتهى. ويصح دعوى أنه متصل بخبر الملا في سيرته ( إن الله جعل أجري عليكم المودة في القربى وإني سائلكم عنهم غدا ). وحينئذ فتسمية ذلك أجرا مجاز

المقصد الثاني فيما تضمنته تلك الآية من طلب محبة آله وأن ذلك من كمال الإيمان

ولنفتح هذا المقصد بآية أخرى ثم نذكر الأحاديث الواردة فيه قال الله تعالى ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) مريم ٩٦. أخرج الحافظ السلفي عن محمد ابن الحنفية أنه قال في تفسير هذه الآية لا يبقى مؤمن إلا وفي قلبه ود لعلي وأهل بيته. وصح أنه قال ( أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله عز وجل وأحبوا أهل بيتي لحبي ). وذكر ابن الجوزي لهذا في العلل المتناهية وهم. وأخرج البيهقي وأبو الشيخ والديلمي أنه قال ( لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وتكون عترتي أحب إليه من نفسه ويكون أهلي أحب إليه من أهله وتكون ذاتي أحب إليه من ذاته ). وأخرج الديلمي أنه قال ( أدبوا أولادكم على ثلاث خصال حب نبيكم وحب أهل بيته وعلى قراءة القرآن ) الحديث. وصح أن العباس شكا إلى رسول الله ما يلقون من قريش من تعبيسهم في وجوههم وقطعهم حديثهم عند لقائهم فغضب غضبا شديدا حتى احمر وجهه ودر عرق بين عينيه وقال ( والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله ). وفي رواية صحيحة أيضا ( ما بال أقوام يتحدثون فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم والله لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبهم لله ولقرابتهم مني ). وفي أخرى ( والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتى يؤمنوا ولا يؤمنوا حتى يحبوكم لله ولرسوله أترجو مراد شفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب ). وفي أخرى ( لن يبلغوا خيرا حتى يحبوكم لله ولقرابتي ) وفي أخرى لا ( لا يؤمن أحدهم حتى يحبكم بحبي أترجون أن تدخلوا الجنة بشفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب ) وبقي له طرق أخرى كثيرة. وقدمت بنت أبي لهب المدينة مهاجرة فقيل لها لا تغني عنك هجرتك أنت بنت حطب النار فذكرت ذلك للنبي فاشتد غضبه ثم قال على منبره ( ما بال أقوام يؤذوني في نسبي وذوي رحمي ألا ومن آذي نبي وذوي رحمي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذ ى الله ). أخرجه ابن أبي عاصم والطبراني وابن مندة والبيهقي بألفاظ متقاربة وسميت تلك المرأة في رواية درة وفي أخرى سبيعة فإما هما لواحدة اسمان أو لقب واسم أو لامرأتين وتكون القصة تعددت لهما. وخرج عمرو الأسلمي وكان من أصحاب الحديبية مع علي رضي الله عنهما إلى اليمن فرأى منه جفوة فلما قدم المدينة أذاع شكايته فقال له النبي ( لقد آذيتني ) فقال أعوذ بالله أو أؤذيك يا رسول الله فقال ( بل من آذي عليا فقد آذاني ) أخرجه أحمد زاد ابن عبد البر ( من أحب عليا فقد أحبني ومن أبغض عليا فقد أبغضني ومن آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ). وكذلك وقع لبريدة أنه كان مع علي. في اليمن فقدم مغضبا عليه وأراد شكايته بجارية أخذها من الخمس فقيل له أخبره ليسقط علي من عينيه ورسول الله يسمع من رواء الباب فخرج مغضبا فقال ( ما بال أقوام ينتقصون عليا من أبغض عليا فقد أبغضني ومن فارق عليا فقد فارقني إن عليا مني وأنا منه خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم وأنا أفضل من إبراهيم ( ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) آل عمران ١٤ يا بريدة أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ ) الحديث. أخرجه الطبراني وفيه حسين الأشقر ومر أنه شيعي غال. وفي خبر ضعيف أنه قال ( الزموا مودتنا أهل البيت فإنه من لقي الله عز وجل وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمله إلا بمعرفة حقنا ). ويوافقه قول كعب الأحبار وعمر بن عبد العزيز ليس أحد من أهل بيت النبي إلا له شفاعة. وأخرج أبو الشيخ والديلمي ( من لم يعرف حق عترتي والأنصار والعرب فهو لإحدى ثلاث إما منافق وإما ولد زنية وإما امرؤ حملت به أمه في غير طهر ). وأخرج الديلمي ( من أحب الله أحب القرآن ومن أحب القرآن أحبني ومن أحبني أحب أصحابي وقرابتي ). ومر في الآية الثامنة ما له كبير تعلق بما نحن فيه فراجعه. وأخرج أبو بكر الخوارزمي أنه خرج عليهم ووجهه مشرق كدائرة القمر فسأله عبد الرحمن بن عوف فقال ( بشارة أتتني من ربي في أخي وابن عمي وابنتي بأن الله زوج عليا من فاطمة وأمر رضوان خازن الجنان فهز شجرة طوبى فحملت رقاقا يعني صكاكا بعدد محبي أهل ال بيت وأنشأ تحتها ملائكة من نور دفع إلى كل ملك صكا فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق فلا يبقى محب لأهل البيت إلا دفعت إليه صكا فيه فكاكه من النار فصار أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي من النار ). وأخرج الملا ( لا يحبنا أهل البيت إلا مؤمن تقي ولا يبغضنا إلا منافق شقي ). ومر خبر أحمد والترمذي ( من أحبني وأحب هذين يعني حسنا وحسينا وأباهما وأمهما كان معي في الجنة ). وفي رواية ( في درجتي ). زاد أبو داود ( ومات متبعا لسنتي ). وبها يعلم أن مجرد محبتهم من غير اتباع للسنة كما يزعمه الشيعة والرافضة من محبتهم مع مجانبتهم للسنة لا يفيد مدعيها شيئا من الخير بل تكون عليه وبالا وعذابا أليما في الدنيا والآخرة. وقد مر عن علي في الآية الثامنة بيان صفات شيعته الذين تنفعهم محبته ومحبة أهل بيته فراجع تلك الأوصاف فإنها تقضي على هؤلاء المنتحلين حبهم مع مخالفتهم هديهم بأنهم وصلوا إلى غاية الشقاوة والحماقة والجهالة والغباوة. رزقنا الله دوام محبتهم واتباع هديهم آمين. وأما خبر ( يا علي إن أهل شيعتنا يخرجون من قبورهم يوم القيامة على ما فيهم من الذنوب والعيوب وجوههم كالقمر ليلة البدر ) فموضوع كأحاديث كثيرة من هذا النمط بينها ابن الجوزي في موضوعاته. وأخرج الثعلبي في تفسير قوله تعالى ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) الشورى ٢٣ حديثا طويلا من هذا النمط قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر آثار الوضع لائحة عليه. وحديث ( من أحبنا بقلبه وأعاننا بيده ولسانه كنت أنا وهو في عليين ومن أحبنا بقلبه وأعاننا بلسانه وكف عنا يده فهو في الدرجة التي تليها ومن أحبنا بقلبه وكف عنا لسانه ويده فهو في الدرجة التي تليها ) في سنده رافضي غال في الرفض ورجل آخر متروك

المقصد الثالث فيما أشارت إليه من التحذير من بغضهم

صح انه قال ( والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله إلى النار ). وأخرج أحمد مرفوعا ( من أبغض أهل البيت فهو منافق ). وأخرج هو والترمذي عن جابر ( ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم عليا ). وخبر ( من ابغض أحدا من أهل بيتي فقد حرم شفاعتي ). موضوع. وهكذا خبر ( من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهوديا وإن شهد أن لا إله إلا الله ). فهو موضوع أيضا كما قاله ابن الجوزي والعقيلي وغير هذين مما مر وما يأتي مغن عنهما. وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن الحسن رضي الله عنه مرفوعا ( لا يبغضنا ولا يحسدنا أحد إلا ذيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من النار ). وفي رواية له ضعيفة أيضا من جملة قصة طويلة ( أنت الساب عليا لئن وردت عليه الحوض وما أراك ترده لتجدنه مشمرا حاسرا عن ذراعيه يذود الكفار والمنافقين عن حوض رسول الله قول الصادق المصدوق محمد ). وأخرج الطبراني ( يا علي معك يوم القيامة عصا من عصي الجنة تذود بها المنافقين عن الحوض ). وأحمد ( أعطيت في علي خمسا هن أحب إلي من الدنيا وما فيها أما واحدة فهو بين يدي الله حتى يفرغ من الحساب وأما الثانية فلواء الحمد بيده آدم ومن ولده تحته وأما الثالثة فواقف على حوضي يسقي من عرف من أمتي ). ومر خبر أنه قال لعلي ( إن عدوك يردون علي الحوض ظماء مقمحين ). وأخرج الديلمي مرفوعا ( بغض بني هاشم والأنصار كفر وبغض العرب نفاق ). وصحح الحاكم خبر انه قال ( يا بني عبد المطلب إني سألت الله لكم ثلاثا أن يثبت قائمكم وأن يهدي ضالكم وأن يعلم جاهلكم وسألت الله أن يجعلكم جودا ) وفي رواية نجدا من النجدة الشجاعة وشدة البأس ( نجباء رحماء فلو أن رجلا صفن بين الركن والمقام أي جمع قدميه فصلى وصام ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار ). وصح أيضا أنه قال ( ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب الزائد في كتاب الله عز وجل والمكذب بقدر الله والمتسلط على امتي بالجبروت ليذل من أعز الله ويعز من أذل الله والمستحل حرمة الله وفي رواية لحرم الله والمستحل من عترتي ما حرم الله والتارك للسنة ) وفي رواية زيادة سابع وهو ( المستأثر بالفيء ). وأخرج أحمد عن أبي رجاء أنه كان يقول لا تسبوا عليا ولا أهل هذا البيت إن جارا لنا قدم من الكوفة فقال ألم تروا هذا الفاسق ابن الفاسق إن الله قتله يعني الحسين فرماه الله بكوكبين في عينيه وطمس الله بصره.

تنبيه قال القاضي في الشفاء ما حاصله من سب أبا أحد من ذريته ولم تقم قرينة على إخراجه من ذلك قتل. وعلم من الأحاديث السابقة وجوب محبة أهل البيت وتحريم بغضهم التحريم الغليظ وبلزوم محبتهم صرح البيهقي والبغوي وغيرهما أنها من فرائض الدين بل نص عليه الشافعي فيما حكي عنه من قوله

يا أهل بيت رسول الله حبكم ** فرض من الله في القرآن أنزله

وفي ( توثيق عرى الإيمان ) للبارزي عن الإمام الحرالي ما حاصله إن خواص العلماء يجدون في قلوبهم مزية تامة بمحبته ثم محبة ذريته لعلمهم باصطفاء نطفهم الكريمة ثم بمحبة أولاد العشرة المبشرين بالجنة ثم أولاد بقية الصحابة وينظرون إليهم اليوم نظرهم إلى آبائهم بالأمس لو رأوهم وينبغي الإغضاء عن انتقادهم ومن ثم ينبغي أن الفاسق من أهل البيت لبدعة أو غيرها إنما نبغض أفعاله لا ذاته لأنها بضعة منه وإن كان بينه وبينها وسائط. وأخرج أبو سعد في شرف النبوة وابن المثنى أنه قال ( يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك ). فمن آذى أحدا من ولدها فقد تعرض لهذا الخطر العظيم لأنه أغضبها ومن أحبهم فقد تعرض لرضاها ولذا صرح العلماء بأنه ينبغي إكرام سكان بلده وإن تحقق منهم ابتداع أو نحوه رعاية لحرمة جواره الشريف فما بالك بذريته الذين هم بضعة منه. وروى في قوله تعالى ( وكان أبوهما صالحا ) الكهف ٨٢ أنه كان بينهم وبين الأب الذي حفظا فيه سبعة أو تسعة آباء. ومن ثم قال جعفر الصادق احفظوا فينا ما حفظ الله الصالح في اليتيمين وما انتقد ذريته محب لمحمد

المقصد الرابع مما أشارت إليه الآية الحث على صلتهم وإدخال السرور عليهم

وورد. أخرج الديلمي مرفوعا ( من أراد التوسل إلي وأن يكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة فليصل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم ). وروى عن عمر من طرق أنه قال للزبير انطلق بنا نزور الحسن بن علي رضي الله عنهما فتباطأ عليه الزبير فقال أما علمت أن عيادة بني هاشم فر يضة وزيارتهم نافلة أراد أن ذلك فيهم آكد منه في غيرهم لا حقيقة الفريضة فهو على حد قوله ( غسل الجمعة واجب ). وأخرج الخطيب مرفوعا ( يقوم الرجل للرجل إلا بني هاشم فإنهم لا يقومون لأحد ). وأخرج الطبراني مرفوعا ( من اصطنع إلى أحد من ولد عبد المطلب يدا فلم يكاف ئه بها في الدنيا فعلي مكافأته غدا إذا لقيني ). زاد الثعلبي في رواية لكن في سندها كذاب ( وحرمت الجنة على من ظلمني في أهل بيتي وآذاني في عترتي ). وفي خبر ضعيف ( أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة المكرم لذريتي والقاضي لهم حوائجهم والساعي لهم في أمورهم عندما اضط روا إليه والمحب لهم بقلبه ولسانه ). وأخرج الملا في سيرته أنه أرسل أبا ذر ينادي عليا فرأى رحى تطحن في بيته وليس معها أحد فأخبر النبي بذلك فقال ( يا أبا ذر أما علمت أن لله ملائكة سياحين في الأرض قد وكلوا بمعونة آل محمد ). وأخرج أبو الشيخ من جملة حديث طويل ( يا أيها الناس إن الفضل والشرف والمنزلة والولاية لرسول الله وذريته فلا تذهبن بكم الأباطيل

المقصد الخامس مما أشارت إليه الآية من توقيرهم وتعظيمهم والثناء عليهم

ومن ثم كثر ذلك من السلف في حقهم اقتداء به فإنه كان يكرم بني هاشم كما مر ودرج على ذلك الخلفاء الراشدون فمن بعدهم. أخرج البخاري في صحيحه عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله أحب إلي أن أصل من قرابتي وفي رواية أحب إلي من قرابتي. وفي أخرى والله لأن أصلكم أحب إلي من أن أصل قرابتي لقرابتكم من رسول الله ولعظم الحق الذي جعله الله له على كل مسلم. وهذا قاله رضي الله عنه على سبيل الاعتذار لفاطمة رضي الله عنها عن منعه إياها ما طلبت منه من تركة النبي وقد مر الكلام على ذلك في الشبه مبسوطا. وأخرج أيضا عنه ارقبوا محمدا في أهل بيته. وصح عنه أيضا انه حمل الحسن على عنقه مع ممازح ته لعلي رضي الله عنهم وبقوله وهو حامل له بأبي شبيه بالنبي ليس شبيها بعلي وعلي يضحك. ويوافقه قول أنس كما في البخاري عنه لم يكن أحد أشبه بالنبي من الحسن. لكنه قال ذلك في الحسين رضي الله عنهم وطريق الجمع بينهما قول علي كما أخرجه الترمذي وابن حبان عنه الحسن أشبه برسول الله ما بين الرأس إلى الصدر والحسين أشبه بالنبي ما كان أسفل من ذلك. وورد في جماعة من بني هاشم وغيرهم أنهم كانوا يشبهونه أيضا وقد ذكرت عدتهم في شرحي لشمائل الترمذي. وأخرج الدارقطني أن الحسن جاء لأبي بكر رضي الله عنهما وهو على منبر رسول الله فقال انزل عن مجلس أبي. فقال صدقت والله إنه لمجلس أبيك ثم أخذه وأجلسه في حجره وبكى. فقال علي رضي الله عنه أما والله ما كان عن رأيي. فقال صدقت والله ما اتهمتك. فانظر لعظم محبة أبي بكر وتعظيمه وتوقيره للحسن حيث أجلسه على حجره وبكى. ووقع للحسين نحو ذلك مع عمر وهو على المنبر فقال له منبر أبيك والله لا منبر أبي. فقال علي والله ما أمرت بذلك. فقال عمر والله ما اتهمناك. زاد ابن سعد أنه أخذه فأقعده إلى جنبه وقال وهل أنبت الشعر على رؤوسنا إلا أبوك أي إن الرفعة ما نلناها إلا به. وأخرج العسكري عن أنس قال بينما النبي في المسجد إذ أقبل علي فسلم ثم وقف ينظر موضعا يجلس فيه فنظر في وجوه الصحابة أيهم يوسع له وكان أبو بكر رضي الله عنه يمينه فتزحزح له عن مجلسه وقال له ههنا يا أبا حسن فجلس بين النبي وبين أبي بكر فعرف السرور في وجه رسول الله وقال ( يا أبا بكر إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل ). وأخرج ابن شاذان عن عائشة أن أبا بكر فعل نظير ذلك مع العباس أيضا فقال له النبي ذلك وتأسى في ذلك به فقد أخرج البغوي عن عائشة رضي الله عنها لقد رأيت من تعظيم رسول الله عمه العباس أمرا عجيبا. وأخرج الدارقطني أنه كان إذا جلس أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره وعثمان بين يديه وكان كاتب سر رسول الله فإذا جاء العباس ابن عبد المطلب تنحى أبو بكر وجلس العباس مكانه. وأخرج ابن عبد البر أن الصحابة كانوا يعرفون للعباس فضله فيقدمونه ويشاورونه ويأخذون برأيه رضي الله عنهم. وكان أبو بكر يكثر النظر إلى وجه علي فسألته عائشة فقال سمعت رسول الله يقول ( النظر إلى وجه علي عبادة ). ومر نحو هذا وأنه حديث حسن. ولما جاء أبو بكر وعلي لزيارة قبره بعد وفاته بستة أيام قال علي تقدم يا خليفة رسول الله. فقال أبو بكر ما كنت لأتقدم رجلا سمعت رسول الله يقول فيه ( علي مني كمنزلتي من ربي ). أخرجه ابن السمان. وأخرج الدارقطني عن الشعبي قال بينما أبو بكر جالس إذ طلع علي فلما رآه قال من سره أن ينظر إلى أعظم الناس منزلة وأقربهم قرابة وأفضلهم حالة وأعظمهم حقا عند رسول الله فلينظر إلى هذا الطالع. وأخرج أيضا أن عمر رأى رجلا يقع في علي فقال ويحك أتعرف عليا هذا ابن عمه وأشار إلى قبره والله ما آذيت إلا هذا في قبره. وفي رواية فإنك إن أبغضته آذيت هذا في قبره. /وسنده ضعيف /. وأخرج أيضا عن ابن المسيب قال قال عمر رضي الله تعالى عنه تحببوا إلى الأشراف وتوددوا واتقوا على اعراضكم من الس فلة واعلموا أنه لا يتم شرف إلا بولاية علي رضي الله تعالى عنه. وأخرج البخاري أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس رضي الله عنه وقال اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا محمد إذا قحطنا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون. وفي تاريخ دمشق أن الناس كرروا الاستسقاء عام الرمادة سنة سبعة عشر من الهجرة فلم يسقوا فقال عمر لأستسقين غدا بمن يسقيني الله به فلما أصبح غدا للعباس فدق عليه الباب فقال من قال عمر. قال ما حاجتك قال أخرج حتى نستسقي الله بك. قال اقعد فأرسل إلى بني هاشم أن تطهروا والبسوا من صا لح ثيابكم فاتوه فأخرج طيبا فطيبهم ثم خرج وعلي أمامه بين يديه والحسن عن يمينه والحسين عن يساره وبنو هاشم خلف ظهره فقال يا عمر لا تخلط بنا غيرنا ثم أتى المصلى فوقف فحمد الله وأثنى عليه وقال اللهم إنك خلقتنا ولم تؤامرنا وعلمت ما نحن عاملون قبل أن تخلقنا فلم يمنعك علمك فينا عن رزقنا اللهم فكما تفضلت في أوله تفضل علينا في آخره. قال جابر فما برحنا حتى سحت السماء علينا سحا فما وصلنا إلى منازلنا إلا خوضا فقال العباس أنا المسقي ابن المسقي ابن المسقي ابن المسقي خمس مرات وأشار إلى أن أباه عبد المطلب استسقى خمس مرات فسقي. وأخرج الحاكم أن عمر لما استسقى بالعباس فقال يا أيها الناس إن رسول الله كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده يعظمه ويفخمه ويبر قسمه فاقتدوا أيها الناس برسول الله في عمه العباس فاتخذوه وسيلة إلى الله عز وجل فيما نزل بكم. وأخرج ابن عبد البر من وجوه عن عمر أنه لما استسقى به قال اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك ونستشفع به فاحفظ فيه نبيك كما حفظت الغلامين بصلاح أبيهما وأتيناك مستغفرين ومستشفعين... الخبر. وفي رواية لابن قتيبة اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك وبقية آبائه وكثرة رجاله فإنك تقول وقولك الحق ( وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا ) الكهف ٨٢ فحفظتهما لصلاح أبيهما فاحفظ اللهم نبيك في عمه فقد دنونا به إليك مستشفعين. وأخرج ابن سعد أن كعبا قال لعمر إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابتهم سنة استسقوا بعصبة نبيهم فقال عمر هذا العباس انطلقوا بنا إليه فأتاه فقال يا أبا فضل ما ترى ما الناس فيه. وأخذ بيده وأجلسه معه على المنبر. وقال اللهم إنا قد توجهنا إليك بعم نبيك ثم دعا العباس. وأخرج ابن عبد البر أن العباس لم يمر بعمر وعثمان رضي الله عنهم راكبين إلا نزلا حتى يجوز إجلالا لعم رسول الله أن يمشي وهما راكبان. وأخرج الزبير بن بكار عن ابن شهاب أن أبا بكر وعمر زمن ولايتهما كان لا يلقاه واحد منهما راكبا إلا نزل وقاد دابته ومشى معه حتى يبلغ منزله أو مجلسه فيفارقه. وأخرج ابن أبي الدنيا أن عمر لما أراد أن يفرض للناس قالوا له ابدأ بنفسك فأبى وبدأ بالأقرب فالأقرب إلى رسول الله فلم يأت قبيلته إلا بعد خمس قبائل وفرض للبدريين خمسة آلاف ولمن ساواهم إسلاما ولم يشهد بدرا خمسة آلاف وللعباس اثني عشر ألفا وللحسنين كأبيهما ومن ثم قال ابن عباس إنه كان يحبهما لأنه فضلهما في العطاء على أولاده. وأخرج الدارقطني أنه رضي الله عنه قال لفاطمة ما من الخلق أحد أحب إلينا من أبيك وما من أحد أحب إلينا منك بعد أبيك. وأخرج أيضا أن عمر سأل عن علي فقيل له ذهب إلى أرضه فقال اذهبوا بنا إليه فوجدوه يعمل فعملوا معه ساعة ثم جلسوا يتحدثون فقال له علي يا أمير المؤمن ين أرأيت لو جاءك قوم من بني إسرائيل فقال لك أحدهم أنا ابن عم موسى أكانت له عندك أثرة على أصحابه قال نعم. قال فأنا والله أخو رسول الله وابن عمه. قال فنزع عمر رداءه فبسطه فقال لا والله لا يكون لك مجلس غيره حتى نفترق. فلم يزل جالسا عليه حتى تفرقوا. وذكر علي له ذلك إعلاما بأن ما فعله معه من مجيئه إليه وعمله معه في أرضه وهو أمير المؤمنين إنما هو لقرابته من رسول الله. فزاد عمر في إكرامه وأجلسه على ردائه. وأخرج أيضا أن عمر سأل عليا عن شيء فأجابه فقال له عمر أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن. وأخرج أيضا أنه قيل لعمر إنك تصنع بعلي شيئا ما تفعله ببقية الصحابة فقال إنه مولاي. وأخرج أيضا أن الحسن استأذن علىعمر فلم يؤذن له فجاء عبد الله بن عمر فلم يؤذن له فمضى الحسن فقال عمر علي به فجاء فقال يا أمير المؤمنين قلت إن لم يؤذن لعبد الله لا يؤذن لي. فقال أنت أحق بالإذن منه وهل أنبت الشعر في الرأس بعد الله إلا أنتم. وفي رواية له إذا جئت فلا تستأذن. وأخرج أيضا أنه جاءه أعرابيان يختصمان فأذن لعلي في القضاء بينهما فقضى فقال أحدهما هذا يقضي بيننا فوثب إليه عمر وأخذ بتلبيه وقال ويحك ما تدري من هذا هذا مولاي ومولى كل مؤمن ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن. وأخرج أحمد أن رجلا سأل معاوية عن مسألة فقال اسأل عنها عليا فهو أعلم. فقال يا أمير المؤمنين جوابك فيها أحب إلي من جواب علي. قال بئس ما قلت لقد كرهت رجلا كان رسول الله يغزه بالعلم غزا ولقد قال له ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه. وأخرجه آخرون بنحوه لكن زاد بعضهم قم لا أقام الله رجليك ومحا اسمه من الديوان ولقد كان عمر يسأله ويأخذ عنه ولقد شهدته إذا أشكل عيله شيء قال ههنا علي. وصلى زيد بن ثابت على جنازة أمه كما قاله ابن عبد البر فقربت له بغلته ليركب فأخذ ابن عباس بركابه فقال خل عنك يا ابن عم رسول الله فقال ابن عباس هكذا أمرنا ان نفعل بالعلماء لأنه كان يأخذ عنه العلم فقبل زيد يده وقال هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا. وصح عنه أنه كان يأتي لبيت بعض الصحابة ليأخذ عنه الحديث فيجده قائلا فيتوسد رداءه على بابه فتسفي الريح التراب على وجهه فإذا أخرج ورآه قال يا ابن عم رسول الله ماجاء بك ألا أرسلت إلي فآتيك. فيقول لا. أنا أحق أن آتيك. وحج ابن عباس مع معاوية رضي الله عنهم. وكان لمعاوية موكب ولابن عباس موكب ممن يطلب العلم. وقال عمر بن عبد العزيز لعبد الله بن حسن بن حسين إذا كانت لك حاجة فاكتب لي بها فإني أستحيي من الله أن يراك علي بابي. ولما دخلت عليه فاطمة بنت علي وهو أمير المؤمنين أخرج من عنده وقال لها ما على ظهر الأرض أهل بيت أحب إلي منكم ولأنتم أحب إلي من أهل بيتي. وقال أبو بكر بن عياش كما في الشفاء لو أتاني أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم لبدأت بحاجة علي قبلهما لقرابته من رسول الله ولأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي من أن أقدمه عليهما. ولما ضرب جعفر بن سليمان العباسي والي المدينة مالكا رضي الله عنه ونال منه وحمل مغشيا عليه وأفاق قال أشهدكم أني جعلت ضاربي في حل. ثم سئل فقال خفت أن أموت وألقى النبي وأستحيي منه أن يدخل بعض آله النار بسببي. ولما قدم المنصور المدينة أراد إقادته من جعفر فقال أعوذ بالله ولله ما ارتفع منه سوط إلا وقد جعلته في حل لقرابته من رسول الله. ودخل عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط على عمر بن عبد العزيز وهو حديث السن وله وفرة فرفع عمر مجلسه وأقبل عليه فلامه قومه فقال إن الثقة حدثني حتى كأني أسمعه من في رسول الله ( إنما فاطمة بضعة مني يسرني ما يسرها ). وأنا أعلم أن فاطمة لو كانت حية لسرها ما فعلت بابنها. وأخرج الخطيب أن أحمد بن حنبل رضي الله عنه كان إذا جاءه شيخ أو حدث من قريش أو الأشراف قدمهم بين يديه وخرج وراءهم. وكان أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يعظم أهل البيت كثيرا ويتقرب بالإنفاق على المتسترين منهم والظاهرين حتى قيل إنه بعث إلى متستر منهم باثنى عشر ألفا درهم وكان يحض أصحابه على ذلك. ولمبالغة الشافعي فيهم صرح بأنه من شيعتهم حتى قيل كيت وكيت. فأجاب عن ذلك بما قدمناه عنه من النظم البديع وله أيضا

آل النبي ذريعتي ** وهم إليه وسيلتي

أرجو بهم أعطى غدا ** يبدي اليمين صحيفتي

وقارف الزهري ذنبا فهام على وجهه فقال له زين العابدين قنوطك من رحمه الله التي وسعت كل شيء أعظم عليك من ذنبك. فقال الزهري الله أعلم حيث يجعل رسالته فرجع إلى أهله وماله

خاتمة فيما أخبر به مما حصل على آله ومما أصاب مسيئهم من الانتقام الشديد

وفي آداب أخرى قال ( إن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلا وتشريدا وإن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية وبنو وبنو المغيرة وبنو مخزوم ) صححه الحاكم لكن فيه إسماعيل والجمهور على أنه ضعيف لسوء حفظه وممن وثقه البخاري فقد نقل الترمذي عنه أنه ثقة مقارب الحديث ومن أشد الناس بغضا لأهل البيت مروان بن الحكم وكأن هذا هو سر الحديث الذي صححه الحاكم أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به النبي فيدعو له فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال ( هذا الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون ). وروى بعده بيسير عن محمد بن زيد قال لما بايع معاوية رضي الله عنه لابنه يزيد قال مروان سنة أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فقال عبد الرحمن بن أبي بكر بل سنة هرقل وقيصر فقال له مروان أنت الذي أنزل الله فيك ( والذي قال لوالديه أف لكما ) الأحقاف ١٧ فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها فقالت كذب والله ما هو به ولكن رسول الله لعن أبا مروان ومروانه في صلبه. ثم روى عن عمرو بن مرة الجهني وكانت له صحبة رضي الله تعالى عنه أن الحكم ابن أبي العاص استأذن على رسول الله فعرف صوته فقال ( ائذنوا له عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمن منهم وقليل ما هم يشرفون في الدنيا ويصغرون في الآخرة ذوو مكر وخديعة يعطون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق ). قال ابن ظفر وكان الحكم هذا يرمى بالداء العضال وكذلك أبو جهل كذا ذكر ذلك كله الدميري في حياة الحيوان. ولعنته للحكم وابنه لا تضرهما لأنه تدارك ذلك بقوله مما بينه في الحديث الآخر ( أنه بشر يغضب كما يغضب البشر وأنه سأل ربه أن من سبه أو لعنه أو دعا عليه أن يكون ذلك رحمة له وزكاة وكفارة وطهارة ). وما نقله عن ابن ظفر في أبي جهل لا يلام عليه فيه بخلافه في الحكم فإنه صحابي وقبيح أي قبح أن يرمى صحابي بذلك فليحمل على أنه إن صح ذلك كان يرمى به قبل الإسلام ومر في أحاديث المهدي أنه رأى فتية من بني هاشم فاغرورقت عيناه وتغير لونه ثم قال ( إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا ). وأخرج ابن عساكر ( إن أول الناس هلاكا قريش وأول هلاك قريش هلاك أهل بيتي ). ونحوه للطبراني وأبي يعلى

. واعلم أنه يتأكد في حق الناس عامة وأهل البيت خاصة رعاية أمور. الأول الاعتناء بتحصيل العلوم الشرعية فإنه لا فائدة في نسب من غير علم ودلائل الحث على الاعتناء بالعلوم الشرعية وآدابه وآداب العلماء والمتعلمين وتفصيل ذلك كله ظاهر معروف منكتب الأئمة فلا نطول به. الثاني ترك الفخر بالآباء وعدم التعويل عليهم من غير اكتساب للعلوم الدينية. فقد قال تعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) الحجرات ١٣ وفي البخاري وغيره أنه سئل أي الناس أكرم فقال ( أكرمهم عند الله أتقاهم ). وروى ابن جرير وغيره ( إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا أنسابكم يوم القيامة إلا عن أعمالكم إن أكرمكم عند الله أتقاكم ). وروى أحمد أنه قال ( انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى ). وأخرج ايضا من جملة خطبته وهو بمنى ( يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ولا فضل لعربي على عجمي ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى خيركم عند الله أتقاكم ). وأخرج القضاعي وغيره مرفوعا ( من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه ). وهو في مسلم من جملة حديث. وسبق في هذا الباب تخصيصه لأهل بيته بالحث على تقوى الله وخشيته وتحذيرهم على أن لا يكون أحد اقرب إليه منهم بالتقوى يوم القيامة وأن لا يؤثروا الدنيا على الآخرة اغترارا بأنسابهم وأن أولياءه يوم القيامة المتقون من كانوا حيث كانوا. وقد ذكر أهل السير أن زيد بن موسى الكاظم خرج على المأمون فظفر به فأرسله إلى أخيه الآتي علي الرضا فوبخه بكلام كثير من جملته ما أنت قائل لرسول الله إذا سفكت الدماء وأخفت السبيل وأخذت المال من غير حله أغرك حمقى أهل الكوفة وأن رسول الله قال ( إن فاطمة قد أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار ) هذا لمن خرج من بطنها مثل الحسن والحسين فقط لا لي ولك والله ما نالوا ذلك إلا بطاعة الله فإن أردت أن تنال بمعصية الله ما نالوه بطاعة الله إنك إذا لأكرم على الله منهم انتهى. فتأمل ذلك فما أعظم موقعه ممن وفقه الله من أهل هذا البيت المكرم فإن من يتأمل ذلك منهم لم يغتر بنسبه ورجع إلى الله سبحانه عما هو عليه مما لم يكن عليه المتقدمون الأئمة من آبائه واقتدى بهم في عظم مآثرهم وزهدهم وعباداتهم وتحليهم بالعلوم السنية والأحوال العلية والخوارق الجلية أعاد الله من بركتهم وحشرنا في زمرة محبيهم آمين. وأخرج أبو نعيم عن محمد الجواد الآتي ابن علي الرضا المتقدم آنفا أنه سئل عن حديث ( إن فاطمة أحصنت فرجها ). الحديث المذكور فقال بما مر عن أبيه ذاك خاص بالحسن والحسين. ولما استشار زيد أباه زين العابدين في الخروج نهاه وقال أخشى أن تكون المقتول المصلوب بظهر الكوفة أما علمت أنه لا يخرج أحد من ولد فاطمة على أحد من السلاطين قبل خروج السفياني إلا قتل فكان كما قال أبوه كما مرت قصته في هذا الباب. وأخرج أحمد وغيرها ما حاصله أنه كان إذا قدم من سفر أتى فاطمة وأطال المكث عندها ففي مرة صنعت لها مسكين من ورق وقلادة وقرطين وسترا لباب بيتها فقدم ودخل عليها ثم خرج وقد عرف الغضب في وجهه حتى جلس على المنبر فظنت أنه إنما فعل ذلك لما رأى ما صنعته فأرسلت به إليه ليجعله في سبيل الله فقال ( فعلت فداها أبوها ثلاث مرات ليست الدنيا من محمد ولا من آل محمد ولو كانت الدنيا تعدل عند الله في الخير جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء ) ثم قام فدخل عليها زاد أحمد أنه أمر ثوبان أن يدفع ذلك إلى بعض أصحابه وبأن يشتري لها قلادة من عصب وسوارين من عاج وقال ( إن هؤلاء أهل بيتي ولا أحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا ). فتأمل ذلك تجد الكمال ليس إلا بالتحلي بالزهد والورع والدأب في الطاعات والتخ لي عن سائر الرذالات وليس في التحلي بجمع الأموال ومحبة الدنيا والترفع بها إلا غاية المتاعب والنقائص والمثالب ولقد طلق علي الدنيا ثلاثا وقال لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها. ومر في فضائله طرف من ذلك. الثالث تعظيم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين لأنهم خير الأمم بشهادة قوله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) آل عمران ١١٠ وخير هذه الأمة بشهادة الحديث المتفق على صحته ( خير القرون قرني ). وقد قدمت في المقدمة الأولى من هذا الكتاب من الأحاديث الدالة على فضلهم وكمالهم ووجوب محبتهم واعتقاد كمالهم وبراءتهم من النقائص والجهالات والإقرار على باطل ما تقر به العيون وتزول به عمن أراد الله توفيقه وهدايته ما توالى عليه من المحن والغبون والفتون فاحذر أن تكون إلا مع السواد الأعظم من هذه الأمة أهل السنة والجماعة وأن تتخلف مع أولئك المتخلفين عن الكمالات إخوان الأهوية والبدع والضلال والحمق والجهالات فلا ينفعك حينئذ نسب وربما سلبت الإسلام فألحقت بأبي جهل وأبي لهب. الرابع اعلم أن ما أصيب به الحسين رضي الله تعالى عنه في يوم عاشوراء كما سيأتي بسط قصته إنما هو الشهادة الدالة على مزيد حظوته ورفعته ودرجته عند الله وإلحاقه بد رجات أهل بيته الطاهرين فمن ذكر ذلك اليوم مصابه لم ينبغ أن يشتغل إلا بالاسترجاع امتثالا للأمر وإحرازا لما رتبه تعالى عليه بقوله ( أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) البقرة ١٥٧ ولا يشتغل ذلك اليوم إلابنلاء ونحوه من عظائم الطاعات كالصوم وإياه ثم إياه أن يشغله ببدع الرافضة من الندب والحزن والنياحة والحزن إذ ليس ذلك من أخلاق المؤمنين وإلا لكان يوم وفاته أولى بذلك وأحرى أو ببدع الناصبة المتعصبين على أهل البيت أو الجهال المقابلين الفاسد بالفاسد والبدعة بالبدعة والشر بالشر من إظهار غاية الفرح وا لسرور واتخاذه عيدا وإظهار الزينة فيه كالخضاب والاكتحال ولبس جديد الثياب وتوسيع النفقات وطبخ الأطعمة والحبوب الخارجة عن العادات واعتقادهم أن ذلك من السنة والمعتاد والسنة ترك ذلك كله فإنه لم يرد في ذلك شيء يعتمد عليه ولا أثر صحيح يرجع إليه. وقد سئل بعض أئمة الحديث والفقه عن الكحل والغسل والحناء وطبخ الحبوب ولبس الجديد وإظهار السرور يوم عاشوراء فقال لم يرد فيه حديث صحيح عنه ولا عن أحد من أصحابه ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين لا من الأربعة ولا من غيرهم ولم يرد في الكتب المعتمدة في ذلك لا صحيح ولا ضعيف وما قيل ( إن من اكتحل يومه لم يرمد ذلك العام ومن اغتسل لم يمرض كذلك ومن وسع على عياله فيه وسع الله عليه سائر سنته ) وأمثال ذلك مثل فضل الصلاة فيه وأنه فيه توبة آدم واستواء السفينة على الجودي وإنجاء إبراهيم من النار وإفداء الذبيح بالكبش ورد يوسف على يعقوب فكل ذلك موضوع إلا حديث التوسعة على العيال لكن في سنده من تكلم فيه فصار هؤلاء لجهلهم يتخذونه موسما وأولئك لرفضهم يتخذونه مأتما وكلاهما مخطىء مخالف للسنة كذا ذكر ذلك جميعه بعض الحفاظ. وقد صرح الحاكم بأن الاكتحال يومه بدعة مع روايته خبر ( إن من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم ترمد عينه أبدا ) لكنه قال إنه منكر ومن ثم أورده ابن الجوزي في الموضوعات من طريق الحاكم. قال بعض الحفاظ ومن غير تلك الطريق ونقل المجد اللغوي عن الحاكم أن سائر الأحاديث في فضله غير الصوم وفضل الصلاة فيه والإنفاق والخضاب والادهان والاكتحال وطبخ الحبوب وغير ذلك كله موضوع ومفترى. وبذلك صرح ابن القيم أيضا فقال حديث الاكتحال والادهان والتطيب يوم عاشوراء من وضع الكذابين والكلام فيمن خص يوم عاشوراء بالكحل وما مر من أن التوسعة فيه لها أصل هو كذلك فقد أخرج حافظ الإسلام الزين العراقي في أماليه من طريق البيهقي أن النبي قال ( من وسع على عياله وأهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته ). ثم قال عقبه هذا حديث في إسناده لين لكنه حسن على رأي ابن حبان وله طريق آخر صححه الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر وفيه زيادات منكرة. وظاهر كلام البيهقي أن حديث التوسعة حسن على رأي غير ابن حبان أيضا فإنه رواه من طرق عن جماعة من الصحابة مرفوعا ثم قال وهذه الأسانيد وإن كانت ضعيفة لكنها إذا ضم بعضها إلى بعض أحدثت قوة وإنكار ابن تيمية أن التوسعة لم يرد فيها شيء عنه وهم لما علمت وقول أحمد إنه حديث لا يصح. أي لذاته فلا ينفي كونه حسنا لغيره والحسن لغيره يحتج به كما بين في علم الحديث. الخامس ينبغي لكل أحد أن يكون له غيرة على هذا النسب الشريف وضبطه حتى لا ينتسب إليه أحد إلا بحق ولم تزل أنساب أهل البيت النبوي مضبوطة على تطاول الأيام وأحسابهم التي بها يتميزون محفوظة عن أن يدعيها الجهال واللئام قد ألهم الله من يقوم بتصحيحها في كل زمان ومن يعتني بحفظ تفاصيلها في كل أوان خصوصا أنساب الطالبيين والمطلبيين ومن ثم وقع الاصطلاح على اختصاص الذرية الطاهرة ببني فاطمة من بين ذوي الشرف كالعباسيين والجعافرة بلبس الأخضر إظهارا لمزيد شرفهم قيل وسببه أن المأمون أراد أن يجعل الخلافة فيهم أي ويدل عليه ما يأتي في ترجمة علي الجواد من أنه عهد إليه بالخلافة فاتخذ لهم شعارا أخضر وألبسهم ثيابا خضرا لكون السواد شعار العباسيين والبياض شعار سائر اليهود في آخر الأمر ثم انثنى عزمه عن ذلك ورد الخلافة لبني العباس فبقي ذلك شعار الأشراف العلويين من بني الزهراء لكنهم اختصروا الثياب إلى قطعة ثوب خضراء توضع على عمائمهم شعارا لهم ثم انقطع ذلك إلى أواخر القرن الثامن ثم في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة أمر السلطان الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن قلاوون أن يمتازوا على الناس بعصائب خضر على العمائم ففعل ذلك بأكثر البلاد كمصر والشام وغيرهما وفي ذلك يقول ابن جابر الأندلسي الأعمى نزيل حلب وهو صاحب شرح ألفية ابن مالك المسمى بالأعمى والبصير

جعلوا لأبناء الرسول علامة ** إن العلامة شأن من لم يشهر

نور النبوة في كريم وجوههم ** يغني الشريف عن الطراز الأخضر

وقال في ذلك جماعة من الشعراء ما يطول ذكره ومن أحسنه قول الأديب محمد بن إبراهيم ابن بركة الدمشقي المزين

أطراف تيجان أتت من سندس ** خضر بأعلام على الأشراف

والأشرف السلطان خصهم بها ** شرفا ليعرفهم من الأطراف

هذا وقد ورد التحذير العظيم عن الانتساب إلى غير الآباء وأنه كافر ملعون ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله ( من انتسب إلى غير أبيه أو تولى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة فلا نطيل بذكرها أعاذنا الله من الكذب عليه وعلى أنبيائه وأوليائه وحشرنا في زمرة أهل هذا البيت النبوي المعظم المكرم فإننا من محبيهم وخدمة جنابهم ومن أحب قوما رجى أن يكون معهم بنص الحديث الصحيح وهذا هو علالة الضعيف المقصر مثلي عن أن يعمل بأعمال الصادقين أو يتحلى بعلي أحوال المخلصين لكن سعة الرجاء في مواهب ذي الجلال والإكرام تفيض إن شاء الله علينا غاية القبول والإنعام إنه أكرم كريم وأرحم رحيم

الفصل الثاني في سرد أحاديث واردة في أهل البيت

ومر أكثر هذا في الفصل الأول ولكن قصدت سردها في هذا الفصل ليكون ذلك أسرع لاستحضارها

الحديث الأ ول أخرج الديلمي عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله قال ( اشتد غضب الله على من آذاني في عترتي ). وورد أنه قال ( من أحب أن ينسأ أي يؤخر في أجله وأن يمتع بما خوله الله فليخلفني في أهلي خلافة حسنة فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره وورد علي يوم القيامة مسودا وجهه ).

الحديث الثاني أخرج الحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله قال ( إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك ) وفي رواية للبزار عن ابن عباس وعن ابن الزبير وللحاكم عن أبي ذر أيضا ( مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ).

الحديث الثالث أخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما ( أول من أشفع له يوم القيامة من أمتي أهل بيتي ثم الأقرب فالأقرب من قريش ثم الأنصار ثم من آمن بي واتبعني من أهل اليمن ثم من سائر العرب ثم الأعاجم ومن أشفع له أولا أفضل ).

الحديث الرابع أخرج الحاكم عن أبي هريرة أن رسول الله قال ( خيركم خيركم لأهلي من بعدي ).

الحديث الخامس أخرج الطبراني والحاكم عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن النبي قال سألت ربي أن لا أتزوج إلى أحد من أمتي ولا يتزوج إلي أحد من أمتي إلا كان معي في الجنة فأعطاني ذلك.

الحديث السادس أخرج الشيرازي في الألقاب عن ابن عباس أن رسول الله قال ( سألت ربي أن لا أزوج إلا من أهل الجنة ولا أتزوج إلا من أهل الجنة ).

الحديث السابع أخرج أبو القاسم بن بشران في أماليه عن عمران ابن حصين أن رسول الله قال ( سألت ربي أن لا يدخل أحدا من أهل بيتي النار فأعطاني ).

الحديث الثامن أخرج الترمذي والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال ( أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي ).

الحديث التاسع أخرج ابن عساكر عن علي كرم الله وجهه أن رسول الله قال ( من صنع إلى أهل بيتي يدا كافأته عليها يوم القيامة ).

الحديث العاشر أخرج الخطيب عن عثمان رضي الله عنه أن رسول الله قال ( من صنع صنيعة إلى أحد من خلف عبد المطلب في الدنيا فعلي مكافاته إذا لقيني ).

الحديث الحادي عشر أخرج ابن عساكر عن علي أن رسول الله قال ( من آذانى شعرة مني فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ).

الحديث الثاني عشر أخرج أبو يعلى عن سلمة بن الأكوع أن النبي قال ( النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي ).

الحديث الثالث عشر أخرج الحاكم عن أنس أن النبي قال ( وعدني ربي في أهل بيتي من أقر منهم لله بالتوحيد ولي بالبلاغ أن لا يعذبهم ).

الحديث الرابع عشر أخرج ابن عدي والديلمي عن علي أن رسول الله قال ( أثبتكم على الصراط أشدكم حبا لأهل بيتي ولأصحابي ).

الحديث الخامس عشر أخرج الترمذي عن حذيفة أن رسول الله قال ( إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم علي ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ).

الحديث السادس عشر أخرج الترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم أن رسول الله قال ( أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم ).

الحديث السابع عشر أخرج ابن ماجة عن العباس بن عبد المطلب أن رسول الله قال ( ما بال أقوام إذا جلس إليهم أحد من أهل بيتي قطعوا حديثهم والذي نفسي بيده لا يدخل قلب امرىء الإيمان حتى يحبهم لله ولقرابتي ).

الحديث الثامن عشر أخرج أحمد والترمذي عن علي أن رسول الله قال ( من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة ).

الحديث التاسع عشر أخرج ابن ماجة والحاكم عن أنس أن رسول الله قال ( نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي ).

الحديث العشرون أخرج الطبراني عن فاطمة الزهراء رضي الله عن أن النبي قال ( لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليه إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم ).

الحديث الحادي والعشرون وأخرج الطبراني عن عمر أن النبي قال ( كل بني أنثى فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا عصبتهم وأنا أبوهم ).

الحديث الثاني والعشرون أخرج الطبراني عن فاطمة أن النبي قال ( كل بني أنثى ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة فإني أنا وليهم وأنا عصبتهم وأنا أبوهم ).

الحديث الثالث والعشرون أخرج أحمد والحاكم عن المسور أن النبي قال ( فاطمة بضعة مني يغضبني ما يغضبها ويبسطني ما يبسطها وإن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسب بي وصهري ).

الحديث الرابع والعشرون أخرج البزار وأبو يعلى والطبراني والحاكم عن ابن مسعود أن النبي قال ( فاطمة أحصنت فرجها فحرمها الله وذريتها على النار ). ومما يندرج في هذا السلك وسلك الخلفاء الأربعة السابق ذكرهم الأحاديث الواردة في قريش لأنهم كلهم من قريش وهم ولد النضر بن كنانة فإن ما ثبت للأعم ثبت للأخص فلذا أثبتها على عد ما مر وأخرتها إلى هنا ليعم جميع من سبق فقلت.

الحديث الخامس والعشرون أخرج الشافعي واحمد رضي الله عنهما عن عبد الله بن حنطب قال خطبنا رسول الله يوم الجمعة فقال ( يا أيها الناس قدموا قريشا ولا تقدموها وتعلموا منها ولا تعلموها ).

الحديث السادس والعشرون أخرج البيهقي عن جبير بن مطعم أن النبي قال ( يا أيها الناس لا تتقدموا قريشا فتهلكوا ولا تخلفوا عنها فتضلوا ولا تعلموها وتعلموا منها فإنهم أعلم منكم لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بالذي لها عند الله عز وجل ).

الحديث السابع والعشرون أخرج الشيخان عن جابر أن النبي قال ( الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم والناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ).

الحديث الثامن والعشرون أخرج البخاري عن معاوية أن ال نبي قال ( إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا أكبه الله على وجهه في النار ).

الحديث التاسع والعشرون أخرج الطبراني عن ابن عباس أن النبي قال ( أمان لأهل الأرض من الغرق القوس وأمان لأهل الأرض من الاختلاف الموالاة لقريش قريش أهل الله فإذا خالفتها قبيلة من العرب صاروا حزب إبليس ). والقوس هو المشهور بقوس قزح سمي به لأنه أول ما رئي في الجاهلية على قزح جبل بالمزدلفة أو لأن قزح هو الشيطان ومن ثم قال علي لا تقل قوس قزح قزح هو الشيطان ولكنها قوس الله تعالى هي علامة كانت بين نوح على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام وبين ربه عز وجل وهي أمان لأهل الأرض من الغرق.

الحديث الثلاثون أخرج ابن عرفة العبدي أن النبي قال ( أحبوا قريشا فإن من أحبهم أحبه الله ).

الحديث الحادي والثلاثون أخرج مسلم. والترمذي وغيرهما عن واثلة أن النبي قال ( إن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل واصط فى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ). وفي رواية ( إن الله اصطفى من ولد آدم إبراهيم واتخذه خليلا واصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ثم اصطفى من ولد إسماعيل نزارا ثم اصطفى من نزار مضر ثم اصطفى من مضر كنانة ثم اصطفى من كنانة قريشا ثم اصطفى من قريش بني هاشم ثم اصطفى من بني هاشم بني عبد المطلب ثم اصطفاني من بني عبد المطلب ).

الحديث الثاني والثلاثون أخرج أحمد بسند جيد عن العباس قال بلغ رسول الله ما يقول الناس فصعد المنبر فقال ( من أنا ) قالوا أنت رسول الله فقال ( أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب إن الله خلق الخلق فجعلني من خير خلقه وجعلهم فرقتين فجعلني من خيرهم فرقة وجعل القبائل فجعلني من خيرهم قبيلة وجعلهم بيوتا فجعلني من خيرهم بيتا فأنا خيركم بيتا وأنا خيركم نفسا ).

الحديث الثالث والثلاثون أخرج أحمد والمحاملي والمخلص والذهبي وغيرهم عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله ( قال جبريل عليه السلام قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد رجلا أفضل من محمد وقلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم ).

الحديث الرابع والثلاثون أخرج أحمد والترمذي والحاكم عن سعد أن النبي قال ( من يرد هوان قريش أهانه الله ).

الحديث الخامس والثلاثون أخرج أحمد ومسلم عن جابر أن النبي قال ( الناس تبع لقريش في الخير ).

الحديث السادس والثلاثون أخرج أحمد عن ابن مسعود أن النبي قال ( أما بعد يا معشر قريش فإنكم أهل هذا الأمر ما لم تعصوا الله فإذا عصيتموه بعث الله عليكم من يلحاكم كما يلحى هذا القضيب ).

الحديث السابع والثلاثون أخرج أحمد ومسلم عن معاوية أن النبي قال إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا أكبه الله ما أقاموا الدسن.

الحديث الثامن والثلاثون أخرج أحمد والنسائي والضياء عن أنس أن النبي قال ( الأئمة من قريش ولهم عليكم حق ولكم مثل ذلك ما إن استرحموا رحموا وإن استحكموا عدلوا وإن عاهدوا وفوا فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ).

الحديث التاسع والثلاثون أخرج الطبراني عن جابر بن سمرة أن النبي قال ( يكون بعدي اثنا عشر أميرا كلهم من قريش ).

الحديث الأربعون أخرج الحسن بن سفيان وأبو نعيم أن النبي قال ( أعطيت قريش ما لم يعط الناس أعطوا ما أمطرت السماء وما جرت به الأنهار وما سالت به السيول ).

الحديث الحادي والأربعون أخرج الخطيب وابن عساكر عن أبي هر يرة أن النبي قال ( اللهم اهد قريشا فإن عالمها يملأ طباق الأرض علما اللهم كما أذقتهم عذابا فأذقهم نوالا ). وهذا العالم هو الشافعي رضي الله عنه كما قاله أحمد وغيره لأنه لم يحفظ لقريش من انتشر علمه في الآفاق ما حفظ الشافعي.

الحديث الثاني والأربعون أخرج الح اكم والبيهقي أن النبي قال ( الأئمة من قريش أبرارها أمراء أبرارها وفجارها أمراء فجارها وإن امرت عليكم قريش عبدا حبشيا مجدعا فاسمعوا له وأطيعوا ما لم يخير أحدكم بين إسلامه وضرب عنقه فإن خير بين إسلام أى تركه وضرب عنقه فليقدم عنقه ).

الحديث الثالث والأربعون أخرج أحمد وغيره أن النبي قال ( انظروا قريشا فخذوا من قولهم وذروا فعلهم ).

الحديث الرابع والأربعون أخرج البخاري في الأدب والحاكم والبيهقي عن أم هانىء أن النبي قال ( فضل الله قريشا بسبع خصال لم يعطها أحدا قبلهم ولا يعطاها أحد بعدهم فضل الله قريشا أني منهم وأن النبوة فيهم وأن الحجابة فيهم وأن السقاية فيهم ونصرهم على الفيل وعبدوا الله عشر سنين لا يعبده غيرهم وأنزل الله فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيها أحد غيرهم ( لإيلاف قريش ) ). وفي رواية للطبراني ( فضل الله قريشا بسبع خصال فضلهم بأنهم عبدوا الله عشر سنين لم يعبد الله إلا قرشي وفضلهم بأن نصرهم يوم الفيل وهم مشركون وفضلهم بأن نزلت فيهم سورة من القرآن لم يدخل فيها أحد غيرهم من العالمين وهي ( لإيلاف قريش ) وفضلهم بأن فيهم النبوة والخلافة والحجابة والسقاية(

الفصل الثالث في الأحاديث الواردة في بعض أهل البيت كفاطمة وولديها رضي الله عنهم

الحديث الأول أخرج أبو بكر في الغيلانيات عن أبي أيوب رضي الله عنه أن النبي قال ( إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش يا أهل الجمع نكسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد على الصراط فتمر مع سبعين ألف جارية من الحور العين كمر البرق ).

الحديث الثاني أخرج أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال ( إذا كان يوم القيامة ينادي مناد من بطنان العرش أيها الناس غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة إلى الجنة ).

الحديث الثالث أخرج أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي عن المسور بن مخرمة أن رسول الله قال ( إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن يثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما هي بضعة مني يريبني مايريبها ويؤذيني ما يؤذيها ).

الحديث الرابع أخرج الشيخان عن فاطمة رضي الله عنها أن النبي قال لها ( إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي فاتقي الله واصبري فإنه نعم السلف أنا لك ).

الحديث الخامس أخرج أحمد والترمذي والحاكم عن ابن الزبير رضي الله عنه أن النبي قال ( إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها ).

الحديث السادس أخرج الشيخان عنها أن النبي قال لها ( يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ).

الحديث السابع أخرج الترمذي والحاكم عن أسامة بن زيد أن النبي قال ( أحب أهلي إلي فاطمة ). الحديث الثامن أخرج الحاكم عن أبي سعيد أن النبي قال ( فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران ).

الحديث التاسع عن أبي هريرة أن النبي قال لعلي ( فاطمة أحب إلي منك وأنت أعز علي منها ).

الحديث العاشر أخرج أحمد والترمذي عن أبي سعيد والطبر اني عن عمر وعن علي وعن جابر وعن أبي هريرة وعن أسامة بن زيد وعن البراء وابن عدي عن ابن مسعود أن النبي قال ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ).

الحديث الحادي عشر أخرج ابن عساكر عن علي وعن ابن عمر وابن ماجة والحاكم عن ابن عمر والطبراني عن قرة وعن مالك بن الحويرث والحاكم عن ابن مسعود أن النبي قال ( ابناي هذان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما ).

الحديث الثاني عشر أخرج أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان عن حذيفة أن النبي قال له ( أما رأيت العارض الذي عرض لي قبل ذلك هو ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه عز وجل أن يسلم علي ويبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ).

الحديث الثالث عشر أخرج الطبراني عن فاطمة أن النبي قال ( أما حسن فله هيبتي وسؤددي وأما حسين فإن له جرأتي وجودي ).

الحديث الرابع عشر أخرج الترمذي عن ابن عمر أن النبي قال ( إن الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا ).

الحديث الخامس عشر أخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي بكرة أن النبي قال ( إن ابني هذين ريحانتاي من الدنيا ).

الحديث السادس عشر أخرج الترمذي وابن حبان عن أسامة بن زيد أن النبي قال ( هذان ابناي وابنا ابنتي اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما ).

الحديث السابع عشر أخرج أحمد وأصحاب السنن الأربعة وابن حبان والحاكم عن بريدة أن النبي قال ( صدق الله ورسوله ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما ).

الحديث الثامن عشر أخرج أبو داود عن المقداد بن معد يكرب أن النبي قال ( هذا مني يعني الحسن وحسين من علي ).

الحديث التاسع عشر أخرج البخاري وأبو يعلى وابن حبان والطبراني والحاكم عن أبي سعيد أن النبي قال ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم ).

الحديث العشرون أخرج أحمد وابن عساكر عن المقداد بن معد يكرب أن النبي قال ( الحسن مني والحسين من علي ).

الحديث الحادي والعشرون أخرج الطبراني عن عقبة بن عامر أن النبي قال ( الحسن والحسين شنفا العرش وليسا بمعلقين ).

الحديث الثاني والعشرون أخرج أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي بكرة أن النبي قال ( إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ) يعني الحسن.

الحديث الثالث والعشرون أخهرج البخاري في الأدب المفرد والترمذي وابن ماجة عن يعلى بن مرة أن النبي قال ( حسين مني وأنا منه أحب الله من أحب حسينا الحسن والحسين سبطان من الأسباط ).

الحديث الرابع والعشرون أخرج الترمذي عن أنس أن النبي قال ( أحب أهل بيتي إلي الحسن والحسين ).

الحديث الخامس والعشرون أخرج أحمد وابن ماجة والحاكم عن أبي هريرة أن النبي قال ( من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني ).

الحديث السادس والعشرون أخرج أبو يعلى عن جابر أن رسول الله قال ( من سره أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسين ).

الحديث السابع والعشرون أخرج البغوي وعبد الغني في الإيضاح عن سلمان رضي الله عنه أن النبي قال ( سمى هارون ابنيه شبرا وشبيرا وإني سميت ابني الحسن والحسين بما سمى به هارون ابنيه ). وأخرج ابن سعد عن عمران أن ابن سليمان قال الحسن والحسين من أسماء أهل الجنة ما سميت العرب بهما في الجاهلية.

الحديث الثامن والعشرون أخرج ابن سعد والطبراني عن عائشة رضي الله عنها أن النبي قال ( أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف وجاءني بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه ).

الحديث التاسع والعشرون أخرج أبو داود والحاكم عن أم الفضل بنت الحارث أن النبي قال ( أتاني جبريل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا يعني الحسين وأتاني بتربة من تربته حمراء ). وأخرج أحمد ( لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها فقال لي إن ابنك هذا حسينا مقتول وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها قال فأخرج تربة حمراء ).

الحديث الثلاثون أخرج البغوي في معجمه من حديث أنس أن النبي قال ( استأذن ملك القطر ربه أن يزورني فأذن له ) وكان في يوم أم سلمة فقال رسول الله ( يا أم سلمة احفظي علينا الباب لا يدخل أحد ) فبينا هي على الباب إذ دخل الحسين فاقتحم فوثب على رسول الله فجعل رسول الله يلثمه ويقبله فقال له الملك أتحبه قال نعم قال إن أمتك ستقتله وإن شئت أريك المكان الذي يقتل به فأراه فجاء بسهلة أو تراب فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها. قال ثابت كنا نقول إنها كربلاء. وأخرجه أيضا أبو حاتم في صحيحه وروى أحمد نحوه وروى عبد بن حميد وابن احمد نحوه أيضا لكن فيه أن الملك جبريل فإن صح فهما واقعتان وزاد الثاني أيضا أنه شمها وقال ( ريح كرب وبلاء ) والسهلة بكسر أول رمل خشن ليس بالدقاق الناعم. وفي رواية الملا وابن أحمد في زيادة المسند قالت ثم ناولني كفا من تراب أحمر وقال ( إن هذا من تربة الأرض التي يقتل بها فمتى صار دما فاعلمي أنه قد قتل ) قالت أم سلمة فوضعته في قارورة عندي وكنت أقول إن يوما يتحول فيه دما ليوم عظيم. وفي رواية عنها فأصبته يوم قتل الحسين وقد صار دما. وفي أخرى ثم قال يعني جبريل ألا أريك تربة مقتله فجاء بحصيات فجعلهن رسول الله في قارورة. قالت أم سلمة فلما كانت ليلة قتل الحسين سمعت قائلا يقول

أيها القاتلون جهلا حسينا ** أبشروا بالعذاب والتذليل

قد لعنتم على لسان ابن داود ** وموسى وحامل الإنجيل

قالت فبكيت وفتحت القارورة فإذا الحصيات قد جرت دما. وأخرج ابن سعد عن الشعبي قال مر علي رضي الله عنه بكربلاء عند مسيره إلى صفين وحاذى نينوى قرية على الفرات فوقف وسأل عن اسم هذه الأرض فقيل كربلاء فبكى حتى بل الأرض من دموعه ثم قال دخلت على رسول الله وهو يبكي فقلت ما يبكيك قال ( كان عندي جبريل آنفا وأخبرني أن ولدي الحسين يقتل بشاطىء الفرات بموضع يقال له كربلاء ثم قبض جبريل قبضة من تراب شمني إياه فلم أملك عيني أن فاضتا ). ورواه أحمد مختصرا عن علي قال دخلت على النبي الحديث. وروى الملا أن عليا مر بقبر الحسين فقال ههنا مناخ ركابهم وههنا موضع رحالهم وههنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض. وأخرج أيضا أنه كان له مشربة درجتها في حجرة عائشة يرقى إليها إذا ٠٠ أراد لقي جبريل فرقى إليها وأمر عائشة أن لا يطلع إليها أحد فرقى حسين ولم تعلم به فقال جبريل من هذا قال ابني فأذخه رسول الله فجعله على فخذه فقال جبريل ستقتله أمتك فقال أمتي قال نعم وإن شئت أخبرتك الأرض التي يقتل فيها فأشار جريل بيده إلى الطف بالعراق فأخذ منها تربة حمراء فأراه إياها وقال هذه من تربة مصرعه. وأخرج الترمذي أن أم سلمة رأت النبي باكيا وبرأسه ولحيته التراب فسألته فقال ( قتل الحسين آنفا ). وكذلك رآه ابن عباس نصف النهار أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم يلتقطه فسأله فقال ( دم الحسين واصحابه لم أزل أتتبعه منذ اليوم ) فنظروا فوجدوه قد قتل في ذلك اليوم. فاستشهد الحسين كما قال له بكربلاء من أرض العراق بناحية الكوفة ويعرف الم وضع أيضا بالطف قتله سنان بن أنس النخعي وقيل غيره يوم الجمعة عاشر المحرم سنة إحدى وستين وله ست وخمسون سنة وأشهر. ولما قتلوه بعثوا برأسه إلى يزيد فنزلوا أول مرحلة فجعلوا يشربون بالرأس فبينما هم كذلك إذ خرجت عليه من الحائط يد معها قلم من حديد فكتبت سطر بدم

أترجو أمة قتلت حسينا ** شفاعة جده يوم الحساب

فهربوا وتركوا الرأس. أخرجه منصور بن عمار. وذكر غيره أن هذا البيت وجد بحجر قبل مبعثه بثلاثمائة سنة وأنه مكتوب في كنيسة من أرض الروم لا يدرى من كتبه. وذكر أبو نعيم الحافظ في كتاب دلائل النبوة فأصبحنا وحب ابنا وجرارنا مملوءة دما. وكذا روي في أحاديث غير هذه. ومما ظهر يوم قتله من الآيات أيضا أن السماء اسودت اسودادا عظيما حتى رؤيت النجوم نهارا ولم يرفع حجر إلا وجد تحته دم عبيط. وأخرج أبو الشيخ أن الورس الذي كان في عسكرهم تحول رمادا وكان في قافلة من اليمن تر يد العراق فوافيتهم حين قتله. وحكى ابن عيينة عن جدته أن جمالا ممن انقلب ورسه رمادا أخبرنا بذلك ونحروا ناقة في عسكرهم فكانوا يرون في لحمها مثل الفيران فطبخوها فصارات مثل العلقم وأن السماء احمرت لقتله وانكسفت الشمس حتى بدت الكواكب نصف النهار وظن الناس أن القيامة قد قامت ولم يرفع حجر في الشام إلا رؤي تحت دم عبيط. وأخرج عثمان بن أبي شيبة أن السماء مكثت بعد قتله سبعة أيام ترى على الحيطان كأنها ملاحف معصفرة من شدة حمرتها وضربت الكواكب بعضها بعضا. ونقل ابن الجوزي عن ابن سيرين أن الدنيا أظلمت ثلاثة أيام ثم ظهرت الحمرة في السماء. وقال أبو سعيد ما رفع حجر من الدنيا إلا وجد تحته دم عبيط ولقد مطرت السماء دما بقي أثره في الثياب مدة حتى تقطعت. وأخرج الثعلبي وأبو نعيم ما مر من أنهم مطروا دما. زاد أبو نعيم فأصبحنا وحبابنا وجرارنا مملوءه دما. وفي رواية أنه مطر كالدم على البيوت والجدر بخراسان والشام والكوفة وأنه لما جيء برأس الحسين إلى دار زياد سألت حيطانها دما. وأخرج الثعلبي أن السماء بكت وبكاؤها حمرتها. وقال غيره احمرت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله ثم لا زالت الحمرة ترى بعد ذلك وأن ابن سيرين قال أخبرنا أن الحمرة لم تر في السماء قبل قتله. قال ابن الجوزي وحكمته أن غضبنا يؤثر حمرة الوجه والحق منزه عن الجسمية فأظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين بحمرة الأفق إظهارا لعظم الجناية. قال وأنين العباس وهو ماسور ببدر منع النبي النوم فكيف بأنين الحسين ولما أسلم وحشي قاتل حمزة قال له النبي ( غيب وجهك عني فإني لا أحب أن أرى من قتل الأحبة ). قال وهذا والإسلام يجب ما قبله فكيف بقلبه أن يرى من ذبح الحسين وأمر بقتله وحمل أهله على أقتاب الجمال وما مر من أنه لم يرفع حجر في الشام أو الدنيا إلا رؤي تحته دم عبيط وقع يوم قتل علي أيضا كما أشار إليه البيهقي فإنه حكى عن الزهري أنه قدم الشام يريد الغزو فدخل على عبد الملك فأخبره أنه يوم قتل علي لم يرفع حجر من بيت المقدس إلا وجد تحت دم ثم قال له لم يبق من يعرف هذا غيري وغيرك فلا تخبر به. قال فما أخبرت به إلا بعد موته. وحكى عنه أيضا أن غير عبد الملك أخبر بذلك أيضا. قال البيهقي والذي صح عنه أن ذلك حين قتل الحسين ولعله وجد عند قتلهما جميعا. انتهى. وأخرج أبو الشيخ أن جمعا تذاكروا أنه ما من أحد أعان على قتل الحسين إلا أصابه بلاء قبل أن يموت فقال شيخ أنا أعنت وما أصابني شيء. فقام ليصلح السراج فأخذته النار فجعل ينادي النار النار وانغمس في الفرات ومع ذلك فلم يزل به حتى مات. وأخرج منصور بن عمار أن بعضهم ابتلي بالعطش وكان يشرب رواية ولا يروى وبعضهم طال ذكره حتى كان إذا ركب الفرس لواه على عنقه كأنه حبل. ونقل سبط ابن الجوزي عن السدي أنه أضافه رجل بكربلاء فتذاكروا أنه ما شارك أحد في دم الحسين إلا مات أقبح موتة فكذب المضيف بذلك وقال إنه ممن حضر فقام آخر الليل يصلح السراج فوثبت النار في جسده فأحرقته. قال السدي فأنا والله رأيته كأنه حميمة. وعن الزهري لم يبق ممن قتله إلا من عوقب في الدنيا إما بقتل أو عمى أو سواد الوجه أو زوال الملك في مدة يسيرة. وحكى سبط ابن الجوزي عن الواقدي أن شيخا حضر قتله فقط فعمي فسئل عن سببه فقال إنه رأى النبي حاسرا عن ذراعيه وبيده سيف وبين يديه نطع ورأى عشرة من قاتلي الحسين مذبوحين بين يديه ثم لعنه وسبه بتكثيره سوادهم ثم أكحله بمرود من دم الحسين فأصبح أعمى. وأخرج أيضا أن شخصا منهم علق في لبب فرسه رأس الحسين بن علي فرؤي بعد أيام ووجهه أشد سوادا من القار. فقيل له إنك كنت أنضر العرب وجها فقال ما مرت علي ليلة من حين حملت تلك الرأس إلا واثنان يأخذان بضبعي ثم ينتهيان بي إلي نار تأجج فيدفعاني فيها وأنا أنكص فتسفعني كما ترى ثم مات على أقبح حاله وأخرج أيضا أن شيخا رأى النبي في النوم وبين يديه طست فيها دم والناس يعرضون عليه فيلطخهم حتى انتهيت إليه فقلت ما حضرت. فقال لي هويت فأومأ إلي بإصبعه فأصبحت أعمى. ومر أن أحمد روى أن شخصا قال قتل الله الفاسق ابن الفاسق الحسين فرماه الله بكوكبين في عينيه فعمي. وذكر البارزي عن المنصور أنه رأى رجلا بالشام وجهه وجه خنزير فسأله فقال إنه كان يلعن عليا كل يوم ألف مرة وفي الجمعة ألف مرة وأولاده معه فرأيت النبي وذكر مناما طويلا من جملته أن الحسن شكاه إليه فلعنه ثم بصق في وجهه فصار موضع بصاقه خنزيرا وصار آية للناس. وأخرج الملا عن أم سلمة أنها سمعت نوح الجن على الحسين. وابن سعد عنها أنها بكت عليه حتى غشي عليها. وروى البخاري في صحيحه والترمذي عن ابن عمر أنه سأله رجل عن دم البعوض طاهر أو لا فقال له ممن أنت قال من أهل العراق. فقال انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن النبي وقد سمعت النبي يقول ( هما ريحانتاي من الدنيا ). وسبب مخرجه رضي الله عنه أن يزيد لما استخلف سنة ستين أرسل لعامله بالمدينة أن يأخذ له البيعة على الحسين ففر لمكة خوفا على نفسه فسمع به أهل الكوفة فأرسلوا إليه أن يأتيهم ليبايعوه ويمحو عنهم ما هم فيه من الجور فنهاه ابن عباس وبين له غدرهم وقتلهم لأبيه وخذلانهم لأخيه فابى فنهاه أن لا يذهب بأهله فأبى فبكى ابن عباس وقال واحبيباه واحسيناه. وقال له ابن عمر نحو ذلك فأبى فبكى ابن عمر وقبل ما بين عينيه وقال أستودعك الله من قتيل. ونهاه ابن الزبير أيضا فقال له حدثني أبي إن لمكة كبشا به يستحل حرمتها فما أحب أن أكون أنا ذلك الكبش. ومر قول أخيه الحسن له إياك وسفهاء الكوفة أن يستخفوك فيخرجوك ويسلموك فتندم ولات حين مناص وقد تذكر ذلك ليلة قتله فترحم على أخيه الحسن رضي الله عنهما ولما بلغ مسيره أخاه محمد بن الحنفية كان بين يديه طست يتوضأ فيه فبكى حتى ملأه من دموعه ولم يبق بمكة إلا من حزن لمسيره. وقدم أمامه مسلم بن عقيل فبايعه من أهل الكوفة اثنا عشر ألفا. وقيل أكثر من ذلك وأمر يزيد ابن زياد فجاء إليه وقتله وأرسل برأسه إليه فشكره وحذره من الحسين ولقي الحسين في مسيره الفرزدق فقال له بين لي خبر الناس. فقال أجل على الخبير سقطت يا ابن رسول الله قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء. وسار الحسين وهو على غير علم بما جرى لمسلم حتى كان على ثلاث من القادسية تلقاه الحر بن يزيد التميمي فقال ارجع فما تركت لك خلفي خيرا ترجوه وأخبره الخبر وقدوم ابن زياد واستعداده له فهم بالرجوع بالرجوع فقال أخو مسلم والله لا نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل فقال لا خير في الحياة بعدكم ثم سار فلقيه أوائل خيل ابن زياد فعدل إلى كربلاء ثامن المحرم سنة إحدى وستين وكان لما شارف الكوفة سمع به أميرها عبيد الله بن زياد فجهز إليه عشرين ألف مقاتل فلما وصلوا إليه التمسوا منه نزوله على حكم ابن زياد وبيعته ليزيد فابى فقاتلوه وكان أكثر الخارجين لقتاله الذين كاتبوه وبايعوه ثم لما جاءهم أخلفوه وفروا عنه إلى أعدائه إيثارا للسحت العاجل على الخير الآجل. فحارب أولئك العدد الكثير ومعه من إخوته وأهله نيف وثمانون نفسا فثبت في ذلك الموقف ثباتا باهرا مع كثرة أعدائه وعددهم ووصول سهامهم ورماحهم إليه. ولما حمل عليهم وسيفه مصلت في يده أنشد يقول

أنا ابن علي الحبر من آل هاشم ** كفاني بهذا مفخرا حين أفخر

وجدي رسول الله أكرم من مشى ** ونحن سراج الله في الناس يزهر

وفاطمة أمي سلالة أحمد ** وعمي يدعى ذا الجناحين جعفر

وفينا كتاب الله أنزل صادقا ** وفينا الهدى والوحي والخير يذ كر

ولولا ما كادوه به من أنهم حالوا بينه وبين الماء لم يقدروا عليه إذ هو الشجاع القرم الذي لا يزول ولا يتحول. ولما منعوه وأصحابه الماء ثلاثا قال له بعضهم انظر إليه كأنه كبد السماء لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا. فقال له الحسين اللهم اقتله عطشا. فلم يرو مع كثرة شربه للماء حتى مات عطشا. ودعا الحسين بماء ليشربه فحال رجل بينه وبينه بسهم ضربه فأصاب حنكه فقال اللهم أظمئه. فصار يصيح الحر في بطنه والبرد في ظهره وبين يديه الثلة والمراوح وخلفه الكافور وهو يصيح العطش فيؤتى بسويق وماء ولبن لو شربه خمسة لكفاهم فيشربه ثم يصيح فيسقى كذلك إلى أن انقد بطنه. ولما استحر القتل باهله فإنهم لا يزالوا يقتلون منهم واحدا بعد واحد حتى قتلوا ما يزيد على الخمسين صاح الحسين أما ذاب يذب عن حريم رسول الله فحينئذ خرج يزيد بن الحارث الرياحي من عسكر أعدائه راكبا فرسه وقال يا ابن بنت رسول الله لئن كنت أول من خرج عليك فإنني الآن من حزبك لعلي أنال بذلك شفاعة جدك. ثم قاتل بين يديه حتى قتل فحمل عليه جمع كثيرون منهم حالوا بينه وبين حريمه فصاح كفوا سفهاءكم عن الأطفال والنساء. فكفوا ثم لم يزل يقاتلهم حتى أثخنوه بالجراح وسقط إلى الأرض فحزوا رأسه يوم عاشوراء عام إحدى وستين ولما وضع بين يدي عبيد الله بن زياد أنشد قاتله

املأ ركابي فضة وذهبا ** فقد قتلت الملك المحجبا

ومن يصلي القبلتين في الصبا ** وخيرهم إذ يذكرون النسبا

قتلت خير الناس أما وأبا

فغضب ابن زياد من قوله وقال إذا علمت ذلك فلم قتلته والله لا نلت مني خيرا ولألحقنك به. ثم ضرب عنقه. وقتل معه من إخوته وبني أخيه الحسن ومن أولاد جعفر وعقيل تسعة عشر رجلا وقيل أحد وعشرون. قال الحسن البصري ما كان على وجه الأرض يومئذ لهم شبيه. ولما حمل رأسه لابن زياد جعله في طست وجعل يضرب ثناياه بقضيب ويقول به في أنفه ويقول ما رأيت مثل هذا حسنا إن كان لحسن الثغر. وكان عنده أنس فبكى وقال كان أشبههم برسول الله. رواه الترمذي وغيره. وروى ابن أبي الدنيا أنه كان عنده زيد بن أرقم فقال له ارفع قضيبك فوالله لطالما رأيت رسول الله يقبل ما بين هاتين الشفتين. ثم جعل زيد يبكي فقال ابن زياد. أبكى الله عينيك لولا أنك شيخ قد خرفت لضربت عنقك. فنهض وهو يقول أيها الناس أنتم العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة والله ليقتلن خياركم ويستعبدن شراركم فبعدا لمن رضي بالذلة والعار. ثم قال يا ابن زياد لأحدثنك بما هو أغيظ عليك من هذا رأيت رسول الله أقعد حسنا على فخذه اليمنى وحسينا على فخذه اليسرى ثم وضع يده على يافوخهما ثم قال ( اللهم إني أستودعك إياهما وصالح المؤمنين ) فكيف كانت وديعة النبي عندك يا ابن زياد وقد انتقم الله من ابن زياد هذا فقد صح عند الترمذي أنه لما جيء برأسه ونصب في المسجد مع رؤوس أصحابه جاءت حية فتخللت الرؤوس حتى دخلت في منخره فمكثت هنيهة ثم خرجت ثم جاءت ففعلت كذلك مرتين أو ثلاثا. وكان نصبها في محل نصبه لرأس الحسين وفاعل ذلك به هو المختار بن أبي عبيد تبعه طائفة من الشيعة تدفعوا على خذلانهم للحسين وأرادوا غسل العار عنهم ففرقة منهم تبعت المختار فملكوا الكوفة وقتلوا الستة آلاف الذين قاتلوا الحسين أقبح القتلات وقتل رئيسهم عمر بن سعد وخص شمر قاتل الحسين على قول بمزيد نكال وأوطأوا الخيل صدره وظهره لأنه فعل ذلك بالحسين وشكر الناس للمختار ذلك لكنه أنبأ آخرا عن خبث قبيح حتى زعم أنه يوحى إليه وأن ابن الحنفية هو المهدي ولما نزل ابن زياد الموصل في ثلاثين ألفا جهز له المختار سنة تسع وستين طائفة قتلوه هو وأصحابه على الفرات يوم عاشوراء وبعث برؤوسهم للمختار فنصبت في المحل الذي نصب فيه رأس الحسين ثم حولت إلى ما مر حتى دخلتها تلك الحية. ومن عجيب الاتفاق قول عبد الملك بن عمير دخلت قصر الإمارة بالكوفة على ابن زياد والناس عنده سماطان ورأس الحسين رضي الله عنه على ترس على يمينه ثم دخلت على المختار فيه فوجدت رأس ابن زياد وعنده الناس كذلك ثم دخلت على مصعب بن الزبير فيه فوجدت رأس المختار عنده كذلك ثم دخلت على عبد الملك بن مروان فيه فوجدت عنده رأس مصعب كذلك فأخبرته بذلك فقال لا أراك الله الخامس ثم أمر بهدمه. ولما أنزل ابن زياد رأس الحسين وأصحابه جهزها مع سبايا آل الحسين إلى يزيد فلما وصلت إليه قيل إنه ترحم عليه وتنكر لابن زياد وأرسل برأسه وبقية بنيه إلى المدينة. وقال سبط ابن الجوزي وغيره المشهور أنه جمع أهل الشام وجعل ينكت الرأس بالخيزران وجمع بأنه أظهر الأول وأخفى الثاني بقرينة أنه بالغ في رفعة ابن زياد حتى أدخله على نسائه. قال ابن الجوزي وليس العجب إلا من ضرب يزيد ثنايا الحسين بالقضيب وحمل آل النبي على أقتاب الجمال أي موثقين في الحبال والنساء مكشفات الرؤوس والوجوه وذكر أشياء من قبيح فعله. ولما وصلوا دمشق أقيموا على درج الجامع حيث يقام الأسارى والسبي وقيل إن يزيد أرسل برأس الحسين ومن بقي من أهله إلى المدينة فكفن رأسه ودفن عند قبر أمه بقبة الحسن. وقيل أعيد إلى الجثة بكربلاء بعد أربعين يوما من قتله. وقيل بل كانت الرأس في خزانته لأن سليمان بن عبد الملك رأى النبي في المنام يلاطفه ويبشره فسأل الحسن البصري عن ذلك فقال لعلك صنعت إلى آله معروفا. قال نعم وجدت رأس الحسين في خزانة يزيد فكسوته خمسة أثواب وصليت عليه مع جماعة من أصحابي وقبرته. فقال له الحسن هو ذلك سبب رضاه عليك. فأمر سليمان للحسن بجائزة سنية. ولما فعل يزيد برأس الحسين ما مر كان عنده رسول قيصر فقال متعجبا إن عندنا في بعض الجزائر في دير حافر حمار عيسى فنحن نحج إليه كل عام من الأقطار وننذر النذور ونعظمه كما تعظمون كعبتكم فأشهد إنكم على باطل. وقال ذمي آخر بيني وبين داود سبعون أبا وإن اليهود تعظمني وتحترمني وأنتم قتلتم ابن نبيكم. ولما كانت الحرس على الرأس كلما نزلوا منزلا وضعوه على رمح وحرسوه فرآه راهب في دير فسأل عنه فعرفوه به فقال بئس القوم أنتم لو كان للمسيح ولد لأسكناه أحداقنا بئس القوم أنتم هل لكم في عشرة آلاف دينار ويبيت الرأس عندي هذه الليلة. قالوا نعم فأخذه وغسله وطيبه ووضعه على فخذه فوجد منه نورا صاعدا إلى عنان السماء وقعد يبكي إلى الصبح ثم أسلم لأنه رأى نورا ساطعا من الرأس إلى السماء ثم خرج عن الدير وما فيه وصار يخدم أهل البيت. وكان مع أولئك الحرس دنانير أخذوها من عسكر الحسين ففتحوا أكياسها ليقتسموها فرأوها خزفا وعلى أحد جانبي كل منها ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ) إبراهيم ٤٢ وعلى الآ خر ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) الشعراء ٢٢٧ وسيأتي في الخاتمة الكلام في أنه هل يجوز لعن يزيد أو يمتنع. وسيق حريم الحسين إلى الكوفة كالأسارى فبكى أهل الكوفة فجعل زين العابدين بن الحسين يقول ألا إن هؤلاء يبكون من أجلنا فمن ذا الذي قتلنا. وأخرج الحاكم من طرق متعددة أنه قال ( قال جبريل قال الله تعالى إني قتلت بدم يحيى بن زكريا سبعين الفا وإني قاتل بدم الحسين بن علي سبعين ألفا ). ولم يصب ابن الجوزي في ذكره لهذا الحديث في الموضوعات وقتل هذه العدة بسببه لا يستلزم أنها كعدد عدة المقاتلين له فإن فتنته أفضت إلى تعصبات ومقاتلات تفي بذلك. وزين العابدين هذا هو الذي خلف أباه علما وزهدا وعبادة وكان إذا توضأ للصلاة اصفر لونه فقيل له في ذلك فقال ألا تدرون بين يدي من أقف. وحكي أنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة وحكى ابن حمدون عن الزهري أن عبد الملك حمله مق يدا من المدينة بأثقلة من حديد ووكل به حفظة فدخل عليه الزهري لوداعه فبكى وقال وددت أني مكانك. فقال أتظن أن ذلك يكربني لو شئت لما كان وإنه ليذكرني عذاب الله ثم أخرج رجليه من القيد ويديه من الغل ثم قال لا جزت معهم على هذا يومين من المدينة فما مضى يومان إلا وفقدوه حين طلع الفجر وهم يرصدونه فطلبوه فلم يجدوه قال الزهري فقدمت على عبد الملك فسألني عنه فأخبرته فقال قد جاء في يوم فقده الأعوان فدخل علي فقال ما أنا وأنت فقلت أقم عندي. فقال لا أحب ثم خرج فوالله لقد امتلأ قلبي منه خيفة. أي ومن ثم كتب عبد الملك للحجاج أن يجتنب دماء بني عبد المطلب وأمره بكتم ذلك فكوشف به زين العابدين فكتب إليه إنك كتبت للحجاج يوم كذا سرا في حقنا بني عبد المطلب بكذا وكذا وقد شكر الله لك ذلك وأرسل به إليه فلما وقف عليه وجد تاريخه موافقا لتاريخ كتابه للحجاج ووجد مخرج الغلام موافقا لمخرج رسو له للحجاج فعلم أن زين العابدين كوشف بأمره فسر به وأرسل إليه مع غلامه بوقر راحلته دراهم وكسوة وسأله أن لا يخليه من صالح دعائه. وأخرج أبو نعيم والسلفي لما احج هشام بن عبدالملك في حياة أبيه أو الوليد لم يمكنه أن يصل للحجر من الزحام فنصب له منبر إلى جانب زمزم وجلس ينظر إلى الناس وحوله جماعة من أعيان أهل الشام فبينا هو كذلك إذ أقبل زين العابدين فلما انتهى إلى الحجر تنحى له الناس حتى استلم فقال أهل الشام لهشام من هذا قال لا أعرفه. مخافة أن يرغب أهل الشام في زين العابدين فقال الفرزدق أنا أعرفه ثم أنشد

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ** والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم ** هذا التقي النقي الطاهر العلم

إذا رأته قريش قال قائلها ** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

ينمى إلى ذروة العز التي قصرت ** عن نيلها عرب الإسلام والعجم

القصيدة المشهور ة ومنها

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ** بجده أنبياء الله قد ختموا

فليس قولك من هذا بضائره ** العرب تعرف من أنكرت والعجم

ثم قال

من معشر حبهم دين وبغضهم ** كفر وقربهم منجى ومعتصم

لا يستطيع جواد بعد غايتهم ** ولا يدانيهم قوم وإن كرموا

فلما سمعها هشام غضب وحبس الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة وامر له زين العابدين باثني عشر ألف درهم وقال اعذر لو كان عندنا أكثر لوصلناك به فردها قال إنما امتدحه لله لا لعطاء. فقال زين زين العابدين رضي الله عنه إنا أهل بيت إذا وهبنا شيئا لا نستعيده. فقبلها الفرزدق ثم هجا هشاما في الحبس فبعث فأخرجه. وكان زين العابدين عظيم التجاوز والعفو والصفح حتى إنه سبه رجل فتغافل عنه فقال له إياك أعني. فقال وعنك أعرض أشار إلى آخر ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) الأعراف ١٩٩. وكان يقول ما يسرني بنصيبي من الذل حمر النعم. توفي وعمره سبع وخمسون منها سنتان مع جده علي ثم عشر مع عمه الحسن ثم إحدى عشرة مع أبيه الحسين. وقيل سمه الوليد بن عبد الملك ودفن بالبقيع عند عمه الحسن عن أحد عشر ذكرا وأربع إناث. وارثه منهم عبادة وعلما وزهادة:

أبو جعفر محمد الباقر

سمي بذلك من بقر الأرض أي شقها وأثار مخبئاتها ومكامنها فكذلك هو أظهر من مخبئات كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية السريرة ومن ثم قيل فيه هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه وعمرت أوقاته بطاعة الله وله من الرسوخ في مقامات العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة وكفاه شرفا أن ابن المديني روى عن جابر أنه قال له وهو صغير رسول الله يسلم عليك فقيل له وكيف ذاك قال كنت جالسا عنده والحسين في حجره وهو يداعبه فقال ( يا جابر يولد له مولود اسمه علي إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيد العابدين. فيقوم ولده ثم يولد له ولد اسمه محمد فإن أدركته يا جابر فأقرئه مني السلام ). توفي سنة سبع عشرة ومئة عن ثمان وخمسين سنة مسموما كأبيه وهو علوي من جهة أبيه وأمه ودفن أيضا في قبة الحسن والعباس بالبقيع وخلف ستة أولاد أفضلهم وأكملهم:

جعفر الصادق

ومن ثم كان خليفته ووصيه ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان وروى عنه الأئمة الأكابر كيحيى بن سعيد وابن جريج والسفيانين وأبي حنيفة وشعبة وأيوب السختياني. وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر كما مر. وسعي به عند المنصور لما حج فلما حضر الساعي به يشهد قال له أتحلف قال نعم. فحلف بالله العظيم إلى آخره فقال أحلفه يا أمير المؤمنين بما أراه فقال له حلفه فقال له قل برئت من حول الله وقوته والتجأت إلى حولي وقوتي لقد فعل جعفر كذا وكذا وقال كذا وكذا فامتنع الرجل ثم حلف فما تم حتى مات مكانه. فقال أمير المؤمنين لجعفر لا بأس عليك أنت المبرأ الساحة المأمون الغائلة ثم انصرف فلحقه الربيع بجائزة حسنة وكسوة سنية وللحكاية تتمة. ووقع نظير هذه الحكاية ليحيى بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بأن شخصا زبيريا سعى به للرشيد فطلب تحليفه فتلعثم فزبره الرشيد فتولى يحيى تحليفه بذلك فما أتم يمينه حتى اضطرب وسقط لجنبه فأخذوا برجله وهلك فسأل الرشيد يحيى عن سر ذلك فقال تمجيد الله في اليمين يمنع المعاجلة بالعقوبة. وذكر المسعودي أن هذه القصة كانت مع أخي يحيى هذا الملقب بموسى الجون وأن الزبيرى سعى به للرشيد فطال الكلام بينهما ثم طلب موسى تحليفه فحلفه بنحو ما مر فلما حلف قال موسى الله أكبر حدثني أبي عن جدي عن أبيه عن جده علي أن النبي قال ( ما حلف أحد بهذه اليمن أي وهي تقلدت الحول والقو ة دون حول الله وقوته إلى حولي وقوتي ما فعلت كذا وهو كاذب إلا عجل الله له العقوبة قبل ثلاث ) والله ما كذبت ولا كذبت فوكل علي يا أمير المؤمنين فإن مضت ثلاث ولم يحدث بالزبيري حادث فدمي لك حلال. فوكل به. فلم يمض عصر ذلك اليوم حتى أصاب الزبيري جذام فتورم حتى صار كالزق فما مضى إلا قليل وقد توفي ولما أنزل في قبره انخسف قبره وخرجت رائحة مفرطة النتن فطرحت فيه أحمال الشوك فانخسف ثانيا فأخبر الرشيد بذلك فزاد تعجبه ثم أمر لموسى بألف دينار وسأله عن سر تلك اليمين فروى له حديثا عن جده علي عن النبي ( ما من أحد يحلف بيمين مجد الله فيها إلا استحيا من عقوبته وما من أحد حلف بيمين كاذبة نازع الله فيها حوله وقوته إلا عجل الله له العقوبة قبل ثلاث ). وقتل بعض الطغاة مولاه فلم يزل ليلته يصلي ثم دعا عليه عند السحر فسمعت الأصوات بموته. ولما بلغه قول الحكم بن العباس الكلبي في عمه زيد

صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة ** ولم نر مهديا على الجذع يصلب

قال اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فافترسه الأسد. ومن مكاشفاته أن ابن عمه عبد الله المحض كان شيخ بني هاشم وهو والد محمد الملقب بالنفس الزكية ففي آخر دولة بني أمية وضعفهم أراد بنو هاشم مبايعة محمد وأخيه وأرسلوا لجعفر ليبايعهما فامتنع فاتهم أنه يحسدهما فقال والله ليست لي ولا لهما إنها لصاحب القباء الأصفر ليلعبن بها صبيانهم وغلمانهم. وكان المنصور العباسي يومئذ حاضرا وعليه قباء أصفر فما زالت كلمة جعفر تعمل فيه حتى ملكوا. وسبق جعفرا إلى ذلك والده الباقر فإنه أخبر المنصور بملك الأرض شرقها وغربها وطول مدته فقال له وملكنا قبل ملككم قال نعم. قال ويملك أحد من ولدي قال نعم. قال فمدة بني أمية أطول أم مدتنا قال مدتكم وليلعبن بهذا الملك صبيانكم كما يلعب بالكرة هذا ما عهد إلي أبي فلما أفضت الخلافة للمنصور بملك الأرض تعجب من قول الباقر. وأخرج أبو القاسم الطبري من طريق ابن وهب قال سمعت الليث ابن سعد يقول حججت سنة ثلاث عشرة ومائة فلما صليت العصر في المسجد رقيت أبا قبيس فإذا رجل جالس يدعو فيقول يا رب يا رب حتى انقطع نفسه ثم قال يا حي يا حي حتى انقطع نفسه ثم قال إلهي إني أشتهي العنب فأطعمنيه اللهم وإن برداي قد خلقا فاكسني. قال الليث فوالله ما استتم كلامه حتى نظرت إلى سلة مملوءة عنبا وليس على الأرض يومئذ عنب وإذا بردان موضوعان لم أر مثلهما في الدنيا فأراد أن يأكل فقلت أنا شريكك فقال ولم فقلت لأنك دعوت وكنت أؤمن فقال تقدم وكل. فتقدمت وأكلت عنبا لم آكل مثله قط ما كان له عجم فأكلنا حتى شبعنا ولم تتغير السلة فقال لا تدخر ولا تخبىء منه شيئا ثم أخذ أحد البردين ودفع إلي الآخر فقلت أنا لي غنى عنه فائتزر بأحدهما وارتدى بالآخر ثم أخذ برديه الخلقين فنزل وهما بيده فلقيه رجل بالمسعى فقال له اكسني يا ابن رسول الله مما كساك الله فإنني عريان فدفعهما إليه فقلت من هذا قال جعفر الصادق فطلبته بعد ذلك لأسمع منه شيئا فلم أقدر عليه. انتهى. توفي سنة أربع وثمانين ومائة مسموما أيضا على ما حكي وعمره ثمان وستون سنة ودفن بالقبة السابقة عند أهله عن ستة ذكور وبنت. منهم: موسى الكاظم وهو وارثه علما ومعرفة وكمالا وفضلا سمي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه وكان معروفا عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم. وسأله الرشيد كيف قلتم إنا ذرية رسول الله وأنتم أبناء علي فتلا ( ومن ذريته داود وسليمان ) إلى أن قال ( وعيسى ) الأنعام ٨٤ وليس له أب وأيضا قال تعالى ( فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) آل عمران ٦١ الآية ولم يدع النبي عند مباهلته النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم فكان الحسن والحسين هما الأبناء. ومن بديع كراماته ماحكاه ابن الجوزي والرامهرمزي وغيرهما عن شقيق البلخي أنه خرج حاجا سنة تسع وأربعين ومائة فرآه بالقادسية منفردا عن الناس فقال في نفسه هذا فتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس لأمضين إليه ولأوبخنه فمضى إليه فقال يا شقيق ( اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعد الظن إثم ) الحجرات ١٢ الآية فأراد أن يحالِله فغاب عن عينيه فما رآه إلا بواقصة يصلي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تتحادر فجاء إليه ليعتذر فخفف في صلاته وقال ( وإني لغفار لمن تاب وآمن ) طه ٢٨ الآية فلما نزلوا زبالة رآه على بئر فسقطت ركوته فيها فدعا فطغى الماء له حتى أخذها فتوضأ وصلى أربع ركعات ثم مال إلى كثيب رمل فطرح منها فيها وشرب فقال له أطعمني من فضل ما رزقك الله تعالى. فقال يا شقيق لم تزل نعم الله علينا ظاهرة وباطنة فأحسن ظنك بربك فناولنيها فشربت منها فإذا سويق وسكر ما شربت والله ألذ منه ولا أطيب ريحا فشبعت ورويت وأقمت أياما لا أشتهي شرابا ولا طعاما ثم لم أره إلا بمكة وهو بغلمان وغاشية وأمور علىخلاف ما كان عليه بالطريق. ولما حج الرشيد سعي به إليه وقيل له إن الأموال تحمل إليه من كل جانب حتى اشترى ضيعة بثلاثين ألف دينار فقبض عليه وأنفذه لأميره بالبصرة عيسى بن جعفر بن منصور فحبسه سنة ثم كتب له الرشيد في دمه فاستعفى وأخبر أنه لم يدع على الرشيد وأنه إن لم يرسل من يتسلمه وإلا خلى سبيله فبلغ الرشيد كتابه فكتب للسندي بن شاهك بتسلمه وأمره فيه بأمر فجعل له سما في طعامه وقيل في رطب فتوعك ومات بعد ثلاثة أيام وعمره خمس وستون سنة. وذكره المسعودي أن الرشيد رأى عليا في النوم معه حربة وهو يقول إن لم تخل عن الكاظم وإلا نحرتك بهذه. فاستيقظ فزعا وأرسل في الحال والي شرطته إليه بإطلاقه وأن يدفع له ثلاثين ألف درهم وأنه يخيره بين المقام فيكرمه أو الذهاب إلى المدينة ولما ذهب إليه قال له رأيت منك عجبا وأخبره أنه رأى النبي وعلمه كلمات قالها فما فرغ منها إلا وأطلق. قيل وكان موسى الهادي حبسه أولا ثم أطلقه لأنه رأى عليا رضي الله عنه يقول ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وت قطعوا أرحامكم ) محمد ٢٢ فانتبه وعرف أنه المراد فأطلقه ليلا. قال له الرشيد حين رآه جالسا عند الكعبة أنت الذي تبايعك الناس سرا فقال أنا إمام القلوب وأنت إمام الجسوم. ولما اجتمعا أمام الوجه الشريف على صاحبه أفضل الصلاة والسلام قال الرشيد السلام عليك يا ابن عم. مسمعا من حوله فقال الكاظم السلام عليك يا أبت. فلم يحتملها وكانت سببا لإمساكه له وحمله معه إلى بغداد وحبسه فلم يخرج من حبسه إلا ميتا مقيدا ودفن جانب بغداد الغربي. وظاهر هذه الحكايات التنافي إلا أن يحمل على تعدد الحبس وكانت أولاده حين وفاته سبعة وثلاث ين ذكرا وأنثى منهم.

علي الرضى

وهو أنبههم ذكرا وأجهلم قدرا ومن ثم أحله المأمون محل مهجته وأشركه في مملكته وفوض إليه أمر خلافته فإنه كتب بيده كتابا سنة إحدى ومائتين بأن عليا الرضى ولي عهده وأشهد عليه جمعا كثيرين. لكنه توفي قبله فأسف عليه كثيرا. وأخبر قبل موته بأنه يأكل عنبا ورمانا مبثوثا ويموت وأن المأمون يريد دفنه خلف الرشيد فلم يستطع فكان ذلك كله كما أخبر به. ومن مواليه معروف الكرخي أستاذ السري السقطي لأنه أسلم على يديه. وقال لرجل يا عبد الله ارض بما يريد واستعد لما لا بد منه فمات الرجل بعد ثلاثة أيام. رواه الحاكم. وروى الحاكم عن محمد بن عيسى عن أبي حبيب قال رأيت النبي في المنام في المنزل الذي ينزل الحجاج ببلدنا فسلمت عليه فوجدت عنده طبقا من خوص المدينة فيه تمر صيحاني فناولني منه ثماني عشرة فتألوت أن أعيش عدتها فلما كان بعد عشرين يوما قدم أبو الحسن علي الرضا من المدينة ونزل ذلك المسجد وهرع الناس بالسلام عليه فمضيت نحوه فإذا هو جالس في الموضع الذي رأيت النبي جالسا فيه وبين يديه طبق من خوص المدينة فيه تمر صيحاني فسلمت عليه فاستدناني وناولني قبضة من ذلك التمر فإذا عدتها بعدد ما ناولني النبي في النوم فقلت زدني فقال لو زادك رسول الله لزدناك. ولما دخل نيسابور كما في تاريخها وشق سوقها وعليه مظلة لا يرى من ورائها تعرض له الحافظان أو زرعة الرازي ومحمد بن أسلم الطوسي ومعهما من طلبة العلم والحديث ما لا يحصى فتضرعا إليه أن يريهم وجهه ويروي لهم حديثا عن آبائه فاستوقف البغلة وأمر غلمانه بكف المظلة وأقر عيون تلك الخلائق برؤية طلعته المباركة فكانت له ذؤابتان مدليتان على عاتقه والناس بين صارخ وباك ومتمرغ في التراب ومقبل لحافر بغلته فصاحت العلماء معاشر الناس أنصتوا فأنصتوا واستملى منه الحافظان المذكوران فقال حدثني أبي موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه زين العابدين عن أبيه الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قال حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله قال ( حدثني جبريل قال سمعت رب العزة يقول لا إله إلا الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي ). ثم أرخى الستر وسار فعد أهل المحابر والدوى الذين كانوا يكتبون فأنافوا على عشرين ألفا. وفي رواية أن الحديث المروي ( الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان ). ولعلهما واقعتان قال أحمد لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرىء من جنته. ونقل بعض الحفاظ أن امرأة زعمت أنها شريفة بحضرة المتوكل فسأل عمن يخبره بذلك فدل على علي الرضى فجاء فأجلسه معه على السرير وسأله فقال إن الله حرم لحم أولاد الحسين على السباع فلتلق للسباع فعرض عليها بذلك فاعترفت بكذبها ثم قيل للمتوكل ألا تجرب ذلك فيه فأمر بثلاثة من السباع فجيء بها في صحن قصره ثم دعاه فلما دخل بابه أغلق عليه والسباع قد أصمت الأسماع من زئيرها فلما مشى في الصحن يريد الدرجة مشت إليه وقد سكنت وتمسحت به ودارت حوله وهو يمسحها بكمه ثم ربضت فصعد للمتوكل وتحدث معه ساعة ثم نزل ففعلت معه كفعلها الأول حتى خرج فأتبعه المتوكل بجائزة عظيمة فقيل للمتوكل افعل كما فعل ابن عمك فلم يجسر عليه وقال أتريدون قتلي ثم أمرهم أن لا يفشوا ذلك. ونقل السعودي أن صاحب هذه القصة هو ابن ابن علي الرضى هو علي العسكري وصوب لأن الرضى توفي في خلافة المأمون اتفاقا ولم يدرك المتوكل. وتوفي رضي الله عنه وعمره خمس وخمسون سنة عن خمسة ذكور وبنت أجلهم:

محمد الجواد لكنه لم تطل حياته. ومما اتفق له أنه بعد موت أبيه بسنة واقف والصبيان يلعبون في أزقة بغداد إذ مر المأمون ففروا ووقف محمد وعمره تسع سنين فألقى الله مجبته في قلبه فقال له يا غلام ما منعك من الانصراف فقال له مسرعا يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق فأوسعه لك وليس لي جرم فأخشاك والظن بك حسن أنك لا تضر من لا ذنب له. فأعجبه كلامه وحسن صورته فقال له ما اسمك واسم أبيك فقال محمد بن علي الرضى. فترحم على أبيه وساق جواده. وكان معه بزاة للصيد فلما بعد عن العمار أرسل بازه على دراجة فغاب عنه ثم عاد من الجو في منقاره سمكة صغيرة وبها بقاء الحياة فتعجب من ذلك غاية العجب ورجع فرأى الصبيان على حالهم ومحمد عندهم ففروا إلا محمدا فدنا منه وقال له ما في يدي فقال يا أمير المؤمنين إن الله تعالى خلق في بحر قدرته سمكا صغارا يصيدها بازات الملوك والخلفاء فيختبر بها سلالة أهل بيت المصطفى. فقال له أنت ابن الرضى حقا وأخذه معه وأحسن إليه وبالغ في إكرامه فلم يزل مشفقا به لما ظهر له بعد ذلك من فضله وعلمه وكمال عظمته وظهور برهانه مع صغر سنه وعزم على تزويجه بابنته أم الفضل وصمم على ذلك فمنعه العباسيون من ذلك خوفا من أن يعهد إليه كما عهد إلى أبيه فلما ذكر لهم أنه إنما اختاره لتميزه على كافة أهل الفضل علما ومعرفة وحلما مع صغر سنه فنازعوا في اتصاف محمد بذلك ثم تواعدوا على أن يرسلوا إليه من يختبره فأرسلوا إليه يحيى بن أكثم ووعدوه بشيء كثير إن قطع لهم محمدا فحضروا للخليفة ومعهم ابن أكثم وخواص الدولة فأمر المأمون بفرش حسن لمحمد فجلس عليه فسأله يحيى مسائل أجابه عنها بأحسن جواب وأوضحه فقال له الخليفة أحسنت أبا جعفر فإن أردت أن تسأل يحيى ولو مسألة واحدة فقال له ما تقول في رجل نظر إلى امرأة أول النهار حراما ثم حلت له ارتفاعه ثم حرمت عليه عند الظهر ثم حلت له عند العصر ثم حرمت عليه المغرب ثم حلت له العشاء ثم حرمت عليه نصف الليل ثم حلت له الفجر فقال يحيى لا أدري. فقال له محمد هي أمة نظرها أجنبي بشهوة وهي حرام ثم اشتراها ارتفاع النهار فأعتقها الظهر وتزوجها العصر وظاهر منها المغرب وكفر العشاء وطلقها رجعيا نصف الليل وراجعها الفجر. فعند ذلك قال المأمون للعباسيين قد عرفتم ما كنتم تنكرون. ثم زوجه في ذلك المجلس بنته أم الفضل ثم توجه بها إلى المدينة فأرسلت تشتكي منه لأبيها أنه تسرى عليها فأر سل إليها أبوها إنا لم نزوجك له لنحرم عليه حلالا فلا تعودي لمثله ثم قدم بها بطلب من المعتصم لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين ومائتين وتوفي فيها في آخر ذي القعدة ودفن في مقابر قريش في ظهر جده الكاظم وعمره خمس وعشرون سنة ويقال إنه سم أيضا عن ذكرين وبنتين أجلهم:

علي العسكري

سمي بذلك لأنه لما وجه لإشخاصه من المدينة النبوية إلى سر من رأى وأسكنه بها وكانت تسمى العسكر فعرف بالعسكري وكان وارث أبيه علما وسخاء ومن ثم جاءه أعرابي من أعراب الكوفة وقال إني من المتمسكين بولاء جدك وقد ركبني دين أثقلني حمله ولم أقصد لقضائه سواك. فقال كم دينك قال عشرة آلاف درهم فقال طب نفسا بقضائه إن شاء الله تعالى ثم كتب له ورقة فيها ذلك المبلغ دينا عليه وقال له ائتني به في المجلس العام وطالبني بها وأغلظ علي في الطلب ففعل فاستمهله ثلاثة أيام فبلغ ذلك المتوكل فأمر له بثلاثين ألفا فلما وصلته أعطاها الأعرابي فقال يا ابن رسول الله إن العشرة آلاف أقضي بها أربي. فأبى أن يسترد منه من الثلاثين ألف شيئا فولى الأعرابي وهو يقول الله أعلم حيث يجعل رسالته. ومر أن الصواب في قصة السباع الواقعة من المتوكل أنه هو الممتحن بها وأنها لم تقربه بل خضعت واطمأنت لما رأته ويوافقه ما حكاه المسعودي وغيره أن يحيى بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط لما هرب إلى الديلم ثم أتي به إلى الرشيد وأمر بقتله ألقي في بركة فيها سباع قد جوعت فأمسكت عن أكله ولاذت بجانبه وهابت الدنو منه فبني عليه ركن بالجص والحجر وهو حي. توفي رضي الله عنه بسر من رأى في جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ومائتين ودفن بداره وعمره أربعون سنة وكان المتوكل أشخصه من المدينة إليها سنة ثلاث وأربعين فأقام بها إلى أن قضى عن أربعة ذكور وأنثى أجلهم:

أبو محمد الحسن الخالص

وجعل ابن خلكان هذا هو العسكري ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ووقع لبهلول معه أنه رآه وهو صبي يبكي والصبيان يلعبون فظن أنه يتحسر على ما في أيديهم فقال اشتري لك ما تلعب به فقال يا قليل العقل ما للعب خلقنا. فقال له فلماذا خلقنا قال للعلم والعبادة. فقال له من أين لك ذلك قال من قول الله عز وجل ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) المؤمنون ١١٥ ثم سأله أن يعظه فوعظه بأبيات ثم خر الحسن مغشيا عليه فلما أفاق قال له ما نزل بك وأنت صغير لا ذنب لك فقال إليك عني يا بهلول إني رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار فلا تتقد إلا بالصغار وإني أخشى أن أكون من صغار حطب نار جهنم. ولما حبس قحط الناس بسر من رأى قحطا شديدا فأمر الخليفة المعتمد ابن المتوكل بالخروج للاستسقاء ثلاثة أيام فلم يسقوا فخرج النصارى ومعهم راهب كلما مد يده إلى السماء هطلت ثم في اليوم الثاني كذلك فشك بعض الجهلة وارتد بعضهم فشق ذلك على الخليفة فأمر بإحضار الحسن الخالص وقال له أدرك أمة جدك رسول الله قبل أن يهلكوا فقال الحسن يخرجون غدا وأنا أزيل الشك إن شاء الله وكلم الخليفة في إطلاق أصحابه من السجن فأطلقهم فلما خرج الناس للاستسقاء ورفع الراهب يده مع النصارى غيمت السماء فأمر الحسن بالقبض على يده فإذا فيها عظم آدمي فأخذه من يده وقال استسق فرفع يده فزال الغيم وطلعت الشمس فعجب الناس من ذلك فقال الخليفة للحسن ما هذا يا أبا محمد فقال هذا عظم نبي ظفر به هذا الراهب من بعض القبور وما كشف من عظم نبي تحت السماء إلا هطلت بالمطر فامتحنوا ذلك العظم فكان كما قال وزالت الشبهة عن الناس. ورجع الحسن إلى داره. وأقام عزيزا مكرما وصلات الخليفة تصل إليه كل وقت إلى أن مات بسر من رأى ودفن عند أبيه وعمه وعمره ثمانية وعشرون سنة ويقال إنه سم أيضا. ولم يخلف غير ولده: أبي القاسم محمد الحجة وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه الله فيها الحكمة ويسمى القائم المنتظر. قيل لأنه ستر بالمدينة وغاب فلم يعرف أين ذهب. ومر في الآية الثانية عشرة قول الرافضة فيه أن المهدي وأوردت ذلك مبسوطا فراجعه فإنه مهم

الخاتمة في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة في الصحابة رضوان الله عليهم

وفي قتال معاوية وعلي وفي حقية خلافة معاوية بعد نزول الحسن له عن الخلافة وفي بيان اختلافهم في كفر ولده يزيد وفي جواز لعنه وفي توابع وتتمات تتعلق بذلك

وإنما افتحت هذا الكتاب بالصحابة وختمته بهم إشارة إلى أن المقصود بالذات من تأليفه تبرئتهم عن جميع ما افتراه عليهم أو على بعضهم من غلبت عليهم الشقاوة وتردوا بأردية الحماقة والغباوة ومرقوا من الدين واتبعوا سبيل الملحدين وركبوا متن عمياء وخبطوا خبط عشواء فباؤا من الله بعظيم النكال ووقعوا في أهوية الوبال والضلال ما لم يدراكهم الله بالتوبة والرحمة فيعظموا خير الأمم وهذه الأمة أماتنا الله على محبتهم وحشرنا في زمرتهم آمين.

اعلم أن الذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة أنه يجب علىكل أحد تزكية جميع الصحابة بإثبات العدالة لهم والكف عن الطعن فيهم والثناء عيلهم فقد أثنى الله سبحانه وتعالى عليهم في آيات من كتابه. منها قوله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) آل عمران ١١٠ فأثبت الله لهم الخيرية على سائر الأمم ولا شيء يعادل شهادة الله لهم بذلك لأنه تعالى أعلم بعباده وما انطووا عليه من الخيرات وغيرها بل لا يعلم ذلك غيره تعالى فإذا شهد تعالى فيهم بأنهم خير الأمم وجب على كل أحد اعتقاد ذلك والإيمان به وإلا كان مكذبا لله في إخباره ولا شك أن من ارتاب في حقية شيء مما أخبر الله أو رسوله به كان كافرا بإجماع المسلمين. ومنها قوله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) البقرة ١٤٣ والصحابة في هذه الآية والتي قبلها هم المشافهون بهذا الخطاب على لسان رسول الله حقيقة فانظر إلى كونه تعالى خلقهم عدولا وخيارا ليكونوا شهداء على بقية الأمم يوم القيامة وحينئذ فكيف يستشهد الله تعالى بغير عدول أو بمن ارتدوا بعد وفاة نبيهم إلا نحو ستة أنفس منهم كما زعمته الرافضة قبحهم الله ولعنهم وخذلهم ما أحمقهم وأجهلهم وأشهدهم بالزور والافتراء والبهتان. ومنها قوله تعالى ( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى يبن أيديهم وبأيمانهم ) التحريم ٨ فآمنهم الله من خزيه ولا يأمن من خزيه في ذلك اليوم إلا الذين ماتوا والله سبحانه ورس وله عنهم راض فأمنهم من الخزي صريح في موتهم على كمال الإيمان وحقائق الإحسان وفي أن الله لم يزل راضيا عنهم وكذلك رسول الله. ومنها قوله تعالى ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ) الفتح ١٨ فصرح تعالى برضاه عن أولئك وهم ألف ونحو أربعمائة ومن رضي الله عنه تعالى لا يمكن موته على الكفر لأن العبرة بالوفاة على الإسلام فلا يقع الرضا منه تعالى إلا على من علم موته على الإسلام وأما من علم موته على الكفر فلا يمكن أن يخبر الله تعالى بأنه رضي عنه فعلم أن كلا من هذه الآياة وما قبلها صريح في رد ما زعمه وافتراه أولئك الملحدون الجاحدون حتى للقرآن العزيز إذ يلزم من الإيمان به الإيمان بما فيه وقد علمت أن الذي فيه أنهم خير الأمم وأنهم عدول أخيار وأن الله لا يخزيهم وأنه راض عنهم فمن لم يصدق بذلك فيهم فهو مكذب لما فيالقرآن ومن كذب بما فيه مما لا يحتمل التأويل كان كا فرا جاحدا ملحدا مارقا. ومنها قوله تعالى ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ولذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ) التوبة ١٠٠ وقوله تعالى ( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) الأنفال ٦٤ وقوله تعالى ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين ١٠ الحشد. فتأمل ما وصفهم الله به من هذه الآية تعلم به ضلال من طعن فيهم من شذوذ - آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) ٨ المبتدعة ورماهم بما هم بريئون منه. ومنها قوله تعالى ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ) الفتح ٢٩ فانظر إلى عظيم ما اشتملت عليه هذه الآية فإن قوله تعالى ( محمد رسول الله ) جملة مبينة للمشهود به في قوله ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ) إلى قوله ( شهيدا ) الفتح ٢٨ ففيها ثناء عظيم على رسوله ثم ثنى بالثناء على أصحابه بقوله ( والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) كما قال تعالى ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ) المائدة ٥٤ فوصفهم الله تعالى بالشدة والغلظة على الكفار وبالرحمة والبر والعطف على المؤمنين والذلة والخضوع لهم ثم أثنى عليهم بكثرة الأعمال مع الإخلاص التام وسعة الرجاء في فضل الله ورحمته بابتغائهم فضله ورضوانه وبأن آثار ذلك الإخلاص وغيره من أعمالهم الصالحة ظهرت على وجوههم حتى إن من نظر إليهم بهره حسن سمتهم وهديهم ومن ثم قال مالك رضي الله تعالى عنه بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام قالوا والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا. وقد صدقوا في ذلك فإن هذه الأمة المحمدية خصوصا الصحابة لم يزل ذكرهم معظما في الكتب كما قال الله تعالى في هذه الآية ( ذلك مثلهم ) أي وصفهم في التوراة ومثلهم أي وصفهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه أي فراخه فآزره أي شده وقواه فاستغلظ أي شب فطال فكذلك أصحاب محمد آزروه وأيدوه ونصروه فهم معه كالشطء مع الز رع ليغيظ بهم الكفار. ومن هذه الآية أخذ الإمام مالك في رواية عنه بكفر الروافض الذين يبغضون الصحابة قال لأن الصحابة يغيظونهم ومن غاظه الصحابة فهو كافر. وهو مأخذ حسن يشهد له ظاهر الآية ومن ثم وافقه الشافعي رضي الله تعالى عنهما في قوله بكفرهم ووافقه أيضا جماعة من الأئمة. والأحاديث في فضل الصحابة كثيرة وقد قدمنا معظمها في أول هذا الكتاب ويكفيهم شرفا أي شرف ثناء الله عليهم في تلك الآيات كما ذكرناه وفي غيرها ورضاه عنهم وأنه تعالى وعدهم جميعهم لا بعضهم إذ من في منهم لبيان الجنس لا للتبعيض مغفرة وأجرا عظيما ووعد الله صدق وحق لا يتخلف ولا يخلف لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم. فعلم أن جميع ما قدمناه من الآيات هنا ومن الأحاديث الكثيرة الشهيرة في المقدمة يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الإسلام ببذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع بتعديلهم والاعتقاد بنزاهتهم هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتمد قوله ولم يخالف فيه إلا شذوذ من المبتدعة الذين ضلوا وأضلوا فلا يلتفت إليهم ولا يعول عليهم وقد قال إمام عصره أبو زرعة الرازي من أجل شيوخ مسلم إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق وذلك أن الرسول حق والقرآن حق وما جاء به حق وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة فمن جر حهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة فيكون الجرح به ألصق والحكم عليه بالزندقة والضلالة والكذب والفساد هو الأقوم الأحق. وقال ابن حزم الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعا قال تعالى ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى ) الحديد ١٠. وقال تعالى ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ) الأنبياء ١٠١ فثبت أن جميعهم من أهل الجنة وأنه لا يدخل أحد منهم النار لأنهم المخاطبون بالآية الأولى التي أثبت لكل منهم الحسنى وهي الجنة ولا يتوهم أن التقييد بالإنفاق أو القتال فيها وبالإحسان في الذين اتبعوهم بإحسان يخرج من لم يتصف بذلك منهم لأن تلك القيود خرجت مخرج الغالب فلا مفهوم لها على أن المراد من اتصف بذلك ولو بالقوة أو العزم وزعم الماوردي اختصاص الحكم بالعدالة بمن لازمه ونصره دون من اجتمع به يوما أو لغرض غير موافق عليه بل اعترضه جماعة من الفضلاء قال شيخ الإسلام العلائي هو قول غريب يخرج كثيرا من المشهورين بالصحبة والرواية عن الحكم بالعدالة كوائل بن حجر ومالك بن الحويرث وعثمان بن أبي العاص وغيرهم ممن وفد عليه ولم يقم عنده إلا قليلا وانصرف والقول بالتعميم هو الذي صرح به الجمهور وهو المعتبر. انتهى. ومما رد به عليه أن تعظيم الصحابة وإن قل اجتماعهم به كان مقررا عند الخلفاء الراشدين وغيرهم وقد صح عن أبي سعيد الخدري أن رجلا من أهل البادية تناول معاوية في حضرته وكان متكئا فجلس ثم ذكر أنه وأبا بكر ورجلا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى ) الحديد ١٠ من أهل البادية نزلوا على أبيات فيهم امرأة حامل فقال البدوي لها أبشرك أن تلدي غلاما. قالت نعم. قال إن أعطيتني شاة ولدت غلاما فأعطته فسمع لها اسجاعا ثم عمد إلى الشاة فذبحها وطبخها وجلسنا نأكل منها ومعنا أبو بكر فلما علم القصة قام فتقيأ كل شيء أكل قال ثم رأيت ذلك البدوي قد أتي به عمر وقد هجا الأنصار فقال لهم عمر لولا أن له صحبة من رسول الله ما أدري ما قال فيها لكفيتكموه. انتهى. فانظر توقف عمر عن معاتبته فضلا عن معاقبته لكونه علم أنه لقي النبي تعلم أن فيه أبين شاهد على أنهم كانوا يعتقدون أن شأن الصحبة لا يعدله شيء كما ثبت في الصحيحين من قوله ( والذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ). وتواتر عنه قوله ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ). وصح أنه قال ( إن الله اختار أصحابي على الثقلين سوى النبيين والمرسلين ) وفي رواية ( أنتم موفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل ). واعلم أنه وقع خلاف في التفضيل بين الصحابة ومن جاء بعدهم من صالحي هذه الأمة فذهب أبو عمر بن عبد البر إلى أنه يوجد فيمن يأتي بعد الصحابة من هو أفضل من بعض الصحابة واحتج على ذلك بخبر ( طوبى لمن رآني وآمن بي مرة وطوبى لمن لم يرني وآمن بي سبع مرات ). وبخبر عمر رضي الله تعالى عنه قال كنت جالسا عند النبي فقال ( أتدرون أي الخلق أفضل إيمانا ) قلنا الملا ئكة. قال ( وحق لهم بل غيرهم ) قلنا الأنبياء قال وحق لهم بل غيرهم ثم قال ( أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني فهم أفضل الخلق إيمانا ). وبحديث ( مثل أمتي مثل المطر لا يدرى آخره خير أم أوله ). وبخبر ( ليدركن المسيح أقواما إنهم لمثلكم أو خير ثلاثا ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها ). وبخير ( يأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين ). قيل منهم أو منا يا رسول الله قال ( بل منكم ) وبما روى أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة كتب إلى سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم أن أكتب لي بسيرة عمر فأنت أفضل من عمر لأن زمانك ليس كزمان عمر ولا رجالك كرجال عمر وكتب إلى فقهاء زمانه فكلهم كتب بمثل قول سالم. قال أبو عمر فهذه الأحاديث تقتضي مع تواتر طرقها وحسنها التسوية بين أول هذه الأمة وآخرها في فضل العمل إلا أهل بدر والحديبية قال وخبر ( خير الناس قرني ) ليس على عمومه لأنه جمع المنافقين وأهل الكبائر الذين قام عليهم وعلى بعضهم الحدود انتهى. والحديث الأول لا شاهد فيه للأفضلية والثاني ضعيف فلا يحتج به لكن صحح الحاكم وحسن غيره خبر يا رسول الله هل أحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك قال ( قوم يكو نون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني ). والجواب عنه وعن الحديث الثالث فإنه حديث حسن له طرق قد يرتقي بها إلى درجة الصحة وعن الحديث الرابع فإنه حسن أيضا وعن الحديث الخامس الذي رواه أبو داود والترمذي أن المفضول قد يكون فيه مزية لا توجد في الفاضل. وأيضا مجرد زياد ة الأجر لا تستلزم الأفضلية المطلقة. وأيضا الخيرية بينهما إنما هي باعتبار ما يمكن أن يجتمعا فيه وهو عموم الطاعات المشتركة بين سائر المؤمنين فلا يبعد حينئذ تفضيل بعض من ياتي على بعض الصحابة في ذلك. وأما ما اختص به الصحابة رضوان الله عليهم وفازوا به من مشاه دة طلعته ورؤية ذاته المشرفة المكرمة فأمر من وراء العقل إذ لا يسع أحد أن يأتي من الأعمال وإن جلت بما يقارب ذلك فضلا عن أن يماثله ومن ثم سئل عبد الله ابن المبارك وناهيك به جلالة وعلما أيما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز فقال الغبار الذي دخل أنف فرس معاوية مع رسول الله خير من عمر ابن عبد العزيز كذا وكذا مرة. أشار بذلك إلى أن فضيلة صحبته ورؤيته لا يعدلها شيء وبذلك علم الجواب عن استدلال أبي عمر بقضية عمر بن عبد العزيز وأن قول أهل زمنه له أنت أفضل من عمر. إنما هو بالنسبة لما تساويا فيه إن تصور من العدل في الرعية وأما من حيث الصحبة وما فاز به عمر من حقائق القرب ومزايا الفضل والعلم والدين التي شهد له بها النبي فأنى لابن عبد العزيز وغيره وأن يلحقوه في ذرة من ذلك. فالصواب ما قاله جمهور العلماء سلفا وخلفا لما يأتي وعلم من قول أبي عمر إلا أهل بدر والحديبية. أن الكلام في غير أكابر الصحابة ممن لم يفز إلا بمجرد رؤيته وقد ظهر أنه فاز بما لم يفز به من بعده وأن من بعده لو عمل ماعساه أن يعمل لا يمكنه أن يحصل ما يقرب من هذه الخصوصية فضلا عن أن يساويها هذا فيمن لم يفز إلا بذلك فما بالك بمن ضم إليها أنه قاتل معه أو في زمنه بأمره أو نقل شيئا من الشريعة إلى من بعده أو أنفق شيئا من ماله بسببه فهذا مما لا خلاف في أن أحدا من الجائين بعده لا يدركه ومن ثم قال تعالى ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى ) الحديد ١٠. ومما يشهد لما عليه الجمهور من السلف والخلف من أنهم خير خلق الله وأفضلهم بعد النبيين وخواص الملائكة والمقربين ما قدمته من فضائل الصحابة ومآثرهم أول الكتاب وهو كثير فراجعه ومنه حديث الصحيحين ( لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدا أنفق مثل أحد ما بلغ مثل أمد أح دهم ولا نصيفه ) وفي رواية لهما ( فإن أحدكم ) بكاف الخطاب وفي رواية الترمذي ( لو أنفق أحدكم ). الحديث والنصيف بفتح النون لغة في النصف. وروى الدارمي وابن عدي وغيرهما أنه قال ( أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ). ومن ذلك أيضا الخبر المتفق على صحته ( خير القرون أو الناس أو أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ). والقرن أهل زمن واحد متقارب اشتركوا في وصف مقصود ويطلق على زمن مخصوص وقد اختلفوا فيه من عشرة أعوام إلى مائة وعشرين إلا السبعين والمئة وعشرة فلم يحفظ قائل بهما وما عداهما قال به قائل وأعدل الأ قوال قول صاحب المحكم هو القدر المتوسط من أعمار أهل كل زمن والمراد بقرنه في هذا الحديث الصحابة وآخر من مات منهم على الإطلاق بلا خلاف أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي كما جزم به مسلم في صحيحه وكان موته سنة مائة على الصحيح وقيل سنة سبع ومائة وقيل سنة عشر ومائة. وصححه الذهبي لمطابقته للحديث الصحيح وهو قوله قبل وفاته بشهر ( على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد ) وفي رواية مسلم ( أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه ليس من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة ) فأراد بذلك انخرام القرن بعد مائة سنة من حين مقالته. والقول بأن عكراش بن ذؤيب عاش بعد وقعة الجمل مائة سنة غير صحيح وعلى التنزل فمعناه استكملها بعد ذلك لا أنه بقي بعدها مائة سنة كما قال الأئمة وما قاله جماعة في رتن الهندي ومعمر المغربي ونحوهما فقد بالغ الأئمة سيما الذهبي في تزييفه وبطلانه قال الأئمة ولا يروج ذلك على من له أدني مسكة من العقل ومر أن أفضلية قرنه على من يليه وهم التابعون بالنسبة إلى المجموع لا إلى كل فرد خلافا لابن عبد البر وكذا يقال في التابعين رضوان الله عليهم أجمعين وتابعيهم. ثم الصحابة أصناف مهاجرون وأنصار وحلفاء وهم من أسلم يوم الفتح أو بعده فأفضلهم إجمالا المهاجرون فمن بعدهم على الترتيب المذكور وأما تفصيلا فسبّاق الأنصار أفضل من جماعة من متأخري المهاجرين وسباق المهاجرين أفضل من سباق الأنصار ثم هم بعد ذلك يتفاوتون فرب متأخر إسلاما كعمر أفضل من متقدم كبلال. وقال أبو منصور البغدادي من أكابر أئمتنا أجمع أهل السنة أن أفضل الصحابة أبو بكر فعمر فعثمان فعلي فبقية العشرة المبشرين بالجنة فأهل بدر فباقي أهل أحد فباقي أهل بيعة الرضوان بالحديبية فباقي الصحابة. انتهى. ومر اعتراض حكايته الإجماع بين علي وعثمان إلا إن أراد بالإجماع فيهما إجماع أكثر أهل السنة فيصح ما قاله حينئذ هذا وقد أخرج الأنصاري عن أنس أن رسول الله قال ( يا أبا بكر ليت أني لقيت إخواني ). فقال أبو بكر يا رسول الله نحن إخوانك قال ( أنتم أصحابي إخواني الذين لم يروني وصدقوا بي وأحبوني حتى إني لأحب إلى أحدهم من ولده ووالده ). قالوا يا رسول الله نحن إخوانك. قال ( أنتم أصحابي ألا تحب يا أبا بكر قوما أحبوك بحبي إياك فأحبهم ما أحبوك بحبي إياك ). وقال ( من أحب الله أحب القرآن ومن أحب القرآن أحبني ومن أحبني أحب أصحابي وقرابتي ). رواه الديلمي. وقال ( يا أيها الناس احفظوني في أختاني وأصهاري وأصحابي لا يطالبنكم الله بمظلمة أحد منهم فإنها ليست مما يوهب ). رواه الخلعي. قال ( الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي من أحبهم فقد أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه ). ورواه المخلص الذهبي. فهذا الحديث وما قبله خرج مخرج الوصية بأصحابه على طريق التأكيد والترغيب في حبهم والترهيب عن بغضهم وفيه أيضا إشارة إلى أن حبهم إيمان وبغضهم كفر لأن بغضهم إذا كان بغضا له كان كفرا بلا نزاع لخبر ( لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه ). وهذا يدل على كمال قربهم منه من حيث أنزلهم منزلة نفسه حتى كأن أذاهم واقع عليه وفيه أيضا أن محبة من أحبه النبي كآله وأصحابه رضي الله تعالى عنهم علامة على محبة رسول الله كما أن محبته علامة على محبة الله تعالى وكذلك عداوة من عاداهم وبغض من أبغضهم وسبهم علامة على بغض رسول الله وعدواته وسبه وبغضه وعداوته وسبه علامة على بغض الله تعالى وعداوته وسبه فمن أحب شيئا أحب من يحب وأبغض من يبغض قال الله تعالى ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ) المجادلة ٢٢ فحب أولئك أعني آله وأزواجه وذرياته وأصحابه من الواجبات المتعينات وبغضهم من الموبقات المهلكات ومن محبتهم توقيرهم وبرهم والقيام بحقوقهم والاقتداء بهم بالمشي على سنتهم وآدابهم وأخلاقهم والعمل بأقوالهم مما ليس للعقل فيه مجال ومزيد الثناء عليهم وحسنه بأن يذكروا بأوصافهم الجميلة على قصد التعظيم فقد أثنى الله عليهم في آيات كثيرة من كتابه المجيد ومن أثنى الله عليه فهو واجب الثناء ومنه الاستغفار لهم. قالت عائشة رضي الله تعالى عنها أمروا بأن يستغفروا لأصحاب محمد فسبوهم. رواه مسلم وغيره على أن فائدة المستغفر عائد أكثرها إليه إذ يحصل بذلك مزيد الثواب. قال سهل بن عبد الله التستري. وناهيك به علما وزهدا ومعرفة وجلالة لم يؤمن برسول الله من لم يوقر أصحابه. ومما يوجب أيضا الإمساك عما شجر أي وقع بينهم من الاختلاف والإضراب صفحا عن أخبار المؤرخين سيما جهلة الروافض وضلال الشيعة والمبتدعين القادحين في أحد منهم فقد قال ( إذا ذكر أصحابي فأمسكوا ). والواجب أيضا على كل من سمع شيئا من ذلك أن يثبت فيه ولا ينسبه إلى أحدهم بمجرد رؤيته في كتاب أو سماعه من شخص بل لا بد أن يبحث عنه حتى يصح عنده نسبته إلى أحدهم فحينئذ الواجب أن يلتمس لهم أحسن التأويلات وأصوب المخارج إذ هم أهل لذلك كما هو مشهور في مناقبهم ومعدود من مآثرهم مما يطول إيراده وقد مر لذلك منه جملة في بعضهم. وما وقع بينهم من المنازعات والمحاربات فله محامل وتأويلات وأما سبهم والطعن فيهم فإن خالف دليلا قطعيا كقذف عائشة رضي الله عنها أو إنكار صحبة أبيها كان كفرا وإن كان بخلاف ذلك كان بدعة وفسقا. ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن ما جرى بين معاوية وعلي رضي الله عنهما من الحروب فلم يكن لمنازعة معاوية لعلي في الخلافة للإجماع على حقيتها لعلي كما مر فلم تهج الفتنة بسببها وإنما هاجت بسبب أن معاوية ومن معه طلبوا من علي تسليم قتلة عثمان إليهم لكون معاوية ابن عمه فامتنع علي ظنا منه أن تسليمهم إليهم على الفور مع كثرة عشائرهم واختلاطهم بعسكر علي يؤدي إلى اضطراب وتزلزل في أمر الخلافة التي بها انتظام كلمة أهل الإسلام سيما وهي في ابتدائها لم يستحكم الأمر فيها فرأى علي رضي الله عنه أن تأخير تسليمهم أصوب إلى أن يرسخ قدمه في الخلافة ويتحقق التمكن من الأمور فيها على وجهها ويتم له انتظام شملها واتفاق كلمة المسلمين ثم بعد ذلك يلتقطهم واحدا فواحدا ويسلمهم إليهم ويدل لذلك أن بعض قتلته عزم على الخروج على علي ومقاتلته لما نادى يوم الجمل بأن يخرج عنه قتلة عثمان وأيضا فالذين تمالؤا على قتل عثمان كانوا جموعا كثيرة كما علم مما قدمته في قصة محاصرتهم له إلى أن قتله بعضهم جمع من أهل مصر قيل سبعمائة وقيل ألف وقيل خمسمائة وجمع من الكوفة وجمع من الكوفة وجمع من البصرة وغيرهم قدموا كلهم المدينة وجرى منهم ما جرى بل ورد أنهم هم وعشائرهم نحو من عشرة آلاف فهذا هو الحامل لعلي رضي الله عنه على الكف عن تسليمهم لتعذره كما عرفت ويحتمل أن عليا رضي الله عنه رأى أن قتلة عثمان بغاة حملهم على قتله تأويل فاسد استحلوا به دمه رضي الله تعالى عنه لإنكارهم عليه أمورا كجعله مروان ابن عمه كاتبا له ورده إلى المدينة بعد أن طرده النبي منها وتقديمه أقاربه في ولاية الأعمال وقضية محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما السابقة في مبحث خلافة عثمان مفصلة ظنوا أنها مبيحة لما فعلوه جهلا منهم وخطأ والباغي إذا انقاد إلى الإمام العدل لا يؤاخذ بما أتلفه في حال الحرب عن تأويل دما كان أو مالا كما هو المرجح من قول الشافعي رضي الله عنه وبه قال جماعة آخرون من العلماء وهذا الاحتمال وإن أمكن لكن ما قبله أولى بالاعتماد منه فإن الذي ذهب إليه كثيرون من العلماء أن قتلة عثمان لم يكونوا بغاة وإنما كانوا ظلمة وعتاة لعدم الاعتداد بشبههم ولأنهم أصروا على الباطل بعد كشف الشبهة وإيضاح الحق لهم وليس كل من انتحل شبهة يصير بها مجتهدا لأن الشبهة تعرض للقاصر عن درجة الاجتهاد ولا ينافي هذا ما هو المقرر في مذهب الشافعي رضي الله عنه من أن من لهم شوكة دون تأويل لا يضمنون ما أتلفوه في حال القتال كالبغاة لأن قتل السيد عثمان رضي الله عنه لم يكن في قتال فإنه لم يقاتل بل نهى عن القتال حتى إن أبا هريرة رضي الله عنه لما أراده قال له عثمان عزمت عليك يا أبا هريرة إلا رميت بسيفك إنما تراد نفسي وسأقي المسلمين بنفسي كما أخرجه ابن عبد البر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة. ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة أيضا أن معاوية رضي الله عنه لم يكن في أيام علي خليفة وإنما كان من الملوك وغاية اجتهاده أنه كان له أجر واحد على اجتهاده وأما علي رضي الله عنه فكان له أجران أجر على اجتهاده وأجر على إصابته بل عشرة أجور لحديث ( إذا اجتهد المجتهد فأصاب فله عشرة أجور ) واختلفوا في إمامة معاوية بعد موت علي رضي الله عنهما فقيل صار إماما وخليفة لأن البيعة قد تمت له وقيل لم يصر إماما لحديث أبي داود والترمذي والنسائي ( الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا ). وقد انقضت الثلاثون بوفاة علي وأنت خبير بما قدمته أن الثلاثين لم تتم بموت علي وبيانه أنه توفي في رمضان سنة أربعين من الهجرة. والأكثرون على أن وفاته سابع عشر ووفاة النبي ثاني عشر ربيع الأول فبينهما دون الثلاثين بنحو ستة أشهر وتمت الثلاثين بمدة خلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما فإذا تقرر ذلك فالذي ينبغي كما قاله غير واحد من المحققين أن يحمل قول من قال بإمامة معاوية عند وفاة علي على ما تقرر من وفاته بنحو نصف سنة لما سلم له الحسن الخلافة والمانعون لإمامته يقولون لا يعتد بتسليم الحسن الأمر إليه لأنه لم يسلمه إليه إلا للضرورة لعلمه بأنه أعني معاوية لا يسلم الأمر للحسن وأنه قاصد للقتال والسفك إن لم يسلم الحسن الأمر إليه فلم يترك الأمر إليه إلا صونا لدماء المسلمين ولك رد ما وجه به هؤلاء ما ذكر بأن الحسن كان هو الإمام الحق والخليفة الصدق وكان معه من العدة والعدد ما يقاوم من مع معاوية فلم يكن نزوله عن الخلافة وتسليمه الأمر لمعاوية اضطراريا بل كان اختياريا كما يدل عليه ما مر في قصة نزوله من أنه اشترط عليه شروطا كثيرة فالتزمها ووفى له بها وأيضا فقد مر عن صحيح البخاري أن معاوية هو السائل للحسن في الصلح ومما يدل على ما ذكرته حديث البخاري السابق عن أبي بكرة قال رأيت رسول الله على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول ( إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ). فانظر إلى ترجيه الإصلاح به وهو لا يترجى إلا الأمر الحق الموافق للواقع بترجيه الإصلاح من الحسن يدل على صحة نزوله لمعاوية عن الخلافة وإلا لو كان الحسن باقيا على خلافته بعد نزوله عنها لم يقع ينزوله إصلاح ولم يحمد الحسن على ذلك ولم يترج مجرد النزول من غير أن يترتب عليه فائدته الشرعية ووجوب طاعته على الكافة وهي استقلال المنزول له بالأمر وصحة خلافته ونفاذ تصرفه ووجوب طاعته على الكافة وقيامه بأمور المسلمين فكان ترجيه لوقوع الإصلاح بين أولئك الفئتين العظيمتين من المسلمين بالحسن فيه دلالة أي دلالة على صحة ما فعله الحسن وعلى أنه مختار فيه وعلى أن تلك الفوائد الشرعية وهي صحة خلافة معاوية وقيامه بأمور المسلمين وتصرفه فيها بسائر ما تقتضيه الخلافة مترتبة على ذلك الصلح فالحق ثبوت الخلافة لمعاوية من حينئذ وأنه بعد ذلك خليفة حق وإمام صدق كيف وقد أخرج الترمذي وحسنه عن عبد الرحمن بن أبي عميرة الصحابي عن النبي أنه قال لمعاوية ( اللهم اجعله هاديا مهديا ). وأخرج أحمد في مسنده عن العرباض بن سارية سمعت رسول الله يقول ( اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب ). وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف والطبراني في الكبير عن عبد الملك ابن عمير قال قال معاوية ما زلت أطمع في الخلافة منذ قال لي رسول الله ( يا معاوية إذا ملكت فأحسن ). فتأمل دعاء النبي له في الحديث الأول بأن الله يجعله هاديا مهديا والحديث حسن كما علمت فهو مما يحتج به على فضل معاوية وأنه لا ذم يلحقه بتلك الحروب لما علمت أنها كانت مبنية على اجتهاد وأنه لم يكن له إلا أجر واحد لأن المجتهد إذا أخطأ لا ملام عليه ولا ذم يلحقه بسبب ذلك لأنه معذور ولذا كتب له أجر. ومما يدل لفضله أيضا الدعاء في الحديث الثاني بأن يعلم ذلك ويوقى العذاب ولا شك أن دعاءه مستجاب فعلمنا منه أنه لا عقاب على معاوية فيما فعل من تلك الحروب بل له الأجر كما تقرر. وقد سمى النبي فئته المسلمين وساو اهم بفئة الحسن في وصف الإسلام فدل على بقاء حرمة الإسلام للفريقين وأنهم لم يخرجوا بتلك الحروب عن الإسلام وأنهم فيه علىحد سواء فلا فسق ولا نقص يلحق أحدهما لما قررناه من أن كلا منهما متأول تأويلا غير قطعي البطلان وفئة معاوية وإن كانت هي الباغية لكنه بغي لا فسق به لأنه إنما صدر عن تأويل يعذر به أصحابه. وتأمل أنه أخبر معاوية بأنه يملك وأمره بالإحسان تجد في الحديث إشارة إلى صحة خلافته وأنها حق بعد تمامها له بنزول الحسن له عنها فإن أمره بالإحسان المترتب على الملك يدل على حقية ملكه وخلافته وصحة تصرفه ونفوذ أفعاله من حيث صحة الخلافة له من حيث التغلب لأن المتغلب فاسق معاقب لا يستحق أن يبشر ولا يؤمر بالإحسان فيما تغلب عليه بل إنما يستحق الزجر والمقت والإعلام بقبيح أفعاله وفساد أحواله. فلو كان معاوية متغلبا لأشار له النبي إلى ذلك أو صرح له به فلما لم يشر له فضلا عن أن يصرح إلا بما يدل على حقية ما هو عليه علمنا أنه بعد نزول الحسن له خليفة حق وإمام صدق. ويشير إلى ذلك كلام الإمام أحمد فقد أخرج البيهقي وابن عساكر عن إبراهيم بن سويد الأرمني قال قلت لأحمد ابن حنبل من الخلفاء قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. قلت فمعاوية قال لم يكن أحد أحق بالخلافة في زمان علي من علي. فأفهم كلامه أن معاوية بعد زمان علي أي وبعد نزول الحسن له أحق الناس بالخلافة. وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف عن سعيد بن جمهان قال قلت لسفينة إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم. فقال كذب بنو الزرقاء بل هم ملوك من أشر الملوك وأول الملوك معاوية. فلا يتوهم منه أن لا خلافة لمعاوية لأن معناه أن خلافته وإن كانت صحيحة إلا أنه غلب عليها مشابهة الملك لأنها خرجت عن سنن خلافة الخلفاء الراشدين في كثير من الأمور فهي حقة وصحيحة من حين نزول الحسن له واجتماع الناس أهل الحل والعقد عليه وتلك من حيث إنه وقع فيها أمور ناشئة عن اجتهادات غير مطابقة للواقع لا يأثم بها المجتهد لكنها تؤخر عن درجات ذوي الاجتهادات الصحيحة المطابقة للواقع وهم الخلفاء الأربعة والحسن رضي الله عنهم فمن أطلق على ولاية معاوية أنها ملك أراد من حيث ما وقع في خلا لها من تلك الاجتهادات التي ذكرناها ومن أطلق عليها أنها خلافة أراد انه بنزول الحسن له واجتماع أهل الحل والعقد عليه صار خليفة حق مطاعا يجب له من حيث الطواعية والانقياد ما يجب للخلفاء الراشدين قبله. ولا يقال بنظير ذلك فيمن بعده لأن أولئك ليسوا من أهل الاجته اد بل منهم عصاة فسقة ولا يعدون من جملة الخلفاء بوجه بل من جملة الملوك بل من أشرهم إلا عمر بن عبد العزيز فإنه ملحق بالخلفاء الراشدين وكذلك ابن الزبير. وأما ما يستبيحه بعض المبتدعة من سبه ولعنه فله فيه اسوة أي أسوة بالشيخين وعثمان وأكثر الصحابة فلا يلتفت لذلك ولا يعول عليه فإنه لم يصدر إلا عن قوم حمقى جهلاء أغبياء طغام لا يبالي الله بهم في أي واد هلكوا فلعنهم الله وخذلهم أقبح اللعنة والخذلان وأقام على رؤوسهم من سيوف أهل السنة وحججهم المؤيدة بأوضح الدلائل والبرهان ما يقمعهم عن الخوض في تنقيص أولئك الأئمة الأع يان ولقد استعمل معاوية عمر وعثمان رضي الله عنهم وكفاه ذلك شرفا وذلك أن أبا بكر رضي الله عنه لما بعث الجيوش إلى الشام سار معاوية مع أخيه يزيد بن أبي سفيان فلما مات أخوه يزيد استخلفه على دمشق فأقره ثم أقره عمر ثم عثمان وجمع له الشام كله فأقام أميرا عشرين سنة وخليفة عشرين سنة. قال كعب الأحبار لم يملك أحد هذه الأمة ما ملك معاوية. قال الذهبي توفي كعب قبل أن يستخلف معاوية وصدق كعب فيما نقله فإن معاوية بقي خليفة عشرين سنة لا ينازعه أحد الأمر في الأرض بخلاف غيره ممن بعده فإنه كان لهم مخالف وخرج عن أمرهم بعض المم الك. انتهى. وفي إخبار كعب بذلك قبل استخلاف معاوية دليل على أن خلافته منصوص عليها في بعض كتب الله المنزلة فإن كعبا كان حبرها فله من الاطلاع عليها والإحاطة بأحكامها ما فاق سائر أحبار أهل الكتاب وفي هذا من التقوية لشرف معاوية وحقية خلافته بعد نزول الحسن له ما لا يخفى وكان نزوله له عنها واستقراره فيها من ربيع الآخر أوجمادى الأولى سنة إحدى وأربعين فسمي هذا العام عام الجماعة لاجتماع الأمة فيه على خليفة واحد. واعلم أن أهل السنة اختلفوا في تكفير يزيد بن معاوية وولي عهده من بعده فقالت طائفة إنه كافر لقول سبط ابن الجوزي وغيره المشهور أنه لماجاء رأس الحسين رضي الله عنه جمع أهل الشام وجعل ينكت رأسه بالخيزران وينشد ابيات ابن الزبعرى

ليت أشياخي ببدر شهدوا

الأبيات المعروفة وزاد فيها بيتين مشتملين على صريح الكفر. وقال ابن الجوزي فيما حكاه سبطه عنه ليس العجب من قتال ابن زياد للحسين وإنما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب ثنايا الحسين وحمله آل رسول الله سبايا على أقتاب الجمال. وذكر أشياء من قبيح ما اشتهر عنه ورده الرأس إلى المدينة وقد تغيرت ريحه ثم قال وما كان مقصوده إلا الفضيحة وإظهار الرأس أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج ليس بإجماع المسلمين أن الخوارج والبغاة يكفنون ويصلى عليهم ويدفنون ولو لم يكن في قلبه أحقاد جاهلية وأضغان بدرية لاحترم الرأس لما وصل إليه وكفنه ودفنه وأحسن إلى آل رسول الله. انتهى. وقالت طائفة ليس بكافر فإن الأسباب الموجبة للكفر لم يثبت عندنا منها شي ء والأصل بقاؤه على إسلامه حتى يعلم ما يخرجه عنه وما سبق أنه المشهور يعارضه ما حكي أن يزيد لما وصل إليه رأس الحسين قال رحمك الله يا حسين لقد قتلك رجل لم يعرف حق الأرحام. وتنكر لابن زياد وقال قد زرع لي العداوة في قلب البر والفاجر ورد نساء الحسين ومن بقي من بنيه مع رأسه إلى المدينة ليدفن الرأس بها وأنت خبير بأنه لم يثبت موجب واحدة من المقالتين والأصل أنه مسلم فنأخذ بذلك الأصل حتى يثبت عندنا ما يوجب الإخراج عنه ومن ثم قال جماعة من المحققين إن الطريقة الثابتة القويمة في شأنه التوقف فيه وتفويض أمره إلى الله سبحانه وتعالى لأنه العالم بالخفيات والمطلع على مكنونات السرائر وهواجس الضمائر فلا نتعرض لتكفيره أصلا لأن هذا هو الأحرى والأسلم. وعلى القول بأنه مسلم فهو فاسق شرير سكير جائر كما أخبر به النبي فقد أخرج أبو يعلى في مسنده بسند لكنه ضعيف عن أبي عبيدة قال قال رسول الله ( لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد ) وأخرج الروياني في مسنده عن أبي ذر قال سمعت النبي يقول ( أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد ). وفي هذين الحديثين دليل أي دليل لما قدمته أن معاوية كانت خلافته ليست كخلافة من بعده من بني أمية فإنه أخبر أن أول من يثلم أمر أمته ويبدل سنته يزيد فافهم أن معاوية لم يثلم ولم يبدل وهو كذلك لما مر أنه مجتهد ويؤيد ذلك ما فعله الإمام المهدي كما عبر به ابن سيرين وغيره عن عمر بن عبد العزيز بأن رجلا نال من معاوية بحضرته فض ربه ثلاثة أسواط مع ضربه لمن سمى ابنه يزيد أمير المؤمنين عشرين سوطا كما سيأتي فتأمل فرقان ما بينهما. وكان مع أبي هريرة رضي الله عنه علم من النبي بما مر عنه في يزيد فإنه كان يدعو اللهم إني أعوذ بك من رأس الستين وإمارة الصبيان. فاستجاب الله له وتوفاه سنة تسع وخمسين وكان وفاة معاوية وولاية ابنه سنة ستين فعلم أبو هريرة بولاية يزيد في هذه السنة فاستعاذ منها لما علمه من قبيح أحواله بواسطة إعلام الصادق المصدوق بذلك. وقال نوفل بن أبي الفرات كنت عند عمر بن عبد العزيز فذكر رجل يزيد فقال قال أمير المؤمنين يزيد بن معاوية. فقال تقول أمير المؤمنين فأمر به فضرب عشرين سوطا. ولإسرافه في المعاصي خلعه أهل المدينة فقد أخرج الواقدي من طرق أن عبد الله بن حنظلة بن الغسيل قال والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمي بالحجارة من السماء أن كان رجلا ينكح أمهات الأولاد والبنات والأ خوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة. وقال الذهبي ولما فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل مع شربه الخمر وإتيانه المنكرات اشتد عليه الناس وخرج عليه غير واحد ولم يبارك الله في عمره. وأشار بقوله ما فعل إلى ما وقع منه سنة ثلاث وستين فإنه بلغه أن أهل المدينة خرجوا عليه وخلعوه فأرسل لهم جيشا عظيما وأمرهم بقتالهم فجاؤا إليهم وكانت وقعة الحرة على باب طيبة وما أدراك ما وقعة الحرة. ذكرها الحسن مرة فقال لله ما كاد ينجو منهم واحد قتل فيها خلق كثير من الصحابة ومن غيرهم فإنا لله وإنا إليه راجعون. وبعد اتفاقهم على فسقه اختلفوا في جواز لعنه بخصوص اسمه فأجازه قوم منهم ابن الجوزي ونقله عن أحمد وغيره فإنه قال في كتابه المسمى بالرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد سألني سائل عن يزيد بن معاوية فقال له يكفي ما به فقال أيجوز لعنه فقلت قد أجازه العلماء الورعون منهم أحمد ابن حنبل فإنه ذكر في حق يزيد ما يزيد على اللعنة ثم روى ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى الفراء أنه روى في كتابه المعتمد في الأصول بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل قال قلت لأبي إن قوما ينسبوننا إلى تولي يزيد. فقال يا بني وهل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله ولم لا يلعن من لعنه الله في كتابه فقلت وأين لعن الله يزيد في كتابه فقال في قوله تعالى ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ( أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) فهل يكون فساد أعظم من القتل وفي رواية فقال يا بني ما أقول في رجل لعنه الله في كتابه فذكره. قال ابن محمد الجوزي وصنف القاضي أبو يعلى كتابا ذكر فيه بيان من يستحق اللعن وذكر منهم يزيد ثم ذكر حديث ( من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ). ولا خلاف أن يزيد غزا المدينة بجيش وأخاف أهلها. انتهى. والحديث الذي ذكره رواه مسلم. ووقع من ذلك الجيش من القتل والفساد العظيم والسبي وإباحة المدينة ما هو مشهور حتى فض نحو ثلاثمائة بكر وقتل من الصحابة نحو ذلك ومن قراء القرآن نحو سبع مائة نفس وأبيحت المدينة أياما وبطلت الجماعة من المسجد النبوي أياما وأخيفت أهل المدينة أياما فلم يمكن أحدا دخول مسجدها حتى دخلته الكلاب والذئاب وبالت على منبره تصديقا لما أخبر به النبي. ولم يرض أمير ذلك الجيش إلا بأن يبايعوه ليزيد على أنهم خول له إن شاء باع وإن شاء أعتق فذكر له بعضهم البيعة على كتاب الله وسنة رسوله فضرب عنقه وذلك في وقعة الحرة السابقة. ثم سار جيشه هذا إلى قتال ابن الزبير فرموا الكعبة بالمنجنيق وأحرقوها بالنار فأي شيء أعظم من هذه القبائح التي وقعت في زمنه ناشئة عنه وهي مصداق الحديث السابق ( لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد ). وقال آخرون لا يجوز لعنه إذ لم يثبت عندنا ما يقتضيه وبه أفتى الغزالي وأطال في الانتصار له وهذا هو اللائق بقواعد أئمتنا وبما صرحوا به من أنه لا يجوز أن يلعن شخص بخصوصه إلا إن علم موته على الكفر كأبي جهل وأبي لهب وأما من لم يعلم فيه ذلك فلا يجوز لعنه حتى إن الكافر الحي المعين لا يجوز لعنه لأن اللعن هو الطرد عن رحمة الله المستلزم لليأس منها وذلك إنما يليق بمن علم موته على الكفر وأما من لم يعلم فيه ذلك فلا وإن كان كافرا في الحالة الظاهرة لاحتمال أن يختم له بالحسنى فيموت على الإسلام وصرحوا أيضا بأنه لا يجوز لعن فاسق مسلم معين وإذا علمت أنهم صرحوا بذلك علمت أنهم مصرحون بأنه لا يجوز لعن يزيد وإن كان فاسقا خبيثا ولو سلمنا أنه أمر بقتل الحسين وسر به لأن ذلك حيث لم يكن عن استحلال أو كان عنه لكن بتأويل ولو باطلا وهو فسق لا كفر على أن أمره بقتله وسروره به لم يثبت صدوره عنه من وجه صحيح. بل كما حكي عنه ذلك حكي عنه ضده كما قدمته وأما ما استدل به أحمد على جواز لعنه من قوله تعالى ( أولئك الذين دل لعنهم الله وما استدل به غيره من قوله في حديث مسلم ( وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) فلا دلالة فيهما لجواز لعن يزيد بخصوص اسمه والكلام إنما هو فيه وإنما الذي عليه جواز لعنه لا بذلك الخصوص وهذا جائز بلا نزاع ومن ثم حكي الاتفاق على أنه يجوز لعن من قتل الحسين رضي الله عنه أو أمر بقتله أو أجازه أو رضي به من غير تسمية ليزيد كما يجوز لعن شارب الخمر ونحوه من غير تعيين وهذا هو الذي في الآية والحديث إذ ليس فيهما تعرض للعن أحد بخصوص اسمه بل لمن قطع رحمه ومن أخاف أهل المدينة فيجوز اتفاقا أن يقال لعن الله من قطع رحمه ومن أخاف أهل المدينة ظلما. وإذا جاز هذا اتفاقا لكونه ليس فيه تسمية أحد بخصوصه فكيف يستدل به أحمد وغيره على جواز لعن شخص معين بخصوصه مع وضوح الفرق بين المقامين فاتضح أنه لا يجوز لعنه بخصوصه وأنه لا دلالة في الآية والحديث للجواز. ثم رأيت ابن الصلاح من أكابر أئمتنا الفقهاء والمحدثين قال في فتاويه لما سئل عمن يلعنه لكونه أمر بقتل الحسين رضي الله عنه لم يصح عندنا أنه أمر بقتله رضي الله عنه والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله كرمه الله إنما هو عبيد الله بن زياد والي العراق إذ ذاك. وأما سب يزيد ولعنه فليس ذلك من شأن المؤمنين وإن صح أنه قتله أو أمر بقتله. وقد ورد في الحديث المحفوظ أن ( لعن المسلم كقتله ) وقاتل الحسين رضي الله عنه لا يكفر بذلك وإنما ارتكب إثما عظيما وإنما يكفر بالقتل قاتل نبي من الأنبياء. والناس في يزيد ثلاث فرق فرقة تتولاه وتحبه وفرقة تسبه وتلعنه وفرقة متوسطة في ذلك لا تتولاه ولا تلعنه وتسلك به مسلك سائر ملوك الإسلام وخلفائهم غير الراشدين في ذلك وهذه الفرقة هي المصيبة ومذهبها هو اللائق بمن يعرف سير الماضين ويعلم قواعد الشريعة المطهرة. جعلنا الله من أخيار أهلها آمين. انتهى لفظه بحروفه وهو نص فيما ذكرته. وفي الأنوار منكتب أئمتنا المتأخرين والباغون ليسوا بفسقة ولا كفرة ولكنهم مخطئون فيها يفعلونه ويذهبون إليه ولا يجوز الطعن في معاوية لأنه من كبار الصحابة ولا يجوز لعن يزيد ولا تكفيره فإنه من جملة المؤمنين وأمره إلى مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه قاله الغزالي والمتولي وغيرهما. قال الغزالي وغيره ويحرم على الواعظ وغيره رواية مقتل الحسين وحكاياته وما جرى بين الصحابة من التشاجر والتخاصم فإنه يهيج على بغض الصحابة والطعن فيهم وهم أعلام الدين تلقى الأئمة الدين عنهم رواية ونحن تلقيناه من الأئمة دراية فالطاعن فيهم مطعون طاعن في نفسه ودينه. قال ابن الصلاح والنووي الصحابة كلهم عدول وكان للنبي مائة ألف وأربعة عشر ألف صحابي عند موته والقرآن والأخبار مصرحان بعدالتهم وجلالتهم ولما جرى بينهم محامل لا يحتمل ذكرها هذا الكتاب. انتهى ملخصا. وما ذكره من حرمة رواية قتل الحسين وما بعدها لا ينافي ماذكرته في هذا الكتاب لأن هذا البيان الحق الذي يجب اعتقاده من جلالة الصحابة وبراء تهم من كل نقص بخلاف ما يفعله الوعاظ الجهلة فإنهم يأتون بالأخبار الكاذبة الموضوعة ونحوها ولا يبينون المحامل والحق الذي يجب اعتقاده فيوقعون العامة في بغض الصحابة وتنقيصهم بخلاف ما ذكرناه فإنه لغاية إجلالهم وتنزيههم هذا. وقد بتر عمر يزيد لسوء ما فعله واستجابة لدعوة أبيه فإنه ليم علىعهده إليه فخطب وقال اللهم إن كنت إنما عهدت ليزيد لما رأيت من فعله فبلغه ما أملته وأعنه وإن كنت إنما حملني حب الوالد لولده وأنه ليس لما صنعت به أهلا فاقبضه قبل أن يبلغ ذلك. فكان كذلك لأن ولايته كانت سنة ستين ومات سنة أربع وستين لكن عن ولد شاب صالح عهد إليه فاستمر مريضا إلى أن مات ولم يخرج إلى الناس ولا صلى بهم ولا أدخل نفسه في شيء من الأمور وكانت مدة خلافته أربعين يوما وقيل شهرين وقيل ثلاثة شهور ومات عن إحدى وعشرين سنة وقيل عشرين. ومن صلاحه الظاهر أنه لما ولي العهد صعد المنبر فقال إن هذه الخلافة حبل الله وإن جدي معاوية نازع الأمر أهله ومن هو أحق به منه علي بن أبي طالب وركب بكم ما تعلمون حتى أتته منيته فصار في قبره رهينا بذنوبه ثم قلد أبي الأمر وكان غير أهل له ونازع ابن بنت رسول الله فقصف عمره وانبتر عقبه وصار في قبره رهيبا بذنوبه ثم بكى وقال إن من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه وبئيس منقلبه وقد قتل عترة رسول الله وأباح الحرم وخرب الكعبة ولم أذق حلاوة الخلافة فلا أتقلد مرارتها فشأنكم أمركم والله لئن كانت الدنيا خيرا فقد نلنا منها حظا ولئن كانت شرا فكفى ذرية أبي سفيان ما أصابوا منها ثم تغيب في منزله حتى مات بعد أربعين يوما على ما مر فرحمه الله حيث أنصف من أبيه وعرف الأمر لأهله كما عرفه عمر بن عبد العزيز بن مروان الخليفة الصالح رضي الله عنه فقد مر عنه أنه ضرب من سمى يزيد أمير المؤمنين عشرين سوطا ولعظيم صلاحه وعدله وجميل أحواله ومآثره قال سفيان الثوري كما أخرجه عنه أبو داود في سننه الخلفاء الراشدون خمسة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز. وإنما لم يعد الحسن وابن الزبير مع صلاحية كل منهما أن يكون منهم بل مر النص على أن الحسن منهم لقصر مدة الحسن ولأن كلا منهما لم يتم له من نفاذ الكلمة واجتماع الأمة ما تم لعمر بن عبد العزيز. وعن ابن المسيب أنه قال إنما الخلفاء ثلاثة أبو بكر وعمر وعمر. فقال له حبيب هذا أبو بكر وعمر قد عرفناهما فمن عمر قال إن عشت أدركته وإن مت كان بعدك. هذا مع كون ابن المسيب مات قبل خلافة عمر والظاهر أنه اطلع على ذلك من بعض أخصاء الصحابة الذين أخبرهم النبي بكثير ما يكون بعده كأبي هريرة وحذيفة وكذا يقال فيما يأتي عن عمر من التبشير بعمر. وورد من طرق أن الذئاب في أيام خلافته رعت مع الشاة فلم تعد إلا ليلة موته. وأمه بنت عاصم بن عمر بن الخطاب وكان يبشر به ويقول من ولدي رجل بوجهه شجة يملأ الأرض عدلا. أخرجه الترمذي في تاريخه وكان بوجهه عمر بن عبد العزيز شجة ضربته دابة في جبهته وهو غلام فجعل أبوه يمسح الدم عنه ويقول إن كنت أشج بني أمية إنك لسعيد فصدق ظن أبيه فيه. وأخرج ابن سعد أن عمر بن الخطاب قال ليت شعري من ذو الشين من ولدي يملؤها عدلا كما ملئت جورا. وأخرج ابن عمر قال كنا نتحدث أن الدنيا لا تنقضي حتى يلي رجل من آل عمر يعمل بمثل عمل عمر فكان بلال بن عبد الله بن عمير بوجهه شامة وكانوا يرون أنه هو حتى جاء الله بعمر بن عبد العزيز. وأخرج البيهقي وغيره من طرق عن أنس ما صليت وراء إمام بعد رسول الله خير من هذا الفتى. يعني عمر بن عبد العزيز وهو أمير على المدينة من جهة الوليد بن عبد الملك فإنه لما ولي الخلافة بعهد أبيه إليه بها أمر عمر عليها من سنة ست وثمانين إلى سنة ثلاث وتسعين. وأخرج ابن عساكر عن إبراهيم بن أبي عيلة قال دخلنا على عمر بن عبد العزيز يوم العيد والناس يسلمون عليه ويقولون تقبل الله منا ومنك يا أمير المؤمنين فيرد عليهم ولا ينكر عليهم. قال بعض الحفاظ الفقهاء من المتأخرين وهذا أصل حسن للتهنئة بالعيد والعام والشهر. انتهى. وهو كما قال فإن عمر بن عبد العزيز كان من أوعية العلم والدين وأئمة الهدى والحق كما يعلم ذلك من طالع مناقبه الجليلة ومآثره العلية وأحواله السنية وقد استوفى كثيرا منها أبو نعيم وابن عساكر وغيرهما. ولولا خوف الإطالة والانتشار لذكرت منها غررا مستكثرة لكن فيما أشرت إليه كفاية. ولنختم الكتاب بحكاية جليلة نفيسة فيها فوائد غريبة وهي أن أبا نعيم أخرج بسند صحيح عن رباح بن عبيدة قال خرج عمر بن عبد العزيز إلى الصلاة وشيخ يتوكأ على يده فقلت في نفسي إن هذا الشيخ جاف فلما صلى ودخل لحقته فقلت أصلح الله الأمير من الشيخ الذي كان يتكىء على يدك قال يا رباح رأيته قلت نعم قال ما أحسبك إلا رجلا صالحا ذاك أخي الخضر أتاني فأعلمني أني سألي أمر هذه الأمة وأني سأعدل فيها. فرحمه الله ورضي عنه. وأنا أسأل الله المنان الوهاب أن يلحقني بعباده الصالحين وأوليائه العارفين وأحبائه المقربين وأن يميتني على محبتهم ويحشرني في زمرتهم وأن يديم لي خدمة جناب آل محمد وصحبه ويمن علي برضاه وحبه ويجعلني من الهادين المهديين أئمة أهل السنة والجماعة العلماء والحكماء السادة القادة العاملين إنه أكرم كريم وأرحم رحيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا سرا وعلنا يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك حمدا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد. والصلاة والسلام التامان الأكملان على أشرف خلقك سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرياته عدد خلقك ورضا لنفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون. والحمد لله رب العالمين

تتمة في أبواب منتقاة من كتاب للحافظ السخاوي

لما فرغت من هذا الكتاب أعني الصواعق المحرقة رأيت بعد أربع عشرة سنة وقد كتب منه من النسخ ما لا أحصي ونقل إلى أقاصي البلدان والأقاليم كأقصى المغرب وما وراء النهر سمرقند وبخارى وكشمير وغيرها والهند واليمن كتابا في مناقب أهل البيت فيه زيادات على ما مر لبعض الحفاظ من معاصري مشايخنا وهو الحافظ السخاوي رحمه الله وكان يمكن إلحاق زياداته لقلتها على حواشي النسخ لكن لتفرقها تعذر ذلك فأردت أن ألخص هذا الكتاب مع زيادات في ورقات إن أفردت فهي كافية في التنبيه على كثير من مآثرهم وإن ضمت لهذا الكتاب فهي مؤكدة تارة ومؤسسة أخرى. فأقول اعلم أنه أشار في خطبة هذا الكتاب إلى بعض حط على ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى للإمام الحافظ المحب الطبري بأن فيه كثيرا من الموضوع والمنكر فضلا عن الضعيف ثم نقل عن شيخه الحافظ العسقلاني أنه قال في حق المحب الطبري إنه كثير الوهم في عزوه للحديث مع كونه لم يكن في زمنه مثله ثم ذكر مقدمة في بيان فروع بني هاشم وفروع بني المطلب ولاحاجة لنا بذلك لأنه معروف مشهور أكثره ولأن الغرض إنما هو ذكر ما يختص بآل البيت المطهر. وفيه أبواب باب وصية النبي. قال ( ألا إن عيبتي التي آوي إليها أهل بيتي وإن كرشي الأنصار فاعفوا عن مسيئهم من واقبلوا محسنهم ) حديث حسن. وفي رواية ( ألا إن عيبتي وكرشي أهل بيتي والأنصار فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم ) أي إنهم جماعتي وأصحابي الذين أثق بهم وأطلعهم على أسراري وأعتمد عليهم. وكرشي باطني وعيبتي ظاهري وجمالي. وهذا غاية في التعطف عليهم والوصية بهم ومعنى ( وتجاوزوا عن مسيئهم ) أقيلوهم عثراتهم فهو كحديث ( أقيلوا ذوي الهيئات ). وصح من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسر قوله تعالى ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) الشورى ٢٣ بأن المراد منه أنه ما من بطن من قريش إلا وللنبي إليها ولادة وقرابة قريبة. أي إن لم تؤمنوا بما جئت به وتبايعوني عليه فلا أس ألكم مالا وإنما أسألكم أن تحفظوا القرابة التي بيني وبينكم فلا تؤذوني ولا تنفروا الناس عني صلة للرحم التي بيني وبينكم إذ أنتم في الجاهلية كنتم تصلون الأرحام ولا تدعوا غيركم من العرب يكون أولى منكم بحفظي ونصرتي. وتبعه على ذلك جماعة من تلامذته وغيرهم ولكن خالفه أجلهم تلميذه الإمام سعيد بن جبير ففسر بحضرته الآية بأن المراد قل لا أسألكم أيها الناس مالا على ما بلغته إليكم وإنما الذي أسالكموه أن تصلوا قرابتي وتودوني فيهم. وكان ابن جبير مع ذلك يفسر الآية بالوجه الأول أيضا وهو التحقيق لأنها صالحة لكل منهما لكن يؤ يد الأول أن السورة مكية وقد رد ابن عباس على ابن جبير تفسيره ولم يرجع إليه. وجاء من طريق ضعيفة أن ابن عباس فسرها بما فسر به ابن جبير ورفع ذلك إلى النبي فقال قالوا يا رسول الله عند نزول الآية من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال ( علي وفاطمة وابناهما ). وفي طريق ضعيفة أيضا لكن لها شاهد مختصر صحيح أن سبب نزول الآية افتخار الأنصار بآثارهم الحميدة في الإسلام على قريش فأتاهم النبي في مجالسهم فقال ( ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي ) قالوا بلى يا رسول الله. قال ( ألا تقولون ألم يخرجك قومك فآويناك أو لم يكذبوك فصدقناك أو لم يخذلوك فنصرناك ). فما زال يقول لهم حتى جثوا على الركب وقالوا أموالنا وما في أيدينا لله ورسوله فنزلت الآية. وفي طريق ضعيفة أيضا أن سبب نزولها أنه لما قدم المدينة كانت تنوبه نوائب وليس في يده شيء فجمع له الأنصار مالا فقالوا يا رسول الله إنك ابن أختنا وقد هدانا الله بك وتنوبك نوائب وحقوق وليس معك سعة فجمعنا لك من أموالنا ما تستعين به عليها فنزلت. وكونه ابن أختهم جاء في الرواية الصحيحة لأن أم عبد المطلب من بني النجار منهم. وفي حديث سنده حسن ( ألا إن لكل نبي تركة ووضيعة وإن تركتي ووضيعتي الأ نصار فاحفظوني فيهم ). ويؤيد ما مر من تفسير ابن جبير أن الآية في الآل ماجاء عن علي كرم الله وجهه قال فينا آل حم آية لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن ثم قرا الآية. وجاء ذلك عن زين العابدين أيضا فإنه لما قتل أبوه الحسين رضي الله عنه جيء به أسيرا فأقيم على درج دمشق فقال رجل من أهل الشام الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة. فقال له زين العابدين أقرأت القرآن قال نعم فبين له أن الآية فيهم وأنهم القربى فيها فقال وإنكم لأنتم هم قال نعم. أخرجه الطبراني. وأخرج الدولابي أن الحسن كرم الله وجهه قال في خطبته أنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال لنبينا ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ) واقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت. وأورد المحب الطبري أنه قال ( إن الله جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي وإني سا ئلكم غدا عنهم ). وقد جاءت الوصية الصريحة بهم في عدة أحاديث منها حديث ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي الثقلين أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ). قال الترمذي /حسن غريب / وأخرجه آخرون ولم يصب ابن الجوزي في إيراده في العلل المتناهية كيف وفي صحيح مسلم وغيره في خطبته قرب رابغ مرجعه من حجة الوداع قبل وفاته بنحو شهر ( إني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ) ثم قال ( وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ) ثلاثا فقيل لزيد بن أرقم راويه من أهل بيته أليس نساؤه من أهل بيته قال من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قيل ومن هم قال هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس رضي الله عنهم. قيل كل هؤلاء حرم الصدقة قال نعم. وفي رواية صحيحة ( كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما آكد من الآخر كتاب الله عز وجل وعترتي أي بالمثناة فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي حوضي ) وفي رواية ( وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض سألت ربي ذلك لهما فلا تتقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ) ولهذا الحديث طرق كثيرة عن بضع وعشرين صحابيا الحاجة لنا إلى بسطها وفي رواية آخر ما تكلم به النبي ( اخلفوني في أهلي ). وسماهما ثقلين إعظاما لقدرهما إذ يقال لكل خطير شريف ثقلا أو لأن العمل بما أوجب الله من حقوقهما ثقيل جدا. ومنه قوله تعالى ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) المزمل ٥ أي له وزن وقدر لأنه لا يؤدى إلا بتكليف ما يثقل. وسمي الإنس والجن ثقلين لاختصاصهما بكونهما قطان الأرض وبكونهما فضلا بالتمييز على سائر الحيوان وفي هذه الأحاديث سيما قوله ( انظروا كيف تخلفوني فيهما ) و( أوصيكم بعترتي خيرا ) و( أذكركم الله في أهل بيتي ) الحث الأكيد على مودتهم ومزيد الإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم وتأدية حقوقهم الواجبة والمندوبة كيف وهم أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخرا وحسبا ونسبا ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه وعلي وأهل بيته وعقيل وبنيه وبني جعفر وفي قوله ( لا تتقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ) دليل على ان من تاهل منهم للمراتب العلية والوظائف الدينية كان مقدما علىغيره ويدل له التصريح بذلك في كل قريش كما مر في الأحاديث الواردة فيهم. وإذا ثبت هذا لجملة قريش فأهل البيت النبوي الذين هم غرة فضلهم ومحتد فخرهم والسبب في تميزهم على غيرهم بذلك أحرى وأحق وأولى. وسبق عن زيد بن أرقم أن نساءه من أهل بيته ثم قال ولكن أهل بيته إلى آخره ويؤخذ منه أنهم من أهل بيته بالمعنى الأعم دون الأخص وهم من حرمت عليه الصدقة ويؤيد ذلك خبر مسلم أنه خرج ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله ثم الحسين فأدخله ثم فاطمة فأدخلها ثم علي فأدخله رضي الله عنهم ثم قال ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) الأحزاب ٣٣ وفي رواية ( اللهم هؤلاء أهل بيتي ) وفي أخرى أن أم سلمة أرادت أن تدخل معهم فقال بعد منعه لها ( أنت على خير ) وفي أخرى أنها قالت يا رسول الله وأنا فقال ( وأنت ) أي من أهل البيت العام بدليل الرواية الأخرى قالت وأنا قال ( وأنت من أهلي ). وكذا قال لواثلة لما قال يا رسول الله وأنا فقال ( أنت من أهلي ) وروي أنه قال لعلي ( سلمان منا آل البيت وهو ناصح فاتخذه لنفسك ) فعده منهم باعتبار صدق صحبته وعظيم قربه وولائه. وفي سند كل ما عدا رواية مسلم مقال. وفي رواية ( أسامة منا آل البيت ظهرا لبطن ) وروى أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن الذين نزلت فيهم الآية النبي وعلي وفاطمة وابناهما رضي الله عنهم وقال ( يا رب هذا عمي وصنوا أبي وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النار كستري إياهم بملاءتي هذه ) فأمنت أسكفه الباب وحوائط البيت آمين آمين آمين. وحديث مسلم أصح من هذا وأهل البيت فيه غير أهله في حديث العباس وبنيه المذكور لما مر أن له إطلاقين إطلاقا بالمعنى الأعم وهو ما يشتمل جميع الآل تارة والزوجات أخرى ومن صدق في ولائه ومحبته أخرى وإطلاقا بالمعنى الأخص وهم من ذكروا في خبر مسلم وقد صرح الحسن رضي الله عنه بذلك فإنه حين استخلف وثب عليه رجل من بني أسد فطعنه وهو ساجد بخنجر لم يبلغ منه مبلغا ولذا عاش بعده عشر سنين فقال يا أهل العراق اتقوا الله فينا فإنا امراؤكم وضيفانكم ونحن أهل البيت الذين قال الله عز وجل فيهم ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ولا زال يكرر ذلك حتى ما بقي أحد من أهل المسجد إلا وهو يحن بكاء. وقال زين العابدين لبعض أهل الشام أما قرأت في الأحزاب ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) قال ولأنتم هم قال نعم. وقول زيد بن أرقم أهل بيته من حرم الصدقة هو بضم المهملة وتخفيف الراء والمراد بالصدقة فيه وفسرهم الشافعي وغيره ببني هاشم والمطلب وعوضوا عنها خمس الخمس من الفيء والغنيمة المذكور في سورتي الأنفال والحشر إذ هم المراد بذي القربى فيهما. قال البيهقي وفي تخصيصه بني هاشم والمطلب بإعطائهم سهم ذوي القربى وقوله ( إنما بنو هاشم والمطلب شيء واحد ) فضيلة أخرى وهي أنه حرم عليهم الصدقة وعوضهم عنها خمس الخمس فقال ( إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد ). قال وذلك يدل أيضا على أن آله الذين أمرنا بالصلاة عليهم معه هم الذين حرم الله عليهم الصدقة وعوضهم عنها خمس الخمس فالمسلمون من بني هاشم والمطلب يكونون داخلين في صلاتنا على آل نبينا في فرائضنا ونوافلنا وفيمن أمرنا بحبهم. انتهى. وقصر مالك وأبو حنيفة رضي الله عنهما تحريم الزكاة على بني هاشم وعن أبي حنيفة جوازها لهم مطلقا. وقال الطحاوي إنهم حرموا سهم ذوي القربى. وأبو يوسف تحل من بعضهم لبعض ومذهب أكثر الحنفية والشافعي وأحمد حل أخذهم النفل. وهو رواية عن مالك وعنه حل أخذ الفرض دون التطوع لأن الذل فيه أكثر. وأسند المحب الطبري خبر ( استوصوا بأهل بيتي خيرا فإني أخاصمكم عنهم غدا يوم القيامة ومن أكن خصمه أخصمه ومن أخصمه دخل النار ). قال الحافظ السخاوي لم أقف له على أصل أعتمده وصح عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال ارقبوا محمدا أي احفظوا عهده ووده في أهل بيته

باب الحث على حبهم والقيام بواجب حقهم

صح خلافا لما وهم فيه ابن الجوزي أنه قال ( أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي ). وأخرج البيهقي وغيره ( يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وتكون عترتي أحب إليه من عترته ويكون أهلي أحب إليه من أهله وتكون ذاتي أحب إليه من ذاته ). وصح أن العباس قال يا رسول الله إن قريشا إذا لقي بعضهم بعضا لقوهم ببشر حسن وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها فغضب غضبا شديدا وقال ( والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم الله ولرسوله ). وفي رواية لابن ماجة عن ابن عباس كنا نل قى قريشا وهم يتحدثون فيقطعون حديثهم فذكرنا ذلك لرسول الله فقال ( ما بال أقوام يتحدثون فإذا رأوا الرجال من أهل بيتي قطعوا حديثهم والله لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبهم لله ولقربتهم مني ) وفي أخرى عند أحمد وغيره ( حتى يحبكم الله ولقرابتي ) وفي أخرى للطبراني جاء العباس رضي الله عنه إلى النبي فقال إنك تركت فينا ضغائن منذ صنعت الذي صنعت أي بقريش والعرب فقال ( لا يبلغ الخير أو قال الإيمان عبد حتى يحبكم لله ولقرابتي أترجوا سلهب أي حي من مراد شفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب ). وفي أخرى للطبراني أيضا ( يا بني هاشم إني قد سألت الله عز وجل لكم أن يجعلكم رحماء نجباء وسألته أن يهدي ضالكم ويؤمن خائفكم ويشبع جائعكم ). وإن العباس رضي الله عنه أتى النبي فقال يا رسول الله إني انتهيت إلى قوم يتحدثون فلما رأوني سكتوا لا يؤمن أحدكم حتى يحبكم لحبي أيرجون أن يدخلوا الجنة بشفاع تي وما ذاك إلا أنهم يبغضونا فقال ( أو قد فعلوها والذي نفسي بيده ولا يرجوها بنو عبد المطلب ) وفي حديث بسند ضعيف أنه خرج مغضبا فرقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ( ما بال رجال يؤذوني في أهل بيتي والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحبني ولا يحبني حتى يحب ذوي رحمي ). وفي رواية للبيهقي وغيره وبعضها سنده ضعيف وبعضها سنده واه أن نسوة عيرن بنت أبي لهب بأبيها فغضب واشتد غضبه فصعد المنبر ثم قال ( أيها الناس مالي أوذى في أهلي فوالله إن شفاعتي لتنال قرابتي ) وفي رواية ( ما بال أقوام يؤذونني في نسبي وذوي رحمي ألا ومن آذى نسبي وذوي رحمي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ) وفي أخرى ( ما بال رجال يؤذونني في قرابتي ألا من آذى قرابتي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى ). وروى الطبراني أن أم هانىء أخت علي رضي الله عنهما بدا قرطاها فقال لها عمر إن محمدا لا يغني عنك من الله شيئا. فجاءت إليه فأخبرته فقال ( تزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي وإن شفاعتي تنال صداء وحكما ). أي وهما قبيلتان من عرب اليمن. وروى البزار أن صفية عمة رسول الله توفي لها ابن فصاحت فصبرها النبي فخرجت ساكتة فقال لها عمر فأمر بلالا فنادى بالصلاة فص عد المنبر ثم قال ( ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا ونسبي وسببي فإنها موصولة في الدنيا والآخرة ). الحديث بطوله وفيه ضعفاء. وصح أنه قال على المنبر ( ما بال رجال يقولون إن رحم رسول الله لا تنفع قومه يوم القيامة والله إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة وإني أيها الناس فرطكم على الحوض ). ولا ينافي هذه الأحاديث ما في الصحيحين وغيرهما أنه لما نزل قوله تعالى ( وأنذر عشيرتك ) خرج فجمع قومه ثم عم وخص بقوله ( لا أغني عنكم من الله شيئا ) حتى قال ( يا فاطمة بنت محمد ) إما لأن هذه الرواية محمولة على من مات كافرا أو أنها خرجت مخرج التغليظ والتنفير أو أنها قبل علمه بأنه يشفع عموما وخصوصا. وجاء عن الحسن رضي الله عنه أنه قال لرجل يغلوا فيهم ويحكم أحبونا لله فإن أطعنا الله فأحبونا وإن عصينا الله فأبغضونا. فقال له الرجل إنكم ذوو قرا بة رسول الله وأهل بيته. فقال ويحكم لو كان الله نافعنا بقرابة رسول الله من غير عمل بطاعته لنفع بذلك من هو أقرب إليه منا وإني أخاف أن يضاعف للعاصي منها العذاب ضعفين. وورد ( إنما سميت ابنتي فاطمة لأن الله فطمها ومحبيها عن النار ). وأخرج أبو الفرج الأصبهاني أن عبد الله بن الحسن بن علي رضي الله عنهم دخل يوما على عمر بن عبد العزيز وهو حدث السن وله وفرة فرفع عمر مجلسه وأقبل عليه وقضى حوائجه ثم أخذ بعكنة من عكنه فغمزها حتى أوجعه وقال أذكرها عندك للشفاعة فلما خرج ليم على ما فعل به فقال حدثني الثقة حتى كأني أسمعه من رسول الله ( إنما فاطمة بضعة مني يسرني ما يسرها ) وأنا أعلم أن فاطمة لو كانت حية لسرها ما فعلت بابنها. قالوا فما غمزك بطنه وقولك ما قلت فقال غنه ليس أحد من بني هاشم إلا وله شفاعة ورجوت أن أكون في شفاعة هذا. وروى الطبراني بسند ضعيف أنه قال ( الزموا مودل نا أهل البيت فإنه من لقي الله وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا والذي نفسي بيده لا ينفع أحد عمله إلا بمعرفة حقنا ). وأخرج الطبراني أنه قال لعلي كرم الله وجهه ( أنت وشيعتك ). أي أهل بيتك ومحبوكم الذين لم يبتدعوا بسب أصحابي ولا بغير ذلك ( تردون علي الحوض رواة مر ويين مبيضة وجوكم وإن عدوكم يردون علي ظماء مقمحين ). وفي رواية ( إن الله قد غفر لشيعتك ولمحبي شيعتك ). وروى الترمذي أنه قال ( اللهم اغفر للعباس ولولده مغفرة ظاهرة وباطنة مغفرة لا تغادر ذنبا اللهم اخلفه في ولده ). وكذا دعا رسول الله بالمغفرة للأنصار ولأب نائهم وأبناء أبنائهم ولمن أحبهم وروى المحب الطبري حديث ( لا يحبنا أهل البيت إلا مؤمن تقي ولا يبغضنا إلا منافق شقي ). وأخرج الديلمي ( من أحب الله أحب القرآن ومن احب القرآن أحبني ومن أحبني أحب أصحابي وقرابتي ) وحديث ( أحبوا أهلي وأحبوا عليا فإن من أبغض أحدا من أهلي فقد حرم شفاعتي ). قال ابن عدي وابن الجوزي موضوع وحديث ( حب آل محمد يوما خير من عبادة سنة ) وحديث ( حبي وحب آل بيتي نافع في سبع مواطن أهوالها عظيمة ) وحديث ( معرفة آل محمد براءة من النار وحب آل محمد جواز على الصراط والولاية لآل محمد أمان من العذاب ). قال الحافظ السخاوي وأحسب الثلاثة غير صحيحة الإسناد وحديث ( أنا شجرة وفاطمة حملها وعلي لقاحها والحسن والحسين ثمرها والمحبون أهل بيتي ورقها وكلنا في الجنة حقا حقا ). وحديث ( إن شيعتنا يخرجون من قبورهم يوم القيامة على ما بهم من العيوب والذنوب وجوههم كالقمر ليلة البدر ) /موضوعات/. وحديث ( من مات على حب آل محمد مات شهيدا مغفورا له تائبا مؤمنا مستكمل الإيمان يبشره ملك الموت بالجنة ومنكر ونكير يزفانه إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها وفتح له بابان إلى الجنة ومات على السنة والجماعة ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله ). أخرجه مبسوطا الثعلبي في تفسيره قال الحافظ السخاوي وآثار الوضع كما قال شيخنا أي الحافظ ابن حجر لائحة عليه. وحديث ( من أحبنا بقلبه وأعاننا بيده ولسانه كنت أنا وهو في عليين ومن أحبنا بقلبه وأعاننا بلسانه وكف يده فهو في الدرجة التي تليها ومن أحبنا بقلبه وكف عنا لسانه ويده فهو في الدرجة التي تليها ) في سنده غال في الرفض وهالك كذاب. وأخرج الطبراني وأبو الشيخ حديث ( إن الله عز وجل ثلاث حرمات فمن حفظهن حفظ الله دينه ودنياه ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله دينه ولا دنياه ) قلت وما هن قال ( حرمة الإسلام وحرمتي وحرمة رحمي ). وأخرج أبو الشيخ أيضا والديلمي ( من لم يعرف حق عترتي والأنصار والعرب فهو لإحدى ثلاث إما منافق وإما لزنية وإما حملت به أمه في غير طهر(

باب مشروعية الصلاة عليهم تبعا للصلاة على مشرفهم باب مشروعية الصلاة عليهم تبعا للصلاة على مشرفهم. صح يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت قال ( قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ) الحديث. وفي بقية الروايات كيف نصلي عليك يا رسول الله قال ( قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ) الحديث. ويستفاد من الرواية الأولى أن أهل البيت من جملة الآل أو هم الآل لكن صح ما يصرح بأنهم بنو هاشم والمطلب وهم أعم من أهل البيت ومر أن أهل البيت قد يراد بهم الآل وأعم منهم. ومنه حديث أبي داود ( من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد ). وجاء بسند ضعيف عن واثلة قال قال رسول الله لما جمع فاطمة وعليا والحسن والحسين رضي الله عنهم تحت ثوبه ( اللهم قد جعلت صلاتك ومغفرتك ورحمتك ورضوانك على إبراهيم وآل إبراهيم إنهم مني وأنا منهم فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك علي وعليهم ) وقال واثلة وكنت واقفا على الباب فقلت وعلي بأبي أنت وأمي يا رسول الله فقال ( اللهم وعلى واثلة ). وأخرج الدارقطني والبيهقي حديث ( ومن صلى صلاة ولم يصل فيها علي وعلى أهل بيتي لم تقبل منه ). وكأن هذا الحديث هو مستند قول الشافعي رضي الله عنه إن الصلاة على الآل من واجبات الصلاة كالصلاة عليه لكنه /ضعيف/ فمستنده الأمر في الحديث المتفق عليه ( قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ) والأمر للوجوب حقيقة على الأصلح وبقي لهذه الأحاديث تتمات وطرق بينتها في كتابي الدر المنضود باب دعائه بالبركة في هذا النسل الكريم. روى النسائي في عمل اليوم والليلة أن نفرا من الأنصار قالوا لعلي رضي الله عنه لو كانت عندك فاطمة فدخل رضي الله عنه على النبي يعني ليخطبها فسلم علي فقال ( ما حاجة ابن أبي طالب ) قال ذكرت فاطمة بنت رسول الله. قال ( مرحبا وأهلا ) لم يزده عليها فخرج إلى الرهط من الأنصار وهم ينتظرونه فقالوا ما وراءك قال ما أدري غير أنه قال لي مرحبا وأهلا قالوا يكفيك من رسول الله أحدهما قد أعطاك الأهل وأعطاك الرحب. فلما كان بعد ذلك بعدما زوجه قال ( يا علي لا بد للعرس من وليمة ). قال سعد رضي الله عنه عندي كبش وجمع له رهط من الأنصار آصعا من ذرة قال فلما كان ليلة البناء قال ( لا تحدث شيئا حتى تلقاني ) فدعا بماء فتوضا منه ثم أفرغه على علي وفاطمة رضي الله عنهما وقال ( اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في نسلهما ). ورواه آخرون مع حذف بعضه

باب بشارتهم الجنة

مر في الباب الثاني عدة أحاديث في أن لهم منه شفاعة مخصوصة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله ( إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار ) أخرجه تمام في فوائده والبزار والطبراني بلفظ ( فحرمها الله وذريتها على النار ). وجاء عن علي بسند ضعيف قال شكوت إلى رسول الله حسدا في الناس فقال ( أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذرياتنا خلف أزواج نا ). وفي رواية سندها ضعيف جدا أنه قال لعلي ( إن أول أربعة يدخلون الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وذراريتنا خلف ظهورنا وأزواجنا خلف ذرارينا وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا ). وروى ابن السدي والديلمي في مسنده ( نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة أنا وحمزة وعلي وجعفر ابنا أبي طالب والحسن والحسين والمهدي ). وصح أنه قال ( وعدني ربي في أهل بيتي من أقر منهم لله بالتوحيد ولي بالبلاغ أن لا يعذبهم ). وجاء بسند رواته ثقات أنه قال لفاطمة ( إن الله غير معذبك ولا ولدك ) وفي رواية أنه قال لعمه العباس ( يا عباس إن الله غير معذبك ولا أحد من ولدك ) وفي رواية ( يا عم سترك الله وذريتك من النار ). وروى المحب الطبري والديلمي وولده بلا إسناد حديث ( سألت ربي أن لا يدخل النار أحدا من أهل بيتي فأعطاني ذلك ). وروى المحب عن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول ( اللهم إنهم عترة رس ولك فهب مسيئهم لمحسنهم وهبهم لي ففعل ) قلت ما فعل قال ( فعله ربكم بكم ويفعله بمن بعدكم ). وفي حديث قال السخاوي لا يصح ( يا علي إن الله قد غفر لك ولذريتك ولولدك ولأهلك ولشيعتك ولمحبي شيعتك فأبشر فإنك الأنزع البطين ). وروى أحمد أنه قال ( يا معشر بني هاشم والذي بعثني بالحق نبيا لو أخذت بحلقة الجنة ما بدأت إلا بكم ). وفي حديث سنده ضعيف ( أول من يرد علي حوضي أهل بيتي ومن أحبني من أمتي ). وصح ( أول الناس يرد علي الحوض فقراء المهاجرين الشعث ). وأخرج الطبراني والدارقطني وغيرهما ( أول من اشفع له من أمتي أهل بيتي الأقرب فالأقرب ثم الأنصار ثم من آمن بي واتبعني ثم اليمن ثم سائر العرب ثم الأعاجم ). وفي رواية للبزار والطبراني وابن شاهين وغيرهم ( أول من أشفع له من أمتي أهل المدينة ثم أهل مكة ثم أهل الطائف (

باب الأمان ببقائهم

أخرج جماعة بسند ضعيف خبر ( النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي ). وفي رواية لأحمد وغيره ( النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض ). ( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأ متي من الاختلاف أي المؤدي لاستئصال الأمة فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ). وجاء من طرق كثيرة يقوي بعضها بعضا ( مثل أهل بيتي ) وفي رواية ( إنما مثل أهل بيتي ) وفي أخرى ( إن مثل أهل بيتي ) وفي رواية ( ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ). وفي رواية ( من ركبها سلم ومن لم يركبها غرق وإن مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له ). وجاء عن الحسين كرم الله وجهه من أطاع الله من ولدي واتبع كتاب الله وجبت طاعته. وعن ولده زين العابد ين رضي الله عنهما إنما شيعتنا من أطاع الله وعمل مثل أعمالنا. وعزا المحب الطبري لأبي سعيد في شرف النبوة بلا إسناد حديث ( أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا فمن تمسك بها اتخذ إلى ربه سبيلا ). وأورد أيضا بلا إسناد حديث ( في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.. ) الحديث. وأشهر منه الحديث المشهور ( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه.. ) إلى آخره. وهذا هو مستند ابن عبد البر وغيره أن كل من حمل العلم ولم يتكلم فيه بجرح فهو عدل

باب خصوصياتهم الدالة على عظيم كراماتهم

وجاء طرق بعضها رجاله موثقون أنه قال ( كل سبب ونسب منقطع ) وفي رواية ( ينقطع يوم القيامة إلا ) وفي رواية ( ما خلا سببي ونسبي يوم القيامة وكل ولد أم ) وفي رواية ( وكل ولد أب فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم ). وهذا الحديث رواه عمر رضي الله عنه لعلي رضي الله عنهما لما خطب منه بنته أم كلثوم فاعتل بصغرها فقال إني لم أرد الباءة ولكني سمعت رسول الله يقول فذكره ثم قال فأحببت أن يكون لي من رسول الله سبب ونسب. ولما تزوجها قال للناس ألا تهنئوني سمعت رسول الله يقول فذكر الحديث. وفي رواية ( كل سبب وصهر منقطع إلا سببي وصهري ) وفي رواية في سندها ضعف ( لكل بني أم عصبة ينتمون إليه إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وعصبتهم ). وفي رواية ( فأنا أبوهم وأنا عصبتهم ). وجاء من طرق يقوي بعضها بعضا خلافا لما زعمه ابن الجوزي ( إن الله عز وجل جعل ذرية كل نبي في صلبه وإن الله تعالى جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب ). وفي هذه الأحاديث دليل ظاهر لما قاله جمع من محققي أئمتنا أن من خصائصه أن أولاد بناته ينسبون إليه في الكفاءة وغيرها أي حتى لا يكافىء بنت شريف ابن هاشمي غير شر يف وأولاد بنات غيره إنما ينسبون لآبائهم لا إلى آباء أمهاتهم. وفي البخاري أنه قال على المنبر وهو ينظر للناس مرة وللحسن مرة ( إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بيت فئتين من المسلمين ). قال البيهقي وقد سماه النبي ابنه حين ولد وسمى إخوته بذلك. وعن الحسن بسند حسن كنت مع النبي فمر على جرين من تمر الصدقة فأخذت منه تمرة فألقيتها في في فأخذها بلعابها ثم قال ( إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة ). وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة وآخرون خبر ( المهدي من عترتي من ولد فاطمة ) وفي أخرى لأحمد وغيره ( المهدي منا أهل البيت يص لحه الله في ليلة ) وفي أخرى للطبراني ( المهدي منا يختم الدين بنا كما فتح بنا ). وروى أبو داود في سننه عن علي كرم الله وجهه أنه نظر إلى ابنه الحسن رضي الله عنه فقال إن ابني هذا سيد كما سماه النبي وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق يملأ الأض عدلا وفي رواية إن عيسى يصلي خلفه. وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال منا أهل البيت أربعة منا السفاح ومنا المنذر ومنا المنصور ومنا المهدي ثم ذكر بعض وصف كل من الثلاثة الأول ثم قال وأما المهدي فإنه يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وتأمن البهائم والسباع وتلقي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوانة من الذهب والفضة. وهذا كحديث ( المهدي من ولد العباس عمي ) وكحديث ( هذا أي العباس عمي أبو الخلفاء وإن من ولده السفاح والمنصور والمهدي يا عم بي فتح الله هذا الأمر ويختمه برجل من ولدك ). سند كل منهما ضعيف وعلى تقدير صحتهما لا ينافي كون المهدي من ولد فاطمة المذكور في الأحاديث التي هي أصح واكثر لأنه مع ذلك فيه شعبة من بني العباس كما أن فيه شعبة من بني الحسين وأما هو حقيقة فهو من ولد الحسن كما مر عن علي كرم الله وجهه. وأخرج ابن المبارك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال المهدي اسمه محمد ابن عبد الله ربعة مشرب بحمرة يفرج الله به عن هذه الأمة كل كرب ويصرف بعدله كل جور ثم يلي الأمر من بعده اثنا عشر رجلا ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسين وآخر من غيرهم ثم يموت فيفسد الزمان وحديث ( لا مهدي إلا عيسى ابن مريم ) معلول أو المراد لا مهدي كامل على الإطلاق إلا عيسى وجاء في رواية ( أشبه الخلق به من أهل بيته ولده إبراهيم ) وفي أخرى ( فاطمة في الحديث والكلام والمشية ) وفي أخرى صحيحة ( الحسن ) أي في الوجه والنصف الأعلى وفي أخرى ( الحسين ) أي فيما بقي وعد المهدي ممن أشبهوه وهم كثيرون. أقواهم شبها جماعة من أهل البيت المطهر غلط قائله بما مر أنه يشبهه خلقا لا خلقا. وأخرج الطبراني والخطيب حديث ( يقوم الرجل لأخيه عن مقعده إلا بني هاشم فإنهم لا يقومون لأحد ). وجاء عن ابن عباس /بسند ضعيف / أنه قال نحن أهل البيت شجرة النبوة مختلف الملائكة وأهل بيت الرسالة وأهل بيت الرحمة ومعدن العلم. وعن علي بسند ضعيف أيضا قال نحن النجباء وأفراطنا أفراط الأنبياء وحزبنا حزب الله عز وجل والفئة الباغية حزب الشيطان ومن سوى بيننا وبين عدونا فليس منا باب إكرام الصحابة ومن بعدهم لأهل البيت. صح عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لعلي كرم الله وجهه والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله أحب إلي ان أصل من قرابتي. وحلف عمر للعباس رضي الله عنهما إن إسلامه أحب إليه من إسلام أبيه لو أسلم لأن إسلام العباس أحب إلى رسول الله. وأتى زين العابدين ابن عباس فقال له مرحبا بالحبيب ابن الحبيب. وصلى زيد بن ثابت رضي الله عنه على جنازة فقربت له بغلة ليركبها فأخذ ابن عباس رضي الله عنهما بركابه فقال له خل عنك يا ابن عم رسول الله فقال هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء والكبراء فقبل زيد يده وقال هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا. وأتى عبد الله بن حسن بن حسين عمر بن عبد العزيز في حاجة فقال له إذا كانت لك حاجة فأرسل أو اكتب بها إلي فإني أستحيي من الله أن يراك على بابي. وقال أبو بكر بن عياش لو أتاني أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم في حاجة لبدأت بحاجة علي قبلهما لقرابته من رسول الله ولأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي أن اقدمه عليهما. وكان ابن عباس إذا بلغه حديث عن صحابي ذهب إليه فإذا رآه قائلا توسد رداءه على بابه فتسفي الريح التراب على وجهه حتى يخرج فيقول ألا أرسلت إلي فآتيك. فيقول له ابن عباس أنا أحق أن آتيك. ودخلت فاطمة بنت علي علىعمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة فبالغ في إكرامها وقال والله ما على ظهر الأرض أهل بيت أحب إلي منكم ولأنتم أحب إلي من أهلي. وعوتب أحمد في تقريبه لشيعي فقال سبحان الله رجل أحب قوما من أهل بيت النبي وهو ثقة. وكان إذا جاءه شريف بل قرشي قدمه وخرج وراءه. وضرب جعفر بن سليمان والي المدينة مالكا حتى حمل مغشيا عليه فدخل عليه الناس فأفاق فقال أشهدكم أني قد جعلت ضاربي في حل فسئل بعد ذلك فقال خفت أن أموت فألقى النبي فأستحي منه أن يدخل بعض آله النار بسببي. ولما دخل المنصور المدينة مكن مالكا من القود من ضاربه فقال أعوذ بالله والله ما ارتفع منها سوط عن جسمي إلا وقد جعلته في حل لقرابته من رسول الله. وقال رجل للباقر وهو بفناء الكعبة هل رأيت الله حيث عبدته فقال ما كنت أعبد شيئا لم أره. قال وكيف رأيته قال لم تره الأبصار بمشاهدة العيان لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان. وزاد على ذلك ما أبهر السامعين فقال الرجل الله أعلم حيث يجعل رسالاته. وقارف الزهري ذنبا فهام على وجهه فقال له زين العابدين قنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شيء أعظم عليك من ذنبك فقال الزهري الله أعلم حيث يجعل رسالاته فرجع إلى أهله وماله. وكان هشام بن إسماعيل يؤذي زين العابدين وأهل بيته وينال من علي فعزله الوليد وأوقفه للناس وكان أخوف ما عليه أهل البيت فمر عليهم فلم يتعرض له أحد منهم فنادى الله أعلم حيث يجعل رسالاته باب مكافأته لمن أحسن إليهم. أخرج الطبراني حديث ( من صنع إلى أحد من ولد عبد المطلب يدا فلم يك افئه بها في الدنيا فعلي مكافأته غدا إذا لقيني ). وجاء بسند ضعيف ( أربعة أنا لهم مشفع يوم القيامة المكرم لذريتي والقاضي لهم حوائجهم والساعي لهم في أمورهم عندما اضطروا إليه والمحب لهم بقلبه ولسانه ) وفي رواية في سندها كذاب ( من اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها إذا لقيني يوم القيامة وحرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي ) باب إشارته لما يحصل عليهم بعده من الشدة. قال ( إن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلا وتشريدا وإن أشد قومنا بغضا بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم ) وصححه الحاكم واعترض بأن فيه من ضعفه الجمهور. وأخرج ابن ماجه أنه رأى فتية من بني هاشم فاغرورقت عيناه فسئل فقال ( إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا ) الحديث. وأخرج ابن عساكر ( أول الناس هلاكا قريش وأول قريش هلاكا أهل بيتي ) وفي رواية قيل له فما بقاء الناس بعدهم قال ( بقاء الحمار إذا كسر صلبه(

باب التحذير من بعضهم وسبهم

مر خبر ( من أبغض أحدا من أهل بيتي حرم شفاعتي ) وحديث ( لا يبغضنا إلا منافق شقي ) وحديث ( من مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ). وقال الحسن من عادانا فلرسول الله عادى. وصح أنه قال ( والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار ). وروى أحمد وغيره ( من أبغض أهل البيت فهو منافق ) وفي رواية ( بغض بني هاشم نفاق ). وجاء عن الحسن /بسند ضعيف / إياك وبغضنا فإن رسول الله قال ( لا يبغضنا ولا يحسدنا أحد إلا ذيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من النار ). وفي رواية ( من أبغضنا أهل البيت حشره الله يهوديا وإن شهد أن لا إله إلا الله ). ولكن سندها مظلم ومن ثم حكم ابن الجوزي كالعقيلي بوضعها. وصح أنه قال ( يا بني عبد المطلب إني سألت الله لكم ثلاثا أن يثبت قائمكم وأن يهدي ضالكم وأن يعلم جاهلكم وسألت الله أن يجعلكم كرماء نجباد رحماء فلو أن رجلا صفن أي من الصفن وهو صف القدمين بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقي الله وهو يبغض آل بيت محمد دخل النار ). وورد ( من سب أهل بيتي فإنما يريد الله والإسلام ومن آذاني في عترتي فعليه لعنة الله ومن آذاني في عترتي فقد آذى الله إن الله حرم الجنة على من ظلم أهل بيتي أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سبهم يا أيها الناس إن قريشا أهل أمانة فمن بغاهم العواثر كبه الله عز وجل لمنخريه ) مرتين ( مني رد هوان قريش أهانه الله ) ( خمسة أو ستة لعنتهم وكل نبي مجاب الزائد في كتاب الله والمكذب بقدر الله والمستحل محارم الله والمستحل من عترتي ما حرم الله والتارك للسنة(

خاتمة في أمور مهمة

أولها يتعين ترك الانتساب إليه إلا بحق. ففي البخاري ( إن من أعظم الفرى أن يدعى الرجل إلى غير أبيه أو يري عينه ما لم تر ) الحديث وروى أيضا ( ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلم إلا كفر ) وروى أيضا ( من ادعى إلى غير أبيه فالجنة حرام عليه ) وفي رواية ( فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ). وروى جماعة أحاديث أخر فيها أن ادعاء نسب بالباطل أو التبري منه كذلك كفر أي للنعمة أو إن استحل أو يؤدي إليه ومن هنا توقف كثير من قضاة العدل عن الدخول في الأنساب ثبوتا أو انتفاء لا سيما نسب أهل البيت الطاهر المطهر. وعجيب من قوم يبادرون إلى إثباته بأدنى قرينة وحجة موهمة يسألون عنها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. ثانيهما اللائق بأهل البيت المكرم المطهر أن يجروا على طريقة مشرفهم وسنته اعتقادا وعملا وعبادة وزهدا وتقوى ناظرين إلى قوله تعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) الحجرات ١٣ وإلى قول مشرفهم وقد سئل أي الناس أكرم قال ( أكرمهم عند الله أتقاهم لله ) ثم قال ( خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ). وقال ابن عباس ليس أحد أكرم من أحد إلا بتقوى الله. وقال كما عند أحمد لأبي ذر ( انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى الله ) وله ولغيره ( يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى خيركم عند الله أتقاكم لله ). وللطبراني ( المسلمون إخوة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى ). وصح على نزاع فيه أنه خطب الناس بمكة فكان من جملة خطبته ( يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية أي بفتح أوله وكسره وتعاظمها أي عطف تفسير بآبائها فالناس رجلان رجل بر تقي كريم على الله ورجل شقي هين على الله إن الله يقول ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) الحجرات ١٣ ) ثم قال ( أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ). وفي رواية سندها حسن ( لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هو فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخرء بأنفه أي يدحرجه عن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية إنما هو مؤمن تقي وفاجر شقي الناس كلهم بنو آدم وآدم خلق من تراب ). ولمسلم ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ). ولأحمد إن أنسابكم هذه ليست بمسبة على أحد كلكم بنو آدم ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو تقوى. ولابن جرير والعسكري ( الناس لآدم وحواء إن الله لا يسألكم عن أحسابكم يوم القيامة إلا عن أعمالكم إن أكرمكم عند الله أتقاكم ). ولابن لال والعسكري ( الناس كلهم كأسنان المشط وإنما يتفاضلون بالعافية ) أي كلهم متساوون في الصور وإنما يتفاوتون بالأعمال ( فلا تصحبن أحدا لا يرى لك من الفضل ماترى له ). ولأبي يعلى وغيره ( كرم المؤمن دينه ومروءته عقله وحسبه خلقه ). وقال عمر رضي الله عنه لمفتخر بآبائه بقوله أنا ابن بطحاء مكة كدائها وكدائها إن يكن لك دين مال فلك كرم وإن يكن لك عقل فلك مروءة وإن يكن لك فلك شرف وإلا أنت والحمار سواء. وصح حديث ( من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه ). وروى الطبراني ( إن أهل بيتي يرون أنهم أولى الناس بي وليس كذلك إن أولى الناس بي منكم المتقون من كانوا وحيث كانوا ). وروى الشيخان ( إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله صالح كذلك إن المؤمنين ). زاد البخاري تعليقا ( ولكن لهم رحم سأبلها ببلالها ) أي سأصلها بصلتها التي تنبغي لها. رواه الطبراني في معجمه الكبير بلفظ ( إن لبني أبي طالب عندي رحما سأبلها ببلالها ) وكذا وقعت هذه الزيادة عند مسلم في صحيحه وهي محمولة على غير المسلم منهم وإلا فمنهم علي وجعفر رضي الله عنهما وهما من أخص الناس به لما لهما من السابقة والتقدم في الإسلام ونصرة الدين بل في حديث ورد موقوفا ومرفوعا ( صالح المؤمنين علي كرم الله وجهه ). قال النووي ومعنى الحديث عن وليي من كان صالحا وإن بعد مني نسبه. وقال غيره المعنى إني لا أوالي أحدا بالقرابة وإنما أحب الله لما له من الحق الواجب على العباد وأحب صالح المؤمنين لوجه الله تعالى وأوالي من والي الإيمان والصلاح سواء كانوا من ذوي رحمي أم لا ولكن أرعى لذوي الرحم حقهم فأصل رحمهم. وهذا يؤيد ما ورد ( آل محمد كل تقي ). ومن ثم لما قال هاشمي لأبي العيناء تغض عني وأنت تصلي علي في كل صلاة في قولك اللهم صل على محمد وعلى آل محمد قال له إني أريد الطيبين الطاهرين ولست منهم. ورؤي أنصاري في النوم فقيل له ما فعل الله بك قال غفر لي. قيل بماذا قال بالنسبة التي بيني وبين النبي. قيل له أنت شريف قال لا. قيل فمن أين النسبة قال كنسبة الكلب إلى الراعي. قال ابن العديم راوي ذلك فأولته بانتسابه إلى الأنصار. وقال غيره أولته بانتسابه إلى العلم خصوصا علم الحديث لقوله ( أولى الناس بي أكثرهم علي صلاة ) إذ هم أكثر الناس عليه صلاة.

تنبيه تمسك بالآية والأحاديث السابقة لم يعتبر الكفاءة في النكاح واعتبرها الجمهور. ولا شاهد فيما ذكر لأنه بالنسبة لما ينفع في الآخرة وليس كلامنا فيه إنما الكلام في أن النسب العلي هل يفتخر به ذوو العقول في الدنيا أولا ولا شك في الافتخار به وأن من أجبرها وليها على نكاح غير مكافىء لها في النسب يعد ذلك بخسا لحقها وعارا عليها بل صلاح الذرية ينفع في الآخرة فقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ( ألحقنا بهم ذريتهم ) الطور ٢١ أنه قال إن الله يرفع ذرية المؤمن معه في درجته يوم القيامة وإن كانوا دونه في العمل. وصح عنه أيضا في قوله تعالى ( وكان أبوهما صالحا ) الكهف ٨٢ أنه قال حفظا بصلاح أبويهما وما ذكر عنهما صلاحا. وقال سعيد بن جبير يدخل الرجل الجنة فيقول أين أبي أين أمي أين ولدي أين زوجي فيقال له إنهم لم يعملوا مثل عملك فيقول كنت أعمل لي ولهم فيقال لهم ادخلوا الجنة ثم قرأ ( جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ) الرعد ٢٣ فإذا نفع الأب الصالح مع أنه السابع كما قيل في الآية عموم الذرية فما بالك بسيد الأنبياء والمرسلين بالنسبة إلى ذريته الطيبة الطاهرة المطهرة وقد قيل إن حمام الحرم إنما اكرم لأنه من ذرية حمامتين عششتا على غار ثور الذي اختفى فيه عند خروجه من مكة للهجرة. وقد حكى التقي الفاسي عن بعض الأئمة أنه كان يبالغ في تعظيم شرفاء المدينة النبوية على مشرفهم ومشرفها أفضل الصلاة والسلام وسبب تعظيمه لهم أنه كان منهم شخص اسمه مطير مات فتوقف عن الصلاة عليه لكونه كان يلعب بالحمام فرأى النبي في النوم ومعه فاطمة الزهراء ابنته رضي الله تعالى عنها فأعرضت عنه فاستعطفها حتى أقبلت عليه وعاتبته قائلة له أما يسع جاهنا مطيرا. وحكى أيضا في ترجمة صاحب مكة السيد الشريف أبي نمي محمد بن أبي سعد حسن بن علي بن قتادة الحسني أنه لما مات امتنع الشيخ عفيف الدين الدلاصي من الصلاة عليه فرأى في المنام فاطمة رضي الله عنها وهي بالمسجد الحرام والناس يسلمون عليها وأنه رام السلام عليها فأعرضت عنه ثلاث مرات فتحامل عليها وسألها عن سبب إعراضها عنه فقالت يموت ولدي ولا تصلي عليه فتأدب واعترف بظلمه بعدم الصلاة عليه. وحكى التقي المقريزي عن يعقوب المغربي أنه كان بالمدينة النبوية في رجب سنة سبع عشرة وثمانمائة فقال له الشيخ العابد محمد الفارسي وهما بالروضة المكرمة إني كنت أبغض أشراف المدينة بني حسين لتظاهرهم بالرفض فرأيت وأنا نائم تجاه القبر الشريف رسول الله وهو يقول يا فلان. بامسي مالي أراك تبغض أولادي فقلت حاش لله ما أكرههم وإنما كرهت ما رأيت من تعصبهم على أهل السنة فقال لي مسألة فقهية أليس الولد العاق يلحق بالنسب فقلت بلى يا رسول الله. فقال هذا ولد عاق. فلما انتبهت صرت لا ألقى من بني الحسين أحدا إلا بالغت في إكرامه. وحكي أيضا عن الرئيس الشمس العمري قال سار الجمال محمود العجمي المحتسب ونوابه وأتباعه وأنا معه إلى بيت السيد عبد الرحمن الطباطبي فاستأذن عليه فخرج وعظم عليه مجيء المحتسب إليه فقال له يا سيدي حاللني. قال مماذا يا مولانا فقال إنك لماجلست البارحة عند السلطان الظاهر برقوق فوق عز ذلك علي وقلت في نفسي كيف يجلس هذا فوقي فلما كان الليل رأيت في منامي النبي فقال يا محمود أتأنف أن تجلس تحت ولدي فبكى الشريف عند ذلك وقال يا مولانا من أنا حتى يذكرني النبي وبكى الجماعة ثم سأ لوه الدعاء وانصرفوا. وحكى التقي بن فهد الحافظ الهاشمي المكي قال جاءني الشريف عقيل بن هميل وهو من الأمراء الهواشم فسألني عشاء فاعتذرت إليه ولم أفعل فرأيت النبي في تلك الليلة أو في غيرها فأعرض عني فقلت كيف تعرض عني يا رسول الله وأنا خادم حديثك فقال كيف لا أع رض عنك ويأتيك ولد من أولادي يطلب العشاء فلم تعشه قال فلما أصبحت جئت الشريف واعتذرت إليه وأحسنت إليه بما تيسر. وحكى الجمال عبد الغفار الأنصاري المعروف بابن نوح عن أم نجم الدين بن مطروح وكانت من الصالحات قالت حصل لنا غلاء بمكة أكل الناس فيه الجلود وكنا ثمانية عشر نفسا فكنا نعمل مقدار نصفقدح نكتفي به فجاءنا أربع عشرة قفة من الدقيق ففرق زوجي عشرة على أهل مكة وأبقى لنا أربعة فنام فانتبه يبكي فقلت له ما بالك قال رأيت الساعة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وهي تقول لي يا سراج تأكل البر وأولادي جياع فنهض وفرق ما بقي على الأشراف وبقينا بلا شيء وما كنا نقدر على القيام من الجوع. وحكى المقريزي عن المعز بن العز قاضي الحنابلة وكان من جلساء الملك المؤيد أنه رأى نفسه كأنه بالمسجد النبوي وكأن القبر الشريف انفتح وخرج النبي وجلس على شفيره وعليه أكفانه وأشار إلي بيده فقمت إليه حتى دنوت منه فقال لي قل للمؤيد يفرج عن عجلان يعني ابن سعيد أمير المدينة وكان محبوسا سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة قال فصعدت للمؤيد وأخبرته وحلفت له ما رأيت عجلان هذا قط فلما انقضى المجلس قام بنفسه إلى مرماة النشاب ثم استدعى عجلان من البرج وأفرج عنه وأحسن إليه. قال التقي المقريزي وعندي عدة حكايات صحيحة مثل هذا في حق بني الحسن وبني الحسين فإياك والوقيعة فيهم وإن كانوا على أي حالة لأن الولد ولد على كل حال صلح أو فجر. قال ومن غريب ما اتفق أن السلطان ولم يعينه كحل الشريف مدراج بن مقبل بن مختار بن محمد بن راجح بن إدريس بن حسن ابن أبي عزيز بن قتادة بن إدريس بن مطاعن الحسيني حتى تفقأت حدقتاه وسالتا وورم دماغه وانتفخ وأنتن فتوجه بعد مدة من عماه إلى المدينة ووقف عند القبر المكرم وشكا ما به وبات تلك الليلة فرأى النبي فمسح عينيه بيده الشريفة فأصبح وهو يبصر وعيناه أحسن مما كانتا واشتهر ذلك في المدينة ثم قدم القاهرة فغضب السلطان ظنا منه أن من كحلوه حابوه فأقيمت عنده البينة العادلة بأنهم شاهدوا حدقتيه سائلتين وأنه قدم المدينة أعمى ثم أصبح يبصر وحكى رؤياه فسكن ما عند السلطان. وأخبرني بعض الأشراف الصالحين ممن أجمع على صحبة نسبه وصلاحه وصلاح آبائه قال كنت بالمدينة الشريفة فرأيت شريفا عند مكاس يأكل من طعامه ويلبس من ثيابه فاشتد إنكاري علىذلك الشريف وساء اعتقادي فيه فبت عقب ذلك فرأيت النبي جالسا في مجلس حافل والناس محيطون به صفا وراء صف وأنا من جملة الواقفين داخل الحلقة وإذا أنا أسمع قائلا يقول بصوت عال أحضروا الصحف. وإذا بأوراق على هيئة ما يكتب فيها مراسيم السلاطين جيء بها ووضعت بين يدي النبي ووقف إنسان بين يديه يعرضها على النبي ثم يعطيها لأربابها كل من طلع اسمه يعطى صحيفته قال فأول صحيفة عظيمة أخرجت وإذا بذلك الشريف الذي أنكرت عليه ينادى باسمه فخرج منحشو الحلقة حتى انتهى بين يدي النبي فأمر النبي أن يعطى صحيفته فأخذها وولى فرحا مسرورا. قال فذهب عن قلبي جميع ما كان فيه على ذلك الشريف واعتقدت فيه وعلمت بتقديمه على سائر الحاضرين أي وبان أن أكله من طعام ذلك المكاس إنما كان للضرورة التي تحل أكل الميتة. ومن ذلك ما أخبرني به بعض أكابر أشراف اليمن وصالحيهم لما وقع من أمير الحاج الفاجر المفسد المذموم المخذول ما سولت له نفسه الخبيثة من الهجوم على السيد الشريف صاحب مكة محمد أبي نمي زاد ترقيه وعلوه ببيته بمنى يوم عيد النحر ليقتله هو وأولاده في ساعة واحدة أعاذهم الله من ذلك فظفروا به وأرادوا قتله وجميع جنده لكنه أعني السيد أبا نمي خشي على الحجاج أن يقتلوا عن آخرهم فلا يفضل منهم عقال فأمسك عن قتاله ثم ذهب ليلة النفر إلى مكة والناس في أمر مريج فلم يزدد ذلك الجبار إلا طغيانا فنادى أن الشريف معزول فلما سمعت الأعراب بذلك سقطوا على الحجاج ونهبوا منهم اموالا لا تعد وعزموا على نهب مكة بأسرها واستئصال الحجاج والأمير وجنده فركب الشريف جزاه الله عن المسلمين خيرا وأثخن في الأعراب الجراح وقتل البعض فخمدوا واستمر ذلك بمكة والناس في أمر مريج بحيث عطلت أكثر مناسك الحج والجماعات وقاسوا من الخوف والشدة ما لم يسمع بمثله ثم رحل ذلك الجبار وهو يتوعد الشريف بأنه يسعى في باب السلطان في عزله وقتله وكان ذلك كله سنة ثمان وخمسين وتسعمائة قال ذلك الشريف فخرجت من مكة في تلك الأيام إلى جدة وأنا في غاية الضيق والوجل على الشريف وأولاده والمسلمين فلما قربت من جدة قبيل الفجر نزلت أستريح ساعة حتى يفتح سورها فرأيت في النوم النبي ومعه علي كرم الله وجهه وفي يده عصا معوجة الرأس وكأنه يضرب عن السيد الشريف أبي نمي ويقول لي أخبره بأنه لا يبالي بهؤلاء وأن الله ينصره عليهم. فما مضت إلا مدة يسيرة وإذا الخبر أتى من باب السلطان نصره الله وأيده بغاية الإجلال والتعظيم للسيد الشريف فنصره الله على ذلك المفسد ومن أغراه على ذلك وعاد أمر المسلمين إلى ما عهدوه من الأمن الذي لم يعهدوه في غير ولايته. وأخبرني بعض الناس أنه رأى يوم النحر في تلك الشدة السيد بركات والد أبي نمى وكان السيد بركات يترجم بالولاية راكبا فرسا عظيمة ومعه السيد الجليل عبد القادر الجيلاني على فرس أخرى فقال يا مولانا السيد بركات إلى أين أنت ذاهب في هذه الهمة العظيمة فقال إلى نصرة السيد أبي نمي. وكانت تلك الرؤية موافقة لهجوم ذلك الفاجر فخذله الله وخيبه. ورأى الناس في هذه الوقعة العجيبة الغريبة من المنامات الشاهدة بسلامة السيد أبي نمي وأولاده ما لا يحصى فلله الحمد على ذلك. وأخبرنا بعض الناس أن بعض صلحاء اليمن حج بعياله في البحر فلما وصلوا جدة فتشهم المكاسون حتى تحت ثياب النساء فاشتد غضبه فتوجه إلى الله في صاحب مكة السيد محمد بن بركات رحمه الله تعالى فرأى النبي وهو يعرض عنه فقال لم ذا يا رسول الله قال أما رأيت في الظلمة من هو أظلم من ابني هذا فانتبه مرعوبا وتاب إلى الله ألا يتعرض لأحد من الأشراف وإن فعل ما فعل. وحكى بعض الصالحين أن فاجرا بمصر أخذ شريفة قهرا ليفجر بها وكان أخص الناس بالسلطان وأقربهم عنده. قال فتحيرت لأن العشاء قد صليت ولم يبق إلا الإقدام على ذلك الأمر فتوسلت ببعض الصالحين فلم يمض إلا يسير وإذا الطلب جاء إليه من السلطان فأخذوه وخرجت الشريفة سالمة وكان في تلك الأخذة هلاك ذلك الفاجر عاجلا ببركة تلك الشريفة. وحكى لي بعض طلبة العلم أن إنسانا بمدينة فاس ثبت عليه القتل فأمر به القاضي ليقتل فأرسل السلطان وهو يقول للقاضي لا تقتله فإني رأيت النبي يقول لا تقتلوه. فقال القاضي لا بد من قتله فأراده في اليوم الثاني فأرسل السلطان يقول رأيت النبي قائلا ذلك ثانيا فلم يسمع القاضي وأراد قتله في اليوم الثالث فأرسل السلطان يقول رأيت النبي قائلا ذلك ثالثا فغضب القاضي وقال لا نترك الشرع بالمنام وإن تكرر فذهب به ليقتل وإذا إنسان يبرز لولي الدم وقد كان الناس عجزوا فيه أن يعفوا فلم يعف فبمجرد أن كلمه في العفو عفا فبلغ السلطان فأمر بالرجل فأحضر إليه فقال اصدقني ما شأنك فقال نعم قتلت من أثبت علي قتله لكني كنت أنا وهو على شرب فأراد أن يفجر بشريفة فمنعته فلم يمتنع عنها إلا بقتله فقتلته دفعا عن الزنا بها. فقال له السلطان صدقت ولولا ذلك ما رأيت النبي ثلاث مرات وهو يقول لي لا تقتلوه. ثالثا اللائق بواجب حقهم وتعظيمهم وتوقيرهم والتأدب معهم أن ينزلوا منازلهم وأن يعرف لهم شرفهم وأن يتواضع لهم في المجالس فإن لحبهم وإكرامهم أثرا بينا. منه ما رواه النجم بن فهد والمقريزي أن بعض القراء كان إذا مر بقبر تمرلنك قرأ ( خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ) الحاقة ٣٠ ٣١ الآية وكررها قال فبينا أنا نائم رايت النبي وهو جالس وتمرلنك إلى جانبه قال فنهرته وقلت إلى هنا يا عدو الله وأردت أن آخذ بيده وأقيمه من جانب النبي فقال لي النبي دعه فإنه كان يحب ذريتي فانتبهت فزعا وتركت ما كنت أقرؤه على قبره في الخلوة. وأخبر الجمال المرشدي والشهاب الكوراني أن بعض أبناء تمرلنك أخبر أنه لما مرض تمرلنك مرض الموت اضطرب في بعض الأيام اضطرابا شديدا فاسود وجهه وتغير لونه ثم أفاق فذكروا له ذلك فقال إن ملائكة العذاب أتوني فجاء رسول الله فقال لهم اذهبوا عنه فإنه كان يحب ذريتي ويحسن إليهم فذهبوا. وإذا نفع حبهم هذا الظالم الذي لا اظلم منه فكيف بغيره. وينبغي أن يزاد في إكرام عالمهم وصالحهم فقد روى أبو نعيم حديث ( إن الحكمة تزيد الشريف شرفا وترفع العبد المملوك حتى يجلس في مجالس الملوك ). وليحذر الإفراط في حبهم فقد قال كما روى أحمد بن منيع وأبو يعلى حديث ( يا علي يدخل النار فيك رجلان محب مفرط أي بتخفيف الراء ومبغض مفرط أي بتشديد الراء كلاهما في النار ). وما أحسن قول زين العابدين رضي الله عنه وعن أهل بيته يا أيها الناس أحبونا حب الإسلام فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارا. وقال مرة أخرى يا أهل العراق أحبونا بحب الإسلام فما زال حبكم بنا حتى صار سبة. وأثنى قوم عليه رضي الله عنه فقال لهم ماأجرأكم أو أكذبكم على الله نحن من صالحي قومنا فحسبنا أن نكون من صالحي قومنا. وقال بعضهم سألته وجماعة من أهل البيت جلوس هل فيكم من هو مفترض الطاعة قالوا من قال إن فينا هذا فهو والله كذاب. وقال الحسن بن الحسن بن علي رضي الله عنهم لرجل ممن يغلو فيهم ويحكم أحبونا لله فإن أطعنا الله فأحبونا وإن عصينا الله فأبغضونا قولوا فينا الحق فإنه أبلغ فيما تريدون ونحن نرضى به منكم.

فائدة دخل زيد بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم علىهشام بن عبد الملك فسلم عليه بالخلافة وتكلم فخشي منه فقال أنت الراجي للخلافة المنتظر لها وكيف ترجوها وأنت ابن أمة فقال يا أمير المؤمنين إن تعييرك إيامي بأمي ليس جوابا فإن شئت أجبتك وإن شئت أمسكت. قال بل أجب فما أنت وجوابك قال إنه ليس أحد أعظم عند الله عز وجل من نبي بعثه الله رسولا فلو كانت أم الولد تقصر به عن بلوغ الأنبياء والرسل لم يبعث الله إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وكانت أمه مع أم إسحاق كأمي مع أمك ولم يمنعه ذلك أن يبعثه الله نبيا وكان عند ربه مرضيا وكان أبا للعرب وأبا لخير النبيين وخاتم المرسلين والنبوة أعظم من الخلافة وما علا رجل بأمه وهو ابن رسول الله وهو ابن علي بن أبي طالب ثم خرج مغضبا. ولما ولي السفاح ورد عليه رأس مروان بن محمد وهو آخر ملوك بني أمية من مصر لأنه هرب من الشام لمصر وأن عبد الحميد الطائي نبش هشاما بالرصافة وصلبه وحرقه بالنار خر لله ساجدا وقال الحمد لله قد قتلت بالحسين بن علي رضي الله عنهما مائتين من بني أمية وصلبت هشاما بزيد بن علي وقتلت مروان بأخي إبراهيم.

نقلت من كتاب المختار في مناقب الأخيار للشيخ الإمام العلامة أبي السعادات ابن الأثير رحمه الله تعالى عليه قال قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه خرج إلى اليمن قبل أن يبعث النبي قال فنزلت على شيخ من الأزد عالم قد قرأ الكتب وعلم من علم الناس علما كثيرا وأتت عليه أربعمائة سنة إلا عشر سنين فلما رآني قال أحسبك حرميا. قال أبو بكر قلت نعم أنا من أهل الحرم. قال وأحسبك تيميا قلت نعم وأنا من تيم بن مرة أنا عبد الله بن عثمان بن عامر. قال بقيت لي فيك واحدة. قلت ما هي قال تكشف لي عن بطنك. قلت لا أفعل أو تخبرني. قال أجد في العلم الصحيح الزكي الصادق أن نبيا يبعث في الحرم يعاونه على أمره فتى وكهل فأما الفتى فجواس غمرات ودفاع معضلات وأما الكهل فأبيض نحيف على بطنه شامة وعلى فخذه شامة وعلى فخذه الأيسر علامة وما عليك أن تريني ما سألتك فقد تكاملت لي فيك الصفة إلا ما خفي علي. قال أبو بكر فكشفت له عن بطني فرأى شامة سوداء فوق سرتي فقال أنت هو ورب الكعبة وإني متقدم إليك في أمر فاحذره. قلت وما هو قال إياك والميل عن طريق الهدى وتمسك بالطريقة الوسطى وخف الله فيما خولك وأعطاك. فقال أبو بكر فقضيت في اليمن غرضي ثم أتيت الشيخ أودعه فقال أحامل أنت عني أبياتا قلتها في ذلك النبي قلت نعم فأنشد يقول

ألم تر أني قد وهنت معاشري ** ونفسي وقد أصبحت في الحي ماهنا

حييت وفي الأيام للمرء عبرة ** ثلاث مئين ثم تسعين آمنا

وذكر أبياتا عدة منها

وقد خمدت مني شرارة قوتي ** وألفيت شيخا لا أطيق الشواحنا

فما زلت أدعو الله في كل حاضر ** حللت به سرا وجهرا معالنا

فحي رسول الله عني فإنني ** على دينه أحيا وإن كنت واكنا

وقال أبو بكر فحفظت وصيته وشعره وقدمت مكة. وبعث النبي فجاءني عقبة بن أبي معيط وشيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام وصناديد قريش فقلت لهم هل نابتكم نائبة أو ظهر فيكم أمر قالوا يا أبا بكر أعظم الخطب وأجل النوائب يتيم أبي طالب يزعم أنه نبي ولولا أنت ما انتظرنا فإذ قد جئت فأنت الغاية والكفاية. قال أبو بكر فصرفتهم على حس ومس وسألت عن النبي فقيل إنه في منزل خديجة فقرعت عليه الباب فخرج إلي فقلت يا محمد فقدت من منازل أهلك واتهموك بالفتنة وترك دين آبائك وأجدادك قال ( يا أبا بكر إني رسول الله إليك وإلى الناس كلهم فآمن بالله ) فقلت وما دليلك على ذلك قال ( الشيخ الذي لقيته باليمن ) فقلت فكم من مشايخ لقيت باليمن واشتريت وأخذت وأعطيت. قال ( الشيخ الذي أفادك الأبيات ) فقلت ومن خبرك بها يا حبيبي قال ( الملك العظيم الذي يأتي الأنبياء قبلي ). قلت مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. قال أبو بكر فانصرفت ولا بين لابتيها أشد سرورا من رسول الله. نقل من كتاب الشرح والإبانة عن أصول السنة والديانة قال سفيان الثوري من فضل عليا على أبي بكر وعمر فقد عابهما وعاب من فضله عليهما. وقال جابر بن عبد الله قال لي محمد بن علي عليه السلام يا جابر بلغني أن أقواما بالعراق يتناولون أبا بكر وعمر ويزعمون أنهم يحبونا ويزعمون أني أمرتهم بذلك فبلغهم أني إلى الله منهم بريء والذي نفسي بيده لو وليت لتقربت بدمائهم إلى الله عز وجل. وقال سليمان كنت عند عبد الله بن الحسين بن حسن فقال له رجل أصلحك الله من أهل ملتنا أحد ينبغي أن نشهدك عليه بشرك قال نعم الرافضة أشهد أنهم مشركون فكيف لا يكونون مشركين ولو سألتهم أأذنب النبي لقالوا نعم وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولو قلت لهم أأذنب علي رضي الله عنه لقالوا لا ومن قال ذلك عليه فقد كفر. وقال محمد بن علي بن الحسين من فضلنا على أبي بكر وعمر فقد برىء من سنة جدنا ونحن خصماؤه عند الله. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال النبي ( سيأتي قوم لهم نبز يقال لهم الرافضة أين لقيتهم فاقتلهم فإنهم مشركون ) قلت يا رسول الله وما العلامة فيهم قال ( يقرظونك بما ليس فيك ويطعنون على السلف الأول ). وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال النبي ( يخرج قبل قيام الساعة قوم يقال لهم الرافضة برآء من الإسلام ). ثم يجب الإيمان والمعرفة بأن خير الخلق وأفضلهم وأعظمهم منزلة عند الله بعد النبيين والمرسلين وأحقهم بخلافة رسول الله أبو بكر الصديق عبد الله بن عثمان وهو عتيق ابن أبي قحافة رضي الله عنه ونعلم أنه مات رسول الله ولم يكن على وجه الأرض أحد بالوصف الذي قدمنا ذكره غيره رحمة الله عليه ثم من بعده على هذا الترتيب والصفة أبو حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو الفاروق ثم من بعدهما على هذا الترتيب والنعت عثمان بن عفان وهو أبو عبد الله وأبو عمرو ذو النورين ثم على هذا النعت والصفة من بعدهم أبو الحسن بن علي بن أبي طالب وهو الأ نزع البطين صهر رسول رب العالمين صلوات الله ورحمته وبركاته عليه وعليهم أجمعين فبحبهم ومعرفة فضلهم قام الدين وتمت السنة وعدلت الحجة. وتشهد للعشرة بالجنة بلا شك ولا استثناء وهم أصحاب النبي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح فهؤلاء لا يتقدمهم أحد في الفضل والخير وتشهد لكل من شهد له رسول الله بالجنة وأن حمزة سيد الشهداء وجعفر الطيار في الجنة والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وتشهد لجميع المهاجرين والأنصار بالرضوان والتوبة والرحمة من الله لهم. ثم بعد ذلك تشهد لعائشة رضي الله عنها بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أنها الصديقة الطاهرة المبرأة من السماء على لسان جبريل إخبارا من الله متلوا في كتابه مثبتا في صدور الأمة ومصاحفها إلى يوم القيامة وأنها زوجة رسول الله فاضلة وأنها زوجته وصاحبته في الجنة وهي أم المؤ منين في الدنيا والآخرة فمن شك في ذلك أو طعن فيه أو توقف عنه فقد كذب بكتاب الله وشك فيما جاء به رسول الله وزعم أنه من عند غير الله قال الله تعالى ( يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ) النور ١٧ فمن أنكر هذا فقد برىء من الإيمان وتحب جميع أصحاب رسول الله على مراتبهم ومنازلهم أولا فأولا وتترحم على أبي عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان أخي أم حبيبة زوجة رسول الله خال المؤمنين أجمعين كاتب الوحي وتذكر فضائله وتروي ما روى فيه عن رسول الله فقد قال ابن عمر رضي الله عنهما كنا مع رسول الله فقال ( يدخل عليكم من هذا الفج رجل من أهل الجنة ) فدخل معاوية رضي الله عنه فتعلم أن هذا موضعه ومنزلته ثم تحب في الله من أطاعه وإن كان بعيدا منك وخالف مرادك في الدنيا وتبغض في الله من عصاه ووالى أعداءه وإن كان قريبا منك ووافق هواك في دنياك. نقل من كتاب الغنية لطالبي الحق عز وجل تأليف الشيخ الإمام العالم العلامة القطب الرباني أبي صالح عبد القادر الجيلي نفعنا الله ببركته في الدنيا والآخرة وفيه وقد روي عن إمامنا أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رحمة الله عليه رواية أخرى أن خلافة أبي بكر رضي الله عنه ثبتت بالنص الجلي والإشارة وهو مذهب الحسن البصري وجماعة من أصحاب الحديث رضي الله عنهم وجه هذه الرواية ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال ( لما عرج بي سألت ربي عز وجل أن يجعل الخليفة من بعدي علي بن أبي طالب فقالت الملائكة يا محمد إن الله يفعل ما يشاء الخليفة من بعدك أبو بكر ). وقال في حديث ابن عمر رضي الله عنهما ( الذي بعدي أبو بكر لا يثبت بعدي إلا قليلا ). ومنه وأن لا يكاثر أهل البدع ولا يدانيهم ولا يسلم عليهم لأن إمامنا أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله عليه قال من سلم على صاحب بدعة فقد أحبه لقول النبي ( أفشوا السلام بينكم تحابوا ) ولا يجالسهم ولا يقرب منهم ولا يهنيهم في الأعياد وأوقات السرور ولا يصل عليهم إذا ماتوا ولا يترحم عليهم إذا ذكروا بل يباينهم ويعاديهم في الله عز وجل معتقدا محتسبا بذلك الثواب الجزيل والأجر الكبير. وروي عن النبي أنه قال ( من نظر إلى صاحب بدعة بغضا له في الله ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا ومن انتهر صاحب بدعة آمنه الله يوم الفزع الأكبر ومن استحقر صاحب بدعة رفعه الله في الجنة مائة درجة ومن لقيه بالبشر أو بما يسره فقد استخف بما أنزل الله على محمد ). عن أبي المغيرة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال قال رسول الله ( أبى الله عز وجل أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته ). وقال فضيل بن عياض رحمه الله تعالى من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإيمان من قلبه وإذا علم الله عز وجل من رجل أنه مبغض لصاحب بدعة رجوت الله عز وجل أن يغفر له وإن قل عمله وإذا رأيت مبتدعا في طريق فخذ طريقا أخرى. وقال فضيل بن عياض رضي الله عنه سمعت سفيان بن عيينة رضي الله عنه يقول من تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله عز وجل حتى يرجع وقد لعن النبي المبتدع فقال ( من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا يقبل منه صرفا ولا عدلا ) يعني بالصرف الفريضة وبالعدل النافلة

باب في التخيير والخلافة

وكان خير الناس بعده وبعد النبيين والمرسلين أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقد تواترت بذلك الأحاديث المستفيضة الصحيحة التي لا تعتل المروية في الأ مهات والأصول المستقيمة التي ليست بمعلولة ولا سقيمة. قال سبحانه ( ولا يأتل أولوا الفضل ) النور ٢٢ فنعته بالفضل ولا خلاف أن ذلك فيه رضوان الله عليه وقال سبحانه ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن ) التوبة ٤٠ فشهدت له الربوبية بالصحبة وبشره بالسكينة وحلاه بثاني اثنين كما قال علي كرم الله وجهه من يكون أفضل من اثنين الله ثالثهما وقال سبحانه ( والذي جاء بالصدق وصدق به ) الزمر ٣٣ لا خلاف أنه فيه رضي الله عنه وهو قول جعفر الصادق رضوان الله عليه. وقول علي رضي الله عنه في التفسير ظاهر أن الذي جاء بالصدق رسول الله والذي صدق به أبو بكر وأي منقبة أبلغ من هذا. ولما أخبرنا سبحانه وتعالى أنه لا يستوي السابقون ومن بعدهم بقوله سبحانه وتعالى ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى ) والخبر في البخاري مسطور أن عقبة بن أبي معيط وضع رداء رسول الله في عنقه وخنقه فأقبل أبو بكر يعدو حول الكعبة ويقول أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله قال فترك رسول الله وأقبلوا على أبي بكر فضربوه حتى لم يعرف أنفه من وجهه فكان أول من جاهد وقاتل ونصر دين الله وفدى الشخص الذي به قام الدين وظهر وهو أول القوم إسلاما وذلك ظاهر جلي. وقال جابر بن عبد الله الأنصاري كنا ذات يوم على باب رسول الله نتذاكر الفضائل فيما بيننا إذ أقبل علينا رسول الله فقال ( أفيكم أبو بكر ) قالوا لا. قال ( لا يفضلن أحد منكم على أبي بكر فإنه أفض لكم في الدنيا والآخرة ). وخبر أبي الدرداء المشهور قال رآني رسول الله وأنا أمشي أمام أبي بكر وقال ( يا أبا الدرداء أتمشي أمام من هو خير منك ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر ) ومن وجه آخر ( أتمشي بين يدي من هو خير منك ) فقلت يا رسول الله أبو بكر خير مني قال ( ومن أهل مكة جميعا ) قلت يا رسول الله أبو بكر خيروني ومن أهل مكة جميعا قال ( ومن أهل المدينة جميعا ) قلت يا رسول الله أبو بكر خير مني ومن أهل الحرمين قال ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء بعد النبيين والمرسلين خيرا وأفضل من أبي بكر. ونذكر في كثير منها تخيير عمر بعده ثم عثمان ثم علي. فمن ذلك خبر أبي عقال وقد رواه مالك وقد سأل عليا كرم الله وجهه وهو على المنبر من خير الناس بعد رسول الله فقال أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم أنا وإلا فصمت أذناي إن لم أكن سمعته من رسول الله وإلا فعميت وأشار إلى عينيه إن لم أكن رأيته يعني رسول الله يقول ( ما طلعت الشمس ولا غربت على رجلين أعدل ولا أفضل ) وروي ( ولا أزكى ولا خيرا من أبي بكر وعمر ). وقد روى محمد بن الحنفية قال سألت والدي عليا وأنا في حجره فقلت يا أبت من خير الناس بعد رسول الله فقال أبو بكر قلت ثم من قال ثم عمر ثم حملتني حداثة سني قلت ثم أنت يا أبتي فقال أبوك رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم. وخبر أبي هريرة عن رسول الله ( أبو بكر وعمر خير أهل السماء وخير أهل الأرض وخير الأولين وخير الآخرين إلا النبيين والمرسلين ). وقال ( علي وفاطمة والحسن والحسين أهلي وأبو بكر وعمر أهل الله وأهل الله خير من أهلي ). وقال ( لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان الأمة لرجح ). وخبر عمار بن ياسر رضي الله عنه المشهور قال قلت يا رسول الله أخبرني عن فضائل عمر. فقال ( يا عمار لقد سألتني عما سألت عنه جبريل عليه السلام فقال لي يا محمد لو مكثت معك ما مكث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما أحدثك في فضائل عمر ما نفدت وإن عمر لحسنة من حسنات أبي بكر ). وقال ( قال لي ربي عز وجل لو كنت متخذا بعد أبيك إبراهيم خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولو كنت متخذا بعدك حبيا لاتخذت بعد أبيك إبراهيم خليلا ولو كنت متخذا بعدك حبيبا لاتخذت عمر حبيبا ). نقل ذلك من تفسير القرآن العظيم للبغوي رحمه الله تعالى في آخر سورة الحشر في قوله تعالى ( والذين جاؤا من بعدهم ) يعني التابعين وهم الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة ثم ذكر أنهم يدعون لأنفسهم ولمن سبقهم بالإيمان بالمغفرة فقال ( يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا ) غشا وحسدا وبغضا ( للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) الحشر ١٠ فكل من كان في قلبه غل على أحد من الصحابة ولم يترحم على جميعهم فإنه ليس ممن عناه الله بهذه الآية لأن الله رتب المؤمنين على ثلاثة منازل منازل المهاجرين ومنازل الأنصار ومنازل التابعين الموصوفين بما ذكر فمن لم يكن من التابعين بهذه الصفة كان خارجا من أقسام المؤمنين قال ابن أبي ليلى الناس على ثلاثة منازل الفقراء المهاجرين والذين تبوؤا الدار والإيمان والذين جاؤا من بعدهم فاجتهد أن لا تكون خارجا من هذه المنازل. أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي أنبأنا عبد الله بن خليل حدثنا أحمد بن عبد الله بن سليمان حدثنا ابن نمير حدثنا أبي عن إسماعيل بن إبراهيم عن عبد الله بن عمير عن مسروق عن عائشة قالت أمرتم بالاستغفار لأصحاب النبي فسببتموهم سمعت نبيكم يقول ( لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها ). قال مالك بن مغرور قال عامر بن شراحيل الشعبي يا مالك تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة سئلت اليهود من خير أهل ملتكم فقالوا أصحاب موسى عليه السلام وسئلت النصارى من خير أهل ملتكم فقالوا حواري عيسى عليه السلام وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم فقالوا أصحاب محمد أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة لا تقوم لهم راية ولا يثبت لهم قدم ولا تجتمع لهم كلمة. كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله بسفك دمائهم وتفريق شملهم وإدحاض حججهم أعاذنا الله وإياكم من الأهواء المضلة. قال مالك بن أنس من تنقص أحدا أحدا من أصحاب رسول الله أو كان في قلبه عليهم غل فليس له حق في فيء ثم تلا ( ماأفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ) حتى أتى هذه الآية ( للفقراء المهاجرين... ) ( والذين تبوؤا الدار والإيمان ) ( والذين جاؤوا من بعدهم ) إلى قوله ( رؤوف رحيم ) الحشر ١٠. نقل البغوي رحمه الله في قوله ( ثاني اثنين ) التوبة ٤٠ قال رسول الله لأبي بكر ( أنت صاحبي في الغار وصاحبي على الحوض ). قال الحسن بن الفضل من قال إن أبا بكر رضي الله عنه لم يكن صاحب رسول الله فهو كافر لإنكار نص القرآن وفي سائر الصحابة إذا أنكر يكون مبتدعا لا كافرا.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما أبدا إلى يوم الدين.


هامش

  1. سورة الحشر 8: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ