انتقل إلى المحتوى

نبه نديمك للصبوح وهاتها

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

نبِّهْ نديمك للصَّبوح وهاتِها

​نبِّهْ نديمك للصَّبوح وهاتِها​ المؤلف لسان الدين الخطيب


نبِّهْ نديمك للصَّبوح وهاتِها
كالشمس تشرقُ من جميع جِهاتها
واصرِفْ بصرَفِ الراح همَّا كامناً
واحيي السُّرور تنعُّماً بحياتِها
صفراءُ تصفرُ عن حباب كؤوسها
رقَّتْ فرقَّ لنا الزمان بذاتِها
أبدى عليها المزْجُ در حبابِهِ
فتخالُهُ دُرا على لبَّاتها
وكأنما بين النَّدامى أطلعت
بدراً بجنح الليل من آياتِها
أكرم بها فالصَّفو بعض صِفاتها
وتصادُقُ الأعداء من عاداتِها
من كفِّ ساجيةِ الجفون كأنما
هبَّت وفي الأجفان بعض سِناتها
ولِثغرها عندَ ابتسامِ أقاحِهِ
بدرٌ تألق في سنا وجَناتها
سقياً لأربُعها وإن هي أخلفَتْ
ديمٌ سقتها العين من عَبَراتها
دع عنْك هِنداً والديار ومن بها
ودع الغرامَ يكونُ بعض عفاتِها
وانهض بِمدحتِكَ التي حلَّيتها
بثنا أمير المسلمين وهاتِها
ملكٌ أعدَّتْه الخلافةُ ناشئاً
والذُّعر يبرق تحت حدِّ ظُباتِها
فغدا أحق بها وقام بعبئِها
وسما بأقربِها إلى غاياتِها
وأتاحَ أندلُساً بحدِّ حسامِ
نصراً فأحيا الأرضَ بعد مَماتِها
وأفاضَ ماءَ العدل في أقطارِها
فنَما بذاك الماء غضٌ نباتِها
وغدا بها المعروفُ عُرفاً جارياً
فارتاحت الأيامُ من أزماتِها
حتى السُّيوف غدت كبعضِ عُفاتِهِ
سالت فأقطعَها رِقابَ عُداتِها
كيف اهْتدى قَبْضَ العِنانِ بأنْمُل
نشأَتْ وليس القَبْضُ من عاداتِها
يا خيْرَ من وطىء العِتاقَ رِكابُهُ
وأعزَّ من حمَلَتْ على صهواتِها
بَلَغَتْ ملوكَ الرّومِ عنك مهابَةٌ
فغدتْ تمُجُّ الرِّيق في لهواتِها
لا غَرو أنّ الرّومَ خامَرَ قلْبَها
فالأُسْدُ تُخْشى وهي في أجماتِها
لِمُحمَّد بن أبي الوليدِ شمائلٌ
غُرٌّ بدَتْ والحُسْنُ بعضُ صفاتِها
ومكارِمٌ قد أعجزَتْ مَنْ رامَها
تسْتغرقُ الدنيا أقلُّ هِباتِها
أمحمَّد أبْليتَ دينَ محمدٍ
حسْنَى بَقاء الذِّكرِ مِن حَسَناتها
هذي الجزيرةُ لا تزالُ عزيزةً
محفوظة بِكَ يا إمامَ وُلاتِها
إن طافَ شيطانُ العِدا بِسمائِها
رجَمَتْهُ شُهْبٌ صَلاتِها وزكاتِها
لمّا دعَتْكَ لنصرها لبَّيْتها
ورضيتَ بذْلَ النَّفسِ في مرضاتِها
وهزَزْتَ دوْحَ العزْمِ في روْضِ الرَّجا
فجنَيْتَ غضَّ النّصْرِ مِن ثمراتِها
وحسبْتَ بحرَ الماءِ كفَّكَ بالنِّدا
فصدمْتَها مُسْتأنِسا بهباتِها
وأتيْتَ فِعْلةَ جدِّكَ الأرْضى التي
لا يرْتضي العلياءَ مَنْ لم يأتِها
فلْيَهْنَ أنْدَلُساً قُدومُكَ إنّه
حِرْزٌ لها من طاغياتِ عُتاتِها
تُنْسي فِعالَ أبيكَ في آبائهمْ
والشِّبْلُ نِدُّ الأُسْدِ في فَعَلاتِها
فالله يَخْدُمُكَ الكواكبَ عزّةً
لك سَعْدُها واليُمْنُ مِن تَبَعاتِها
ويقِرّ عيْنُ الملْكِ بالقمرِ الذي
خضَعَتْ له الأقمارُ في هالاتِها
هذه عروسُ قصائدي حلَّيْتُها
ورفَفْتُها في السَّعْدِ مِنْ ساعاتِها
لك يا أميرَ المسلمينَ فعِمْ بها
ولي الهناءُ على بناءِ أبياتِها
كَرُمَتْ بِنِسْبَتِها إليك فحقُّها
أنْ يُعْتنى بروِيِّها ورُواتِها
وعلى مقامِكُمْ سلامٌ عاطرٌ
تُهْديهِ دارينُ لدى نفحاتِها