انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 289/المجمع اللغوي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 289/المجمع اللغوي

مجلة الرسالة - العدد 289
المجمع اللغوي
ملاحظات: بتاريخ: 16 - 01 - 1939



وإصلاح لغة الحياة اليومية

للأستاذ عبد القادر المغربي

عضو المجمع

ذكرنا من قبل أن المجمع اللغوي قد اتجه إلى الاتصال

بالمصالح الشعبية لتناول الرأي معها في المصطلحات. وقد

سألنا صديقنا الأستاذ المغربي عن الطريقة التي بسط فيها رأيه

في وجوب عناية المجمع بكلمات الحياة اليومية والحاجة

الداعية إلى هذه العناية فأرسل إلينا هذا المقال.

أمهات الأعمال التي قام بها المجمع في دوراته الماضية خمس:

1 - أوضاع في العلوم والفنون لطلاب المدارس

2 - كلمات في الشئون العامة لجمهور المتكلمين باللغة العربية

3 - تسهيل قواعد اللغة

4 - كتابة الأعلام الأجنبية بوضع علامات اصطلاحية على الحروف العربية

5 - الاهتمام بوضع معجمين: أحدهما علمي للطلاب والآخر لغوي لجمهرة المثقفين

وقد بذل المجمع همة عالية في مباشرة أعماله هذه وكان سعيه موفقاً فيها. اللهم إلا ناحية واحدة من هذه الأعمال مازالت محتاجة إلى عناية وتخير أقرب الطرق لحسن الإنتاج فيها

وأريد بتلك الناحية إصلاح لغة الحياة اليومية التي ترجم لها المجمع بقوله (كلمات الشئون العامة) - كأدوات المنازل وما تتناقله الألسنة والأقلام في الدواوين والأندية والمدارس والمتاجر مما يعبر عنه بألفاظ دخيلة أو عامية: فقد وضع المجمع لهذه الشئون أكثر من مائتي كلمة. ومن مواضع العجب أن هذه الكلمات تكاد تكون وحدها مثار اللغط في نقد المجمع والغض من قيمة إنتاجه وهذا يدل على أن (كلمات الحياة العامة) هي أول ما يتشوّف إليه الجمهور من نتائج أعمال المجمع. لأن اللغة اليومية أصبحت قطعةً من حياته وجزءاً من عقليته. فلا جرم أن يكون إصلاحُ هذه اللغة وتقويمُ اعوجاجها مثَلَه الأعلى وموضع رغبته المُلحَّة على اختلاف الطبقات:

من طلاب المدارس الذين أضربوا منذ أشهر وكان من جملة شروط الرجوع عن إضرابهم أن تدخل اللغة العربية في البنوك الأجنبية كما أشار إلى ذلك بعض الصحف اليومية

- إلى رجال الصحافة الذين قال أحدهم في (رسالته): (تريد اللغة العربية من أولياء العهد الجديد أن تأخذ مكانها الشرعي في المحاكم المختلطة، وأن تُطَّهر من شوائب العُجمة في الدواوين والقوانين والجيش)

- إلى طبقة التجار والمستبضعين الذين كان تَعَرَّض لي أحدهم في الشارع وسألني أن أتوسط المجمع في وضع كلمة عربية تقوم مقام كلمة (مانيكور الفرنسية ويراد بها علبة تتضمن مجموعة أدوات تُسَوَّى بها الأظفار وتجمَّل. فلم أوفق إلى إجابة سؤله واستمهلته ريثما يأتي دور هذه الكلمة في (كلمات الشئون العامة) التي يضعها المجمع. أجبته بهذا وأنا خجِلٌ وكأنني أسمعه يقول لي: إلى أن يأتي دور هذه الكلمة تكون تغلغلت في لغتنا، ومَرِنت عليها ألسنةُ زبائننا والمستَخْدمين في مخازننا، فيصعب إذ ذاك تطهير اللغة منها. هكذا تخيَّلته يقول لي. ومازلت أتحين الفرص للعود إلى الحديث مع المجمع في هذا الموضوع حتى كلَّفتني إدارته أخيراً تهيئة اقتراح أقدمه إليه في جملة الاقتراحات التي طلبت من الأعضاء

فقلت: ها قد سنحت الفرصة لاستمالة نظر الإخوان إلى هذه المسألة التي إذا قضوا فيها أمراً كان قضاؤهم مؤدياً إلى إصلاح اللغة اليومية. وهو ما يرغب فيه الجمهور بأشد من رغبته في أعمال المجمع الأخرى: فإن المصطلحات الفنية التدريسية، وتسهيل قواعد اللغة، وكتابة الأعلام الجغرافية، ووضع المعاجم، وتحقيق ألفاظها التاريخية - كل ذلك على ضرورته، إنما تلمس فائدته بعد سنين. ولا يلمسها ويستفيد منها إلا طبقة المثقفين. فتبقى الحاجة ماسة والنقص ظاهراً في نتائج أعمال المجمع في نظر الجمهور كما يبقى المجال واسعاً أمام الناقدين.

والحق يقال إن اكتفاء المجمع في أن يضع من نفسه لنفسه كلمات يسميها كلمات الشئون العامة ومعظمها من غريب اللغة ثم يودعها معجمه أو مجلته - محاولة قليلة الفائدة لا تحقق الجانب الأعظم من المثل الأعلى الذي أنشئ المجمع لأجله، ولا تشفي غلة جمهور الراغبين في تعميم الإصلاح لكل ناحية من نواحي الثقافة اللغوية.

ولا يخفى أن حكم الجمهور - في عرض المعلومات اللغوية عليه - ليس كحكم تلاميذ المدارس الذين تملى عليهم إرادة أساتذتهم فيتلقَّوْنها من دون تذمر ولا مناقشة، وإنما الجمهور كالمستهلك أمام مخزن التاجر وبضاعته. فإن وافقت ذوقه وإلا هجرها وبحث عن أخرى غيرها.

وفي المادة الثانية من مرسوم إنشاء المجمع الملكي إشارة إلى أن هنالك طرقاً يمكن سلوكها في جعل اللغة العربية وافيةً بحاجات الحياة في العصر الحاضر. وذلك (بأن يُحدد في معاجم أو تفاسير خاصة أو بغير ذلك من الطرق ما ينبغي استعماله أو تجنبه من الألفاظ والتراكيب)

فأنا أرى أن يستفيد المجمع من هذه الطُرُق التي أشار إليها المرسوم (في جعل اللغة وافيةً بحاجات الحياة في العصر الحاضر) فتتألف لجنة من أعضائه تسمى (لجنة لغة الحياة العامة) أو (لجنة اللغة اليومية) ويكون لها فوق ذلك وظيفة الدعاية والنشر والاتصال بجمهور المتكلمين اليوميين على اختلاف أعمالهم ومصالحهم. فتتلقى من إدارات الصحف والدواوين والمحاكم والجمارك والبنوك والمعامل والمتاجر بل من كل سائل الإشكالَ الذي يعرِض له في شأن وضع كلمة عربية مكان كلمة أعجمية، أو استعمال تعبير فصيح مكان تعبير دخيل، أو غير ذلك من الأسئلة المتعلقة باللغة اليومية مفرداتها وتراكيبها. .

وتعلن اللجنة اشتراطها على السائلين ألا تتجاوز أسئلتهم الاثنين أو الثلاثة لتتمكن من موافاة رغبتهم بالسرعة المطلوبة فتقرُّ بعض الكلمات أو التراكيب المختلف في صحتها أو تضع مكانها كلمات أو تراكيب عربية ثم تأخذ رأي المجمع فيما فعلت، ثم تنشره في الصحف اليومية تحت عنوان (أوضاع لغوية مؤقتة) فتسمع رأي الفضلاء في هذه الأوضاع وتعّدل فيه وتحوّر حتى تنتهي إلى نتيجة يطمئن إليها القلب ويُرضى أكثرية السائلين، والصحف اليومية ومحرروها هم لعمري أول من يحسن أن تعتمد عليهم اللجنة في مؤازرتها وترويج عملها

نعم إن في هذا العمل كلفة وفيه مشقة، ولكن فيه فائدة عاجلة، وإجابة رغبة مُلحة، وإصلاحاً مباشراً محسوساً

هذا هو الاقتراح الذي قدمته إلى المجمع ويكفيني منه أن يقبله مبدئياً ثم هو ينظر في تنظيمه وتهيئة الوسائل التي تجعله منتجاً مثمراً

على أن اقتراحي هذا له التفات إلى اقتراح آخر علاقته به علاقة البناء بالأساس. ذلك أن قرار (التعريب) الذي وضعه المجمع في دورته الأولى كان مضيقاً جداً مذ جُعل التعريب فيه من حق عرب الصدر الأول بحيث لا يجوز لنا نحن أن نقدم عليه ونقتحم حرمه إلا عند تحقق الضرورة القصوى. وتحديد هذه (الضرورة) من أصعب الأمور. كما أن إبهامها وشمول لفظها يؤدي بطبيعة الحال إلى جدل واختلاف كبير

ولعل المجامع اللغوية التي كانت تقوم في القاهرة لم تخفق في عملها إلا لاصطدامها بصخرة التعريب وتضييق الخناق فيه

فاللجنة التي اقترحت تأليفها وسميتها (لجنة لغة الحياة العامة) لا أراها تبلغ غرضها وتؤتي أكلها ما لم يعدِّل المجمع قرار التعريب المذكور، فيجيز التعريب لنفسه بشروط أرفه وأوسع مما فصله في توجيه قراره الذي نشره في الجزء الأول من مجلته

فإن قدرت اللجنة على إقناع المجمع بذلك وإلا فلتقنعه على الأقل بلزوم قبول الكلمات الدخيلة اليومية المتفشية في لغتنا، والتي أصبح من المتعذر تطهيرها منها بالرغم من وضعنا لكثير منها مرادفات عربية فصيحة فماتت الفصحى وبقيت هي، أو بقيت الفصحى حية بجانبها: مثلما بقيت كلمة (بريد) حية بجانب كلمة (بوسطة)، و (حوذي) بجانب كلمة (عربجي)، و (ردهة) بجانب (صالون)، و (مضخّة) بجانب (طلمبة)، و (فندق) بجانب (أوتيل)

ولم تقو هذه الكلمات العربية على إماتة الأعجميات، كما لم تقو كلمات (المغْد. والكهكَب. والأَنَب. والحَيْصل. والحدَق) العربية على إماتة أختهن الأعجمية. أعني كلمة (الباذنجان)

وهأنذا أذكر طائفة من الكلمات المعربة الفاشية إلى أقصى حد في لغتنا اليومية لتكون نموذجاً لما أريده بالكلمات العصرية التي لا تمكن إماتتها وينبغي الترخص في استعمالها: سينما. صالون. عَرَبة. عربجي. كلسون. جرنال. دستة. غاز. سراي. بلكون. شاويش. طاولة. سَبَت. شوال. بنك. بوسطة. فُرْشة. شنطة. فِلْم. كادر. أوتيل. كُبْري. بُرْنيطة. طلمبة. بوفيه

ولماذا لا يكون لهذه الكلمات التي وُلدت تحت مواقع أبصارنا حق في الحياة أسوة بكلمات أعجمية أخرى توارثنا استعمالها من دون نكير ولا يعرفها سلفنا الأول مثل كلمة: بقجة. بُودَقة. بركار. تخت. درابزين. دربس. دَرْفة. ماهيّة. طربوش. فوطة. الخ

ويمكن تلخيص اقتراحي في هاتين الجملتين:

1 - وجوب الاتصال بالجمهور للاستعانة به في إصلاح لغته

2 - تعديل قرار التعريب: إما بتجويزه للمجمع، بمقياس أوسع، وإما باستثناء المعربات الحديثة التي تحجرت في لغتنا اليومية وأصبح من المستعسر تجنب استعمالها.

المغربي